حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

هل كولين فاريل خير بديل لأرنولد شوارتزنيغر في «توتال ريكول» الجديد؟

لوس أنجليس: محمد رُضا

 

* نسخة بول فرهوفن ـ أرنولد شوارتزنيغر سنة 1990 مستوحى من رواية لكاتب الخيال العلمي فيليب ك. دِك بعد أسبوع أو نحوه، سنرى كيف ارتدى الممثل البريطاني كولين فاريل ثياب أرنولد شوارتزنيغر وعما إذا كان القياس ناسبه بالفعل. ففاريل يؤدي بطولة واحد من تلك الأفلام الناجحة التي مثّلها شوارتزنيغر حين كان لا يزال يملك ناصية النجاح في مطلع التسعينات. ففي عام 1990 لعب بطولة فيلم «توتال ريكول» الذي أخرجه الهولندي بول فرهوفن وشاركته بطولته الممثلة التي لم نعد نسمع عنها شيئا شارون ستون.

في هذا العام سنرى إعادة صنع لذلك الفيلم يشرف عليها المخرج لن وايزمان ويؤدي فيها فاريل دور شوارتزنيغر في حين تمثل كايت بيكنسال الشخصية التي أدّتها ستون. ولن ينفع محاولة عدم التذكّر والمقارنة إلا مع الذين لم يشاهدوا الفيلم السابق. أما أولئك الذين شاهدوه ولو مرّة على الأقل، فسوف ينقسمون بين من سيجد أن الفيلم السابق كان أفضل وبين من سيضع في الحسبان التطوّرات التي وقعت على مستوى الغرافيكس والمؤثرات الخاصّة وسيجد أن هذا الفيلم هو لعبة أكثر تنوعا واحتواء على عناصر الدهشة.

الفيلم الجديد يحافظ على الحبكة كما هي: رجل (من المفترض أن يكون عاديا) يشترك في تجربة تقوم على تحقيق الأمنيات بإدخاله في عالم مواز لذلك العالم الذي يعيش به. رحلة تبدأ بجلوسه فوق كرسي تحيط به الكابلات الخاصّة وأجهزة الفيديو وصمّامات التواصل تأخذه إلى حيث يود الذهاب. لكن شيئا خطأ وقع في هذه التجربة لأن الرجل حين يعود إلى أرض الواقع لا يعود وحده، بل هناك الآن من يلاحقه لكي يقتله.

نسخة بول فرهوفن/ أرنولد شوارتزنيغر سنة 1990 قامت على سيناريو كتبه كل من دان أوبانون ورونالد شوسيت مستوحى من رواية لكاتب الخيال العلمي فيليب ك. دِك عنوانها We Can Remember It For You Wholesale تقع أحداثها في ثمانينات القرن الحالي وقدر كبير منها يقوم على تمتّع شوارتزنيغر بالبنية الجسدية التي تجعل مهمّة قيامه بدور القادر على مواجهة الأشرار يدويا مقبولة، وهي بدأت، في تلك النسخة باكرا، فبعد فشل التجربة وفي طريقه إلى البيت يهاجمه أشخاص فينبري للدفاع عن نفسه ويجيد، لكنه الآن بات على يقين من أن حياته لم تعد كما كانت عليه وسيمضي معظم الفيلم بين الدفاع عن نفسه والهجوم على أعدائه في كر وفر أجاد المخرج فرهوفن تشكيله.

وإذ لا نعرف بعد كنه الاختلافات التي لا بد قائمة بين نسخة 1990 ونسخة 2012 إلا أن واحدا من الأمور المؤكدة أن إنتاج هذه النسخة الحالية لم يكن صعبا. يقول المخرج وايزمان قبل أيام حين حضر معرض «كوميك كون» للأفلام الغرائبية بأن المشروع بدأ قبل عامين ودخل قنوات الإنتاج من دون توقّف لكن «من دون استعجال أيضا».

هذا ليس ما حدث مع النسخة السابقة مطلقا. فالكاتبان أوبانون وشوسيت اشتريا حقوق القصّة القصيرة من المؤلف فيليب ك. دِك في عام 1983. بعد عام واحد من محاولات بيع المشروع لشركات هوليوود تأكدا من احتمال إخفاقهما الكامل في تسويق المشروع. ولولا أن المنتج الإيطالي دينو ديلا رونتيس وقع على نسخة من السيناريو لما تبلور المشروع حينها. لكن ذلك كان قبل خمس سنوات من تنفيذ الفيلم نفسه، ما يعني مرور فترة زمنية إضافية من محاولات تشييد بناء مهدد بالسقوط في أي لحظة.

في البداية جال في بال المنتج إسناد البطولة إلى رتشارد درايفوس، وكان وجها معروفا بسبب أفلامه مع ستيفن سبيلبرغ على «لقاءات قريبة من النوع الثالث» وقبله «الفك المفترس». ثم توجّه التفكير إلى الراحل باتريك سوايزي ولحين تم طرح هاريسون فورد (وهو أيضا من وجوه سبيلبرغ عبر مغامرات إنديانا جونز). في الوقت ذاته، سعى أرنولد شوارتزنيغر لدى ديلا رونتيس بغية إسناد البطولة إليه، لكن المنتج رفضه على الرغم من النجاح الكبير الذي كان شوارتزنيغر بدأ يحققه من خلال سلسلتي «كونان» و«ترميناتور» ثم عبر أفلام أكشن منفردة مثل «كوماندو» و«صفقة خام» و«حرارة حمراء».

بعد ذلك صرف ديلارونتيس النظر عن الفيلم أساسا ما فتح المجال أمام شوارتزنيغر للتوجّه إلى المنتج اللبناني ماريو قصّار بفكرة شراء حقوق ذلك الفيلم وقيامه ببطولته. وماريو قصّار كان يملك شركة إنتاج نشطة في ذلك الحين، أسمها كارولكو، أمّنت إنتاج أحد أهم نجاحات شوارتزنيغر في ذلك الحين وهو «ترميناتور».

حين جلست مع ماريو قصّار قبل سنوات قليلة، وبعد أن ابتعد عن ساحة الإنتاج لبضع سنوات، تذكّر أنه لم يكن يفهم لماذا لم يقفز ديلارونتيس على الفرصة المواتية لإنتاج الفيلم من بطولة «آرني». أضاف: «من حسن الحظ أنه لم يفعل لأننا حققنا به أرباحا جيّدة». الحقيقة أنها لم تكن أرباحا جيّدة بل أرباحا رائعة، فالفيلم تكلّف 65 مليون دولار (النسخة الجديدة تكبّدت نحو 100 مليون دولار) وأنجزت 261 مليون دولار حول العالم في زمن كان سعر التذكرة فيه أقل بنحو ثلث ما هو عليه اليوم.

