حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

دنيا عبدالعزيز:

شيريهان غيرت مجري حياتي

بقلم : سماح عبدالسلام

 

·        كيف ترين ثورة 25 يناير وتأثيرها علي الحركة الفنية؟

- هي حدث كبير وعظيم كنا ننتظره منذ سنوات، تأخر نعم ولكن المهم أنه حدث، وبالتأكيد إن أي تغيير في الحياة سينتج عنه تغيير شامل في جميع المجالات وليس الفن فقط، هذا التغيير لن نراه بين ليلة وضحاها لأننا مازلنا في حالة عدم اتزان وعندما تستقر الأمور حينها سنحدد ما سنقدمه ونوعية الأفكار والموضوعات التي سيتم طرحها، إذا كنا نتحدث عن موضوعات غير تاريخية بالطبع.

·        إذن ما رؤيتك للأعمال التي أقحمت الثورة فيها؟

- الموضوع ليس اقحاما، فقد قدمت مسلسل «إحنا الطلبة» وكانت الحلقات الأخيرة منه تتحدث عن الثورة، بمعني أننا عندما صورنا العمل كان ذلك قبل الثورة وتوقفنا خلالها، وفي ذلك الوقت لم نكن قد انتهينا من كتابة آخر عشرحلقات بمعني أننا لم نقم بتغيير الأحداث وعندما قامت الثورة الأحداث كانت في فترة الدراسة، وتوقيت أحداث المسلسل كما لو يبدو في شهر يناير لذا كان باستطاعتنا أن نقدم ما حدث، فجسدناه في آخر عشرحلقات ولم نقم بإدخالها فجأة من بداية العمل وحتي نهايته من باب الحديث عن الثورة، حيث وجدنا أن هذا شيء طبيعي ونحن جميعنا طلاب في الجامعة وتم وضع الأحداث في إطارها المناسب لكن في نفس الوقت كان هناك شخصيات معينة تم التمهيد لها لتسير علي هذا الخط.

·        ولكن البعض يري أن مسلسل «إحنا الطلبة» لم ينجح بالمقارنة بأعمال مسلسل «كيدالنسا» و«الريان»؟

- لم أر ذلك، كما أن مقياسي علي نجاح العمل من فشله هو الجمهور ورد فعله وقد رأيت أنه نجح أكثر مما أتخيل، حيث إنه مسلسل شبابي وخفيف وسعد به الجمهور لأننا قدمنا شيئا غير مألوف وهذا ما جذبه لمشاهدته، فالعمل احتوي علي مجموعة من الشباب وهذا لا يحدث كثيراً في الدراما لذا فضل الجمهور رؤية ذلك ومعرفة القصص والخطوط المختلفة لهذه المجموعة في العمل.

·        إذن كيف ترين المطرب «أحمد سعد» في أولي تجاربة الدرامية وخاصة أنه لم ينجح؟

- أنا من عشاق الفنان أحمد سعد كمطرب ولا أستطيع تقييمه كممثل من أول تجربة خاصة أن إنسان في أولي تجاربه يحتاج للتوجيه وفي رأيي ممثل جيد استمتعت بالعمل معه، لكنه يحتاج للتوجيه أكثر في الأعمال القادمة حتي يخرج أعمالاً جيدة حيث أري أنه ظُلم.

·        وهل من الممكن أن تتناول الثورة حالياً في حدث فني؟

- ليس من المناسب تناول حدث كبير بحجم الثورة في عمل فني لأنه حدث متحرك لم يختمر بعد ولم تظهر نتائجه فكيف سنعبر عنه، لابد من الانتظار ورصد الإيجابيات والسلبيات وتحديد الأفكار ثم بلورتها في عمل فني يليق بقيمة هذا الحدث العظيم، ولكن الأمر يختلف بالطبع إذا كنا سنتحدث عنها كفيلم تسجيلي .

·        كفنانة شابة ما متطلباتك من الثورة، وهل علي الفنان أن يتحدث في السياسة أم يركز فقط في فنه؟

- لا التغيير مطلوب وطالبنا به كثيراً ولكن متطلباتي الحقيقية أن يحصل المحتاجون علي حقوقهم والتي تم حرمانهم منها كثيراً، أتمني أن تعم الديمقراطية، ومن حق الفنان أن يدلي بوجهة نظره ليس الفنان فقط وإنما أي إنسان لديه رأي وأفكار عليه أن يطرحها .

·        قدمت العديد من الأدوار المهمة، فعلي أي أساس يتم اختيارك لأعمالك؟

- لابد أن يجذبني الدور بحيث أجد فيه شيئًا مختلفًا ثم يأتي بعد ذلك فريق العمل لأنني إذا قدمت دورا مهما في عمل غير مهم فلن ينجح بينما دور صغير في عمل كبير سوف يظهر أثره.

·        ما رؤيتك للأعمال السينمائية في هذا الموسم وخاصة أنها تعرضت للانتقاد بشدة؟

- لم أر هذه الأعمال حتي أحكم عليها ولكن مجرد أن يكررالفنانون العمل في هذه الظروف الصعبد وتقدم أعمالا يتم طرحها في العيد رغم كم الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلد فهذا يعد شيئا جيدا بغض النظر عن نوع الفيلم وطريقته، فقد مرت بنا ظروف طبيعية ولم نعاني خلالها الخلل الأمني ومع ذلك تم تقديم أعمال ليست بذات القيمة، لكن عندما يقدم عمل أقل من المستوي المطلوب فليس هناك مشكلة، يحسب للفنانين أنهم عملوا وعُضت أفلامهم التي صنعوها في ظل ظروف صعبة، ومع ذلك أنا لم أر الأفلام المعروضة حتي أقوم بتقييمها.

·        إذن أين أنت من السينما الحالية؟

ـ أنا موجودة بالنسبة للسينما، آخر فيلم قدمته كان «أحاسيس» والذي لاقي انتقادات كثيرة، أري أن السينما مثل أي شيء ترتفع وتنخفض هناك أفلام مرتفعة وأخري ذات مستوي أقل والموضوع في النهاية أذواق ومن الوارد أن نري عملا متوسطا ولكنه في نفس الوقت حصد أعلي إيرادات، عموما السينما تتطور وليس هناك مشكلة من وجود فيلمين متوسطين بجوار عدة افلام جيدة.

·        ألا يمكن للدراما العربية سحب البساط من مصر؟

- لن يحدث هذا، مصر ستظل رائدة لكن ليس هناك مشكلة من حدوث تنافس فهذا في صالح الجميع حيث يثري الأعمال ويعطي حافزا مهما لتقديم الأفضل دائما.

·        وماذا عن غزو الفنانين العرب للدراما المصرية وكذلك تجسيد شخصيات مصرية؟

- هذا ليس وليد اليوم وإنما كان يحدث منذ أيام الأبيض والأسود، ولن يؤثر علي الممثل المصري لأن الفنان الجيد يستطيع أن يثبت نفسه وسط الجميع، وبالنسبة لتجسيد شخصية عربية لأخري مصرية ربما أختلف مع ذلك قليلاً ولكن المهم والفيصل أن يخرج العمل بصورة قوية وناجحة، لايجب التعنت لأنه من الوارد أن تجسد الشخصية المصرية فنانة مصرية أيضاً ويفشل العمل والعكس صحيح، لكن لابد من الخروج بنتيجة إيجابية وأداء جيد؟

·        وماذا عن الدراما التركية وانتشارها بصورة كبيرة مؤخراً؟

- أعشق الدراما التركية، في البداية لم أكن أشاهدها وكنت أسخر من أصدقائي الذين يتابعون حلقات مسلسل تقترب من مائة حلقة إلي أن جاء «العشق الممنوع» اكتشفت أنني لا يجب أن أحكم علي شيء لم أره فقد أعُجبت بالأداء والتمثيل والتصوير، جميع جوانب العمل تلفت الانتباه وأعتقد أن الدراما التركية من الأشياء التي غيرت مفاهيم الناس في الفترة الماضية .

