حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«الكونتيسة الحافية» لمانكفيتش:

لم تعد حكايات سندريلا ممكنة في الزمن المعاصر

الكاتب: ابراهيم العريس

 

في الوقت الذي كان عالم النصف الثاني من القرن العشرين، الخارج من أتون الحرب العالمية الثانية وواقعها الكئيب، يبحث عن أساطير تحميه من قسوة ذلك الواقع، جاء المخرج جوزف ل. مانكفيتش، أحد أساطين هوليوود في ذلك الحين، ليقول للناس أجمعين: هيا... استيقظوا على الواقع وتعاملوا معه. لم تعد هناك حكايات سندريلا ممكنة. لم يعد أمراء فاتنون يأتون على ظهر حصان أبيض. أمراء الأحلام صاروا اليوم مجرد أناس مثل بقية البشر... بل صاروا عاجزين بفعل ما أحدثته الحرب بهم.

> بهذا المعنى شكل الفيلم الذي حققه مانكفيتش في ذلك الحين، في عنوان «الكونتيسة الحافية»، صفعة في وجه ما كان تبقى من أحلام وردية، فكان نوعاً من عملية إعادة اعتبار، كئيبة، للواقع. ومن هنا كان سحر هذا الفيلم وقوته، والتباسه أيضاً. إذ حين يكتب شخص مثل فرانسوا تروفو عن «الكونتيسة الحافية» قائلاً: «إننا نخرج من هذا الفيلم من دون أن نكون واثقين من أننا فهمنا حقاً كل شيء. ومن دون أن نكون، حتى، واثقين من أن ثمة ما يمكن فهمه، عدا ما فهمناه. كذلك نخرج منه ونحن شديدو الارتباك بصدد نيات مخرجه. غير أن الذي لا شك فيه - أو تقريباً لا شك فيه - هو الصدق المطلق الذي يكمن خلف هذا العمل ككل، وهو جدة هذا الفيلم وجرأته وقدرته على الإبهار»، حين يقول فرانسوا تروفو مثل هذا الكلام عن «الكونتيسة الحافية»، يصبح من حقنا أن نضع دائماً علامات استفهام حول مشروع فني/فكري/أخلاقي، لا ريب انه مرتبط بزمنه كلياً، لكنه ينفتح على أزمان أخرى.

> منذ البداية، هنا، لا بد من الإشارة إلى أن جوزف ل. مانكفيتش، كان مثقفاً وخريج جامعة، كما انه قصد برلين بعد انتهاء دراسته الجامعية حين اشتغل مراسلاً صحافياً ومترجماص، ليعود إلى موطنه الأميركي لاحقاً ويجد أخاه هرمان وقد أصبح كاتب سيناريو في هوليوود - وهرمان سيكتب لاحقاً السيناريو الأساس لفيلم «المواطن كين» لأورسون ويلز -. وهكذا خاض السينما ككاتب ومثقف قبل أن يصبح مخرجاً منذ العام 1946. من هنا كان - ولا يزال - في الإمكان التعاطي مع هذا المخرج، من موقع «أوروبي» بعض الشيء، خصوصاً أنه كان «مؤلفاً» لمعظم أفلامه، أي كان مؤلفاً للقصة وللسيناريو اضافة إلى الإخراج. وكان من الواضح انه، في أفلام مثل «الكونتيسة الحافية» يتيح لنفسه فرصة عرض أفكاره عبر تلك الأداة الفنية التي كان يراها رائعة: السينما.

> والسينما هي، على أي حال، الإطار الذي تدور داخله أحداث «الكونتيسة الحافية»، ناهيك بأن محوراً أساسياً من محاور هذا العمل، يدور من حول النجومية... تلك النجومية التي كانت أسطورة وسحراً نابعين من هوليوود، قبل أن يأتي فنانون من طراز مانكفيتش أو بيلي وايلدر، لتحطيمها... سينمائياً. غير أن «الكونتيسة الحافية» يتجاوز تحطيم النجومية، إلى تحطيم الأسطورة ككل. وهذا البعد يقدم إلينا، هنا، من خلال حكاية تبدأ مع المخرج السينمائي هاري داوز (هامفري بوغارت)، الذي كان يبحث عن بطلة جديدة لفيلم كبير يزمع تحقيقه، حين قادته رياح السفر إلى مدريد في إسبانيا. وهناك يكتشف ذات ليلة، في ملهى مبتذل، راقصة شديدة الحسن تدعى ماريا فارغاس (آفا غاردنر). وإذ يتعرف هاري على ماريا وقد وجد فيها نجمته المنشودة، يكتشف أنها من بيئة اجتماعية وضيعة، لكن هذا لا يمنعها من أن تداعب حلماً قديماً مجنوناً لديها فحواه أن يأتي إليها ذات يوم أمير فاتن يغمرها بحبه وحنانه ويتزوجها. وفيما هي في انتظار ذلك الحلم، تقيم علاقة مع ذاك الذي يرافقها على الدوام وتقدمه على انه ابن عم لها. منذ اللقاء الأول تقوم صداقة عميقة وتعاطف متبادل بين هاري وماريا. وهي، لثقتها العمياء به، توافق على مرافقته إلى هوليوود، على رغم معارضة أهلها، على أمل بأن تحقق هناك أحلامها. لقد أدركت ماريا أن أمامها فرصة، بل أكثر من فرصة، وعليها أن تبيع كل ماضيها لكي تتمسك بها. وبالفعل حين تصل ماريا إلى هوليوود، ويحقق لها هاري آمالها الفنية، يكون النجاح الفوري نصيبها، وتصل إلى ذروة المجد من دون كبير عناء، ومن دون أن تغرق كثيراً في عالم العشاق الذين يحيطون بها من كل مكان، وكل منهم يسعى جاهداً إلى امتلاكها. إن ماريا، على رغم كل شيء، ليست من هذه الطينة. وهي ما زالت، على رغم المجد والنجومية، تتطلع إلى وجود رجل حقيقي وحب حقيقي في حياتها. وهكذا، بعد سلسلة من الغراميات السريعة والإحباطات في هذا المجال، يتحقق حلمها ذات يوم حين تلتقي الكونت الإيطالي تورلانو - فافريني، فيغرم بها ويقرر الزواج منها. وهكذا يبدو أن كلّ شيء بات مضيئاً في حياة هذه المرأة... وتبادل الكونت حباً بحب، وتصبح زوجته وأميرة قلبه. غير أن ما لم تكن قد حسبت حسابه، كانت الحرب، وتحديداً ما خلفته الحرب لدى الكونت الذي كان مقاتلاً فيها وأصيب بجروح تركته عاجزاً. غير أن هذا الواقع، إذا كان قد أحزن ماريا، لم يدفع بها إلى وهدة اليأس: قررت أن تمنح زوجها وأميرها، الولد الذي يرغب فيه والذي - في رأيها - سيجعل حبهما وعلاقتهما دائمين. ولذلك تتخذ لنفسها عشيقاً، من دون أن يعني ذلك بالنسبة إليها أي مساس بحبها لزوجها. غير أن هذا الأخير لا يرى الأمور على هذه الشاكلة حين يكتشف ما فعلت زوجته ويفاجئها مع عشيقها، ولا يكون أمامه إذ بلغ الغضب به مداه، إلا أن يسحب مسدسه ويقتل امرأته حبيبته واضعاً نهاية لحبهما ولكل أحلامهما.

