حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

هادي زكاك:

"مارسيدس" خلاصة كل أفلامي

هوفيك حبشيان

 

يروي هادي زكاك في "مارسيدس" (68 د.) بأسلوب ساخر جداً، كيف تمكنت سيارة ألمانية من أن تتحول أيقونة لبنانية، وبقيت القاسم المشترك والشاهدة العيان منذ أيام "البرج" حتى زمننا الراهن.

السيارة التي باتت الرقم 19 في احصاء الطوائف، حملت ألواناً حزبية وشعارات دينية. نُقل فيها المهجرون والاسماك والخضر وأغصان الشجر. زكاك يلقب المرسيدس بالعائلة، مدخلاً ايانا في ثقافة التسميات اللبنانية لهذه السيارة الألمانية: "المدعبلة"، "الشبح"، "الغواصة". يستند الفيلم الى عملية بحث هائل واضح في لملمته للتفاصيل. مشاهد كثيرة يلجأ فيها زكاك الى اعادة الأحياء، مقابل لجوئه في مشاهد أخرى كثيرة الى صور الأرشيف

(...). 

- قبل نحو عشر سنين، فيما كنتُ في مهرجان قطري، التقيتُ مخرجاً المانياً قال لي إن من المؤكد أن كل سياراتنا في لبنان فرنسية الصنع بحكم الانتداب. فقلتُ له انه مخطئ وان أغلب السيارات من ماركة مرسيدس. فظلت هذه الملاحظة في رأسي، وخصوصاً ان هذه السيارة تعكس كل تاريخنا وتراثنا. بالاضافة الى أنني أحبّ السيارات، بحيث أجدها على ترابط مع السينما، كونها نوعاً من شاشة متنقلة. السيارة مفتاحٌ لاكتشاف المدينة وتحديدها. هناك سببٌ آخر ايضاً خلف انجازي هذا الفيلم وهو أنني، بعد مجموعة اعمال ركزتُ فيها على مسألة الطائفية وصوّرتُ من خلالها أناساً وضعوني في حالة مرضية، كنتُ في حاجة الى أن اتعامل مع شيء. شيء استطيع أن اجسده كما يحلو لي تجسيده. السيارة هنا حجة لأدخل من خلالها على التاريخ. هذا كان أيضاً مرتبطاً مباشرة بـ"درس في التاريخ" حيث منهج يوقفنا عند تاريخين أساسيين هما 1943 و1946، بينما كان يستهويني التوقف عند التاريخ الذي لا يعلّمونه في المدارس. لذا، كنتُ اريد أن يغطي الفيلم مرحلة الخمسينات الى اليوم

في الأفلام التي أنجزتها أخيراً، نلاحظ هذا الموزاييك الخاص بلبنان وتركيبته الطائفية، ما يفتح المجال للكثير من التنوع. انه موضوع سينمائي...

- أشعر احياناً انني انجز الفيلم ذاته. كل جديد لي عن البيت نفسه، ولكن مرة أدخله من الباب ومرة من الشباك، الخ

انه بيت بمنازل كثيرة... بالنسبة للفيلم الذي انجزته قبل هذا بفترة قصيرة واسمه "تاكسي بيروت"، والذي أخفاه جديدك بظلاله، أخبرني كيف تجد الوقت لتنجز فيلمين في فترتين زمنيتين متقاربتين...

- باشرتُ مشروع "مارسيدس" عام 2008 وعملتُ عليه ثلاث سنوات بشكل متقطع، انجزت خلالها "درس في التاريخ" و"تاكسي بيروت"، وايضاً "تاكسي صنعاء" الذي لم يصدر بعد. يجب أن أقول هنا انني أنشأتُ سلسلة أسمها "تاكسي المدينة"، 13 فيلماً عن 13 مدينة من الشرق الأوسط والبلدان العربية، اشرفتُ على ثلاثة منها ولكني لم انجز منها الا فيلمين عن بيروت واليمن. انها سلسلة بورتريهات لمدن من خلال سائقي سيارات الأجرة. هذه السلسلة ستعرض على "الجزيرة الوثائقية" في منتصف هذه السنة. اذاً، كنتُ اتابع مشاريع عدة بالتوازي، لكن كل مشروع كان في مرحلة مختلفة عن الآخر. واحدٌ كان في مرحلة التصوير، وآخر مثلاً في مرحلة المونتاج، لكن كل فيلم تغذى من الثاني. بسبب سائقي التاكسي في "تاكسي بيروت"، استطعتُ تجسيد شخصية سيارة المرسيدس، كون السائقين كانوا يحدثونني كثيراً عن ذكرياتهم مع "المدعبلة"، الخ. أما في "درسٌ في التاريخ"، فكنتُ اطالع فصولاً من التاريخ اللبناني لأعرف كيف سأكتبه. الأشياء تداخلت. على كل حال، اعتبر "مارسيدس" خلاصة كل أفلامي

سؤال سخيف، لكنه يطرح نفسه: كيف تمت رحلة البحث عن السيارات؟

- المفاجأة الاولى عندما وجدتُ كم أن سيارة مرسيدس 180 باتت نادرة. بدأتُ أبحث عن السيارات، ما جعلني أزور كل المناطق اللبنانية بهدف التصوير. كنت اريد سيارات مرسيدس 180 في حالات مختلفة، بين التي فُككت وتلك التي لا تزال صامدة أمام الترهل. تعرفتُ ايضاً الى أناس يجمعون السيارات، أشخاص مثل روني كرم وفاروق الخليل اللذين ساعداني لتأمين سيارات في حالة ممتازة، وهما أيضاً مولعان بالسيارات. هذا كله تطلب الكثير من الوقت، لأني زرت مناطق كثيرة. هذه مرحلة جاءت بعدما كنتُ قد بحثت كثيراً عن السيارات في الأرشيف