·        انتشرت أعمال السير الذاتية بصورة كبيرة مما اعتبرها البعض فقر أفكار، كيف ترين هذا؟

- انتشارها يعود لنجاح مسلسل «أم كلثوم»، فدائماً لدينا مشكلة التكرار وعندما نجح فيلم « صعيدي في الجامعة الأمريكية» منذ سنوات استمرت السينما تقدم سلسلة أفلام كوميدية من نفس التيمة كنوع من حصد النجاح الذي حدث في عمل سابق بمعني لعب في المضمون مع أنه غير مضمون لأن آراء وأذواق الجمهور مختلفة وعندما يتكرر شيء يحترق وهذا ما نراه.

·        لكن ألا يوجد شخصية معينة تتمنين تجسيدها علي الشاشة؟

- الفنانة الاستعراضية شيريهان، فقد عشقت الفن بسببها ومن خلالها، عندما كنت طفلة لم أكن أشاهد غيرها وقررت تعلم الاستعراض بسببها ومع بداية ظهوري شبهني الجمهور بها، وعندما دخلت الفن كنت أقرر تقديم استعراض فوجدت نفسي أقدم أعمالا أخري، شيريهان غيرت فكري في الحياة.

·        وهل تحدثت معها بخصوص تقديم حياتها في عمل فني؟

- لم يحدث ذلك، لكن بمجرد طرح السؤال لم أجد فنانة تخطفني مثل شيريهان .

·        طالما تعشقين الاستعراض فلماذا لم تقدميه ولو من خلال الفوازير؟

- وأين الاستعراص أصلاً في مصر، الاستعراض لا يوجد لدينا إلا من خلال الفوازير وقد انتهت بعد شيريهان ونيللي وسمير غانم، فلم يوجد فنان أخر ترك علامة أو بصمة قوية بعدهم رغم أنهم جميعاً أبدعوا، فلماذا نضع أنفسنا في مقارنة مع نيللي وشريهان؟ بالإضافة إلي أننا ليس لدينا استعداد كإمكانيات مادية لتقديمه وأمور أخري.

·        وماذا أيضاً عن تكرار استغلال نجاح بعض الأفلام وتحويلها لمسلسلات؟

- أري أن أي روح جديدة أفضل وفي نفس الوقت استثمار النجاح غير مضمون فهو سلاح ذو حدين أن ينجح أو يفشل ودائما ما ستحدث مقارنات لذا يكون العبء كبيرا.

·        قمت بدراسة الإخراج، فأين أنت منه؟

- عندما دخلت المعهد العالي للسينما كنت أركز علي الإخراج ولكن مع عملي في «أمير الظلام» و«بنات أفكاري »وجدت نفسي أتمهل وأقوم بتأجيل الإخراج كل فترة، التمثيل هو أساس حياتي وليس الإخراج، فبدايتي ممثلة ودراستي للإخراج لكي أستفيد منه كممثلة، حيث طرأت الفكرة أثناء دراستي وأستطيع القول إن الفكرة موجودة ولكنها مؤجلة.

·        كانت لك تجارب سابقة علي المسرح فأين أنت منه حالياً؟

- بالفعل لقد عملت في المسرح ولكن حظي معه كان سيئاً لأن معظم الأعمال التي قدمتها تم تصويرها بنجوم آخرين، فقد قدمت مسرحية «ونيس» مع محمد صبحي و«دوري مي فاصوليا» مع سمير غانم و«مرسي عايز كرسي» وغيرها، أنا أكثر فنانة من جيلي قدمت مسرحا ولكن سوء الحظ صادفني في التصوير بينما كنت سعيدة لوقوفي أمام فنانين كبار علي خشبة المسرح، كما أنني في الفترة الحالية في فترة راحة ولن أقدم الاما أقتنع به.

·        دنيا الطفلة التي ظهرت مع محمود حميدة ودلال عبد العزيز لأول مرة في «صراع الزوجات» ودنيا الممثلة حالياً، ما الذي تغير فيها؟

- بالتأكيد تغير الكثير، فقد حدث نضج واكتسبت وعيا وثقافة وثقة بالنفس، عملي مع كبار الفنانين جعلني أثق نفسي وهذا بعيداً عن الغرور بالطبع، كما أن دراستي للفن جعلتني أجيد الاختيار وتقييم الأشياء، تضحك..دنيا الطفلة كانت تلعب وتستمتع بالوقت والحرية كطفلة لكن حالياً أشعر بالمسئولية وحزينة، كنت أتمني أن يكون حال السينما أفضل مما هي عليه الآن، أعشق عملي، حيث يؤثر علىّ بشكل قوي فلا أعمل لمجرد المعرفة والشهرة والتواجد، حيث تجاوزت هذه المرحلة، كما أخذ الموضوع علي أعصابي واتفاعلي مع أدواري بصورة كبيرة.

·        إذن أين أنت من البطولة المطلقة طالما تجاوزت مرحلة التواجد؟

- لاأ ريد تقديم بطولة مطلقة حالياً، أفضل البطولة الجماعية وأشعر أنها تخطف القلب وذلك منذ قدمت فيلمي «كلم ماما» و«حالة حب»، كما أن أول بطولة مطلقة لابد أن يكون الورق مكتوبا بشكل يبهربني فلا يعنيني تقديم بطولة مطلقة ولا تنجح بينما يهمني تقديم بطولة جماعية تلفت النظر، والموضوع ليس أن أكون رقم واحد فمن الممكن أن يحدث هذا فشلا وربما أكون ممثلة لدور ثان وأنحج المهم أن يظل الجمهور يحب الفنان ولا يتهمه بالفشل لأنني إذا سمعت هذه الكلمة ربما أُصاب بالملل وأكتئب طويلاً، ونجاح الفنان لا ينحصر علي البطولة المطلقة فقط كما لست أنني مع أخذ خطوة أشعر معها بالمسئولية التي تقع علي عاتقي بمفردي إلا إذا كان العمل يبهرني وهو ما لم يحدث حتي الآن، وإذا حدث فسأقدم البطولة المطلقة لذا لن أقدم دوراً تقليدياً.

·        وأين أنت من بنات جيلك؟

- لا أري نفسي، هذا ليس دوري وإنما دور النقاد والجمهور، مقياسي يختلف عن البعض فلابد أن يحبني الجمهور ويتعاطف معي، لا أفكر في كم الأعمال التي قدمتها وإنما ما يشغلني هو المحافظة علي حب الجمهور والنجاح.

·        قدمت العديد من الأعمال التليفزيونية والسينمائية، فما العمل الذي شكل لك بصمة؟

- أول شيء كان «الجراج» في السينما، حيث حصدت عنه جائزة قدمت لي دفعة قوية وبالنسبة للتليفزيون «المال والبنون»، ولكن ما رسخ لي وفجر ظهوري كان دور الخرساء في «عائلة ونيس».

·        الإغراء، كيف ترينه وما مدي تقديمك له؟

- علي حسب هذه الكلمة التي تحمل الكثير من المعاني، قدمت إغراء في «حالة حب» ولم يظهر من جسدي شيء، من الممكن تقديم إغراء بدون ابتذال أو خدش للحياء أو تقديمه بشكل فج وهو ما لا أستطيع تقديمه، في السينما كل فنان حر يسرح بخياله فيما يقدمه وليس لي رأي فيه لكن لي مفاهيمي نوعاً ما فنحن مجتمع شرقي له عاداته وتقاليده وأحاول عدم الخلط بين تفكيري وحبي للسينما وأقدم ما أستطيع فعله لكن لن أصل للحد الأعلي أو التزمت.

