حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

في ذكرى استشهاده الـ 40

غسان كنفاني.. أدب فـــــــيه الكثير من السينما

زياد عبدالله

 

مهجّراً من بلده ولم يتجاوز الـ12 من عمره، تتلقفه العواصم، وتنقلاته من عاصمة إلى أخرى تزيد من إيقاعه الإبداعي، والسكر في دمه مرتفع دائماً، بالحلاوة التي تقف على نقيض تلك المرارة، بإبرة أنسولين تعيده إلى منسوبه الطبيعي يومياً، ومن ثم داء النقرس بينما كانت تنتظره في نهاية النفق يد القتل الإسرائيلية، في بيروت وبالحازمية في الثامن من يوليو ،1972 تحديداً ستنفجر به سيارته، ولم يتجاوز الـ36 من عمره.

40 سنة مضت على استشهاد الكاتب المناضل غسان كنفاني، وهناك مع مرور كل تلك السنوات ما يمنحه على الدوام الصلاحية الكاملة ليكون حاضراً على الدوام، ولعل العودة إلى أعماله الأدبية التي كانت في سباق مع زمنٍ، كان يحس به وجيزاً، ستضعنا أمام تلك الحقيقة الساطعة، وستبدو رواياته معبراً نحو ما ستحمله الأسطر التالية، فهنا لست بوارد المراثي التي كتبت طويلا ولاتزال عن هذا الرجل الاستثنائي، بل في مسعى لتتبع منتجه الإبداعي، وانتقاله إلى الشاشة الكبيرة مرات كثيرة، ولعل المقدمة التي بدأت بها تطمح إلى القول إن حياة هذا المبدع نفسها ومصائره صالحة تماماً لفيلم، لا بل إن تعقب صوره وبالتالي هيئته ستضعنا لا محالة أمام شخصية «كارزمية» تمتلك تلك الرهافة الرومانسية، والتي تحمل في الوقت نفسه ملامح مرحلة مفصلية في التاريخ البشري لنا أن نسميها مرحلة الأفكار والأحلام الكبرى، وتجاور الفعل الإبداعي مع الفعل النضالي لنكون أمام غسان الكاتب والمناضل والعاشق والمغامر والشهيد، ولعل اجتماع كل تلك الصفات وصفات أخرى كثيرة ستشكل غواية لاجتراح المثل والقدوة، وما إلى هنالك من صفات تعاني ما تعاني في أيامنا هذه، مع انزياح تلك الصفات إلى مساحات مغايرة لا لشيء إلا لأن زمناً آخر نعيشه، والحوامل الفكرية والإبداعية للفعل الثوري تجترح تعاريف جديدة تلتقي، ولا تلتقي مع ستينات القرن الماضي. إن إعادة قراءة روايات كنفاني، وأركز هنا على روايات كون هذا ما فعلته، سيضعنا أمام درامية مصاغة بحنكة كاتب كبير، بالتناغم مع ملحميته التي لن تمنح فرصة لتسرب أي من الغنائية أو الانشائية إلى تلك الروايات، حيث مصائر الشخصيات معبر لمصائر شعب بأكمله، دون أن يكون الفصل بينهما أمراً يضر بأحدهما رغم استحالة القيام بذلك، والقدرة التصويرية التي يحملها أدب غسان كنفاني ستضعنا مباشرة أمام احتواء الروايات على إمكانيات سينمائية ساطعة، تجعل من عملية تحويل تلك الروايات إلى أفلام، أي نقلها من وسيط إلى آخر غواية قد تراود أي سينمائي أثناء فعل القراءة، ولتوضيح ما أقوله هنا فإنني سأستعين بما يقوله المخرج والناقد قيس الزبيدي عن أدب غسان كنفاني، في معرض حديثه عن علاقة السينما بالرواية في كتابه «المرئي والمسموع في السينما»، وأقتبس هنا: «أدب غسان كنفاني (رواياته) ليس أدباً خالصاً إنما أدب فيه الكثير من السينما، فيه سينما أكثر بكثير من أفلام كثيرة، وأكثر بكثير من الأفلام التي اقتبست من رواياته».

أوافق بشدة على ما تقدم، ولعل ما أنوي فعله هو التدليل على ذلك، من خلال فيلم «المخدوعون» للمخرج المصري توفيق صالح، إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سورية عام ،1972 والمأخوذ عن رواية «رجال في الشمس»، دون المضي مع أفلام أخرى كثيرة اقتبست من روايات كنفاني، وذلك لسبب مخبري، إن صح الوصف، ووفق تتبع مدهش لما حملته الرواية وما قدمه الفيلم، والذي يمكن وصفه دون تردد بواحد من أهم أفلام السينما العربية.