> إذا كانت الأغنية الفرنسية تقول إن «حكايات الحب تنتهي نهايات سيئة، بصورة عامة» فإن هذا الفيلم يؤكد لنا ذلك... بل يتجاوزه ليقول إن الأحلام الحلوة غالباً ما تنتهي بكابوس. ومن الواضح أن مانكفيتش كان عليه أن يمزج هنا بين الحكاية الخرافية والرواية الهزلية والميلودراما، حتى يطلع بهذا الموضوع الذي يبدو في شكله الخارجي وكأنه ينتمي إلى دراميات نهاية القرن التاسع عشر الأوبرالية، مع انه في أعماقه ينتمي إلى النصف الثاني من القرن العشرين، أي إلى زمن انطفاء الأساطير، الذي سيكون من علاماته مقتل جيمس دين في حادث سير، و»انتحار» مارلين مونرو... ناهيك عن أن الفيلم من الناحية الأسلوبية قد أتى، في بعض لحظاته، كأنه ترجمة بصرية لأدب تيار الوعي، وأسلوب بروست في العودة إلى الوراء. ذلك أن حداثة «الكونتيسة الحافية» النسبية تمثّلت في الكثير من المشاهد التي تراجع بعد زمن من انقضائها، على غرار الحال في «المواطن كين»... وكان هذا جديداً على السينما الأميركية في ذلك الحين، كما كان جديداً عليها أن يأخذ فيلم على عاتقه سبر أغوار حياة امرأة، هي هنا ضحية من ضحايا التطلع إلى النجومية مع المحافظة على صدق ملتبس لا يمكن للآخرين تصديق وجوده. وفي هذا الإطار كان من الطبيعي لنقاد كثر، حين كتبوا عن هذا الفيلم، أن يسهبوا في الحديث، كمرجعية أدبية له، عن شوامخ أدبية تحمل تواقيع بلزاك وستندال وبيرانديللو، من دون الالتفات إلى أي مرجعية سينمائية، مع أن الفيلم غائص في السينما إلى أبعد الحدود!

> حين حقق جوزف ل. مانكفيتش «الكونتيسة الحافية» في العام 1954، كان في الخامسة والأربعين من عمره، وكان قد تشبّع بمشاهدته السينما الأوروبية، والألمانية خصوصاً، ناهيك بتمرسه المهني الجيد قبل ذلك كمساعد لفريتز لانغ وجون فورد. أما فيلمه الأول «قصر التنين» فكان حققه في العام 1946، لتليه أفلام مميزة مثل «مكان ما في الليل» (1947) و»المرحوم جورج آبلي» (1947) و»الروابط الزوجية» (1949) وخصوصاً «كل شيء عن حواء» (1950)... أما بعد «الكونتيسة الحافية» فأبدع أعمالاً حققت نجاحاً كبيراً (مثل «صبيان ودمى» و»الأميركي الهادئ» و»فجأة في الصيف الفائت») قبل أن تصاب مهنته بنكسة مؤلمة حين حقق «كليوباترا» من بطولة إليزابيث تايلور، الذي اعتبر، منذ العام 1961، واحداً من أكثر الأفلام إخفاقاً، جماهيرياً ونقدياً، في تاريخ الفن السابع.

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

09/06/2012

 

 

الإنتاج السينمائي في لبنان مغامرات فردية بين فشل ونجاح

بيروت - محمد غندور 

شهد لبنان خلال الحرب الأهلية كماً من الانتاج السينمائي بدعم من جهات اوروبية (فرنسا وبلجيكا)، فظهر عدد كبير من المخرجين المشحونين بأفكار ونظريات أرادوا التعبير عنها، فبرز مارون بغدادي وجان شمعون وبرهان علوية وجوسلين صعب ورندا الشهال صباغ من ناحية وسمير الغصيني ويوسف شرف الدين وغيرهما من ناحية أخرى. وبعد انتهاء الحرب بسنوات، سارع بعض القيمين على الفن السابع الى افتتاح شركات انتاج سينمائي، وتأمين معدّات تصوير ومعاهد وجامعات تعلم التمثيل والإخراج. كما تأسس كثير من الجمعيات التي ساهمت في نشر ثقافة الصورة، ومن ثم انتشرت المهرجانات السنوية.

وعلى رغم النشاط والحيوية في هذا المجال، يشكو اهل السينما من ان الدولة تبقى غائبة عن المساعدة والدعم لإنتاج مشاريع سينمائية، وتشجيع الجيل الجديد وإعطائه الفرصة لإثبات مهاراته. ولتأسيس حالة سينمائية، ثمة الكثير من الامور الواجب توافرها أهمها، الدعم المادي من جانب المعنيين، ودعم دور العرض وشركات التوزيع للفيلم المحلي ومساندتها، والعمل على تحسين المناهج الاكاديمية المعتمدة في معاهد السينما، والاهتمام ببعض الاختصاصات غير المتوافرة في لبنان ككتابة السيناريو ودراسة الانتاج السينمائي والنقد البنّاء والموضوعي.

وشهدت السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً في زيادة الاعمال المنتجة، الى أن وصل العدد هذه السنة الى اكثر من سبعة أفلام بين روائية طويلة وقصيرة. وتطغى المغامرة على المبادرات الفردية لإنتاج أي فيلم سينمائي، خصوصاً ان غالبية الجمهور لا تزال تفضل الأعمال الأجنبية على المحلية. وإضافة الى قلة الدعم المادي، تطفو مشاكل الرقابة ورصانتها في التعاطي مع الاعمال الابداعية، وكثرة التدابير التي تسبق التصوير، كأن يعرض الفيلم مرتين على الامن العام لنيل رخصة عرضه في الصالات. وبعد بحث في القانون اللبناني لا نجد مادة تجبر المخرج على ارسال السيناريو الى الرقابة لقراءته وإبداء ملاحظاتها عليه، مع وجوب التعديل، وإلا قرار منع عرضه سيكون في انتظاره.

