حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أحمد محفوظ :

نجتهد في أن يكون لرمضان نكهة خاصة

 

·        قبل أن ندخل إلى مواضيع رمضان، فلنتحدث قليلا عن أفلام الوثائقية عن الثورات.. حيث كتبت بعض المقالات النقدية لوثائقيات الثورة التي أنتجتها القناة وكانت تتراوح بين التقييم الإيجابي والسلبي؟

في البداية أقول لكل الجمهور، جمهور الوثائقية، كل عام وأنتم بخير، اعتادت الوثائقية دائما أن تتواصل مع جمهورها في كل فترة، واعتادت أن تذكرهم بالقيم الحاكمة التي تحكم عمليات الإنتاج والعرض على القناة. بالنسبة إلى السؤال أنا أظن أنه يحمل شقين: بالنسبة إلى الشق الأول له علاقة بنقد قناة الوثائقية في موضوع الثورات، سواء من كان من النقاد مع أو ضد، وأنا أظن أن هناك نوعان من النقد:

نقد لموقف القناة من تغطية الثورات، والنقد الآخر هو نقد فني له علاقة بالمحتوى. النقد الفني نرحب به لأنه في آخر الأمر سيكون مفيدا بشكل أو بآخر للقناة، أما موقف من ينقد القناة حول مسألة الثورات فنحن سنقف في موقف الذي يستمع لهذا الأمر. فقد يكون فيه من الإيجابيات وقد يكون فيه من السلبيات، ولكن لا أظن أنه من الضروري أن نرد على كل نقد يقال لنا، وخصوصا إذا ما كان هذا النقد ليس نقدا فنيا ولكن كان نقدا سياسيا أو أمرا أيديولوجيا. وليس من حقنا وخاصة اليوم وبعد الثورات أن نتحكم في نقد الناس لنا أو نكون أوصياء على افكارهم ومواقفهم. فهم أحرار ونحن صدرنا رحب لتقبل نقدهم.

الشق الثاني من الإجابة يتعلق بما أنتجناه حول الثورات العربية فأقول لا يمكن أن نغفل فعلا إنسانيا مزلزلا مثل فعل الثورات، سواء كنا مع أهدافها أو كنا ضد أهدافها. فهذا الفعل يجعل كل مبدع سباقا نحو عمل فني يواكب المرحلة. والجزيرة الوثائقية لا بد أن تحظى بقدر من اسمها بأن توثق لهذا الفعل الإنساني، لأن الذي حدث هو ثورة، وهي ثورة نظن أنها فارقة في تاريخ الأمة العربية، ليس فقط على مستوى بلد معين ولكن نظن أن جميع هذه الحركات التي بعضها مازال يتطور ليصبح ثورة كاملة.

الأمر الآخر في فعل هذا التوثيق هو أننا نعتقد أن الأخبار دائما تقدم خدمة، وهي خدمة سريعة لها علاقة بالتغطية الآنية، ولكن دور الفيلم الوثائقي أبعد من ذلك. وبالتالي أتت فكرة توثيق الثورات برؤية أعمق وبرؤية تتوافق مع رؤية الجزيرة الوثائقية في أنه ليس فقط يجب أن نعرض الأمور والأحداث والشؤون الجارية ولكن أن نعرض ما هو أعمق من ذلك.

الملاحظ أن القناة شهدت تطورا كميا ونوعيا في إنتاجها بعد هذه السنوات الخمس فإلى أين وصلتم؟
أولا القناة اليوم وصلت إلى تأكيد ريادة معينة على مستوى العالم في الفيلم الوثائقي العربي، وثانيا نحن لا نستطيع أن نغفل إسهام قناة الوثائقية في دعم الوثائقيين من منتجين ومخرجين في العالم العربي، ولا نستطيع أن نغفل أنه بعد خمس أو ست سنوات وصلنا إلى أكثر من 600 ساعة من إنتاج عربي خالص حاولت أن تلبي ما له علاقة بالمشاهد العربي في حياته اليومية، الاقتصادية والسياسية والدينية ..الخ. هذا زخم المرحلة، ونحن نظن أن هذه الخمس سنوات كانت مرحلة أولى من التثبت من الطريق ومن التثبت من الرؤية والتوجه.

·        هل يمكن أن نسميها مرحلة تأسيس؟

نعم هي مرحلة التأسيس، ومرحلة تهيئة البنية التحتية لثقافة الوثائقي في العالم العربي.

·        طيب، بعدما أسستم الآن أين أنتم ذاهبون؟

لقد قلت ذلك في المؤتمر العام للمنتجين - الذي نعقده كل عام والمصاحب لمهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية- إن المرحلة القادمة ستكون الانتقال بهذه التجارة أو الصناعة إلى مرحلة الاحترافية العالمية، يعني سنحاول أن ندفع بالمنتجين الذين يعملون معنا حتى يكونوا على مستوى عال من التقنيات ومستوى عال من المهنية، وهذا سينعكس على الجمهور بشكل أو بآخر، نظن أننا اليوم نستطيع أن ننقل إلى الجمهور كل ما هو جديد في هذا المضمار، أي في مضمار الفيلم الوثائقي، سواء على مستوى الاقتناء أو على مستوى الإنتاج، وكل ذلك سينعكس بالضرورة على الشاشة ومشاهديها.

·        الآن فلننتقل إلى ملف رمضان ونبدأ بالسؤال الكلاسيكي ما هو جديد رمضان؟

أثناء تفكيرنا في الشاشة لا نستطيع أن نغفل الظرفية التاريخية التي نحن فيها، فنراعي المتغيرات والمناسبات، ولكننا نحاول في نفس الوقت نحافظ دائما على الرؤية التي ندخل بها كل مناسبة مثل مناسبة رمضان. ورؤية الجزيرة الوثائقية الخاصة برمضان، هي استلهام روح الشهر المبارك على المستوى الثقافي ونحاول أن نكون مختلفين عن غيرنا، مثلا أنتجنا أفلاما لها علاقة ببعض الطقوس والعادات والتقاليد في رمضان لدى بعض الشعوب بحسب المجتمعات، أو الرياضات الرمضانية، وتنوع مائدة الطعام شرقا وغربا، أو سلطنا الضوء على من يصوم رمضان لأول مرة، أو على وضعيات خاصة لبعض الصائمين، مثل الطيارين والغواصين أو الذين يسافرون كثيرا أو المرضى، وهي أشياء لا علاقة لها بالجانب الديني بل بالجانب الاجتماعي والثقافي والإنساني.

هذا العام آثرنا أن تكون لنا أيضا نكهة خاصة في رمضان ووضعنا بعض الأفلام التي تتواءم مع هذا الشهر، فلدينا فيلم عن تعشيق الفن الإسلامي وجماليات الزخرفة الإسلامية.

نعم رمضان هو نفسه كل عام ولكن لا بد أن لا نتشابه نحن في إنتاجنا كل عام، ستجد الأفلام الجديدة ولكن ستجد أيضا أفلاما يعاد بثها مرة ثانية وستجد كذلك أفلاما منتقاة اشتريناها تكون موائمة لطبيعة هذا الشهر الكريم، عندنا أيضا فيلم عن الأرشيف العثماني وهو أرشيف هام جدا وعندما نعرف أن الدولة العثمانية عرفت تقريبا 400 سنة من الحكم المرتبك ارتباطا وثيقا بالتاريخ العربي.

