حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رجاء وشهيرة

خالد محمود

 

رن جرس التليفون لأجد صوتا هادئا تملؤه السكينة قالت: أنا شهيرة، كان صوت الفنانة الكبيرة وحشنى وصورتها أيضا.. فقد اختارت أن تتوارى عن الوسط وتعتزل الفن بإرادتها تاركة وراءها رصيد من الأعمال الجميلة، قالت شهيرة: تصور هناك من يشيع بأن الفنانة رجاء الجداوى رحلت عن دنيانا.. ماتت، وهذا شىء صعب.. صعب أن يطلع الإنسان على خبر وفاته بنفسه. ثم أعطت التليفون للفنانة القديرة رجاء الجداوى التى فاجأتنى بقولها: قل للناس إن المرحومة كلمتنى.. قل للناس إن رجاء الجداوى عايشة وبخير.

كانت الكلمات مفاجئة، وأخبرتها بأن مثل هذه الأخبار منتشرة وكثيرة وتظهر من حين لآخر من إناس لا يعوون ما يفعلون ولما يروجون.. لترد: إنه فيس بوك.. هذا الشىء الذى أصبح ساحة للجد والهزل فى وقت واحد، ولا يقدر أحد على تقويمه.. تصور أهلى جاءوا إلى منزلى ليتلقوا العزاء فى رجاء.. يا ساتر. ونهيت المكالمة بالدعاء لها بالخير والمباركة فى الحياة.. بعد أن قالت لى إنها لم تؤذِ أحدا يوما ما.

المكالمة وواقعها جعلتنى استدعى مقولة المخرج الدانماركى الكبير توماس فينتربيرج مخرج فيلم المطارد المنافس على سعفة مهرجان كان «مع الإنترنت أصبح العالم أشبه بقرية صغيرة تكثر فيها الشائعات».. ورغم أننى كنت لم أتفق تماما مع ما قاله، فإن الصورة كما يراها تبدو حقيقة وواقعا مؤلما ومحيرا.

إن فيروس الشائعات ليس وليد اليوم.. فهو له تاريخ، وتاريخ أصيل فى التأثير على مجريات أحداث صغيرة وعظمى، لكن الفيروس يشهد نموا عظيما مع عصر يشهد تطورا أعظم سواء فى متغيرات التكنولوجيا أو متغيرات النفس البشرية وسلوكها التى باتت من مفردات يومها استحالة العيش بدون شائعة.

الشروق المصرية في

26/05/2012

عملية عقـل مفتـوح

خالد محمود

الثلاثاء 22 مايو 2012

كثيرا ما تحيط الشكوك بلجان التحكيم فى المهرجانات السينمائية وبأسمائها ونواياها ونتائجها.. وربما تكون هذه الشكوك صائبة أو ليست فى محلها.. وهو أمر ربما اختلفنا حوله كثيرا وما نزال.

لكن الشىء المهم هو أننا يجب أن نحترم نتائج هذه اللجان مهما كانت هويتها وتوجهاتها ومشاعرها وأفكارها وانتماءاتها السينمائية، لأن أعضاء لجان التحكيم فى النهاية هم مشاهدون أيضا، لكنهم مشاهدون من نوع آخر أكثر خبرة وربما أكثر ولعا، وقد استوقفنى اعتراف المخرجة وكاتبة السيناريو البريطانية أندريا أرنولد وعضو لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى الدولى هذا العام حينما قالت: «سأشاهد الأفلام المتنافسة وعقلى مفتوح بقدر الإمكان».. وأعتقد أن هذا هو قمة النضج، وهو الدرس الأول والأخير الذى يجب أن يحفظه ويعيه ويكرره ويعيشه عضو لجنة التحكيم بل ويعلمه للآخرين. فالعقل المفتوح هنا يتجاوز فى تحيزه وصدقه المشاعر نفسها والأحاسيس والانفعالات التى تشكل عنصرا مهما فى الحكم وماتزال، لكن عندما ينحى العقل معاناته وانحيازاته وتوجهاته وأفكاره المسبقة جانبا.. منفتحا على العملية الإبداعية بشفافية ونقاء.. حينئذ تكون مهمة لجنة التحكيم أصدق وأوقع، وكأنها عملية عقل مفتوح للموجات والتيارات السينمائية الجديدة التى تستضيفها شاشة المهرجان.. أى مهرجان.

