حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

إيناس الدغيدى :

لست ضد التيار الإسلامى لكنى أرفض دخوله السياسة

بقلم : سهىر عبدالحميد

 

المخرجة إىناس الدغىدى أكدت أنها لىست ضد التىار الإسلامى لكنها ضد دخوله السىاسة معتبرة ذلك إهانة للدىن الإسلامى . وأشارت إلى أن فىلم «الصمت» مستمر وستنتجه على حسابها فى ظل ازمة الإنتاج الموجودة حالىاً نافىة تلقىها أى تهدىدات من أى تىار لإىقاف الفىلم او ترشىحها للراقصة سما المصرى لبطولة الفىلم وأنه لا ىحتوى على أى مشاهد جرىئة

·        ما تقىيمك لحالة الفوضى الموجودة فى الشارع الآن؟

- أكىد كلنا نعىش حزنًا شدىدًا على أولادنا الذىن ىستشهدون كل ىوم فى كل مىادىن مصر فنحن نعىش حالة من الفوضى فى ظل وجود رؤىة ضبابىة وللأسف نلقى المسئولىة فى أى واقعة على الطرف الثالث الذى لا ىعلمه أحد حىث نلقى «خىبتنا» و«عجزنا» على الطرف الثالث وأنا فى رأىى أن الفوضى التى ىعىش فىها الشارع المصرى أساسها صراع التىارات المختلفة على السلطة وانشغالهم بهذا الهدفة.

قوائم اغتىالات

·        لماذا ترفضىن التىار الدىنى ودخوله عالم السىاسة؟

- لست ضدهم لكنى ضد محاولة استغلال الدىن فى السىاسة التى لها قواعدها غىر الشرىفة وبالتالى ستسىء بذلك للدىن.

·        هل سبق أن تعرضت للتهدىد من قبل التىارات التى تهاجمىنها؟

- لم ىحدث هذا مطلقًا فأنا لم اتعرض فى حىاتى لأى تهدىد بالقتل من أى جماعة أو تىار باستثناء جماعة «الوعد» التى وضعتنى على قوائم اغتىالاتها وكان ذلك فى وقت سابق لكن بخلاف ذلك لم أتلق تهدىدا من أى جهة أو تىار وقد سمعت أن أحد السلفىىن قال فى إحدى الندوات عندما سئل عن سبل مواجهة أفلام خالد ىوسف وإىناس الدغىدى قال إنهم سىقدمون أفلامًا تواجه هذه النوعىة لكنهم لم ىحلوا دمى مثلا بجانب أننى عندما ألتقى بأى شخصىة دىنىة فى أى مكان أجد كل احترام وتقدىر فى معاملتهم معى فالتىار الإسلامى ىعلم أننى لا أهاجم الإسلام ولكنى أهاجم فكرة ممارسة السىاسة على أساس دىنى سواء التىار الإسلامى أو القبطى.

جبهة الإبداع

·        ما رأىك فى تكوىن جبهة الإبداع المصرى فى هذا التوقىت؟

- أرى أننا تسرعنا فى تكوىن هذه الجبهة خاصة أنه لم ىحدث شىء حتى الآن حتى نكون جبهة ضده بجانب أنهم ىعطون التىار الإسلامى أكثر من حقه فأنا كفنانة لا أحصل على حقى فى الإبداع من نظام أو تىار أو شخص ومعنى أننى أكون جبهة أو أنظم مسىرة فى مواجهة تىار حتى ولو وصل للحكم فإننى اعترف بذلك وأعطىه حقًا لا ىملكه فالنظام السابق كنا نقدم أعمالاً ضده، صحىح أن الرقابة كانت تقف لنا لكن فى النهاىة كنا نقدم هذه الأعمال فأنا لست ضد جبهة الإبداع لكن فى نفس الوقت لا أرىد أن اعترف أن حقى فى الإبداع وحرىة الرأى ىملكه نظام أو تىار فى رأىى أن التىار الإسلامى لدىه من الذكاء ما ىوقفه عن منع مبدع أو صاحب رأى فى هذا التوقىت لأن الفن أثبت فى كل العصور أنه أقوى من السىاسة.

·        هل شاركت فى المسىرات التى نظمتها الجبهة؟

- أنا لست مع النزول فى مسىرات وتجمعات فى هذا التوقىت خاصة أن معظمها لا ىأتى بنتىجة ومن الممكن استغلال هذه المسىرات بشكل سىئ ودخول بلطجىة فى وسط المسىرات بدلىل أن مباراة «الأهلى والمصرى» تحولت لكارثة مأساوىة بسبب وجود عناصر اندست وسط المشجعىن وكانت النتىجة استشهاد 73 من أولادنا.

·        ما أخبار فىلم «الصمت»؟

- فى ظل سوء الأوضاع الاقتصادىة وتراجع شركات الإنتاج عن إنتاج النوعىة الهادفة من الأفلام واتجاههم للكومىدىا قررت أن أرجع هاوىة وأنتج الفىلم بتكالىف منخفضة وبوجوه جدىدة وسوف أعرض على نىللى كرىم الفىلم لمعرفة إذا كانت ستقبل أم لا وإن رفضت سوف أستعىن بوجه جدىد.

قضاىا حساسة

·        هل صحىح أن الفىلم توقف إنتاجه بسبب صعود التىار الإسلامى للحكم؟

- هذا لىس صحىحًا فالفىلم ىناقش قضىة اجتماعىة حساسة ىتعرض لها بعض الفتىات لىس فى مصر فقط وإنما فى دول كثىرة وىتناول ماذا ىحدث لهذه البنات بعد تعرضهن للاعتداء من آبائهن وبالمناسبة الفىلم لا ىحتوى على أى مشاهد جرىئة كما أشىع بدلىل أن الرقابة وافقت علىه منذ عامىن ولم تحذف أى مشاهد منه وأنا مصرة على تناول هذه القضىة

·        من رشحت لبطولة الفىلم ؟

- المرشحة الوحىدة للفىلم كانت نىللى كرىم

جريدة القاهرة في

03/07/2012

 

حلـــــم عزيــــــــــز ..