هل جاءتك فكرة مزج المتخيل بالوثائقي منذ البداية؟ 

- بدأتُ بفكر محض وثائقي، بمعنى بحثتُ في الارشيف على مدار أشهر طويلة، وانطلاقاً من هذا الارشيف أنجزتُ مونتاجاً أولياً، كي أحدد ما الهامش الزمني الذي يغطيه هذا الارشيف، وما هي المراحل المتبقية التي تلزمني مشهديات لها. ثم، بدأتُ أكتب سيناريواً، وعلى اساسه بتُ افصل بين المراحل التي ستكون فيها المرسيدس مادة وثائقية والمراحل التي ستبقى فيها ممثلة

ماذا عن الجانب التهكمي والساخر؟ مَن يعرفك يقول ان هذه شخصيتك. ما ضرورة هذا الجانب في الفيلم؟ 

ـــ هناك تشابه بيننا. لكني اعتقد ان هذا متأتٍّ من تراكم. يعني مثلاً: انت تعيش في بلد تزعجك فيه أشياء كثيرة، ثم تنجز الأفلام وأنت تعلم أن الأفلام لا تغير الواقع، فتشعر انك في حاجة الى أن تكون أكثر من مجرد شخص ينقل واقعاً ما ويصفه. لذلك، كانت السخرية، التي جاءت نتيجة وجع كبير

نعلم انه هناك طرقاً عدة في صناعة الفيلم الوثائقي. كيف تعمل أنت؟

ــــ أعمل كثيراً على البحث. أحياناً، اجرب كتابة سيناريو استباقي انطلاقاً من فرضيات يمكن أن تحصل خلال التصوير. ثم، عندما اصل الى الارض، اتركها تقودني. لكن، احبذ التحضير المكثف، لأستطيع التفاعل مع الارض ولا اضيع. هذه طريقتي التي اعتمدها دائماً.

ولكن، هل كنت عملت بطريقة مختلفة لو كنت مستقلاً وليس عندك حسابات تسددها لجهة منتجة؟

- على "مارسيدس"، كنتُ مستقلاً. كنا وفريق العمل أحراراً من قيود كثيرة، لا تاريخ للتسليم ولا مال كثيراً في جيوبنا. ولكن، كوني منظماً جداً، فأعرف ما الخطوات التي يجب اتخاذها. عموماً، هي تركيبة شخصية تنعكس على العمل

هناك فكرة التحريف في الفيلم، بدءاً من النحو الذي كُتب به اسم مرسيدس (Marcedes) بالحرف اللاتيني وصولاً الى النشيد الوطني اللبناني...

- استلهمتُ هذا الشيء ميدانياً، عندما اكتشفتُ مثلاً ألقاباً كـ"المدعبلة". كنا تعوّدنا على تسميات من مثل "غواصة" أو "شبح" علماً ان التسمية الأخيرة ارتبطت بفكرة سياسية معينة ("الأشباح" أي المخابرات) . فوجدتُ انه يمكنني أن استفيد من هذه الامور كي أربط احياناً تاريخ عائلة المرسيدس بتاريخ ألمانيا وانعكاسه على لبنان؛ كيف مثلاً تتوحد ألمانيا فتنتهي الحرب في لبنان، وتضرب اسرائيل لبنان جراء العلاقة بين العائلة وهتلر. للفيلم تركيبة لعبية، ولا أخفي أنني كنتُ ألعب بالكثير من الأمور

كيف جرى التصوير ميدانياً؟

- صوّرنا على مرحلتين: اقتصرت المرحلة الاولى على البحث عن السيارات، وكأنك تبحث عن شهود؛ هذه مرسيدس في بيتها، واحدة أخرى في مقر وظيفتها، الخ. اما المرحلة الثانية فكانت التقاط المشاهد المشغولة بروح روائية. هذا الجانب جعلني أحنّ الى ما يختزنه داخلي من رغبة في صناعة فيلم روائي، وهو الشيء الذي ابتعدتُ منه منذ فترة طويلة. في الوثائقي أعتمد دائماً اللقطة الاولى ولا اعيد، كما في الروائي. في الوثائقي القدر والانتظار وطول الاناة. هناك ايضاً المشي. مشينا كثيراً في هذا الفيلم لنعثر على السيارات. كان علينا ان "نمشط" مناطق كثيرة

المونتاج ألم يكن معقداً؟

- المونتاج استغرق وقتاً طويلاً. في الوثائقي هناك عادة المقابلات التي تشكل هيكلية صوتية لتركيب الفيلم. هنا، لا شيء من هذا كله، سوى هدير سيارات تمشي. ليس حتى من تعليق صوتي. كنتُ مصراً على غيابه منذ البداية وفي الكثير من جلسات المناقشة، كان هناك اتجاهان. لكن مع اميل عواد مصمم الصوت والموسيقى، كنا راديكاليين في رفضنا للتعليق. كنا نريد صوت البشر كمادة ارشيفية وليس كعنصر مضاف. خلال المونتاج، كان هناك عملية بناء وتدمير مستمرة

·        أخيراً، هناك نظرة دونية الى الفيلم الوثائقي. هناك فكرة خاطئة انه يجب أن تفضي التجربة الوثائقية لدى مخرج من المخرجين الى السينما الروائية...

