حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

عبد الإله الجوهري :

الحرية في المغرب طورت السينما

ضـاويـة خلـيـفة - الجزائـر

 

من الوجوه السينمائية التي اعتادت زيارة الجزائر والمشاركة في لقاءاتها السينمائية ومهرجاناتها السنوية الناقد والمخرج السينمائي المغربي عبد الإله الجوهري، واحد من المخرجين المغاربة الشباب الذين شغفهم حب السينما فكانوا أحسن السفراء في الخارج و الداخل، بإنتاجات جعلت السينما المغربية من السينمات الرائدة اقليميا و دوليا، فالحديث عن السينما المغربية يجرنا للحديث عن تفوقها الذي اشتمل على عدة عوامل أبرزها تشجيع الدولة، التكوين السينمائي الجيد و كذا العمل والاحتكاك بأكبر المخرجين العالميين، في حين تبقى ندرة صالات العرض احدى نقاط ضعف السينما المغربية، هذه الأفكار وأخرى سنفصل فيها من خلال هذا الحوار الذي جمع الجزيرة الوثائقية بالناقد والمخرج المغربي عبد الاله الجوهري، صاحب الفيلم القصير ''كليك و دكليك'' المتوج مؤخرا بالجائزة الكبرى لأحسن فيلم قصير بالدورة الثانية لمهرجان نابل الدولي للفيلم العربي.

السينما المغربية اليوم تحتل مكانة متقدمة عربيا، فإلى أي مدى ساهمت الحرية التي منحتها الدولة للمبدع في الوصول الى هذه المكانة، ما جعلها في المرتبة الثانية بعد السينما المصرية عربيا؟
إلى حد الساعة تعتبر السينما المغربية من السينمات العالمية و ليس العربية فقط الأكثر حرية، نحن لم نسمع و منذ أكثر من عشرين سنة أن فيلما مغربيا تم منعه أو مشاهد من فيلم ما حذفت، نحن إبداعيا على الأقل نتمتع بحرية مطلقة، وفي اعتقادي هذا هو السر الذي أعطى هذه القوة للسينما المغربية، فقد أنتجنا السنة الماضية أكثر من 80 فيلما قصيرا و أزيد من 23 فيلما روائيا طويلا، وعشرات الأفلام الوثائقية، و أظن أن هذا رقم ضخم و مشرف، و على أرض المغرب تصور عشرات الأفلام الأجنبية، و هذا دليل على أننا نتمتع بحرية مطلقة في ملامسة كل المواضيع حتى المحرمة منها كالجنس، السلطة والدين، نتمنى أن لا يظل هذا الجو الديمقراطي في المغرب فقط بل نتمنى أن يصل إلى دول عربية أخرى بما فيها الجزائر، لأنها تتوفر على مخرجين كبار ولا بد أن تعطى لهم حرية مطلقة في التعبير السينمائي، كما يجب ألا يحاكم الفن بمقاييس أخلاقية لأن كل فن له أهله و قوانينه التي تضبطه، فأتمنى أن يبقى هذا الجو بالمغرب و ألا تمس حرية المبدع المغربي، فالإبداع السينمائي و الإبداع عامة ليس له حدود.

·        من النقاط التي تثار في كل اللقاءات السينمائية ''الجرأة'' فهناك من يرفض هذه الجرأة التي يقدمها المخرج في أفلامه، بينما يدافع بعض المخرجين عن أفلامهم بحجة أن بعض المواضيع تتطلب تلك الجرأة ما تعليقكم، خاصة وأن في الدول العربية جمهور لم يتقبل نوعا ما هذا الأمر ؟

أن يكون هناك الرأي و الرأي المضاد يعني ذلك أننا نعيش في وسط فيه نقاش ديمقراطي، أنا أحترم من مع و من ضد، و لكن حتى لو كان موقفي ضد فلن أقف في وجه الإبداع، فلا يمكن أن نقف في وجه الإبداع، بل يجب أن يواجه الإبداع بالإبداع، فإذا كنت أرى أن الآخر يقدم لي صورة مشوهة عن مجتمعي و يتمادى في توظيف الجنس مثلا وإذا كان هذا موقفي فعليا في هذه الحالة أن أنتج أفلاما أخلاقية، السينما ليست كالتلفزيون عندما أنتج و أصور فيلما للتلفزيون سأدخل بذلك العمل إلى بيوت المشاهدين وبالتالي يجب أن أحترم المشاهد في منزله بينما الفيلم السينمائي عكس ذلك تماما، فهو يعرض في السينما والجمهور هو من يذهب لمشاهدة العرض بمحض إرادته، و بالتالي لا يفرض عليه في هذه الحالة فإذا أردت أن تشاهد فيلما فلتذهب إلى السينما و إن لم يعجبك الفيلم أو الموضوع الذي يطرحه المخرج فلا تذهب إلى السينما، و مع ذلك يبقى الموضوع محل نقاش.

·        يقال أن الإرادة السياسية بالمغرب ساهمت و بشكل كبير في تطوير الفعل السينمائي مقارنة بدول أخري التي لا تزال تفرض الرقابة على الاعمال السينمائية من مرحلة كتاب السيناريو الى أن يصبح الفيلم جاهزا للعرض ؟