جريدة القاهرة في

12/06/2012

 

"قل لي ولا تخبيش يا شيخ دعم السينما.. حلال ولاّ حرام"

بقلم : د.وليد سيف 

يكتب عن القضية الأزلية "قل لي ولا تخبيش يا شيخ دعم السينما.. حلال ولاّ حرام" * في ظل الدولة البوليسية الغاشمة كانت الثقافة تتراجع وكانت السينما الجادة تحارب بدون سلاح ولا إراقة دماء * اعتمد تمويل الفيلم السينمائي في مصر بطول تاريخه علي نمط أساسي قلما كانت تشذ عنه بعض الحالات الاستثنائية وهو نمط تمويل إنتاج الفيلم بقروض التوزيع المسبقة مازال يحدونا الأمل في دولة مدنية رغم الصعاب ولوغاريتمات الحسابات بين دولة الفلول والعسكر من جانب ودولة المرجعية أو الرجعية الدينية علي جانب آخر. مازال لدينا الأمل ونحن نبحث عن مخرج آمن للوطن نحو دولة متحضرة تقدمية تؤمن بقيمة العمل والعلم والفن علي وجه العموم وتدرك أهمية السينما كفن جماهيري علي وجه الخصوص. عندما خرجت الجماهير تهتف بإسقاط النظام كانت تدرك جيدا أن نظام مبارك كان في طريقه للقضاء علي الدولة بعد أن نخر السوس معظم أعمدتها. وبعد أن كادت تتآكل أو تسقط بعد سنوات من الأهمال وسيطرة القيادات الرجعية والعقلية العسكرية البوليسية عليها. وجاءت سنوات حكم جمال مبارك بالفعل وإن كان بدون الاسم لتسيطر طبقة جديدة وجيل جديد من شباب رجال الأعمال المشبوهة والتربح السريع وهواة الاقتصاد والسياسة لتتزايد الأمور انحطاطا نحو الهاوية بلا أي أمل للإصلاح. لم يضئ شمعه في الطريق المظلم إلي هذا الأمل سوي مجموعة من شباب مصر الأطهار ضحوا بأرواحهم في سبيل الوطن بلا هدف أو مصلحة سوي إنقاذ الدولة والبلاد. ميزان السينما في ظل الدولة البوليسية الغاشمة كانت الثقافة تتراجع وكانت السينما الجادة تحارب بدون سلاح ولا إراقة دماء ولكن فقط بإطلاق العنان لتيار التجارة الحرة البذيئة المبتذلة والتي كان يستوي فيها سوق السينما بالملاهي الليلية وتجارة المخدرات. كانت الدولة، ومنذ السبعينات ولعدة عقود قد رفعت يدها إلا قليلا عن أشكال دعم السينما. فلم يبق من هذا الجانب سوي محاولات متفرقة في مجال إنتاج أفلام التليفزيون ومن بعده جهاز السينما. كنت واحدا من ضمن من كتبوا كثيرا عن ضرورة مساهمة الدولة بشكل مباشر في تمويل أفلام سينمائية راقية المستوي لتواجه طوفان الأفلام التجارية المسفة التي تغرق دور العرض سنويا لتحقيق حالة من التوازن في السوق السينمائي. وكنت أري أن إنتاج الدولة من خلال التليفزيون لا يحقق هذا الهدف لأن رسالة التليفزيون إعلامية أساسا ولأن طبيعة الرقابة التليفزيونية كانت تفرض مزيدا من القيود علي حرية المبدع ونحن نأمل في سينما تتميز بقدرأكبر من التحرر. وفي هذا المجال لم نر طوال ثلاث عقود سوي إقامة مسابقات للسيناريو بين حين وآخر لدعم مشروعات الأفلام من قبل صندوق التنمية الثقافية أو وزارة الثقافة مباشرة والتي لم تسفر عن إنجاز حقيقي ومشاركة في إنتاج أفلام إلا علي أضيق الحدود وفي سنوات متأخرة. كما لم تعود الدولة إلي الإنتاج الكامل إلا مرة واحدة ومن خلال فيلم «المسافر» الذي تم إنتاجه بظروف وشروط ومواصفات خاصة وتأخر تقديمه في دور العرض لعدة سنوات بعد مشاركته في أكثر من مهرجان دولي وإقليمي دون أن يحقق النجاح المنشود. المسافر إلي أين؟ وكنت قد كتبت عن هذا المشروع في جريدة «البديل» مقالا بعنوان "عن مشروع لفيلم عالمي - أبوشادي وفريد والشراني والخرباوي وأول إنتاج لصندوق التنمية". وعبرت فيه عن سعادتي البالغة حين قرأت عن قرار صندوق التنمية الثقافية لأول مرة بتمويل فيلم سينمائي طويل بإسم مؤقت «من ظهر راجل»- الذي عدل فيما بعد إلي «المسافر»- بميزانية قدرها 9 ملايين جنيه . فوزارة الثقافة هي الجهة الأولي بإنتاج أفلام سينمائية ترفع من المستوي الفني والفكري للفيلم المصري. وصندوق التنمية الثقافية التابع لها هو جهاز لديه قدر كبير من التحرر من المعوقات المالية والإدارية الروتينية مما يجعلنا نتوقع لعمل مثل هذا أن يري النور بقدر كبير من التفاءل. لكني عندما قرأت تفاصيل الخبر لاحظت أنه يشير إلي أن الصندوق كان قد شكل لجنة لإعداد التصور السينمائي لإنتاج فيلم من الناقدين علي أبو شادي وسمير فريد والمستشار متولي الشراني عضوا قانونيا والأستاذ زكي الخرباوي عضوا ماليا. أي أن اللجنة المنوطة بإعداد التصور السينمائي لإنتاج فيلم لا تضم سوي الناقدين كعضوين فنيين فقط.. وربما يتصور البعض وللوهلة الأولي أن الناقد السينمائي هو الأقدر علي تقييم السيناريو وهذا التصور مع الأسف الشديد هو الذي بناء عليه تتشكل معظم لجان القراءة في جهات الإنتاج العامة والخاصة.. والحقيقة أن النقاد عموما يعتمد عملهم وتتشكل خبراتهم من قراءة الفيلم السينمائي كمشروع مكتمل علي الشاشة وليس السيناريو. السيناريو والفيلم ويحضرني لتوضيح هذا الرأي مثال ذكره الكاتب لينين الرملي في حوار للقناة الأولي أن أحد المنتجين الكبار رفض سيناريو له وقال له ان هذا السيناريو لم يضحكه, فأجابه لينين بأن هذا السيناريو ليس هدفه إضحاك سيادته لكنه يخاطب مخرج ليستنهض تخيلاته وقدراته الإبداعيه. فيضفي عليه إحساسه بالإيقاع والزوايا وأحجام اللقطات والموسيقي التصويرية المناسبة وتخيل أداء