حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

يظهر في الشهر المقبل بطلة جديدة في جزئه الثالث

حكاية باتمان ومنقذه كريستوفر نولان

لوس أنجليس: محمد رُضا

 

جولة في سينما العالم بين الأفلام

* في باريس حمل الفيلم المصري المعروف بـ«678»، الذي أخرجه محمد دياب قبل عامين حول حوادث التحرش التي تعرضت لها النساء بصورة لافتة في حافلات القاهرة قبل سنوات قليلة، عنوانا آخر هو «نساء الأوتوبيس 678»، وهو كان اختيارا ذكيا من قبل شركة التوزيع «بيراميدز» لأنه يشرح أكثر ما يقوم الفيلم عليه. لكنه ليس الاختيار الذكي الوحيد، ففي الأيام الأحد عشر الأولى من عروضه باع 100 ألف و269 تذكرة، وبذلك تجاوز ما باعه، في الفترة ذاتها، فيلم «عمارة يعقوبيان» وفيلم «احكي يا شهرزاد» حين عُرضا هناك. وفي حين بدأ التوزيع بتوفير 96 نسخة لباريس وسواها من المدن الفرنسية، ارتفع عدد النسخ المعروضة في الأسبوع الثاني وما بعد إلى 107 نسخ. الاختيار الذكي ليس هنا، بل في تحديد موعد عرضه، إذ بوشر به بعد ستة أيام من انتهاء مهرجان «كان» وبينما كانت أفلام الدورة الأخيرة من المهرجان الفرنسي تنتقل إلى باريس.

* في المقابل، فإن الفيلم الذي قام الفرنسي برنارد هنري ليي بإخراجه تحت اسم «قسم طبرق»، والذي قامت بتوزيعه شركة اسمها «ريزو»، حط ولم ينهض في سوق العروض، إذ اكتفى بخمس عشرة نسخة في خمس عشرة صالة باعت 1475 تذكرة فقط في خمسة أيام.

* وأبقى في فرنسا، حيث تذكر مجلة «إكران توتال» المعنية بشؤون «بزنس السينما»، أن المنتج والمخرج الفرنسي لوك بيسون قام بعدة زيارات للدوحة بغية تسويق مشروعاته هناك. الرجل، حسب ما جاء في المجلة، يعاني من ضائقة مالية تمنعه من تحقيق ما يحلم به من أعمال، خصوصا بعد إنجازه عددا من الأعمال التي لم تحقق المطلوب منها، من بينها «السيدة» الذي روى حكاية المناضلة أونغ سان سو كاي التي قادت حركة ثورية في بورما وتعرضت لويلاتها، و«مسجون» المعروض حاليا بنجاح طفيف، وفيلم أكشن فرنسي عنوانه «الأعمى». والمجلة تقول إن بيسون وجد في اتصالاته مع «معهد دوحة السينمائي» آذانا صاغية واستعدادا للدخول معه جديا في مشاريع بسبب علاقاته الهوليوودية المتينة.

* الأسبوع الأول من شهر يونيو (حزيران) شهد تربع فيلم «رجال في الأسود 3» على قمة العروض في سوق الإمارات، يتبعه «سنو وايت والصياد» ثم «21 جمب ستريت» ثم فيلم «المنتقمون»، وفي المرتبة الخامسة الفيلم المصري «المصلحة» باع نحو خمسين ألف تذكرة بلغت قيمتها مليونا و791 ألف درهم. الفيلم نفسه أنجز نحو 16 مليون جنيه مصري خلال عروضه في القاهرة. ولا فوز باهر لأي من الأفلام اللبنانية الأربعة المعروضة في لبنان هذه الأيام، وهي: «كله في لبنان» و«تنورة ماكسي» و«مرسيدس» و«33 يوم».

* الممثلة آن روثرفورد التي توفيت عن 94 سنة قبل أيام قليلة كانت ظهرت في ستين فيلما امتدت من عام 1935 إلى عام 1967 وشملت مختلف الأنواع، خصوصا أفلام الغرب الأميركي في مطلع سنواتها، قبل أن تضمها شركة «مترو غولدوين ماير» إلى معسكرها من الممثلين. في عام 1939 لعبت دورا رئيسيا إلى جانب باربرا أونيل وفيفيان لي في الفيلم المعروف «ذهب مع الريح» لفيكتور فلمنغ، ثم أعارتها «مترو» إلى شركة «فوكس» حيث مثلت في عدد من أفلامها الكوميدية. في عام 1950 أنجزت آخر طلة في سلسلة أفلامها المتواصلة، في دراما بعنوان «عملية هايلفت»، ثم غابت 12 سنة قبل أن تظهر في فيلم رعب من إخراج جيمس غولدستون وبطولة جيمس غارنر وكاثرين روس بعنوان «يقتلون أسيادهم فقط» سنة 1972، ثم غابت خمس سنوات أخرى قبل أن يستعين بها المخرج البريطاني مايكل وينر في فيلمه «الكلب الذي أنقذ هوليوود»، وفي دور صغير أيضا، وكان ذلك آخر إسهاماتها.

يظهر في الشهر المقبل بطلة جديدة في جزئه الثالث

حكاية باتمان ومنقذه كريستوفر نولان

في الشهر المقبل نواجه خطر خطة جديدة لتدمير «غوثام»، الاسم الحركي في مسلسل «باتمان» على الشاشة وفي مجلات الكوميكس. ومن سيتصدى لهذا الخطر غير «باتمان» ابن المدينة الذي أنقذها من فساد ودمار أكثر من مرة؟

الطلة الجديدة للسوبرهيرو باتمان تنطلق في العشرين من يوليو (تموز) المقبل، وهي حافلة بالرغبة في تحميلها جديدا لم تعرفه الأفلام السابقة من هذه السلسلة. إن لم يكن لأجل تجاوز ما أنجزه العملان السابقان من مستويات تقنية، فلأنه، في الغالب، الفيلم الأخير من السلسلة بالنسبة لمخرجه كرستوفر نولان، الذي صرح قبل أسبوعين بأنه لن يقدم على تحقيق فيلم آخر من السلسلة نفسها. وكان الممثل كرستيان بايل سبق المخرج في الإفصاح عن الموضوع نفسه حين ذكر لمجلة بريطانية قبل أكثر من شهر أن المخرج لن يقدم على تجديد ولايته في هذه السلسلة، وأنه بالتالي قد لا يعود لتمثيل الدور ذاته مرة أخرى.

في الأساس كان كرستوفر نولان مترددا في تحقيق الجزء الثالث، لكنه إذ فعل وضع نصب عينيه من البداية أن تكون هذه مرته الأخيرة في ركاب شخصية أنجزت، بالنسبة إليه، مهامها فمنحته الشهرة والمال والمساحة لإنجاز عدد من المشاهد المعنى بتنفيذها، والتي كانت سباقة في نوعها. في الوقت ذاته ساعدته على إنجاز أفلامه الأخرى التي أراد إنجازها خارج السلسلة، التي كان آخرها «استهلال» حيث أم من جديد حدودا جديدة في مجال استخدام المؤثرات والخدع والتقنية لصالح العمل وعلى نحو متجدد.