صحيح فكل شيء يتوقف على الارادة السياسية، عندما تكون هناك ارادة سياسية في أي بلد و في أي مجال من المجالات فأكيد أن هذا المجال سيتطور، و هذا هو العامل الذي تمتلكه السينما المغربية، و أنا أقارن ما يجري الآن في المغرب بما كان يجري في الجزائر في الستينات من القرن الماضي، فبعد الثورة الجزائرية وبعد خروج الشعب منتصرا بعد مواجهته وتصديه للاستعمار الفرنسي كان هناك نوع من الحركية في المجتمع الجزائري وبالتالي هذه الحركية والإرادة السياسية شجعت المخرجين والسينمائيين على تصوير أفلام تمجد بطولات الشعب الجزائري وثورة الجزائر المظفرة، فأنتجوا أفلاما سينمائية كبيرة ك''وقائع سنين الجمر'' للمخرج الكبير محمد لخضر حامينة، و ''دورية نحو الشرق'' لعمار العسكري وغيرهم من المخرجين الجزائريين الذين قدموا أفلاما قيمة أو حتى المخرجين الأجانب ك''جيلو بونتيكورفو'' الذين استلهموا من ثورة مليون و نصف المليون شهيد، فالجزائر كانت في موقع الريادة. للأسف الآن لا أدري ما يجري داخل الوسط الفني الجزائري، لكن أقول إن هناك تراجع أتمنى أن لا يدوم طويلا، فالمغرب الآن في الريادة لأن هناك إرادة سياسية و السينما اليوم مدعّمة من أعلى سلطة في البلاد.. ثانيا عامل الحرية التي يتمتع بها المبدع المغربي ففي المغرب ممكن أن تصور أي موضوع تريده ولا أحد يتدخل ويقول لك ممنوع أن تصور هذا أو ذاك.. المقياس هو لمّا ينزل الفيلم الى السوق فيتم انتقاده أو إن كان سيقبل عليه الجمهور أم لا، فالاستقرار الذي نعرفه دفع بالعديد من السينمائيين لتصوير أفلامهم بالمغرب، مثلا لما يأتي ''ريدلي سكوت'' و يصور في المغرب فهذه دعاية لبلادنا، مثلا لما زار المخرج الأمريكي ''أوليفر ستون'' الجزائر العام الماضي رغم أن مروره في مهرجان الفيلم الملتزم كان سريعا، الا أن الأنظار اتجهت للجزائر، نحن مثلا في المغرب سمعنا بالخبر والكل التفت الى الجزائر وبالتالي هنا تتجلى أهمية الانفتاح على الأسماء العالمية الكبيرة من أمثال ''أوليفر ستون'' و ''ريدلي سكوت'' وآخرون فذلك يساهم في تطور السينما في أي بلد من البلدان.

·        اتخاد أرض المغرب مكانا لتصوير أعمال سينمائية عالمية ربما أكسبها مكانة و خبرة أثرى الرصيد السينمائي المغربي أليس كذلك ؟

بالطبع، فبفضل هذا الاحتكاك يوجد اليوم في المغرب أحسن التقنيين، منذ أشهر حضرت ندوة مع مجموعة من المخرجين الأجانب والممثلين المغاربين، فأحد المخرجين الفرنسيين قال في معرض حديثه أنه لما صور فيلمه بالمغرب كان يظن أنه سيأتي بتقنيين من الخارج لكنه لما جاء للتصوير وجد أن التقنيين المغاربة أكثر احترافية من التقنيين الفرنسيين، فسألناه لماذا قال وبكل بساطة لأن التقنيين المغاربة تعودوا على الاشتغال مع مخرجين عالميين وكبار ك''أوليفر ستون'' الذي صور بالمغرب فيلمه ''ألكسندر الأكبر" و بالتالي هؤلاء التقيين المغربيين اكتسبوا مهارة وخبرة عالية في الصناعة السينمائية، وهذا ساهم في تطوير الفعل السينمائي بالمغرب.

·        اذن كيف يمكن للسينما المغربية أن تحافظ على هذا النجاح المستحق، و كيف يمكن لدول الجوار الاستفادة من خبرتها في هذا المجال ؟

كل شيء يتوقف على الإرادة السياسية، فلو توفرت الإرادة السياسية من قبل المسؤولين في كل البلدان المغاربية أكيد ستكون هناك سينما مغاربية يجب أولا أن نفتح الحدود، أنا كمغربي يجب أن أتنقل و بكل حرية بين الجزائر و تونس وغيرها من دول المغرب العربي، و للجزائري أيضا حق مثلما لي أنا حق في المغرب، فأنت بلدك ليس الجزائر فقط بلدك ليبيا تونس و المغرب و موريتانيا ... اذن يجب أن نتمتع بهذه الحرية وإذا ما تمتعنا بهذه الحرية فأكيد أن التعاون السينمائي سيكون له أثر والدليل الحرية التي يتمتع بها سينمائيو المغرب سمحت الآن للمخرجين المغاربة أن ينجزوا أفلاما مشتركة، ويستعينون بخبرات إما تونسية أو جزائرية مثلا في المغرب هذه السنة هناك فيلم المخرج محمد نطيف ''الأندلس مونامور'' الذي يشارك فيه الجزائري ''هشام مصباح''، هناك أيضا فيلم سينمائي مغربي أخر يلعب فيه دور البطولة الممثل الجزائري خالد بن عيسى، و قد سبق ذلك تعاون الكثير من التقنيين سواء الجزائريين أو التونسيين ك ''فوزي ثابث'' الذي يشتغل الآن بشكل متواصل بالمغرب، و من الجزائر المخرج "رشيد بن علال'' الذي أخرج عشرات الأفلام المغاربية، فالإرادة السياسية و الحرية تسمحان بهذا التعاون الفني، على صعيد أخر أتمنى أن الفيلم مثلا لما ينزل بصالات العرض بالمغرب بدل أن يكون له ثلاثين مليون متفرج مغربي لو فتحت أمامه السوق الجزائرية سيكون عنده سبعين مليون متفرج بدل ثلاثين مليون، والعكس كذلك، الفيلم الجزائري بدل أن يخرج فقط في صالات العرض الجزائرية لا بد أن تفتح له الحدود ليعرض مثلا في تونس و المغرب و بعرضه يصبح لديه سبعين مليون مشاهد أو أكثر لما لا، إذن لا بد أن تتحقق الارادة السياسية و هذا نداء أرفعه من هذا المنبر فالجزائر رائدة في أكثر من مجال، كما كانت رائدة أيام الثورة التحريرية في الكفاح ورائدة في الانفتاح على الآخر أتمنى من الجزائر ومن كل الإخوان في الجزائر أن يتواصل هذا التعاون الفني والثقافي في المسرح والسينما وسائر الفنون، فالمغرب والجزائر بلد واحد.

الجزيرة الوثائقية في

28/06/2012

 

 

"موت للبيع" يفوز في المهرجان الدولي للسينما الأورب

طاهر علوان - بروكسال  

عابرون للزمن باحثون عن وجودهم في مدينة غير مكترثة لهم ، باحثون عن إجابات تتعلق بحياتهم وغربتهم مع أنفسهم، عن هذه المدينة التي لا يجدونها ملاذا بل شقاء وحياة سلبية وهامشية ، لا شيء يلبي طموحاتهم ولا أحد يجيب عن أسئلتهم، الأسئلة التي تتعلق بالغد والآتي والمستقبل والحياة والمرأة ، لااحد يمكن ان يخرجهم من دوامات القلق والتيهان في حياة مشتتة يطحنها الفقر وتتشربها نوازع الخوف ولا شيء يحف بالإنسان غير السلطة ورجال الدين والمخدرات والجنس والخمر والبحر المترامي واللا جدوى ، إنها عناصر تحف بكائنات فيلم موت للبيع للمخرج المغربي فوزي بنسعيدي ، عناصر ثقيلة الوطأة على بضعة شباب هم ليسوا الا صورة مصغرة وعينة محدودة لشريحة اجتماعية يطحنها الفقر وتلهث وراء فضاء ما يحقق لها أحلامها الممزقة التي صارت بالتقادم أحلاما مغمسة بالدم والعنف والسرقة وانتزاع الفرصة بأي ثمن .