حسب بعض الذين تابعوا مشروع الفيلم السابق عن كثب، فإن ديلارونتيس لم يكن غبيا أو طائشا بل نظر إلى المشروع كعمل عليه أن يحمل عناصر كلاسيكية كما حال «بلايد رانر» مثلا (أيضا من كتابة دِك) والدليل هو أنه اختار المخرج ديفيد كروننبيرغ لتحقيق الفيلم، وهذا كان في باله ممثل فعلي (وليس عضلاتي) اسمه وليام هيرت وهو كتب سيناريو جديدا وقدّمه للمنتج. لكن كاتبا السيناريو الأصلي اعترضا. هنا يكمن قدر من التناقض بين هذه الرواية وبين تصريح المخرج الكندي الذي قال قبل سنوات إن سوشيت أخبره بأن المطلوب ليس فيلما يستند إلى النص الأصلي الذي وضعه فيليب دِك، بل «سيناريو من نوع إنديانا جونز فوق سطح المريخ».

مهما يكن، سلّم كروننبيرغ المقاليد للمنتج الذي كان موّل فيلما كبيرا من النوع ذاته سقط تجاريا (هو «كثبان» للمخرج ديفيد لينش) ما جعله يعتكف المشروع وما لبثت نشاطاته الأميركية أن قلّت لبضع سنوات لاحقة.

حين استلم ماريو قصّار المشروع وافق على اقتراح من شوارتزنيغر مفاده اختيار المخرج الهولندي فرهوفن لتحقيق الفيلم. وكان هذا حقق بنجاح فيلم «روبوكوب» (المعاد إنتاجه هذا العام أيضا) مكانة هوليوودية جيّدة. والحقيقة أن شوارتزنيغر كان يرغب في بطولة «روبوكوب» لكن الدور ذهب إلى بيتر ويلر. حينما بوشر تصوير الفيلم أواخر عام 1989 كان عدد السيناريوهات التي كتبت له قد بلغ 42 سيناريو.

يضيف ماريو قصار: «اشتغلنا جاهدين على المشروع والتحضير هو أفضل ما في عملية الإنتاج. إذا لم تكن جاهزا مائة في المائة فإن ذلك سينعكس على النتيجة الماثلة على الشاشة».

جولة في سينما العالم

* لم يترك الحادث الذي وقع في بلدة أورورا، ولاية كولورادو، أثرا يُذكر على «شبّاك تذاكر» فيلم كريستوفر نولان الجديد «الفارس الأسود يعود من جديد» The Dark Knight Rises إن كان هناك من أثر، فهو في زيادة عدد الروّاد علما بأن الإقبال الكبير الذي حظي به خلال الأسبوع الماضي وإلى اليوم كان متوقّعا. ولو أن البعض، خصوصا في شركة «وورنر» المنتجة، وضعوا أيديهم على قلوبهم خوفا من الإخفاق.

* الحكاية الثالثة من باتمان جمعت في الأيام العشرة الأولى من العروض 300 مليون دولار من جميع أنحاء العالم. نصيب العروض الأميركية منها 203.8 مليون دولار. في عداد المبلغ المذكور 2.7 مليون دولار في يوم افتتاحه في باريس وحدها، وهو أعلى رقم افتتاح في يوم واحد في تاريخ العروض الفرنسية.

* نقديا، حظي الفيلم بنسبة عالية من الإعجاب بلغت في الولايات المتحدة 81 في المائة، حسب موقع MRQE المتخصص بعرض آراء النقاد في الصحافة المطبوعة وعلى الإنترنت، لكن عددا متزايدا من هؤلاء النقاد باتوا يشيرون إلى أن مسؤولية، ولو محدودة، فيما حدث، ملقاة على الصورة الداكنة التي يرسمها الفيلم حول بطله. وفي حين كتب الناقد تود مكارثي في «ذا هوليوود ريبورتر» خلال عرضه الفيلم أن «تهديدات العالم الحقيقي من إرهاب وفوضى وخلل اقتصادي تترك وجودا عميقا في الفيلم» إلا أنه، وباعترافه في مقال لاحق، لم يكن يعلم أن هذا «العالم الحقيقي» سوف يعتدي على المشاهدين. لكني أتساءل بالفعل إذا ما كان الفيلم بات هو المتسبب في ردّ فعل عنيف عليه. السؤال يتعلق بما الذي جال في بال الشاب المعتدي جيمس هولمز وهو ينطلق إلى سينما «سنتشري 16» في بلدة أورورا ويفتح النار على الناس. ليس واضحا بعد إذا ما كان شاهد الفيلم، ولو أن الأكثر احتمالا أنه لم يفعل فالحادثة وقعت بعد يومين من الافتتاح الأميركي، أي صباح يوم الجمعة في العشرين من الشهر الجاري وكان استلم قبل ذلك السلاح الذي استخدمه لقتل 12 شخصا وجرح نحو 50 آخرين كانوا جميعا في عداد الواقفين في الصف بانتظار فتح شبّاك التذاكر.

* المخرج بيتر بوغدانوفيتش تساءل أيضا، وفي مقابلة له، عما إذا كانت هوليوود مسؤولة عما حدث وبل هو يلوم نفسه كونه قام سنة 1968 بإخراج فيلم بعنوان «أهداف» كناية عن رجل مسلح ببندقية قنص يصعد مبنى مرتفعا ويطلق النار منه على الأبرياء في الشوارع قبل أن يتّجه إلى صالة سينما مفتوحة ويطلق النار على المشاهدين: «أشعر بالقرف كوني أخرجت فيلما من هذا النوع» كما يقول.

* واحد من ردود الفعل لما حدث هو أن فيلم Gangster Squad الذي كان مقررا افتتاحه في السابع من سبتمبر (أيلول) تم تأخير عرضه إلى العام المقبل، وهو أيضا من إنتاج «وورنر» وكانت الشركة سارعت بسحب المقدّمة المتوفّرة من الفيلم مباشرة بعد الحادث كونها تصوّر قيام رجال العصابة (والأحداث تقع في الأربعينات) بفتح النار على.. جمهور سينمائي. الآن هذا لا يكفي والفيلم سيدخل المونتاج غالبا لحذف المشهد من الفيلم أساسا تجنّبا لإثارته المشاعر العدائية.