واقع الأمر أن الوقوف عند منهج المخرجة البريطانية فى التحكيم يستدعيه أيضا مشهد لجان التحكيم عندنا، ليس فى المهرجانات الفنية فقط ــ التى لم تخل عاما من النقد وعدم الرضا من قبل عدم المحظيين بنيل الجوائز ــ بل فى لجان أخرى ترتبط نتائجها وأحكامها بمصير واقع ومستقبل اجتماعى وسياسى.. تلك اللجان التى قد تضطر أحيانا أن تخضع للظروف والأهواء وتهديدات الزخم الإعلامى.. وبالتالى تخرج المواقف متشنجة، ولم تكن أطراف المنافسة الفنية أو الصراع الاجتماعى والسياسى فى مصر تتعامل طوال الحقبة الماضية بعقل مفتوح مع بعضها البعض.. معظم القضايا والمنازعات تعاملنا معها بانغلاق شديد، فخرجت أحكامنا منزوعة الشفافية، وبالتالى متعصبة ومنحازة، فى اللحظة التى تحاول فيها كل الأطراف التأثير على المشاعر والأوجاع والهموم والمستحقات سواء بالوقيعة أو بالغريزة الدينية أو شعارات الاستجداء أو بمغازلة الحاجة لإثبات الذات.. فى تلك اللحظة يحين وقت النظر للوطن وللعابثين به وللغيورين عليه بعقل مفتوح.. فهى العملية الأكثر ضمانا وأمانا فى العبور إلى مستقبل صحى.

 

تكريم رمز الأناقة والغموض مارلين مونرو .. وتحية خاصة لميللر

مهرجان(كان) مخَلِّصــًا للسينما المدهشة

خالد محمود

يوم الخميس 17 مايو 2012

افتتاح أمريكى.. ورئيس إيطالى للتحكيم ..انها فرنسايبقى مهرجان كان السينمائى الدولى مخلصا للسينما المدهشة وساحة لاستقبال أفكار ورؤى وأحلام مبدعيها من كل الاتجاهات والتيارات، فعلى شاشاته تولد الموجات السينمائية الجديدة، ويولد معها صناعها.. تأتى الأفلام لتبوح بكنز من علامات الحيرة تجاه هذا العالم المليىء بالتناقضات.. وهى حيرة إنسانية من نظم اجتماعية وسياسية واقتصادية.. ولكن وسط هذا تأتى اطروحات المخرجين لتقوى من عزيمة ومشاعر وأحاسيس البشر لمواصلة حياتهم.

هذا ما تكشف عنه ملامح الدورة الـ65 التى تبدأ اليوم عبر حكايات أفلامها، وأيضا ومضات التكريم وحتى الشعار الذى وضحت معالمه على صورة اسطورة البهجة والرومانسية مارلين مونرو وهى منح الجميع قبلة والتى يكرمها المهرجان باعتبارها رمزا لدورة هذا العام، وكرمز دائم للأناقة والغموض والإغراء رغم مرور 65 عاما على رحيلها، حيث تتزامن ذكرى وفاة مارلين بذكرى تأسيس المهرجان.

رغم علاقات الشد والجذب الدائمة بين أمريكا وفرنسا حول سيطرة الأولى على الصالات، الآن إدارة المهرجان قررت هذا العام أن يكون فيلم الافتتاح من توقيع الأمريكى ويس أندرسون.. «مملكة بزوغ القمر» بطولة بروس ويلز وادوارد نورتن، بيل موراى وتيلدا سوينتون، الفيلم تدور قصته فى اطار كوميديا خاصة، وحكاية معذبة ومفاجئة لأطفال وبالغين فى أيام عاصفة من صيف 1965، وقال المندوب العام للمهرجان تييرى فريمو إن المخرج ويس اندرسون واحد من القوى الصاعدة من السينما الأمريكية، ويدخل إليها لمسة شخصية للغاية ولا سيما فى فيلم الافتتاح، وسوف يبدأ عرض الفيلم فى الصالات الفرنسية فى نفس توقيت عرضه بالمهرجان. كما أنه شخص استغلالى النزعة. بينما اشار رئيس المهرجان جيل جاكوب إلى تلك المبادرة بقوله: ان افتتاح المهرجان هذا العام بفيلم ويس اندرسون هو تكريم من للاكروازيت للسينما الأمريكية الشابة.