في ذلك الفضاء المضطرب سيبحث الأصدقاء الثلاثة كل عن وجوده في وسط الضجيج واللا جدوى، لا يربطهم رابط سوى ذلك التوغل في قرارة الذات في محنة وجودها وكينونتها في فضاء الهامش الذي احتواهم واحتوى عائلاتهم فهم وغائلة الفقر صنوان فيما المدينة القاتمة التي لا تكاد تشرق شمسها وغالبا ما لفّتها غيوم قاتمة، المدينة ليست الا مسرحا لتفجرات آلامهم وصراخهم الصامت .

سينما الحياة هي سينما الواقع المر الذي لا يحتاج الى ضجيج ولا صخب لغرض أن ندرك حقيقته وانعكاساته وهي سينما بنسعيدي في هذا الفيلم فالبساطة عنصر أساس وسمة غالبة سواء في رسم الشخصيات أو تعبيرها عن أنفسها أو من خلال أماكن التصوير التي صارت مثل مكان متصل لا فرق بين هنا وهناك ، فالأزمة التي تطارد الشخصيات والقلق والتشتت والعنف لا تستثني مكانا عن آخر ... الأصدقاء الثلاثة هم مالك(الممثل فهد بنشمي ) الذي يعيش في كنف أسرة ممزقة ، يعيش مع زوج والدته التي لاحول لها ولا قوة سوى انها ربة منزل تؤدي عملها الروتيني المعتاد وزوج الأم يجرب حظه في دكان لبيع الخبز وشقيقة مالك تعمل في مصنع للملابس وزوج الأم يتسنزفها ومالك وسط هذه الدوامة خاضع دوما الى غلضة زوج الأم وزجره حتى يلفق له تهمة الاتجار بالمخدرات ويتخلص منه بسبب وطأته على أمه، وهو في وسط أزمته تبرز على سطح حياته "دنيا" (الممثلة ايمان المشرفي ) التي يطلق عليها المغاربة " بنت الزنقة " بمعنى انها فتاة عادية ورخيصة يقع مالك في حبها محاولا اخراجها من بيئة الدعارة والذل ويعيش معها كما تعيش هي حياتها بلا قيود ولكن يبقى سبب انقاذها الوحيد هو المال ، فمن اين يأتى بالمال الذي استحوذ هاجس الحصول عليه على كل شيء. دنيا الشخصية المضطربة التي تستعرض فتنتها ورشاقتها تبتلعها الحياة السطحية العابثة وتظهر مشاهد علب الليل وحشد المراهقين والمراهقات الذين انزلقوا الى عالم الخمر والمخدرات والجنس الرخيص.. دنيا بديل مفزع بالنسبة لمالك فلا هو يستطيع أن يعيش معها حبا رومانسا حالما ولا هو قادر على انتشالها مما هي فيه ولا هو قادر على تركها .

أما علال، فهو الخارج توا من السجن وهو الذي يفتتح به الفيلم فهو يعيش مع اب يعاقر الخمرة سرعان ما يبتعد عن عالمه ، فعند علال تختصر الأحلام بضربة قوية في تجارة المخدرات تجعله ثريا ولهذا فأن علاقة التسكع مع هؤلاء الثلاثة لاتعدو التأمل في المارة وشوارع المدينة مع هجمات هنا وهناك على سيدات عابرات يتم اختطاف حقائبهن واقتسام مافي داخلها بين اولئك الثلاثة ، درس السجن ووطأة الحياة والفقر وانعدام شكل الأسرة تجعل حياة علال موجهة الى غاية محددة هي العنف والسرقة واي شكل من اشكال مخالفة القانون والهرب والتخفي وماالى ذلك ولهذا فلا قيمة عنده لشيء حتى تغدو خيانته لصديقة مالك امرا عاديا باعتدائه على دنيا في غيابه.

من الجهة الأخرى هنالك المراهق سفيان الذي يقيم في دار الأيتام والذي تسيطر عليه فكرة الانتقام من كل شيء وهو لا يتورع عن السرقة والاعتداء لينتهي به المطاف ان يستدرج من طرف احدى الجماعات "السلفية التكفيرية " التي تلقنه القتل واثارة الهلع واستخدام السواطير وذبح الناس ومالى ذلك من ممارسات ارهابية وعدوانية ، وفي موازاة ذلك يمنحونه فرصة لكسب بعض الدراهم ببيع الأسطوانات المدمجة التي تضم الخطب والمحاضرات الدينية التي تحض على العنف ...

.الثلاثة الذين اعتصرتهم أزماتهم سيلتقون في النهاية في نقطة واحدة هي سرقة أكبر محل للمجوهرات في مدينة تطوان لنكون امام مشهد بوليسي بامتياز تحتشد فيه الشرطة وافرادها وسياراتها لتطويق المكان لكن مالك مثلا سيفلت حاملا المجوهرات ليسلمها الى دنيا التي تغدر به تاركة اياه معلقا بين السماء والأرض في مشهد لافت ..

فوزي بنسعيدي، المخرج يطيب له ان يظهر في فيلمه كما فعل في فيلم سابق له "ياله من عالم رائع " 2006 وهو في "موت للبيع" يظهر بدور ضابط شرطة بملابس مدنية ، يسعى لتجنيد مالك لجلب أخبار عن المتطرفين في مقابل منحه المال ومساعدته في البقاء الى جانب حبيبته دنيا بل ان علاقتهما تذهب الى ما هو أبعد من ذلك اذ يظهران وهما يتشاركان طاولة الخمر لكن الشرطي ما يلبث أن ينقض على مالك ويلاحقه فيما بعد ، لكن بنسعيدي في كل الأحوال بدا مقنعا الى حد كبير في أدائه لذلك الدور وليعكس وجها آخر من المعادلة والقوى الفاعلة في تلك الحياة المأزومة وهي السلطة والقوة التي تحضر متماهية مع حياة القلق والهامش والعنف لكي يكون لها دور ما في إحكام المعادلة .