* الفيلم الواقع في المصيدة هو «المراقبة» The Watch فهو يتحدّث عن أربعة رجال (بن ستيلر، وفينس فون، وجونا هيل، ورتشارد أيوواد) يؤلّفون عصبة مسلّحة لحماية الحي الذي يسكنونه من العصابات. وكانت حادثة حقيقية وقعت قبل أشهر عندما قتل رجل أبيض مناط به مراقبة الحي الذي يعيش فيه، شابا أسود غير مسلّح بعدما ارتاب به ما أثار حنق الأهالي والإعلام. هل سينجح الفيلم في محاولة فك ارتباطه مع الواقع؟ باتمان فشل في هذه المهمّة.

بين الأفلام

* عائلة غير مثالية Killer Joe إخراج: وليام فريدكن أدوار أولى: إميل هيرش، جينا جرشون، جونو تمبل، ماثيو ماكانوفي.

النوع: تشويق.

تقييم: (2*) (من خمسة) أنجز المخرج الأميركي وليام فريدكن في حياته المهنية 24 فيلما فقط من عام 1967 وإلى اليوم من بينها فيلمان فقط لفتا إليه الأنظار فعليا هما «الاتصال الفرنسي» (1971) و«طارد الأرواح» (1973). وأوّلهما هو أفضلهما على الرغم من كل ما أثير حينها من أن «طارد الأرواح» كان خرقا لسقف سينما الرعب. «الاتصال الفرنسي» كان فيلما بوليسيا مشحونا بالإثارة ومصوّر على هدى من التطبيع مع الرسم الواقعي للشخصيات وللمكان. شيء على غرار فيلم بيتر ياتس النيّر «بوليت» الذي فتح البال أمام العشرات من أفلام المطاردات البوليسية من بينها «الاتصال الفرنسي».

بعد ذلك واتت المخرج فرص كثيرة. وقف وراء فيلم رعب آخر بعنوان «المشعوذ» (1977) ووراءه فيلم بوليسي آخر هو «عملية برينك» (1978) ثم جرّب المنوال البوليسي أكثر من مرّة بعد ذلك قبل أن يعود إلى رعب ما في «الحارس» (1990) ثم إلى الرعب ثانية سنة 2006 عبر فيلم فاشل فنيا وتجاريا بعنوان «بقّة» Bug.

في «جو القاتل» هناك رغبة صادقة في إنجاز فيلم جيّد لكن مشكلات المخرج التي منعته من تحقيق ذلك المستوى في معظم أفلامه السابقة ما زالت موجودة. إنه يُحاكي المواضيع السوداوية التي يتعرّض إليه بسوداوية مماثلة: العنف بالعنف. الجنس بالجنس والشخصيات النائية في أعماقها الداكنة بشخصيّته التي يفرضها على الجمهور كمخرج يصطاد مثل هذه النوعيات من المواضيع.

الحكاية الحالية وضعها ترايسي لَتس الذي كان كتب أيضا الفيلم المروع «بقّة» بكل ما في ذلك من هلوسات مشحونة باليأس. لكن في حين أن ذلك الفيلم قبل خمس سنوات دار في صرح غرفة واحدة (بمعظمه) فإن هذا ينتقل بين بضعة أماكن وفي النهار أيضا (وليس فقط في الليالي الظلماء). أحد أبطاله هو ماثيو ماكونوهي الذي مثل دور تحر بأجندة خاصّة. إميل هيرش هو تاجر مخدّرات فاشل خرج من اللعبة لكن اللعبة لم تخرج منه فهو ملاحق من قبل أشرار لدفع دين مستحق. طريقته في توفير المبلغ هي القيام بعملية ولكي تنجح العملية لا بد من إتمام جريمة قتل.. من الذي سيقوم بهذه المهمّة أفضل من ذلك التحري الشرير جو؟

إذا كان المخرج يقصد رصد تفكك الأسرة الأميركية فإن عائلة هيرش ليست نموذجا، لكن رغم ذلك لا يستبعد وجودها: الابن تاجر مخدّرات. أمّه سطت على مخدّراته وطردته من البيت. والده (توماس هايدن تشيرش) مغيّب عن وعيه وحين يكون واعيا فهو أسوأ. المشكلة هي أن هذا الاستعراض المكشوف تجارة بواقع محتمل أكثر مما هو بناء عليه. وحين تتطوّر الأحداث صوب نهاياتها سنجد مشاهد عنيفة من باب الواقعية لكن من دون سياج فني يحميها من المجانية ولا بعد كاف لطرح قضيّة أو تحليل للوضع الماثل.

شباك التذاكر

تربّع «الفارس الأسود يعود من جديد» على القمّة هذه الأسبوع وكان الفيلم الجديد الوحيد مسجلا أضعاف ما استطاع الفيلم الثاني في القائمة، «عصر الجليد» تسجيله من إيرادات 1 (-) The Dark Knight Rises: $203,887,532 2 (1) Ice Age: Continental Drift: $20,416,978 3 (2) The Amazing Spider - Man: $10,887,111 4 (3) Ted: $10,011,610 5 (4) Brave: $6,024,987 6 (5) Magic Mike: $4,291,422 7 (6) Savages: $3,398,880 8 (7) Madea›s Witness Protection: $2,253,074 9 (13) Moonrise Kingdom: $1,831,461 10 (11) To Rome With Love: $1,420,892

موسم الجوائز

1925 | قطار الكوميديا

* مرّة أخرى يدخل الفنانان باستر كيتون وتشارلي تشابلن سباق «ملوك الكوميديا». في تلك الآونة، ومنذ بضع سنوات خلت، كان الاثنان يداومان إنتاج وتمثيل وإخراج الأفلام التي تطرح كل منهما ليتبوّأ سدّة الكوميديا. إنها معركة ما زال هناك لليوم من يحاول تحديد الرابح فيها: باستر كيتون بحسن إخراجه للمشاهد الصعبة بدقّة متناهية أو تشارلي تشابلن بمواضيعه الكاشفة عن موهبة تجسيد الشخصيات الهامشية على نحو بطولي كبير؟