تاريخ المخرج مع الشخصية المستقاة من رسومات بوب كاين وبيل فيشر الشعبية سنة 1939 إلى عام 2005 حين حقق «باتمان يبدأ» ثم تجدد سنة 2008 حين حقق الجزء الثاني «الفارس المظلم»، لكن تاريخ الشخصية ذاتها على الشاشة يذهب إلى عقود عدة قبل ذلك التاريخ. فهناك محاولة سينمائية تمت سنة 1943 وقام بها مخرج لم ينل شهرة تذكر رغم تاريخه الحافل بالأعمال (182 فيلما) هو لامبرت هيلير. بعد ذلك التاريخ انتقل باتمان إلى الشاشة الصغيرة في الستينات وإلى السينما مرة ثانية في عام 1966 تحت إدارة مخرج آخر لم تسبقه شهرة ما هو لسلي مارتنسن.

كل ذلك يبقى في عداد محاولات محدودة الأثر ومتباعدة إلى أن قررت شركة «وورنر» إعادة صياغته وإنتاجه فنيا بالمفهوم الذي باتت الكثير من شخصيات الكوميكس تخضع له: سلعة تجارية شاملة تشمل الأفلام والمطبوعات والألعاب والإنتاجات التقنية والفنية كاملة. ضمن هذا المفهوم تم إنجاز فيلم أول من السلسلة تحت عنوان «باتمان» سنة 1989 وتم استقطاب المخرج تيم بيرتون إليه الذي اختار الممثل مايكل كيتون ليؤدي دور الفارس الداكن، كما جاء بجاك نيكولسون ليلعب دور الشرير الأول. كانت بداية جيدة تكلفت خمسة وثلاثين مليون دولار وجمعت 413 مليونا عالميا.

النجاح كان حليف الجزء الثاني أيضا لكن ليس بنفس النسبة: «باتمان يعود» (1992) من إخراج بيرتون أيضا وبطولة كيتون لكن هذه المرة مع شرير جديد هو داني ديفيتو. وقد تكلف الفيلم أكثر من ضعف ما تكلفه الجزء الأول، إذ صرفت «وورنر» عليه 80 مليون دولار وحصد 282 مليونا.

بيرتون لم يُرِد ارتكاب فيلم ثالث من السلسلة فجلبت «وورنر» إلى العمل المخرج جوويل شوماكر الذي أنجز الجزء الثالث «باتمان للأبد» سنة 1995 مع ال كيلمر في العباءة السوداء وتومي لي جونز وجيم كاري كشريرين متناصفي الحجم. ميزانية الفيلم قفزت إلى 100 مليون دولار لكن إيراداته لم تبرح مكانها وانحصرت في نحو 233 مليونا.

بعده بعامين كان لا يزال الأمل في تحقيق نجاح أكبر ورأينا جوويل شوماكر يخرج جزءا رابعا هو «باتمان وروبين» مع جورج كلوني في البطولة وأمامه أرنولد شوارتزنيغر. الفيلم تكلف بعد شد الحزام 110 ملايين دولار، لكن إيراداته هبطت إلى درك جديد، إذ بلغت 100 مليون دولار فقط.

المشكلة بالطبع أن المخرج شوماكر ليس مخرجا ذا خيال فني مناسب كحال تيم بيرتون أو كريستوفر نولان، كذلك فإن خبرته في الأعمال الضخمة محدودة للغاية ولا تقترب من خبرة مخرجين من صنف جيمس كاميرون أو ريدلي سكوت. هذا إلى جانب أنه ليس ساردا دراماتيكيا جيدا. إنه يستطيع تحويل رواية ما إلى صور، هذه ليست مشكلة، لكن هذا ليس إلا على حساب المادة. وسياسته كانت في فيلميه إبراز عامل الاستعراض ولو على حساب عامل البطولة. بذلك تم إسناد الأدوار الشريرة إلى نجوم لتزيين الشاشة فحمل «باتمان للأبد» أسوأ ظهور لتومي لي جونز وأسخف أداء لجيم كاري، بينما تم نفخ دور أرنولد شوارتزنيغر كالبالون الأحمر فحجب أهم شيء في سلسلة باتمان وهو باتمان نفسه.

لم يعِ أحد، لا من بين كاتبي السيناريو ولا من بين المشرفين على الإنتاج، مغبة تحويل سوبر هيرو إلى طرف مساوٍ، في أفضل الأحوال، مع أشرار حدث أنهم، حينها، كانوا نجوما أكبر شأنا من جورج كلوني نفسه.

بعد السقوط فإن إعادة ثقة الجمهور إلى شخصية ومشروع باتمان تطلب جلب كتّاب جدد ومخرجين جدد. للغاية قامت «وورنر» باستعراض عدد من المخرجين المحتملين، أولهم مخرج اسمه بواز ياكين، لكنه خرج من بوابة «وورنر» ولم يطأها من جديد إلى اليوم. بعده تم التفكير في المخرج دارن أرونفسكي الذي كانت لديه بضعة أفكار جريئة إنما لم تجدها الشركة صالحة للتداول. وفكرت بالألماني وولفغانغ بيترسون («في خط النار» مع كلينت ايستوود و«طائرة الرئيس - رقم واحد» مع هاريسون فورد) لكن هذا كان مرتبطا بإخراج فيلم كبير آخر هو «تروي» (مع براد بت) ولم تُرِد الشركة انتظاره.

حين تم جلب المخرج كريستوفر نولان لإعادة إحياء السلسلة ترك المخرج الذي نال فيلماه السابقان «مومنتو» و«أرق» نجاحا نقديا واسعا، اشترط حرية العمل واعتبار أن الأفلام الأربعة الأولى تقاعدت ولا تصلح لإعادة الاستخدام، وأن التخطيط لفيلم خامس عليه أن يبدأ كسلسلة جديدة بالكامل، ولو عني ذلك إعادة سرد الحكاية من أولها. هذا الاعتبار كان بمثابة موسيقى راقصة في أذني الشركة المنتجة، وأدركت أنها في الواقع اهتدت إلى مخرج ذي عقل نير ورؤية قد تنقذ باتمان من حضيض الماضي.

وبالفعل أنجز نولان «باتمان يعود» (2005) بكلفة 150 مليون دولار، لكن إيراداته تجاوزت 350 مليونا، ثم قام بتحقيق «الفارس المظلم» (2008) بكلفة 185 لكن إيراد هذا الفيلم اخترق سقف البليون دولار عالميا.