- عبر السنوات، استطعتُ التغلب على هذا الهاجس وتصالحتُ مع الوثائقي. عندما يحلم المرء بالسينما، لا يحلم بالوثائقي بل بالروائي (...). وتأكيداً لما تقوله، لا يزال الناس الى اليوم، يسألونني: "متى ستنجز فيلماً؟". في المقابل، في السنوات الأخيرة، وتحديداً في لبنان، أجد مستوى الأفلام الوثائقية افضل من الروائية. على الاقل لدى هذه الافلام ما تقوله. الروائي مركّب، وفيه شيء غير صادق وهناك دائماً العقدة التي تفرض علينا أن نثبت للآخر أننا نستطيع أن ننجز افلاماً مثل التي ينجزونها. هناك حقل اختبار أوسع في الوثائقي وليس لدينا ما نثبته من خلاله

·        كأن ما تقوله لنا الأفلام الروائية، تأتي الأفلام الوثائقية لتكذبه...

- بالضبط (...).

hauvick.habechian@annahar.com.lb

يُعرض في صالة "متروبوليس". 

النهار اللبنانية في

07/06/2012

عشر سنين على رحيل رضوان الكاشف "بيّ الفقير"!

هوفيك حبشيان 

آمن ان مهمة السينما هي الحلم والثورة من اجل حياة افضل. لم تغرّه "السينما الدايت" بكل ملايينها وبريقها ومكاسبها. لم يرض ان يتحول المشاهد الى كائن يهرب من الحياة وازماتها الى ساعتين من "الكيف السينمائي"، يحمل في يده علبة فوشار وتدمع عيناه من نشوة الضحك ثم يلفظ ما شاهده على باب الخروج ليعود من جديد كائناً مطحوناً عابساً وربما اصولياً متطرفاً، مناخ يجني فيه تجار السموم السينمائية ملايين الارباح ويفقد معه الجمهور ذوقه وثقافته وتراثه

كان رضوان الكاشف (1952ــ 2002) نموذجاً فريداً لمخرج لم ينفذ الا ما يؤمن به حتى لو كان مجمل اعماله 3 افلام روائية طويلة وبضعة افلام تسجيلية وروائية قصيرة. لكن الاهم انه نجح في تسجيل اسمه في تاريخ السينما بأكثر من 47 جائزة من مهرجانات مختلفة، علماً ان فيلمه "عرق البلح" استمر عرضه في صالات باريس 6 اشهر متوالية. كان الكاشف حالة سينمائية فريدة انتشلت السينما المصرية في وقت كانت تعاني فيه من حالة موت سريري فأعاد اليها الحياة مع مخلصين قلائل آخرين

تمتد جذور عائلة الكاشف الى قرية كوم اشقاو بمحافظة اسيوط. كان جده رضوان عمدة القرية لكنه ترك وظيفته احتجاجاً على نفي الزعيم الوطني سعد زغلول في عشرينات القرن الماضي. وكان ابوه عالماً ازهرياً مرموقاً. درس رضوان الفلسفة وتخرج بتقدير امتياز. واتجه الى معهد السينما وتحديداً الى قسم الاخراج. تخلل فترة دراسته اصطدام حاد بالسلطة في نوبة غليان شعبي في فترة السادات، عرفت "بانتفاضة الخبز" في كانون الثاني 1977 وسمّتها السلطة الرسمية وقتذاك "انتفاضة الحرامية"، وكانت نتيجة هذا الصدام مطاردة امنية امتدت لأكثر من عام وانتهت بتسليم نفسه الى السلطات قبل يوم واحد من محاكمته التي انتهت بالبراءة

بعد التخرج انعزل في صومعته السينمائية بعيداً من مزالق السياسة. فقد آمن ان اطروحاته السياسية سيتضاعف تأثيرها اذا انطلقت من طرح فني راق، وكان العمل مع يوسف شاهين كمساعد مخرج في فيلميه "اسكندرية كمان وكمان" و"وداعاً بونابرت" فرصة لصقل موهبته بمشاركة يسري وناهد نصرالله وبعض الموهوبين الذين شكلوا لاحقاً ما سمي الواقعية الجديدة في السينما المصرية، وهو تيار وصلت به السينما المصرية الى قمة تألقها مع عاطف الطيب ومحمد خان وداوود عبد السيد

كان الفيلم القصير، "الجنوبية"، اولى تجاربه السينمائية عام 1986 وكان من المفترض ان ينفذ فيلماً آخر عنوانه "اجمل رجل غريق في العالم"، لكن رحيل والدته كان سبباً في انتاج رائعته الاولى التي استقبلها الوسط السينمائي بحفاوة، ثم كانت شهادة ميلاده الحقيقية في رائعته "ليه يا بنفسج" عام 1992. الاسم مستمد من اغنية تراثية شهيرة لمطرب مصري قديم هو صالح عبد الحي، والعنوان السابق اختصار لفلسفة الكاشف السينمائية ومشروعه الذي ركز على حياة المهمشين والبسطاء وتعاستهم وحقهم في الحلم والسعادة ثم رصد بهجتهم وسخريتهم للتدليل على ان ذلك هو سبيل الانقاذ الوحيد لهم

يحكي الفيلم عن اصدقاء ثلاثة احمد (فاروق الفيشاوي) وعباس (نجاح الموجي) وسيد (اشرف عبد الباقي) يعملون عازفين في حفلات الزفاف الشعبية ويجمعهم حلم السفر الى الخارج وجني المال، يعيشون في حارة ضيقة وقاتمة لكنها متسعة للاحلام على الرغم من ان لكل منهم آلامه. فأحمد يعيش قصة حب مع فتاة تهرب من الحارة عندما تدرك ان حبهما لن يكتب له البقاء في ظل تلك الظروف الصعبة. سيد يحب فتاة من طرف واحد ويرى ان في الشقاء اليومي بارقة امل. اما عباس فيمثل الحياة بكل تناقضاتها وتدفقها فيتزوج من امرأة معروفة بأنها سارقة للحمير ويخسر كل علاقاته من اجلها وتنتهي به الحال خادماً في حانة فقيرة. على الرغم من نجاح احمد في السفر الى الخارج، فهو يعود الى حارته بعد ان تحاصره هناك القسوة والضغوط

