حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

عن تجربة مخرجة أسكتلندية

«علينا أن نتحدث عن كيفن» ومخرجته لين رامسي

زياد عبدالله

 

يمكن تتبع المخرجة الأسكتلندية لين رامسي (1969)، من فيلمها الروائي الطويل الأول Ratcatcher «صائد الفئران» عام ،1999 والمضي مع جيمس وطفولته البائسة المحاصرة بأكياس القمامة، والتساؤل مع فيلمها الثاني Morvern Callaْ «مورفن كالر» ،2002 ماذا يعني أن ينتحر كاتب ويترك لحبيبته مخطوط روايته، فتقوم بتقطيع جثته وإخفائها وإرسال روايته إلى دار نشر وقد وضعت اسمها عليها؟ وصولاً إلى آخر أفلامها We Need To Talk About Keviَ «علينا أن نتحدث عن كيفن» (2011)، الذي يطرح سؤالاً كبيراً: ماذا لو كانت الأم لا تحب ابنها؟

مع أفلام رامسي الثلاثة يمكن الحصول على مفاتيح لتجربتها التي تعزز من حضورها مع كل فيلم تخرجه، ولعل الإجابة عن الأسئلة التي بدأت بها تأتي من الشكل الفني، بمعنى الكيفية التي قدمت فيها رامسي ذلك، وهنا تحضر آلية السرد لدى رامسي، وعلى شيء يجبرني على التخلص من حيرة حاصرتني لدى مشاهدة «علينا أن نتحدث عن كيفن» المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه للروائية ليونيل شريفر، ولتكون معالجة رامسي لهذا العمل الروائي نقلاً لها من مساحة إلى أخرى، إذ يمكن اعتبار الرواية أولاً متمركزة حول كيفن الذي يقدم على مجزرة بزملائه في المدرسة، لكن وفي الفيلم يبقى ذلك حاضراً لكن وفق رؤية أمه ايفا «تيلدا سوينتون»، وبالتالي المضي خلف علاقة هذه الأم مع ابن كـ«كيفن»، وعبر مسارين زمنيين، حاضر وماضٍ، وبالاتكاء على كل ما يمنح الفيلم معابر نحو أعماق الشخصيات والأجواء المحيطة بها، التي لن تكون إلا وليدة أفعال درامية وقعت في ما مضى واستعادتها تتم مع تقدم الفيلم.

البداية في أفلام رامسي دائماً صادمة، ولها أن تكون الحدث الرئيس في الفيلم الذي سرعان ما يتضح كما في «مورفن كالر»، أو فعلاً مؤثراً لا يفقد هذا الأثر إلى النهاية كما في «صائد الفئران»، أو غرائبياً أو أنه يبدو كذلك بينما هو يضيء على أعماق ايفا في «علينا أن نتحدث عن كيفن».

صفة أخرى لنا أن نمضي خلفها ألا وهي الرهان على شخصية واحدة وتعقبها، والتقنين في الحوار ما أمكن بالتناغم بداهةً مع مونتاج الفيلم، بمعنى أن الحوار يكون عبر جمل قصيرة خاطفة، تماماً كما إيقاع الفيلم الذي يكون عبر توالي اللقطات القصيرة والسريعة، التي قد تتحول إلى لقطات متوسطة الطول في بعض الأحيان، وبالتالي فإن الأفعال التي تقوم بها شخصيات أفلامها تكون تتبعاً للشخصية أولاً على مبدأ أن كل حركة تولد انفعالاً وبالتالي فإن محاكاة هذه الحركة تتيح استحضار الانفعال الموافق، وبالإحالة إلى بودفكين يوضح ما نقتبسه عنه الكثير لفهم ما تقدم «إن كان المونتاج منسقاً بالنظر إلى متسلسلة أحداث اختيرت بدقة، أو إلى خط نظري مضطرب كان أو هادئاً، فسيكون على التتالي أثراً مهيجاً أو مهدئاً للمشاهد».

وضع ذلك في الحسبان سيمنح «علينا أن نتحدث عن كيفن» أثراً مهيجاً من اللقطة الأولى، وأثراً نفسياً عميقاً، والكاميرا تفتح على ستارة تتلاعب بها الريح، ومن ثم جموع بشرية لعراة متراصين وملطخين بعصير الطماطم، ولنشاهد المزيد من تمرغ البشر بالطماطم إلى أن نقع على ايفا محمولة كما لو أنها أنزلت عن صليب، ومن ثم قطع لنرى ايفا نائمة على أريكة ومنعكساً عليها ظل أحمر، وما أن تنهض وتخرج من الباب سنشاهد أن بيتها ملطخ بالأحمر، كذلك سيارتها، ولعل هذا الأحمر سيحضر على الدوام مع تتابع أحداث الفيلم، فعندما تستقل ايفا سيارتها، ستقوم بمسح الطلاء الأحمر عن الزجاج بجريدة، وحين تشغل ماسحات الزجاج فإن الأحمر سيتحرك من أمامها كما لو أن دماء كثيرة تهرق.