الفيلم الجديد وظف قرابة 210 ملايين دولار، وإذا ما حقق ما أنجزه الجزء الثاني من السلسلة الجديدة فإن ذلك بمثابة نجاح مطلق يضع المخرج على سدة مرحلة جديدة يستطيع فيها طرح مشروعاته المقبلة على آذان صاغية. وأول هذه الأفلام بث الحياة في شخصية خارقة أخرى هي «سوبرمان» التي لها حكاية شبيهة إلى حد ما، فالسلسلة انطلقت ناجحة في أواخر السبعينات ثم تعثرت في منتصف الثمانينات وغرقت محاولات إنقاذها، وخلال السنوات الست الأخيرة وهوليوود تبحث عن مخرج بمواصفات سوبرمانية مماثلة لإنقاذ السلسلة... ترى من غير كريستوفر نولان يستطيع؟

فيلم الأسبوع

في «برومثيوس»: أصل الإنسان كارثة فضائية برومثيوس (Prometheus) إخراج: ريدلي سكوت أدوار أولى: ناوومي راباس، تشارليز ثيرون، إدريس إلبا، غاي بيرس، مايكل فاسبندر النوع: خيال علمي.

تقييم الناقد: *** (من خمسة).

قد يتذكر الناس أن فيلم ريدلي سكوت السابق «Alien» (سنة 1979)، الذي يحاول هذا الفيلم سرد أحداث تسبقه، دار أيضا حول سفينة فضائية تبحر في عباب الظلام الفضائي في مهمة معقدة. هناك كوكب موحش على طاقم السفينة، الذي ضم امرأة قوية الجانب لا يستهان بذكائها اسمها ريبلي (سيغورني وير)، على المركبة نوسترومو أن تحط فوقه لإجلاء من بقي حيا من بعثة سابقة. تجد طفلة صغيرة من بين كل البشر الذين كانوا وصلوا إلى ذلك الكوكب لكنها ليست الوحيدة التي تعود بها السفينة، فلقد التحق بها وحش كاسر يستطيع أن يفعل ما يريد، بما في ذلك زرع جيناته في أشخاص آخرين لخلق «بيبي وحوش»، وحتى هو أدرك أن ريبلي امرأة جذابة لهذه الغاية.

الفيلم الجديد ينتقل إلى مستقبل أقرب من ذلك الذي رسمه الفيلم السابق. «برومثيوس» إلى جانب كونه ذا صلة بالأسطورة الإغريقية حول أصل الإنسان وقيام الآلهة ذات الاسم بسرقة النار من آلهة أخرى لصنع الإنسان، خيال علمي تقع أحداثه في العقد العاشر من هذا القرن، ورحلته تبدأ من الأرض وتجوب الفضاءات الكونية البعيدة قبل أن تحط فوق كوكب غامض بحثا عن الحياة فيه.

قبل ذلك نتعرف على الشخصيات في مطلع رحلة علمية بنتها وأسست لها شركة اسمها «ويلاند اندستريز» بميزانية بضعة ترليونات من الدولارات لا أكثر. تقود السفينة امرأة ممشوقة وجميلة وذات قلب ثلجي العاطفة اسمها فيكرز (تشارليز ثيرون في ثاني دور شرير لها هذا العام بعد «سنو وايت والصياد»)، ومعها طاقم ينقسم إلى فئتين: قسم ينتمي مثلها إلى المؤسسة العلمية وفي مقدمتهم كابتن السفينة (إدريس إلبا)، وقسم تم استئجاره لخبرته وفي مقدمته العالمان تشارلي (لوغن مارشال - غرين) وصديقته إليزابيث (نومي راباس). بين الفئتين هناك ديفيد، وهو روبوت (يقوم به مايكل فاسبيندر كما لو كان روبوتا بالفعل!). حين تحط المركبة فوق ذلك الكوكب الرمادي الذي يبدو مثل أطلال ضخمة مهجورة، يسارع الفريق العلمي بالتوجه مستكشفا، وسريعا ما يصل إلى ما يشبه جبلا معدنيا مجوفا، حيث تقع نصف المغامرة في كهفه ذي الممرات المجهولة بينما تقع نصف المغامرة الأخرى في السفينة. الوحش بالمرصاد، وهو ليس من النوع الذي يسير على قدمين، بل من النوع النافذ الذي قد يتخذ أشكالا متعددة. في واحد من المشاهد المؤثرة يكاد يستولي على السفينة بعدما وجد منفذا لداخلها. وإليزابيث تتعرض لحالة حمل تجهضه لتكتشف أن الجنين هو وحش كان الوحش الكبير زرعه في صديقها الذي زرعه بدوره فيها.

لا يوجد مجال كبير هنا لتفنيد حسنات الفيلم وسلبياته، لكن المشكلة الأولى التي تعتريه أنه واقع بين أن يكون عملا جديدا مستقلا عن كل تاريخ، وبين أن يلتحق بسلسلة «أليانز» وينبئ بجزء ثانٍ يليه. بصريا أخاذ لكن تلك المشكلة تترك أثرها في توجيه أحداثه صوب آفاق جديدة. في بعض فصوله نجد المخرج يدخل عرين العنف الدموي، ومشهد إليزابيث الراكضة في ممرات المركبة وهي ملطخة بدماء الجنين الذي قتلته كافٍ لإثارة رد فعل غير مستحب بين أولئك الذين يفضلون الخيال العلمي مفصولا عن الرعب.

في صلب العمل الرغبة في البحث عن أصل الإنسان، وهو يسجل نقاطا تستحق الاهتمام، فالأصل لا يمكن الوصول إليه ولا نوى من طرحه افتراضيا. والسؤال سيبقى بلا جواب على الأقل إلى أن يحين الوقت لإنجاز جزء جديد.

شباك التذاكر

* «مدغشقر 3» و«برومثيوس» تنازعا الوصول إلى المركز الأول هذا الأسبوع بفاصل لا يزيد عن ستة ملايين دولار. وهما الفيلمان الجديدان الوحيدان اللذان تم إطلاقهما في الأسبوع الماضي وقد يستمر نجاحهما للأسبوع المقبل أيضا.

1 (-) Madagascar 3: Europe›s Most Wanted: $58,870,392 ** 2 (-) Prometheus: $52,255,201 *** 3 (1) Snow White and the Huntsman: $22,880,396 ** 4 (2) Men in Black III: $13,215,726 ** 5 (3) The Avengers: $10,804,442 *** 6 (6) The Best Exotic Marigold Hotel: $3,235,298 ** 7 (7) What to Expect When You›re Expecting: $2,711,004 ** 8 (4) Battleship: $2,286,180 ** 9 (5) The Dictator: $2,151,060 * 10 (8) Dark Shadows: $1,360,273، **

سنوات السينما

* 1924 | أميركا وألمانيا

* حين يصنف النقاد والمؤرخون أفلام هذا العام فإن ما يجدونه مثيرا للانتباه حقيقتان أساسيتان:

الأولى أن الكوميدي الرائع بستر كيتون استمر في منواله الجديد منجزا أفلاما جيدة الإخراج إلى جانب أنها جيدة الكوميديا، وهو في هذا الصدد قدم فيلمين هنا يستحقان إعادة المشاهدة مرارا، وهما «الملاح» و«شرلوك جونيور». هذا في الوقت الذي غاب فيه منافسه تشارلي تشابلن كليا في ذلك العام.