ويتولى الانتاج في لبنان طرفان، المنتج والشركة المنفذة. وتكمن مهمة الأول (وهو نادر في لبنان) في اختيار سيناريو مناسب وتحويله الى مشاهد مع كامل الصلاحيات، والبحث عن المال اللازم لبدء التصوير، ومن ثم الاهتمام بتوزيعه في لبنان والعالم وبيعه الى محطات تلفزيونية. أما الشركة المنفذة فهي التي تعمل على ترجمة افكار المخرج، عبر ايجاد الموقع والمكان المناسب للتصوير وتحديد موازنة العمل السينمائي، واختيار الممثلين. وثمة بعض الشركات تدخل شريكة في الانتاج في حال اعجبها العمل.

قبوط ينتج افلاماً

قد يكون جورج شقير المنتج السينمائي الوحيد في لبنان بكل ما للكلمة من معنى، وهو صاحب ومدير شركة «قبوط برودكشن». ويعمل المنتج اللبناني على بدايات الفيلم، حين يكون على الورق، ومن هناك تكون الانطلاقة في قراءة النص وإبداء الملاحظات عليه، وتعديل الأمور اللازمة، وتقويته، ومن ثم الانتقال الى التنفيذ. ويقول شقير: «الانتاج السينمائي هو مساعدة المخرج بتمويل الفيلم وفبركته، ومن ثم المساعدة في اختيار الممثلين والمواقع، وتوقيع العقود اللازمة، وتسلم المفاوضات مع شركات التوزيع والتلفزيونات والحملة الاعلانية، وبيع العمل الى الخارج، وملاحقة كل التفاصيل الصغيرة منها والكبيرة». وفي استطاعة المنتج اختيار موضوع ما، نقلاً عن رواية مثلاً، أو التعرض الى حادثة معينة وتكليف شخص الكتابة عنها والتعاون مع مخرج لتقديمها. وعادة ما تتم الأمور على النحو الآتي: يأتي المخرج مع نصه الجاهز لعرضه على المنتج فيقرأه ويبدي ملاحظاته عليه، ويعاونه في ذلك أحياناً مختصون، فإذا أعجب به يوقّع عقداً مع المخرج، ومن ثم تُنفذ التعديلات على السيناريو. وفي بعض الحالات تُعاد كتابة النص أكثر من خمس مرات ليصل إلى الشكل المطلوب والمتين، ويصبح جاهزاً لعرضه على الجهات المعنية لإيجاد التمويل اللازم له».

وبعد وضع اللمسات الاخيرة على السيناريو يعرض على الرقابة، لأخذ الموافقة والبدء في التصوير، وبعد الانتهاء من التصوير يُعرض مجدداً على الرقابة وتُقارن المشاهد مع السيناريو، قبل بدء عرضه في الصالات. ولا يحبذ شقير فكرة الرقابة مع انه لم يواجه حتى الآن مشاكل معها، ويرى أن الحرية تمنح الأعمال السينمائية بعداً جمالياً اكبر.

ويوضح شقير أن العادة درجت سابقاً على أن ينتج المخرجون أفلامهم بتمويل ذاتي أو دعم من العائلة، ومحاولة إيجاد منتج فرنسي الجنسية، تحديداً، في ما بعد لتكملة العمل. وساهمت المهرجانات الخليجية في السنوات الأخيرة في تمويل الكثير من المشاريع السينمائية، إضافة الى أشخاص مهتمين في هذا القطاع، ومساعدة بعض الجهات الأوروبية من خلال بيعه الى تلفزيونات محلية وأجنبية. ويعتبر شقير أن ايجاد تمويل لسيناريو لبناني جيد، لا يعتبر صعباً «خصوصاً ان هذه الصناعة في لبنان لا تزال جديدة، وليست بحاجة الى الملايين، بل الى نحو 700 ألف دولار لتنفيذ مشروع جيّد».

ومن المشاكل التي تواجه المنتج اللبناني، عدم قدرة الفيلم المحلي على المنافسة في دور العرض، اذ لا يزال إقبال الجمهور على الافلام اللبنانية ضعيفاً باستثناء حال قلة من المخرجين، ولكن شقير يتفاءل بزيادة الانتاج سنة تلو أخرى، «ما يساعد على تعزيز مكانة الفيلم المحلي، وتشجيع الموزعين على عرضه لفترة أطول في الصالات».

ويعتبر شقير أن السينما اللبنانية باتت على الطريق الصحيح، ما سيساعد في اجتذاب أموال أكبر، وتحقيق أعمال أضخم، «فيتشجع الجمهور على مواكبة النجاحات المقبلة. ويطالب شقير الدولة بإنشاء صندوق لدعم المشاريع السينمائية على مدار السنة، كما في اوروبا». ويقول: «إن النشاط السينمائي بلغ ذروته هذه السنة، وعلى مكتبه ثمة الكثير من السيناريوات التي تحتاج الى قراءة لمعرفة الجيد منها والتعاقد معه».

ويأسف شقير لعدم وجود معاهد وجامعات تعلم كتابة السيناريو في لبنان، وهي الخطوة الأولى للبدء في تصوير أي عمل، مؤكداً أهمية القرار السياسي لقيامة السينما، معطياً مثلاً التجربة الكورية التي حصدت ثمار زرعها بعد سنوات من الدعم المادي، لتغدو من أهم مصنعي الفن السابع.

ويكشف شقير أن ثمة فيلماً أميركياً ضخماً يُحضر عن جبران خليل جبران، وبتكلفة قد تتجاوز 40 مليون دولار. وشارك شقير أخيراً في مهرجان «كان» السينمائي لبيع فيلم محمود حجيج الجديد «طالع نازل»، وعن كيفية البيع يقول: «نستأجر صالة لعرض الفيلم، وندعو موزعين من مختلف أنحاء العالم، فإذا كان الفيلم جيداً نبيعه في أقل من 15 دقيقة لأكثر من دولة».

تأسست شركة «قبوط برودكشن» في العام 1998، وبات شقير المالك والمدير العام في العام 2004- أنتج بعد تسلمه الادارة 14 فيلماً منها «رصاصة طايشة» و «يوم رائع» و «الجبل» و «1958» و «بدي شوف» و «طالع نازل» (فيلم جديد لمحمود حجيج)، وسيبدأ قريباً تصوير أربعة أفلام روائية للمخرجين ميشال كمون وأحمد غصين وغسان سلهب وكارلوس شاهين، اضافة الى فيلمين تنقصهما اللمسات الأخيرة على السيناريو.