كان رضوان الكاشف شغوفاً برصد حياة المهمشين ويرى ان القاهرة ليست جنة بل هي ملتقى للمتناقضات محاصر بجيوش من الفقراء. بالتأكيد لم يكن انحياز الكاشف الى الفقراء انحيازاً ايديولوجيا خالياً من الفنّ. فهو يدرك جيداً الفرق بين الفن والدعاية. ويختلف مفهوم الفن عنده عن مفهوم بريخت "التعليمي" وإن جمعتهما القدرة على تحريك عقل الجمهور وجعل المشاهد يبذل جهداً ذهنياً ليفهم معاني الفيلم. لم يقتصر مفهوم المهمشين عند رضوان الكاشف على الفقراء فحسب، بل تعداه الى الثقافات الخاصة الثرية والمهملة في الوقت نفسه، كثقافات الصعيد مثلاً. حاول ان ينجو من مركزية القاهرة وقدّم تجربته الأهم "عرق البلح" التي تحكي عن حياة قرية صعيدية صغيرة هاجر كل سكانها بحثاً عن الرزق في بلاد النفط ولم يبق في القرية سوى صبي واحد قام بدوره محمد نجاتي بالاضافة الى النسوة اللواتي اعيتهن الرغبات الجنسية المكبوتة لسفر الازواج فلجأن الى الخطيئة التي سرعان ما تظهر نتيجتها في بطونهن فتعم الفضيحة وتلجأ احداهن الى الانتحار حرقاً بينما ترفض اخرى ان تتخلص من جنينها الذي حبلت به من خطيبها "طالع النخل" الذي كان يتسلق النخل لجلب البلح المستخدم في صنع العرق الذي يزيد من شبقهن

يعود الرجال الى القرية فتصدمهم الفضيحة ويموت الصبي بعد وقوعه من احدى النخلات وتتقدم النساء لتوديعه بتراتيل جنائزية مؤثرة ويرحل الجميع ولا يبقى في القرية الا امرأة عجوز تحكي قصتها للغرباء بالاضافة الى طفلة الخطيئة. حرص الكاشف على اثراء الفيلم بجو الاسطورة والغناء الشعبي الصعيدي، كما حرص على اختيار قرية تجسد العزلة فلجأ الى الصحراء واختار قرية بلاطة وسط الواحات لتصوير تحفته الخالدة التي حصدت الكثير من الجوائز في مهرجانات تطوان واونجيه وجنوب افريقيا وغيرها. ولكن على الرغم من المناخ الفني الساحق، لم يحقق فيلمه ايرادات كثيرة وهي قضية لم تكن تشغله كثيراً فقال ذات مرة: "اني اتعامل مع افلامي كما اتعامل مع فدان ارض تزداد قيمته بمرور الزمن ولا اتعجل الربح منه"، ولكن لحسن حظه ان تجربته الاخيرة حصدت ما لم يسع اليه من النجاح التجاري بجانب الفني بالطبع، فجاء "الساحر" مكملاً لمشروعه السينمائي الذي يعيش وسط التهميش ويروي آلام المهمشين وينتصر ببهجتهم، ولذلك لم يكن عيباً ان يكون اسمه الاول "نظرية البهجة". 

يحكي "الساحر" عن رجل بسيط كان يعمل ساحراً شعبياً ينتزع الضحكة لإسعاد الناس، تتوفى زوجته فيصبح همه الاول المحافظة على ابنته وابعادها عن هواجس المراهقة. يلتقي حفافة (سلوى خطاب) هاربة من جحيم زواجها الاول وبرفقتها ابن مهدد بالعمى. الشخصيتان اسيرتان للماضي، هو بمهنته وادواته وهي بذكرياتها الاليمة. يسعى منصور (محمود عبد العزيز) الى مساعدة ابنتها ويستعين بمهاراته القديمة ليبيع من ثري حصاناً ضعيفاً بثمن كبير، لكن ابنته تقع فريسة ابن الملياردير ميكا وعندها يصرخ "انا يا شوقية اتلهيت بابنك ونسيت بنتي". لكن شوقية كانت طوق النجاة لابنته عندما سهلت لها الزواج من حمودة "بائع حمص الشام"، جارها في الحارة وحبيبها الاول. "الساحر" مرثية مليئة بالاشتباكات، لا تتوقف فيها آلام المهمشين ولا تتوقف طرق البهجة للقضاء عليها

ربما كانت تجربة رضوان الكاشف خاطفة ومبهرة اتسمت بتأكيد بعض القيم، منها فكرة العودة الى الجذور. ففي "الساحر" تعود البنت الى حبيب الحارة القديم، وفي "ليه يا بنفسج" لا يلبث احمد ان يترك الغربة ويعود، وكذلك الفكرة واضحة في "عرق البلح". كما ركز الكاشف على الثقافات الخاصة والمهن الغريبة المنقرضة، وهذا ما اضفى على أعماله جاذبية خاصة. فهناك الحفافة في الساحر، وصانعو العرق في عرق البلح. لا شك ان رضوان الكاشف نجح في رسم عالمه السينمائي بقدر كبير من التميز برغم عمره القصير الذي عاشه متوهجاً، لم يوقفه الا الموت في 5 حزيران 2002.