خلال هذه الرحلة تجد الشخصيات في مشاهد عديدة وهي على هامش المدينة وفي طرف من أطرافها تبدو فيها من زاوية مرتفعة قاتمة تلفها الغيوم وحتى البحر فهو ليس ذلك الملتقى للناس للمتعة والتفاعل مع الطبيعة بل هو شاطئ مهجور في طقس لا يخلو من البرودة ، تتوزع عليه قطع خشبية لأشجار مقطوعة وهو مكان آخر للقاء الأصدقاء الثلاثة ومرور دنيا بصحبة أحد زبائنها .

كاميرا بنسعدي تتميز بديناميكيتها ولهاثها للحاق بالشخصيات وتفسير المكان وتجسير الصلة البصرية بين الجبل والبحر والمدينة واقبية الفقر ، لقطاته العامة لايريد من ورائها عنصرا جماليا لشكل المدينة وان تضمنت ذلك ، بل ان الخلاصة ان لاشيء سيختلف ان اتسعت المدينة او صغرت فهي قوقعة كبيرة لفقر جاثم على الصدور.. وفي مواقف اخرى كانت الصورة اكثر تعبيرا عن الشخصيات في ازماتها الطاحنة كمثل الحوارات المشتتة بين علال وابيه وبين دنيا ومالك وبين سفيان والتكفيريين ...

عاب بعض النقاد خاصة في المغرب على الفيلم استخدامه كمّا كبيرا من الكلمات السوقية البذيئة والشتائم وأظهر الحياة في المدينة برمتها بهذا الشكل ، لا أمل فيها ولا بصيص إشراق، وفي الحقيقة تجد أن المخرج عمد الى الغوص في القاع بما هو عليه ولهذا لم يشذب لغة التخاطب مما هو شائع في الحياة اليومية خاصة في أوساط الهامشيين والمتشردين والمتصعلكين وذوي السوابق الإجرامية واللصوص ومتعاطي المخدرات وهي الشريحة التي تصدى لها الفيلم ..

حصل الفيلم على أهم جائزتين في مهرجان بروكسل الدولي للسينما الأوربية في دورته العاشرة التي اختتمت مؤخرا الأولى هي الجائزة الذهبية لأفضل فيلم سينمائي وهي "جولدن ايريس اوارد" كما حصل على جائزة سينو-أوربا .وسبق أن حصل في وقت سابق على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الفيلم الوطني في طنجة والجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للسينما المتوسطية .والمنافسة في مهرجان بروكسل كانت واضحة للعيان فقد شاهدت جميع أفلام المسابقة الرسمية الاثني عشر فلما وأغلبها كانت على مستوى متميز للغاية في الموضوعات والإخراج والقيمة الجمالية ومن مختلف دول القارة وهو تميز في هذه الدورة أكده لي المخرج "كوين مورتييه" عضو لجنة التحكيم خلال لقائي به ولهذا فإن فوز هذا الفيلم بهذه الجدارة وسط المنافسة الكبير هي نقطة مهمة للمخرج وفريقه علما انه إنتاج بلجيكي فرنسي مغربي وإماراتي بسبب دعم حصل عليه من هناك ايضا.

الجزيرة الوثائقية في

28/06/2012

 

أمريكون يبحثون عن خلاص في " خارج الشبكة"

محمد موسى - أمستردام  

عن الأزمة الاقتصادية التي تهمين على الولايات المتحدة الأمريكية والأمريكيين منذ بضعة أعوام يدور فيلم "خارج الشبكة" للمخرج الهولندي الكسندر أوي ، والذي يتنقل بين عدة مدن أمريكية ، باحثا عن نماذج فردية ومجتمعات صغيرة تحاول بأساليب مختلفة إيجاد حلول لمشاكلها الآنية المستعصية، والبحث أيضا عن نموذج اقتصادي بديل عن الذي كرسته ثقافة الاستهلاك الأمريكية ، والتي يزعم معظم الذين تحدثوا للبرنامج، بأنها التي قادت البلد الى واحدة من أشد ازماته في العصر الحديث ضراوة، وهي الازمة التي ماتزال تهمين على الحياة هناك، دون ان يحمل المستقبل تباشير أي انفراجات قريبة.

يبدأ الفيلم بمشهد لنصب الحرية ، لكنه ليس ذاته الذي يستقبل القادمون من البحر الى مدينة نيويورك الأمريكية ، هو نسخة رخيصة وضعت في ساحة مدينة أمريكية هجرها أغلب سكانها ، بحثا عن فرص عمل في مدن كبيرة . الرمز الأمريكي الشهير عن بلاد الحريات التي استقلبت الغرباء من كل العالم ، لم يعد يعني كثيرا للشاب الذي تحدث لكاميرا المخرج الهولندي ، لينطلق الأخير بعدها لمدينة بارينغتون العظيمة في ولاية ماساتشوستس ليقترب من تجربة سكانها الغريبة باختراع عملة مالية جديدة معترف بها ضمن حدود البلدة فقط ، وتكتسب قيمتها من المنتجات الزراعية والتعاملات البسيطة التي يجريها اهل القرية مع بعضهم. ستكشف اللقاءات التي يجريها الفيلم من سكان المدينة أن تجربتهم هذه لن تكون "الحل" القادم للولايات المتحدة الأمريكية، صحيح انها ، أي التجربة، دفعت السكان الى الاهتمام بانتاج غذائهم الخاص ، إلا أن المنتجات الأخرى ، من مواد منزلية وغيرها تأتي بالغالب من خارج أمريكا ، وبالتحديد من الصين ، وأن هذا العملاق الآسيوي لن يرضى بقبول العملة الأمريكية الجديدة، فالولايات المتحدة وكحال العديد من الدول الصناعية السابقة اختارت ان تنتج أو تعتمد في معظم ما تستلهكه على ما يصنع الصين ودول آسيوية اخرى.

تجربة أمريكية أكثر نضوجا في فهمها لآثار سياسات الاستهلاك الأمريكية ، كانت في مدينة ساندبوينت الصغيرة ، والتي قررت بلديتها ومعظم الشركات الصغيرة فيها اتباع خطوات صغيرة للحيولة دون انهيار المدينة الاقتصادي ( وكما حدث للعديد من المدن الأمريكية الصغيرة) ، فتم تخفيض أجور الموظفين في المدينة ، حتى لا يفقد عاملون أعمالهم ، كما تمت زيادة الضرائب ، لتحصيل اموال كافية لبدء مشروعات صغيرة تشغل اعداد من عاطلي المدينة، كما يتجه التركيز في المدينة على نشاطات اجتماعية بسيطة تزيد من ترابط سكانها وتشجعهم على نمط حياة يختلف عن الذي تروج اليه معظم وسائل الاعلام الأمريكية والدعايات التجارية المنتشرة في كل مكان هناك.