قصة الرواية والفيلم تتمركز على مصائر ثلاث شخصيات رئيسة (أبوقيس وأسعد ومروان)، وهربهم من حياة البؤس في المخيمات، أبوقيس (محمد خير الحلواني) في خريف العمر، يتوق لتحصيل مال من عمله في الكويت بما يتيح له العيش تحت سقف بيت وحوله بضع أشجار زيتون، بينما يكون أسعد الشاب (بسام لطفي)، هارباً من نشاطه السياسي وملاحقة الأمن له، أما مروان (صلاح خلقي)، فهو في مقتبل العمر، يسعى للذهاب إلى الكويت بعد أن توقف أخوه عن ارسال المال له وعائلته، وبعد أن قام والده بالزواج بامرأة أخرى ومفارقته والدته، يضاف إليهم أبوالخيزران (عبدالرحمن آل رشي)، صاحب الشاحنة التي ستهربهم إلى الكويت، والتي تحمل خزان مياه عليهم أن يختبؤوا في جوفه لدى عبور السيارة الحدود العراقية، وكذلك الأمر لدى عبور الحدود الكويتية، ونحن في أغسطس، ودرجة الحرارة تتخطى الـ.50

تتحرك الرواية في زمنين، كذلك الفيلم، الحاضر الذي يتمثل في قصة عبور كل واحد منهم من الأردن إلى العراق ومن ثم إلى الكويت ومعاناتهم مع المهربين، فقرهم وبؤسهم وأحلامهم المحطمة، وعلى شيء سيجعل من الخزان مجازاً وحاملاً رمزياً للفلسطيني المهجر. الزمن الثاني يكون «فلاش باك» يستعيد من خلاله كل شخصية دوافع هربه وحياته في الشتات والمخيمات، الهرب الذي سيساند العبارة الافتتاحية التي يبدأ بها الفيلم «وأبي قال مرة، الذي ما له وطن، ما له في الثرى ضريح، ونهاني عن السفر».

تنقسم الرواية إلى ستة فصول، هي على التوالي: «أبوقيس، أسعد، مروان، الصفقة، الطريق، الشمس والظل، القبر»، ولنا أن نقول إن الفيلم كذلك لنؤكد أن مسار الفيلم متسق تماماً مع التقطيع الروائي، الذي سيكون تقطيعاً مونتاجياً بامتياز، ومع بداية الفيلم بلقطة طويلة لرجل قادم من البعيد، بينما هيكل عظمي مرمي أمامنا، فإننا سنكون حيال أبوقيس الذي يصل واحة يلتقط فيها أنفاسه بعد مسيره الصحراوي الطويل، وهنا سيبدأ «الفلاش باك» «الأرض الندية، فكّر، هي لا شك بقايا من مطر أمس.. كلا، أمس لم تمطر! لا يمكن أن تمطر السماء الآن إلا قيظاً وغباراً! أنسيت أين أنت؟ أنسيت؟»، أقتبس هذا المقطع من الرواية والذي سنشاهده تماماً في الفيلم، وهنا سيعود أبوقيس إلى حياته في فلسطين، ومن ثم تهجيره، وذاك الاستاذ الذي يأتي قريتهم، والذي لا يعرف الصلاة لكنه يعرف استخدام السلاح، بعد أن يسمعه يعلم ابنه أين يقع شط العرب.

الفيلم لا يحتاج إلى كاتب حوار، فالحوار هو تماما حوار الرواية، والبؤرة الدرامية التي سنتعرف فيها إلى جميع الشخصيات ستكون محل المهرب العراقي، فما أن ننتهي من التعرف إلى حياة أبوقيس، وإضافات الفيلم المتمثلة في تمرير صور فوتوغرافية لصور تهجير الفلسطينيين، والمخيمات التي أقيمت لهم، والتآمر السياسي عليهم، الأمر الذي لا يذكر على هذا النحو في الرواية، سيدخل أسعد إلى محل المهرب العراقي وسنمضي معه في زمنيه، أي زمن مفاوضته المهرب وعناده كونه تعرض للخديعة على يد المهرب الذي أخذه من الأردن، وصولاً إلى حياته السابقة لذلك، كما أن الأمر نفسه سيكون مع مروان الذي سيصفعه المهرب لأن هذا الأخير سيهدده بتبليغ الشرطة عنه.

لن أمضي أكثر في سرد الأحداث، لكن عليّ أن أؤكد مراراً أن في الرواية كل الحلول لعملية السرد السينمائي، الذي جاء مدهشاً ومتناغماً بصرياً ودرامياً، لا بل يمكن إلغاء عملية البحث عن معادل بصري لما نقرأه في الرواية حين مشاهدة الفيلم، وأدلل على ذلك (وهذا مثال من بين أمثلة كثيرة تمتد أيضاً لتشمل محرضات الذاكرة وانخطافها إلى الخلف في الفيلم )، بأن نهاية الفيلم وحين يقوم أبوالخيزران بالصعود إلى الخزان، ليخرجهم منه بعد أن تأخر عليهم أكثر من 20 دقيقة بدل سبع دقائق، فإن قطرة عرق ستقع من جبينه على سطح الخزان فإذا بها تتبخر، وهذا سرد بصري يقول لنا إن درجة الحرارة أصبحت في معدلات خيالية، وبالعودة إلى الرواية فإن هذا موصف تماماً كما سنشاهد وبثراء بصري ولغوي، ليس للسينمائي الحصيف إلا أن يجسده بدقة حتى يكون أمام مشهد مصاغ بعناية ويقول كل شيء بصرياً، وأقتبس هذا المقطع من الرواية لتوضيح ذلك: «الفوهة المفتوحة بقيت تخفق بالفراغ لحظة، كان وجه أبي الخيزران متشنجاً وشفته السفلى ترتجف باللهاث والرعب، سقطت نقطة عرق عن جبينه إلى سطح الخزان الحديدي وما لبثت أن جفت.. ووضع كفيه على ركبتيه وقوس ظهره المبتل حتى صار وجهه فوق الفوهة السوداء». أعود إلى ما بدأت به من حديثي عن فيلم يتناول غسان كنفاني نفسه، وأقتبس من مقال للناقد الفلسطيني بشار إبراهيم في مجلة «الجزيرة الوثائقي» في معرض تناوله فيلم «سبتمبر 1970: هنا فلسطين»، إذ يورد «بكى المخرج العراقي قاسم حَوَل عندما سألته في لقاء مسجل عما يمكن أن يندم عليه اليوم، بعد تجربته الرائدة والمُؤسسة في السينما الفلسطينية؛ ما أبكى المخرج قاسم حَوَل أنه انصاع لرغبة غسان كنفاني، ولم يقم بتصويره، كأنما كان غسان كنفاني يرغب في أن يبقى في إهاب الجندي المجهول، كان همّه أن تذهب الكاميرا السينمائية لتصوير ما ينبغي لها أن ترصد.. الناس العاديين في المخيمات.. الفدائيين في القواعد.. المقاتلين في تدريباتهم، ومواجهاتهم. وعندما استشهد غسان كنفاني لم يكن بين أيدي السينما الفلسطينية، إلا القليل من المشاهد التي تظهره».