هذا العام الانتصار أحرزه تشابلن عبر «الاندفاع للذهب» The Gold Rush ولو بفارق ضئيل إذ إن كيتون قدّم فيلمين رائعين هما «اذهب غربا» و«سبعة حظوظ». «الاندفاع للذهب» هو قمّة في السخرية من الفقر كما من الثراء. المشاهد التي تقع على كتف جبل جليدي فوقه بيت يكاد أن يهوى إلى الوادي وفيه رجل جائع يُخيل له أن تشابلن دجاجة كبيرة من بين كلاسيكيات النوع بلا ريب

الشرق الأوسط في

28/07/2012

 

 

«هرقل» لهاندل:

الفن يوصل الإنسان الى قمة الأولمب

الكاتب: ابراهيم العريس  

هل تصلح السينما والتلفزيون وغيرهما من الفنون الجماهيرية والشعبية في مجال تقديم صور تاريخية واقعية - او على الأقل، أقرب الى الحقيقة الى حد ما - للأبطال الذين تمتلئ بهم تواريخ الشعوب وحكاياتها؟ انه سؤال لا ينفك يطرح من جديد كلما قدّم عمل فني من هذا النوع. ويُطرح اليوم مجدداً لمناسبة عرض اعمال تلفزيونية تتناول شخصيات تاريخية لها دور في مسار الإنسانية ومنها، في هذا الموسم التلفزيوني الرمضاني، شخصية الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)... والسؤال كان طرح دائماً لمناسبات مشابهة ومنها في الستينات حين تكاثرت، على سبيل المثال افلام عن أبطال اسطوريين مثل هرقل.

> مهما يكن ومهما كان الجواب، نعرف طبعاً ان الفارق كبير، بين هرقل الأسطورة الشعبية، كما عبّرت عنه السينما الايطالية - وغيرها - في الستينات، وبين هرقل كما تصفه الأدبيات القديمة من اغريقية ورومانية، وكما تجلى بخاصة في واحد من أجمل فصول كتاب «مسخ الكائنات» لأوفيد. ولن ندخل هنا في المقارنة، فقط يمكننا أن نقول ان هرقل أوفيد وورثته، كما صورهم كتّاب وفنانون تناولوا الحكاية على مر العصور وأحدثوا فيها تبديلاً وتنويعاً، كان أكثر جدية وأكثر «انسانية» بكثير من هرقل الشعبي ذي العضلات والقوة التي لا تضاهى.

> ولقد كان هرقل هذا، الأخير، من الجدية، الى درجة ان فنوناً موسيقية وفنون رسم ونحت، كثيراً ما دنت منه، مستوعبة دروس حكايته وعظمة شخصيته ودراميتها في أعمال بدت في نهاية الأمر أشبه بأمثولات مؤسّسة، فنياً وفلسفياً وأخلاقياً. وحسبنا أن نذكر هنا ان الموسيقي هاندل، صاحب اوراتوريو «مسيّا» ومقاطع «موسيقى الماء» بين أعمال أخرى، لم يتوان عن أن يجعل من ذلك البطل الأسطوري الإغريق /الروماني المدهش، بطل عمل موسيقي كبير كتبه وهو في قمة نضجه تحت عنوان «هرقل». وهو العمل نفسه يعتبر منذ ذلك الحين واحداً من أقوى أعمال هاندل وأجملها، من دون أن يكون العمل الوحيد الذي استقاه هذا الفنان من أساطير القدماء.

> وضع هاندل موسيقى اوراتوريو «هرقل» في العام 1744، ليقدم في العام التالي في لندن للمرة الأولى. وكان هاندل يقيم، في ذلك الحين، في العاصمة البريطانية ويعمل فيها، بعدما ترك وطنه المانيا. وقد استند هذا الموسيقي، الذي كان من كبار المجدّدين في الموسيقى الغنائية في زمنه، على خطى هانيريش شولتز، وبالتزامن مع يوهان سيباستيان باخ، في تلحين هذا الاوراتوريو، الى النص الشعري الذي وضعه ت. براوتون استناداً الى الكتاب التاسع من «مسخ الكائنات» لأوفيد. وكانت النتيجة أن هاندل تمكّن على الفور من أن يفرض هذا العمل بوصفه الأقوى بين الاوراتوريات «الدنيوية» السبعة عشر التي لحنها طوال حياته المديدة.

> وكما يمكننا أن نتصور، يروي هذا «الاوراتوريو» منذ البداية حكاية هراكليس (هرقل) الذي تطالعنا في المشهد الأول زوجته ديجانير وهي تبكي موته إذ خيّل اليها انه قد رحل عن عالمنا... لكن البطل لم يكن قد مات، بل ها هو يعود مظفراً من ايطاليا التي كان قد غزاها وقتل ملكها... وقد جلب هرقل معه في ركابه عدداً من السبايا، ومن بينهن الأميرة إيولي الحسناء، التي يخيل الى امرأة هرقل، ديجانير، أن زوجها واقع في غرامها، ما يجعل الغيرة تأكلها، هي التي لا تعرف ان الحقيقة شيء آخر تماماً: الحقيقة هي ان هيللوس، ابن هرقل، هو المغرم بالأميرة الشابة... صحيح ان هيللوس، يعترف لأمه ذات لحظة بحبه لإيولي، غير ان هذا الاعتراف لم يقنع الأم بأن زوجها بريء من هذا الغرام، تماماً كما ان كل احتجاجات هرقل على اتهامها له لم تقنعها. فما العمل؟ ان لديها رغبة هائلة في استعادة حب زوجها لها، هي التي باتت مؤمنة بأن هذا الحب قد خبا... وفي سبيل الوصول الى تحقيق هذه الغاية لا تجد أمامها إلا الاستعانة بثوب غارق في دماء نيسوس، معتقدة أن في امكان هذا الثوب أن يعيد اليها هناء حبها وزوجها... لكن النتيجة تكون عكس ما توخت ديجانير: لقد أدى الثوب الى أذيّة هرقل، إذ بات يعاني آلاماً فظيعة لم ينج منها إلا الموت... وهكذا يموت ويصعد الى جنان تلال الأولمب حيث تستقبله الآلهة، في الوقت نفسه الذي تعلن قرارها بأن يتزوج هيللوس من إيولي...