يكشف الفيلم في تجواله عبر الغرب الأمريكي ، الثمن الذي دفعته مدن صغيرة بسبب سياسيات الضرائب اليمنية التوجه، فالبلديات التي يهمين عليها اليمينين خسرت كثير من رجال البوليس بسبب عدم قدرتها على دفع رواتبهم ، والذي يعود الى الضرائب المنخفضة التي تفرضها على سكانها. فيكشف أحد رجال البوليس الذين تحدثوا للفيلم بأنهم أصبحوا غير قادرين أحيانا على ملاحقة جرائم القتل بسبب ضعف امكانياتهم، أما الجرائم البسيطة فتترك بدون اهتمام. وحتى مع نتائج ما يعنيه غياب الامن عن المدن ، تصر بعض البلديات اليمنية الصغيرة على الإبقاء على نظام ضرائبها المنخفض والذي تعتبره أحد حقوقها الأساسية في بلد يستطيع كل شخص فيه ان يعش حلمه الخاص ويملك الحق بأن يفعل ما يشاء.

لم تنل الازمة الاقتصادية الحادة فقط من "الضعفاء" ، الذين كانوا يتأرجحون على خط الفقر قبل الأزمة، فالفيلم يتنقل على أحد مخيمات الفقراء التي بدأت تنتشر على مشارف المدن الكبيرة ، حيث وفرت الحكومة الامكانية لبناء خيم صغيرة مع توفير بعض الخدمات المحدودة مثل الكهرباء والماء لهذه المخيمات. تجمع تلك التجمعات خليطا متنوعا من الأمريكيين ، منهم من كان يملك والى قبل سنوات قليلة بيتا خاص ودخلا ممتازا وسيارة واحدة او بضعة سيارات، لكنهم خسروا كل شيء بعد الأزمة ، لينضموا إلى أعداد المحتاجين الذين يعيشون تحت خط الفقر ، والذين بحسب الفيلم وصلوا الى 45 مليون أمريكي ، منهم 15 مليون بدون عمل.

لا يسعى الفيلم كثيرا لنقل شهادات أمريكية خاصة عن الازمة ، لكنها ترد أحيانا ضمن سياقه التحقيقي، فينقل قصة الموظف السابق الذي وجد نفسه بعد انفصاله عن زوجته وفقده لعمله في الشارع ، ليلتجئ الى واحدة من مخيمات الخيام المتكاثرة. كذلك يمر الفيلم سريعا على حكاية متسول يقف على احد اشارات المرور منتظرا حسنات السائقين. هذا الرجل خسر هو الآخر كل شيء بعد الأزمة ، فبعد أن كان يملك منزلين ودخل ممتاز ، وجد نفسه في الشارع أيضا ، من دون أن يوقف هبوطه السريع شبكة اجتماعية ما.

الجزيرة الوثائقية في

28/06/2012

 

مدينة المئة ينبوع تكرّم اثنتين من السيدات الحديد وكلّ أوروبا هنا بين داريو أرجنتو وودي ألن وملفيل

هوفيك حبشيان – كارلوفي فاري

يحتفي مهرجان كارلوفي فاري (جمهورية تشيكيا) هذه السنة بدورته السابعة والأربعين. واحد من الأعرق في أوروبا الوسطى، يعود هذا المهرجان مع برنامج متنوع يرقى الى مستوى طموحاته المتجددة، عاماً بعد عام. غداة خضوعه لتعديلات طفيفة شملت الطاقم المنظم، ها نحن أمام موعد سنوي يتضمن لقاءات مع سينماتوغرافات من القارات الخمس، ماضياً، حاضراً ومستقبلاً. مساء غد، سيكون الافتتاح في مدينة المئة ينبوع مع الفيلم الذي يحمل عنوان إحدى أغاني فرقة البيتش بويز، "ترددات طيبة"، إخراج الزوجين لايزا باروس د أس أي وغلين لايبرن اللذين سبقا أن أنجزا "تشيريبومب" الذي عُرض في برلين عام 2009. تجري الحوادث في بلفاست الايرلندية. انها السبعينات والنزاع السياسي لا يزال في أوجه. في هذا المناخ المتوتر والدموي، يفتتح تيري هولي متجراً لبيع الاسطوانات، مراهناً على فنّ الاستماع كي تنبض الحياة مجدداً في البلد الجريح. ريتشارد دورمر يتقمص دور شخصية ملهمة انطلاقاً من تفاصيل سيرة رمز من رموز موسيقى البانك (هولي) في بلفاست مطلع السبعينات، والعنوان مستوحى من اسم شركة الاسطوانات التي أسسها. الفيلم مشبع بالموسيقى وأجواء الخفة والطرافة، حيث المشاهد الأرشيفية الحية تختلط بالمواقف الدرامية.

رقعة من الأرض في أوروبا البوهيمية يقصدها طلاب العلاج والنقاهة على مدار 51 اسبوعاً في السنة. أما الاسبوع الـ52 منها، فتخصصه المدينة من اجل العلاج عبر السينما. هذا ما هي عليه كارلوفي فاري. 217 فيلماً طويلاً، بين روائي ووثائقي، ستُعرض اذاً بين التاسع والعشرين من الجاري والسابع من تموز، موعد تسليم جائزة "الكرة البلورية" (أو "كرة الكريستال") الذي سيشهد أيضاً حفل تكريم سوزان ساراندون (1946). الممثلة الأميركية ليست الوحيدة يلتفت إليها المهرجان. هناك ايضاً البريطانية هيلين ميرن (1945)، التي ستُسند جائزة فخرية مساء غد لمجمل أعمالها. سيدتان حديد، الفارق العمري بينهما لا يتعدى السنة الواحدة، وصلتا الى قمة الألق التمثيلي في السنوات الأخيرة من حياتهما. المسابقة الرسمية تتضمن 12 فيلماً: نروجي، يوناني، كندي، برتغالي، ياباني، ايراني، اسباني، مكسيكي، ايطالي، تشيكي، بولوني، نمسوي. أسماء غير معروفة في الوسط السينمائي. تجارب أولى أو ثانية. لا شيء غير الاسطر القليلة التي ترافق عنوان الفيلم، يستطيع أن يعتمد عليها المتفرج كي يفضل مشاهدة هذا الفيلم على ذاك الآخر. نعرف سلفاً، كونها المرة السادسة تغطي فيها "النهار" هذا المهرجان، أن الأفلام المهمة في أمكنة متفرقة من هذا المهرجان الذي لعب دوراً محورياً في زمن الستار الحديد.