بين الغفلة واليقظة

بقلم : د.وليد سيف 

نستسلم كثيرا لفكرة فشل أنواع بعينها من الأفلام في السينما المصرية دون أن نفكر في أسباب الفشل المتكرر لأي منها. فلم يعد يفكر أحد في موضوعات الخيال العلمي بعد فشلنا الدائم في تحقيقها بشكل جيد ونفس الشيء ينطبق علي أفلام الفانتازيا. ولكن كل هذا لم يمنع المنتجة الجريئة إسعاد يونس أن تتجاسر وتغامر بفيلم من هذا النوع. ولكن هل درست إسعاد بجدية أسباب فشل هذا النوع سابقا حتي تتجنبها لاحقا أم أنها سارت علي هدي النجم أحمد عز وأطاعت رغباته ونزواته،علي غرار ما يفعله منتجو السينما اليوم بتسليم الدفة للنجم وتحميله المسئولية كاملة مادام الفيلم يجري تسويقه باسمه؟! علي أي حال فإن إسعاد كفلت للفيلم أيضا مخرجا كبيرا ومتمكنا هو سعد عرفة مستندا إلي نص لأحد كتاب الكوميديا المتمرسين هو نادر صلاح الدين الذي كانت بدايته السينمائية مشتركة مع سامح سر الختم في أعمال طموحة ومبشرة بها قدر من الجرأة والخيال المتقدم مثل هو في إيه واللي بالي بالك..و ذلك قبل أن ينفرد بالكتابة في أعمال تجارية نمطية محدودة الخيال والطموح. ربما يكون البعد عن الواقع في حد ذاته هو الهدف، فمجرد فهم هذا الواقع اليوم وتفسير معطياته أصبح أمرا عسيرا علي المحللين السياسيين والإجتماعيين. كما أن هذا الواقع أصبح يحيط بالمشاهد ليل نهار بنشرات أخبار تتلاحق فيها الأخبار والأحداث بسرعة تفوق أي خيال. وربما يري الكثيرون أن السينما اليوم تحديدا قد تكون هي الوسيلة للخروج بالجمهور من هذا القلق والتوتر المستمر ليعيش لحظات من المتعة والخيال سارحا بأفكاره بعيدا بعيدا في عالم الأحلام. أحلام حقيقية والأحلام في فيلم حلم عزيز ليست مجازية، فحلم عزيز - أحمد عز- الذي يتكرر هو ما يؤرق حياته وهو ما يدفع بحركة الأحداث علي أرض الواقع. في الحلم يظهر الأب المتوفي- شريف منير- داعيا ابنه البطل عزيز لارتقاء ثلاثين سلمة للصعود إليه. ويأتي الخطر من تفسير الحلم للبطل بأنه يعني يقينا أنه لم يبق له في الحياة سوي ثلاثين يوما ليلحق بوالده في العالم الآخر. وتقع بعض الأحداث والشواهد التي تؤكد للبطل صدق التفسير فينتابه الذعر من وفاته القريبة المحتومة. ويبدأ في الاستعداد للقاء ربه بالتكفير عن ذنوبه الكثيرة والبحث عن ضحاياه وكل من آذاهم ليصحح أخطاءه تجاههم ويطلب عفوهم. وهكذا يتحول رجل الأعمال الفاسد الشرس والشره للمال والساعي لتحقيقه بأي وسيلة إلي رجل تقي وورع لا يفكر إلا في كيفية إرضاء ربه وتعديل مساره في أيامه القليلة المتبقية. ولكن وعلي الرغم من البعد الفانتازي في الفيلم الذي يتمثل في صورة حياة الأب في العالم الآخر بتفاصيلها وتعبيرها عن مصير الإنسان بعد الحساب، إلا أنه وعلي الجانب الآخر يظل الإسقاط علي الواقع وكأنه الهدف الأساسي من هذه الحكاية. فنادر صلاح الدين منشغل بتعبئة الفيلم بإفيهاته الساخرة من واقع اليوم عبر شخصيات نري مصائرها بأعيننا من أول معمر القذافي بخطبه الموتورة المثيرة للسخرية إلي الرجل أبوجلابية الشهير الذي ظهر في ستاد بورسعيد. وإذا كان من المؤكد أن توظيف الفانتازيا من أجل السخرية من الواقع الحقيقي هو أمر مقبول ووارد إلا أن تحول المواقف إلي إفيهات مفتعلة والخروج عن أسلوبية الفيلم المتكررة وعن منطقه الفانتازي الخاص هي ما يطيح بمصداقيته من هذا المنطلق. وهي ما تسبب إرباكا للمشاهد وتفسد من عملية اندماجه التي من المفترض أن تتحقق وفق شروط معطياته الخاصة وليس المنطق المعتاد المألوف. شروط خاصة ومما يزيد الأمر سوءا هو أن هذا النوع من الأفلام تحديدا يفرض شروطه الخاصة بجماليات الصورة وتقنياتها بما تحويه من جرافيك ومؤثرات خاصة ربما يتجاوز دورها وأهميتها هنا العناصر الأخري بمافيها النجوم والأداء التمثيلي. فصناع الفيلم من البداية عليهم تقديم صورة توازي في خيالها هذا الطموح الفانتازي الجامح، بل وربما تتفوق عليه من أجل إرضاء المشاهد وإضفاء عنصري المصداقية والإبهار في ذات الوقت. وإذا كان المشاهد لهذا النوع من الأفلام غالبا يستوعب حاضرا سينمائيا في غاية التفوق في هذا المجال، خاصة في الفيلم الأمريكي، فإنه هنا ومهما كان مستوي التقدم التقني والجهد البشري الخلاق فإنه لن يضاهي الصورة بل ولن يقترب أصلا مما وصلت إليه من مستوي الغرب بأي حال من الأحوال ومهما كان قدر الاجتهاد. ولكن المشكلات الشكلية في الفيلم في رأيي تتضاءل أمام مشكلاته الدرامية والفنية الأخري. فترهل البناء الدرامي يبدو جليا عبر قفزات في الأحداث غير مبرره. بل وعبر تناقض في سلوك الشخصيات لا يستند علي أي منطق. وقد يري البعض من باب الاستسهال أننا ما دمنا بصدد فانتازيا فلنصدق أي شيء. ولكن الأمر بالطبع ليس مطلقا. وربما يبدو الالتزام بشروط المنطق الفانتازي هنا أكثر صعوبة وإلزاما للفنان لأنه يشيد بناءه علي معطيات منطقية مختلفة عليه أن يلتزم بها ويحافظ علي إطارها. وعلي جانب آخر تطغي علي الموضوع نزعة وعظية من المؤكد أنها الأقرب والأسهل للتعبير. وقد يعتقد البعض أن الالتفافة الفانتازية كفيلة بتجنب مثل هذه الأمور. ولكن الحقيقة غير ذلك تماما. فالمسألة بهذا الشكل تبدو أقرب لأفلام المقاولات الساذجة الفقيرة في فكرها وجهد صناعها الإبداعي قبل أن تكون فقيرة فيما ينفق عليها من ميزانيات وأجور وما يتوفر لها من إمكانيات. إن البحث عن المعادل الموضوعي للفكرة هو الطريق الأشق ولكنه الأجمل بل والأكثر إلزاما للفنان. ولكننا نظل دائما متوقفين أمام قشرة سطحية براقة من الخيال لا تتطور ونظل نتابع الأحداث التي يقودها منطقان متنازعان هما الإفيه بالدرجة الأولي والوعظ بالدرجة الثانية. وحيث تتواري تماما فكرة إعمال العقل بالنسبة للمشاهد. ويقدم المؤلف دائما له ما يريد أن يطرحه بشكل رخيص بل ومجاني. إيقاع عشوائي في ظل هذا المنطق من البلادة والاستسهال يصبح كل شيء مباحا. فيفتقد المونتاج أدني درجات السيطرة علي الإيقاع. وحيث تطول المشاهد التي تخرج عن الحدث وتدخل بنا إلي زوايا وطرق جانبية بينما تطول المشاهد التي يفترض أنها كوميدية أو تسبب الضحك الذي لا يتحقق في الحقيقة إلا نادرا. وإذا كان البعض يري أنه في منطق الكوميديا كل شيء مباح. وأن المناطق الضاحكة بالفيلم كفيلة بتحريك سرعة الإيقاع فإن الرهان يكون فاشلا وخاسرا جدا حين يضيع الأثر الكوميدي ولا يبق سوي خواء وثرثرة كفيلة بإصابة المشاهد بالملل بل وفضح صناع الفيلم بدوافعهم التجارية المباشرة التي تتضاءل أمامها مساحات الوعظ المباشر التي لا تمت للفن بصلة هي الأخري. والحقيقة أن غياب كوميديا الموقف والاستعاضة عنها بالإفيه تبتعد تماما بالعمل عن أي انتماء أو انتساب للفن بأي درجة من الدرجات وتدفع به تجاه برامج الاسكتشات الضاحكة. ولكن حتي في هذه الحالة وبدوافع تجارية مباشرة يظل الاعتماد علي فناني كوميديا محترفين ومتمكنين هو المخرج والطريق نحو العبور الآمن للفيلم من اختبار شباك التذاكر. ولكن هذا لا يتحقق أيضا في حلم عزيز. فالكل تقريبا ليسوا من فناني كوميديا الفارس أو المبالغات. وإن كان البعض منهم قد برع نوعا ما في كوميديا الأنماط مثل مي كساب وأحمد الصاوي، إلا أن مناطق التعبير التي أجادوا فيها تبتعد تماما عن نوعية أدوارهم في حلم عزيز. مفاجأة الفيلم ربما تلوح مفاجأة الفيلم الحقيقية في محمد عادل إمام الذي بدي أكثر رسوخا وثقة في دور قصير ولكنه أداه باقتدار ومهارة وفهم صحيح للشخصية وقدرة علي اختزالها في نظرات وحركات وطريقة في الإلقاء. وربما يري البعض تشابها في الأداء بين محمد ووالده ولكنها ليست أكثر من جينات سوف يستطيع الممثل الموهوب اجتيازها والبحث عن مناطق من التميز والاختلاف . والحقيقة أن تراجع محمد عادل إمام إلي صفوف الأدوار الثانية هو السبيل الصحيح له للتمرس الحقيقي وعقد صلة مع المشاهد تتيح له أن ينطلق للأمام من جديد. فالتوريث في الفن غير مقبول. كما السياسة. ولكن جينات الموهبة قد تعين الفنان الشاب بشرط أن يصعد السلم بطريقة طبيعية بدلا من أن يقفز علي السلطة أو البطولة بدفعة أبوية لن تنفع في الفن بعد أن ثبت تماما أنها لم تنفع في السياسة. أما شريف منير فهو في دور نمطي لا يتيح له أي مساحة للإبداع ولكنه ربما يكون سلمة تتيح له أن يتقبل الانتقال إلي نوعية أخري من الأدوار التي تتناسب مع مرحلته العمرية حتي ولو كان الأب هنا يعيش في الجنة بعمر الشباب. ونأتي لأحمد عز الذي يلزم التوقف أمامه كثيرا، فهو يكرر تقريبا نفس الشخصية التي قدمها في فيلم 365 يوم حب ولا يضيف لها سوي ملمح الانتماء اجتماعيا لأصول شعبية. ولكن التعبير عن هذا الملمح يأتي فجأة ومبالغا فيه بصورة مقززة. والحقيقة أن الانتقال من الأداء الهادئ إلي الانفعالي القاسي هو الأسلوب المسيطر علي الجميع وهو يلوح بشكل واضح مع عز ومي كساب. ولا شك أن أسلوبية بطل العامل الأدائية تؤثر بوجه عام علي باقي الممثلين خاصة من ذوي الخبرات المحدودة وخصوصا أيضا في حالات التعامل مع مخرجين لا يعيرون أداء الممثل الاهتمام الكافي ويرفعون شعار التمثيل مسئولية كل ممثل وعلي المشاهدين تجنب أخطار التمثيل. وفي النهاية إن التباين الشديد والانتقال الحاد لم يكن في التمثيل فقط وإنما في مختلف عناصر الفيلم من دراميته التي خلطت بفجاجة بين الفانتازيا والواقع إلي إيقاعه المضطرب بين مشاهد طويلة ومملة وقصيرة ومبتسرة.. وبين صورته البراقة المتألقة في الواقع والباهتة المختنقة في الحلم وبين أسلوبه الفانتازي وطريقته المباشرة في الوعظ والتلقين. إن أجمل ما في الفن عموما والفانتازيا خصوصا هو الانتقال التدريجي والتسريب الهادئ للأفكار ولكنها أمور لم يدركها صناع الفيلم فسقطوا في اختبار جديد في هذا النوع وحتي إشعار آخر.

جريدة القاهرة في

03/07/2012

 

د. وليد سيف ..

«النقد السينمائي أسرار وأصول وكواليس»