بينما حصلت إيطاليا على رئاسة لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة للمهرجان والتى سيتولاها المخرج والممثل نانى مورتى، ومن جديد يؤكد جيل جاكوب الذى فطن إلى موهبة المخرج الإيطالى الشاب عام 68 حينما عرض فيلمه «Ecce Bombo» بأنه سيكون يوما ما موريتى الذى يعرفه العالم اليوم، من جانبه قال موريتى «انها لفرحة كبيرة، فرئاسة لجنة تحكيم أكبر مهرجان سينمائى فى العالم تعد شرفا عظيما ومسئولية كبيرة فى آن واحد.. هذا المهرجان الذى يعرض فى دولة لطالما حظيت فيها الأفلام بكل الاهتمام والاحترام».

الختام.. تحية إلى كلود ميللر

المخرج الفرنسى كلود ميللر الذى توفى فى أبريل الماضى يكرمه المهرجان بعرض آخر أفلامه «تيريز ديسكورو» والذى اقتبسه عن رواية فرانسوا مورياك وبطولة أودرى توتو.

إن ما يثير إعجابى فى العملية السينمائية هو التعلق بلعبة المظاهر والإيماءات والنظرات والسلوكيات ومحاولة تخمين خواطر الناس ورؤاهم السرية، فى حين اننا لا نرى فيهم إلا المظاهر الخارجية. هذا هو عالم ميللر تلميذ الموجة الجديدة ومساعد فرانسوا نرينوه، ونال الإعجاب من خلال أفلامه «أفضل طريق للمشى، الاحتجاز، النزهة القاتلة».

ثلاثى نصر الله يكشف تحولات ما «بعد الموقعة».. ومخرجو العالم يبحثون عن عالم أفضل

مع فيلم الافتتاح.. يتنافس نحو 22 مخرجا على السعفة الذهبية لمسابقة الأفلام الطويلة، منهم المخرج يسرى نصرالله الذى يعرض فيلمه «بعد الموقعة» غدا لجمهور مهرجان كان وبالقطع تطرح السياسة نفسها بداية من عنوان العمل نفسه، ومخرج مرسيدس وباب الشمس وجنينة الأسماك يرصد فى فيلمه الجديد التحولات السياسية وسط المجتمع القاهرى عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وذلك من خلال ثلاث شخصيات ربما عاصرها نصر الله عن قرب، وهى ريم ومحمود وفاطمة والتى كان الفيلم يحمل اسمها، بينما فضل مخرج «بعد الموقعة» فى إشارة إلى ما جرى عقب موقعة الجمل الشهيرة، التى دفع فيها فلول النظام السابق بمجموعة من البلطجية لمداهمة الثوار والمعتصمين بميدان التحرير لتكشف بداية النهاية لانهيار النظام.

فى الفيلم يروى نصر الله ثلاث حكايات فى مقدمتها حكاية الناشطة السياسية ريم (منة شلبى). والتى تعمل فى إحدى شركات الإعلانات، وتصر على أن تقوم بتنفيذ حملة توعية مع مجموعة كبيرة من البشر، وهى شخصية تبرز أهميتها من حوارها وتحديها وأيضا واقعيتها فى التمهيد للحدث الأعظم ولتغير مسار المجتمع، بينما يواجه الزوجان محمود (باسم سمرة) وفاطمة (ناهد السباعى) مشكلة عائلية نظرا للمعاناة من الفقر وفشل الزوج فى تأمين حياة كريمة للأسرة، فى إشارة إلى الفجوة الكبرى بين طبقات المجتمع المصرى المعاصر.. وعبر شخصيات أخرى نكتشف رسالة جديدة لنصر الله فى عمله السينمائى أن المواطن لم ينل أدنى حقوقه المدنية.

المخرج الفرنسى جاك أوديار يبحث هو الآخر عن عالم أفضل عبر بطله الشاب فى فيلمه الجديد «صدأ وعظام» وهو المخرج الذى أثار جدلا وشهرة كبيرة فى فيلمه «نبى» الذى حصل على الجائزة الكبرى للجنة التحكيم عام 2010.

وفى الفيلم الجديد ترصد كاميرا أوديار حياة شاب عاطل عن العمل، وربما ساذج، الذى يهوى الملاكمة وتتحول حياته عندما يقع فى الحب، حيث يتبدل عنف الحلبة والعيش على الهامش إلى معانٍ شاعرية مختلفة، والعثور على معنى للوجود، لكن كعادة الزمن يظهر من يعانده ويضعه فى اختبارات صعبة.. هل يكون أم لا يكون؟!