النهار اللبنانية في

07/06/2012

 

معاينة الممكن والمتغير داخل الراهن العربي

«تقاطعات» لدعم سينما شابة

نديم جرجورة 

يستمرّ برنامج «تقاطعات»، الذي أنشأه «الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)» في نهاية العام 2010، في تقديم منح لمشاريع سينمائية موزّعة على الأنواع المختلفة. قبل ظهر أمس الأربعاء، أُعلن عن المشاريع الفائزة بمِنَح الدورة الثانية، في مؤتمر صحافي عُقد في صالة «سينما متروبوليس» في «أمبير صوفيل» (الأشرفية)، بحضور ريما المسمار (آفاق) وأعضاء لجنة التحكيم المؤلّفة من المنتجة التونسية دُرّة بوشوشة، والمخرجين المغربي علي الصافي واللبناني غسان سلهب. برنامج طموح، وُلد إثر اندلاع الحراك الشعبي في تونس ومصر، انطلاقاً من قناعة بأن هذا الحراك، المنفلش في دول عربية أخرى أيضاً، سيُنتج تحوّلات في بنية المجتمع العربي، ما يعني أن للسينما دوراً أساسياً في مواكبة الحراك نفسه، وفي معاينة التحوّلات وقراءتها. بحسب المسمار، فإن «تقاطعات» نشأ من «الحاجة إلى دعم التعبير السينمائي في سياق التحوّلات التي تعصف بالمجتمعات العربية» حالياً. نشأ بهدف «دعم مشاريع خلاّقة تتصل بهواجس مخرجيها اليوم»، شرط ألاّ تكون توثيقية بحتة، أو سردية بشكل مباشر. بهذا المعنى، وفّرت «آفاق»، كجهة تُساند المشاريع الثقافية في العالم العربي، دعماً لمشاريع سينمائية متنوّعة، آخرها ستة مشاريع أُعلن عنها أمس: ثلاثة أفلام وثائقية هي «خارج/ في الشارع» (مصر) لفيليب رزق وياسمينة متولي و«أرض الآباء» (اليمن) لساره إسحق و«قافلة في غرفة» (سوريا) لحازم الحموي، وروائي طويل واحد هو «المنعطف» (الأردن) لرفقي عسّاف، وروائيان قصيران هما «رجل خطير جداً» (لبنان) لمازن خالد و«انقطاع» (تونس) لجمال فوزي.

بالنسبة إلى ريما المسمار، فإن برنامج «تقاطعات» رافق ولادة إنتاج بصري جديد، تزامن والمتغيّرات الحاصلة في العالم العربي منذ بداية العام الفائت. حدّدته بالقول إنه ساع إلى مشاريع تمتلك ثنائية «الإمكانية والتغيير»، أي أن المشاريع المُقدَّمة يُفترض بها أن تعاين «الممكن والمتغيّر» في العالم العربي، وأن تبتعد كلّياً عن الأرشفة الأقرب إلى الريبورتاج التلفزيوني، والمعالجة المباشرة بخطابية واضحة. القراءة الأولى لأهداف «تقاطعات» تشي بأن هناك ميلاً واضحاً لدعم مخرجين شباب، لديهم حساسية سينمائية بارزة، ورغبة في وضع الكاميرا أمام التبدّل الحاصل، بلغة بصرية متينة. الدورة الثانية هذه، التي أقيمت بين كانون الثاني ونيسان 2012، استقبلت 142 مشروعاً، اختارت لجنة التحكيم (المؤلّفة، بالإضافة إلى بوشوشة والصافي وسلهب، من المنتجة الألمانية إيريت نايدهارت والمنتج والمخرج اللبناني محمد سويد) ستة مشاريع منها فقط: «كل لجنة اختيار تقع في مأزق الاختيار. مشاريع كثيرة، والمطلوب اختيار القليل منها. يُعاني أعضاء اللجنة عذاباً، لضرورة تخلّيهم عن مشاريع كثيرة، يُمكن أن تكون أهمّ وأفضل. هناك نقاط عدّة تمّ اعتمادها في عملية الاختيار، لن أتحدّث عنها. لكننا جميعنا كمخرجين ومنتجين نُدرك تماماً معنى رفض مشروع». هكذا اختزل سلهب عمل اللجنة، مضيفاً أن ما تفعله «آفاق» وغيرها من المؤسّسات الناشئة حديثاً في العالم العربي، مهمّ وضروري: «عندما بدأتُ العمل السينمائي، لم تكن هذه المؤسّسات موجودة». قال إنه «مسرور شخصياً لاطّلاعه على مشاريع مقبلة من العالم العربي، سمحت لي بالدخول إلى عوالم مختلفة». أما الصافي فقال إن أعضاء اللجنة اختاروا ستة مشاريع بحسب المبالغ المتوفرة: «ارتأينا اختيار عدد قليل، لتوفير أكبر قدر ممكن من الأموال لها». وصف المشاريع المختارة بأن لديها «نظرة شخصية ومشروعاً سينمائياً» في وقت واحد. لم تشأ بوشوشة كلاماً إضافياً، لكنّها نبّهت إلى أن الدعم ليس مالياً فقط، لأن البرنامج يُتابع تطوّر المشروع نحو التنفيذ أيضاً.