على مزاج الشركة

أسست المنتجة السينمائية سابين صيداوي شركة «أرجوان» للإنتاج السينمائي في عام 2007، مع مجموعة من أصدقائها، وبعد تجربة مع المخرج ايلي خليفة في انتاج افلامه الثلاثة في شركة «تاكسي سرفيس»، اضافة الى «معارك حب» لدانييل عربيد و «ميلودراما حبيبي» لهاني طمبا، (إنتاج تنفيذي). وتهدف الشركة كما تقول صيداوي «الى نشر الوعي السينمائي، ودعم الأعمال الهادفة البعيدة من الطابع التجاري».

وتوضح أن الاعمال التي توافق الشركة على إنتاجها، تتشابه الى حد كبير مع قناعاتها وأفكارها التغييرية، كما انها تدخل كشريكة في الإنتاج، في غالبية الأعمال التي تنال اعجابها، وفي حال عجزت عن ذلك، تفتش عن مصادر أخرى للتمويل في الداخل والخارج.

وتشير صيداوي الى أن الدعم الذي تتلقاه من وزارة الثقافة يتراوح بين خمسة وعشرة آلاف دولار، وهو مبلغ رمزي. وتكمن المشكلة في كيفية تحصيله، خصوصاً أن التعاون مع الجهات الرسمية ممل جدا وبطيء، وقد تتسلم الشركة المبلغ المذكور بعد سنتين أو اكثر من اصدار العمل، ما يضع الشركة تحت ضغوط مالية على حد قولها.

وفي ظل ضعف الامكانات المادية تلجأ الشركة الى ايجاد الحلول مع المصارف والبنوك المحلية، وطلب الدعم من مهرجانات عربية وجهات أوروبية. وترى صيداوي أن غالبية المهرجانات العربية التي تملك امكانات مادية كبيرة، انتقائية في دعمها المشاريع المقترحة، خصوصاً التي تتعلق بالتغيير والتظاهرات والتقدمية والمطالبة بالحرية والديموقراطية، لذلك تلجأ الشركة الى جهات أوروبية لا تضع شروطاً عليها ولا تتدخل في متون الأعمال المقترحة.

وتروي صيداوي أن الكثير من المهرجانات العربية، رفضت انتاج فيلم تحضره الشركة عن تظاهرة حصلت في الجامعة الأميركية في بيروت، وأن «الدعم تأمّن من جهة أوروبية، وسيبدأ التصوير قريباً». وتضيف أن الشركة ليست لديها خطوط حمر في التعاطي مع اي سيناريو يُقدّم إليها، ولكنها تفتش «عن نقاط الضعف لإصلاحها، والعمل على جذب أكبر عدد من المشاهدين».

وبما أن أي عمل يجب أن تطلع عليه الرقابة قبل البدء فيه، واجهت «أرجوان» مشكلات عدة مع الامن العام اللبناني بعد انتاجها الفيلم الروائي الثاني للمخرجة دانييل عربيد «بيروت أوتيل»، وتمسكت بقرارها عدم تعديل او حذف اي مقطع من العمل، فمنع الأمن العام بطريقة حضارية عرضه في الصالات اللبنانية، ولكنه لم يمنع تداوله في الشارع وفي محال بيع الأقراص المدمجة مقابل أقل من دولار للنسخة الواحدة. لا تعرف صيداوي كيف تسرّب الفيلم الى الشارع، موضحة أن منطق الرقابة بات غير فعال خصوصاً مع الفورة التكنولوجية وتطور وسائل الاتصال، معتبرة أن الرقابة تحدّ من الإبداع والخيال وتُغير الكثير في سياق الأحداث. والمضحك على حد قول صيداوي ورود بعض الملاحظات على الفيلم ومنها ما ورد عن «التعقيد المبالغ به في الحديث عن السياسة اللبنانية».

بعد حادثة المنع، عادت المنتجة صيداوي وفريق عملها الى القانون اللبناني، لتكتشف ان الامن العام يتخطى كثيراً صلاحياته في كثير من الأمور، كمراقبته السيناريو على الورق قبل تنفيذه، «يعود هذا القانون، كما تقول صيداوي، الى العام 1947، أي بعد الانتداب الفرنسي، ولكن «خلال السنوات التي مرت تطورت فنون السينما والتلفزيون كثيراً، لذلك من غير الممكن الاتكال على قانون سُنَّ قبل عشرات السنين. اضافة الى عدم وجود فقرة قانونية تفيد بأنه يحق للرقيب قراءة السيناريو قبل تنفيذه وعرضه على كل الجهات المعينة لأخذ ورقة سماح للبدء بالمشروع». وتخلص الى ان هذا القانون يعتبر واسعاً جداً وهو قابل للتأويل، كما انه يصب دائماً في خدمة الرقيب. ومن الملاحظات المهمة التي تسجلها صيداوي على شركة سوليدير انها بدلاً من تشجيع السينما، تأخذ بدلاً مادياً (حوالى 600 دولار) عن كل يوم تصوير في الوسط التجاري لبيروت. ونذكر ان الشركة رفعت دعوى قضائية على الدولة اللبنانية في مجلس الشورى للمطالبة بتعديل القوانين التي تحد من الحريات السينمائية.

ومن الاعمال التي ساهمت «ارجوان» في انتاجها «كل يوم عيد» لديما الحر، و «كارلوس» (استلمت الشركة كل ما تعلق بالتصوير في الشرق الأوسط) بأجزائه الثلاثة لأوليفييه السايس و «بيروت أوتيل» لدانييل عربيد، و «شيوعيون كنا». ومن المشاريع المستقبلية التي تعمل الشركة على انتاجها فيلم للمخرجة الفلسطينية شيرين دعيبس بعنوان «may in the summer» سيصوّر في الاردن قريباً، وآخر بعنوان «74».

«جنجر» وأحلام المخرج

بعدما أمضتا سنوات في العمل السينمائي مع مخرجين ومنتجين لبنانيين، وبعد تعاونهما في فيلم «سكر بنات» لنادين لبكي، قررت عبلة خوري ولارا كرم تأسيس شركة تنفيذ للانتاج السينمائي والوثائقي في العام 2009، والعمل بالتالي على تحويل السيناريو من ورق الى صورة، وكان فيلم «الجبل» لغسان سلهب أول أعمالهما معاً.

وتكمن مهمة الشركة كما تقول في تنفيذ أحلام المخرج، وترجمة أفكاره من حيث الموقع والديكور واختيار الممثلين، وتفريغ السيناريو لمعرفة المدة التي يحتاجها الفيلم لتنفيذه، والبحث عن اماكن ومواقع تناسب النص ومشاهده، والتشاور مع المخرج للوصول الى أفضل صيغة ممكنة للعمل، ومعرفة موازنة الفيلم وكلفته.