«ما تبقى لكم»

أفلام كثيرة اقتبست من أعمال غسان كنفاني الروائية والقصصية، مثلما هي الحال مع المخرج العراقي قاسم حول صاحب «عائد إلى حيفا»، إنتاج عام ،1981 الرواية نفسها التي أعيد تصويرها عام ،1995 بعنوان «المتبقي» إخراج سيف الله داد، وإنتاج إيراني سوري مشترك، وبتمثيل كل من جمال سليمان وسلمى المصري وغسان مسعود وآخرين، كما قام المخرج السوري خالد حمادة باقتباس رواية «ما تبقى لكم» وحوّلها فيلماً عام ،1972 كما أنتجت المؤسسة العامة للسينما والمسرح في بغداد، عام ،1973 فيلماً روائيا قصيراً (22 دقيقة)، بعنوان «زهرة البرقوق» إخراج ياسين البكري.

الإمارات اليوم في

19/07/2012

 

 

المخرج الفرنسي آندريه تشيني:

تذوّق الطبيعة الإنسانية بتدفق عشوائي

ترجمة: نجاح الجبيلي

إن آندريه تشيني الذي يبلغ سنّه السبعين في العام القادم يصنع أفلاماً في غاية الأناقة عن حيوات مضطربة. فكل الناس في أفلامه بطريقة أو أخرى هم جوالون وعابرون وجوديون ينجرفون من علاقة إلى أخرى ومن هوية إلى أخرى غير قادرين إلى حد ما على الاستقرار في ذواتهم وتلك هي الطريقة التي يفضل بها السيد تشيني أن يكونوا. إن أفلاماً مثل "القصب البري" – 1994 و "لصوص" – 1996 و "الفتاة على متن القطار" – 2009 وآخر أفلامه "لا يمكن غفرانه" وهو فيلمه التاسع عشر الطويل مليء بالشخصيات التي تبدو وكأنها لم يجر خلقها بل ببساطة جرى العثور عليها والتقاطها وهي ضالة على الطريق. فقام بمنحها مكاناً للراحة بينما هم يحاولون أن يفهموا من هم وأين ذاهبون: البيت يزداد بغير انتظام لكنه مجهز بشكل جميل والمضيف كريم وبارع ومتسامح. عند هذه النقطة ينهمك تشيني في الأرواح الضائعة لمدة أربعين سنة وهو يعرف ما يفعل.

إن الضيوف المدعوين في فيلم "لا يغتفر" هم فرانسس وهو كاتب فرنسي كبير السن (يؤدي الدور أندريه دوسولييه) وزوجته الجديدة جوديث (كارول بونكويت) وهي موديل سابقة وأنا ماريا (أدريانا أستي) وهي عميلة سرية ابنها جيرمي (مورو كونته) قد أطلق تواً من السجن. وأليس (ميلاني تيري) ابنة فرانسس الطائشة التي تهجر زوجها وابنتها لتهرب مع ألفس (أندريه بيرغولسي) وهو ارستقراطي وسيم مدمن على الهروين. تدور الأحداث في أشد مدن العالم سحراً فينسيا، إذ يبدو سطح الفيلم ناعما مثل القنوات الهادئة. تجري المشاهد واحداً بعد الآخر بشكل هادئ مهما تكن الأفعال الحمقاء التي تصدر عن الناس. إن السيد تشيني دائماً يعنى بأحاسيس مشاهديه وتصبح أفعال الشخصيات الغريبة تدريجياً أقل غرابة وكأن الجمال نفسه يغفر لكل شيء.