السفير اللبنانية في

07/06/2012

«الربيع العربي اليوم» في مهرجان «ربيع بيروت»

وحيد حامد.. عرض مدرسي

نديم جرجورة 

يُمكن اختصار المحاضرة السنوية لـ«مهرجان ربيع بيروت»، التي ألقاها السيناريست المصري وحيد حامد مساء الثلاثاء الفائت في «قاعة بطحيش» (الجامعة الأميركية في بيروت)، بالقول إنها «مخيِّبة للأمل». العنوان المقترح متلائم والمشهد العربي الآنيّ: «الربيع العربي اليوم». الأسئلة المطروحة في تقديم فيديل سبيتي للمحاضرة، مستلّة من واقع الحال الراهن: الربيع العربي الآن وغداً. تأثيرات الربيع العربي. أسئلة ظلّت بعيدة جداً عن المهنة الأساسية للضيف، الذي قدّم أفلاماً وأعمالاً تلفزيونية سجالية وصادمة أحياناً كثيرة.

مضمون المحاضرة «مخيِّب للأمل». الصدفة التي جمعت موعد المحاضرة بذكرى النكسة العربية في حرب الأيام الستة، لم تُنبِّه الضيف إلى إقامة رابط تاريخي تحليلي نقدي بين هزيمة شكّلت منعطفاً في مسار الأحداث العربية، وراهن أسّس حقبة جديدة تناقض الماضي وتسعى لإيجاد مستقبل مختلف. حضور الغائب سمير قصير واضح: المهرجان المذكور من تنظيم مؤسّسة تحمل اسمه، أرادته «تحية سنوية لذكرى استشهاده». قال وحيد حامد، متذكّراً العلاقة الصدامية الدائمة بين المبدع والأنظمة المتسلّطة، إن قدر الكاتب الحرّ أن يكون الموت استشهاداً مصيره. هذا ما دفعه إلى استعادة أمثلة تاريخية، منذ سقراط حتّى اليوم. قال إن أشياء كثيرة اعتادها العرب، أبرزها: «أن تفقد الكلمة أحد فرسانها. أن تُواجَه الكلمة بالرصاصة. أن يُواجَه الفكر والرأي بالمدفع». قال عن قصير إنه من أولئك الذين قضوا في سبيل معتقدات دافعوا عنها ولم يتنازلوا أو يستسلموا، مذكّراً بشعراء كثيرين قتلهم الخلفاء، ومُعتبراً أن الأمر الوحيد المتغيّر عبر التاريخ هو «طريقة القتل»، بينما «القتل واحد».

لم تقتصر العودة إلى التاريخ على الصراع الدائم بين حرية الرأي والقتل. بدا وحيد حامد، في خمس وأربعين دقيقة، أستاذاً يُلقي محاضرة على تلامذة خطوا خطواتهم الأولى على أبواب المعرفة. قال ما يُدركه كثيرون. لم يُحلِّل أو يُقدّم نظرة نقدية تثير نقاشاً بفضل مضمون جديد. رأى في التاريخ العربي القديم أمثلة عن القتل والفساد (تجربة عثمان بن عفّان). أما الراهن، فظلّ في خطابه مجرّد استعادة مسطَّحة لأحداث جرت في تونس ومصر وليبيا، كأنه يعيد عرض شريط تلفزيوني واحد، شاهده الحاضرون مراراً منذ اندلاع الأحداث العربية نهاية العام 2010. استعاد حامد ما جرى بشيء من التفصيل «المملّ»، لكثرة تكراره على مسامع المعنيين بالحدث: الفقر والجوع والجهل أساليب اعتمدها الحكّام العرب لمنع شعوبهم من المطالبة بحقوقهم. هذا معروف. انتفاضة «الربيع العربي» نشأت من وعي شبابي متحمّس. هذا معروف أيضاً. ما فعله زين العابدين بن علي وحسني مبارك أيضاً. تساءل عمّا إذا كان الحكّام يكرهون شعوبهم: «لماذا يكرهونهم؟ لماذا لا يهتمّ الحاكم بالتعليم الجيّد لشعبه؟ لأن البعض يرى أن التعليم خطر عليه، والثقافة عدوّه. زراعة الجهل ساعدت الحكّام على البطش بشعوبها». هذا جزء مما قاله حامد. «بعض الحكّام رأى أن حالة الفقر، عندما تسود، تجعل الشعوب خاضعة دائماً، لأن الناس سيسعون وراء قوتهم وقوت عائلاتهم». هذا بعض ما تفوّه به السيناريست والمنتج المصري

لم يتطرّق وحيد حامد إلى الفن والثقافة. ولولا سؤال رشا الأمير عن تجربته في «الجماعة» (مسلسل تلفزيوني) وصراعه المقبل مع «الإخوان المسلمين» إذا فازوا برئاسة الجمهورية، لبدت المحاضرة سياسية على النمط العربي التقليدي الباهت. ولولا تعليق وليد عوني، القائل باستقالته من عمله الثقافي الرسمي في القاهرة بسبب بداية التحوّل السلبي، لما انتبه حامد إلى ضرورة التعبير عن رأيه في مستقبل الفنون والثقافة: «إنه مستقبل قاتم وأسود». لكن، كان من الأفضل ألاّ يتحدّث في السينما والفنون، لأن ما قاله بدا مجرّد «كليشيه» باهت: «السينما جمال، والله يحبّ الجمال»، ردّاً على «الإخوان». 

تُرى، من أخطر من الآخر على الفنون والحريات؟

السفير اللبنانية في

07/06/2012

 

جديد ساشا كوهين

«الديكتاتور».. بـــن لادن حي والاستبداد للضحك

زياد عبدالله 

لا حاجة لاتباع الديكتاتور بوصف «العظيم» كما فعل شارلي شابلن في فيلمه الشهير «الديكتاتور العظيم» ،1940 بل حذف ذلك الوصف، والمضي مع ساشا كوهين وجديده The Dictator «الديكتاتور» من دون أي وصف آخر، وقد وجد ضالته في دولة يطلق عليها «واديا» أو «وديع» التي على ما يبدو تقع في شمال إفريقيا ويحكمها علاء الدين (كوهين)، الذي يتكلم الإنجليزية بلكنة عربية مبالغ فيها، وحين يتكلم لغته تبدو قرقعة أصوات تتسيدها الخاء والعين، كما «بورات» عنوان فيلمه عام 2006 والشخصية الكازاخية العجيبة التي عرف بها على صعيد واسع.