ومن مهمات الشركة مثلاً تحويل بناية حديثة الى واحدة مصدّعة اخترقها الرصاص، ودمرت أجزاء منها، او البحث عن قرية تضم جامعاً وكنيسة، كما حصل في فيلم نادين لبكي الأخير «وهلق لوين» التي عملت الشركة على تنفيذ إنتاجه وبناء بعض المنازل التي طلبتها المخرجة في قرية بعيدة نائية ومعزولة.

وتوضح المنتجة عبلة خوري أنه على أساس التفريغ، تُحدّد موازنة الفيلم، وبعد التشاور مع المنتج الممول والمخرج، إما تُعصر النفقات في حال تخطت الرقم المخصص للفيلم، وإما تعدل بعض المشاهد لتخفيض الموازنة، مشيرة الى أن «أساس نجاح أي عمل، التفاهم والصراحة بين المنتج والمخرج، من جهة، والتعاون والتوافق في التعديلات مع الشركة المنتجة من جهة أخرى».

وتقول خوري: «قد نواجه صعوبة في بعض الأوقات في ايجاد مواقع تضم كل ما يريده المخرج، فنعمل على ايجاد اماكن متشابهة وتعديل الفروق بينها، وتوحيد الديكور مثلاً في أكثر من موقع لتصبح المواقع كلها في النهاية موقعاً بالملامح ذاتها. ومن الأدوار المهمة لشركة تنفيذ الانتاج، مساعدة المخرج في ايجاد الشخصيات التي تناسب فيلمه، والعمل على تجريب أكبر عدد من الممثلين للوصول الى الأبرز والأقوى في الأداء.

وترفض «جنجر» الكثير من السيناريوات المقدمة لها، لعدم تناسبها مع النهج السينمائي الذي تتبعه، فيما تدعم مادياً بعض الأعمال الشابة وتشجعها من خلال عائدات بعض أعمالها الناجحة. ومن أحدث أفلام الشركة، عمل لنغم عبود، تقول الشركة انه شارك أخيراً في مهرجان «كان» السينمائي، وآخر لأوديت مخلوف، ووثائقي عن «حي اللجا» (منطقة شعبية في بيروت) للمخرجة ديالا أشمر. كما تنفذ الشركة الكثير من المشاريع السينمائية المصرية في لبنان.

وعن الرقابة اللبنانية، تشير خوري الى ان الأعمال التي أنتجتها «جنجر» لم تتصادم مع الرقيب حتى الآن، الا في بعض التعديلات البسيطة، ولكن ثمة مخرجين يرفضون ملاحظات الرقابة، ما يسبّب لاحقاً عدم عرض الفيلم في الصالات اللبنانية.

الحياة اللندنية في

08/06/2012

 

البصيرة تعبر المرآة والأحلام هي الحقيقة الوحيدة

دمشق – فجر يعقوب 

يكاد يكون من الممكن القول إن كتاب «النحت في الزمن» للمخرج الروسي أندريه تاركوفسكي، وبترجمة جديدة دقيقة ومنغّمة من الناقد السينمائي البحريني أمين صالح، سيكون في وسعه أن يحتل مكاناً خاصاً به بين عموم الأدبيات السينمائية التي تصدر عندنا بلغة الضاد. ليس بسبب أهمية وخصوصية تجربة تاركوفسكي السينمائية نفسها، وإنما لأنه يكاد من زاوية أخرى أن يختزل قضايا سينمائية شائكة ومعقدة فرضتها رؤية هذا السينمائي المتفرد بلغته، والتي يمكنها إلى حد بعيد أن تتوافر فيها قولة فيلليني عن هذه النوعية من الأفلام «إن الأحلام هنا هي الحقيقة الوحيدة». وباعتبار أنها كذلك، فقد صار لزاماً على تاركوفسكي وقتها أن ينتشل يومياته وتخطيطاته لأفلام قام بانجازها، وأفلام أخرى لم يتسن له أن ينفذها بسبب وفاته (1986)، وربما أيضاً بسبب غيابه القسري عن روسيا حين لم يكن مرحباً به للعمل فيها إبان تلك الفترة، وهو وإن اخترق هذه الحجب المفروضة عليه في أمكنة أخرى، كحال اشتغاله على فيلمه «القربان» الذي صوره في السويد مع مصور انغمار بيرغمان سفن نيوكست وباللغة الروسية، فإنه كان يدرك «ببسالة» كما تصف مشاهدة شابة لأفلامه في رسالة له من غير أن تتقصد ذلك ربما: «إن الزمن واحد وغير منقسم، وكما تقول إحدى القصائد... حول المائدة يجلس الأسلاف والأحفاد».

النفاذ إلى تجربة استثنائية

ليس سهلاً بالطبع النفاذ إلى تجربة هذا المخرج الاستثنائية حتى من خلال اعتماد هذا الكتاب مرجعية في تفسير أفلامه، فلن يجد القارئ الذكي والمراوغ والحصيف أي مرجعية هنا. وبالتأكيد إن تاركوفسكي هنا لا يتعمد ذلك، فهو يدرك من البداية أن مشكلته الأساسية تكمن أصلاً في عملية صنع الأفلام وليس الكتابة عنها، لأن النقاد الذين سيتبرمون من حولها ربما يسيئون لها بكلمات مستهلكة وصريحة يتم استعمالها من الأدبيات الصحافية الشائعة حتى يمكن القول مثلاً إن تاركوفسكي إنما يقدم إضافة على تجربة مواطنه سيرغي أيزنشتاين في فن ولغة المونتاج، حين يقترح أن المونتاج ليس هو وطن الفيلم، بقدر ما هو أسلوب لوصل اللقطات ببعضها بعضاً، فيما يكمن الفيلم في البعد العاطفي والروحي الذي يختزنه المؤلف، وليس استخدام التقنيات هنا إلا وسيلة غير ذي أهمية حين يكون المؤلف/ المخرج قد عرف وحدد ذلك الإحساس بالضياء والدفء الذي تفرضه نوعية المشاهدة على مشاهد لم يعد يذهب إلى السينما من بوابة النجم والنهايات السعيدة المتوقعة.

هنا يندر في كتابة تاركوفسكي عن سينماه أن نجد تلك الأبعاد الضرورية لفهم الأنساق السينمائية، فهو يجد بكل سهولة الطريقة المناسبة للاستغراق في حال تأملية تتناسب بكل تأكيد مع النزوع الميتافيزيقي لشخصيته، ولهذا يفاجئ تاركوفسكي قراء كتابه بالقول إن الاتصال بالجمهور – الشخصي، وليس أي جمهور عن طريق الرسائل هو الذي دفعه إلى تأليف هذا الكتاب، ومن دون أن يدرك لاحقاً، إنه «سيغتال» في طريقه مخرجين كثراً في هذا العالم سبق لهم وقرأوا أولى ملاحظاته المتناثرة هنا وهناك بطريقة معكوسة ما أتاح ولادة أفلام تحاكي بصورة مشوهة بعض روائعه مثل «القربان» و «المرآة» في نواح كثيرة.