·        بحديثنا عما تم الاصطلاح عليه بأفلام رمضان أريد أن أسأل سؤالا في العمق حتى تتوضح الأمور، ما الذي يحدد وثائقية الوثائقي؟ هل هي المناسبة نفسها أم هناك شيء آخر كأن تكون الصنعة الوثائقية هي التي تحدد ذلك ؟

الفيلم الوثائقي الجيد هو ما تراه اليوم وما تراه غدا وما تراه في رمضان وما تراه في شوال وفي أي وقت آخر، وبحسب وجهة نظري الفيلم الجيد هو الذي يحتفظ في داخله بقوة كامنة سرية لا تستطيع أن تفك طلاسمها بسهولة، فعندما تراه في رمضان تعجب به كثيرا وعندما تراه في وقت آخر تعجب به كثيرا أيضا وربما تسقط منه الكثير على الواقع، وهذه الخلطة هي ما يجعل هذا الفيلم جيدا، أما الفيلم الذي يرتبط بحادثة معينة فقد يكون جيدا أيضا ولكن بعد انتهاء هذه الحادثة أو تغير مجريات الأمور فيها قد لا تجده بنفس القوة التي شاهدته بها من قبل.

ولذلك أحد المفاهيم التي نعتمدها داخل قناة الوثائقية هو أن لا نهتم بإنتاج الكثير من الأفلام المعنية بالشؤون الجارية لأنها متغيرة ولأنها ترتبط أكثر بإخواننا وزملائنا في قناة الجزيرة الإخبارية الذين عليهم أن ينتجوا في هذه الفترة فيلما وثائقيا عن الانتخابات الرئاسية في مصر مثلا، ولكن هذه الانتخابات وخلال العام القادم ستكون متغيرة في فحواها وفي أهدافها وفي أشخاصها، وهذا الفيلم ستبقى له علاقة جزئية بالتاريخ لأنه يوثق لحادثة معينة ولكنه لن يحظى بهذه الخلطة السرية أو السحرية التي تجعلك تشاهده في كل وقت بنفس الطاقة وبنفس الحماس وبنفس القوة.

بهذا فالمناسبة لا تحدد الوثائقي بل المناسبة تساهم في إنتاج الوثائقي وفي توجيهه فنقول هذه مناسبة هامة ربما نصنع عنها فيلما، ولنأخذ الثورات العربية نموذجا فقد حرصنا على أن لا تكون الثورات العربية هي محور الموضوع بمعنى أن لا تكون الحادثة الواقعة الآن هي محور موضوع الفيلم، وعندما تشاهد الأفلام الوثائقية التي ارتبطت بالثورة أو التي صنعت إبان الثورة، بل حتى الفيلم الذي كان يسمى يوميات الثورة المصرية والذي كان عبارة عن أجندة يومية لما حدث، فإنك ستجد أنه على علاقة بإعادة ترتيب الأحداث بحسب أهميتها في كل يوم، وهذه الأحداث هي ما رأينا أنها كانت مطورة أو محفزة لتتقدم الثورة بشكل أو بآخر حتى انتهت خلال الـ18 يوما.

·        هل نفهم من كلامك أن بعض الأفلام الناجحة في رمضان ستعاد هذه السنة؟

بعض هذه الأفلام لم تنتج خصيصا لرمضان، فتعشيق الفن الإسلامي والأرشيف العثماني لم ينتجا لشهر رمضان وتعليم القرآن في طاجيكستان لم ينتج لرمضان خصيصا، بينما رمضان في الجزائر ورمضان في باقي البلدان هي أفلام مصنوعة لرمضان، هناك أفلام مثل حمزة ومعاني القرآن والبريد الطائر وغذاء الروح ليست لها علاقة برمضان، الفيلم الجيد هو الذي يفرض نفسه حتى وإن تم بثه في رمضان.

وأريد هنا أن أضيف معلومة أخرى قد تكون مهمة من وجهة نظري: سياق العرض يضفي على الفيلم الذي يعرض نوعا من المعنى أو نوعا من الاتجاه في المعنى، يعني هذا أنني إذا عرضت فيلما ما في رمضان فإن الجو الرمضاني أو الحدث أو سياق العرض في رمضان سيضفي جوا خاصا على الفيلم، وإذا عرضت هذا الفيلم خلال حادثة أخرى لها علاقة مثلا بذكرى حرب غزة فسيعطي ذلك بعدا آخر للفيلم، وإذا عرضت الفيلم خلال حدث آخر قد لا يكون جللا مثل كأس العالم أو الأولمبياد فإنه سيأخذ أيضا بعدا مختلفا بينما الفيلم لم يتغير، وهذه نقطة أردت أن أضيفها.

·        السؤال قبل الأخير: ما هي المشاريع الكبرى أو المشاريع القادمة التي ستحدث هذه السنة والتي يمكن أن يعرفها الجمهور؟

نحن نعمل الآن على بعض المشاريع التي نرى أنها ستكون جيدة أو مهمة أو متميزة في العام القادم لعل أهمها أن هناك محاولة لإنتاج سلسلة حلقات عن الحروب الصليبية، وهذه الحروب الصليبية ستكون الأولى من نوعها على مستوى العالم ولأول مرة تنتج سلسلة وثائقية عن الحروب الصليبية من وجهة نظر عربية، وبوجهة نظر عربية لأن كل الوثائقيات حول الحروب الصليبية كانت من وجهة نظر غربية.

والسلسلة الأخرى التي بدأت بوادر انتهائها هي سلسلة المسرح العربي، وهي سلسلة تعنى بتاريخ المسرح العربي على مستوى العالم العربي وايضا سلسلة أخرى تحت الإعداد عن تاريخ الصحافة العربية، وسلسلة عن الكشافة العربية وسلسلة أخرى عن الطلبة والسياسة وتاريخ الحركات الطلابية وكيف أسهمت في الذود عن قيم المجتمع وقيم العدالة والحرية. والسلسلة الأخرى عن العمال والسياسة وهي تحكي عن الحركة العمالية

·        أخيرا هل من كلمة للجمهور؟

الجمهور هو الزاوية الثالثة والثابتة من زوايا المثلث، فإذا كان هناك المنتج وهناك المبدع فالجمهور هو الزاوية الثالثة، ولكن من وجهة نظري هو الزاوية الأهم لأن المنتج والمبدع يعملان لتقديم أعمالهما لهذا الجمهور، وما أطلبه من جمهورنا الآن هو فتح قنوات للتواصل بشكل أكبر من خلال موقعنا ومن خلال مراسلة القناة ومن خلال أيضا الأبحاث التي نجريها والتي بدأنا بها بشكل متواتر ودوري على المستوى العربي وذلك حتى نتمكن من تقييم آدائنا معه ونستجيب أكثر لأولوياته.