أسلوب السيد تشيني محفوف بالمخاطر – فهو يخاطر بكل بما هو نفيس وبالتماسك السردي مع كل فيلم- ويتطلب الأمر فترة وجيزة كي يجيدها. إنه من جيل صناع الفيلم الفرنسيين الذين أتبعوا الموجة الجديدة. في منتصف الستينات وحين كان فرانسوا تريفو وجان لوك غودار وكلود شابرول وأريك رومر وجاك ريفيت في قمة عطائهم كمخرجين، كان السيد تشيني يفعل ما فعلوه في حياتهم السابقة: كتابة النقد السينمائي في مجلة "دفاتر السينما" (كاييه دو سينما). وبعد طقس العبور هذا صنع أول فيلم له بعنوان " بولين تغادر" – 1969 ولم يحرك الفيلم ساكناً ولم يعرض أبداً في الولايات المتحدة. وانتظر ست سنوات قبل أن يحاول أن يصنع فيلماً طويلاً آخر: ذلك الفيلم الذي يدور في أطار السلاسل العائلية من أجيال مختلفة افتتح هنا تحت اسم "قروي فرنسي" – 1975 وكان أكثر نجاحاً من الناحية التجارية والفنية لكنه لم يصنع فيلماً يشبهه مرة أخرى. فيلماه الآخران كان أحداهما فيلم مزخرف كئيب المزاج بعنوان "باروكو"- 1976 والآخر سيرة ذاتية بعنوان "الأخوات برونتي"- 1979.

إن أسلوبه الناضج يتحدر ببطء نحو الرؤية في فيلم "فندق الأمريكان" – 1981 وكان هذا أول تعاون له مع كاترين دينوف الذي استمر في ستة أفلام أخرى. إنها قصة حب غريبة تدور في "بياريزت" حول علاقة بين امرأة متحفظة غامضة متخصصة في التخدير تؤديها السيدة دينوف ورجل متهور عصابي يؤدي الدور "باتريك ديوير". وكل شيء يتعلق بعلاقتهما المتذبذبة يبدو متردداً ومؤقتاً ولا شيء يجري حله في نهاية المطاف لكن الفيلم له حرية في الخيال هي جديدة بالنسبة للسيد تشيني وهي الرغبة في مفاجئة نفسه.

واستمر بصنع الأفلام بتلك الروح: واستمرت المفاجآت بالمجيء. وهو الآن يصفي الطريقة الاستكشافية في فيلم "فندق الأمريكان" إلى الحد الذي يكون فيه قادراً على تجديد حتى أكثر الأشكال السينمائية تقليدية. إن فيملي "مشهد من جريمة" – 1986 و"لصوص" هما فيلما إثارة – هناك جرائم في الأقل في كلاهما لكن تشويقهما لا علاقة له بالأسئلة التقليدية بمن فعل؛ إنهما يتناولان كيف أن الجريمة تؤثر بالعلاقات بين الناس. إن دراما عائلية مثل "فصلي المفضل" – 1993 الذي تؤدي فيه السيدة دينوف والسيد دانيل أوتول أخاً وأختاً تحتضر أمهما يصبح تأملاً في قابلية الذاكرة على خلخلة الحاضر وتشويش كل شيء يبدو ثابتا وراسخاً.

يرغب السيد تشيني في أن يحتفظ بالأشياء سلسة وقلقة وهذا ربما هو السبب في أن أفلامه متعاطفة جداً مع اضطرابات فترة الشباب الأليمة. كل أفلامه تصور المراهقين المضطربين وهم يحاولون العثور على الطريقة التي يثبتوا فيها أنفسهم ، وجوههم جدية تغيم عليها الشكوك. جريمي في فيلم "لا يغتفر" لديه تلك السيماء. كذلك جين ( إملي ديكون) بطلة فيلم "الفتاة على متن القطار" التي تنزلق بحذاء التزحلق حول باريس بحثاً عن عمل بطريقة عابرة وتقع في علاقة بنفس الطريقة تقريباً وأخيراً وبلا سبب ظاهر تحكي كذبة كبيرة عامة فقط حتى تعلن أنها موجودة. لا يتجرأ السيد تشيني على تبريرها أو حتى توضيحها لكن الفيلم يترك القليل من الشك من أنه يقف إلى جانبها.

أفضل أفلامه "القصب البري" هو قصة متطورة متقدمة تدور أحداثها في مدرسة قروية في أوائل الستينيات حين وصل الاحتلال الاستعماري الفرنسي بعد صراع طويل إلى نهايته المؤلمة. إنها نوع من اللحظة في التاريخ بالنسبة لتشيني حين تكون العلاقة عشوائية في طريقها إلى أن تصبح شيئاً آخر. إن الأطفال في فيلم "القصب البري" أحدهما جزائري فرنسي يحاولون أن يصنفوا مشاعرهم السياسية وآمالهم للمستقبل وجنسانيتهم كلهم في الوقت نفسه وعلى الرغم من أن الفيلم يمتلك الرقة والراحة والإشراق إلا أن السيد تشيني يمنح مشاكلهم الوزن الذي تستحقه.

وبعد سنوات عدة صنع السيد تشيني كوميديا رومانسية محببة بعنوان "أزمان متغيرة" ويؤدي دور البطل والبطلة فيه جيرار ديبارديو و(حتماً) السيدة دينوف وهما شعلتان قديمتان يلتقيان ثانية بعد سنوات عدة في المغرب ويتساءلان إن كان بمقدورهما أن يعيدا علاقتهما في العالم الجديد حولهما. وهما مصعوقان وأخرقان مثل المراهقين وذلك يجعلهما في نظر السيد تشيني حيين بالطريقة الأفضل.