بقلم : الأميرأباظة 

حين سئل الناقد الكبير د. علي الراعي في البرنامج الاذاعي " زيارة لمكتبة فلان " ما الأدوات التي ينبغي أن يتحلي بها الناقد ؟ أجاب : الموسوعية ..أي أن يتحلي الناقد بالمعرفة الثرية في مختلف ميادين الثقافة والعلوم الانسانية. وتساءل المفكرون : هل انت ناقد ؟ وأجابوا ..اذاً فأنت مؤرخ .أي أن الناقد ينبغي أن يكون ملما بتاريخ الفن . والعكس ليس صحيحا . بمعني أن المؤرخ ليس ناقدا . ولكن ينبغي أن يكون الناقد ملما بتاريخ الفن فهذا جانب اساسي من ادواته النقدية واذا كان الوصول إلي تاريخ محدد لبدايات النقد السينمائي في مصر يبدوأمرا في غاية الصعوبة. لكن الكتابة الخبرية عن السينما بالتأكيد لاحقت العروض السينمائية الأولي في مصر . وقد لاحقت الصحافة ممثلة في" الأهرام "و"لاريفورم "في اعدادهما الصادرة في الرابع من نوفمبر أخبار العرض وسرعان ما توالت الأخبار والمتابعات الصحفيةلأخبار عروض السينما وافلامها وصناعها ونجومها .ومع تزايد الاهتمام بهذا الفن وتكاثر الجمهور وظهور فن السينما بدأت الكتابة عن السينما تاخذ طابعا أكثر جدية واصبحت الكتابة عنهاتناقش بعض القضايا المتعلقة بها. غوص في المحيط وفي كتابه "أسرار النقد السينمائي أصول وكواليس " يغوص بنا الناقد والكاتب السينمائي د. وليد سيف في خضم محيط النقد السينمائي بشقيه النظري والتطبيقي ليقدم مرجعا مهما للمكتبة السينمائية كانت في أمس الحاجة اليه. خاصة ان عدد المراجع والكتب النقدية في السينما المصرية بعد ما يربو علي 120 عاما منذ عرض اول فيلم سينمائي للأخوين لوميير في مقهي طوسون بالإسكندرية في5 نوفمبر 1896 لايتعدي أصابع اليدين تأليفا وترجمة. الكتاب في ثمانية فصول الأول مفهوم النقد السينمائي وفي الفصل الثاني ينتقل الكاتب بين مدارس النقد والفن بينما جاء الفصل الثالث مختصا بالنقد السينمائي ليعقبه الفصل الرابع الذي يناقش فيه المؤلف النقد والتحليل السينمائي وينقلنا الباحث في الفصل الخامس إلي عالم السينما وما بعد الحداثةويستعرض الكاتب في الفصل السادس النقد وفنون الدراما وفي الفصل السابع ينقلنا الكاتب إلي عالم ثقافة الفيلم الأجنبي ويختتم فصول الكتاب بالفصل الثامن بحثا عن نظرية جديدة في النقد متوجها نحو خطاب نقدي جديد ويختتم المؤلف كتابه بالتطبيق حيث يستعرض عددا من مقالاته النقدية مطبقا عليها نظرياته في النقد وهي المقالات التي قام بالاشارة اليها خلال فصول الكتاب لتضيف مزيدا من الايضاح لرؤيته وملاحظاته وافكاره عن الكتابة النقدية أملا أن تكون اشارته لها دافعا للقارئ للتعرف عليهاوان كان قد راعي أن تكون معظمها عن أشهر وأحدث الأفلام المصرية والأجنبية التي ربما يكون معظم القراء قد شاهدوها أو بامكانهم أن يشاهدوها بسهولة تصحيح الصورة في الكتاب يسعي د. وليد سيف إلي تصحيح صورة الناقد التي أساء لها وأفسدها وجوه يري انها قد سيطرت علي الساحة الاعلامية وظهرت في مئات البرامج تتحدث عن ذكريات فنية ثرثارة في كواليس الأعمال بلا دلالة أو قيمة أو هدف سوي التسلية وملء أوقات الفراغ وساعات الارسال ورسخت صورة خاطئة للناقد كدائرة معارف ناطقة بدون رؤية ناقدة أو قدرة علي الربط واصدار الاحكام يبدأ الكتاب بالتصدي لأمور نظرية تتعلق بتحديد مفهوم النقد الفني عموما والتعريف ببعض مدارسه مع الإشارة إلي الكثير من النماذج التطبيقية والخبرات الشخصية التي توضح ما يتضمنه من نظريات. ويري الكاتب انه وبصرف النظر عن فكرة الفنون التلقائية التي قد تصاحبها فكرة النقد التلقائي أن في الحقيقة هناك الكثير من أصحاب القدرات الفطرية الذين يتوصلون إلي جوهر الأشياء والأعمال والفنون دون أن يكونوا في حاجة إلي التعرف عليها نظريا باسلوب علمي منظم ويؤكد د. سيف أن اهم مايلفت النظر في مسألة مفهوم النقد هو ما يكتنفها من خلاف أو اختلاف وجهات النظر حولها مؤكدا أن المفاهيم والأراء تتعدد حول ايجاد تعريف محدد للنقد الفني كما اختلفت مناهجه وتنوعت اتجاهاته أصول واتجاهات ونعيش علي مدي صفحات الكتاب مع تجارب شخصية للمؤلف خلال رحلته مع النقد يقدمها كنماذج ليستفيد بها الناقد الشاب في رحلته مع النقد السينمائي من اجل امتلاك ناصية الكتابة النقدية . وبعد عرض أصول النقد يلقي د.وليد الضوء علي تجربة النقد السينمائي في مصر بوجه خاص . كما يحرص أيضا علي إلقاء الضوء علي فنون الدراما الأخري كالمسرح والإذاعة والتليفزيون والتي تتماس وتتلاقي مع فن السينما في نقاط عديدة. حيث يبدو من المهم التعرف علي خصائص كل وسيط تعبيري، مما يمنح الناقد فرصة أكبر لتحديد أدواته ومناهجه حيال المجال الذي يتخصص فيه. وهناك أيضا دراسة مكثفة حول علاقة فن السينما بفلسفة ما بعد الحداثة التي تعد السينما مجالا خصبا بل وملهما لها. ويناقش الكاتب مسألة توظيف هذه الإتجاهات في مجتمعات لم تمر بمراحل الحداثة التي مرت بها المجتمعات المتقدمة . ويري المؤلف انه بعيدا عن هذه التجارب الشخصية بل والممارسات النقدية المتخصصة عموما يمكننا أن نلاحظ أن النقد الفني للسينما والمسرح ودراما التليفزيون والاذاعة هو فعل تلقائي نمارسه جميعا بمعناه البسيط في محيط البيت والجيران والعمل وهو نشاط يمارسه الأطفال منذ بداية تفتح وعيهم علي الحياة ويري المؤلف أن اسلوب الممارسة النقديةالفردي يعبرعن الانتماء لمدارس ومناهج فنية ربما دون أن يعرف الشخص أو الناقد حقيقة انتمائه لها أو أن يكون حتي قد قرأ عنها . ولكنها أمور تنتج من اثر البيئة والتربية والواقع المحيط بل والعوامل الوراثية أيضا ويؤكد د. سيف أن راي المشاهد - مع كل الاحترام لأهميته لايغني علي الاطلاق عن رأي الناقد المتخصص ولا يلغي دوره ولا أهمية وجوده حتي ان كان بإمكان المشاهد العادي أن يتوصل إلي آراء جيدة واحكام سليمة بحكم خبرته في المشاهدة وفطرته السليمة مؤكدا أن هذا لايعني بالضرورة انه انتقل من مقاعد المشاهدين إلي مقاعد النقاد مع العلم بأنها ليست مريحة كما يري د. وليد سيف و يري ايضا أن الناقد يلزمه أن يمتلك قدرات واستعداد من نوع خاص . وربما تكشف هذه الامكانات عن نفسها بشكل واضح بداية من قدرته الفطرية علي التذوق وان كانت عملية التذوق نفسها تخضع لعناصر اجتماعية وبيئية وتربوية بل وتثقيفية متخصصة فإنها ايضا وبلاشك تعبر عن الشخصية واستعدادها من مراحل مبكرة جدا ولا يفوت سيف أن يطرح رؤيته حول ثقافة الفيلم الأجنبي في مصر التي مرت بسنوات من الإزدهار وأخري من التدهور. وحيث تتشكل ثقافة الناقد السينمائي من مشاهداته الواسعه للأفلام وإطلاعه علي مختلف أنواعها. وهو يخلص إلي أن مناخ الثقافة السينمائية السليم هو السبيل الأساسي للإرتقاء بمستوي النقد. تكمن قيمة الكتاب في أن صدوره يتوازي مع مرحلة فارقة في تاريخ الأمة، تسعي فيها بشكل حثيث نحو إنتهاج الديمقراطية بمعناها الحقيقي. وهو ما بإمكانه أن يتيح للناقد مجالا أوسع ويلقي علي عاتقه بمسئوليات أكبر. وفي ظل هذه الأجواء يضع الناقد والكاتب د. وليد سيف ورقته البحثية حول مستقبل النقد التي تتضمن كل ما يصبوا إليه من آمال في هذا الشأن. وهي بكل تأكيد اضافة حقيقية رائعة لمكتبة تبدوفقيرة من حيث العدد ولكنها بدون شك ثرية باسهامات د. وليدسيف وأقرانه من المبدعين

جريدة القاهرة في

03/07/2012

 

«الرجال السود».. مذاق لم يتغير

بقلم : رفيق الصبان 