الثانية هي أن القسم الأكبر من الأفلام الجيدة التي تم إنتاجها في سنة 1924 كانت إما ألمانية وإما أميركية. الجانب الألماني وفر «انتقام كرمهيلدز راش»، وهي دراما تاريخية تبدو اليوم غريبة عن منوال مخرجها فريتز لانغ، و«الضحكة الأخيرة» لمواطنه ف. و. مورناو.

على الجانب الأميركي أفلام أكثر من بينها، إلى جانب أعمال كيتون، أفلام لجون فورد وراوول وولش وآخرين سنسبر غورها في الحلقة المقبلة.

الشرق الأوسط في

15/06/2012

 

منهن جولي وروبرتس وفايفر وأخريات

نجمات هوليوود "ملكات الشر"

محمد رُضا  

التعابير التي ترسمها الممثلة تشارليز ثيرون على محياها وهي توزّع الأوامر على طاقم السفينة في فيلم ريدلي سكوت “برومثيوس” هي ذاتها التي تستخدمها في تأدية دور الملكة الشريرة في “سنو وايت والصيّاد” . هي لا توزّع أوامرها على كل من يدخل جناحها فقط، بل الشخصيّتان محدودتا المعالم، وأهم تلك المعالم هي جنوحها إلى التسلّط تبعاً لمصحتها الذاتية وحدها . في نهاية الأمر هي مالكة قرارها، أو كما تقول في “برومثيوس” “هذه سفينتي” وتقصد بذلك المركبة الفضائية التي حطّت على بعد سنوات ضوئية لا تحصى بعيداً عن الأرض .

إذا ما كانت تشارليز ثيرون مسافرة عبر الكواكب في المستقبل البعيد، فإنها في “سنو وايت والصيّاد” تؤم فانتازيا أخرى تدور أحداثها في الماضي: إنها، حسب الرواية التي وضعها الأخوان الألمانيان “غريم”، الملكة التي تصر على أن تبقى أجمل امرأة في العالم، وهي كانت اغتصبت الحكم من “سنو وايت” وقضت بحبسها من طفولتها إلى بلوغها في زنزانة في أعلى القلعة . وحين تخبر الملكة مرآتها السحرية أن “سنو وايت” (او كرستين ستيوارت في الفيلم) هي أجمل منها تسعى لقتلها .

هذه الملكة الشريرة ليست استثناء . في سينما اليوم هناك المزيد من الممثلات الرئيسات اللواتي يجدن مصلحتهن في تأدية الأدوار الشريرة، تلك التي تقوم على أساطير وحكايات فانتازية لتوفّر للمشاهد نوعاً من الشر غير المحدود بمنطق الأشياء . بذلك هي الآمرة بفعل قوّة مركزها او ما تتمتّع به من سحر أسود .

وكما لعبت تشارليز ثيرون دور الملكة في “سنو وايت والصيّاد”، رأينا جولي روبرتس تؤدي الدور نفسه في نسخة أخرى تم إطلاقها في هذا العام من الحكاية ذاتها بعنوان “مرآة مرآة” . روبرتس هي أيضاً الملكة الشريرة التي تود القضاء على الفتاة البريئة لأنها لا تريد أن تخسر مكانتها كأجمل امرأة في العالم.

ولو كان الأمر وقفاً على ثيرون وروبرتس لما شكّل ذلك إلا أهمية محدودة، لكن بمراجعة الأفلام الفانتازية والتاريخية في السنوات الأخيرة، فإن المرأة الأقوى في غالبية هذه الأفلام كانت ملكة أو أميرة أو وليّة عهد أو أم لملك شريرة .

أنجلينا جولي أمسكت بخيوط ابنها كولين فارِل بإحكام ولأجل توريثه الحكم والبقاء في مكانتها كأم القائد الإغريقي ألكسندر، قامت بحياكة مؤامرات انشغل بها النصف الأول في هذا الفيلم الذي تعثرت فيه خطوات المخرج أولير ستون .

ومثلها في عالم أكثر فانتازية هيلينا بونام كارتر حينما منحها زوجها المخرج تيم بيرتون دور “الملكة الحمراء” في فيلمه الأسبق “أليس في أرض العجائب”، وهي كما الحال في نسخ “سنو وايت” تجابه فتاة بريئة لا تشكّل خطراً حقيقياً أو منافسة ولو أن عدوّة “الملكة الحمراء” هي ملكة أخرى (آني هاذاواي) سميّت ب”الملكة البيضاء” . المقارنة بين الملكتين تميل إلى منح الأولى الطاقة الأكبر على الفعل والتأثير وحياكة فصول الشر .

كذلك لا ننسى نيكول كيدمان في دورها الجانح صوب الأذى في الفيلم الفانتازي “البوصلة الذهبية” قبل أربع سنوات . والمستقبل لا يختلف كثيراً في هذا الاتجاه عن الماضي القريب . أنجلينا جولي ستلعب دور الملكة الشريرة في فيلم “ماليفسنت” المأخوذ أيضاً عن فانتازيا أسطورية ظهرت كتباً للصغار وذلك في فليم حي (أي غير كرتوني) للحكاية الشهيرة “جمال نائم” Sleeping Beauty . وإذا ما كانت الأفلام التي تم تحقيقها عن رواية الفرنسي شارل بيرو، وضعت تلك الفتاة الصغيرة في قلب الحدث، الا أن النيّة في الفيلم الجديد هو جعل عدوّة الجميلة النائمة، وأسمها ماليفيسنت، تستحوذ على الموضوع والفيلم، في حين ستتحوّل الأميرة أورورا، التي حكم عليها بالنوم تخلّصاً منها والتي ستقوم بدورها إيلي فانينغ، إلى الصف المساند في الموضوع .

بعد أنجلينا جولي سنشاهد راتشل وايز تؤدي دوراً مماثلاً في فيلم “أوز العظيمة والقوية” الذي يتحدّث عن الساحرة الخبيثة التي شاهدها الصغار في النسخة الكلاسيكية من “ساحرة أوز”، والممثلة ناتالي بورتمن التي ظهرت في دور مزدوج نصفه خيّر ونصفه شرير في “بجعة سوداء” تقول إنها تبحث عن دور داكن آخر تقوم به . نجمات الأمس لم يعمدن إلى لعب أدوار شريرة، لكن ذلك كان عموماً في أفلام محدودة وواقعية وغالباً من باب التنويع، أو لأن الممثلة (كما الحال مع جوان كروفورد وبيتي ديفيز) كبرت على أدوار الحب فقررت الانتقال إلى الجانب الآخر من الخط الفاصل . هذا على عكس جميلات هوليوود المذكورات هنا، ثيرون وجولي وكيدمان وسواهن، اللواتي لا زلن دون سن اليأس ورغم ذلك يسعين لبطولة أفلام تقدّمهن للمعجبين بهن على نحو سلبي .

إلى ذلك، هناك سبب جوهري يغفل عنه معظم المراقبين يقف وراء انتشار هذه الظاهرة: لقد تم اختزال الحاجة إلى ممثلات أدوار الشر المتخصصات . في السنوات الممتدة من عمق تاريخ السينما إلى الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، كانت هناك ممثلات تعهد إليهن مثل هذه الأدوار (مرسيدس مكبريدج، مرغريت هاملتون، آن سافاج، جان غرير وسواهن) لكن هوليوود وجدت أنها تستطيع استثمار شهرة ممثلاتها في إطار آخر، خصوصاً بعد النجاح الذي حصدته ميشيل فايفر في دورين من هذا النوع: “علاقات خطرة” (1988) و”عودة باتمان” (1992) .