إنها الأزمان المتغيرة التي نعيشها الآن هي نوع من اللحظة أيضاًَ. كل شيء مشكوك فيه، الأفكار القديمة حول السلالة والجندر والجنسانية والانحيازات السياسية والاقتصادية. ويوحي الفيلم بأن كل تلك الفوضى هي نظام أكثر طبيعية ولا خشية منها: إذا بمقدورك أن ترتجل قليلاً فاذهب مع مجرى التاريخ فهناك متع يفترض أنها موجودة. وذلك هو السبب في أنه يدعونا واحداً بعد آخر لكل تلك السنين. كان دائماً مخرجا مدهشاً؛ ويبدو الآن لا يقدر بثمن. جاء زمنه مثل أغنية جميلة من صندوق الموسيقى.

المدى العراقية في

19/07/2012

 

 

السينما النرويجية الفائزة الأكبر والإيرانية ليلى حاتمي أفضل ممثلة

كارلوفي فاري ـ قيس قاسم  

تفاصيل حفل ختام الدورة الـ47 لمهرجان كارلوفي فاري أعطت صورة واضحة عن سعة برنامج تصعب الإحاطة به أو متابعته، حتى بالنسبة للنقاد والصحفيين، فالكاد يمكنهم مشاهدة نسبة معقولة من الأفلام خارج المسابقات الرسمية أو حضور الندوات ومتابعة برامج التكريم الخاصة. والجوائز نفسها عكست حجم المشاركات وطبيعتها، وطبعاً ليست بالضرورة الى جودتها وأفضليتها المطلقة، فهي تبقى تعبيراً عن ذائقة وإتفاق مجموعة صغيرة تتمثل بأعضاء لجان تحكيمها والتي لا تتوافق وأحياناً كثيرة مع المتوقع أو المرجح من قبل الحاضرين، من صحفيين ونقاد، وربما منح جائزة أفضل فيلم للنرويجي "أشبه برجل" لمارتين لوند أحد من الأمثلة الساطعة على التناقض الدائم التكرار بين الحضور وبين المقررين المجتمعين في غرفة ما من غرف المهرجان.

"أشبه برجل" يتوافق مع مزاج سينمائي إسكندنافي وأفكار معاصرة إجتماعية تخرج منها تتعلق بالموقف من الرجل والمرأة وعالم الطفولة الشديد التعقيد. وربما لهذا المناخ التأثير على منحه الجائزة كونه يذهب الى البحث في وجود الكائن الطفولي في أعماق الرجل الناضج، وبقاء تأثيرات الطفولة والميل لإعادتها عند رجل ينتظر هو بدوره أن يصبح أباً، ومن هنا جاء عنوانه الملتبس والعصي على الفهم السريع. لقد ظل في داخل هنريك (الممثل هنريك رافائيلسن الحاصل على جائزة أفضل ممثل في الدورة) ذاك الطفل الذي كان يظهر في تصرفاته وسلوكه غير المفهوم أحياناً والمتناقض مع وجوده وتكوينه كرجل ناضج. وما يعمق من الفكرة ويوسعها تشابه عدد من أصدقائه وسلوكه الطفولي. فجموعته كثيراً ما كانت تميل الى الصخب واللعب والمشاسكة والى خلق معارك عابرة بريئة تزعج كثيراً المحيطين بهم. إنه سلوك أطفال مترسخ يمارسه رجال كبار، أو وما داموا على هذا الحال هم "أشبه برجال" ما دامت في باقية دواخلهم هذه الرغبة. لقد وضع المخرج لوند سلوك هنريك "الفرداني" في تناقض مع المجموعة "الآخرى" ومَثَلها بالزوجة والأم. لقد مَثلن العالم الخارجي الذي يرفض قبول الطفل في داخل الرجل، منسجمات في موقفهن، مع أغلبية تريد فرض صورتها النمطية للرجل الناضج وعليه سيجد هنريك نفسه ملزماً بقبولها والتصالح معها، وليس مع ذاته المنشطرة بين عالمين بل كما يريدها المجتمع ويرسم حدودها وفق نظرة عامة تحدد تطور الكائن وفق معاير "زمنية" صارمة، متناسين التداخل والتشابك المعقد في كل مرحلة من مراحل حياته.

ليس بعيدا عن المناخ النرويجي كان سائق الشاحنة جيرمين الكندي يعيش في عزلة شبه تامة بعد وفاة زوجته. كان وحيداً عزاؤه عمله الذي يشغل به حياته، لكنه وفي لحظة مباغتة، حين اصطدمت سيارة خصوصية بشاحنته وأدى الحادث الى وفاة المرأة التي كانت تقودها، وجد نفسه وحيدا وبحاجة الى مكالمة ولديه ليعبر لهما عن الألم الشديد الذي يملأ قلبه. فيلم "الشاحنة" صادم يبدأ من اللحظة الرتيبة الى الأخرى العنيفة ثم يعود ليرسم العلاقات الإنسانية بين ثلاث ذوات متقاربة من حيث صلتها البيولوجية ومتباعدة من حيث التكوين والميول، ثم يمضي الى الكشف عن حاجة الشخصيات الثلاثة الى التقارب وحتى العيش سوية بالرغم من قوة القوانين الإجتماعية الإقتصادية الرأسمالية التي تفرض شروطها على الكنديين. لعمق بحثه عن المشترك في الإنسان ولطريقة شغله الخاصة استحق صاحبه رافائيل أوليت جائزة أفضل مخرج. لقد صنع فيلماً بسيطاً من ناحية الشكل لكنه صادم، وديناميكي ترك التفاصيل تأتي بسهولة وببطء لكنها لا تبعث على الملل على العكس فرض علينا نوعاً من التواصل والملاحقة لمعرفة الى أين ستؤول العلاقة بين المثلث الإنساني وكيف سيختط كل واحد منهم وفي زاويته طريقه الخاص، بشكل خاص الأب الستيني الذي زعزع حادث السير جوانياته، غير أنه سرعان ما عاد الى توازنه والى عمله وسط مساحات هائلة من الجليد عليه السير فوقها ما دام قادرا على العمل وبه رغبة في التواصل.