كلماتي للجمهور أنك أنت الآن مشارك في صنع حكامك فما بالك بصنع الأفلام وصنع الميديا والإعلام، أنت مشارك بشكل كبير، وأقول له نسأل الله أن نكون عند حسن ظنك، ونسأل الله أن نقدم لك ما يعينك على فهم طلاسم هذا الواقع الذي نعيش فيه وعلى تفكيك مفردات التاريخ، فقراءتها في بعض الأحيان هي المنارة التي نرى بها الطريق أو نتحسس بها طريقا أفضل.

جديدنا في رمضان : الارشيف العثماني  

في غفلة من الزمان غابت الامبراطورية العثمانية من على المسرح العالمي لتخلف وراءها مخزونا وثائقيا في غاية الاهمية.

الجزيرة الوثائقي تعتبر نفسها معنية بكل عمل توثيقي يخص العالم العربي والإسلامي لتخرجه لمشاهديها إخراجا فنيا مميزا. وقد اختارت الأرشيف العثماني لتعرضه في شهر رمضان. وتعتبر ذلك جزءا من وظائفها الثقافية.

حمل الفيلم عنوان لافتا : "ذاكرة قارات ثلاث - الأرشيف العثماني". ومعلوم أن الإمبراطورية العثمانية كانت مهتمة جدا بالتوثيق وأرشفة تراثها السياسي والثقافي والديني وغيره. مما يجعل من إنتاج فيلم وثائقي حول هذا الأرشيف مسألة غاية في الأهمية. فقد امتد حكم العثمانيين بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. وبالتالي كانت فاعلا رئيسا في أحداث العالم طيلة قرون. ومازالت تبعات الأثر العثماني إلى اليوم. وهذا الاتساع الجيوسياسي للإمبراطورية العثمانية يجعلها مخزنا كبيرا لأسرار التاريخ.

في بداية هذا الفيلم نتابع لقطات مصورة لتلك الأيام التي كانت فيها الامبراطورية حديث العام والخاص، لنفتح معا صفحة موضوع الارشيف العثماني الذي هو في الواقع أرشيف دول وسكان من مختلف الطوائف والشرائح والجنسيات، وكذلك إدارة الأعمال واسرار الجيوش والخطط السياسية والمناورات....

الاطلاع على هذا الأرشيف حجر أساس في فهم الحاضر واستشراف المستقبل بالاستناد على ما حدث في الامس، فالأرشيف هو العمود الفقري لكتابة التاريخ..

يستعين الفيلم ببعض المختصين وأيضا ببعض طلبة العلم الذين يعدّون لشهادات عليا تستند في متنها على أبحاث من هذا الأرشيف، منها طالب أجنبي جاء لإسطنبول من أجل البحث في تاريخ القرصنة الذي ساد في تلك الأيام وخاصة المصير الذي لاقاه أولئك الأفراد الذين وقعوا في الأسر، وكيف كان التعامل معهم وما الذي كان يجري في كواليس المفاوضات حول الفدية واطلاق السراح...

الأرشيف العثماني كما نفهم من الفيلم يخضع لثلاث مراحل من الحفظ، وعملية تسجيل الأحداث لم تتوقف حتى في الحروب، فمثلا كان من الثابت أن يسجل عقد ملكية للبلد الذي يتم فتحه، يتضمن الموجودات والمحاصيل وعدد السكان والحيوانات وكل ما في البلد من أجل الحفاظ عليه ومعرفة الموارد والامكانيات...

أهمية الأرشيف العثماني أنه ذاكرة لثلاث قارات وحوالي 40 دولة، ومن هنا جاءت تسميته بكنز الدولة، حيث نفهم سير تلك الدول وعلاقاتها وتفاعلها مع الاحداث والحضارات التي احتكت بها.

إنه خارطة طريق تأخذ من الماضي وتدل على المستقبل...

هذا الأرشيف يخلو من أحداث قيام الدولة العثمانية في مراحلها المبكرة التي سبقت الاستيلاء على القسطنطينية، لأسباب عديدة منها غزو تيمورلنك وإحراق مدينتي بورصة وأدرنه اللتان كانتا بمثابة العاصمة للدولة.

تنقل هذا الارشيف الضخم من مكان لآخر حسب العهود والمراحل، فمن جامعة اسطنبول إلى سجن "كوله" ثم إلى مخازن تم انشاؤها في قصر طوبقاي في منطقة السلطان أحمد ثم الى منطقة الباب العالي حيث دخل على نقل الوثائق منذئذ الطرق العصرية.

وقد واجه الأرشيف مشاكل عديدة من أجل الحفاظ عليه، خاصة مع انشاء الجمهورية التركية الحديثة التي عانت بداية من فهم نوع العلاقة مع الامبراطورية المنتهية، وفي أحد المرات تم بيع الأرشيف لبلغاريا لولا تدخل الصحافة لإفشال هذه الصفقة الغريبة، ثم تم التعاقد مع خبير مجري شهير من اجل العمل على هذا الارشيف بطريقة علمية حديثة للحفاظ عليه.

يسلط الفيلم ايضا الاضواء على حاضر الارشيف، وكيف يتم التعامل معه، وكذلك الآلاف من طلبة الدراسات العليا والبحاثة الذين يأتون من مختلف أنحاء العالم للتزود من هذا الكنز بالمعلومات.

هذا الفيلم هو جولة مشوقة في التاريخ من أهم أبوابه، باب الوثيقة ورحلتها بين الأماكن، حيث نقترب أكثر من اي وقت مضى من الأحداث التي وقعت كما سجلت في وقت حدوثها.

الجزيرة الوثائقية في

23/07/2012

 

في دهاليز أقدم مهنة في التاريخ

محمد موسى - أمستردام  

إذا كانت معظم الصالات السينمائية الأوربية "تستسلم" كل صيف لأبطال الحكايات المصورة وقصص التحريك وأفلام الميزانيات الضخمة القادمة من هوليوود، تسير الأمور على عاداتها في الصالات الفنية، إذ تفرد برمجة الموسم الصيفي مساحة لأفلام تسجيلية جنبا الى جنب مع الأفلام الروائية المستقلة الإنتاج والأفلام الفنية التي تعرضها هذه الصالات، فلا استراحة صيفية لرواد تلك الصالات من شقاء وأسئلة العالم الشائكة والمستعصية والتي تقدمها تلك الأفلام بالغالب.