الممثل وتوظيف المؤثرات الخاصة، عندما يتحقق كل ذلك وعندما يري السيناريو علي صورة فيلم سينمائي معروض علي الشاشة سوف يضحك. لهذا كنت كنت أري أيضا أن هذه اللجان لابد أن يكون علي رأسها علي الأقل مخرجا كبيرا وأن تضم أيضا كاتبا للسيناريو كعضو أساسي إلي جانب متخصصين في مجالات التصوير والمونتاج والديكور وخلافه لمناقشة المخرج في رؤياه وفي تصوراته لتوظيف مختلف مفردات اللغة السينمائية وأن يبدوا آراءهم في عملية تطوير السيناريو الذي يقع عليه الإختيار طالما أنه عمل نأمل من خلاله إلي إعادة السينما المصرية إلي العالمية وفق تعبير الأستاذ سمير فريد. وتشكيل اللجنة من فنانين من مختلف التخصصات السينمائية، لو تم اختيار عناصر منسجمة، لن يؤدي إلي إعاقة أعمالها ولكنه سيحقق صفة التخصصية علي قراراتها التي كنت أتصور أنه هدف سيسعي إلي تحقيقه الناقدين الكبيرين علي أبو شادي بصفته مسئولا كبيرا وسمير فريد بصفته كاتبا بل ومفكرا يهدف إلي توظيف المنهج العلمي في مجال الفيلم السينمائي. وأنا أعتقد بلا أي شك أن الناقدين الكبيرين أخذهما الحماس والرغبة الوطنية في تحقيق حلم إعادة وزارة الثقافة إلي إنتاج الفيلم السينمائي الروائي الطويل فكان هذا القرار السريع .وكان هذا التجنب لزيادة عدد أعضاء اللجنة ربما خوفا من أن تؤدي الخلافات إلي إعاقة أعمالها وتأخير تحقق الحلم أوظهور الفيلم إلي النور. لاعب إحتياطي وعلي الرغم من هذا فقد تأخر ظهور الفيلم إلي النور كثيرا حتي بعد انتهاء جميع مراحل تنفيذه. بل إن عرضه الأول في مصر أعقب عرضه في مهرجان فينيسيا بعامين تقريبا. كما أن عرضه التجاري قد تأخر لما يزيد علي عام آخر بعد أول ظهور له في افتتاح مهرجان الإسكندرية. وقد أثار الفيلم جدلا كبيرا وتفاوتا في الآراء بين النقاد، بل وبين فنانيه أنفسهم الذين شهدت أروقة المهرجانات خلافات حادة بينهم. وبصرف النظر عن حالة فيلم «المسافر» الاستثنائية جدا، تقلص دور الدولة في هذا المجال بعد أن كانت اللاعب الأساسي في الإنتاج السينمائي من خلال إنتاج القطاع العام لفترة امتدت لما يقارب العقد الكامل وقد نجح القطاع العام في مصر في إتاحة الفرصة ماديا وموضوعيا لنشأة تيار واع في السينما المصرية، ويقصد بهذا التيار أنه كامن حيث عدد المخرجين الذين شاركوا فيه، وعدد الأفلام التي أنتجت في تلك الفترة وتحمل وجها جديدا للسينما المصرية-كان وجودا حقيقيا وملموسا يمكن لأي مؤرخ منصف أن يسجله. أسواق رديئة "إن الدراسة الموضوعية والمحايدة تشير إلي أن القطاع العام قدم في عشرة أعوام سنوات الستينات من القرن الماضي فنيا وفكريا ما عجز القطاع الخاص عن تقديمه في ثلاثين سنة- مقال عن القطاع العام السينمائي في مصر - علي أبو شادي - مجلة القاهرة - ديسمبر 1970" . ولكن الدولة في ظل سياسات الخصخصة والانفتاح ابتعدت عن مجال الدعم السينمائي - ولم تعد إليه إلا مؤخرا وعلي استحياء - علي الرغم من أن كبري الدول الرأسمالية تدعم السينما بأشكال وأساليب مختلفة حماية لها كصناعة وحرصا علي استمرارها لتواصل دورها المهم في الثقافة والترفيه والمتعة الفنية. وبتراجع الدولة عن دورها ظلت السينما المصرية ولفترة طويلة عبدة لأسواقها. ولم تهتم بتراجع الجمهور المصري عن دور العرض كثيرا ما دامت تجد من يمولها في الخليج كسوق استهلاكي رهيب لأشركة الفيديو. نحو آفاق جديدة اعتمد تمويل الفيلم السينمائي في مصر بطول تاريخه علي نمط أساسي قلما كانت تشذ عنه بعض الحالات الإستثنائية، وهو نمط تمويل إنتاج الفيلم بقروض التوزيع المسبقة ." لاتزال المنطقة العربية هي الأسواق الأساسية للفيلم المصري، وهي تتأثر بشدة بالتقلبات السياسية، كما أن ترتيبها الهرمي من حيث أهمية المتحصل منها يختلف من فترة زمنية لأخري - مقال أزمة الفن السابع - مدكور ثابت - مجلة القاهرة ديسمبر 1997." وتحولت شركات الإنتاج الصغيرة إلي معامل تفريخ لأفلام مقاولات أو شبه مقاولات تعتمد اعتمادا كاملا أو شبه كامل علي بيعها كأشرطة فيديو. عادت الدولة مؤخرا إلي دعم تمويل السينما من خلال صندوق التنمية الثقافية ثم المركز القومي للسينما. وشاهدنا أفلاما قليلة تسعي إلي تقديم رؤية فنية وفكرية جادة . وتم اختيارها عبر مسابقات من الواضح أن لجان تحكيمها قد اختاروها بمنهجية ونزاهة وحيادية. وعلي رأس هذه الأعمال جاء «رسائل البحر» لداود عبدالسيد زمن بعده جاءت أعمال من أهم ما يميزها أنها أعادت السينما للاهتمام بالنصوص الأدبية المصرية كمصادر للسيناريو ومنها «عصافير النيل» للمخرج مجدي أحمد علي عن رواية إأبراهيم أصلان. أعلن المركز القومي للسينما منذ أسابيع عن جوائز دعم السيناريو لعدد من الأعمال معظمها لفنانين مشهود لهم بالموهبة والكفاءة. نأمل أن يتواصل الدعم. ونأمل أيضا أن تتبني الدولة إنتاج مشروعات سينمائية طموحة. ونأمل أن تشارك دولتنا المدنية المأمولة بقوة في دعم الفن السينمائي الجيد لتعود العملة الجيدة لمنمافسة العملة الرديئة. ولتساهم السينما بجدية نحو إعادة الوعي للجماهير لتحسن اختيار ممثليها وقادتها ولتدرك أن التاريخ لا يعود إلي الوراء وأن الأمل الحقيقي في شعب متحضر وفاعل بلا جياع ولا متسولين ولا بلطجية.