أداء «ويل سميث» و«توم لي جونز» الراقي استطاع أن يوضع بجرعة الرعاية إلي أقصي حدودها دون أن يؤثر ذلك علي طبيعة المطاردات وعلي واقعية العنف ومشاهد الدم والقتل < حاول الرجال السود في طبعتهم الثالثة أن يتحايلوا علي الملل بشتي الطرق فملأوا الفيلم أحداث ومطاردات ومغامرات كي لا يتركو للمتفرج سبيلا للتنفس متابعة لسياسة إخراج أجزاء ثانية للأفلام التي حققت نجاحا جماهيريا كبيرا وهي السياسة التي ابتدعتها هوليوود منذ نجاح فيلم «الأب الروحي» (والذي أتبعته بجزء ثان كان أكثر قوة من الأول .. وجزء ثالث هبط بالمستوي) والذي أصبح عادة متبعة فقدت الكثير من تأثيرها ولكنها كما يبدو لم تفقد جماهيريتها بدليل استمراريتها حتي اليوم. طبعا هناك مسابقة لأفلام الأجزاء هذه تمثل بأفلام «الشخصية» وهي التي ابتدعها «شارلي شابلن» منذ بدء ظهور السينما بتقمصه شخصية المتشرد العبقري «شارلو» بعصاه وقبعته وطريقة سيره وراحت هذه الشخصية بعد ذلك تثبت نفسها في الكثير من الأفلام وتبعه بعد ذلك عدد من الممثلين والممثلات اختصوا بأداء شخصية معينة يكررونها بشكل مستمر في أفلام مختلفة وفي مواضيع مختلفة بل إن هذه الطريقة انتقلت إلي مصر من خلال بعض أفلام «علي الكسار» ثم «إسماعيل ياسين» ولكن من الصعب أن نقول إن أفلام «الشخصية» تسير علي نفس منهج أفلام «الأجزاء» لأن الأجزاء تتمسك بخيوط الشخصية الأصلية .. ثم تضعها في مواقف مختلفة وفي مغامرات مختلفة. وهكذا مثلا انطلقت سلسلة جيمس بوند الشهيرة والتي مازالت مستمرة حتي اليوم رغم أنه قد مضي عليها أربعون سنة أو يزيد ثم جاءت سلسلة ملك الخواتم وسلسلة هاري بوتر وسلاسل الفضاء التي بدأت تتكرر وتتفتح وتزداد اتساعا مع اتساع النطاق التكنيكي والخيال السينمائي والحيل والتقنيات المدهشة التي باتت تتمتع بها السينما العالمية الآن. سلسلة «حرب الكواكب» جعلت من عالم الفضاء عالما رحبا يتسع للخيال السينمائي يفعل به ما يشاء سواء انطلاقا من مفهوم علمي أو مفهوم غرائبي أو مفهوم خيالي شعري وإن كان مفهوم الرعب والخطر الجاثم هو الأقوي والأشد تأثيرا. سماء وأحلام عالم النجوم والسماء المتسعة المرصعة بالكواكب والذي كان مهدا لأحلام الشعراء والرومانسية ونقطة انطلاق للعواطف المشوقة تحول إلي مهد للأفكار ومركز لوحوش لا تعرف الرحمة، تملك إمكانيات ضخمة لا نملكها وأسلحة ضاربة لا تعرف كيف نواجهها تطل علينا لتفتك بنا النجوم مليئة بكائنات متوحشة دموية تقتل بلا رحمة ولا يمكن التفاهم معها بأية طريقة من الطرق، وإذا كان فيلم سبيلبرج الوحيد لقاء مع الجنس الثالث هو الذي فتح طاقة صغيرة للتفاهم عن طريق الموسيقي فإن أغلب الأفلام التي جاءت بعد ذلك وركزت وكثرت تركيزا مباشرا علي أن عالم الكواكب الأخري عالم متوحش دموي ليس لدورهم إلا أن يفتك بسكان الأرض المغلوبين علي أمرهم .. والذين يحاولون بشتي الطرق مواجهة هذا الخطر الداهم الذي يهددهم والذي يأتيهم من هذه السماء التي طالما أحبوها. أفلام الخيال العلمي والأخيرة القائمة أغلبها علي المغامرات والمطاردات من وحوش السماء وسكان الأرض مازالت تجد جمهورا كبيرا يتقبلها ويهرع لمشاهدتها وتقوي خياله بكثير من الصور وتملأ قلبه ورأسه بالخيالات الممكنة وغير الممكنة. هذه الأفلام التي أصبحت تعتمد علي التكنيك المرتفع الذي تتمتع به السينما الأمريكية والقدرة علي صنع «عوالم» متخيلة يلعب فيها الديكور المبهر دورا أساسيا ورئيسيا في نقل المتفرج إلي هذا العالم الوهمي الذي يصوره الفيلم. وطبع هناك دائما هذا الصراع بين الشر المتمثل في الخطر الخارجي والخير الذي يتمثل في هؤلاء الرجال الشجعان الذين يواجهون الأخطار ويمنعونها من سحق عالمنا الذي نعيش فيه وتدمير معالمه. في هذا النوع من الأفلام القسمة واضحة هناك أبيض أبيض وأسود أسود هناك وحوش وهناك بشر هناك عدو فتاك وهناك مدافع شرسة مؤمنة بالإنسانية. والرجال السود منذ جزئه الأول لم يخرج عن هذا النطاق ولكنه استطاع أن يضيف إليه عنصرا لم يكن موجودا في أفلام مثل «اليان» أو «المنتقمون» وهو عنصر الدعاية والذي استغلت فيه مواهب النجم الأسمر «ويل سميث» لإعطاء شحنة من المرح والظرف علي كثير من المواقف نظرا لما تتمتع به شخصية هذا الممثل بالذات من «كاريزما» جعلت منه منذ ظهوره الأول نجما شعبيا مرموقا له جمهوره الكبير. «ويل سميث» ليس مجرد بطل حركة، إنه ممثل درامي حقيقي أثبت موهبته في أكثر من فيلم وفي أكثر من شخصية ولكنه من الرجال السود يجمع بين أكثر من ميزة وينجح في أن يكون لنفسه شخصية متميزة تختلف تماما عن شخصيات الأبطال الآخرين الذين يظهرون ويسطعون في مثل هذا النوع من الأفلام. ولعل وجود ويل سميث مع زميله توم لي جونز الذي يتمتع بشخصية قوية ووجه جامد التقاطيع واحساس بارد ظاهري يخفي وراءه الكثير من القلق والتساؤلات جاء مساعدا ليعطي هذا الثنائي قوة حقيقية تسيطر علي أحداث الفيلم وتكمل بعضها بعضا. الجزء الأول من الرجال السود رغم نجاحه الساحق انتظر قليلا قبل أن ينطلق بجزئه الثاني وها هو الجزء الثالث يأتينا بعد انتظار طويل أيضا وبعد تمهيد دعائي كبير. الجزء هذه المرة يبتدئ بداية مرعبة حقا ينطلق فيها الوحش البشري من كلمته «جوش برولين» حاملا في كفه عقربا متوحشا قادرا علي القتل الفوري وعلي فل الحديد، وعلي الانطلاق كسهم صاروخي قاتل لا يقف في طريقه أحد. هذا الوحش البشري بعقربه الهائل الفتاك يبد أعداءه ويكسر قضبان سجنه ويعود للأرض ليثأر من الرجال الذين امسكوا به. والفيلم يصور لنا من خلال عدة معارك الصراع بين الرجال السود وبينه وحتي لحظة الصراع النهائي التي تدور في محطة نووية لاطلاق الصواريخ الجوية البعيدة المدي خلال ذلك كله لا يكف الفيلم عن تخيل أحداثا بعضها يعتبر من الفانتازيا الحقيقية وبعضها يستمد قوته من الواقع المحيط به. هناك مثلا لعبة البولنج التي تستبدل بها الكرة بالرأس البشري ويبقي الجسم بلا رأس يتكلم ويتحرك فيما رأسه يطرح بكرات البولينج المتعددة. أسماك العملاقة وهناك مشاهد مطعم الأسماك.. والأسماك العملاقة التي تتحول فجأة إلي وحوش تهاجم ابطالنا بأفواه مفتوحة مليئة بالأسنان المشحوذة كالسكاكين. وهناك هذه المطاردة علي رأس ناطحة سحاب كبري يتعلق فيها البطل بعمود صغير قبل أن يهوي من أعلاها. وهناك هذا السيرك الذي تدور في أرجائه مطاردة من نوع خيالي وهناك ملعب الكرة وشخصية هذا الرجل الذي يملك نصف رأس والذي يحاول جاهدا مساعدة ابطالنا. كل ذلك يتأرجح بين فانتازيا خيالية وبين معالجة شديدة الواقعية وبين قدرته علي صنع جو من الدعابة الحلوة من خلال أداء ويل سميث العبقري. وبالطبع كل ذلك وكل هذه المغامرات التي شحذ لها الحد من خيالهم ليقدموا من خلالها أشياء مبتكرة لا تخطر بالبال قبل ذلك يقودنا إلي مشهد المطاردة النهائية في منصة الصواريخ النووية حيث لعب الديكور المبهر دوره في التأثير وحيث أخذت المغامرات شوطها النهائي لمصرع الوحش القادم من الفضاء رغم «بشريته» حيث يركز الفيلم علي بطولة ضابط أسود يذهب ضحية واجبه ولكنه يعطي الشعلة لابنه الصغير «في نوع من التملق الذي أراه رضيعا لحكم أوباما». كل هذا ليس مهماً قدر ما يمكننا أن نقول إن صانعي الرجال السود قدموا لنا في فيلمهم شريحة مليئة بشتي أنواع الخيال واستغلوا إمكانيات السينما الجديدة.. إلي أقصي حدودها من خلال الديكور والخدع السينمائية وإمكانيات الكاميرا المتطورة وأضافوا إليها جرعة الإبداع الإنساني المتمثلة في أداء كل من «ويل سميث» خصوصا و«توم لي جونز» واستطاعوا أن يدفعوا بجرعة الدعابة إلي أقصي حدودها دون أن يؤثر ذلك علي طبيعة المطاردات وعلي واقعية العنف وعلي مشاهدة الدم والقتل. محاولات مستميتة الرجال السود أو طبعته الثالثة يحاول جاهدا أن يختلف قليلا عن طبعيته السابقتين وأن يترك للخيال دورا أكبر وأوسع في تنشيط المواقف المثيرة يساعده علي ذلك ديكور متطور وإمكانيات نقية هائلة لكن يبقي الاحساس بأن المذاق الأصلي لم يتغير وأن كثرة تناول نوع واحد من الطعام مهما كان هذا الطعام لذيذا يوصل إلي الملل. لقد حاول الرجال السود في طبعتهم الثالثة أن يتحايلوا علي الملل بشتي الطرق فملأوا الفيلم أحداثا ومطاردات ومغامرات كي لا يتركوا للمتفرج سبيلا للتنفس ولكن المتفرج رغم ذلك كله تنفس الصعداء عندما وصل الرجال السود إلي خاتمتهم.