ففي بريطانيا يعرض منذ أيام فيلم "نحن الشعراء" للمخرجين دانيال لتشيسي وأليكس رامسيير- باش واللذان يرافقان فيه ستة من طلاب المدارس البريطانيين من مقاطعة "يوكشر" في رحلتهم للاشتراك في مسابقة شعرية في مدينة واشنطن الأمريكية. تشير الاختلافات الاجتماعية والعرقية بين الطلاب المشتركين إلى تنوع المجتمع البريطاني المعاصر، فإحدى الطالبات هي مسلمة محجبة، تجد في الفيلم فرصة للدفاع عن حريتها بارتداء الحجاب، وهناك أيضا طالب من أصول آسيوية. وفي بريطانيا أيضا يعرض فيلم "حنين الى الضوء" للمخرج التشيلي باتريسيو جوزمان الذي يقدم فيلما شاعريا عن ظواهر طبيعة في صحراء أتاكاما في تشيلي. الفيلم، وإن كان يبدو بعيدا عن السياسية والراهن الاجتماعي، لا يتخلى عن التعرض لتاريخ البلد الجنوب الأمريكي الدامي. وتعيد صالات سينمائية بريطانية منتخبة فيلم "تحية" للأسترالي مات نورمان ( إنتج عام 2008) عن عمه العداء الذي فاز في عام 1968 بالميدالية الفضية في اولمبياد المكسيك في مسابقة 200 متر، لكن العداء استقر في صفحات التاريخ لسبب آخر، فهو كان في الصورة الفوتغرافية الشهيرة التي أظهرت زميليه الأمريكيين الأسودين واللذين فازا بالميدالية الذهبية والبرونزية، وهما يحييان الجمهور بالتحية التي كانت متداولة بين أعضاء حركات السود المسلحة في نهاية الستينات. سيعود الفيلم التسجيلي لهذه الصورة الأيقونة والتعاطف الذي أبداه "عم" المخرج وقتها مع زميليه بحمله لشعار الدفاع عن حقوق الإنسان في مراسيم تقليد الميداليات الرياضية، كما سيقابل أبطال الحادثة الشهيرة التي أثارت ضجة واسعة في الولايات المتحدة الأمريكية وقتها.

التنافس على السيارة الكهربائية

ومن الولايات المتحدة الأمريكية تعرض صالات سينمائية بريطانية منتخبة الفيلم التسجيلي "انتقام السيارة الكهربائية" للمخرج كريس بين، والذي يسجل طوال ثلاثة اعوام التطورات التي قطعتها شركات عملاقة وأخرى مبتدئة لإنتاج سيارات تعمل بالكامل على الطاقة الكهربائية. من الشركات التي فتحت أبوابها لفريق الفيلم التسجيلي، "جنرال موتورز" الأمريكية المعروفة، والتي أحال الحديث عن خططها لصناعة السيارة الكهربائية لموضوع الصناعة الأمريكية الوطنية بالمطلق، والتي تتضاءل بسرعة كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، لصالح المنتج الذي يصنع بعيدا عن أراضي الدولة الاقتصادية الاولى في العالم، ليغدو نجاح الشركة المذكورة بإنتاج سيارة أمريكية كهربائية شعبية مهما جدا للشركة، التي تواجه منافسة شرسة من شركات آسيوية لتصنيع السيارات، كشركة "نيسان" اليابانية، والتي تقدم في الفيلم التسجيلي أيضا، إذ طورت الأخيرة في السنوات القليلة الماضية نموذج سيارات كهربائية تتطلع معه لتصدر شركات السيارات في العالم. كذلك يقترب الفيلم من تجربة شركة "تسلا" الحديثة لإنتاج السيارات الكهربائية والتي وصفها أحد الخبراء المختصين، بأنها محاولة لنقل مركز إنتاج السيارات في الولايات المتحدة الأمريكية من مركزها التقليدي في مدينة ديترويت الى وادي السيلكون في ولاية كاليفونيا، فمالك شركة " تسلا " الأمريكي الشاب "إيلون ماسك" كان قد صنع ثورته من عالم الأنترنيت قبل ان يتوجه لمشروع إنتاج سيارات تعمل بالكهرباء مع التركيز في المنتَج الجديد على السرعة العالية والشكل العصري، واللذان لم يكونا أبدا في حسابات مصممي الجيل الأول من السيارات الكهربائية.

يؤكد الفيلم أن الوقت قد آذن لإنتاج سيارات كهرباء شعبية، ليس فقط بسبب مطالب كثيرين بتقليل الاعتماد على النفط وضرورة وقف التلوث الذي يقود، وكما يزعم علماء كثيرين، إلى التغيير المناخي، لكن يبدو أن شركات السيارت نفسها اقتنعت أخيرا بضرورة توجيه جهدها لإنتاج سيارات تنال ثقة المستهلك، وبعد أن كانت مترردة كثيرا لأسباب عديدة، منها همينة ذهنية تقليدية لم تتعامل بجدية في الماضي لإيجاد بديل للبنزين.

يتعثر الفيلم بإيجاد مسار فعال ويضيع قليلا بين الأبواب العديدة التي فتحت له من قبل شركات وشخصيات مثيرة، تستحق كل واحدة منها فيلما منفصلا، بالمقابل تنقل الفيلم على عجالة أحيانا بين شخصياته مهدرا فرصا عديدة للتعمق اكثر بعالم الأمريكي " إيلون ماسك " مثلا وتجربته الشديدة الأهمية ومحاولته تأسيس نموذج اقتصادي عصري وغير تقليدي، وهي التجربة المتواصلة لليوم، أو الأمريكي الآخر بوب لوتز المدير التنفيذي لشركة "جنرال موتورز" والذي دفع شركته لإنتاج سيارة اقتصادية في نهاية حياته المهنية واقترابه من عمر التعاقد، وكأن هذا الفعل هو تكفير عن سنوات طويلة من نشاط كان يمجد فيه إنتاج السيارات الشخصية الكبيرة الحجم، والمعروفة باستهلاكها الكبير للوقود.

مهنة البغاء حول العالم

يواصل المخرج النمساوي مايكل غولوغير ما بدأه في فيلم "المدن العملاقة" والذي عرض في عام 1998، بتقديم قصصا منتخبة من حول العالم تجتمع بتقديم الثيمة ذاتها ضمن الاطار الانساني الخاص الذي إختاره المخرج لأعماله التسجيلية، لتكتسب تلك الأفلام صبغة كونية وتحيل سريعا إلى توصيفات العولمة الذي يوسم بها عصرنا الحالي، لكنها عولمة خالية من أي بهرجة او تمجيد، ومثقلة تماما بالألم والظلم الذي يتشارك فيه بنو الإنسان على كوكب الأرض هذا. فبعد أن تناول في فيلم "المدن العملاقة " قصص فقر وحب وعمل لشخصيات من الهند والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمكسيك، وقدم في فيلمه التسجيلي اللاحق "موت العامل" والذي عرض في عام 2005، الأعمال الخطرة التي يقوم بها كثر حول العالم من أجل الحصول على قوت يومهم. يصل في فيلمه الثالث الى أقدم المهن في التاريخ، فيدخل في دهاليز صناعة الجنس المظلمة في تايلند وبنغلادش والمكسيك.