بعد النجاح الذي حققه فيلم "انفصال نادر وسيمين" الذي لعبت فيه ليلى حاتمي دور البطولة وحصل على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين عادت وحصلت على جائزة أفضل ممثلة في كارلوفي فاري عن دورها في فيلم "الخطوة الأخيرة" للمخرج علي مصفا. المقارنة بين الفيلمين غير عادلة، وليست في صالح فيلمها الأخير، لكن حصولها على الجائزة يحمل تكريماً للسينما الإيرانية وإعترافاً بمكانتها وهي جزء من حراك نحن معنين به كون إيران واحدة من دولة منطقتنا وتطور مسارها يفرض أسئلة محفزة عن سبب نجاحها وما الذي يمنع سينمتنا العربية من الوصول الى مستواها خاصة أن الظروف التي تنشأ فيها، سواء داخل ايران أو خارجها، قريبة الى حد بعيد من ظروف كثير من الدول العربية. وما دمنا في الحديث عن السينما العربية فقد قلت المشاركة عن العام الماضي وإن كان كارلوفي فاري بوجه عام لا يعطي لسينما هذة المنطقة مساحة واسعة فيه لكن ومع وجود جيد لنقاد وصحفيين ومدراء مهرجانات عرب، نأمل في إنفتاح مستقبلي أفضل وإتاحة المجال أمام مشاركات أوسع.

المدى العراقية في

19/07/2012

 

الحقائق المجردة الحلوة

عباس المفرجي 

فيلم وثائقي جديد يضم كل شيء كنت تود معرفته عن وودي – لكنه يخاف السؤال عن شيء واحد فقط.

هذه هي النسخة السينمائية المأذون نشرها لفيلم وثائقي من بي بي أس [الخدمة الإعلامية العامة] التي يبلغ طولها في الأصل أكثر من ثلاث ساعات: دراسة عميقة، رقيقة وإحتفالية دافئة بالكوميدي العظيم والمخرج السينمائي وودي الن، أخرجها روبرت بي وايد، مخرج أفلام وثائقية، وله أيضا فيلم عن لاري ديفيد "اكبح حماستك".

إنه أمر آسر أن ترى ألن مشاهدا خلف الكاميرا، مخرجا في موقع التصوير، وفي الاستديو عاملا في غرفة المونتاج، وأيضا رؤية مواد رائعة عن زمن صبا ألن وحياته المبكرة التي كانت قهرية مثل رواية لفيليب روث. شاهدت هذا الفيلم وابتسامة عريضة تعلو وجهي. لا أعتقد أن أي شخص يكنّ حبا لألن، أو للسينما لا يمكنه أن يفعل غير هذا. برؤيته وهو يخربش سيناريوهاته على ورقه الأصفر أو يطرق بها على الآلة الكاتبة، التي يملكها مذ كان مراهقا، هي تجربة مؤثرة برهبة. لا يمكن أن تكون هناك قصة حياة في السينما الامريكية ما بعد الحرب أكثر تأثيرا من قصة حياته: الهزلي العبقري الذي بدأ مشواره كاتبا للنكات في الصحف، ثم ستاندآب [مؤدي مزحات على المسرح]، ثم صانع أفلام، أصرّ على احتكار حق التأليف، من دون الحاجة يوما الى إدّعاء ذلك، والذي أصبح مبشراً لأساتذة السينما الاوربية.

بعد أن يقول كل ذلك، عرض وايد الخسارة التي نجمت عن الفضيحة الكبرى لسوون - يي، اللحظة الشنيعة في عام 1992، التي تم فيها الكشف عن علاقة وودي ألن بالابنة المتبناة لزوجته ميا فارو؛ حدث مثير سبّب صدمة كبيرة والتي بعدها أمكن أن يقال أن عمله تراجع. هذه العلاقة يمكن أن تفسّر كدّه المتواصل وعودته الى الكوميديا السهلة؛ لكن وايد لا يأبه بمناقشة هذه القضايا. طرحت قضية سوون - يي في الفيلم بحذر شديد جدا، وعلى نحو خاطف؛ ثمة مونتاج للقطات تُظهر الصفحات الأولى من صحف التابلويد، وألن يقول بلطف أن من حق الناس أن يكون ما شاء لهم من وجهة نظر. حقا، فالمسألة تمّ تفاديها تقريبا. الم تكن مبالغ بها؟ حسنا، قد يكون وودي ألن وقع في حب امرأة غير مناسبة، لكن العلاقة بينهما تبدو بالكامل مستقرّة منذ ذلك الحين. ربما ليس هناك المزيد للكلام عنه.