جريدة القاهرة في

12/06/2012

 

السينما فشلت في علاج اكتئاب ما بعد الثورة

بقلم : د. رفيق الصبان 

> فيلم «18 يوم» اشترك في إخراجه عشرة مخرجين تكل كل واحد منهم من وجهة نظره عن الثورة > الحكم علي الأفلام من خلال إيراداتها قد يظلها كثير ولنقيس ذلك علي فيلم مثل «شارع الهرم» الذي حققت إيرادات عالية ةدا رغم ضعفه فنيا لا أتوقع أن يحقق فيلم يسري نصر الله الأخير «بعد الموقعة» أي نجاح جماهيري كبير رغم الضجة التي أحاطت بعرضه في مهرجان «كان» الأخير.. واختياره ليمثل مصر رسميا بعد 18 عاما من الغياب. هذا الانتصار النسبي وما أحاط الفيلم بعده من ردود أفعال سواء تعلقت بمعني الفيلم وماهيته وفنيته ومدي ارتباطه بعالم المخرج، أو سواء خرجت عن مضمونه لنتكلم عن فضيحة اشتراك منتج إسرائيلي في صنعه .. خصوصا أن مخرجه لم ينكر ذلك وإنما توقف عند عناده حول نقطة لا يمكنه قانونيا الفصل فيها وهو اعتراضه علي عرض الفيلم في إسرائيل، وهذا العرض كما نفهم جميعا يعود إلي شركة الإنتاج الممولة أكثر مما يعود إلي مخرجه. وهناك حاجز آخر علي الفيلم أن يقفز عليه لو أراد أن يحوز علي الرضا الجماهيري الكبير وهذا ما سيكون صعبا، إذا نجح أحمد شفيق المسئول عن موقعة الجمل التي تدور حولها أحداث فيلم يسري نصر الله وأصبح رئيسا للجمهورية، ففي هذه الحالة سيكون الفيلم موضع اتهام أكثر مما يكون موضع إعجاب وتقدير. الاعتراف بالثورة ولكن لم نسبق الأحداث ولنقل فقط أن ما حدث وأصاب «بعد الموقعة» من ردود أفعال وتعليقات ونقد أو اطراء يدفعنا دفعا إلي الاعتراف بأن أحداث الثورة الشعبية في مصر قد أثرت تأثيرا كبيرا علي الجماهير، سواء في قدرتها أو في اقبالها أو في أحكامها. لم تستطع الثورة في الأفلام القليلة التي حاولت أن تعبر عنها أن تكسر الحاجز النفسي بينها وبين الجمهور الكبير، الذي أعرض عنها منذ البداية رغم أن بعضها كان يستحق الاهتمام والمتابعة. ففيلم (18يوم) الذي اشترك فيه عشرة مخرجين تكلم كل واحد منهم من وجهة نظره عن الثورة والذي عرض علي هامش مهرجان «كان» في دورته السابقة لم يتسن له العرض التجاري بعد، رغم مرور سنة وبعض السنة علي إنتاجه، وفيلم «الشرس والقبيح» الذي أشاد الكثيرون بمستواه والذي عرض في مهرجان البندقية السابق لم يتجاوز عرضه اسبوعا أو اسبوعين. روح الثورة وحتي «صرخة نملة» الذي حاول صانعوه أن يغيروا من نهايته وأن يقلبوا بعض أحداثه ليناسب روح الثورة .. لم يحقق بدوره أي قدرة علي اجتذاب جماهير عريضة. هل لأن جمهور الثورة الذي يعيش أحداث فيلم لم يكتبه مؤلف ولم يخرجه مخرج.. ومع ذلك ينتقل بنا من حدث إلي آخر ومن مفاجأة إلي أخري تمسك بالأنفاس هو الذي وقف حائلا دون تدفق الجماهير إلي دور العرض المظلمة. لا يصح هذا التأويل تماما لأن أفلاما مثل «شارع الهرم» حقق إيرادات خيالية لم يكن يحلم بها أصحابه وها هو فيلم «حصل خير» يأتي وكأنه الجزء الثاني من هذا الفيلم ألا فيلم يستقطب جمهورا عريضا يريد أن ينسي ويريد أن يتجاهل ما يحيط به، فلا يجد إلا هذه الوسيلة من الإدمان السينمائي الرخيص الذي يفتح له بوابة أحلام فاسدة ويدفعه إلي ضحلة هيستيرية مجنونة. وتأكدت رؤية الجمهور برغبته في استنشاق الهواء الفاسد .. الذي يأتيه من أفلام تافهة وجدت سبيلها للعرض بعد احتجاب الأفلام الكبيرة أو سقوطها غير المتوقع لدي جماهيرها فظهرت أفلام كـ«بنطلون جولليت» أو «علي واحدة ونص». لكن المفاجأة الأخري والتي لم يتوقعها أحد جاءت عن طريق فيلمين الأول أراد أن يمر مرورا عابرا ويكتفي بعدة كلمات تشجيع ومئات من الرواد هو «بنات العم» الذي فاجأ الجميع بنجاح مادي وجماهيري كبير جعله يترأس صالات العرض أسابيع طويلة مازالت مستمرة، أما المفاجأة الأخري العكسية فجاءت عن طريق فيلم «ركلام» الذي جمع صانعوه كل ما يملكوه من خيال جامح لتصوير حياة خمس عاهرات .. وبكل ما تقتضيه هذه المهنة من أوضاع وأحداث وحوار كان من المتوقع أن يكتسح الفيلم السوق تماما خصوصا وأن بطلته الأولي رسمت لنفسها شعبية كبيرة من خلال ادائها الفج لمسلسلات وشخصيات شعبية ولكنها في السينما، وخصوصا في هذا الفيلم الذي بنت حوله الآمال الكبار لم تستطع أن تحقق عُشر ما حققته علي الشاشة الصغيرة، رغم أنها كما يقول المثل «فعلت البدع» ولكن ما العمل أمام جمهور شرس متمرد لا تعرف كيف تقوده أو تكبح جماحه. إذن مفاجآتان قلبتا مفاهيم السوق السينمائي بعد الثورة.. وجعلت المنتجين يتساءلون عن الطريق الصحيح الذي يمكن أن يؤدي للنجاح وبالتالي إلي عودة امتلاء خزائنهم بالأموال !! المصلحة ونتوقف أخيرا عند ثلاثة أفلام أخري قرر أصحابها أن يكونوا فدائيين وأن يعرضوها مهما كلفهم ذلك من نجاح أو سقوط.. أول هذه الأفلام هو «المصلحة» الذي تعود به الفنانة الشابة ساندرا نشأت إلي ميدان الإخراج