يتألف الفيلم التسجيلي الطويل من ثلاثة أجزاء فيبدأ من تايلند، والتي يتابع فيها يوميات شركة كبيرة منظمة لبيع المتع الجنسية، ثم ينتقل الى بنغلادش والتي يسجل من حي خاص في أحد مدنها ظروف تجارة الجنس في واحدة من أفقر بلدان العالم، فيما يختتم المخرج رحلته في المكسيك من حي منعزل يتخصص بتقديم الخدمات الجنسية للرجال هناك. يسجل الفيلم، وكحال عمل المخرج السابق عن الاشغال الخطرة (فيلم موت العامل)، يوميات عمل لبائعات اللذة في الدول الثلاث.، يعايش تلك التفاصيل العادية وينقلها بدون توليف كبير أو مقابلات زائدة الى الجمهور. لكن وبسبب طبيعة مهنة نساء فيلم "مجد بائعات الهوى"، يقترب هذا العمل التسجيلي من الغواية أحيانا. هذه المقاربة تبدو مهمة كثيرا لفهم ما تمر به إولئك النساء وأيضا زبائنهن من طالبي المتعة. فالتكرار الذي تمنحه مشاهد المراقبة الطويلة لعالم العاملات في صناعة الجنس يوجه إنتباه المتفرج تدريجيا الى ما تتضمنه المهنة من مهانة وشقاء للنساء، حتى قبل أن تفتح بعض هؤلاء النساء أفواههن بالشكوى. فتفاصيل العمل اليومية العادية تلك، تتراكم لتتحول إلى إدانة للمجتمعات والأفراد الذين يديرون بها أو يتغاضون عن ثمنها البشري الباهض، كما تكشف نساء عديدات، وخاصة في الجزء البنغلادشي من الفيلم، عن تجارة الرقيق التي دفعهن لها، فيما يركز الجزء المكسيكي عن العنف الذي تتعرض له نساء هناك من اللواتي يعملن في تجارة الجنس.

لا تخيف حساسية موضوع الفيلم التسجيلي كثيرين من التحدث بحرية كبيرة لكاميرا المخرج النمساوي، من نساء عاملات أو زبائنهن، الأمر الذي يطرح تساؤلات وشكوك، إذا كان المخرج وفريق إنتاج الفيلم قاموا بدفع أموال للنساء أو لبعض الرجال مقابل الحديث للفيلم، أم أن الوقت الطويل الذي قضاه المخرج مع هؤلاء النساء، جعلته يظفر بثقتهن؟.. الإجابة ستكون مهمة كثيرا لو لم تتضمن تلك المقابلات كل ذلك الصدق والعفوية الذي ظهرت به في الفيلم، عندها تكون المعرفة بتفاصيل العمل في الفيلم فنية بحتة، للتعرف على أسلوب عمل واحد من أبرز مخرجي الأفلام التسجيلية في العالم .

الجزيرة الوثائقية في

23/07/2012

 

 

Bloody Boys : أولاد غرباء وآباء انانيون

طاهر علوان  

آباء وأبناء، حياتهم قد تمثل اختصارا لأزمنة وسيرة حياة ، جيلان يسيران في خطين متوازيين وربما متقاطعين ، أهواء مختلفة وأحلام وإرادات متناقضة قد تتفجر بشكل ما ، عندما تختلف القناعات والرؤى.... إشكالية تثار وتثير معها تداعيات نفسية واجتماعية تتصاعد قدما مع ازدياد التعقيدات والخبرات القاسية التي قد تعصف بالطرفين ...هذه الخلاصة تنطبق تماما على هذا الفيلم Bloody Boys” للمخرج السويدي من أصل عراقي "شاكر تحرير ".

يرصد المخرج في فيلمه هذا إشكاليات اجتماعية ونفسية متشابكة ولكن بموازاة ذلك قد يبدو مستغربا أن يبدأ به فيلمه بمشهد بدا للوهلة الأولى مشهدا مألوفا وعاديا و لكنه كان محقا في استدراج مشاهديه إلى تصعيد غير محسوب وصراعات نفسية قاسية ومؤلمة ، مشهد الافتتاح ليس إلا حفل تخرج ثلة من الطلبة اليافعين مع عائلاتهم وهم يحتفون جميعا بتلك المناسبة المهمة، يتبادلون الأحاديث ويلتقطون الصور التذكارية وما إن ينتهي ذلك الحفل حتى تبدأ صورة معاكسة تماما، ثلاث قصص وثلاث عائلات، ثلاثة أبناء هم ضحايا ما كان وسيكون، الثلاثة سيواجهون قدرهم بسبب تفكك العائلات ومشكلاتها التي تفضي إلى اطلاقهم إلى الريح ولما يقو عود اي منهم .

القصة الأولى من القصص الثلاث هي قصة "سيمون " الشاب الذي تقرر امه ان تتخلى عنه فجأة لأنها ستغادر المنزل لتعيش في كنف رجل آخر وتخبره بكل برودة أعصاب عن بدء العد التنازلي لمغادرته المنزل... المأزق مركب بين مغادرة البيت والمكان إلى مغادرة كنف الأسرة إلى المجهول إلى الأب توماس (جاكوب نوردينسن )الذي سيعثر سيمون عليه وهو يعيش معزولا ووحيدا في منزل ناء وما إن يرى الأب ابنه الوحيد وهو الذي فارقه سنين طوالا حتى تنقلب الصورة المتوقعة للعناق والاهتمام فالأب يتنكر لسيمون متعذرا انه لا يرتضي لنفسه أن يكون أبا موسميا، ثم لينصرف إلى طقسه اليومي الغريب، يحمل معه جهاز التسجيل والشراب والكرسي وفي جنح الليل يتجه إلى المقبرة لسماع الموسيقى الكنسية والأوبرالية وهو يجاور قبر أمه ويذرف الدموع عليها ..

يعجز سيمون في إقناع أبيه بأي شكل أن يعيش معه ولكنه يلجأ إلى حل آخر هو أن ينصب خيمة صغيرة أمام المنزل لكن الأب ينقض عليها ويترك ابنه لليل والبرد فما يكون من سيمون وقد وصل إلى طرق لا رجعة فيه إلا أن يضرم النار في المنزل ليدمره كليا منتقما من كل شيء ...

الأوراق التي أحرق بها سيمون منزل أبيه ليست إلا تلك التي وجدها في الطريق وهي تتساقط من أعلى عمارة وهي ليست إلا يوميات ومذكرات أب آخر يعيش أزمة عائلية أخرى ومع فتى آخر من أولئك الفتيان الثلاث، الأب هو الطبيب النفساني غونر (ستيج اينجستروم) الذي تقرر زوجته الانفصال عنه من جهة والتخلي عن ابنهما بالتبني، فهي بكل بساطة تحاول إقناع الصبي بيورن (ماتس سندهال) بالعودة من حيث أتى، إلى أثيوبيا موطنه الأصلي، العودة إلى أحضان أمه الأصلية التي تم شراؤه منها، هي صدمة بالنسبة للصبي الذي فتح عينيه على هذه الحياة وهذا المجتمع وهو لا يعرف لاعن أثيوبيا ولا عن أمه الأصلية شيئا، وترغبه امه بالتبني بأنها قد اشترت تذكرتي سفر لها وله لكي تعيده إلى اسرته ولما يرفض الفكرة تستأجر له سكنا بينما ابوه الطبيب النفساني يعبر عن شعوره بالخيبة والإحباط بكتابة يومياته وحيدا عاجزا عن إيجاد حل لذلك الصبي وحتى إيجاد حل لنفسه، فهو كمن أخذ على حين غرة في تحول غير محسوب ولا متوقع أن تنقلب حياته فجأة رأسا على عقب مستغربا كيف اوتيت زوجته هذه القدرة على التخلي عن ذلك الصبي الذي احبته وتعلقت به واذا به وكأنه لم يكن في حياتها .