جزء من المتعة التي يوفرها الفيلم هي رؤية اولئك الناس الذين كانوا أسماءً اسطورية في الأفلام التي نشأنا على رؤيتها، اناس مثل جاك رولنز، الذي كان، مع الراحل تشارلز أتش جوف (الذي يظهر في لقطات من الأرشيف في الفيلم)، المدير الفني لوودي ألن ومن ثم المنتج المنفذ في بدايات عمله. وليتي ارونسن، شقيقة ألن ومنتجته في بداية التسعينات، ولها في الفيلم ايضا مقابلة. هذا الفيلم الوثائقي هو متعة فائقة، رغم انه لا يدعنا نتوغل كثيرا في العمق.

عن صحيفةالغارديان

المدى العراقية في

19/07/2012

 

مورغان فريمان: التمثيل في دمي

ترجمة/ أحمد فاضل 

كان لتكريم الممثل الحائز على جائزة الأوسكار " مورغان فريمان " من معهد الفيلم الأمريكي هذا العام مناسبة أن نتحدث عن واحد من اساطين التمثيل الذين عرفتهم هوليوود في العقود الأربعة الماضية وقدمته بكل فخر لجمهور السينما في عديد الأفلام التي نالت استحسانهم ، وهو من قلائل الممثلين الذين لم يعرفوا الفشل في كل ما قدمه من أعمال ، ومن اقرب الذكريات التي يعتز بروايتها فريمان البالغ من العمر الآن 74 عاما والتي كانت محفزا رئيسيا له لولوج عالم التمثيل هي لعبة صهيل الخيل التي كانت مفتتحا لهذا الحديث بعد أن سألناه عن ذكرياته التي لا يزال محتفظا بها قال:

- ما زلت أتذكر تلك الحادثة التي وقعت لي عندما كنت في الخامسة من عمري، فقد كان لي صديق استهوتنا نحن الاثنان العربات التي تجرها الخيول، وكان عليّ أن أحصل على ملابس ألفها حول جسدي كي أبدو كالحصان بينما صديقي يلعب دور السائق فندور في مدينتنا تحت شمسها اللاهبة غير مبالين بالحر أو التعب، حتى إذا ما رأتنا السيدة هاكمان وهي إحدى جاراتنا صاحت علينا أن نأتي لنشرب بعض الماء بعد أن رأت العرق يتصبب من جبهتينا.

فريمان لم يحدث كل تلك الضجة حوله بين عشية وضحاها، فلم يجد النجاح الحقيقي إلا في الخمسينات من عمره بعد أن ظل لسنوات يلعب أدوارا صغيرة على خشبة المسرح من عام 1971 حتى العام 1977، ثم قدم برنامجا تلفزيونيا ناجحا للأطفال حتى انتقاله للسينما حينما لعب دور قواد نيويورك الشرير في فيلم "شوارع ذكية" عام 1987 ترشح بسببه لجائزة الأوسكار، ثم قدم عام 1989 دورا مميزا في فيلم "قيادة الآنسة ديزي" وعشرات أخرى من الأفلام أهلته لتسلم جائزة العمر للإنجاز من معهد الفيلم الأمريكي وأصبح لدى تسلمه لها ثاني أميركي يتسلم هذه الجائزة المهمة بعد سيدني بواتييه، فريمان وبمناسبة حصوله عليها أجابنا بعد أن سألناه:

* هل أنت مستاء لمضي وقت طويل من حياتك المهنية للحصول على هذه الجائزة؟

- شعوري هو أن كل شيء يحدث في وقته، وطريق حياتي الذي اخترته أصبح مساره هكذا.

كلينت إيستوود النجم المخضرم له رأي آخر بفريمان يقول عنه:

- أعتقد أن تجربة فريمان المهنية هي التي جعلته متألقا دائما، فقد رقص وغنى على المسرح وكان دائما مستعدا تماما للذهاب إلى أي مجهود كبير يكلف به، فريمان لديه سلطة أخلاقية عالية في تعامله مع الحياة ، وله أيضا كم هائل من التجارب الخاصة مع الناس دفعت به لحوز كل ذلك التقدير .

نعود مع فريمان بعد أن تجاوز عمره السادسة عشرة، حلم حينها بأن يكون طيارا مقاتلا بعد أن شاهد أفلاما حربية كان للطائرات المقاتلة دور حاسم فيها، وفي الحادية والعشرين من عمره تحقق ذلك الحلم حينما جند في القوات الجوية، لكنه بعد ثلاث سنوات وثمانية شهور وعشرة أيام عاد إلى المكان الذي أحبه المسرح والسينما.

في لوس أنجلس كانت لي شقة في حي كرينشو - يقول فريمان - وحصلت في فبراير/ شباط على مبلغ من المال لكنه نفد في أواخر مارس/ آذار، وكدت أهلك من الجوع لولا عملي في كلية التربية والتعليم الذي جاء عن طريق سيدة أعرفها، وبعد فترة حصلت على وظيفة كاتب نص في المدينة نفسها.