المخرج البريطانى الشهير كين لوتش ينافس بعمل سينمائى يدخل تحت غطاء الكوميديا السوداء وهو «حصة الملائكة» وفيه نجد أن اسكتلندى شاب يفلت من عقوبة تدخله السجن بأعجوبة، ويعانى الفقر أيضا، ويطرح الفيلم عبر رحلة بطله معالم فرصة ذهبية لحياة أفضل.

الفرنسى ليوكراكس يطرح عبر فيلمه «موتورات مقدسة» ونرى عبر بطله أوسكار الذى يقوم بأدوار كثيرة عبر شخصيات متعددة ويسير فى أزمنه متعددة راصدا رؤيته للموت والحاجة وحتى الثراء والرغبة، ويتقابل مع سيلين ويلف معه حول باريس، ومن ثم يطرح السؤال حول من هو هذا الإيرانى عباس كياروستا تربطه علاقة خاصة بمهرجان كان السينمائى، وقد وقفت أمام أفلامه لأشاهدها واعيد اكتشافها عقب مشاهدتى لفيلمى «نسخة طبق الأصل» و«طعم الكرز»، وهو هنا يقدم فيلمه «مثل امرئ عاشق»، وكالعادة بطلته أيضا امرأة شابة، تأخذ ممارسة الغرام وسيلة للعيش، وعندما تقابل، رجلا عجوزا نرى علاقة استثنائية إنسانية. المخرج الفرنسى الكبير آلان رينيه يشارك بفيلمه «أنتم لم تروا شيئا بعد» المأخوذ عن مسرحية جان انوى «يوريديس»، وهو موضوع يدور حول مجموعة من الممثلين حائرين فى  وصية كاتب مسرحى لهم، توفى منذ قليل. وداخل المسابقة يعود أيضا المخرج الكبير صاحب السعفة الذهبية عام 2002 بفيلم «الشريط الأبيض» وهو المخرج النمساوى ميشيل هاينكه بفيلم «حب» بطولة جان لوى ترينتينيان الذى يجسد مدرس موسيقى متقاعد يواجه مأزقا نفسيا بعد رحيل زوجته لأزمة قلبية، ولم يجد سوى ابنته «ايزابيل هوبير» لتحاولا أن يخلقا معا عالما يمكن أن يعاش. وهناك أيضا فيلم المخرج لى دانييلز «الصبى الورقى» وفيه تجسد نيكول كيدمان دور صحفية تسعى لإنقاذ رجل من الإعدام، ومعه فيلم المخرج الأمريكى جيف نيكولاس «طمى» بطولة ماثيو ماك كونوهى حول رحلة هروب رجل من معتقله. ومن الجهة الأخرى ــ روسيا ــ يطرح المخرج يسرجيه لوزينتسا نفسه من جديد عبر فيلم «فى الضباب» الذى يرجع إلى فترة الحرب العالمية الثانية.. وهو الزمن الذى توقفت عنده أفلام روسية كثيرة وأيضا أمريكية.

«ضوء بعد ظلمة» هو فيلم المخرج كارلوس ريجا داس، بينما نجد البرازيلى والترساليس يشارك بفيلمه «على سفر» أو «على الطريق»، وفيه نرى رحلة البطلين دين وسال وهى ينقلبان على رموز المجتمع. النجم براد بيت يطفو من جديد على شاشة كان بفيلمه «اقتلهم برفق» للمخرج النيوزلندى أندرو دومينيك، وفيه يجسد بيت شخصية رجل أمن يحقق فى مطاردة عصابة للنصب على المقامرين. وضمن المسابقة الرسمية نجد فيلم «فى بلاد أخرى» للمخرج هونج سانج سو، بطولة الفرنسية ايزابيل هوبير. وفيلم الكورى الجنوبى ام سانج سو «طعم المال» المخرج الكندى الشهير ديفيد كرونبرج يطرح فيلمه «كوزموبوليس» الذى يطرح قصة حياة الشاب المليونير اريك باكر، وهى رحلة مليئة بالدم والعنف والجنس.