> على رغم أن نقاداً كثراً، يرون في موسيقى هذا العمل ضعفاً يعزونه الى «عدم قدرة الموسيقى على الوصول الى الذروة التي تمثلها فاجعة الغيرة والبطولة هذه»، فإن النقاد الأكثر معرفة بعمل هاندل في شكل عام، وبسلسلة «الاوراتوريات» التي ركز خلال فترة محددة من حياته على الاشتغال عليها، يرون أن هذا العمل يتميز بكونه يستخدم أساليب الاوراتوريو الديني للتعبير عن موضوع دنيوي. وهذا القول هو الذي جعل دارسي هاندل يرون، في شكل عام، أن حساسيته الموسيقية في فن الاوراتوريو تفوق والى حد كبير تلك التي عبر عنها الفنان حين كتب الأوبرا الخالصة، إذ إنه في مثل هذه الأعمال لم ينضح بالتألق الموسيقي من أجل اظهار البعد الدرامي في حركيته المسرحية: كان الهم بالنسبة اليه هنا أن يستخدم الأصوات البشرية الغنائية كأنها أدوات موسيقية. ويقول واحد من هؤلاء الباحثين (الألماني أوسكار باي) ان هاندل تعامل مع هذا العمل تعامل «الألماني الذي لا يحب الدراما بما يكفي لكي يترك لها قيادة العمل الموسيقي، ويبدو مغرماً بالموسيقى الى درجة التضحية بكل شيء من أجل التعبير عن ملذاتها الحسية». وهذا الباحث نفسه يلفت النظر هنا الى كم أن هاندل تمكن في «هرقل» من اضفاء بعد سماوي على موضوع دنيوي، في مقابل أنسنته المطلقة للبعد السماوي في «مسيّا». صحيح ان اوراتوريو «هرقل» يكاد يكون اليوم، مثل الكثير من أعمال هاندل، منسيّاً مقارنة بالمكانة التي لـ «مسيّا»، ومع هذا فإن قدراً لا بأس به من الإنصاف يأتي ليقول لنا، ان هذا العمل لا يتعين إغفاله اطلاقاً، حتى وإن كانت شعبيته متضائلة (ولعل واحداً من أسباب هذا التضاؤل يكمن في أن ازدهار فن الأوبرا نفسه، ان لم يتمكن من القضاء على الاوراتوريو الديني إذ ان لهذا مكانه وعالمه المتواصل الحضور، فإنه تمكن من إلحاق أذى كبير بالاوراتوريو الدنيوي... لكن هذا سجال آخر، لسنا نرى هنا مجالاً له بالطبع).

> ومهما يكن من أمر، فإن ثمة هنا في «هرقل»، صفحات موسيقية رائعة يمكن دائماً التوقف عندها باعتبارها أوصلت التعبير الموسيقي، في حد ذاته الى ذروة مستقلة. ومنها مثلاً النحيب الذي تؤديه ديجانير في المقدمة حيث كانت تعتقد أن هرقل قد مات. وهناك أيضاً أداء الكورس الذي يختتم كل فصل وكل مشهد وكأنه يعلق على ما حدث، مهيئاً لما سيحدث.

> من الواضح في نهاية الأمر أن هاندل (1685 - 1759) الذي لم يكتب هذا العمل من تلقائه، بل تحديداً ضمن ظروف مهنية وعملية أملت عليه كتابته في تلك المرحلة المتقدمة من حياته، في لندن، استخدم في الكتابة مقطوعات عدة كان وضعها في السابق من أجل أعمال أخرى، بعضها ديني وبعضها دنيوي، لكنه لم يستخدمها في حينه، فإذا به هنا يجمعها الى بعضها بعضاً، ما جعلها تبدو في بعض الأحيان على غير تناسق. غير ان هذا لم يهيمن على العمل الذي كتبه وهو في الستين من عمره تقريباً، ذاك الذي كان واحداً من أكبر موسيقيي ذلك الزمن... فنان عاش وتنقل بين أماكن كثيرة (خصوصاً المانيا وبريطانيا) وخاض معظم الأنواع الموسيقية مخلّفاً عشرات الأعمال بين أوبرا وأوراتوريو، نهل معظمها من التراث القديم، سواء كان أسطورياً أو دينياً أو درامياً بامتياز، وعرف دائماً كيف يقدم الاطار الفني لموضوعه في بعد ابداعي خالص.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

28/07/2012

 

"شُجاعة": أول بطلة لبِكسار في أكثر أفلامها إرعاباً

((هذا المقال مُهدى إلى أخي الصغير الحبيب هوزن))

هند هيثم 

نشأت في عهدٍ ذهبي: عصر نهضة ديزني، ونشأة بِكسار، وشكلت أفلام هاتين الشركتين- على اختلافهما - أولى تجاربي في تذوق السينما - وأعمقها أثراً. في البداية، كان بين بِكسار وديزني اتفاقية توزيع، حيث تُنتِج بِكسار أفلامها بنفسها، ثم تكتفي ديزني بتوزيعها عن طريق شركة التوزيع التابعة لها - بوينافيستا - ثم انتهى العقد بين الشركتين، فقررت ديزني شراء منافستها بِكسار.

ورغم أن بِكسار صارت جزءاً من ديزني، إلا أن إستوديو بِكسار قد احتفظ باستقلاليته الفنية، بل وتنافس مع أفلام ديزني - خصوصاً حين حاولت ديزني استعادة عهدها الذهبي بأفلامٍ مثل "الأميرة والضفدع"(2009) و”تانغلد” (2010) في النهاية، استسلمت ديزني لجماليات بِكسار وفلسفتها الخاصة، وتخلّت عن (الكانُن) الخاص بها لتتبّع (كانُن) بِكسار.

فيلم ديزني القادم يُسمى "رِك ات رالف"أ و "رالف المُدمر"ويدور حول شخصية شرير في لعبة أركاديرغب في تغيير مصيره ولعبته. أي أنّه فيلم بِكسار (تقليدي) إلى حدٍ كبير).

أول اختلافٍ بين بِكسار وديزني يكمُن في التقنية التي يستخدمها كُل إستوديو تابعٍ لهما، فأفلام بِكسار قائمة على التوليد الحاسوبي لأجسامٍ ثُلاثية الأبعاد، بينما تعتمد ديزني على الرسم المُسطح. كذلك، تختلف الشركتان فيثيمات الألوان الخاصة بهما، إذ تميل بِكسار إلى الألوان الباردة القريبة من الواقع قدر الإمكان، بينما تميل ديزني إلى الألوان الغنية المتوهجة. (شخصياً، أميلُ لثيمات ألوان ديزني، إذ تلعب أدواراً هامة في تكوين الفيلم العام.