فريمان التحق بعدها ليأخذ دروسا مجانية في التمثيل والصوت والإلقاء التي يشرف عليها أستاذه روبرت يتون الذي ساعده بحلول نهاية فصلين دراسيين على نسيان لهجته الجنوبية، وبعد ان قطع مشوارا يحسبه طويلا في السينما يبدو فريمان الآن اكثر ارتباطا بعمله خاصة مع إيستوود التي اقترنت بدايتها عام 1992 في فيلم "مغفور" الذي لعب فيه دور مقاتل سابق يستدعى لإلقاء القبض على قاتل هو إيستوود، ثم لعب معه في ما بعد دورا مميزا في فيلم "طفلة المليون دولار" و"إنفكتوس" الذي قام فيه بأداء دور المناضل الإفريقي نيلسون مانديلا ، فريمان يقول عن إيستوود إن احد الأشياء العظيمة التي يتمتع بها هي ثقته الكبيرة بممثليه، ولذلك سنلتقي معا كثيرا كما فعلنا في إنفكتوس.

المدى العراقية في

19/07/2012

 

المكتبة السينمائية..

"يوسف شاهين وتجربة الإنتاج المشترك"

كاظم مرشد السلوم  

في كتابها "يوسف شاهين وتجربة الإنتاج المشترك"، تسلط الكاتبة أمل الجمل الضوء على تجربة الإنتاج السينمائي المشترك للمخرج يوسف شاهين ابتداءً من أول فيلم مشترك "رمال من ذهب" في العام 1966 وانتهاءً بآخر فيلم "هي فوضى في العام 2007" . مؤشرة أهمية هكذا نوع من الإنتاج في ظل تدهور الوضع السينمائي في مصر ، والحاجة الملحة لإنتاج أفلام سينمائية حتى لا تتوقف عجلة السينما المصرية ، كذلك أهمية مشاركة الممثلين والفنيين من دول الإنتاج والتجربة والخبرة التي يمكن أن تضاف لرصيد هذا الممثل أو ذاك الفني، مصورا أو مونتيرا أو غيرهما.

في بداية الكتاب تتحدث أمل الجمل عن بدايات المخرج يوسف شاهين في الإنتاج السينمائي المشترك ومن ثم انتقاله إلى مرحلة جديدة في أعقاب كارثة "كوبرو فيلم" في أواخر الستينات وبعد التجربة المؤلمة لفيلم "الناس والنيل" وتوقف الإنتاج السينمائي المشترك في مصر لمدة خمسة عشر عاما، خصوصا مع الدول الأجنبية إلى أن اخرج شاهين فيلمه "وداعا بونابرت"، حيث كان بداية لمرحلة جديدة من الإنتاج السينمائي المصري المشترك مع فرنسا امتدت حتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين .

بعد ذلك تتطرق أمل الجمال إلى التركيبة الشخصية للمخرج يوسف شاهين ، خصوصا شخصيته الخلافية التي طالما رفضت أن ترفع الراية البيضاء وان تستسلم، لذلك كان المخرج العربي الأكثر لجوءاً إلى الإنتاج السينمائي المشترك .

ثم تتطرق الكاتبة إلى مفهوم التعاون المشترك للإنتاج السينمائي، وأسباب اللجوء إليه، والأغراض الحقيقية له.

كذلك تتطرق إلى أفلام يوسف شاهين التي أنتجت بالاشتراك مع بعض الدول العربية، خصوصا الجزائر التي ساهمت في إنتاج ثلاثة من أهم أعمال يوسف شاهين هي، العصفور، عودة الابن الضال، إسكندرية ليه، وهي لا تتوقف عن تعداد هذه الأفلام بل هي تتحدث بلغة الناقد عن سبب إنتاج الفيلم أنتاجا مشتركا، والسيناريو، والتصوير، والمضمون وكذلك مشاكل الفيلم مع الرقابة، وأيضا تقبل الجمهور له، ولم تكتفِ بفيلم أو فيلمين بل كل الأفلام التي أنتجت إنتاجا مشتركا .

وتخصص جانبا من كتابها حول فرنسا والسينما الإفريقية، وكذلك العلاقات المصرية الفرنسية التاريخية وما تعنيه مصر لفرنسا، وكيف كانت مصر مقصدا للغزاة والمستعمرين، لكن الاحتلال الفرنسي دون غيره كان له طابع خاص، حيث لم يقتصر على الغزو العسكري فقد أحضرت الحملة الفرنسية معها إلى مصر عام 1798 جيشا آخر من المثقفين، متمثلا بلجنة العلوم والفنون المؤلفة من 165 شخصا .

‏كتب "فرانسوا شارل رو" لم يحدث من قبل إطلاقا لجيش ذهب ليغزو احد البلدان أن اخذ معه دائرة معارف حية مثل هذه. ثم تتحدث عن التعاون السينمائي الذي حصل بينهما لسنين عديدة.

في النهاية تكتب أمل الجمال فيلموجرافيا عن سينما يوسف شاهين المشتركة، مع ملحق بصور لعدد من الأفلام التي أخرجها يوسف شاهين. الكتاب من إصدارات المؤسسة العامة للسينما السورية ضمن سلسلتها الشهيرة "الفن السابع".

المدى العراقية في

19/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)