التركيز على النجوم لا يزال خجولاً في كارلوفي فاري. انه مهرجان للمشاهدة أكثر منه للبهرجة والسجادة الحمراء الطويلة. سينما المؤلف لا تزال مهيمنة على قائمة الأفلام المعروضة، الى جانبها تتسلل أعمال تضع نصب أعينها شبّاك التذاكر والأرقام التي تدوّخ المنتجين ومستثمري الصالات. خارج المسابقة، سبعة أفلام، اثنان منها لمخرجين مكرسين هما ستيفن سادربرغ ووودي ألن. مخرجان مصابان بهوس التصوير المتواصل، ولديهما مع الجمهور محطة شبه سنوية منذ انطلاقتهما. في حين يغوص صاحب "جنس أكاذيب وفيديو" في عالم المتعرين عبر "ماجيك مايك"، مستمداً من تجربة ممثله شانينغ تاتوم في هذا المجال، يواصل ألن انتقاله من عاصمة أوروبية الى أخرى، ليستقر هذه المرة في روما، تلك "المدينة الأبدية" الحاضنة أروع أفلام السينما الايطالية. بعد لندن وبرشلونة وباريس، يغامر ألن في مكان يسكنه سحر التاريخ وتلازمه نوستالجيا السينما التي صنعت مجداً من أمجاد ايطاليا. ألن، السينيفيلي الكبير، يعرف شيئاً أو أشياء عن روعة المكان الذي ينقله الى الشاشة، لذا قال في معرض كلامه إنه (المكان) أعظم من أن يصور فيه حكاية واحدة، لذا نجد أن هناك حبكات متداخلة، استعان بمجموعة كبيرة من الممثلين النجوم لتجسيدها: بينيلوبي كروز، آلك بالدوين، أيلن بايج، روبرتو بينيني، الخ. أما الصورة فلداريوس خوندجي.

في قسم "شرق الغرب"، ثمة 11 فيلماً من المجر وتشيكيا وأوكرانيا واستونيا ولاتفيا وبولونيا... الخ، أي كل تلك السينماتوغرافات الناشئة في بلدان كثيراً ما تملك فهمها الخاص للسينما المبني على اطالة الزمن وايلاء الشخصية الأهمية على حساب الحبكة. هذا القسم يعتبره المنظمون متن المهرجان، لأنه يدغدغ الغرائز السياسية لشعوب بات في مقدورها ان تتباهى بإنجازاتها، بعيداً من منطق الوصايا الاخلاقية والفنية. تأتي مجموعة من 14 فيلماً تشيكياً انتجت في السنتين الماضيتين امتداداً لـ"شرق الغرب". ما لا تفضحه الأفلام الروائية ببنيتها المركّبة وتأويلاتها ونظرتها المتعالية احياناً على الناس والعالم، تأتي الوثائقيات لكشفه وتعريته ونزع النقاب عنه. انه الواقع النيئ الذي سنتلقفه في 16 فيلماً. كيف يتعاطى سينمائيون من البرازيل والاوروغواي وسويسرا مع لعبة الواقع؟ هذا ما سنعرفه من خلال معاينة هذه الأعمال التي تتطور في طيف الحكايات الفردية: هنا حلاّق من ساو باولو وهناك رسّام سكاندينافي وعلاقته براقص برازيلي، بينهما جولة في نادٍ لكرة القدم تحول ماخوراً للمتحولين جنسياً قبل أن يأخذ شكل كنيسة كاثوليكية!

الأبواب التي تندرج تحتها اسماء وعناوين غامضة تتوالى وتتعاقب، من دون أن يكون السبب الذي يشرع انتماءها الى هذا الباب وليس الى غيره واضحاً تماماً. هذه حال "فوروم المستقلين" الذي ينضم اليه "نظرة أخرى"، قبل أن تضاف اليهما مجموعة الأفلام العشرة التي تختارها مجلة "فرايتي" دورة تلو أخرى، مسلطةً الضوء على مواهب فتية خارجة للتو من السينما الأوروبية. واذا كان الحاضر يستأثر بأكثر من مئة وعشرين ألف متفرج يتدفقون كمياه الينابيع على الصالات المظلمة، فالماضي هو أحد هواجس المهرجان وانشغالاته. هذه السنة، لنا موعد مع عملاقين أوروبيين: ميكل أنجلو أنطونيوني (1912 – 2007) وجان بيار ملفيل (1917 – 1973). الواحد مختلف جداً عن الآخر. استحضرت أفلام انطونيوني غموض الوجود الاكبر، اي الموت، معتبرة اياه قمّة الفشل في التواصل بين الله ومخلوقاته. وكان دائم الاهتمام بانحطاط القيم وانحلال المبادئ الانسانية. لغته المبتكرة والمؤسلبة، غالباً ما كانت عصيّة على الفهم. لذا كانت عصية على التقليد. مع ذلك لم يتوان فرنسيس فورد كوبولا عن استخلاص العبر المفيدة من "بلو آب" لدى اتمامه "الحوار". مثله براين دو بالما الذي استند هو أيضاً الى هذا الفيلم لإنجاز تنويعة اخرى له سمّاه "بلو أوت". زميله الفرنسي ملفيل، لعب على أرضيات أخرى، خلص لأن يكون أحد معلميها الخالدين، وأميراً في نوع دائماً ما قلِّد على يد كبار المخرجين من مثل جون هو، وزمرة من السينمائيين الآسيويين المتيّمين بعمله. تأتي استعادة ملفيل في عشرة عناوين فيها قممه الخارقة مثل "الساموراي" (1967) مع ألان دولون و"جيش الظلال" (1969) مع لينو فنتورا. أما التحية الموجهة الى أنطونيوني ففيها 18 قطعة سينمائية، قصيرة وطويلة، بعضها له وبعضعها الآخر عنه، بتوقيع سينمائين آخرين. من جملة المشاهير الوافدين الى كارلوفي فاري: داريو أرجنتو، الذي سيقدم نسخته عن دراكولا بالأبعاد الثلاثة.