جريدة القاهرة في

03/07/2012

 

 

زكي رستم.. أورسون ويلز الشرق!!

بقلم : محمد عبدالعزيز 

الممثل النجم غير النمطي الأسطورة صاحب الوجه السبورة الذي تدرس وتشخص ملامحه ونظرات عينيه جميع الادوار. العظيم مسرحا وشاشة. الذي لم يكن يمثل دورا وإنما هو الدور ذاته. المختلف الذي لم يشبهه أحد. الطاغية والوزير الألعبان والباشا الوقور والموظف الغلبان والعمدة واللص وتاجر الخضار فتوة الحسينية وباب الشعرية وأبوالبنات الحنون الذي يدور معهن حول طرابيزة السفرة يردد وراء فايزة احمد بيت العز يا بيتنا .. 6 صفحات في مجلة لايف تشهد بانه اعظم ممثل في الشرق وتقارن بينه وبين العالمي شارلزلوتون .. والناقد العالمي جورج سادول يقول انه النسخة المصرية من اورسن ويلز .. هكذا وصفت الكاتبة الكبيرة سناء البيسي الفنان الكبير زكي رستم العبقري الذي اثري السينما المصرية بادائه الرفيع وعفويته التي وضعته في مصاف اعظم 10 ممثلين في تاريخ السينما العالمية. أسرة أرستقراطية ولد الفنان زكي محرم محمود رستم في 5 مارس 1901 لأسرة ارستقراطية عائلها الاكبر محمود باشا رستم الذي كان من كبار ملاك الاراضي الزراعية حيث كان يملك 1800 فدان بالوجه البحري ما بين المنصورة والمنوفية، تولي رعايتها من بعده ابنه محرم بك العضو البارز في الحزب الوطني وصديق زعيمه مصطفي كامل، كانت الاسرة تمتلك سراي كبيرة بحي الحلمية القديم والذي كان لا يسكنه سوي كبار رجال الدولة آنذاك، في هذه السراي نشأ الفنان زكي رستم وقضي طفولته في أرجائها، كانت السراي مقامة علي مساحة 5 أفدنة، ومقسمة الي 50 غرفة، وفي بدرون هذه السراي اقام زكي رستم اول مسرح في حياته، حيث كان ينتهز فرصة سفر ابيه الي المنصورة ليباشر الارض الزراعية، ويأخذ الطرابيزات وستائر البيت والمفارش ويصنع بها المسرح، اما ابطال المسرحية فهم شقيقاته البنات واخوه الاصغر عبد الحميد ومجموعة الخدم والمربيات، ويقوم هو بكتابة المسرحية واخراجها، كانت كل هذه المسرحيات تجري في السر لا يعلمها احد سوي المشتركين فيها، حتي افشت المربية الايطالية جوزفين السر الي والدته التي نهرته بشدة وقامت بمصادرة الملابس والادوات التي كانوا يستخدمونها في بناء المسرح، وسرعان ما علم ابوه ايضا بهذا السر فهدد بحبسه في العزبة حتي يستقيم، ولكن الابن لا يستقيم خاصة عندما يكتشف ان لدي صديقه سليمان نجيب نفس الميول، ويعاني نفس الكبت والحرمان والتهديد المستمر حيث كان والده ايضا من كبار الأعيان وخاله احمد زيور باشا رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشيوخ. التقي الاثنان زكي ونجيب علي حب الفن وتعرفا علي صديقهما الثالث عبد الوارث عسر وكان الاصدقاء الثلاثة يلتقون في مسرح جورج ابيض الذي كان يفتنهم بأدائه الراقي واسلوبه الجزل، وفي كواليس المسرح يتقدم الاصدقاء ليتعرفوا بالفنان جورج ابيض، وعندما يعرف انهم من هواة التمثيل ويشاهد اداءهم يوافق ان يضمهم الي فرقته ليتعلموا اصول فن التمثيل، حيث كانت فرقته اشبه بمعهد التمثيل. المصارع في عام 1915 يتوفي الاب وتبيع الاسرة سراي الحلمية بـ40 الف جنيه، وتنتقل الي حي الارستقراطية الجديد الزمالك وبالتحديد في الفيلا رقم 1 شارع الكامل محمد، في هذه الاثناء اضطر زكي رستم ان يترك التمثيل مؤقتا، وأخرج طاقته في الرياضة حيث اختار رياضة المصارعة ورفع الاثقال وحصل علي المركز الثاني علي مستوي مصر في مسابقة رفع الاثقال، ونشرت صورته في المجلات وهو يستعرض عضلاته بطريقة كمال الاجسام وساعده في ذلك موهبته التمثيلية. و في عام 1920 يحصل علي شهادة البكالوريا، وتطلب منه امه ان يدخل كلية الحقوق امتثالا لرغبة ابيه قبل وفاته، ولكن نداء الموهبة طغي في هذا الوقت واعلن زكي رستم انه انضم بالفعل لفرقة جورج أبيض ولن يكمل تعليمه، حاولت الام اثناءه بكل الطرق فلم تفلح في ذلك فطردته من الفيلا ومنعته من الاتصال بإخوته خاصة اخيه الاصغر عبد الحميد، وحتي لا يتأثر عبد الحميد بأخيه ارسلت به الي انجلترا ليكمل تعليمه ويكون تحت رعاية اخيه الاكبر وجيه باشا رستم الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب سفير مصر بفرنسا. هكذا بدأ زكي رستم رحلته مع فن التمثيل مطرودا من اسرته، يشعر بداخله بالذنب خاصة بعد ان علم اصابة امه بالشلل بعد ان فقدت الامل في رجوعه عما انتواه! فن التمثيل وفي فرقة جورج ابيض يتفوق زكي رستم في فن التمثيل ويحرز تقدما سريعا جعله محط انظار الجميع حتي ان الزعيم الكبير سعد زغلول يثني علي أدائه وصفق له بحرارة وهو يشاهده في مسرحية "العبرة" علي مسرح الاوبرا الملكية حيث كانت فرقة جورج ابيض تقدم عروضها، ومع الفرقة يقدم ايضا مسرحيات "عطيل" و"مضحك الملك" و"صاحب مصنع الحديد" وغيرها من المسرحيات، وفي عام 1925 طلب الفنان القدير يوسف وهبي أن يلتحق زكي رستم بفرقة رمسيس ووافق علي الفور وعمل كهاو بلا أجر، وحين عرض عليه يوسف وهبـي أجراً قيمته 15 جنيهاً في الشهر رفض بشدة وقال ليوسف بك إنه لا يعمل من أجل المادة، فرد عليه يوسف وهبـي إنه لا يستطيع الاعتماد عليه تماماً وإسناد الأدوار التي يريدها إليه ما لم يكن بينهما عقد أو أجر.. ومن هنا بدأ زكي رستم احتراف التمثيل. مجنون ليلي ومع فرقة رمسيس يقدم مجموعة من المسرحيات منها "مجنون ليلي" و"الوطن" و"مصرع كليوباترا" و"كرسي الاعتراف" و"الشيطانة" و"تحت سماء إسبانيا" و"اليتيمة".. وغيرها. وفي عام 1930 ينفصل عن فرقة رمسيس وينضم الي فرقة فاطمة رشدي التي كونتها مع المخرج عزيز عيد ثم تركها بعد شهور قليلة لينضم إلي فرقة "اتحاد الممثلين" وكانت أول فرقة تقرر لها الحكومة إعانة ثابتة لكن لم يستمر فيها طويلاً فتركها، وفشلت ولم تستمر بعد خروجه منها، وبعد ذلك انضم إلي "الفرقة القومية" وكان يرأسها في ذلك الوقت الفنان "خليل مطران" وظل فيها عشرة أعوام كاملة، وقدم من خلالها مجموعة كبيرة من المسرحيات نذكر منها "نشيد الهوي" و"الجريمة والعقاب" و"المعجزة" و"الفاكهة المحرمة" وغيرها إلي أن صدر قانون يمنع من يعمل بالمسرح من العمل بالسينما.. في نفس التوقيت الذي وقع فيه خمسة عقود سينمائية فاضطر إلي الاستقالة من الفرقة وكان ذلك نهاية عهده بالمسرح في عام 1946 . وقبل ان نتحدث عن ادواره السينمائية لابد وان نقف عند ادائه التمثيلي، كان زكي رستم ممثلاً عملاقاً وكان في لحظات اندماجه في دور يؤديه لا يمكن أن يخرجه من الاندماج شيء مهما عظم ولذا أطلق عليه "رائد مدرسة الاندماج".. فكان نموذجاً رائعاً للنجم السينمائي المنفرد في مواهبه، الذي يقوي علي أن يتقمص أية شخصية مهما تعددت حالاتها النفسية ومواقفها المتقلبة والمتلونة.. فكان رئيس العصابة الداهية الذي يتظاهر بالورع والتقوي ويخدع الجميع في سلسلة أفلام "نيازي مصطفي" مثل "حميدو" و"رصيف نمرة 5" أو يتقمص دور الباشا الإقطاعي المخطط للظلم الاجتماعي كما في "صراع في الوادي" ليوسف شاهين و"أنا الماضي" لعز الدين ذو الفقار و"أين عمري" لأحمد ضياء الدين أو الموظف المنهوك القوي المطحون بالفقر كما في "أبو البنات" أو خولي الوسية القاسي الذي تغلبت عليه طيبته في "الحرام".. فكان لا يكاد ينتهي من أداء موقف من المواقف أمام الكاميرا حتي تتصاعد موجة من التصفيق من كل الحاضرين في البلاتوه بمن فيهم من شاركوه تمثيل الموقف. وكانت الفنانة فاتن حمامة تخاف من اندماجه عندما يستولي عليه فتقول "يندمج لدرجة أنه لما يزقني كنت ألاقي نفسي طايرة في الهواء". و في ذلك يقول الناقد الكبير كمال رمزي" في الاداء التمثيلي كان (زكي رستم) يرمي الي تحقيق التوازن بين العقل والعاطفة وتحري ضبط الانفعالات، وأن تهتم بدراسة تطور المشاعر والاحاسيس وتوقي الصدق الداخلي، وتعتمد علي رهافة ملامح الوجه والإيماءات والاشارة المقصودة باليدين وهذا الأسلوب وإن وجد صعوبة في شق طريقه الي خشبة المسرح فإنه وجد الطريق ممهدا امامه علي شاشة السينما". زينب بدأت علاقة زكي رستم بالسينما في سنواتها الأولي عندما اختاره المخرج محمد كريم ليشترك في بطولة فيلم "زينب" الصامت تأليف الدكتور "حسين هيكل" وإنتاج يوسف وهبي وكان أمام الفنانة "بهيجة حافظ".. ثم اشترك في تمثيل فيلم "الوردة البيضاء" أول أفلام محمد عبد الوهاب عام 1933 وبعدهما كانت انطلاقته علي الشاشة الفضية. وعن ادواره في ذلك الوقت كتبت مجلة العروسة في فبراير 1933 تقول " إن الاستاذ زكي رستم في دوره الجديد في فيلم "كفري عن خطيئتك" والذي جسد فيه دور اخ للبطلة (عزيزة أمير) فقد اظهره الدور في مواقف ساحرة تكاد نظراته تنطق بما كنه في ضميره، وقليل جدا علي بطل السينما زكي رستم ان تساق اليه كلمات الاطراء والمديح". وفي العام التالي تكتب جريدة البلاغ في مايو 1934 عن فيلمه " الاتهام" فتقول" ونمد ايدينا بالتهنئة الخالصة للاستاذ زكي رستم، وإن كنا بدأنا نحس بروح الخوف تخالط إعجابنا لفرط ما تمسك بالشخصيات المكروهة البغيضة"، وكانت الملاحظة الأخيرة في محلها فكل الأدوار التي قدمها زكي رستم حتي ذلك الوقت دائما الرجل الشرير أو زعيم العصابة وهو أيضا ما استمر بعد ذلك حيث يقدم عام 1937 فيلم "ليلي بنت الصحراء" ويجسد دور أخ للبطلة والذي يجبرها علي الزواج بكسري انوشروان رغم ارادتها، ونلاحظ انه قدم في الفترة من 1930 وحتي 1945 أحد عشر فيلما فقط لا غير، حيث كانت السينما حتي ذلك الوقت محدودة الانتاج. ومن ناحية اخري كان انشغال زكي رستم بالمسرح يمنع انطلاقه في السينما، وقبل ان نترك هذه الفترة الاولي نتحدث عن دوره الصغير ولكنه مؤثر في فيلم "العزيمة" 1939 خاصة أن هذا الفيلم هو الذي لفت نظر الناقد العالمي جورج سادول اليه، ففي هذا الفيلم يجسد دور نزيه باشا، وهو يجسد هنا دور الباشا لأول مرة، وهو هنا الباشا النزيه محب الخير والذي يساعد محمد افندي «حسين صدقي» حتي يقف علي قدميه ويتزوج بمن يحب. ومن عام 1945 وحتي 1967 يقدم زكي رستم 44 فيلما من ابدع الأفلام التي قدمتها السينما المصرية وجاء 8 أفلام منها علي قائمة افضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي "العزيمة" و"الحرام"، "الفتوة"، "صراع في الوادي"، "السوق السوداء"، "النائب العام"، "اين عمري" و"امرأة في الطريق". في سنواته الفنية الأخيرة عاني ضعف السمع وكان يكره أن يستعين بسماعة من تلك الاختراعات الإلكترونية خاصة أن السماعات في ذلك الوقت كانت لم تزل بأسلاكها وبطاريتها ظاهرة للعيان إلي جانب انها تقيد من تحركات الاندماج.. ومع هذا كان عبقرية في الأداء إلي درجة أنه قد أدي أدواره العظيمة وهو نصف "أصم" يسمع بصعوبة بالغة.. فكان يحفظ جيداً لدوره وقراءته لشفاه الممثلين أمامه. في عام 1968 توقف الفنان زكي رستم تماماً عن التمثيل وابتعد عن السينما واعتزل الناس بعد أن فقد حاسة السمع تدريجياً وكان يقضي معظم وقته في القراءة. أصيب بأزمة قلبية حادة نقل علي إثرها إلي مستشفي دار الشفاء وفي ساعة متأخرة من ليلة 15 فبراير عام 1972 صعدت روحه إلي السماء.. بعد رحلة طويلة من الفن استطاع خلالها أن يشكل مدرسة متميزة في الأداء التمثيلي اقتصرت عليه وحده دون سواه.. وترك تراثاً فنياً رائعاً لم يستطع أي ممثل أن يملأه حتي الآن.. وسجل اسمه مع "الصفوة" من فناني مصر والعالم العربي في القرن العشرين.

جريدة القاهرة في

03/07/2012

 