اختلافات

غير أن الاختلافات بين المدرستين تمتد أبعد من هذا، إذ تميل قصص بِكسار إلى التركيز على مواضيع غير مألوفة، كألعابٍ تغار من بعضها البعض، أو جُرَذٍيرغب في أن يصير طباخاً، أو مُسنٍ يطير بمنزله، أو روبوت يُنظِف الأرض بعد الكارثة. في مُقابل قصص ديزني (الملحمية) المأخوذِ بعضها من القصص العالمي، كأفلام “الجميلة والوحش”، و"أحدب نوتردام"، و"علاء الدين"، أو من الخُرافات التاريخية مثل "بوكاهونتاس".

وفوق هذا، تنفرد بِكسار بخاصية قد ترجع إلى شخصيات مؤسسيها، إذ أن أفلامها تكاد تخلو من الشخصيات النسائية، إلا في أدوار (السنّيدة) أو موضع اهتمامِ البطل. بينما تمتلئ أفلام ديزني - خصوصاً في عصر النهضة - بالشخصيات النسائية. صحيحٌ أنّ في تقليد “أميرات ديزني” الكثير من الكلام، إلا أنّ ديزني تختلف عن بِكسار في أنها يُمكِن أن تُنتِجَ فيلماً كاملاً على أكتافِ بطلةٍ واحدة مثل “مولان” (1998). وحتى حين تختار ديزني شريرات من النساء، فإنها تحرص على جعلهن غير قابلاتٍ للنسيان - مثل أورسولا في “حورية البحرالصغيرة” (1989.

غالباً، تمتازُ ديزني بشخصياتٍ نسائية يصعب نسيانها - حتى لو لم يكُن البطلات - مثل نالا في “الأسد الملك” (1994)، وإزميرالدا في “أحدب نوتردام” (1996)، وميغارا في “هرقل” (1997). رُبما، الاستثناءات الوحيدة هن ياسمين"علاء الدين" (1992) وجين "طرزان" (1999). في الجهة المُقابلة، يبدو أنّهمن الصعب على بِكسار أن تعترف بوجودَ أي بطلة تأخذ زمام المُبادرة بنفسها.

لهذا، يأتي فيلم "شُجاعة" Brave فريداً من نوعه في (كانُن) بِكسار، ويؤشر على تحولٍ في داخل الشركة بعد تراجع جون لاستير وفريقه المؤسس إلى مقاعد الإنتاج التنفيذي، وتولي جيلٍ جديد من بِكسار دفة القيادة. لقد سُلِخ الفيلم بلا رحمة في المواقع الغربية مُنذ صدوره، حتى أنني أظنُ أن سالخيه قد شاهدوا فيلماً آخر غير الذي شاهدته. غير أن الأمر - في النهاية - يعود إلى صعوبة التغيير. لم يعتد الجمهور هذا النوع من الأفلام من بِكسار. الجمهور يُريد من بِكسار أفلامها المُعتادة عن الشخصيات التي لا يتوقعها أحد، وقصصها الغريبة. (مثل “رِك ات رالف).

أول بطلة

بطلة فيلم "شُجاعة"أميرة، أول أميرة في تقليد بِكسار - وآخر أميرة، غالباً- وأول بطلة أنثى. ميريدا بنت فِرغَس، أميرة إسكتلندا، ويدور الفيلم حول علاقتها بأمها الملكة إلينور. يختلف الفيلم عن مزحات دريم ووركس في أفلامشرِك”، إذ أن الصراع بين الأمُ والابنة حقيقي وغير هزلي. ميريدا تُحِب القوس والسهام منذ الطفولة، وتميل إلى الرياضات الصبيانية، بينما تُربيها أمها على أن تكون "سيدة"- بكُل معنى الكلمة - ومن هنا ينشأ الخلاف بين الاثنتين. ميريدا تعتبر أمها الحائل بينها وبين سعادتها، وإلينور تعتقد أنابنتها طائشة ولا تتحمل المسؤولية.

يُفتتح الفيلم مع ميريدا وهي صغيرة جداً، تلعب مع أمها، في بيئة فقيرة نسبياً. يُهديها أبوها قوساً وسهماً في يوم عيد ميلادها، فتتدرب على رمي السهام. يضيع سهمٌ لها في الغابة، فتذهب لإحضاره، وهناك تُقابل مخلوقات سحرية تُسمى الوِسبات، يُفترض أنها تقود المرء إلى مصيره.

يقطع الأمر هجوم دُبٍ هائل - شرير الفيلم، إلى حدٍ ما - وقيام فِرغَس بالدفاع عن أسرته بمساعدة رجال قبيلته، فيما تفر إلينور بابنتها الصغيرةعلى صهوة فرسٍ أبيض. ثم تبدأ العناوين، ويتغير المشهد. ميريدا تحكي بلهجتها الإسكتلندية المميزة كيف فقد أبوها ساقه في المعركة مع الدب-الشيطانمردو”، وكيف صار ملكاً على العشائر الإسكتلندية الأربع، (وتحولت الخيمة المتواضعة إلى قلعة)، وكيف صار لديها ثلاثة إخوة توائم، ثم تتذمر من تحكمأمها في حياتها. وينتهي هذا التتابع بخروج ميريدا إلى القلعة على صهوةجوادها إلى البرية، حيث تمارس الرماية ببراعة شديدة، وتنطلق في البرية بلاحدٍ، مُتسلقة صخرة شاهقة لتشرب من ماء الشلال. ثم تعود إلى القلعة، حيثتبدأ عُقدة الفيلم: العشائر الثلاث ستُقدم خُطاباً لميريدا، وسيجري اختيار أكثرهم شجاعة وكفاءة عن طريق مُنافسة.

تأتي العشائر: مكنتوش، دنغوال، ومكغافن، وتقدم أبناء الزُعماء متنافسين للفوز بيد ميريدا. المتقدمون الثلاثة لا يصلحون لشيء، لكنهم الخيارات الوحيدة المُتاحة. تختار ميريدا أن تكون المنافسة لطلب يدها في الرماية،ويفوز ابن زعيم دنغوال - الذي يُعاني من تأخرٍ عقلي ما - بالصدفة. ثم تدخل ميريدا المنافسة - في المشهد الشهير من التريلر - بوصفها اول مولودٍ لزعيم عشيرة دنبوروه، لطلب يدها، وتفوز. فتسبب حرجاً كبيراً. ويقع بينها وبينأمها خلافٌ شديد، تُحرِق أمها على إثره قوسها، فتخرج إلى مكان مجهول، وطلب ميريدا من تقودها الوسبات إلى كوخ ساحرة - كالعادة في قصص الأميرات الساحرة تعويذة لتغيير أمها، وتعود إلى القلعة بالتعويذة.