شاشة الناقد

مدغشقر 3: الأوروبيون المطلوبون” الأول أوروبياً

إخراج: إريك دامل، كونراد فرنون، توم مكغراث

أصوات: بن ستيلر، ديفيد شويمر، كريس روك، جادا بنكت سميث، سدريك ذ إنترتاينر، فرنسيس مكدورماند، جسيكا شَستين

أنيماشن - الولايات المتحدة

“لماذا”، سأل الكوميدي كريس روك جمهوره في إحدى الحفلات المنقولة تلفزيونياً “كلما أرادوا ممثلاً يؤدي شخصية الحمار، اختاروه أسود؟” .

ضحك الجمهور، لكنه لم يكن يمزح . ولم يكن يعلّق فقط على اختياره لكي يؤدي شخصية الحمار الوحشي مارتي، في أجزاء هذا المسلسل، بل على اختيار الكوميدي (الأفرو-أمريكي أيضاً) إيدي مورفي من قبل ليلعب دور الحمار في سلسلة Shrek التي انتجت هوليوود منها، للآن، أربعة أجزاء . كلا المسلسلين من إنتاج “دريمووركس” ويمكن إذا ما شاهدت بعض ما احتواه هذان المسلسلان من أجزاء ملاحظة التقارب في الأسلوب ليس لأن المنفّذين هم أنفسهم (مخرجو “شرك” متعددون لكن ليس من بينهم أي من مخرجي هذه السلسلة) بل لأن الأسلوب السائد لا ينتمي إلى أي منهم، ولا هو ناتج عن فن ذاتي، بل تابع لسياسة عمل أعلى يشرف عليها الاستديو نفسه . من العناصر البصرية لهذه السياسة أن تنتقل المشاهد مسرعة كما لو كانت على موعد، وأن تلقى الحوارات المكتوبة كسطر واحد ولا بأس إذا ما خلا الفيلم بأسره من مفاد يمنحه خلوداً . الحقيقة هي أن المقصود منه هو ألا يفعل . وفي حين كانت شخصيات الأفلام الكرتونية السابقة من استديو “ديزني” المنافس تنجح في البقاء في البال طويلاً (وربما إلى الأبد) فإن لا شخصيات ولا أحداث “مدغشقر 3” تبقى في البال إلا بمقدار المسافة بين الصالة والسيارة . كل ذلك قد لا يجيب عن السبب الذي من أجله يتم إسناد تمثيل الحمار (صوتياً) لأفرو أمريكي، لكن المؤكد أن السؤال، رغم أنه جائز، لا يشغل بال الصغار والكبار الذين يدخلون هذه المعمعمة من الأصوات الضاجّة والمشاهد المتلاحقة وبالأبعاد المزيّفة (الثلاثة) لمن يرغب . هنا نلتقي والحيوانات الأربعة التي سبق لها أن خاضت مغامرة الهروب من حديقة الحيوانات في أمريكا الى أصولها الإفريقية، وذلك في الجزأين الأول والثاني .

إنها الأسد (بن ستيلر) والزرافة (ديفيد شويمر) والهيبو (جادا بنكت سميث) والحمار الوحشي (كريس روك طبعاً) . هذه المرّة هي تريد العودة إلى أمريكا عن طريق أوروبا . تحط أولاً في مونت كارلو ولاحقاً نراها تواصل طريقها إلى روما ثم لندن . خلال الرحلة تواجهها مغامرات وتنضم إليها حيوانات أخرى، مثل الفهد جيا (جسيكا شستاين) التي تريد والحمار مارتي إنقاذ السيرك . بعض الغزل والاستلطاف والمشاعر العاطفية يتسنّى لها النفاذ في عجقة المشاهد والوتيرة المتسارعة، فالسعي إلى المزيد من النجاح مخلوط هنا بالاعتقاد بأن ذلك لابد أن يصاحبه السعي لمزيد من الصخب . الشخصيات تصرخ ولا تتكلّم والصورة مشغولة بما يعتقد أنه سيبقي العينين مفتوحتين على اتساعهما إعجاباً .

كم تمنيّت لو انتهى الفيلم بعد ربع ساعة من بدايته، ذلك لأن المشاهد لو أشرأب بعنقه قليلاً لوجد تلك النهاية تتماثل إليه عن بعد .

إنه فيلم مسل للصغار يطمح، كعادة الأفلام المشابهة، وتعليم المشاهدين مفادات مثل الحب وأهميّة الأسرة والرحلة الفردية من اللامعرفة إلى الفهم . لكنها تأتي ساذجة ومتأخرة وتمر مثل عناوين المحطّات الإخبارية . في مجمله لا يزال يحمل قدراً من الترفيه، لكنه القدر غير الكافي الذي تستطيع أن تستغني عنه بمشاهدة فيلم رسوم كلاسيكي مثل “كتاب الغابة” (نسخة 1967) الذي حوى كل هذه الحيوانات وسواها مع براعة في الرسم واللون خاليين من غش المؤثرات الخاصّة .

أوراق ومشاهد

ضد الحرب

الفيلم: All Quiet on the Western Front

إخراج: لويس مايلستون (1930)

ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية أنجزت السينما عدداً من الأفلام المعادية للعسكر وللحرب، لكن أياً من هذه الأفلام لم يعرف نجاحاً نقدياً كذلك الذي شهده “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” . الفيلم مأخوذ عن رواية وضعها سنة 1929 الألماني إريك ماريا ريمارك وتحكي تجربته على جبهة القتال خلال الحرب العالمية الأولى وما عاصره وسواه من معاناة نفسية ومخاطر بدنية . المنتج كارل ليمل جونيور والمخرج مايلستون لم ينتظرا طويلاً وخطفا المشروع لحساب شركة “يونيفرسال” الذي عرضته بنجاح في عام إنتاجه قبل أن يتوّج بجائزتي أوسكار الأولى كأفضل فيلم والثانية كأفضل إخراج .

اللافت تاريخياً أن شركة “يونيفرسال” أعادت إطلاق الفيلم سنة 1939 في ذروة الحرب العالمية الثانية نكاية بالنازية مضيفة في مطلع الفيلم إشارة واضحة ضدها الأمر الذي لم يرق للمخرج الذي أراد لفيلمه أن يكون رسالة معادية لأي حرب ولو حدث أن المنطقة الجغرافية والزمنية ألمانية وأوروبية .