مايكل هانكي.. المخرج الذهبي

بقلم: حليم زكري مليكة

> يعد من أعظم المخرجين العاملين في أوروبا في وقتنا الحاضر > فوزه بجائزة السعفة الذهبية هذا ا لعام عن فيلمه «حب» جعله ا لعضو السابع في نادي الصفوة الذين فازوا بهذه الجائزة الرفيعة مرتين > يبهرك ويرهقك مشاهدة أي فيلم من أفلامه ولكنك لا تستطيع أن يفوتك مشهد واحد منه لشدة براعته الفنية > قدم قليلاً من الأفلام أثارت الكثير من الجدل وحصدت العديد من الجوائز العالمية الرفيعة مخرج سينمائي وكاتب سيناريو نمساوي ومخرج مسرحي، عرف بأسلوبه الغامض المزعج حيث يبهرك ويرهقك مشاهدة أي فيلم من أفلامه ولكنك لا تستطيع أن يفوتك مشهد واحد منها لشدة براعته الفنية، غالبا ما تدعم أفلامه المشاكل والقصور والاخفاقات في المجتمع المعاصر بالوثائق والمستندات، كما أنه عرف أيضاً بإثارته للقضايا الاجتماعية في أعماله، عمل هانكي في التليفزيون والمسرح والسينما، بجانب عمله كمخرج سينمائي يقوم بتدريس الإخراج السينمائي بأكاديمية السينما بفيينا، قدم أفلامه التي أخرجها بإحدي اللغات الثلاث: الفرنسية، الألمانية والإنجليزية. حياته يبلغ هانكي من العمر سبعين عاما حيث ولد في الرابع والعشرين من مارس عام 1942 في مدينة ميونيخ بألمانيا، وهو ابن الممثل الألماني فريتز هانكي والممثلة النمساوية بياتريكس فون ديجينشيلد، التحق بجامعة فيينا لدراسة الفلسفة، علم النفس والدراما، تزوج من سوزان هانكي في عام 1983، ومازال هذا الزواج قائما حتي الآن. بداياته المهنية بعد تخرجه من الجامعة، لم يحرز أي نجاح في محاولاته الأولي في التمثيل والموسيقي، وعمل ناقدا سينمائيا وفي الفترة من 1967 حتي 1970 عمل في الإعداد التليفزيوني لبعض المسرحيات وذلك في التليفزيون الألماني، وشهد عام 1974، بداية عمله كمخرج تليفزيوني حيث أخرج أحد عشر فيلما تليفزيونيا في الفترة من 1974 حتي 1997 . إبداعاته السينمائية قليل من الأفلام السينمائية.. كثير من الكلام والجدل المعروف أن هانكي أخرج إحدي عشر فيلما روائيا طويلا من خلال مسيرته السينمائية التي امتدت من عام 1989 حتي الآن، وكان أول فيلم سينمائي روائي طويل له في عام 1989 وهو «القارة السابعة» والذي ينتهج فيه أسلوبه الجريء والعنيف والذي ازدهر في السنوات التالية، وبعد مرور ثلاث سنوات فيما بعد، وضع فيلم هانكي المثير للجدل «فيديو بيني» (1992) وضع اسم هانكي علي خريطة السينما العالمية. وجاء أعظم نجاح حققه هانكي في عام 2001 مع الفيلم الفرنسي الذي قوبل باستحسان نقدي كبير وهو فيلم «عازفة البيانو» بطولة الممثلة الفرنسية إيزابيل هوبير التي تقوم بتدريس العزف علي البيانو في كونسرفتوار فيينا، وهي شخصية حادة لا تقبل أي تهاون أو خطأ بين أفراد المجموعة من الطلبة التي تدرس لهم العزف علي البيانو، بالرغم من أنها في بداية الأربعينات إلا أنها شخصية مريضة نفسيا وجنسيا، ينتهي الفيلم بالانهيار التام لجميع العلاقات الإنسانية، الأمر الذي يدفعنا لضرورة البحث عن بارقة أمل، يعود هانكي إلي أسلوبه الغامض والجرأة في التناول والغوص في أعماق النفس البشرية المجهولة. كما عمل هانكي مع النجمة العالمية الفرنسية جولييت بينوش وهي من أعظم ممثلات العالم منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي والتي كرمها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ34 عام 2010 وذلك بعد أن عبرت النجمة الفرنسية عن رغبتها وولعها الشديد بالعمل معه، فعملت معه في فيلمي «شفرة مجهولة» "2000" وفيلم «المستور» أو «الخبيئة» "2005"وزعت رسائل وشرائط فيديو مجهولة لمشاهد عنف روعت زوجين في مقتبل عمرهما، يبدأ الزوج وهو مذيع التليفزيون الفرنسي «دانييل ك. أوتوي» في البحث عن ماضيه وعمن يكون قد أرسل له تلك الرسائل والشرائط التي تمس حياتهما الشخصية، يعد الفيلم من أفلام الإثارة والغموض. شهد مهرجان كان السينمائي الدولي عام 2006 العرض الأول لفيلم هانكي «الشريط الأبيض» الفيلم أبيض وأسود، وتدور أحداثه في عام 1913 وتعالج أحداثاً غريبة وقعت في قرية صغيرة في شمال المانيا قبل الحرب العالمية الأولي، يصور الفيلم الجو العام المحيط الاستبدادي الأشبه بالفاشيستي حيث يخضع الأطفال لأوامر صارمة قاسية ويعانون من عقوبات قاسية مؤلمة تؤدي إلي حدوث سلسلة من جرائم قتل تقع في القرية، يشتبه في القيام بها عدد من هؤلاء الأطفال، أكد المخرج أن قصة الفيلم تعد نموذجا لبدايات جميع الإرهاب سواء السياسي أو الديني يدين الفيلم أسلوب التربية الشديدة والقمع من قبل الآباء للأبناء والذي كان سائدا في بداية القرن العشرين. يعتقد هانكي أنه يجب علي الأفلام ان تقدم للمشاهدين مساحة أكبر للتخيل والتفكير العميق، فالأفلام التي تحمل قدرا كبيرا من التفاصيل والوضوح الأخلاقي، يبرهن هانكي علي أنها لاستهلاك عقول المشاهدين التي تعجز عن التفكير والتأمل، وفي أحوال كثيرة، يصعب علي الجماهير التحقق من فلسفة هانكي والرسال مثل الصحيحة التي يرغب أن يوضحها في أعماله. تظهر بعض أفلامه الزوجين البرجوازيين كنمط ثابت تعوزه السمات الفردية ويسميان آن وجورج، وذلك في أفلامه «القارة السابعة» "1989"، «فيديو بيني» "1992"، «العاب هزلية» "1997"، «شفرة مجهولة» "2000"، «زمن الذئب» "2003"، «المستور» "2005"، هوية الزوجان بالإضافة إلي هذين الممثلين اللذين يجسدانهما دائما ما يتغيران من فيلم إلي آخر. شهد مهرجان كان السينمائي الدولي عام 2012 العرض الأول لفيلم «حب» سيناريو وإخراج مايكل هانكي، وهو الفيلم الحادي عشر في مسيرة حياته السينمائية حتي الآن، تركز قصة الفيلم اللذيذة والمؤلمة، تركز علي زوجين في العقد الثامن من عمرهما مما دعي المخرج الاستعانة برمزين من رموز السينما الفرنسية بعد أن أعادهما للتمثيل مرة أخري بعد ابتعادهما عن التمثيل منذ سنوات وهما جان - لوي ترينتينان في دور الزوج جورج زوو «إيمانويل ريفا» في دور الزوجة آن، وهما استاذان لتعليم البيانو والآن أصبحا متقاعدين يعيشان حياة هادئة داخل إحدي شقق مدينة باريس، ولكن إصابة الزوجة بجلطة في المخ سببت لها شللا في أحد جانبيها، وامتدت آثار الشلل لتصبح غير قادرة علي الحركة، الأمر الذي وضعهما في مرحلة التحدي الأكبر في حياتهما الزوجية حيث تبدأ رحلة آلام الزوجة ومساندة الزوج لها، يستعيد الزوجان كل لحظات الحب الجميلة بينهما، فاستعادة ذكريات الماضي وتفاصيل السنوات الطويلة التي قضياها سويا، كان بهدف تجاوز الكثير من اللحظات القاسية التي يعيشها كل منهما أخيراً. عمل المخرج علي استثمار ملامح العجائز الطبيعية لبطليه «جاوز كل منهما الثمانينات» وهي الخطوط الدقيقة في وجهيهما، النقط البنية التي تتناثر علي أيديهما وحركة الزوج البطيئة، كما ركز المخرج علي عمق المشاعر بين الزوجين في الأيام الخوالي المحملة بالذكريات وتعكس مشاعر الحب الرقيقة، كما استعان بفواصل من الموسيقي الكلاسيكية لـ«بيتهوفن» شوبان وباخ لتصاحب جميع مشاهد الحب، يؤثر فيك أحداث الفيلم تأثيراً بالغا بالرغم من أنها تدور داخل شقة في باريس، وقد ركز المخرج علي مسيرة الموت التي لا فكاك منها، فلم يتحمل الزوج العاشق أن تتحول محبوبته إلي هذا الكائن الجامد المشاعر الذي لا حراك فيه، فجاءت نهاية الزوجة مأساوية فلم يكن أمام زوجها المحب العاشق إلا أن يوفر لها موت الرحمة فقام بخنقها بعد أن تلاشت الذكريات الجميلة والتدفق العاطفي بينهما. قالت ماري كورلس، ناقدة مجلة «تايم» الأمريكية في معرض نقدها للفيلم «أيا كانت رسالته سيبقي سحر هذا الفيلم المتوهج ذكري راقية في تاريخ الأفلام العاطفية، ستبقي ذكراه إلي الأبد. أثناء المؤتمر الصحفي الذي أعقب تسلمه جائزة السعفة الذهبية، قال هانكي إنه فيلم شخصي جدا لأنه ونفسه واجه نفس الموقف: «لقد واجهت نفس الموقف في عائلتي وتأثرت للغاية، لهذا السبب بدأت في تقديم هذا الفيلم، وكل ما قدمته هو نوع من الربط والمزاوجة» كما أشار هانكي أيضا إلي زوجته قائلا: «هذا الفيلم صورة توضيحية للعهد الذي قطعه كل منا للآخر، إذا ما وجد أي منا نفسه في هذا الوقت، هذا هو ما وصفته في الفيلم» ومن أقوال هانكي الساخرة «تقدم السينما دائما 24 كذبة في الثانية في خدمة الحقيقة أو في خدمة محاولة اكتشاف الحقيقة. جوائز عديدة فاز فيلمه «عازفة البيانو» "2001" بالجائزة الكبري وهي الجائزة التالية في الأهمية بعد السعفة الذهبية، كما فازت بطلة الفيلم الممثلة الفرنسية الشهيرة إيزابيل هوبير بجائزة التمثيل النسائي «بينوا ماجيمال» بجائزة أحسن ممثل وذلك في مهرجان كان السينمائي الدولي عام 2001 . فاز هانكي بجائزة أحسن مخرج عن فيلم «المستور» "2005" من مهرجان كان السينمائي الدولي عام 2005، كما رشحت بطلة الفيلم جولييت بينوش لجائزة الفيلم الأوروبي لأحسن ممثلة. فاز فيلم «الشريط الأبيض» بجائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي الدولي عام 2009 كما فاز أيضا بجائزة الكرة الذهبية لأحسن فيلم أجنبي ناطق بلغة غير الإنجليزية في جوائز الكرة الذهبية لعام 2010 . صدق أعضاء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ 65 لعام 2012 علي حبهم للمخرج النمساوي الكبير بمنحه جائزة السعفة الذهبية عن فيلمه «حب» وبحصول هانكي علي هذه الجائزة للمرة الثانية يصبح العضو السابع في نادي الصفوة الذين فازوا بهذه الجائزة الرفيعة مرتين بعد: فرانسيس فورود كابولا، إيماسورا، الشقيقان البلجيكيان داردين، الف سجوبيرج، بيل أوجست، أمير كوستاريستا وليس أمير كوستاريكا. أعماله المسرحية أخرج هانكي عددا من المسرحيات باللغة الألمانية والتي تتضمن أعمال ستريندبرج، جوتة وهنريك فون كليست وذلك علي مسارح برلين وميونيخ وفيينا، كما سجل عام 2001 بداية عمله كمخرج أوبرا مقدما دون جيوفاني لموتسارت، وفي عام 2012 تم اختياره لإخراج بعض المسرحيات علي مسارح مدريد بأسبانيا.

جريدة القاهرة في

03/07/2012

 

 

في السينما..