في هذه الأثناء، تكون العشائر قد استشاطت غضباً، وتهيأت للحرب رداً علىإهانة ميريدا لها. ما ترفض ميريدا أن تفهمه أن العشائر الإسكتلندية عشائر متناحرة ومتعادية في الأصل، وأنها لم تتحد إلا لدحر الغُزاة الذين جاءوا منالبحر. وأن السلام بينها مُعلقٌ بشعرة. كما أنها ترفض تصديق حكاية أمها عن الملك الذي قسم مملكته بين أبنائه الأربعة ليكونوا أعمدة السلام، فانفصل الابن الأكبر عنهم، ودمر المملكة بأنانيته ورغبته في الانفراد بالسُلطة.

التعويذة التي أذاقتها ميريدا لأمها ينتج عنها تغييرات مُرعبة. ويصير على ميريدا أن تعكس مفعول التعويذة، بعد رحلةٍ شاقة، تكتشف فيها حقيقة نفسها، حقيقة أمها، وحقيقة الدب-الشيطان مردو. من بين رحلات ديزني، ورحلات بِكسار،فإن هذه من أكثر الرحلات الشاقة والمُستنزِفَة عاطفياً. ميريدا لم تعبرالصحراء مِثل سِمبا في “الأسد الملك” (1994)، ولا عبرت المحيطات لتجد نيمو الضائع كما في “البحث عن نيمو” (2003). لكنها رأت الخراب بعينيها، وعرفت معنى أن يصير البيت مكاناً خطيراً، ورأت أباها يسعى لقتل أمها، وأمها تسعى لقتل أبيها بسببها.

لطالما كان تصنيف الأفلام إشكالية، فأفلامٌ مثل “أحدب نوتردام” (1996) تتعامل مع ثيماتٍ لا تصلح للأطفال، مثل التعصب الديني والشهوة والعُنصرية. مع “شُجاعة”، يتعدى الأمر مُجرد ثيمات لا تصلح للأطفال، فبعض مشاهد الفيلم مُظلِم جداً ومُقبِض، وبعضها مُرعِب - خصوصاً حين يهجم “مردو” - بشكلٍ جعلني أتراجع - لا إرادياً - في مقعدي، وجعل الأطفال في الصالة يزعقون. (لوشاهدتُ هذا الفيلم في سنهم، فإن الكوابيس بشأنّه ستُلاحقني حتى اليوم، كما تفعل كوابيس فيلم “حورية البحر الصغيرة).

وأكثر من هذا إرعاباً أن ميريدا قد سقت أمها سُماً زعافاً، وأن إلينور لمتعد تُميز ابنتها وحاولت قتلها مرتين، وحاولت قتل زوجها كذلك، وأن فِرغَسحاول قتل زوجته، وحبس ابنته، ثم تقاتل هو وابنته قتالاً عنيفاً كاد يقتلها فيه وكادت تقتله. هكذا، يكسر الفيلم تابوهاتٍ عديدة، ليس في السينما ذاتتصنيفG وPG فحسب، وإنما في التيار الرئيسي للسينما عموماً، إذ يتحدث عنقتل الأبناء، وعن قتل الأمهات، وعن قتل الآباء، وعن العُنف العائلي، والمِسخ، بشكلٍ غير مسبوقٍ في تقاليد بِكسار العائلية الهادئة، وبشكلٍ يعجزعنه حتى أكثر أفلام ديزني شططاً.

يُريد مردو الفتك بميريدا، ويُطاردها مُتجاهلاً فِرغَس والقبائل الإسكتلندية الأربع. ساعتها، من لميريدا غير أمها؟ مشهد المواجهة النهائية مع مردو مُتوقع، وفيه أصداء من المواجهة بين سكار وسِمبا في “الأسد الملك،غير أن نهاية مردو، خصوصاً، إيماءة الاحترام الأخيرة، مشهدٌ مؤثر. فيالواقع، مردو يستحق مكانة خاصة في تقليد أشرار بِكسار - إن كان لديها شيءكهذا - فهو من أكثر أشرار الأفلام إرعاباً، رغم غيابه الطويل عن الشاشة. إلى حدٍ ما، يُشبه مردو شان- يو في فيلم ديزني “مولان”، مع فرق أن لمردوقصةً خلفية مثيرة للاهتمام. (وإن كان من السهل اكتشافها منذ مشهد الساحرة).

في النهاية، يأتي المشهد الإجباري، مشهد النعي. وهذا مشهدٌ خالد في أفلام عصر نهضة ديزني، خلده فيلم “الجميلة والوحش”، حين تنعي بِل الوحش. وينتهي الفيلم على خيرٍ، نهاية سعيدة، مع ميريدا وامها على جواديهما، وقد فكّتأمها جدائلها علامة على تخففها من التزمت الذي كانت تُمثله.

إحالات مشابهة

مع كُل هذه الإحالات والمُشابهات في الفيلم، يصعُب القول إن "شُجاعة" فيلمٌ أصيل. شعر ت. س. إليوت يمتلئ بالإحالات المُشابهة، وهو يُدافع عن هذا بالقول إن “الشعراء غير الناضجين يُحاكون، أما الشعراء الناضجون فسيرقون. قد يفعلون شيئاً أفضل بما سرقوه، أو أسوأ. لكنهم يفعلون شيئاً مُختلفاً به على كُل حالٍ”. مؤسس إستوديو بِكسار الراحل، ستيف جوبز، يقتبس قولاً مشابهاً من بيكاسو: “الفنانون الرديئون ينسخون. الفنانون الجيدون يسرقون”.

ليس القول إن فيلم "شُجاعة" يسرق الأفلام الأخرى، لكنّه مليء باللمحات من الأفلام السابقة، خصوصاً في تقليد ديزني. إنّه فيلم أقرب لروح ديزني منه إلى روح بِكسار. مع ذلك، يحتفظ الفيلم بلمحاتٍ أصيلة فيه، مثل جوه الإسكتلندي بالكامل، الجو الذي يبقى مُحافظاً عليه وتتظافر عوامل الموسيقى والحوار والمناظر فيه لدعمه وتقويته. والشرير فيه الذي ينبع من التاريخ الإسكتلندي. كذلك، يجرؤ الفيلم على عرض بطلةٍ تمتاز بالأنانية - أكثر منا لتسرع والطيش، الصفتان اللازمتان لأبطال ديزني - ولولا أنّ مُصيبتها ما بعدها مُصيبة، لكان من الصعب أن يتعاطف معها المرء.