لعل الخانة التي تملأ قلوب المشاهدين فرحاً هي "آفاق"، التي تعيد برمجة أعمال عُرضت في أرفع المهرجانات. في امكان زوار هذه المدينة الواقعة في "الجناح الروسي" لتشيكيا، مشاهدة "سعفة كانّ" ("حبّ" لميشاييل هانيكه) و"دبّ برلين" ("سيزار يجب أن يموت" للأخوين تافياني) و"أسد البندقية" ("فاوست" لألكسندر سوكوروف). أضف اليها أفلاماً مثل "هولي موترز" لليوس كاراكس و"تابو" لميغال غوميز. هناك غياب تام للسينما العربية في المهرجان. في السنتين الأخيرتين بذل المنظمون جهداً اضافياً، فبُرمجت أفلام كـ"ابن بابل" لمحمد الدراجي و"طيب، خلص يللا" لرانية عطية ودانيال غارثيا. لكن علاقة المهرجان مع العالم العربي شبه منقطعة، ويعود هذا الى انعدام العلاقات التاريخية بين العرب والمنطقة وعدم اعتبار المنظمين هذه السينما ذات أهمية لمشاهدين، معظمهم من المراهقين والشباب.

hauvick.habechian@annahar.com.lb

فيليب جالادو يصدّر الايروسية الى بيروت

هـ. ح.

في زمن السطوة الدينية وتراجع مستوى الحريات في العالم العربي، يخطط فيليب جالادو لتنظيم حدث ثقافي مختلف، قوامه الجنس والايروسية، ولدورة واحدة فقط، الا اذا تكلل الحدث بالنجاح، فحينها يستمر. هو احد الأخوين اللذين أسسا مهرجان القارات الثلاث في مدينة نانت الفرنسية (قبل أن يُقالا من موقع المسؤولية فيه عام 2009). المكان: بيروت. الزمان: في الأشهر القليلة المقبلة، اذا تحسنت الاوضاع الأمنية التي منعت حتى الآن جالادو من زيارة عاصمتنا بهدف تنظيم الحدث. انه عن الايروسية في سينما الشرق، من المغرب حتى الهند. وخصوصاً تلك الايروسية في العالم العربي والاسلامي. القضية الأمّ: كيف تنعكس مشاهد الحبّ في سينما تلك المنطقة؟ "سأعطيك مثلاً"، يقول جالادو، في لقاء سريع معه في كانّ، أيار الماضي: "هند رستم ويوسف شاهين في "باب الحديد"، لقاؤهما على قدر عالٍ من الحسية. هناك افلام باكستانية، وأفلام ايرانية مثل "الطوب والمرآة" لبرهيم غولستان، الخ. ليست كل العناوين في بالي الآن في هذه اللحظة، لكن اطمئن: يوجد الكثير".

قيل لجالادو ان كلمة "ايروتيزم" مترجمة الى العربية، تتحول بورنوغرافيا. أصحح هذه المعلومة الخاطئة التي نُقلت اليه. ثمة فرق بين البورنوغرافيا والايروسية. في البداية، فكّر جالادو في التعاون مع "معهد العالم العربي" في باريس، قبل أن يدرك ان النشاطات المرتبطة بالسينما في هذا الصرح الرسمي والديبلوماسي توقفت منذ انعقاد الدورة الأخيرة من بينالي السينما العربية في تموز 2006، علماً ان لديهم معرضاً اسمه "الجسد المكشوف". السؤال، يقول جالادو، هو: ما مكان الجسد في المخيلة العربية؟ ويروي المزيد من التفاصيل: "التقيتُ مالك شبل، الذي سيهتم بالشقّ الاجتماعي، وانا سأتولى الجانب السينمائي، كوني رجل سينما. نريد أن نتطرق الى المسألة، من وجهتي نظر: وجهة نظر الغرب الى الموضوع ووجهة نظر العرب. مثلاً: كيف قارب بازوليني الايروسية في "ألف ليلة وليلة"؟ أو كيف قاربت هوليوود هذه الظاهرة؟ عموماً، قارب الغرب الايروسية العربية مقاربة ميثولوجية. لم تكن المقاربة واقعية دوماً. هنا يجب التنبيه الى ان الايروسية يمكن أن تقتصر على مشهد واحد في فيلم".

اذاً، سيحقق جالادو حلمه المهرجاني في بيروت، لأنه لم يستطع انجازه في باريس. بحماسة عهدناها عنده وبإيقاع حواري لا يفسح المجال لكلماتك أن تخترق جدار كلماته، يردّد جالادو: "هناك مئة فيلم يا صاح! منها افلام ايرانية انجزت قبل الثورة الاسلامية. الايرانيون انجزوا أشياء جريئة ولا يزالون حتى اليوم ينجزون افلاماً ايرانية جريئة في لوس انجليس، وناطقة بالفارسية. نفكر ايضاً في تنظيم نشاطات موازية على هامش الحدث. لكن المعضلة الأهم تبقى أن نجد شركاء ممولين". يتجه الحديث الى اجراءات سفر مالك شبل الى بيروت. للرجل ارتباطات كثيرة بحسب جالادو، له اطلالة تلفزيونية كل ثلثاء، وهذا ما يُخضع المشروع للتأجيل المستمر: "كنتُ اعتقد انه يملك الجنسية الفرنسية، لكن جوازه جزائري. والحصول على تأشيرة يحتاج الى ثلاثة اسابيع". أنا: "هذا ليس صحيحاً، يكفي أن يكون في حوزته عند وصوله الى مطار بيروت ثلاثة أشياء: بطاقة العودة، حجز فندق، و2000 دولار أميركي، فينال التأشيرة". ثم، تُطرح مسألة الشهر الانسب لتنظيم هذا الحدث، فضيق الامكانات والقدرات الذي سيُرغم جالادو على ان يستعين بنسخ "دي في دي"، بدلاً من الأشرطة السينمائية. يأمل جالادو أن يلقى دعماً من جهات لبنانية، مدركاً صعوبة تناول مثل هذه التيمات لكنه يتعهد المحاولة وتكرار المحاولة اذا احتاج الأمر.

غودار يصوّر بالـ3D وبطلُهُ كلبٌ!