الجزائر وفرنسا يلعبان القط والفار

بقلم : محمود قاسم 

لا أدعي أنني فقيه في شئون السينما والأفلام الجزائرية حتي أكتب هذا المقال، ولكن كل ما يمكن أن أقوله إن هناك حالة من الجيشان العاطفي التاريخي تربطني بالجزائر كدولة، وبثقافتها رغم أن الجزائر هي واحدة من البلدان العربية القليلة جداً التي لم أقم بزيارتها فقط حتي الآن. تولدت هذه الحالة منذ سنوات عمري الأولي، حين شاهدت فيلم «جميلة بوحريد» ليوسف شاهين وأذكر أن هواة مشاهدة الأفلام من سكان حارة الفهد بكرموز، قد شجعوا بعضهم مراراً، لنري الفيلم أربع مرات في أسبوع واحد بسينما «النيل»، وكنا نخرج حزاني لما حدث للمناضلة الجزائرية الذين قصوا لها شعرها وعذبوها، فلما جاءت جميلة نفسها لزيارة مصر عقب إطلاق سراحها، صرنا نتابع أخبارها وقد غمرتنا فرحة عارمة. كما أن أغنية «عبدالحليم حافظ» شعب الجزائر، كانت تتردد في أفئدتنا بالقوة نفسها التي كنا نسمع بها أغنيات ثورة يوليو.. وكنا نحب أحمد بن بيللا كأنه نجم سينمائي، فلما قام الانقلاب من طرف بو مدين كرهنا صورته الدميمة قياسا إلي وسامة بن بيللا، لكن ما لبثنا أن أحببناه بشدة وهو يسدد بعضاً أو كل ـ لا أذكر ـ الديون العسكرية المصرية في عام 1973. الآن، بعد نصف قرن من تحرير الجزائر وبمناسبة هذه الاحتفالية فإن أقل ما يمكن عمله هو أن نكتب عن هذه السينما، ومسيرتها وصعود مخرجيها، والنجاحات التي حصلوا عليها، خاصة أنه علي مدي عشرين عاما جمعت الأدلة السنوية للإنتاج السينمائي في البلاد العربية، وكل ما يمكن أن يقع بين اليدين، وأيضا المراجع والكتب، وقد قربت المواقع الاليكترونية بيننا وبين أفلام الجزائر، فصارت أقرب إلي الوجدان. سلام جديد ولو تابعت هذه المراجع وقرأت تاريخ السينما الجزائرية، خاصة فيما يتعلق بالأفلام الروائية فسوف تجد أن هذه السينما صارت «موجودة» بعد عامين فقط من استقلال الجزائر، حيث إن القوائم تشير إلي أن الفيلم الأول هو «سلام حديث العهد» لجاك شاربين. وبالنظر إلي تاريخ هذه السينما وموضوعاتها طوال نصف قرن أو ما يقرب فسوف تلاحظ أن الجزائريين بشكل خاص في السينما قد ارتبطوا مصيريا بفرنسا من خلال مرحلتين رئيسيتين الأولي هي أفلام يحارب فيها الجزائريون مستعمرهم السابق، والحصول علي الاستقلال وقد استمرت هذه المرحلة عمريا ما يقارب السنوات العشر أو يزيد قليلا. وبعد أن استنفد الجزائريون سبل التغلب علي الاستعمار في الأفلام من خلال قصص كفاح ونضال، فإن الأفلام التالية في أغلبها، قد ارتبط فيها الجزائريون بالدولة الفرنسية، يسعون إلي الهجرة هناك وأصبح موضوع الهجرة والأجيال المتعاقبة التي أفرزتها البلاد بعد الاستقلال هو الشاغل الرئيسي للسينمائي الجزائري، وسعي الكثيرون من صناع الأفلام إلي فرنسا، بحثا عن متفرج أكثر اتساعاً وعددا وقد هاجر أغلب السينمائيين الكبار في الجزائر إلي فرنسا وصاروا فرنسيين، لكنهم ظلوا مرتبطين بالجزائر، وحملت أفلامهم جنسية مزدوجة في هذا الشأن، والرائع أن الموضوعات نفسها ظلت أماكنها تقع بين فرنسا والدولة التي احتلتها مائة وثلاثين عاما. وفي السنوات الأولي من عمر هذه السينما، سوف نجد أفلاما مشتركة الإنتاج تقريبا تعبر عن ثقافة تخلط بين البلدين ومن المهم هنا أن نشير إلي روايتين فرنسيتين، تم إنتاجهما لتحسبا الفيلمين جزائري- فرنسي، الأولي هي رواية «الغريب» لأليبر كامي، التي اخرجها لوكينو فيسكونتي عام 1968، ورغم أن الفيلم فرنسي - إيطالي، إلا أن أحداثه كلها تدور في الجزائر باعتبار أن بطل الرواية ميرسو من ذوي الأقدام السوداء، أي هو الفرنسي الذي لم يعرف لنفسه وطنا إلا الجزائر، وقد خلا الفيلم تقريبا من وجود فنانين جزائريين، حيث اسندت البطولة إلي مارشيللو ماستروياني وممثلات من فرنسا. أما الفيلم الثاني فهو «إليز أوالحياة الحقيقية» عن رواية للكاتبة الفرنسية كليرا تشيرللي التي تحدثت حول تجربة شخصية عن امرأة تحب شابا جزائريا مناضلا اسمه ارزقي، وقد اخرج الفيلم ميشيل درامس، وقامت بالبطولة ماري جوزيه نات، وقام بدور ارزقي الممثل محمد شويخ الذي صار مخرجا فيما بعد، الفيلم تدور أحداثه في باريس، أي بعيداً عن أرض الجزائر. لم يكن عدد هذا النوع من الأفلام غالباً.. لكن الملاحظ فيه أنه كان من الصعب أن نعرف الحدود الفاصلة بين ما هو جزائري أو فرنسي. التعذيب من ناحية أخري فإن الجزائريين راحوا ينتقمون من المستعمرين السابقين لعمل أفلام حربية من طراز «فجر المعذبين» لأحمد راشدي، وأيضا «رياح الأوراس» لمحمد لاخضر حامينا الذي كشف عن موهبة متدفقة لصانع الفيلم، حول عائلة جزائرية دمرتها الحرب تتكون من ثلاثة أشخاص، الأب والأم والابن، فالعائلة تخشي الحياة بشكل طبيعي، يجد الابن نفسه في دوامة عقب مقتل أبيه أثناء هجوم قوات الاحتلال، ينضم الابن إلي جيش التحرير الوطني ويتولي مسئولية الأسرة، في النهار يمارس عمله الوظيفي، وفي المساء يعبر الجبل محملا بالمؤونة للجنود، ويحدث أن تعتقل قوات الاحتلال الشاب وتبحث عنه الأم من معسكر إلي آخر دون كلل أو يأس، تجتاز الأماكن، وتزحف التجاعيد إلي وجهها، ثم يعود الابن الغائب ذات يوم. بدا السينمائيون في الجزائر كأنهم يقومون بمد الفترة الزمنية لحرب الاستقلال وعن هذه الحرب انتجت الجزائر الفيلم الشهير «معركة الجزائر» من إخراج الإيطالي جيلو بونتكورفو، وهو فيلم إيطالي أقرب منه جزائريا من خلال العاملين فيه، لكن الجزائر ساهمت في تحويل الفيلم الذي تدور أحداثه في أكتوبر من عام 1957 في الجزائر، حيث يبدو السكان جميعهم في القصبة يراقبون من الشوارع والمنازل والشرفات تضحيات الجزائري «علي»، وتأكيدات الكولونيل الفرنسي ماتيو من أنه واثق بأنه قام يدحر حركة المقاومة الجزائرية. وفي ديسمبر من عام 1960، أي بعد ثلاث سنوات لا تبدو أي بادرة علي أنه سيتم إعادة تنظيم منظمات التحرير أو وجود أي نشاط للفدائيين في المدينة، وكأن ما قاله الكولونيل قد تحقق فعلاً. إلا أنه فجأة ينفجر البركان، ويخرج الشعب الجزائري في الشوارع والميادين في مجموعات كبيرة حاملين علم الجزائر الجديد، والجميع يهتف بأعلي صوته من أجل استقلال البلاد وحريتها، وبعد عامين من هذا التاريخ، وفي الخامس من يوليو 1962، تولد الجزائر الحرة. وظلت السينما الجزائرية تعزف علي الموضوع نفسه، من أفلام ينتجها المركز الوطني للسينما مثل الإسلام حديث العهد، الذي تدور أحداثه حول الجيل الجديد الذي وجد نفسه جزائريا عقب الاستقلال، وأيضا فيلم «الليل يخاف من الشمس»، لمصطفي بديع عام 1965، وفيلم «الخارجون عن القانون» لتوفيق فارس، حول موضوع مشابه، إلا أن مجلة «السينما الأفريقية» كتبت: «إن هذا الفيلم أبعد ما يكون عن روح حرب التحرير، فقد عولج بطريقة أفلام رعاة البقر.. وهو يثير وجود قطّاع طرق محبوبين، في جبال الأوراس غداة الحرب العالمية الثانية، قطّاع طرق.. عواطفهم لها بعض المظاهر السياسية..ولكن توفيق فارس عرف كيف ينسج خيوط القصة باقتدار». خليط جزائري فرنسي رغم أن طاقم العاملين كان أغلبه من الجزائريين فإن هذه الأفلام كانت تضم عناصر فنية فرنسية مثل الموسيقار جورج موستاكي الذي وضع الموسيقي التصويرية. وقد شاع في هذه السنوات عمل أفلام تتضمن أكثر من قصة علي غرار ما كان يحدث في إيطاليا ومصر في بداية الستينات من القرن العشرين، والموضوع متقارب حول المواجهة العسكرية بين جبهة التحرير الجزائرية، والقوات النظامية للاحتلال الفرنسي، وتأتي التعليقات الإعلانية لهذا الفيلم علي سبيل المثال علي الشكل التالي: «إن انطلاق الكفاح المسلح كان لابد أن يندلع من وسط الجماهير الريفية التي تعرضت أكثر من غيرها لظلم واغتصاب النظام الاستعماري». حدث هذا بالنسبة لفيلم «قصص من الثورة التحريرية» اخراج رابح العراجي وكما نري من عنوانه المباشر، أن الهدف منه هو اثبات النصر الجزائري سينمائيا علي المستعمر الفرنسي. ورغم أن هذه المرحلة ستطول بعض الوقت حتي أنها سادت في فيلم «وقائع سنوات الجمر» عام 1974 لمحمد لاخضر حامينا، فإن هناك أفلاما تم إنتاجها في بداية السبعينات، لم تتدخل عن الحس الوطني، لكن بعيدا عن أجواء الحرب. ففي فيلم «تحيا يا ديدو» لمحمد زينات عام 1971 فإننا نري سائحين من فرنسا، رجل وامرأته يزوران العاصمة يبدو سيمون، ـ الزوج ـ محتارا.. أما امرأته ـ وهي باريسية ـ فتندهش للغرابة التي حولها. وتشعر بالسعادة لما صارت عليه الجزائر عقب الاستقلال، والفيلم بمثابة رحلة في العاصمة، ويكشف المخرج وهو أيضاً بطل الفيلم ومؤلفه أن العاصمة هي موطن التناقضات والتحولات التدريجية، وكل شخص يحمل في نفسه صورة خاصة عن الشعب الذي يواصل كفاحه، من أجل جزائر جديدة تماماً. نحن في فيلم كوميدي صنعه المخرج علي طريقة «عسل أسود» فهناك انتقاد لهذا التناقض الذي يعيشه الجزائريون سكان العاصمة، ويحدث أن يلتقي سيمون في أحد المقاهي بأحد الجزائريين الذين سبق أن عذبهم، وبينما هذا الرجل ينظر إلي سيمون نظرة قاسية فإن عقل المحتل يضطرب وتتملكه مشاعر الخوف ويكشف الفيلم عن طرق التعذيب التي كان الفرنسيون يمارسونها ضد الجزائريين. الفحام ورغم أننا لسنا أمام فيلم حربي فان ذكريات الأمس عن الحرب تظل ماثلة، فسيمون هذا كان يمارس مهنة الجلاد علي الجزائريين وهذا الرجل الذي عذب هو الآن ضرير، ويخلص الفيلم حسبما جاء في كتالوج السينما الجزائرية إلي أن المناضلين دفعوا ثمنا غاليا في سبيل استقلال بلادهم، لكن لهم أمل كبير وثقة لا تنفصم في المستقبل الذي يمثله الشباب. لعل أول فيلم عن الهجرة الداخلية كان هو «الفحام» الذي أخرجه محمد بوعماري عام 1972 لأن قسوة الحياة في الجبال الجزائرية والضواحي البعيدة تدفع برجل فقير يدعي بلقاسم الفحام ان يترك مسقط رأسه ويذهب إلي العاصمة باحثا عن عمل آخر.. وقد بدا لأول مرة ان المخرج الجزائري ترك مسألة صراعه مع المستعمر السابق، إلي صراعه مع البيئة