في الفيلم مناطق شائكة كثيرة - غير مشاهده المُرعبة، وثيمة العُنف العائلي فيه - فنقاده يذمون فيه فكرة “الأم تعرف أفضل”، مع أنّه من الصعب تحديد أين تُخطِئ إلينور في الفيلم، أو لماذا حل بها ما حَل بها، أو ما الذي فعلته لتستحق أن تُسقى السُم من يد ابنتها الوحيدة. يحاول الفيلم الوصول إلى حلٍ وسط بالقول إن ميريدا وإلينور، كلتاهما قد تغيرت. وأن التجربة المُرعبة التي عاشتاها معاً قد قربت بينهما. كذلك، تُدرِك ميريدا أن السلام بين القبائل هَش، وأن حفظه صعب.

واحدٌ من المشاهد الرئيسية في الفيلم يدور في الصالة الرئيسية في القلعة، حين تعود ميريدا إليها، فتجد أن العشائر الأربع، قد أنتحت كُلٌ منها رُكناً، وشهرت أسلحتها في وجه العشائر الأخرى. وكُل عشيرةٍ تُهين الأخرى، فيما فِرغَس ينزل من رتبة ملك على العشائر الأربع إلى مجرد زعيم لعشيرة دنبوروه.

في شخصية الساحرة لمحةٌ من أفلام شركة دريم.ووركس، ولعل ذلك لأن مُخرجة الفيلم بريندا تشابمان قد عملت في دريمووركس من قبل، وكانت ضمن فريق واحدٍمن أكثر الأفلام كآبة في تاريخ الكارتون، “أمير مصر” (1998) دريمووركس- بدورها - قد أنشأت إستوديو التحريك الخاص بها في أعقاب طرد جيفري كاتزنبرغمن ديزني، وسرقت من ثيمات ديزني ومشاهدها بلا حياء.

عصر نهضة ديزني

مخرج الفيلم المِشارك، مارك أندروز كان مُشرِف تحريك في أفلامٍ سابقة لبِكسار، وفيلم "شُجاعة" أول فيلمٍ يُخرجه. تغيير فريق المُخرجين، الثيمات،الموسيقى، والشخصيات مؤشرات على التغيير القادم إلى شركة بِكسار. قد لايروق هذا التغيير للكثيرين، لكن دوام الحال من المُحال، وكما انتهى عصرنهضة ديزني، يبدو أن عهد قصص لاستير قد انتهى في بِكسار، وبدأ عهدٌ جديد. لم يكتسب ملامحه بعد، لكنّه يُحاول بشجاعة.

في الفيلم مشاهد فُكاهية كثيرة تبعث على الضحك، وبعض نكاته البصرية فج، مثل المشهد الذي يستخدم فيه الإسكتلنديون الكِلتات للنزول من سطح القلعة. شخصية فِرغَس كانت مُسلية للغاية، في هوسه بالدب مردو، وقوته البدنية الهائلة، وضخامة حجمه الذي يترافق مع عدم تقديرٍ للمسؤولية، وميلٍ للطيش والمجازفة والمغامرة. في واحدٍ من أطرف مشاهد الفيلم، يُقرر تقليد ميريدا، ليفتح حواراً بين زوجته وابنته. (التتابع محفوظ في أفلامٍ عديدة، لكن مشهد فِرغَس العملاق وهو يُقلد مُراهقة مُضحك).

التوائم الثلاثة كانوا نُكتة مُستمرة طوال الفيلم، لكنهم كانوا مُسليين للغاية، ولمسة طريفة للتغيير. إذ أنهم ثلاثة صبية ظُرفاء للغاية، يستبدلون شخصية الفتاة الصغيرة الظريفة التي يُريد كُل من يُقابلها أن يقرص وجنتيها. زُعماء العشائر وأولادهم كانوا دفعة كوميدية للفيلم بسبب تنافسهم، وخصالهم الشخصية الغريبة، لكن، عدا عن إعلانهم الحرب على بعضهم بعضاً، لم يكُن لهمدورٌ مُهمٌ في الحبكة.

الفيلم فيلم تحريك، لكنّه كان مُمتازاً في مشاهده، وفي طريقة رسم شخصياته، وفي إضاءته، وفي زوايا الكاميرا. الأمرُ الذي يُفترض بِه أن يجعل مُدراء التصوير الكُسالى يشعرون بالعار من أنفسهم. هذا فيلمٌ تحريك مبني ببرامج الحاسوب مائة بالمائة، ومع ذلك، ففيه زوايا كاميرا مُثيرة للاهتمام، وسينماتوغرافي بديع، وإضاءة مُدهشة. الموسيقى - كذلك - كانت جميلة طوال الفيلم، وحتى الشرير مردو حصل على أغنية، صحيح أنها أغنية عنه، ولا يُغنيها بنفسه، لكنها أغنية شرير على كُل حال.

شُجاعة” فيلمٌ مُمتاز - رغم كُل شيء - لكن ينبغي التحفظ على اصطحاب أطفالٍ صغارٍ إليه، فليس من الجيد للأطفال أن يثب دُبٌ تصويره حقيقي بالكامل من الشاشة عليهم.

كذلك، فإن محاولة أمٍ قتل ابنتها، وتسميم ابنةٍ لامها، ومحاولةِ زوجٍ قتل زوجته، ثم قتاله مع ابنته مواضيع قد تُسبب رُعباً للأطفال، وحرجاً لذويهم. لذا، ينبغي التفكير ملياً قبل اصطحاب الأطفال الصغار إليه. شاهدت الفيلم مرتين، مرة بالتقنية ثلاثية الأبعاد، ومرة بشكلٍ عادي. ولم يكُن هناك فرقٌ يُذكر - باستثناء أن الألوان في النسخة ثلاثية الأبعاد كانت كامدة. رُبما يرغب من يُقرر مُشاهدة الفيلم في توفير بعض المال، والاحتفاظ بألوان الفيلم المتوهجة كاملة، بالاكتفاء بالفيلم في نُسخته العادية.

عين على السينما في

28/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)