لم تكن الرسائل مفرحة. بعضها جاء مكرباً ويحمل في طياته إحباطاً غير محدود، وهو لم يكن في وارد تقبل بعضها بحكم الظروف التي كان يمر بها. وبعضها الآخر جاء متفهماً له ولتجربته وأفلامه من غير أن يكلف أصحابها أنفسهم عناء التدخل في صميم هذه الأفلام، كل واحد على حدة، إذ يكاد يخطف فيلم «المرآة» العدد الأكبر من هذه الرسائل، وهي تصبح خاصة جداً، لأنها تصدر بالأساس عن جمهور خاص بتاركوفسكي وحده، فلم يسبق بحدود علمنا أن تربى جمهور على مشاهدة أفلام بهذه النوعية غير جمهور خاص بهذا المخرج يمكنه أن يؤخذ في مكان ما بقدرته على النفاذ إلى العالم العاطفي للبالغ والطفل بطريقة غير مفهومة، وهو يعرض للقيم الحقيقية غير الزائفة من خلال تحويل كل جزء من الصورة إلى رمز.

ولأن الأمر كذلك في كتاب «النحت في الزمن» المؤلف من نحت لغوي لا يقل صعوبة عن فهم خاص للسينما، أو للقوانين الأساسية للشكل الفني كما يعبر تاركوفسكي نفسه الذي صار جزءاً منه، فإنه يمكن القول إن صاحب «طفولة ايفان» انطلق في كتابته من خلال إدراك مبادئه الخاصة في العمل عبر استجواب النظرية السائدة، حين يبلغها اضطراب وعشوائية تتجاذب السينما والفن عموماً. ولن يكون سهلاً بالطبع تكييف الكتاب مع حاجات النقد السريع الذي طالما نفر منه تاركوفسكي في محاضرات ولقاءات كانت تعقب عروض بعـــض أفـــلامه هنا وهناك. إذ لا يكفي هنا أن يغوص فيه إلا كل من له قدرة على الصبر والتــأمل وهي عادة تتوجب أن تكون مــلازمة أيضاً لمن يمكن أن يصمد في صالة، وهو يعكف على مشاهدة أفلامه أيضاً بذات الطريقة، حتى يخيل للــمرء أن القراءة هنا يمكنها أن تخضع لطـــقس الصالة المعـــتمة، وما على القارئ إلا استخــدام بصيرته العليا في فهم وتفكيك فصول هذا الكتاب بعد أن يرهن البصر لمشاهدة الصورة بكل مكوناتها.

الحياة اللندنية في

08/06/2012

 

سينما فايدا تعيد الاعتبار الى تاريخ ليخ فاونسا 

ربما لم يعرف تاريخ بولندا الحديث سياسيّاً أثار من السجالات وتناقض الآراء ما أثاره ليخ فاونسا، زعيم نقابات «التضامن» الذي قبل أن يضحي رئيساً للبلاد، ناضل طويلاً كي يلحق الهزيمة بالحكم الشيوعي فاتحاً الأبواب على مصاريعها أمام سقوط الأنظمة الشيوعية الستالينية الحاكمة في طول أوروبا الشرقية وعرضها... بما في ذلك انهيار الاتحاد السوفياتي نفسه. عن كل هذا اعتبر فاونسا مسؤولاً... ومع ذلك، لا يزال كثر من البولنديين وغير البولنديين يعتبرون أن ذلك الزعيم النقابي إنما كان في حقيقة أمره عميلاً معتمداً من قبل البوليس السري البولندي أيام الحكم الشيوعي ومتعاوناً مع الاستخبارات السوفياتية. للوهلة الأولى يصعب تصديق هذا أصلاً... لكن ثمة من الأقاويل و «الوثائق» ما يؤكده.

ومن هنا، يجيء اليوم تدخُّل المخرج السينمائي البولندي أندريه فايدا الذي، حاملاً سنيه الست والثمانين، يعمل على إنجاز فيلم روائي عن فاونسا أنجز حتى الآن تصوير نصف مشاهده، ويأمل في أن ينجز النصف الآخر خلال الشهور المقبلة كي يتسنّى عرض الفيلم قبل آخر كانون الأول (ديسمبر) المقبل.

بالنسبة إلى فايدا، ليست هذه المرة الأولى بالطبع التي يضع فيها سينماه في خدمة تاريخ بلاده، وغالباً من موقع المشاكس إما على السلطات الحاكمة، شيوعية كانت أو غير ذلك، وإما على الأفكار المسبقة الرائجة في الشارع. وهنا، مرة جديدة بعد نصف قرن من مسار سينمائي حفل بأفلام مميزة مثل «كنال» و «ماس ورماد» و «رجل من مرمر» و «رجل من حديد» و «كاتين»، ها هو فايدا يستعيد في فيلمه الجديد «فاونسا»، نحو عشرين عاماً من تاريخ هذا العامل العصامي الذي انتخب أول رئيس لبولندا بعد انهيار الشيوعية. وهي الأعوام العشرون التي تقع بين 1970 و1990، وتبدأ من شروع فاونسا في النضال بعد مجزرة في حق العمال المضربين في مدينة غدانسك الصناعية أسفرت عن 40 قتيلاً وآلاف الجرحى، لتنتهي مع الشارع المنتفض وهو يطيح الحكومة المعينة من موسكو... ومن يعرف التاريخ البولندي يعرف بقية الحكاية وأن العشرين عاماً التي يتابعها الفيلم كانت حاسمة في تاريخ البلد، وكذلك في تاريخ الرجل... والفيلم يركّز على هذا التاريخ بدءاً من مشهد أوّلي يرينا البوليس السري محاولاً الإيقاع بالمناضل ودفعه إلى توقيع وثائق تدين الزعامات العمالية (وهي واقعة حقيقية)... ليؤكد لنا إثر ذلك أن فاونسا رفض التوقيع وبالتالي لم يتورّط في أي عمل استخباراتي.

انطلاقاً من هنا، من المتوقع أن يثير الفيلم عند عرضه اهتماماً واسعاً وكذلك لغطاً أوسع... ولن يكون هذا جديداً على سينما فايدا التي غالباً ما أثارت سجالات لعل آخرها وأكثرها صخباً، كان ذاك الذي قابل فيلمه «كاتين» الذي عاد إلى مجزرة كانت القوات السوفياتية ارتكبتها خلال الحرب العالمية الثانية ولكن التاريخ الرسمي سكت عنها طويلاً.