البداية مع شابلن لا يراد بها أبداً إحالة ساشا كوهين إلى مقارنة بينهما، فهما بعيدان تماماً، لكن يبقى الديكتاتور واحداً سواء كان الفيلم على اتصال بهتلر أم بمعمر القذافي، هينكل لدى شابلن وعلاء الدين لدى كوهين، وهذا التشابه يأتي من الجوهر والفردانية التي تصل مباشرة إلى جنون العظمة بما يجعل الضحك أفضل الوسائل المتاحة في مجابهة المآسي التي يتسبب بها جنون العظمة، ومع المضي مع ساشا كوهين ما يحمله كـ«كوميديان» فإنه سيكون أقرب إلى بيتر سيلرز منه إلى شابلن، لكن بجنون مضاعف وهستيري على الدوام، وقعنا عليه بداية مع الجنون الذي احتكمت إليه شخصية بورات.

أعراض التهكم

يمكن لفيلم «الديكتاتور» أن يصيبنا نحن العرب بكل أعراض التهكم، ويمكن أن نخرج بالقول إنه مليء بالصور النمطية وما إلى هنالك من عتاد جاهز، وصولاً إلى اعتباره مؤمراة، وهذه مشاعر لا محيد عنها لدى البعض، حين تتم المقاربة من هذا الباب، لكن وفي سياق مواز سيبدو كل شيء واقعياً وخيالياً في آن معاً، ففي اللحظة التي سنقع فيها على الجنرال علاء الدين سنكون أمام شخصية لها مرجعياتها في قاموس الديكتاتوريات العربية التي قدمت أطول فصول الكوميديا والتراجيديا في التاريخ البشري، وكان لها مساهمات تقتل من الضحك والبكاء في سجل الديكتاتوريات حول العالم، ولعلها كذلك في فيلم «الديكتاتور» إن أبعد عنها البكاء والتراجيدبا، لتبقى كوميديا صرفة، وعرضة لشتى أنواع المبالغات بما يستجلب الضحك، بدءاً من اللحية العجيبة، مروراً بتقديم المواقف والأحداث وفق منطق المفارقات، ولن أكون بحاجة لإحالة ما يحمله الفيلم إلى شخصيات بعينها حتى يتضح لكم من هو المقصود في ما يلي، فأنتم ستعرفون بأنفسكم، لكن ومن باب الجدل، يأتي الفيلم تماماً في الوقت الذي تحضر الشعوب العربية على مسرح الأحداث، والتي تبدو وفق منطق الفيلم ملعونة أبداً بالديكتاتورية وموسومة بها مهما فعلت كما سيقول لنا ذلك في الجزء الأخير منه. نقع على الجنرال علاء الدين وهو يشارك في سباق أولمبي، وهو يحمل المسدس الذي يعلن الانطلاق، والذي يطلق رصاصته بعد أن يتقدم المتسابقين ومن ثم يبدأ بإطلاق النار على أي من المتسابقين الذين قد يسبقونه، وصولاً إلى تحريك شريط النهاية باتجاهه وملاقاته ليكون الفائز الأول كما عليه أن يكون في كل شيء.

حب جوي

إنه طاغية يحلم بامتلاك سلاح نووي، وقد ألغى كلمتي «سلبي وإيجابي» من التداول، واستعاض عنهما باسمه علاء الدين، كما سنقع على أحدهم والطبيب يخبره «إيدز علاء الدين» ويحتاج الأمر إلى الكثير من أعصاب المريض ليعرف إن كان إيجابياً أم سلبياً. أي نقاش مع علاء الدين يؤدي بمن يناقشه إلى حبل المشنقة، كما سيفعل مع علمائه وهو يختلف مع أحدهم إن كان الصاروخ مدورا أم مدببا، وحين تجرى عملية اغتياله سنعرف أن من قتل هو شبيهه، وليعثروا له على شبيه آخر يكون راعي أغنام.

حراسته الشخصية مؤلفة من النساء الفاتنات، وتفكر الولايات المتحدة والناتو في توجيه ضربة له، فيتوجه إلى نيويورك وفق نصيحة قريبه وذراعه اليمنى (بن كينغسلي) ويمشي في شوارعها ممتطياً الجمل وخلفه أسطول من سيارات «الفيراري»، وليتعرض إلى مكيدة من قريبه، حيث يتعرض للتعذيب على يدي عميل «سي آي إيه» وتنتزع لحيته، ويبقى مشرداً في شوارع نيويورك، بينما يحل شبيهه محله الذي يسيره حسب ما يشاء قريبه، والذي يعلن من خلاله أنه بصدد إعلان الديمقراطية في بلاده وإنشاء دستور. سيقع علاء الدين في حب جوي وهي شابة يسارية نباتية مسؤولة عن متجر للأغذية العضوية، وسيكتشف هناك أن كل من أمر بقتلهم موجودون في نيويورك، سيسعى للعودة إلى منصبه من خلال مساعدة العالم عمر (سيد بدرية) الذي سبق أن أمر بقتله.