هذه المرة، لن تكون عودة جان لوك غودار عابرة. ليس لأنه سيضع كاميراته فوق الغيوم أو يذهب الى القدس المحتلة لتصوير نسخة جديدة من "هنا وهناك"، بل لأنه سيستعين بتقنية الأبعاد الثلاثة، ليروي ما يبدو على لسانه من أغرب المشاريع: حكاية زوجين لا يبقى عندهما أي لغة مشتركة، فيبدو ان الكلب الذي يرافقهما في النزهة اليومية سيبدأ بالنطق فجأة ليكون وسيطاً بينهما. في مقابلة، قال "إله السينما" أنه لا يعرف كيف يقارب هذه الحكاية، ولكنه اذا عرف الكيفية فستصبح البقية سهلة. الغريب ان "فوكس" اهتمت بالمشروع واعلنت رغبتها في شراء حقّ توزيعه في الولايات المتحدة، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول ماهيته. خصوصاً اذا تذكرنا النحو الذي تعامل به غودار مع مسألة عجزه عن ايجاد تمويل لفيلم جديد، عندما زاره مراسل الـ"غارديان" في منزله السويسري، اذ رمى أمامه نسخة من السيناريو، وقال له بما معناه "جدْ لي ممولاً لهذا الفيلم". غودار، حتماً سيحول الـ3D الى شيء آخر، مستثمراً مناطق غير مظنونة فيها، على غرار ما فعله فيم فاندرز وفيرنير هيرتزوغ، وهو كان أعلن انه "يعجبه وصول تقنية جديدة، لأنها تكون خالية من القواعد". يبقى ان غودار، يشكل مع التسعيني ألان رينه، الذي قدم في مهرجان كانّ الأخير إحدى التجارب الاختبارية الفريدة، الوجه المشرق لسينما لا تشيخ البتة، لأن من يصنعها صنو تجريب ومحاولات مستمرة. ألم يقل فنان كبير "ينبغي وقتٌ طويل لنتحول اطفالاً"؟

محمود بن محمود: الباحث عن الهوية

محمود بن محمود كان مغترباً في بلجيكا لسنوات عدة، على غرار سينمائيين عرب آخرين لم يعجبهم واقع بلادهم. كان يرى ان هوية التونسي ضائعة وانتماءه مشوّه الى الحضارة العربية عموماً والاسلامية خصوصاً. لذلك حاول دوماً في افلامه إلقاء الضوء على قضايا ومشكلات تهمّ ابناء العرق والانتماء والدين الواحد، عبر اللجوء الى الواقعية وطرق بابها. سواء في افلامه الوثائقية او الروائية، حرص بن محمود على التأكيد ان الهوية التونسية ليست عربية فحسب، بل هي فرنسية وايطالية بالمقدار ذاته. حملت افلامه جدلية العلاقة بالغرب، وطرحت اسئلة الذات. يعتبر هذا السينمائي ان الوجود الايطالي مثلاً في تونس وتعايشه مع المسلمين والعرب أثّر في نمط عيش اهل البلد وسلوكهم، فتكرست بذلك هوية تونس المتوسطية. في المقابل يرى بن محمود ان الجالية المغاربية في فرنسا لها تأثير ما في العقلية التونسية، لأنها واصلت في شكل غير مباشر الحضور الفرنسي الذي كان موجوداً في اطار الاستعمار.

عكست افلام بن محمود أزمة البحث عن شيء مفقود. عن اصالة ما. وانبثقت اعماله من مجتمع شبه مزدوج ثقافياً وفكرياً، تائه بين الهوية العربية والموروث الغربي. كذلك تناول المخرج مسألة تداخل الثقافات والعولمة، التي بحكم تقريب المسافات، بعضها من البعض الآخر، اصبحت القيم الغربية تصل عبر وسائل اعلام حيوية من دون طلب الاذن. يعتبر بن محمود هذا الواقع المفتعل ضرباً من ضروب الاستعمار الجديد، علماً انه يعترف بأن طبيعة العلاقات بين تونس وفرنسا تفرض وجوداً ثقافياً لا مفر منه.

فهو أظهر ان المجتمع عانى كثيراً، ليس من حضور الغرب الطاغي فحسب، انما ايضاً من هيمنة الهوية العربية، اقله نظرياً من خلال الاعلام وابواق الدعاية الرسمية. في أكثر من عمل له، حاول كشف النقاب عن حقيقة مفادها ان التونسي لا يعتز بأي هوية ولا يتذكر انه عربي الا بعد ان يقصف الاميركيون بغداد او بيروت، حسبما صرح في احدى المقابلات. في أكثر من مناسبة، أراد القول ان انتمائه غريزي لا ايجابي، والحضور الحقيقي للثقافة والحضارة العربيتين في الواقع التونسي اضمحل واندثر تماماً. تلميحاً منه الى ان التونسي اعتاد العيش في مناخ الهويات الممزوجة لئلا يقيد نفسه بحتمية تحديد هوية واضحة. يعتبر بن محمود من السينمائيين الذين استخدموا السينما للتصدي والمواجهة والتحريض، اذ حاول من خلال فيلميه "شيشخان" و"قوايل الرمان" ان يطابق رؤيته كفنان مع الواقع مثلما وُضع امامه.

بحكم تربيته ونشأته، يميل بن محمود الى الحضارة العربية. وهو، منذ اوائل القرن الثامن عشر، الوحيد من افراد سلالته عمل خارج اطار تدريس اللغة العربية والفقه بعيداً من جامع الزيتونة. على رغم كونه تركي الاصل، ترعرع وسط الثقافة الاسلامية التي كانت، بحسب ما يقول، تلعب دوراً ايجابياً في محيطه وبيئته. وبحكم اقامته في اوروبا، اعتاد نمط تفكير وسلوكاً يحاولان مواكبة الواقع أكثر من محاولة تصحيحه، وهذا، بحسب بن محمود، من واجب السينما. صوّر في افلامه ضرورة ان يضع العرب في اولوياتهم الاعتراف بالواقع قبل فرض مبادئ او نظريات قد تكون صحيحة، لكن الواقع ينفيها تماماً.

أظهرت افلام بن محمود مدى معرفته بالثقافة العربية وانتمائه اليها واعجابه بها. في "قوايل الرمان" القى نظرة نقدية قاسية الى المجتمع التونسي والى المؤسسات الرسمية حيث الديماغوجيا والتضليل الاعلامي والفساد الاداري والاقتصادي. لكنه تطرق الى البعدين الفرنسي والافريقي برومنطيقية. في مسار بحثه عن اب، توصل بن محمود الى صيغة شبه متشائمة في طرحه للمشكلات. كمن يقول ان زمن الاب انتهى، بمعنى زمن الفرار والحلم بالقيم التقليدية. فلم يبق له الا المناداة بالديموقراطية والدعوة الى مجتمع يقبل التعددية ويرفض التشكيك في الهوية العربية التونسية.

النهار اللبنانية في

28/06/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)