في الفيلم معاداة الحرب بالغة الوضوح، بل هي من المشهد الثاني (الأول لمتطوعين ينتظمون في استعراض حاشد) الذي نرى فيه خطبة عصماء لأستاذ يوجهها لتلامذته . معظم كلامه غير مسموع بسبب الموسيقا العسكرية، لكن حين يقرر المخرج أن نسمعه إذا به دعوة حماسية للبذل في سبيل الوطن . يتلقّف الطلاب ذلك بعفوية عاطفية . راقب كيف يهبّون من أماكنهم ينشدون وينثرون الكتب ويمزقون صفحاتها ويرمون ما تمثّله من ثقافة وتعليم إلى الأرض .

المشهد الأهم الذي يتم تسجيل معاداة الحرب فيه على نحو يشمل كل الأطراف المحاربة، يأتي بعد قرابة نصف ساعة من الفيلم ويبدأ بقصف المواقف الألمانية الذي ما أن يتوقّف حتى يخرج الجنود من مخابئهم وينتشرون في الخندق لصد العدوان البشري المحتمل . القصف الآن آت من الجبهة الألمانية ليصيب الأعداء والكاميرا تستعرض في “بان” طويل الجنود في الخندق وهم يستعدون لالتحام يدوي مع العدو الذي ما أن يقع حتى تزداد شراسة المشهد مع سقوط ضحايا من الجانبين . حين يتراجع العدو يصوّر المخرج وقوعهم كضحايا مماثلين ما يجعل رسالته لا تعرف تأييد طرف على آخر .

في نهاية ساعتي الفيلم هناك مشهد للشخصية الرئيسية (لو آيرس) وهو يمد يده من الحفرة التي اختبأ فيها ليلتقط فراشة . هنا يتلقّى رصاصة هي آخر مفادات الفيلم التعبيرية عن موقفه من الحرب كونها معادية للإنسان والحلم والأمل . هذا المشهد أضيف لاحقاً خلال عملية المونتاج وبما أن الممثل لم يعد متوفّراً (والمشهد ملتقط من الخلف) تم تصوير المشهد بممثل آخر مجهول .

مع ارتفاع النازية في النصف الثاني من الثلاثينات من القرن العشرين، منع الفيلم في ألمانيا ولاحقاً في النمسا وإيطاليا لكن الرسالة كانت وصلت لمن شاهد الفيلم قبل منعه .

م.ر

Merci4404@carthlink.net

الخليج الإماراتية في

17/06/2012

 

 

هل الفيلم الوثائقي والتسجيلي واحد؟

محمد رُضا  

حان الوقت لنعيد النظر في بعض مفاهيمنا ومصطلحاتنا المتداولة ونطرح بعض الأسئلة التي تحدد ذلك.

تصوّر فيلماً وثائقياً حول حياة عائلة تقتات على عمل ربّ الأسرة كمرشد سياحي وتختار للمرشد مشهداً يمتطي فيه الحصان ويقف عند نقطة بعيدة من الصحراء وحده.

أو لديك موضوعاً في فيلم وثائقي آخر حول إمرأة تقتات من صيد السمك، فتختار لها لقطة وهي في عرض البحر، أو أثناء نشرها للغسيل على سطح البيت وهي تتحدّث إلى الكاميرا.

مثالان محدّدان يطرحان أسئلة مهمّة: حين طلبت من ربّ الأسرة ركوب الحصان والتوجّه به إلى تلك النقطة البعيدة لتأخذ له هذه اللقطة.. هل كنت لا زلت تمارس الفيلم الوثائقي أم خرجت عن شروطه لكي تتيح للمشاهد صورة شعرية؟

ثم ألم تختر الوقت من النهار (أو الليل) والمكان الذي تود فيه تصوير الفتاة وهي في البحر أم وهي تعتلي سطح المنزل تتحدّث إلى الكاميرا وهي تنشر الغسيل؟

شروط السؤال في المثال الأول تنطبق على الشروط في المثال الثاني: ألم يكن مشهد الفتاة في عرض البحر مُركّباً؟ وإذا لم يكن كذلك، ماذا عن مشهدها وهي تتحدّث بينما تنشر الغسيل.. هل تفعل ذلك في حياتها اليومية؟

في النهاية: ما هي الوثيقة التي يُكنى بها الفيلم غير الروائي؟ وما الفرق بين الفيلم التسجيلي والفيلم الوثائقي؟ أو ليست هناك إختلافات وفوروقات بينهما؟ وماذا عن تدخّل العنصر التركيبي (تركيب مشهد حسب رغبة المخرج ما يعني تدخّله في الحقيقة) في الفيلم الوثائقي (أو التسجيلي إذا أحببت)؟

الكلمة اللاتينية لكلمة "وثائقي" أو "تسجيلي" هي واحدة: Documentary

ومصدرها كلمة Document

والتي تعني "وثيقة"؛ إلا أنّنا في اللغة العربية نملك خياراً بين إسمين هما "وثائقي" و"تسجيلي" ومع ذلك نحن حيارى وأحياناً نتذمّر مطالبين بالإتفاق على ما نريد.

لمَ لا نستفيد من معطيات اللغة ونقسم الكلمة إلى قسمين كل بمعنى يختلف عن الآخر ولو قليلا؟

الوثائقي هو الذي ينضوي تحت شروط التوثيق الفعلية، أمّا التسجيلي فهو الذي يسجل ما يقع أمام الكاميرا.. هل من فرق؟

نعم..بتحقيق فيلم وثائقي، فإن المخرج سيلتزم بالشروط الصارمة للفيلم، ولا يلجأ لإدخال عناصر خارجية، كتلقيح وتركيب، ولا إدارة الشخص في الفيلم كممثل كما نرى الحال منتشراً، الإلتزام هنا هو بتحويل الفيلم إلى وثيقة صادقة مئة بالمئة وخالية من التركيب والتفعيل الجانبي.

الفيلم التسجيلي يستطيع أن يأخذ على عاتقه هذا المنوال من التفعيل كحال المثالين السابقين لأنه يريد أن يسجل طينة حياة وربما يواجه اختيارات من نوع تخصيص العنصر البشري الأول في الفيلم بلقطة يتم تركيب شروطها خلال التصوير؛ كذلك فإن التسجيل يعني أن الكاميرا تصوّر لكي تسجّل وضعاً، وليس بالضرورة لتوثيق حقيقة.

الغطاء المثالي لكلا النوعين هو "الفيلم غير الروائي"، على أساس أنه يشملهما معاً، وهو يشمل أيضاً الفيلم التجريبي، والفيلم التكعيبي، والفيلم الشعري، والفيلم الريبورتاجي وأي فيلم يخلو من عنصر القصّة.

وعلى ذكر الفيلم الريبورتاجي، صرنا نجد هذه الأيام أفلاماً من هذا النوع تُصنّف بكونها وثائقية ما يهدر كلمة الوثائقية ويجعلها مثل موقف أو مرآب سيارات، أي سيارة في وسعها استخدامه.

الريبورتاج هو نوع مختلف تماماً ينص على صياغة فيلم قائم على الحدث الدائر غالباً، أو على موضوع لا يزال يمر بحلقة من ردود الأفعال؛ لذلك هو أنسب لعمل وغاية الفيلم الإخباري أو التعليقي التلفزيوني.