الذي أهملته حينا وتجمع فيه بين بطلين شعبيين لهم جمهورهما الخاص أحمد عز وجمهوره النسائي الكبير وأحمد السقا وجمهوره من الشباب المراهق العاشق للحركة. ورغم دقة ساندرا نشأت في إخراجها وتكنيكها المرتفع خصوصا في مشاهد الحركة.. لم تستطع أن تمنع فيلمها من الانزلاق نحو الدعاية المباشرة لجهاز البوليس ملقية علي عينيها عصابة كثيفة تمنعها من رؤية ما جري خصوصا من جهاز الشرطة قبل الثورة وبعدها. ولكن الغريب رغم هذا الانحياز الواضح لنظام مهترئ أعلن فساده منذ زمن فإن الفيلم حقق في أسابيعه الأولي نجاحا لا بأس به وتغلب علي كثير من الحواجز التي كانت تقف في طريقه وهذا يقودنا إلي الاعتراف بأن «النجومية» مازالت تلعب دورها الكبير في إقبال الجمهور واستمتاعه بما يري دون التدقيق كثيرا في المحتوي والمضمون . كذلك كان الموقف مع فيلم أحمد عيد الذي ظل جمهوره الوفي مخلصا له رغم كثير من التحفظات التي أحاطت بفيلمه الأخير ووجهة النظر التي طرحها. ولكن الغريب في هذا كله أن الثورة التي أعطت مادة غزيرة للأفلام القصيرة والتسجيلية أدارت وجهها للأفلام الطويلة وفضلت عنها أفلاما رخيصة تثير الضحك والقهقهة وقفت حائلا دون التفكير الجدي. كنا جميعا ننتظر من سينما الثورة شيئا فإذا بنا نري أنفسنا أمام شيء آخر مختلف تماما. انصرف الجمهور عن كل ماهو جدي ليتبع كل ما هو زائف وسطحي ومؤسف حتي الجنس في اسوأ مباذله كما في ركلام لم ينجح في استقطابه. لذلك بات مفهوما خشية أصحاب بعض الأفلام من عرض أفلامهم في هذا التوقيت وأمام هذا الجمهور المتقلب الذي تترنح به الرياح يمنة ويسرة وتقذف قاربه أحيانا إلي قاع الأمواج أو تدفعها نحو شاطئ الرمال. هناك أفلام جاهزة للعرض تظهر اشاراتها منذ زمن علي الشاشات الكبيرة ثم سرعان ما تختفي .. دون أن يحدد موعد نهائي لعرضها. أيام رمضان اقتربت وسيطرة مسلسلات التليفزيون قادمة دون ريب مما سيوقف من جديد عجلة الإنتاج السينمائي ويدفع المنتجين إلي ابتلاع انفاسهم انتظارا لفرصة جديدة قد تكون فرصة عيد الفطر حيث ستتزاحم دون شك أكبر مجموعة من هذه الأفلام التي تقف الآن في صف الانتظار الطويل.. غير مدركة تماما المستقبل المضيء أو المظلم الذي ينتظرها. التطهير كلنا تصورنا أن الثورة ستهب رياحها الدافئة علي السينما فتوجهها وتطهرها وتقدمها بشكل جديد لجمهور جديد ووعي جديد ولكن إذ بنا وبآمالنا تتحطم علي صخرة واقع لم نكن نظن يوما أنه سيفرض نفسه بهذه القسوة. هذه القسوة لم يطبقها جمهورنا المصري علي أفلامنا القومية فحسب بل انتقل أيضا إلي السينما العالمية ليثأر من مجموعة رائعة من الأفلام عرضت خلال الأيام العصيبة وكان مصيرها جميعا الفشل سواء التجارية منها أو المبالغة الفنية كما حدث مثلا مع رائعة «رالف فينس» المأخوذة عن شكسبير «كدير لاندوس» التي لم يستمر عرضه إلي أسبواع واحدا ، وكذلك فيلم جبريل شريب «المرأة الحديدية» الذي يروي قصة صعود وهبوط «مارجريت تاتشر» والذي نالت عليه ستريب جائزة الأوسكار.. والذي مر أيضا مرورا عابراً شأن تحفة كلينت ايستوود عن «آلان هوفر» الرجل الذي انشأ جهاز المخابرات الأمريكية وسن شريعة التجسس واقتحام الحياة الداخلية لرجال السياسة. والذي أدي به ليوناردو دي كابريو دورا من أجمل أدوار حياته، في فيلم فاصل يعتبر من روائع السينما الأمريكية المعاصرة. كذلك كان حال فيلم «الأحفاد» الذي مثله نجم الجماهير الأكبر في مصر جورج كلوني والذي لم يقاوم هو أيضا أكثر من اسبوع واحد. تبعه في ذلك الانهيار العظيم لفيلم «جون كلوز» الذي كلف مئات الملايين ولم يحظ بأي إقبال جماهيري رغم إنتاجه الضخم ومغامراته الخيالية. وهاهو عملاق الإنتاج الأمريكي الآخر «رجال في ثياب سود» يحط رحاله دون أمل بنجاح كبير كما حدث في أجزائه الأولي، ومع ذلك حقق فيلم «المرأة ذات الثياب السوداء» وهو فيلم غرائبي متوسط القيمة نجاحا جماهيريا لم يتوقعه أحد خصوصا بالنسبة لبطله الشاب الذي تعودنا رؤيته في سلسلة أفلام «هاري بوتر» والذي يعود لنا في هذا الفيلم شابا متزوجا يناهز الأربعين من العمر . إنها تقلبات الجمهور المصري بعد ثورته وحيرته القصوي في البحث عما يرضي نفسه وعما يبعده .. عن حق القلق والإحباط الذي يعيش فيه. فشل لقد فشلت السينما المصرية في إخراجه من كائبته وكذلك السينما الأمريكية ولم يبق أمامه بعد أن تجرع كأس المرارة من الجهتين إلا اللجوء إلي الشاشة الصغيرة وإلي «حريم السلطان» التركي عاقداً آماله علي «كعكة» رمضان التليفزيونية التي أجزم مقدما أنها لن تشبعه ولن تكفيه عن جوع. لقد حطمت الثورة المصرية في طريقها الكثير من القيم الفاسدة.. وحاولت أن تقيم قيما جديدة لم تنجح حتي الآن في تركيبها.. ومن ضمن ما أطاحت به.. سينمانا القديمة الحبيبة . فهل ستكون هناك ولادة جديدة لها بعد هذا الموت المفاجئ؟