وهو إذ يكتب تأملاته ورؤاه عن الحياة والمجتمع، حياته هو وما وقع له من تحولات يعجز عن إيجاد تفسير ما لكل شيء ويشعر بالعجز التام عن قراءة هذا الواقع الثقيل الذي صار هو جزءا منه من دون ان يكون فاعلا في اختيار القرار المناسب سوى محاولة فهم الموقف والحالة .

لكنه وهو في هذه الدوامة تشاء الصدف ان تكون احدى مريضاته وزائرته في عيادته هي ام للصبي الثالث في هذه المعادلة المأساوية لهذا الجيل المأزوم فالسيدة ايدا (ايلين كلنجا) هي ام الشاب كريستوفر الذي يعيش معها حياة كابوسية قاتلة بعد انفصالها عن زوجها، هي إنسانة تقف على اعصابها، لا تطيق أحدا ولا تستطيع ان تتحمل الضجيج وهي تنام وتصحو على المهدئات والحبوب المنومة، يؤرقها كل شيء وبما في ذلك زيارة صديقة ابنها وزميلته في المدرسة ومكوثهما معا في المنزل وتقاسمهما سريرا واحدا لتصحو في ليال متكررة لتمارس رد فعلها اليومية الانتقامية بتكسير الصحون فهي تشتري بين الحين والآخر كمية منها وتنشغل بتكسيرها وسط صراخ هستيري يصم الأذان ويؤرق ابنها الشاب الذي سأم كل شيء حتى يتفجر الموقف بقوة عندما يتأكد كريستوفر أن سبب كل المأساة التي يعيشها هو، وتعيشها أمه ليس إلا جده لوالدته الذي كان قد اعتدى عليها مرارا وهي صغيرة .

المريضة ايدا في العيادة اذا تشرح للطبيب مأساتها وتقول له انها في وسط ازمة طاحنة، يرد عليها الطبيب ناصحا، ولكن بإمكانك تخطي الأزمة والمأزق والمضي في حياتك إلى الأمام فترد عليه وهل انت شخصيا قادر على ذلك لو كنت في موقف كموقفي ؟

عندها يجد الطبيب نفسه في خانق يضيق عليه لأنه حقا عاجز عن فعل شيء لنفسه، ينظم إلى المرأة في أزمتها ويذهب لمقابلة أبيها الذي هو سبب مأساتها وهو المقعد الجاثم على السرير، يفتح معه قصة اعتداءاته المتكرره على ايدا وهي طفله لكنه لن يقابل من طرف ذلك الكهل الا بمزيد من الصراخ والشتائم ويطرده رافضا حتى الحديث في الموضوع لكن ذلك لن يوقف الفتى كريتسوفر من ان يأتي في جنح الظلام تلاحقه صرخات أمه في نوبه من نوباتها الهستيرية ويجهز على الجد بآلة حادة ويقضي عليه ليتم القبض عليه لاحقا من طرف الشرطة وهو الذي ظن أنه عائد لأمه وهي عائدة إليه ..وقد انتهت حياته إلى السجن .

اما الطبيب وامتدادا لأزمته وتكفيرا عن شقائه يذهب إلى المعهد الذي يدرس فيه ابنه بالتبني بيورن لمشاهدة عرض مسرحي يشارك فيه لكنه لن يحضر فلما يذهب إلى حيث يسكن يكون في مواجهة الفاجعة حيث اقدم الفتى على الانتحار تاركا على شاشة التلفزيون صورا من شريط فيديوي يروي ذكريات وصورا من طفولته لننتهي مع سيمون بعد أن أحرق دار أبيه وفي وسط البرد القارس اذا بهما ينزلان إلى الماء ربما للتطهر من الخراب حيث لم يبق للأب والابن أي شيء عدا هذه الطبيعة الفسيحة .

أجاد المخرج وهو كاتب السيناريو أيضا وبمهارة ملفتة قيادة هذه الدراما النفسية – الاجتماعية بكل فصولها وتداعياتها، وظل يعزف على أوتار الذات الإنسانية في أشد أزماتها وأنانيتها، وكشف عن ذلك الحطام في الذات الإنسانية عندما تتخلى عن انسانيتها وتتشبث بنوازعها وأنانيتها القاتلة .

من جهة أخرى يلفت للنظر في هذه القصص الثلاث أن كلاّ منها امتدت خيوطها وآثارها وانعكاساتها على مستويات متعددة اجتماعية ونفسية وسلوكية ولا تجد نفسك وانت تشاهد الفيلم الا أن تحاكم الظاهرة التي ينطوي عليها سلوك الشخصيات التي تترك جيل الأبناء في مهب الريح .

قدّم الفيلم نخبة من ألمع نجوم السينما السويدية وفي مقدمتهم بالطبع الممثلة إيلنا كلنجا التي سبق ووقفت أمام المخرج السويدي الكبير برجمان في أحد افلامه وكذلك الممثلين الكبيرين ستيج انجستروم و جاكوب نيردنسن .

بهذا الفيلم يقدم المخرج شاكر تحرير بصفته مخرجا محترفا قد نضجت خبرته وأدواته وهو الذي انشغل بالفيلم القصير وهذا هو أول أفلامه الروائية الطويلة وأمضى قرابة العشرة أعوام محتفظا بخطوط هذه القصة الفيلمية ليقدمها بمهارة وتمكن في هذا الفيلم الذي نال صدى مهما في اثناء عرضه في مهرجان السينما الأوربية في بروكسل في دورته العاشرة التي اختتمت مؤخرا وحصد جائزة أحسن سيناريو وهي جائزة يستحقها بجدارة وحيث مازال يتنقل بين المهرجانات من مونتريال إلى ساو باولو إلى بنجالور وغيرها من المهرجانات .

الجزيرة الوثائقية في

22/07/2012

 

قراءة في بعض جوائز مهرجان كارلوفي فاري

التمثيل لإيرانية وللمزاج الاسكندنافي أكثر من جائزة

كارلوفي فاري ـ قيس قاسم 

تعكس العروض المصاحبة لمراسيم افتتاح واختتام مهرجان كارلوفي فاري، بعضاً من مستوى الإبداع التشيكي، ورقي مستواه، والذي يولّد مع جمال المدينة وروعة طبيعتها وعمرانها العريق انطباعاً بأن هذا المهرجان يأتي من محيط غني بالمعارف والفنون، والعرض المصاحب لحفل اختتام الدورة الـ47 جاء متوافقاً مع هذا التصور، فاللوحة الراقصة للسباحين الهابطين إلى عمق المسبح نفذت بشكل رائع، ومنسجم مع ثيمة الدورة حول "حوض السباحة في السينما". تفاصيل حفل الختام تعطي صورة أكثر وضوحاً عن سعة برنامجه وكثرة مفرداته، فيما الجوائز تعكس حجم المشاركات وطبيعتها وطبعاً ليست بالضرورة الى جودتها وأفضليتها المطلقة، فهي تبقى تعبيراً عن ذائقة واتفاق مجموعة صغيرة تتمثل بأعضاء لجان تحكيمها والتي لا تتوافق وأحيانا كثيرة مع المتوقع أو المرجح من قبل الحاضرين، من صحفيين ونقاد، وربما منح جائزة أفضل فيلم للنرويجي "أشبه برجل" لمارتين لوند واحدة من الأمثلة الساطعة على التناقض الدائم التكرار بين الحضور وبين المقررين المجتمعين في غرفة ما من غرف المهرجان.