مواقف مركبة

سيكون الفيلم حافلاً بالمواقف المركبة التي ستكون على اتصال بأشياء كثيرة مثل: الصورة النمطية للعربي كما سيحدث في الطائرة حين يتطابق كلام علاء الدين وعمر مع معطيات تشير إلى أنهما بصدد تنفيذ تفجير جديد مشابه للحادي عشر من سبتمبر، وسيكون أسامة بن لادن ما زال على قيد الحياة وهو في حماية علاء الدين، ومن قتل ليس إلا شبيها ببن لادن، كما سيكون الجنرال مهوساً بالنساء والمشاهير وقد أمضى ليالي حمراء معهن مثلما يكون حاله مع ميغان فوكس دون أن يستثني من ذلك أوبرا وحتى أرنولد شوارزينغر.

عرض ما تقدم لن يتوقف إلى أن نصل إلى النهاية والتغيير الذي يطرأ عليه جراء حبه لجوي معلنا الديمقراطية التي ستظهر في شكل كوميدي بالتأكيد، كما أنه سيعلن ذلك في نيويورك ويمرر من خلال كلماته أوصافاً للديمقراطية الأميركية التي لن تكون إلى شكلاً من أشكال الديكتاتورية المموهة، ولنرى الانتخابات التي تجرى وقد وقف معظم الناس في طابور أمام صندوق الاقتراع الخاص بمنافس علاء الدين، فإذا بدبابة تأتي وتدفع بالطابور ليقف أمام صندوق علاء الدين ليفوز بنسبة 98.9٪.

كما «بورات» وكذلك «جونو» فإن «الديكتاتور» فيلم صاخب جداً، ينتقل من موقف إلى آخر دون توقف وبإيقاع سريع على الدوام، ويلتقط كل ما له علاقة من بعيد أو قريب بجنون ونزوات المستبدين، وليترك لكم أن تشاهدوا بأنفسكم وتحكموا وتروا ما إذا كان في ذلك مبالغة، ومن أين نهل كوهين في هذا الفيلم.

الإمارات اليوم في

07/06/2012

«لوزيس».. النشال الظريف والعاشق المتيّم

زياد عبدالله 

أجمل ما في فيلم Loosies «لوزيس» عنوانه، وما عدا ذلك فإنه يأخذنا إلى قصة حب مركبة بين شاب وسيم وشابة جميلة، وليلة عابرة يراد لها أن تصبح أبدية. أعود إلى عنوان الفيلم ووصفه بأجمل ما في الفيلم كونه يحمل اكتشافاً لمصطلح «لوزيس» الذي يعني السجائر التي تباع بالسيجارة وليس بالعلبة، وهذا مرتبط كما يورد قاموس «إربن» بالباعة ذوي الأصول العربية في أميركا، وهذا أمر مناسب لمن لا يريد التدخين بانتظام، أو أنه مقلع عن التدخين فيشتري سيجارة دون أن يواصل التدخين بعد انتهائه منها، وهذا هو حال بوبي (بيتر فانسينلي) النشال الظريف، صاحب اليد الخفيفة لدرجة يمكن من خلالها أن ينشل أي شيء من أي أحد وبلمح البصر، إذ يكفي أن يلمس من ينوي انتشاله حتى يكون خارجاً منه بشيء ما: هاتف، محفظة، نظارة، وحين يغضب من يشتغل لديه ويصرخ به طالباً منه ألا يحضر مزيداً من الهواتف النقالة، فإنه ينتقل إلى سرقة العقود والاساور والمجوهرات، وفي إحدى اللقطات يبدو الأمر أشبه بالألعاب البهلوانية، تمسي حركة الكاميرا بطيئة بينما هو يسرق ثلاثة أشخاص دفعة واحدة. الفيلم الذي أخرجه ميشل كورنتي يمضي نحو قصة الحب التي يمهد لها من اللقطة الأولى، وما عدا ذلك فإن بوبي سيتكفل بالنجاة من كل ما سيواجهه بمنتهى الخفة والسهولة، وهناك عقدتان دراميتان على الفيلم أن يوجد حل لهما، الأولى ملاحقة أحد ضباط الشرطة له لأنه قام بسرقة شارته والتباهي بهذا الفعل على الانترنت، ما شكل إحراجاً كبيراً للضابط الذي يريد إلقاء القبض عليه بأي ثمن، بل إنه مستعد لقتله. العقدة الثانية ستكون مع لوسي (جيمي الكسندر) التي ستخبره بأنها حامل منه، الأمر الذي سيستهجنه بوبي بداية، لأنها لم تكن إلا علاقة عابرة لم تصمد لأكثر من ليلة واحدة. كل شيء - كعادة كل فيلم فهلوي - مخبأ، كما أن كل شيء سيظهر في الوقت المناسب، مثل اكتشاف أن بوبي متيم بلوسي، كما ستكون عليه الأمور مع نهاية الفيلم التي ستعرض علينا نسختين من الأحداث، الأولى تكون ما شاهدناه، والثانية ما خفي عنا، وليجري استدراكه فتكون النتيجة في مصلحة بوبي الذي من المستحيل أن يخون أمه وصديقها الطيب، بوبي الذي مهما حصل فإنه نشّال أجبرته الظروف أن يكون كذلك وهو «روبن هوود النشل» كما ستقول له لوسي، ولن يكون في النهاية إلا عاشقاً متيماً ونشّالاً تائباً لا يترك أمراً عالقاً بهذا الخصوص، وكل ذلك «كرمى لعيون لوسي»، التي ستعيدنا إلى عنوان الفيلم، حيث سيتعرف إليها بعد أن يقول لها وهي تعمل في حانة «لوزيس» فتقول لها هذا اسمي، أنا اسمي لوسي.

الإمارات اليوم في

07/06/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)