جريدة القاهرة في

12/06/2012

 

المشهد السياسي.. رؤية درامية

بقلم : د. وفاء كمالو 

لينين الرملي: ترتكز الممارسة الديمقراطية علي مبدأ الصراع الداخلي الذي اعتدنا علي أفكاره واستبعاده طوال الوقت لذلك يتخذ الجدل مسارات مرتدة متوترة بهيج إسماعيل: الناس في حالة استنفار دائم حتي في حالة الحكم بالإعدام كانوا سينزلون الميدان مهللين وفي حالة البراءة مستنكرين أبوالعلا السلاموني: من المؤكد أن الاستفتاء كان استلابا لروح الثورة ووعيها والآن يعود الإخوان للحديث عن العدالة > المشهد السياسي المصري ينذر بالخطر > الأحداث سريعة صادمة ومتوترة > الشخصيات شرسة عنيدة جامحة.. عيونها علي السلطة القادمة > الصراع أصبح كالوشم الناري علي ذاكرة الوطن.. يندفع بقوة لتسقط كل الأقنعة التفاصيل غزيرة متشابكة.. حمقاء متسلطة.. رمادية غائمة.. مسكونة بالزيف والوعي والدم والعشق، واللحظات تشهد جدلا ونفيا ومدا وجذراً وعبثا مأساويا صارخاً. كانت البدايات في 25 يناير 2011 يوم ميلاد ثورة مصر حين تفتح الورد في الجناين والشوارع والميادين وقرر الناس أن يمتلكوا الروح والجسد ويعانقوا نجوم الحرية. منذ 25 يناير وحتي الآن يشتبك المشهد السياسي بالمشهد الدرامي لنصبح أمام مفارقات تاريخية، ووثبات درامية مدهشة.. فقد سقط الرئيس السابق، وظل نظامه باقيا يشعل صراعاً نارياً ليستلب روح الثورة ويعود إلي المسار.. التيارات الدينية دخلت قلب المشهد.. صعد الاستفتاء وغاب الدستور.. ولايزال.. الإخوان قطفوا الثمار واستأثروا بها.. امتلكوا البرلمان والشوري وامتد الطموح إلي الوزارة والرئاسة.. ولعبة السياسية تحاول العودة إلي المربع صفر.. بينا تشهد مصر جدلاً عارماً حول الحكم الصادر ضد مبارك بالأشغال الشاقة المؤبدة. رغم عذابات الروح وسقوط الأحلام فان الصراع العنيد يأخذنا إلي لحظة فارقة.. قد نكون فيها أو لا نكون.. وفي هذا السياق نتعرف علي قراءات مختلفة لمجموعة من مثقفي مصر ومبدعيها الكبار حين تشتبك الساسية والدراما مع الإنسان والحرية. لينين الرملي الحياة دراما.. ترتكز بقوة علي الصراع الداخلي.. والمشهد السياسي الحالي هو ابن شرعي للدراما في أعلي مستويات تعقيدها وتركيبها. في مصر والشرق بشكل عام تتجه تيارات الفكر والفلسفة نحو انكار الصراع الداخلي ونفيه بعيداً عن موجات الحياة والواقع والسياسة.. وهذه الرؤية تتضح ببساطة في معظم إنتاجنا الفني حيث الصراع الخارجي هو الأكثر حضوراً في وجودنا، لتكريس التسطيع والتبسيط والتغييب في الأطر الضيقة لتناقضات الأبيض والأسود.. حكايات العسكر والحرامية، وقصص الحب الوهمية.. باختصار نظل أسري التوجهات الأحادية المغلقة. ترتكز الممارسة الديمقراطية علي مبدأ الصراع الداخلي الذي اعتدنا علي انكاره واستبعاده طوال الوقت، لذلك يتخذ الجدل الحالي مسارات مرتدة متوترة، يتجه بقوة نحو ديكتاتورية جديدة، فثقافة الاختلاف لاتزال غائبة، وإذا تأملنا البرلمانات في بلادنا نجدها مجرد شكل مفرغ من محتواه، حيث الأغلبية المتسلطة المندفعة إلي أهدافها وأهوائها والأقلية الصامتة التي تدعي نوعاً من المعارضة الوهمية. الآن وصل الصراع إلي أقصي مداه.. أصبح حادا مخيفاً يهدد بالخطر، لكن القراءة العميقة للتاريخ وثورات الشعوب تمنحنا يقينا بنهايات مغايرة، رغم الضبابية القاتمة التي تسيطر علي المشهد السياسي، وإذا كانت أي دراما في المسرح تنتهي إما بهزائم وانكسارات أو بصعود وانتصارات، فان روميو وجولييت، شكسبير، يموتان لتنتهي أجمل قصص الحب والحياة، وتشهد خشبة المسرح تيارات الحزن والدموع بعد أن ضاعت الأمنيات، وكذلك يموت كل أبطال عالم هاملت لتبقي أشباح الموت والظلام وعلي مستوي آخر قد تبعث الدراما انتصاراً لإرادة الحياة عبر التوافق أو الجدل الذي عرفناه مع هيجل.. فالأفكار ونقائضها تنتج فكراً ثالثا جديدا، يولد في إطار توافقي. فهل سيحدث هذا الآن؟ بالنسبة لي أنا لينين الرملي- الرؤية أمامي ضبابية.. هناك صراع ساخن أتمني ألا يكون عنيفا، وبغض النظر عن آرائي وأمنياتي أؤكد أنه كفانا عنف وعبث.. وعلينا أن نثبت أن وراءنا سبعة آلاف سنة حضارة. من المؤكد أن المسرح المصري يشهد الآن حالة من الخلل والخلط والعشوائية.. مفيش مسرح.. تبدو التجارب باهتة.. قراءة في الجرائد اليومية.. طوفان من الشعر لكنه ليس شعراً.. معظم التجارب المسرحية التي تناولت ثورة 25 يناير عجزت تماماً عن صياغة سحر وعمق وأسرار إرادة الإنسان.. الفن لا يأتي ببساطة.. ليس هو مجرد سرد الأحداث أو توثيق التفاصيل، مشاعر الميدان وصدق انفعالاته ليست شعراً.. الشعر دراما ودهشة وخيال وحركة في كل الاتجاهات. أتصور أن الفن الحقيقي يمتلك نوعاً من ديكتاتورية الجمال.. وعلينا أن نعود إلي المفاهيم المبدئية التي تؤكد الفروق الشاسعة بين المسرح والقصة والشعر والرواية والتحليل السياسي.. وإذا كانت الفوتوغرافيا قد صورت تفاصيل الأحداث التي عشناها منذ الثورة وحتي الآن، فاننا لانزال في انتظار ميلاد التجارب التي تتنفس وتنبض بحرارة اللحظة الفارقة.. علينا أن نري الصورة عن بعد فقد نكتشف أشجاراً وأضواءً وتاريخاً وحضارة. بهيج إسماعيل شعب مصر في حالة سخونة يختار الأطراف الحادة ويبتعد عن الرؤي الوسطية، اختار الإخوان وأحمد شفيق وعندما أعلنت الأحكام علي مبارك ومساعديه كان في حسبانهم اختيار الإعدام أو البراءة.. لم ينحازوا إلي الوسط سواء في الانتخابات أو الأحكام المتوقعة. الناس في حالة استنفار دائم.. حتي في حالة الحكم بالإعدام كانوا سينزلون إلي الميدان مهللين وفي حالة البراءة مستنكرين فالحرية الوليدة والخوف الهارب من الأعماق وضع الشعب في موقف الثائر الدائم، وعلي الأصح في موقف السيد، بعد أن كان في موقف الخاضع.. انه بالتعبير الدرامي تحول من موقف المتفرج إلي موقف المشارك، فعند عرض فيلم أو مسرحية أو قراءة رواية يكون المشاهد أو القارئ إما مشاركاً في الأحداث أو متفرجاً علي ما يحدث. الإنسان المصري نضج دراميا وسياسياً من كثرة متابعته لبرامج التوك شو في القنوات الفضائية وقد أكسبه هذا بعداً ثقافيا حوله من وضع المشاهد إلي وضع المشارك، والمعروف أنه في حالة الدراما يمكن للمشاهد ان يترك المكان ثم يعود إليه، لكن في حالة المشارك لا يمكنه ترك المكان حيث يعتبر نفسه جزءاً من العمل الدرامي. هكذا امتلك الشعب المصري ثقة في أن يتكلم ويدلي برأيه سواء كان الرأي صواباً أو خطأ. أنها هوجة في المولد محمد أبوالعلا السلاموني ثورة 25 يناير فريدة من نوعها، تختلف عن ثورات العالم في فرنسا وروسيا والصين ومصر 23 يوليو.. تلك الثورات التي فجرتها البرجوازية والفلاحون والعسكريون. كان 25 يناير هو البعث والميلاد، حين استطاع الشباب أن يلملوا جراح سنوات طويلة، ويوقظوا روح شعب كاد يغيب.. فقد امتلكوا مقدرة البوح والمكاشفة، منحتهم الثقافة وعياً ثوريا جامحاً، منهم من قرأ كتابا.. قصيدة، لوحة، أو شاهد المسرح والباليه والأوبرا وعرف معني إنسانية الإنسان. كان هذا التكوين هو السلاح الذي امتلكه شباب 25 يناير، لذلك جاءت الثورة سلمية، فنحن لا نمتلك إلا قوة الثقافة.. الوقائع تؤكد أننا شعب من العالم الثالث اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.. لكن القوة الناعمة المصرية تجاوزت بنا حدود الكائن، وانبهر العالم كله بثورة مصر. كانت الأيام الأولي نموذجاً للجمال والاكتمال.. لكن للأسف اندفع التيار الإخواني إلي قلب المشهد فأفسده تماماً.. لو لم يتدخل هذا الفصيل كانت الثورة قد اتخذت مسارها الطبيعي الناجح، فقد كان مطلبنا الرئيسي هو الدستور أولاً.. الدستور الذي يحدد القواعد والمعايير، ويتبني المحاكمات والشريعة الثورية، ليتم ذلك كله من البداية وينتهي النظام القديم. من المؤكد ان الاستفتاء كان استلاباً لروح الثورة ووعيها، والآن يعود الإخوان للحديث عن العدالة، وما قبلوه في المقدمات رفضوا نتائجه.. هكذا نصبح بالفعل أمام مسرحية مشوقة مكتملة الأبعاد تموج بالوثبات الدرامية العالية، حيث كشفت التفاصيل عن سيطرة الجماعة علي مجلسي الشعب والشوري وامتدت الأطماع إلي تشكيل الوزارة والدخول المحموم في سباق الرئاسة. يتجه المشهد السياسي الآن إلي صراع غير مسبوق.. الإخوان يحاولون الرجوع إلي المربع صفر، كأنهم يعودون بالثورة إلي البداية لتطبيق الشرعية الثورية وقانون العزل والغدر، انه بالفعل مشهد عبثي.. نحن في مسرح العبث.. أما المطالبة بتشكيل مجلسي رئاسي فهو مجرد عملية تكتيكية، فهذا الفصيل يعيش ثأراً لن يتركه. وأعتقد أن حمدين صباحي وأبوالفتوح لا يمتلكان دهاء الإخوان في اللعبة السياسية، وفي هذا السياق يمثل وجود أحمد شفيق عنصراً مهماً في المشهد.. خطران يواجهان بعضهما.. فلنترك الذئاب تقتل بعضها.. الذئاب تتقاتل لصالح الناس.. وعلينا أن نحقق الديمقراطية ولا ننقلب علي نتائجها.. فعزل شفيق هو انجاز لمصلحة الإخوان حتي يفترسوا الفريسة ويغيب الذئب. لاتزال المواقف غامضة، ولا أستطيع أن أري ملامح الأيام القادمة أنا أكتب حاليا الجزء الثالث من مسرحية الحب في ميدان التحرير، لتصبح الأجزاء الثلاثة وثيقة حية لثورة مصر.. والتجربة تدور حول شاب وفتاة من الثوار جمعهما الحب، والتقيا في ميدان التحرير.. وقبض عليهما جهاز أمن الدولة، وفي الجزء الثاني قبض عليهما رجل الأمن العسكري، أما الجزء الثالث فقد قبض عليهما رجل الأمن السلفي.. رغم كل تعقيدات المشهد السياسي الحالي فإننا ننتظر نتيجة صراع القوي.. والسيناريوهات المطروحة يعرفها التاريخ جيداً.. فهل هو سيناريو الثورة الفرنسية التي انتكست وعادت الملكية وأصبح نابليون امبراطوراً ثم قضوا عليه بعد ذلك؟ أم هو سيناريو ثورة يوليو 1952؟ أم أنه السيناريو الإيراني حين قام الوطنيون والليبراليون والتقدميون بالثورة.. لكن الإسلاميين خطفوها؟ وهناك ذبحوا وعذبوا وقتلوا الناس باسم الدين والشريعة.