رغم ذلك وجدنا أن الكثيرين لدى الغرب قبل العرب، يستخدمون النوع تحت العنوان العريض لكلمة "وثائقي".
وإذ تتعدد تلك المسمّيات من دون تصنيف حقيقي، لابد من الإشارة إلى أن التصنيف، إذا ما بقي حرّاً هكذا، ساعد في تعميم ضبابي للمسميات أولاً، وخلط المباديء الفنية ثانياً.

في أي من أفلام / مايكل مور مثل "فهرنهايت 9/11" أو "سيكو"، سنلاحظ الأسلوب الريبورتاجي بارزاً. كلاهما بالخطوط العريضة فيلم تسجيلي (وليس وثائقياً) والأسلوب المستخدم فيه ريبورتاجي، نظرا لكونهما ذلك قد أنتجا لجذب المشاهد إلى فكرة تسجيل موقف.

في الفيلم الأول هو الموقف من سياسة جورج و. بوش حيال السياسة الخارجية، والثاني موقف حيال وضع المؤسسات الصحيّة في الولايات المتحدة بالمقارنة مع وضعها في كندا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى.

والمنطلق فيهما هو صياغة موقف سياسي يجابه موقفاً آخر وبيعه (بالمعنى غير المادّي) إلى المشاهد لكي يشاهده ويبني موقفه الخاص حياله. صياغة هذا النسيج من المواقف المتبادلة تتمحور حول دخول المخرج على الخط كباحث عن الحقيقة كما يراها (وليس أي حقيقة). إنه صاحب الموقف الإجتماعي المعادي للحرب في العراق والمعادي للسياسة الأميركية، والمعادي أيضا لنظام الضمان الإجتماعي الأميركي كما هو قائم اليوم.. بذلك يمارس "مايكل مور" حقّه كمواطن في النقد، هذا التدخل يزيد من تباعد هذا المنوال مثلاً عن منوال أفلام "روبرت فلاهرتي"، مثل "نانوك الشمال".

هناك ليس من موقف سياسي مطروح بل مجرد تسجيل لنمط حياة ولرحلات الصيد ورتابة العيش وخطورته فوق تلك الصقاع البعيدة؛ هذا الفارق الناتج عن وسيلة التعبير وبؤرة الإهتمام كافية للفصل بين الإثنين كنوعين مختلفين تماماً ولو كانا يبدوان متشابهين كثيرا.

وكنت شاهدت فيلماً فلسطينياً فيما مضى بعنوان "عَ باب الله" للمخرج / إيهاب الخماسية الذي منه استوحيت المثال الثاني في مقدّمة هذا التعليق، فالمخرج يصوّر العائلة حين تطبخ وحين تخرج من البيت وحين يتكلّم أفرادها وحين يركبون المركب الصغير إلى عرض البحر؛ في حين أن كل ذلك ضمن البيئة الحقيقية، إلا أن الكثير منه إذا لم يكن بأسره، تركيب متّفق عليه ما يفرّغ الفيلم من "وثائقيّته" ويضمّه إلى "التسجيلي" و"الريبورتاجي". طبعاً من الأصعب على الجهات المنتجة أن تمارس مثل هذا التفريق، لكنه ضروري. ومن الإشكالي للمخرج اليوم إنجاز فيلم وثائقي صاف، لكنه أمر مهم، إلى أن يتم ذلك ، فما علينا نحن النقاد إلا أن نمارس هذا التفريق بأنفسنا علماً بأنه من الناحية الفنية لا يوجد تفضيل، فكل فيلم يحمل في كيانه المستقلّ أوضاعه ومستوياته الفنية، إيجابية كانت أم سلبية.

المصادر:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1.     M. Moore.jpg مايكل مور خلال تصوير: سيكو،

2.     2. nanook.Robert_Flaherty_Nyla_1920.jpg

3.     3. A bab allah.jpg ع باب الله

الجزيرة الوثائقية في

18/06/2012

 

الدين كموضوع جمالي

محمد اشويكة - المغرب  

-1-

اعتنت السينما منذ بداياتها، وبشتى أنماطها، بتيمة المقدس سواء على مستوى الأفلام الروائية أو الوثائقية، بل صار التخصص في بعض المجالات الدينية كلاسيكيا في الأدبيات السينمائية كما هو الحال بالنسبة للأفلام الإنجيلية مثلا "Films bibliques".. هكذا تناولت الأفلام اللاهوت المرتبط بالديانات التوحيدية (اليهودية، المسيحية، الإسلامية، وكذا الوضعية (البوذية...)، وغيرها.. كما اهتمت ببعض القضايا الميتافيزيقية كالملائكة والجن.. أو بالصراعات الداخلية الحاصلة داخل الديانة الواحدة (الصراع الكاتوليكي البروتستانتي).

ما معنى أن يكون الدِّين موضوعا أثيرا للسينما؟ ما الجماليات المرتبطة به؟ كيف يمكن تناوله من خلال فيلم وثائقي؟

-2-

حاول المخرج المغربي نور الدين التلسغاني مقاربة تلك الإشكالات من خلال فيلمه الوثائقي الطويل: "Ma religion est faite" ، وهو شريط يمكن اعتباره فيلم شهادات "Film de témoignage" بالنظر إلى حجم الآراء التي انفتح عليها ضمن مجال مكاني مغاير يسمح، إلى حد كبير، بحرية الاعتقاد؛ إذ تَمَّ التصوير بمدينة ستراسبورغ الفرنسية التي تعتبر بؤرةً تتعايش وتتصارع فيها الديانات والمعتقدات والمذاهب والحساسيات والتقليعات والآراء والرموز...

ركز الفيلم أثناء التصوير على بعض التفاصيل المشتركة بين الديانات كالصلاة، والخشوع، والقراءات المقدسة، والأصوات، واستعمال بعض الأكسسوارات كالسُّبْحة والورود والبخور والشموع مما يشير إلى كونية هذه الممارسات والطقوس التي تجعل من الإنسان كائنا ميتافيزيقيا يرفعه الغيب إلى مستويات روحية قد توحده أو تفرقه.

واجه الفيلم إشكالية الدين من زاويةٍ حاولت أن تنطلق من فكرة تعايش الأديان والمتدينين، وإشاعة ثقافة الحوار بين الشعوب. قادتنا كاميرا المخرج التي كانت متحركة وديناميكية إلى رصد الاختلاف والتعدد الثاوي في العقائد والنفوس، والذي لا يبتعد أصحابه عن تكريس الكليشيهات المرتبطة ببعض الديانات، والتي تنم عن خلفية إيديولوجية أو عن جهل، فقد صرح بعض المُسْتَجْوَبِين بأن الإسلام، مثلا، مرتبط بالإرهاب والتطرف.. وصرح البعض الآخر بأن البوذية ليست دينا وإنما موضة أو تقليعة.. واعتقد البعض بأن الدين لا يهمه مدعيا الحياد أو العيش بدون ارتباطات ينسجها مع المواضيع الميتافيزيقية المطلقة.. وذلك، ربما، ما جعل أحد الحاخامات يُعَرِّف الدين "Religion" استنادا إلى الفعل الفرنسي "Relier" [رَبَطَ] المشتق من الأصل اللاتيني "Religare" الذي يشير إلى التجميع واستعراض الشيء بعناية للدلالة على سند التقوى الذي يربط المؤمن بالله. وفي نفس السياق، هناك من يرجع أصل الدين إلى الفعل اللاتيني "Religio" الذي يحيل إلى كل ما يربط ويجمع ويصل...