المزاج الأسكندنافي

"أشبه برجل" يتوافق مع مزاج سينمائي إسكندنافي وأفكار معاصرة اجتماعية تخرج منها تتعلق بالموقف من الرجل والمرأة وعالم الطفولة الشديد التعقيد. وربما لهذا المناخ التأثير على منحه الجائزة كونه يذهب الى البحث في وجود الكائن الطفولي في أعماق الرجل الناضج، وبقاء تأثيرات الطفولة والميل لإعادتها عند رجل ينتظر هو بدوره أن يصبح أباً، ومن هنا جاء عنوانه الملتبس والعصي على الفهم السريع. لقد ظل في داخل هنريك (الممثل هنريك رافائيلسن الحاصل على جائزة أفضل ممثل في الدورة) ذاك الطفل الذي كان يظهر في تصرفاته وسلوكه غير المفهوم أحياناً والمتناقض مع وجوده وتكوينه كرجل ناضج. وما يعمق من الفكرة ويوسعها تشابه عدد من أصدقائه وسلوكه الطفولي. فجموعته كثيراً ما كانت تميل الى الصخب واللعب والمشاسكة وإلى خلق معارك عابرة بريئة تزعج كثيراً المحيطين بهم. إنه سلوك أطفال مترسخ يمارسه رجال كبار، وما داموا على هذا الحال هم "أشبه برجال" ما دامت في باقية دواخلهم هذه الرغبة. لقد وضع المخرج لوند سلوك هنريك "الفرداني" في تناقض مع المجموعة "الأخرى" ومَثَلها بالزوجة والأم. لقد مَثلن العالم الخارجي الذي يرفض قبول الطفل في داخل الرجل، منسجمات في موقفهن، مع أغلبية تريد فرض صورتها النمطية للرجل الناضج وعليه سيجد هنريك نفسه ملزماً بقبولها والتصالح معها، وليس مع ذاته المنشطرة بين عالمين بل كما يريدها المجتمع ويرسم حدودها وفق نظرة عامة تحدد تطور الكائن وفق معايير "زمنية" صارمة، متناسين التداخل والتشابك المعقد في كل مرحلة من مراحل حياته.

العزلة الكندية

ليس بعيدا عن المناخ النرويجي كان سائق الشاحنة جيرمين الكندي يعيش في عزلة شبه تامة بعد وفاة زوجته. كان وحيداً عزاؤه عمله الذي يشغل به حياته، لكنه وفي لحظة مباغتة، حين اصطدمت سيارة خصوصية بشاحنته وأدى الحادث إلى وفاة المرأة التي كانت تقودها، وجد نفسه وحيدا وبحاجة إلى مكالمة ولديه ليعبر لهما عن الألم الشديد الذي يملأ قلبه. فيلم "الشاحنة" صادم يبدأ من اللحظة الرتيبة إلى الأخرى العنيفة ثم يعود ليرسم العلاقات الإنسانية بين ثلاث ذوات متقاربة من حيث صلتها البيولوجية ومتباعدة من حيث التكوين والميول، ثم يمضي الى الكشف عن حاجة الشخصيات الثلاثة الى التقارب وحتى العيش سوية بالرغم من قوة القوانين الإجتماعية الإقتصادية الرأسمالية التي تفرض شروطها على الكنديين. لعمق بحثه عن المشترك في الإنسان ولطريقة شغله الخاصة استحق صاحبه رافائيل أوليت جائزة أفضل مخرج. لقد صنع فيلماً بسيطاً من ناحية الشكل لكنه صادم، وديناميكي ترك التفاصيل تأتي بسهولة وببطء لكنها لا تبعث على الملل على العكس فرض علينا نوعاً من التواصل والملاحقة لمعرفة الى أين ستؤول العلاقة بين المثلث الإنساني وكيف سيختط كل واحد منهم وفي زاويته طريقه الخاص، بشكل خاص الأب الستيني الذي زعزع حادث السير جوانياته، غير أنه سرعان ما عاد الى توازنه وإلى عمله وسط مساحات هائلة من الجليد عليه السير فوقها ما دام قادرا على العمل وبه رغبة في التواصل.

ليلى حاتمي جائزة أخرى

بعد النجاح الذي حققه فيلم "انفصال نادر وسيمين" الذي لعبت فيه ليلى حاتمي دور البطولة وحصل على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين عادت وحصلت على جائزة أفضل ممثلة في كارلوفي فاري عن دورها في فيلم "الخطوة الأخيرة" للمخرج علي مصفا. المقارنة بين الفيلمين غير عادلة، وليست في صالح فيلمها الأخير، لكن حصولها على الجائزة يحمل تكريماً للسينما الإيرانية واعترافاً بمكانتها وهي جزء من حراك نحن معنين به كون إيران واحدة من دولة منطقتنا وتطور مسارها يفرض أسئلة محفزة عن سبب نجاحها وما الذي يمنع سينماتنا العربية من الوصول الى مستواها خاصة أن الظروف التي تنشأ فيها، سواء داخل إيران أو خارجها، قريبة إلى حد بعيد من ظروف كثير من الدول العربية. وما دمنا في الحديث عن السينما العربية فقد قلت المشاركة عن العام الماضي وإن كان كارلوفي فاري بوجه عام لا يعطي لسينما هذة المنطقة مساحة واسعة فيه لكن ومع وجود جيد للنقاد والصحفيين ومدراء مهرجانات ربما قد يسهم في تشجيع مبرمجي دوراته على انفتاح أكبر عليها مستقبلاً.

الجزيرة الوثائقية في

22/07/2012

 

الشرطان الديني والوطني.. مقصلة الفيلم الفلسطيني

أسماء الغول - غزة  

لو نزعنا السياسة من الثقافة الفلسطينية فلن يبقى فيها شيئاً..!! فالشعب الفلسطيني مسيّس رغم أنفه ولا يمكن خلع جلده السياسي، في ظل أدوار ضعيفة تلعبها وزارات ومؤسسات الثقافة، خاضعة لشروط ومحكومة بمعطيات تتجاوز فكرة الحرية بمعناها العميق التي هي قرينة العمل الثقافي، وفي غياب تلك الحرية تغيب شروط العمل الثقافي التغييري، وما يحدث يقتصر على إثبات الوجود أكثر منه عملاً لتغيير صورة.