ويعود المخرج الإيطالى ماتيو جارونى بفيلم يميل لموجة الكوميدا السوداء وهو «واقعى» الذى يخترق فيه برامج تليفزيون الواقع التى تشكل صدقا له وللمجتمع، حيث تقتل الأحلام بالمشاركة أو تتحقق ولكن على حساب أشياء كثيرة.

وكذلك يطرح المهرجان فيلم «خلف التلال» للمخرج الرومانى كريستيان مونجيو وفيه صراع بين الفكر الدينى والليبرالى وذلك من خلال صديقين يحاول أحدهما أخذ الآخر إلى حياته

 

قفزة المناظرة

خالد محمود

الثلاثاء 15 مايو 2012

تجئ المناظرة التاريخية التى قدمتها شاشتا دريم وأون تى فى، لتقفز بالإعلام المرئى المصرى والعربى نحو مكانة مختلفة ومتميزة بحق، بل وأراها أحد أبرز علامات الربيع العربى على أرض الواقع.

المناظرة التى كان ضيفاها عمرو موسى ود. عبدالمنعم أبوالفتوح المرشحين للرئاسة كشفت أنه يمكن للإعلام المستنير فى مصر أن يكون لاعبا محوريا حقيقيا فى نقل صورة صادقة وشفافة للحياة السياسية، بل واستكشاف واستنباط ملامح المستقبل الذى تلاعب به كثير من وسائل الإعلام بوعى وإدراك أو بدون.

قطعا هناك مجهود كبير بذل فى الإعداد لهذه المناظرة التى ولدت عملاقة فى أهم لحظة فى تاريخ مصر المعاصر، كان هناك التزام بأصول وقواعد مهنية، بل وإضافات تحسب لهذه الأسرة فى دنيا الإعلام.

شاهدت مثل غيرى من الملايين فى مصر والعالم محطات الصدام بين طرفى المناظرة من المرشحين.. وتابعت أيضا مئات التعليقات المتسرعة والمتحيزة أحيانا والمستنيرة أحيانا أخرى عبر فيس بوك وتويتر، وسمعت آراء المواطنين شبابا وشيوخا ممن يجلسون بجوارى على المقهى.. البعض مال لتفوق موسى فى المناظرة، والبعض الآخر اتفق مع أبوالفتوح، لكن الغالبية العظمى التزمت الهدوء قبل أن تشير إلى أنه ربما المناظرة فتحت الطريق لمرشح ثالث بعدما غلب عليها فى نهايتها تصفية حسابات من الماضى.

هذا الرأى وإن كنت أميل إليه يجيئ كون المواطن عاش طوال العام الماضى فى مرحلة يسودها التشكيك والتخوين وعدم المصداقية التى سادت الشارع السياسى وموقف المرشحين للرئاسة، وكذلك الحرب الكلامية بين النخبة وقادة الأحزاب والجماعات والائتلافات، وللمواطن الحق فى ذلك خاصة بعدما لعب الإعلام دورا كبيرا فى حيرته وارتباكه طوال هذه الفترة، لكنى أعتبر أن هذا اللقاء بين موسى وأبوالفتوح كان أصدق صورة لهما حتى مع بعض الإجابات الدبلوماسية أو تبنى شعارات عامة كإجابات لبعض الأسئلة ولم ترح المواطن المشاهد، واعتبر أن الفضل فى ذلك يعود لروح هذه المناظرة التاريخية ومصداقية من وراء فكرتها والحرص على خروجها بهذا الشكل.. أتمنى أن يحافظ الإعلام على هذا التحول الذى فاق التصورات فى شفافيته ومهنيته وحيادتيه وأن يتخلص من سموم الأهواء والمزاجية والاستقطاب واللعب على المصالح الشخصية والسياسية الضيقة.

 

ضحية «خلود»

خالد محمود

الخميس 10 مايو 2012

خالد محمودشنق ابن التسع سنوات نفسه فى مشهد يحاكى تماما ما فعله أحد أبطال المسلسل التركى «خلود».. لم يستطع الطفل المغربى المتأثر لأقصى درجة بالشخصية الدرامية للعمل سوى أن يفعل مثله، أحضر حبلا وعلقه بسقف غرفته وشنق نفسه.