انطلاقا من ذلك يصبح الدِّين ذلك الرابط الذي يجمع الناس حول ما هو مقدس أو غيبي أو مطلق أو متعالٍ وفق منظومات اعتقادية ودغمائية، أو استنادا إلى ممارسات شعائرية وأخلاقية. وَضَّحَ الفيلم أن الإنسان يعتنق الدين بدافع أخلاقي، أو نتيجة لتَبْكِيت الضمير، أو الحيرة.. وذلك ما ينعكس على شخصية الفرد، فيتحول الدِّين، بذلك، إلى منهاج أو فلسفة في الحياة كما يظهر بجلاء من خلال ما جاء في الفيلم الوثائقي.

-3-

بدأ الفيلم بطرح إشكالية الخلق مفسحا المجال لتصورات كثيرة جاءت على لسان أناس اعتنقوا الإسلام، ومتدينين مسلمين، ورجال دين يهود وبوذيين ومسيحيين؛ في مقابل أناس غير متدينين، وفنانين من حساسيات مختلفة: مخرجون، مصورون فوتوغرافيون، موسيقيو الشارع، تشكيليون.. اختلفت وجهات النظر وتباينت، فهناك من سار وفق التصور الديني الذي يشير إلى سرمدية الكون وإلى خالقه الذي سبق الخلق، والذي لا يمكن أن يشمله الفناء؛ وهناك من اتبع التصور العلمي الذي يُرَجِّح نظرية الانفجار العظيم "Le big bang" التي تحاول أن تخلص العالم من سطوة الغيب، وتفسره تفسيرا ماديا يسعى إلى فهم العلاقات المتحكمة في ظواهره.. بعيدا عن فكرة الكَاوُوس التي تركز على أن الفراغ، كان، هو السائد والسابق عن كل شيء بما في ذلك الضوء.

لم يتوقف النقاش عند ذلك الحد، بل تشعب كي يمس قضايا جوهرية في حياة الإنسان كالموت والحياة والمصير، إضافة إلى ما يتعلق بالممارسات والعقائد والطقوس المرتبطة بالدين، فقد أظهر الفيلم حجم الاختلاف الحاصل حول المفهوم وما يرتبط به، والذي يمكن أن نلخصه فيما يلي:

- الدين مجرد خيالات وأوهام...

- الدين إرث ثقافي من المعتقدات اللاعقلانية...

- الدين حقيقة وتجربة إنسانية باطنية تتجلى من خلال إيمان طافح وجِدِّي وصادق...

- الدين ظاهرة معقدة يصعب فهمها...

نستنتج من خلال وجهات النظر تلك أن الدين مسألة تاريخية لا تكاد تفارق مختلف الممارسات الإنسانية كالفن والسياسة والقانون.. فهو حاضر بشكل تطوري، متزايد ومؤثر، في حياتنا اليومية الأمر الذي يجعله في خضم السِّجَالات البشرية الكبرى وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين المقدس والمدنس.

-4-

يتبين أن المخرج لم يدخل غمار هذا المنجز دون معرفة أولية بالدين عامة، وبالديانات الكبرى خاصة، فقد طرح إشكاليات الدين والتدين من خلال ثلاثة محاور أساسية لا يمكن أن تستقيم أية ممارسة دينية بدونها، وهي:

- المعتقدات والممارسات الدينية: ركز الفيلم على أهمها في المسيحية واليهودية والإسلام والبوذية مع الإشارة إلى اللاَّدِينِيِّين...

- الإيمان أو ما يصطلح عليه بالمشاعر الدينية: قدم الفيلم بعض الثوابت العقدية لدى مختلف المتدينين موضحا أسس الإيمان عندهم...

- وحدة المؤمنين داخل جماعة واحدة: يقدم الفيلم المسجد والكنيسة والمعبد كأمكنة مقدسة لالتقاء المؤمنين، وممارسة الطقوس والشعائر الدينية...

سعى الفيلم، انطلاقا من الديانات الكبرى في العالم، إلى أن يقدم للمتلقي مفهوما شاسعا للدين، وذلك باعتباره جمّاع الأفكار والمعتقدات والمشاعر والممارسات التي تحدد علاقات الإنسان بالله، وبكل ما هو مقدس، فهو ينبني على المشترك بين أعضاء كل جماعة مؤمنة، مثلا: الكتب المقدسة، الشعائر، الطقوس، الأسرار، التنظيم، الالتزام بالقيم، تطبيق الأوامر والامتناع عن النواهي.. وهي مسائل تأتي إما عن طريق الكتب المقدسة، أو الأنبياء، أو الحكماء (بودا مثلا)...

-5-

أوضح الفيلم بأن الموضوع الديني ليس مجرد قضية ترتبط بالأفراد فحسب، وإنما تقع في صميم اهتمامات الجماعات، فالدين يفرق بين جماعة المؤمنين وغير المؤمنين، ويرتبط أشد الارتباط بما يخافه الإنسان كالموت التي اعتبرها البعض راحة، والبعض خلودا، والبعض فيصلا بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى، والبعض تجددا أو خلقا متجددا.. لكن، مهما اختلفت التصورات والاعتقادات فقد مال المخرج إلى إنهاء فيلمه بطريقة فنية تكرس اللاَّيَقِين لدى المتلقي أكثر مما تزيح الحيرة عن قلبه، وذلك عبر مزجه لعدة أجوبة متداخلة: أصبح الكل وسط جَلَبَة معتمة تتداخل "أصواتها – أجوبتها"، وكأننا أمام دفق من الكلام اللانهائي!

تُمَثِّل الشاشة المظلمة ما يشبه الكهف المنغلق الذي تختلط فيه أصوات الناس.. نهاية تشبه القيامة المتخيلة، لحظة مظلمة (كَاوُوسِيَّة)، لا يقينية، تميل إلى الظلام وكأن أصحابها يقبعون داخل القبور: لكل منا حقيقته المتعالية التي يأخذها معه بعد الموت البيولوجي الذي يطاله...

إذا ما عدنا إلى فكرة الظلمات والظلام في الخطاب الديني فغالبا ما تحيل على الجهل والجهلاء، وعماء البصيرة، وأصحاب النار، والمصير السوداوي الذي ينتظر الكفار والعصاة، ومن طبع الله على قلوبهم.. وغير ذلك من الصفات السلبية. أما اللون الأسود فيعني انتفاء الألوان، وهو يشير في بعض الثقافات إلى الحزن والكآبة والخوف والشر.. وما دون ذلك من المشاعر والأفكار التي يمكن أن تسيطر على بعض التعبيرات الموصوفة، غالبا، بالسوداوية...

الجزيرة الوثائقية في

17/06/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)