الحياة اللندنية في

08/06/2012

غودار يعود...

ولكن في فيلم بعيد من عوالمه المعتادة 

في كلّ مرة كان يعرض فيها فيلماً جديداً من إخراجه خلال السنوات الفائتة، كان المخرج جان – لوك غودار يعلن أن «هذا سوف يكون فيلمي الأخير». كان هذا التصريح الذي أضحى على مرّ السنوات كاللازمة، تعبيراً دائماً عن رغبة غودار في اعتزال الإخراج السينمائي، بعد أكثر من نصف قرن من مسار مهني جعله واحداً من أشهر مخرجي الفن السابع في العالم...وواحداً من اكثر مبدعي السينما إثارة للجدل ونزوعاً إلى التجريبية – بما في ذلك التجريبية السياسية والجمالية واللغوية -. إذاً، في كلّ مرة كان غودار يعلن الاعتزال ثم يعود في فيلم جديد، بحيث انه في المرة الأخيرة حين عرض «فيلم – اشتراكية» في مهرجان «كان» قبل سنتين تساءل كثر عما سيكون موضوع عمله التالي لتلك «الوصية» السينمائية المدهشة، فيما كان هو يؤكد أن «هذه المرة الأمر نهائي ومحسوم: لن أعود للوقوف وراء الكاميرا مرة أخرى

ومع ذلك هاهو على وشك العودة، أو هذا ما أكدته خلال الأيام الأخيرة لانعقاد دورة «كان»، أوساط الشركة التي تولت إنتاج وتوزيع أفلامه الثلاثة الأخيرة «في مديح الحب» و»موسيقانا» و» فيلم اشتراكية»، أي شركة «وايلد بانش». فالشركة ذكرت أن من بين مشاريعها الإنتاجية السينمائية المقبلة فيلماً لغودار عنوانه «وداعاً للغة 3د». وبالتحديد كما يوحي العنوان من المفترض أن يصوّر غودار فيلمه الجديد هذا بتقنية الأبعاد الثلاثة. وهو نفسه تفكّه على الأمر بظرفه المعهود قائلاً: «إن الجميع يريدون الحصول على درجة 3 أ، أما نحن فإننا نعطيهم درجة 3د..» وغودار من أجل تصوير مشاهد فيلمه الجديد هذا طلب من إحدى الشركات أن تصنع له كاميرات صغيرة خاصة.

غير أن التجديد الغوداري لن يكون عند هذا المستوى التقني فقط، بل سيكون – على الأرجح – في المضمون أيضاً، حيث عرف أن حبكة الفيلم – هذا إن كان ممكناً الحديث عن حبكة ما، في السينما الغودارية -، ستدور من حول زوجين يجدان نفسيهما فجأة في مقتبل العمر غير قادرين على أن يقولا شيئاً لبعضهما بعضاً. وبعد ذلك؟ علينا أن ننتظر كالعادة، عرض الفيلم وربما في «كان» المقبل، لنعرف الجواب في وقت سيقول فيه غودار من جديد انه سيكون «آخر أفلامه»!

الحياة اللندنية في

08/06/2012

 

كيف ستظهر شخصية 'القبطي' في السينما المصرية بعد الثورة؟

القاهرة - من أيمن فكري 

صناع الفن يدعون إلى إعادة النظر بتناول الدراما للشخصية القبطية باعتبارها أحد أهم مكونات المجتمع المصري.

رغم ارتفاع هتافات المصريين فى ثوراتهم الأخيرة بشعارات الوحدة الوطنية كـ"عاش الهلال مع الصليب" و"مسلم مسيحي إيد واحدة".. سواء عام 1919 أو 1952 انتهاءً بـ2011، إلا أن تلك المعاني السامية لم تتحقق فى السينما المعاصرة والدراما التلفزيونية على نحو كاف.

ويؤكد عدد كبير من النقاد والسينمائيين أن الشخصية القبطية فيها ثراء درامي كبير سيضيف بعدا جديدا لأعمال ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير التي حررت المصريين من العقد النفسية، وأهمها اضطهاد الأقباط للمسلمين والعكس والذي كان أحد أسلحة الرئيس المخلوع لتفرقة وحدة شعبه وسهولة سيطرته على مقدراته وعقوله.

ويقول الكاتب والسيناريست عاطف بشاي إن شخصية القبطي في السينما والدراما المصرية تحولت بشكل جذري بعد ثورة 25 يناير.

ويضيف "لا بد أن تتغير ملامح الشخصية القبطية في الدراما المصرية بعد الثورة 180 درجة عما كانت قبلها، وهذا التغير نابع من عدة تغيرات مهمة أولها ما فعله الأقباط الثوار في ميدان التحرير، وخروج الشباب القبطي متمردًا على سلطة البابا شنودة التي كانت تنص على عدم الخروج على سلطة الحاكم حتى لو كان ظالما".

و يضيف "وعلى الرغم من توجيهاته فإن شباب الأقباط من الثوار لم يلتفتوا إليها وذهبوا بحسهم السياسي الواعي والمثقف إلى ميدان التحرير ليشاركوا الثوار المسلمين ثورتهم ولكي نتحرر من مسلم ومسيحي وتصبح الثورة يد واحدة من مسلم ومسيحي بدون تفرقه من الطرفين.

ويوصي بشاي أن تكون المعالجة الدرامية للشخصية القبطية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير إيجابية "حيث إنها لم تعد هي الشخصية المستكينة والصابرة على الظالم والطغيان وانعدام العدالة الاجتماعية، وإنما أصبحت بعد الثورة شخصية إيجابية مثقفة مدركة لجميع المتغيرات من حولها".

ويضيف "الموضوع الثاني والأهم هو أن تكون الشخصية القبطية شخصية مصرية فى المقام الأول، فقد كان مأخوذًا على الأقباط أنهم يقولون إنهم أقباط قبل أن يكونوا مصريين؛ حيث كانوا يعلون من شأن الطائفية فوق، وفي السابق كان الأقباط فى عزلة كاملة عن باقي المجتمع، فلم نسمعهم يتحدثون عن مشكلات ارتفاع الأسعار، أو عن مشكلة المياه الملوثة أو المعاناة اليومية التي يعاني منها المصريون كافة، وحين بدؤوا بالمطالبة بحقوقهم طالبوا بحقوقهم كأقليات وليس كشركاء في هذا الوطن، وهذا ما يجب إبرازه في الدراما والسينما في المرحلة المقلبة".