استيقظ المجتمع المغربى صباح أحد أيام الأسبوع الماضى على تلك الماسأة.. بكت الأمهات.. علامات الذهول تملأ وجوه الآباء.. لكن لم تستطع الدموع ولا الدهشة أن توقف زحف هذا العشق الجماهيرى على امتداد الشارع العربى للمسلسلات الدرامية التركية المدبلجة.. ولا هذا التعاطف الكبير مع بطلاتها وأبطالها للدرجة التى توحَّد معها المشاهدون من الأطفال والمراهقين للدرجة التى جعلت أحدهم يشنق نفسه مكان البطل.

الدراما التركية لها جاذبية خاصة، وإبهار بحكايتها وممثليها وأجوائها. دعونا نعترف بذلك أن معظم شاشات العالم العربى الفضائية لم تخلُ من عرض عمل تركى بعد ما عرفوا كلمة السر والسحر الخاص الذى خلفه الثنائى مهند ونور على المشاهدين فى المنازل.

لقد حزنت كثيرا على ما فعله الطفل المغربى، ورحيله وهو لا يزال فى زهرة العمر، وأخشى أن تذوب مواقف وتصرفات ومشاعر وأحاسيس وأفكار تلك الشخصيات الدرامية إلى وجدان مشاهديها من مختلف الفئات العمرية، وأن تتجاوز حدود التلقى من كونها شخوصا داخل مسلسلات حكاياتها من خيال صانعيها إلى شخصيات ذات واقع اعتبارى، يحاول الجمهور تقليدهم فى أسلوب الحياة ودوافع الرحيل منها أيضا.

إن مجتمعاتنا العربية متعددة الثقافات والتقاليد لكن الحقيقة التى لمستها هى أن هذه الثقافات والعادات باتت هشة الجذور، بل وتلاشت معالمها الخاصة بفضل متناقضات العصر، خاصة بين النشئ والمراهقين، بل والشباب وهو ما جعل عنصر التاثير شديد البكارة، للدرجة التى ربما تمحو ما تلقيته من ثقافة وما نشأت عليه من سلوك، لتكتسب مواصفات شخصية جديدة وجدت نفسك فيها عبر عمل درامى.

إننى لست ضد تلك النوعية من المسلسلات التركية، بالعكس فهى شديدة الحرفية والإبهار فى الأداء والديكور والتصوير والموسيقى والحكايات نفسها، وما أتمناه أن تنتبه مجتمعاتنا من أنها تعانى من شرخ كبير ومتاهة أكبر فى ترسيخ مبادئ عصرية فى التعليم والوعى، وما يقف وراءهما من ثقافة تتعايش مع ثقافات أخرى دون أن تلغى معها ثقافتك الأصلية، وإلا ستتوه العقول وتصبح المشاعر فريسة.

 

ليس هكذا يكون الخلاف

خالد محمود

الإثنين 7 مايو 2012

«أسد على وفى الحروب نعامة».. كانت هذه الجملة بمثابة الصدمة المفجعة والموجعة والمؤلمة.. لم أكن أصدق أذنى وأنا أسمعها عبر شاشة الفضائية الخاصة على الهواء مباشرة، وتساءلت كيف سمح مقدم البرنامج الذى يسعى دائما لكشف الحقيقة للشيخ جمال صابر مدير حملة «لازم حازم» المناصرة للشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل، بأن يصف الجيش المصرى بهذه الجملة؟.

واقع الأمر أننى لم أصدق ما سمعته، وحاولت مرات عديدة الاتصال بالبرنامج لأعبر عن غضبى.. لكن محاولاتى باءت بالفشل.. لم يخفف عنى قليلا سوى تعليق ضيف الحلقة د.محمد سليم العوا المرشح لرئاسة الجمهورية الذى رفض ما قاله جمال صابر، واندهش من هذا الوصف المهين وغير اللائق.

صابر الذى كان أمام وزارة الدفاع يهتف ضد حكم العسكر، رغم تمسك صلاح أبوإسماعيل بأن أنصاره لم يشاركوا فى هذه المظاهرة، جعلنى لم أنم تلك الليلة، نعم كلنا مع توجيه انتقادات ــ حتى وإن كانت لاذعة بعض الشىء ــ لسياسة المجلس العسكرى بصفته القائم على إدارة شئون البلاد.. فهو يصيب حينا ويخطئ حينا آخر، لكن أن تصل سهام النقد إلى حد السخرية من الجيش وجنوده ونعتهم بالنعام فى الحروب، بالتأكيد لا يمكن اعتباره نقدا، بل يمكن وصفه بالجريمة فى حق أخى وأخيك وابنك وابنى.. فهؤلاء هم جنود الجيش الذين وصفوهم بالنعام.