القاسية التي يعيش فيها المواطن الجزائري، ولعل الناقد أ. جمعي قد كتب في جريدة «الجمهورية» الجزائرية ما يتفق وهذا المعني: إن فيلم الفحام يمتاز باندراجه في الواقع الراهن لجزائر 1972، بتحولاته وواقعيته بمشاكله الراهنة وهذه الأرض التي لاتزال تحوي كل معاني الحب والاضطهاد في الإنسان. وهكذا ظلت السينما الجزائرية حتي منتصف السبعينات أقرب إلي التربوية، أو الموجهة لتلعب دورا اجتماعيا وبدا ذلك في فيلم «الأسر الطيبة» الذي انتجته ما يسمي بالمجموعة السينمائية التابعة لجبهة التحرير الوطني، والفيلم الذي أخرجه جعفر دامرجي يحاول طرح مسألة الروابط العائلية الموجودة بين الريف والمدينة، لقد صارت فكرة الهجرة إلي العاصمة هي الهاجس الأول للهجرة الأطول فيما بعد، فقصة هذا الفيلم تبدأ مع الاستقلال، حيث يشغل عمال الجزائر الأرض الشاغرة ولا تلبث الدولة الجديدة أن تمسك بزمام الأمور ويساهم العمال في عمليات التأميم. وأنت حين تري هذا الفيلم تحس كأن هيئة استعلامات هي التي صنعت الفيلم، وكأنما الدولة ليست قادرة ان تطلق العنان لمبدعيها لاختيار موضوعات مختلفة. حتي جاء العام 1974 فكرست الدولة كل ميزانية السينما في عام واحد لإنتاج فيلم «وقائع سنوات الجمر» من إخراج لاخضر حامينا الذي حصل علي جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان، وهو فيلم جديد حول كفاح الشعب الجزائري في الفترة بين عامي 1939 و1954 أي قبل اندلاع ثورة التحرير والفيلم هو أيضاً عن علاقة الريف بالحضر، فالمكان الرئيسي هنا هو قرية تعاني قلة المياه، ويمكن لأبناء الأسرة الواحدة ان يتقاتلوا من أجل قطرة ماء. انه الموضوع الذي أرق السينمائي الجزائري في النصف الأول من السبعينات وبالفعل فان الأسرة تترك القرية وترحل إلي حيث رحل السابقون من أهل القرية، وفي المدينة فان أحمد رب الأسرة يتعرض للاستقلال وقسوة المستعمر والإهانة، فيثور ويتعرض للتشكيل علي أيدي الشرطة الفرنسية. ديسمبر 1971 وهذا الشخص لكثرة ما تعرض لوسائل الضغط، فانه يحاول الخروج من الخناق الذي يحوطه ويسعي لتجميع القوي الثورية التي عليها ان تحارب المستعمر ونحن لن نحكي الفيلم هنا لكن لا شك أنه شهادة الميلاد الحقيقية للسينما الجزائرية وفيما بعد سوف تبدأ الجزائر في تقديم أسماء مخرجيها الجدد، وكلهم موهبة وعطاء، وقد عزّ علي لاخضر حامينا أن يبتعد عن الموضوعات الوطنية، ففي فيلمه «ديسمبر 1971» كان قد تحدث عن حرب التحرير الوطني. لعل مرزاق علواش في فيلمه «عمر قتلاتو» هو من أوائل من تحدثوا عن معاناة الجزائري الفرد في أفلامه وقد بدا ذلك واضحا في سلسلة أفلامه ومنها هذا الفيلم الذي يروي قصة شاب أقرب إلي «ميرسو» بطل «الغريب» انه عمر الذي يعيش مع أسرته في منزل ضيق مزدحم بإخوته وأيضا الشارع فهو يعمل في وظيفة تثير الملل، ولا جديد في حياته من يوم لآخر، انه يفتقد إلي شريك ويعاني الوحدة، يحاول ان يقيم علاقة مع فتاة سمع صوتها ذات مرة مليئا بالشجن لكن لا يدري كيف يتواصل معها، كأنه أشنباغ في «الموت في فينيسيا» يعمل موظفا في مكتب صغير، تعترضه عصابة وتسرق نقوده وتترك جرحا في وجهه ورغم انه يتواصل مع فتاة أحلامه، إلا أنهما لا يلبثان ان ينفصلا فيعود إلي سيرته الأولي. بدت السينما مع أفلام محمود زموري وكأنها تطلق موضوع حرب التحرير ليس هناك آخر في أفلامه وهذه هي المشكلة وقد استكمل الزموري مسيرته في أفلام مثل «سنوات التويست المجنونة» 1986 و«شرف القبيلة» المأخوذ عن رواية كتبها رشيد ميموني، أما الفيلم الذي يمكن اعتباره نقطة تحول فهو «خذ عشرة آلاف فرنك وارحل» عام 1981، وهو حول الهجرة المعاكسة حيث ان رئيس الجمهورية ميتران اقترح بمنح كل عائلة ترغب في العودة إلي الجزائر أن تحصل علي هذا المبلغ ولكن العائلة التي تعود لا تلبث ان تصطدم بالواقع الجزائري وتعرض الفرق بين الحياة الباريسية وحياة أخري في مدن الجزائر وقراها. صارت الهجرة وقوة الرغبة في الذهاب إلي بلاد المستعمر السابق هي الهاجس الأساسي لدي الجزائريين وقد عكست أفلام الثمانينات كل الأمور المتعلقة بالهجرة إلي باريس، سواء الهجرة الشرعية أم مسألة مكانة المرأة في موضوع الهجرة، فالرجل هو وحده المعني بالهجرة وعلي المرأة ان تبقي في البيت الجزائري الضيق، تنتظر أن يعود أو ليس الشرقي من هجرته الواسعة. مغامرات ولكن وبدأت أسماء جديدة تفد إلي صفحة العطاء السينمائي لعل مرزاق علواش هو الأبرز بعد فيلم «عمر قتلاتو» ثم في «مغامرات بطل» 1977 و«رجل ونوافذ» 1982 وذلك قبل أن يتناول موضوع الإرهاب المرتبط بالأحداث السياسية الدامية التي شهدتها الجزائر في العقد الأخير من القرن الماضي. جاءت أهمية علواش أنه صنع أفلاما جزائرية بتمويل فرنسي ونجح في عمل إنتاج مشترك بين الدولتين وكانت الأرض الجزائرية موجودة دوما في أفلام مثل «باب وادي الحومة» «الجزائر - بيروت، للذكري» و«أهلا بك يا ابن العم» الذي يتعرض لوضع الجزائريين في الجزائر وفرنسا ومن هؤلاء عليلو الذي يصل من الجزائر العاصمة إلي باريس ليعمل بتجارة مشبوهة وهناك يستقبله ابن عمه الذي ولد وعاش في باريس طوال عمره وخلال إقامة قصرية للشاب الجزائري في فرنسا يصدر لنا الفيلم الضغوط في المجتمع الفرسي من خلال الانبهار الدائم الذي يعيشه عليلو وقسوة الحياة الباريسية من خلال الأعمال المتعددة التي يضطر ابن العم للقيام بها، ويبقي الجزائري في باريس من أجل حبيبته، دون أن يعلم ان ابن عمه الفرنسي قد تم ترحيله إلي الجزائر لضلوعه في قضية مشبوهة. هذه الهجرة والعودة صارت هاجسا لدي جيل بأكمله في الواقع وفي السينما وقد أقام مخرجو أغلب هذه الأفلام في باريس لكنهم صنعوا طريقا ما يربط بين فرنسا والجزائر ولعل رشيد بوشارب هو أحد من اهتموا بهذا الموضوع في أفلام عديدة ومنها «شاب» 1991 الذي يتحدث عن الشاب مروان الذي يبلغ سن التاسعة عشرة يحمل الجنسية الجزائرية ويعيش في باريس ولم يعش قط في وطنه الأصلي.. وفجأة يجد نفسه مطرودا إلي الجزائر إلي بلد لا يعرف لغته أو عاداته، في أحد الأيام تأخذ السلطات الجزائرية منه جواز سفره وترسله إلي جنوب الجزائر لأداء الخدمة العسكرية وهناك يواجه عالما صعبا وسط الصحراء ويشعر زملاؤه في الوحدة العسكرية كم هو مختلف عنهم، يصدم مروان من المصير الذي يواجهه لقد تم ترحيله من بلد يحبه ويعرفه جيدا إلي بلد آخر يرفضه ويحدث ان يلتقي مروان بفتاة تدعي مليكة، إنها ذات نزعة تحررية، تحول مساعدته في العودة مرة أخري إلي فرنسا. في عام 1986 عاد لاخضر حامينا للسينما لمرة واحدة وخاطفه وصنع فيلما ينتمي إلي السيرة الذاتية شاركت فيه مؤسسة السينما الوطنية بالجزائر تحت عنوان «الصورة الأخيرة» ليتكلم عن مدرسة فرنسية تأتي للعمل في إحدي القري الجزائرية مع بداية الحرب العالمية الثانية وهناك تواجه بتقاليد مجتمع حيث تناقض مشاعر الناس تجاه المدرسة، فهناك من يحبها مثل تلميذها الشاب الصغير «مولود» الذي تنتابه مشاعر عاطفية نحوها إلا أن القرية كلها تقف ضدها لأنها تحب شابا يهوديا، وفي النهاية تجبر أن ترحل بعيدا عن هذه القرية. نصف قرن ثورة الآن وطوال التاريخ الذي يبلغ نصف قرن من الثورة والسينما تمتلئان أجندة السينما الجزائرية بالمخرجين وكتاب السيناريو مثل الأمين مرباح، والغوتي بن ودوش ومحمد شويخ، لكن من المهم التوقف عن أبناء الجيلين الثاني والثالث للمهاجرين، انهم الصغار الذين ولدوا في باريس عاشوا داخل هويتين فرنسية في الحياة وغربية داخل البيوت لا يتكلمون العربية وقد استخدم بعضهم الأدب لمخاطبة الجمهور الفرنسي مثل مهدي شارف، الذي نشر روايته الأولي «الشاي في مخدع آرستي أحمد» وبمجرد نجاحها حتي حولها كوستا جافراس وزوجته إلي فيلم حصل علي جائزة سيزار واستمر شارف يخرج أفلاما فرنسية الهوية والموضوعات لكنه مع بداية القرن الحالي عاد مرة أخري إلي الجزائر ليقدم أفلام انتاج مشترك مثل فيلم «خراطيش فرنسية» حول طفل جزائري في العاشرة يعيش في مدينة تقع في الغرب الجزائري عام 1962 وتنتقل الكاميرا بعين الصغير علي صورة الحياة في الجزائر التي تستعد للحرية بينما ينسحب الجيش الفرنسي إلي الأبد. أما فيلمه «بنت كلثوم» عام 2002 فهو عن فتاة في التاسعة عشرة من عمرها تدعي غالية تقرر مغادرة فرنسا والعودة إلي بلدها الأصلي الجزائر، بحثا عن أسرتها، أمها وأبيها. أما المخرج الذي لا يمكن تجاهله فهو أحمد راشدي الذي نشعر كأنه أقرب إلينا نحن المصريين فهو الذي أخرج الفيلم الروائي التسجيلي «أنشودة الوداع» حول حفلات غنائية سجلها عبدالحليم حافظ في أوروبا، كما أنه من أوائل المخرجين الجزائريين الذين استعانوا بالأدب الجزائري الحديث لتحويله إلي أفلام مثلما فعل عام 1969 في «الأفيون والعصا» عن رواية لمولود معمري، كما أنه استعان بالممثل عزت العلايلي ليقوم ببطولة فيلم «الطاحونة» عام 1986، ومن أفلامه التي ناقشت قضية الهجرة «علي في بلاد السراب» من خلال علي الذي هاجر إلي باريس وهو يمتلك طريقة في العيش تمكنه من الحفاظ علي الهدوء والطمأنينة وراحة النفس رغم كل العقبات التي يعانيها في المجتمع الغربي، انه يعمل في وظيفة وضيعة يقوم بشراء منظار مكبر ويستخدمه في مراقبة وقائع الحياة في المدينة ويكتشف الوجه الحقيقي لهذه الحياة، وهو يحقق مكاسب من خلال يناصيب، لكنه لا يلبث أن يعود إلي سيرته الأولي كفقير. ذات صباح يكتشف من خلال منظاره عجوزا يحتضر يهرع لمساعدته لكنه يصل متأخرا فالعجوز قد فارق الحياة ويتهم أنه قتله. ويري أحمد راشد ان السعادة شيء نسبي قد لا يتحقق حتي وإن كنت من المهاجرين، لا شك ان مسيرة سينما طوال نصف قرن لا يمكن إيجازها في مقال خاصة أنها سينما تنامت بقوة في سنوات بعينها، وهناك مراجع عديدة باللغة الفرنسية حول هذه السينما لكن المراجع العربية قليلة للغاية.

جريدة القاهرة في

03/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)