وتندرج صناعة السينما والأفلام جميعها ضمن هذا الإطار الاشتراطي السياسي الوطني المخالف للإبداع وحريته باشتراط وجود الرسالة الوطنية والأخلاقية من وراء الفيلم الفلسطيني، وهذا لم يحدث فقط الآن بل منذ بروز مفاهيم الاحتلال واللجوء والمقاومة، وأضيف لها حديثا بعد ما يزيد عن ستة أعوام على وجود حكومة حماس كتمثيل للاسلام السياسي في قطاع غزة، الشرط الاخلاقي المرتبط بالفكر الديني وليس كشرط أخلاقي مطلق في انسانيته، فلطالما كان الفن القائم على أية مطالبات أخلاقية يمثل جدلا في تاريخ الفلسفات الإنسانية، في مقابل دعوات ليكون الفن هدفه الفن بحد ذاته، فما بالكم حين يطالب أن يكون ضمن اشتراطات دينية ضيقة تحددها سياسات حزبية.

لذلك فإن الحديث عن اعادة افتتاح قاعات السينما التي أغلقتها التيارات الإسلامية منذ سنوات يعتبر تجديفا في الواقع الغزي، حيث ترتبط السينما عند الكثيرين منهم بالإباحية وتخريب أخلاق الأجيال، فكيف تقفز المؤسسات الرسمية والأهلية في قطاع غزة للتحدث عن المهرجانات وتتفاخر بتنظيمها وتناقش الفيلم الوثائقي الفلسطيني وتمويله ورسالته، ولا يزال من يحرّم الصورة وعمل المرأة في أجهزة التلفزة يتبوأ مناصب مهمة، وأنه اذا كان لابد من صناعة الأفلام فلابد ان ترتبط مباشرة بمعاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال والمقاومة عبر صور الدم والحرب والجثث.

وفي عرضٍ لآراء تم نقاشها خلال ورشة عمل بعنوان: "الفيلم الوثائقي الفلسطيني بين الرسالة والتجارة"، نظمتها مؤسسة إبداع للأبحاث والدراسات والتدريب، في مقرها بغزة، قبل فترة، قال سعد كرَيّم رئيس رابطة الفنانين الفلسطينيين في غزة أن الفيلم الفلسطيني يجب أن يكون له مذاق خاص، فالقضية الفلسطينية في مرحلة تحرر وطني، وهناك العديد من الأعباء التي يجب أن يتناولها الفيلم الفلسطيني تباعاً، موضحاً أنه تاريخياً لطالما كان الفيلم سلاحا هاما في مواجهة الأعداء وترسيخ الحق الفلسطيني.

واعتبر أن ما يحدث الآن هو حالة من تمييع الفيلم والاعلام الفلسطيني بسبب الاجندات الاجنبية التي تقف خلفه، والمال المسموم الممول للفيلم، والذي قد يوافق على فكرة المخرج او الاعلامي، ولكنه يضع السم بالعسل.

ويرى كرَيّم أن رؤوس الأموال من العوامل التي تؤثر في رسالة الفيلم الفلسطيني وأنه كي يكون الفيلم بمستوى جيد لابد له من منتج محترم للوصول إلى مصنوع مكتمل أركان الصنعة عبر رؤوس أموال حرة ليس فيها إملاءات أو تحكم بالنص.

ونبه إلى أن صناعة السينما الصهيونية انتبهت لأهمية الرسالة من وراء السينما وأدركت ان غسيل الادمغة وتشكيل العقول لا تكون الا بالسُبل الناعمة التي تعود بفائدة أكبر، ومن يرجع الى تاريخ الصهوينية العالمية يرى أن الرسالة السينمائية الصهيونية جاءت في اعمال قوية جدا وملفتة للنظر ومثيرة للإعجاب!!.

أما الاعلامي سائد السويركي فقد لفت بسخرية أن المشكلة الحقيقة هي مشكلة وعي وتصورات كلاسيكية تجعل شريحة كبيرة تغرق في نقاش إذا ما كانت السينما حرام أم حلال؟، متسائلاً :" كيف نريد أن نصل إلى العالمية ما دمنا لا نزال عالقين في هذه الاشكالية المخجلة؟".

وأكد في الورشة التي تأتي ضمن فعاليات التحضير لمهرجان الشباب والحرية الدولي، أنه قبل تصنيف السينما والصورة بالحلال والحرام كان هناك تصنيف من نوع آخر على مر تاريخ الفصائل الفلسطينية يتعلق بأن البندقية أفضل من الفيلم وصوتها أكثر تأثيراً، وهو ما ظل راسخاً في الوعي لتأتي بعده النظرة الدينية، وكلاً من النظرتين ظلمتا تطور المشهد السينمائي الفلسطيني.

ورفض السوريكي لوم المخرج الفلسطيني الذي وصل إلى العالمية على اتجاهه إلى المال الاجنبي طالما أنه لا توجد قدرة فلسطينية على رعاية الكفاءات، قائلاً : "على المستوى الجمعي نحن فاشلون والفردي نحن رائعون".

وأكد أنه لا يزال عند الجهات المسؤولة اعتقاد بأن رجلاً على منبر يوصل الرسالة بشكل أهم من فيلم سينما مع أننا جميعاً نعرف ان العكس صحيح تماماً، متابعاً: "سنظل منغلقين على أدواتنا ورؤيتنا طالما نربط بين مشاهدة السينما وتدمير الأخلاق، وهذا يدعو إلى أهمية إعادة صياغة الوعي بشكل يجدد الأدوات الفلسطينية، فالفلسطيني يملك حَدوتة ولكن لا يجب ان يقولها بشكل فج".

وأوضح أن المشكلة ليست بالامكانات، بل بعدم اهتمام الحكومات نفسها بصناعة السينما فنجد ما يتم تخصيصه للأجهزة الأمنية أهم وأعلى بكثير مما يتم تخصيصه للثقاقة أو التعليم، ويبقى العميد أو العقيد فلان أهم من الروائي أو الفنان أو المفكر فلان، مع أن التاريخ لن يذكر السَاسَة بل سيذكر كتب الشعر وأفلام السينما والأدباء.

من جهته قال المخرج وسام أبو ريالة أنه تعلم بعد مشاركته في مهرجان سينمائي بالمغرب أهمية مراعاة الرسالة للجمهور المستهدف ودراسته بشكل مسبق، وكذلك أهمية الرمزية في رسالة الفيلم الفلسطيني كبديل عن مباشرتها.

وأضاف أنه شارك بالمغرب في فيلم اسمه "مضيف الشهداء" وفيه الكثير من لقطات الدم والقصف، الأمر الذي انتقدته لجنة التحكيم، وامتدحت فيه مشهدين فقط: الأول لمضيف الشهداء وهو يمسح على رأس الاطفال، وآخر له وهو يسقي الشجر، فقد رأت لجنة التحكيم الانساني في الفيلم، ففي زمن الحرب والموت هناك صناعة للحياة، لافتاً إلى أن تقديم الصورة الفلسطينية في الأفلام المحلية يتم بدون رمزيات، فالرمزيات مغيبة تماما، بل جميعها صور وأفكار مباشرة ويغيب فيها الانساني والمُوحي، مؤكدا أهمية صياغة الوعي الثقافي للفيلم التسجيلي.

الجزيرة الوثائقية في

22/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)