لا أظن أن بلدا وصل إلى مراحل متقدمة فى الممارسات الديمقراطية يمكن أن يقبل بمثل تلك الاهانات لجيشه مهما بلغت درجة الخلاف والخصومة.

الصدمة الأكبر كون هذا الوصف جاء على لسان أحد دعاة التدين والمفترض أن يكون أعلم من غيره بأن وصف خير أجناد الأرض جاء على لسان من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم لجنود مصر.. وبعد أربعة عشر قرنا من الزمان كان للمدعو جمال صابر رأى آخر قاله على الهواء وأمام الملايين.

أتمنى أن يكون ما قاله صابر مجرد لحظة انفعال أو زلة لسان وأن يكون قد جلس إلى نفسه قليلا ليدرك قسوة ما قاله على نفوس المواطنين قبل الجنود.. فالمعارك السياسية لا يمكن كسبها بكيل الشتائم والاهانات فى وطن ينزف فيه الجميع.

 

لماذا لا يصبح الفنان رئيسًا

خالد محمود

الخميس 3 مايو 2012

بغض النظر عن المغامرة الهزلية لسعد الصغير.. وبعيدا عن انتهاء الوقت وفوات الفرصة.. لماذا لم يتقدم أحد رموز الفن والإبداع للترشح لمنصب رئيس الجمهورية؟

قد يرى البعض طرح السؤال نفسه دربا من الخيال، باعتبار أن رؤيتنا وثقافتنا ونظرتنا للفنان كانت دائما محدودة، ومحصورة فى إطار خاص بما يقدمه فى إطار لم يكن يتجاوز تلك النظرة الضيقة ويضع الفنان لدينا فى مكانة أكبر، أو أنه يمكن أن يكون رئيسا للبلاد.

هناك بعض رموز الفن والأدب الذين نالوا من الحياة قسطا من الخبرات فى التعامل السياسى والاجتماعى والاقتصادى، وربما يملكون أفكارا ورؤى وحلولا لأزمات الواقع، وربما يمكن أن تتخطى أزمات فى المستقبل، لكن يبدو أن مبدعينا وفنانينا يفضلون السكن داخل أفكارهم على الخروج إلى الشارع والالتحام مع جماهير الوطن فى الواقع وليس الاكتفاء بالتواصل عبر وسيلة فنية من شاشة وكتاب وريشة وألوان وقناة فضائية.

فى دول عديدة خرج بعض الفنانين والمبدعين ليخوضوا التجربة والمنافسة على كرسى الرئاسة، ونجح بعضهم، الممثل رونالد ريجان الذى أصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية لدورتين، والشاعر العظيم سنجور الذى أصبح رئيسا للسنغال، والكاتب المسرحى فاتسلاف هافيل الذى أصبح رئيسا للتشيك، وونستون تشرشل أحد الزعماء الكبار فى الحرب العالمية الثانية ورئيس وزراء بريطانيا، وحصل على جائزة نوبل فى الأدب عام 1953، عن يومياته فى فترة حكمه وشوارزينجر كان حاكما لكاليفورنيا ونوى ترشحه للرئاسة.

هؤلاء كانوا فى وقت كبير من حياتهم وبحكم وظائفهم وأعمالهم على مقربة من قضايا حقيقية للمواطن ربما يكونون عايشوها عن قرب، وربما جسدوها وانغمسوا فى جذورها سواء بالكلمة أو بالأداء.. لكنهم قرروا فى لحظة أن يجلسوا على كرسى المسئول الأول.. كرسى الرئيس، كان بداخلهم إيمان بأنهم يستطيعون أن يكونوا على قدر المسئولية، وأن التجربة لم تنل منهم نيلا كاملا، ربما تخيلوا أنهم سينالون هم من محطات تدعو لحياة بائسة وفقيرة وينطلون بالمسار إلى محطة حياة أفضل. وسواء نجحوا أو فشلوا أو لم يحققوا إنجازا عظيما لمجتمعاتهم.. إلا أن التاريخ أثبت أنه بإمكان الفنان والمبدع أيا كان رصيده وثقافته السياسية يمكنه أن يحاول.. وأن يفرج مكنونه الإبداعى من الخيال إلى الواقع.

الشروق المصرية في

03/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)