جريدة القاهرة في

12/06/2012

 

سينما القدس تواصل رحلة النضال

بقلم : محمد مصطفي 

قبل ستة عقود ابان الحكم الاردني، افتتحت سينما القدس في شارع الزهراء وسط مدينة القدس. وكان الفلسطينيون يرتادون تلك السينما لمشاهدة الافلام العربية والاجنبية باعتبارها وسيلة الترفيه الأساسية انذاك قبل بدء البث التلفزيوني وعرضت في هذه السينما أفلام عبد الوهاب وكيرك دوغلاس وحتي الأفلام الهندية التي كان لها شعبية بين الناس. وقد أغلقت سينما القدس أبوابها مع بدء الانتفاضة عام ثمانية وثمانين من القرن الماضي بسبب تدهور الاوضاع الامنية والتضييقات الاسرائيلية ومن ثم الديون الهائلة علي بُعد خمس دقائق من أسوار القدس القديمة، عادت "سينما القدس" لبث الأفلام بعد توقُّف استمر 26 عاما منذ اندلاع الانتفاضة الأولي عام 1987، معيدة لشارع الزهراء بعض حيويته المفقودة بفعل الاحتلال وإجراءاته في المدينة المقدسة. مبني السينما الذي يتسع لواحد وثمانين مقعدا اكتظ يوم السبت الماضي بالحضور الذين لم يجدوا أماكن للجلوس بعد أن امتلأت جميع المقاعد، فاضطر كثيرون للجلوس علي الدرج ليشاهدوا فيلمين من إنتاج فلسطيني للمخرجين إيناس المظفر وأحمد حبش. رحلة إعادة أمجاد "سينما القدس" إحدي ثلاث سينمات مغلقة في المدينة المقدسة، انطلقت عام 2007 عندما قرر مركز يبوس الثقافي إعادة تأهيل وترميم المبني الذي سكنته الفئران والقطط لأعوام طويلة. المبني الواقع في شارع الزهراء أقيم في أواخر الخمسينات من القرن الماضي ليكون دار عرض سينمائياً لأهداف تجارية، ومع حلول الانتفاضة الأولي أغلقت هذه السينما أبوابها بسبب الأوضاع التي سادت القدس وعزوف المواطنين عن الحضور لمشاهدة الأفلام وكذلك التكاليف العالية لتشغيل السينما دون أن يكون مردود من وراءها. مؤسسة يبوس التي تأسست في القدس عام 1995 قررت أن تجعل من مبني سينما القدس مركزا ثقافيا يليق بالمدينة "المنسية"، ويعيد إليها شيئا من ماضيها التليد، بعد أن فقدت هذه المدينة المراكز المؤسسات الثقافية والوطنية الهادفة لحفظ الهوية وتكريس التراث بفعل الاحتلال وسياسة التضييق والتهويد التي تتعرض لها القدس. والهدف من ترميم مبني سينما القدس وتحويله إلي مركز ثقافي يهدف إلي تعزيز القيم الثقافية والوطنية والإنسانية في مدينة القدس، وربطها بالبعد الثقافي المحلي والعربي والدولي. وواجهت مؤسسة يبوس صعوبات مالية في سبيل تحقيق "الحلم" بتحويل سينما القدس إلي مركز ثقافي وطني في قلب القدس، إلا أنه بجهود ودعم العديد من الجهات نجحت المؤسسة في تأهيل وترميم الجزء الأكبر من المبني. وتضم السينما ثلاث قاعات هي: قاعة السينما وهي مجهزة كأي سينما في العالم، وقاعة مراكش التي سميت بهذا الاسم تعبيرا عن الشكر للمغرب التي قدمت دعما كبيرا لجزء من المشروع من خلال وكالة بيت مال القدس الشريف، وهي قاعة متعددة الأغراض لإقامة المعارض والعروض الفنية ولتدريب فرقة الدبكة والعروض الموسيقية وتتسع لمائة شخص، أما القاعة الثالثة فهي قاعة فيصل الحسيني وهي القاعة الرئيسية تتسع لـ 420 شخصا وما زالت قيد الترميم وبحاجة إلي دعم مالي. وتعرض سينما القدس حاليا الأفلام العربية والعالمية إلي جانب المهرجانات والأسابيع الثقافية وهناك أيضا أفلام هادفة موجهة للأطفال وطلبة المدارس. وعلي مدخل المركز الثقافي يواليك "مقهي فيروز" وهو عبارة عن مقصف صغير يجلس فيه المثقفون ورواد المركز لارتشاف فنجان من القهوة أو مشروب خفيف، كما تجد صالون "محمود درويش" وهو عبارة عن قاعة فسيحة تشتمل علي معارض كان آخرها معرض "مصر إعادة تعبئة" اشتمل علي صور من ميدان التحرير والثورة المصرية، وهناك مكتبة صغيرة وقاعة اجتماعات ضمن حدود المركز. ولمواجهة سياسة إسرائيل الهادفة لاجتثاث الوجود الفلسطيني بكل أشكاله في القدس عملت المؤسسة كل الإجراءات كي لا نعطي أي ذريعة لإغلاق المبني، فاتبعت الإجراءات المطلوبة للعمل في مدينة القدس، وبعبارة أوضح المركز تطلّب إجراءات قانونية وإدارية تفرض علي المقدسيين في المدينة . وتعاني مدينة القدس الشرقية الإغلاق المبكر قبل حلول المساء، ولا يجد سكان المدينة أماكن للترفيه والجلسات العائلية، فالشوارع مساء تغدو خالية من المارة باستثناء بعض السيارات والقليل من الناس، الأمر الذي يجعل تلك الشوارع مسرحا للقطط والفئران تسرح وتمرح كيفما تشاء. وتحرم إسرائيل غالبية فلسطينيي الضفة الغربية من دخول مدينة القدس، ولا تسمح سوي لعدد محدود من العمل بالوصول الي المدينة بتصاريح عمل لا تسمح لهم بالتجول في كل انحاء المدينة، والأمر الذي زاد من عزل القدس جدار الضم والتوسع الذي أقامته إسرائيل لعزل الضفة الغربية وضم المزيد من أراضيها لأراضي عام 1948 . وتعتبر فكرة إعادة افتتاح سينما القدس وإلي جانبها المركز الثقافي بكل مكوناته إحدي المحاولات الرائدة لإعادة الحياة للقدس الشرقية، وهو الأمر الذي تحقق منه بعض الشيء، لا سيما أن هناك حركة بدأت تلاحظ في شارع الزهراء من خلال رواد المركز والقادمين لمشاهدة عروض السينما. وتقدِّر مديرة مؤسسة يبوس أعداد الحضور في السينما بمائتي شخص يوميا بينما يحضر لعرض كتاب أو نشاط فني آخر بضع عشرات والعدد في ازدياد ملحوظ. وتؤكد أن شهر آذار القادم مليء بالفعاليات الثقافية بشكل شبه يومي، ومن أبرز تلك الفعاليات سيكون هناك "اسبوع ليالي الجاز في القدس وعمان"، والذي سيقام في المدينتين بالتعاون مع مسرحيين أردنيين. وكان التحدي الأكبر بعد البدء بقطف ثمار 15 عاما من العمل الدؤوب هو الحفاظ علي هذا المشروع وابقاء ديمومته فهناك ما زال جهد كبير علي عاتق الجميع للاستمرار، لاسيما من ناحية العمل والنفقات المالية المتعاظمة. ورغم إدراك الصعوبات التي تقف في وجه السلطة الفلسطينية التي تمنعها إسرائيل من ممارسة أي نشاط في القدس، إلا أنها لا تري ضيرا في أن تضع السلطة علي رأس اولوياتها موضوع القدس، وهو الامر الذي لا تراه يتحقق الآن قائلة "القدس لا توضع علي رأس أولويات الحكومة والسلطة". وتؤكد أن الاعتماد علي النفس واجب علي الجميع، فالحركة الثقافية والفنية كانت نشطة في القدس حتي قبل قدوم السلطة الفلسطينية، ويجب أن نأخذ زمام الأمور ونعيد للمدينة مجدها ولا ننتظر بعضنا البعض ونتبادل اللوم فيما القدس تنحدر في دهاليز الضياع وفقدان الهوية التي تمثل أساس الصراع، كما رأت أن من واجب الجميع أن يقدروا قيمة العمل الثقافي ويجعلوا المنع حافزا لاستمداد القوة في مواجهة سياسات التهجير والطرد والتهويد.

جريدة القاهرة في

12/06/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)