ليالي الحلمية

وتعتبر الناقد السينمائية ماجدة موريس أن أول ظهور فعلي للشخصية القبطية في الدراما المصرية كان في مسلسل "ليالي الحلمية"، لكنها قالت إن السينما المصرية خلت من الشخصية المسيحية في عهود كثيرة سابقة وظلت الشخصية المسيحية في الدراما والسينما المصرية شخصية غير موجودة بالمرة، وكان ظهورها بعد الأربعينيات سطحيًا متمثلاً بالأقباط الأجانب مثل فيلم "فاطمة وماريكا وراشيل" وهناك شخصيات مثل كوهين والخواجة بيجو أو الفنانات الاستعراضيات والراقصات الأجانب وكان ظهورهن جزءًا من التركيبة الدرامية، وليس جزءًا من المجتمع المصري.

وتضيف "ظلت الشخصية المسيحية مختفية تماما ولكنها عادت مرة أخرى للظهور من خلال مسلسل 'ليالي الحلمية' ويرجع الفضل فى ذلك إلى الكاتب أسامة أنور عكاشة حيث إنه أول من انتبه لغياب تلك الشخصية المسيحية وقد حرص "أسامة أنور عكاشة" على تقديمها فى أعماله، ولكن حين بدأ بتناول تلك الشخصية دراميًا قام بتقديمها بصورة تحتوي على كم كبير من النبل والإيجابية المتمثلة بشخصية الضابط الكبير وعلاقته الجيدة بالآخرين، فكان أسامة أنور عكاشة حريصًا كل الحرص على تقديمها كجزء موجود في المجتمع المصري ولكن ليس بالصورة العادية التي توجد بها جوانب كثيرة مثل الشر والخير مثل كل البشر".

تواجد سطحي

وحول السينما ودورها فى إبراز شخصية القبطي تقول موريس "جاءت الانطلاقة للشخصية القبطية في بدايات التسعينيات حيث امتازت الأعمال بالجرأة في إبرازها كفيلم 'بحب السيما' و'كلام فى الممنوع' و'التحويلة'؛ وعلى الرغم من وجودها فإنها ظلت في الحدود الاستثنائية وكان الغرض منها فقط كسر حاجز عدم الوجود، ولكن المثير للدهشة أن الأقباط لم يرحبوا بتلك الأعمال، ولم تنل إعجابهم لأنهم تعودوا على عدم الوجود".

وتضيف "أكثر الأفلام التي أثارت غضب الأقباط 'بحب السيما' لأنه الفيلم الأول الذي قدم مجتمعًا قبطيًا فيه بشر قد يخطؤون، ويجري عليهم ما يجري على الإنسان فى كل مكان من حياة تحتوي على الكثير من الصراعات من فشل ونجاح وإجرام وصلاح، ولكن لم يتقبل القبطي وجود تركيز كبير على حياته الاجتماعية بعد طول اختفاء بالإضافة إلى الدور الكبير الذي كان يلعبه النظام السابق فى حجب الكثير من المشكلات الاجتماعية وإبراز بعض حقوق الأقباط، وعدم تناول مشكلة قانون دور العبادة الموحد في الأعمال الدرامية والسينمائية كقضية كانت دومًا تؤرق أقباط مصر".

وتدعو إلى تقديم الشخصية المسيحية كما هي في الواقع "مثلها مثل الشخصية المسلمة بكل جوانبها وبكل وضوح وإظهار إيجابياتها وسلبياتها، لأن الإنسان هو ابن البيئة والمجتمع المحيط به، فلا يجوز صنع شخصية إيجابية وملائكية طوال الوقت، ولا يجوز أيضًا العكس بإبراز الشخصية الشريرة الشيطانية، فأنا أتصور أن الشخصية المسيحية جزء أصيل من المجتمع المصري ومشاركة فى جميع المجالات ولها حقوق وعليها واجبات".

فيما تنتقد الناقدة ماجدة خيرالله دور الرقابة على التغطية على المشكلات فى المجتمع المصري، وتضيف "نال الأقباط قسطًا من المساحة الدرامية حيث قدم عاطف بشاي أكثر من مسلسل ناقش الكثير من مشكلات وهموم الأقباط المتمثلة فى الطلاق والجواز، وتصوري أن الشخصية المسيحية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير يمكن أن تأخد مساحة أكبر من ذي قبل ويسلط عليها الضوء بصورة أوضح".

وتضيف "لا أحد يمكن أن ينكر أن الشخصية المسيحية في الدراما أخذت حقها حتى من قبل الثورة، وما يمكننا الحديث عنه الآن بعد الثورة يتلخص فى الحقوق المهدرة للأقباط فى واقع الحياة والمتعلقة بالنظام القديم.. فحصول الأقباط على تلك الحقوق يؤدي إلى ظهور قضايا جديدة يمكن معالجتها دراميًا وسينمائيًا بشكل أكثر وضوحًا وتركيزا".

موضوع للمناقشة

أما المنتج السينمائي هاني جرجس فيعتبر شخصية القبطي بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ستظل موضوعًا حساسًا، مفصلاً الفارق بين النموذج الذي قدمته السينما قبل وبعد الثورة.

ويقول "قبل الثورة تم تقديم الشخصية المسيحية بصور مختلفة خرجت عن النطاق التقليدي والعادي، فبعد أن تم تركيز الضوء على الجانب الملائكي فى تلك الشخصية المسيحية لفترة حدث تحول كبير بتقديمها بشكل سلبي فى فيلم 'بحب السيما' حيث أبرز الكثير من السلبيات ولقي ردود فعل مختلفة، ومن أبرز القضايا التي تناولتها السينما مؤخرًا هي العلاقات الاجتماعية والعاطفية المتمثلة فى قصة حب بين فتاة مسيحية وشاب مسلم أو العكس والتي كانت متشابهة لأحداث كنيسة 'أطفيح' فيمكن معالجة هذا دراميًا وسينمائيًا عن طريق إبراز تلك المشكلة الإنسانية والاجتماعية الناتجة عن العقيدة".

ويستدرك "لكن لا بد أن نبتعد كل البعد عن الحديث في العقائد نفسها؛ لأن هذا يهدد أمن البلد والوطن ككل، أما فى القوانين ومطالبات الأقباط المختلفة سواء بقانون دور العبادة الموحد، أو بعض الوظائف التي كانوا محرومين منها فى الماضي فكلها قضايا ستحل خلال سنة، وأنا من أشد المعارضين لتقديم أفلام تخص ذلك في الوقت الحالي لأن مستقبلها غير معلوم في ظل التغيرات السريعة التي تمر بها البلاد من أحداث سياسية ومحاكمات لرؤوس النظام السابق وعلى رأسهم المخلوع حسني مبارك وأبناؤه وكبار معاونيه".(وكالة الصحافة العربية)

ميدل إيست أنلاين في

08/06/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)