هذا سيتداخل مع استحضار الماضي، والكاميرا تمضي نحو فتاة صغيرة مديرة ظهرها تدندن أغنية وهي جالسة إلى طاولة المطبخ، وما أن تصل إليها الكاميرا حتى تلتفت ونرى وجهها وعينها التي عليها ضماد، ثم قطع لنعود إلى وجه ايفا الذي تغرقه بالماء، والذي يتبدل والكاميرا تلتقطه من تحت الماء إلى وجه كيفين «عزرا ميلر».

مع تلك اللقطات المتوالية ستكون أحداث الفيلم قد تكثفت، وقد عرفنا ايفا البوهيمية قبل الزواج وما حل بها بعدما اقترفه كيفن، وهذه الفتاة الصغيرة هي أخته وما حل بعينها سنتعرف إليه لاحقاً، كما هي الحال مع كيفن نفسه، الذي سنتعقب حياته منذ ولادته إلى ارتكابه المجزرة، لكن وفق رؤية ايفا أمه، والعلاقة القاسية والمؤلمة التي ستنشأ بينها وبين كيفن، وليكون الحدث الرئيس في الفيلم استكمالاً لذلك وليس رهان الفيلم الرئيس، وبكلمات أخرى عنصر درامي من عناصر كثيرة تتمركز أولاً حول علاقة أم بابن شرير، وربما ابن قاتل بالفطرة، سيقتل أخته وأباه وزملاءه في المدرسة، وليبقى السؤال: لماذا لم يقتل أمه؟ ولعل تعدد الإجابات عن هذا السؤال تشكل شيئاً من غواية مشاهدة الفيلم، على اعتبار كل إجابة تحتمل الصواب والخطأ بالقدر نفسه، كأن نسأل كم في ايفا من كيفين؟ هل تركها لتتعذب؟ وغيرها أسئلة تبقي على هذا الالتباس الجميل الذي يترافق مع أجواء الفيلم التي تسكن من يشاهده.

ربما كيفين ليس إلا «ابن الشيطان» الذي نقع عليه في المهد في فيلم بولانسكي «طفل روزماري»، والفيلم يبتعد عن أن يكون مركزاً على الحدث المتمثل بظاهرة أميركية بامتياز ألا وهي إقدام تلميذ على قتل زملائه بالمدرسة، على الرغم من كون هذا الحدث هو الحدث الرئيس في الفيلم، ففي النهاية لسنا بحاجة إلى «فيل» فيلم غاس فون سانت، حيث بناء الفيلم بالكامل قائم على إقدام تلميذين على قتل زملائهما والتنويع في السرد من خلال روايات ومصائر مختلفة، عبر تقديم وتأخير الزمن. على كل لين رامسي تقول إن «علينا أن نتحدث عن كيفن» هو من وجهة نظر الأم فقط، وهي ترغب في تقديم فيلم يكون قادماً من وجهة نظر كيفن، وآخر من وجهة نظر فرانكلين والد كيفن، لكن ذلك حسب تعبيرها سيستغرق منها كامل مسيرتها السينمائية.

بالعودة إلى البداية الصادمة، يمكن العثور على الستارة التي بدأت بها في «علينا أن نتحدث عن كيفن» في فيلمها الأول «صائد الفئران» اللقطة الأولى سنكون حيال وجه يدندن أغنية وقد التفت حوله الستارة، ونحن لا نعرف أنها الستارة إلا عندما يتلقى الفتى ضربة على رأسه من أمه، فيخرج رأسه من الستارة، ومن ثم تبدأ أمه بتوبيخه وهو ساهم عنها يراقب من النافذة فتى يلعب إلى جانب قناة مياه، ومن ثم ستمضي به الأم لتشتري له حذاء، لكنه يهرب منها ويمضي إلى ذلك الفتى ليلعب معه وهناك يغرق.

تلك الحادثة ستضعنا مباشرة مع جيمس الفتى الآخر الذي كان يلعب قرب القناة وقد شهد غرق رفيقه وجاره، ولينفتح الفيلم حول بؤس حياته، ونحن في غلاسكو عام 1973 التي تشهد اضراباً لعمال النظافة، وأحداث الفيلم في حي عمالي يكون بسبب هذا الإضراب مليئا بأكياس القمامة، وسكان الحي قد تحولوا إلى صائدي فئران.

هذا المناخ سيكون على اتصال تام بكل ما يعيشه جيمس الذي لم يتجاوز الـ12 من عمره، فكل محيطه مأزوم، وهو يعيش عبء شعوره بالذنب تجاه ذاك الفتى الذي غرق، ولا يستطيع النظر إلى أمه المفجوعة التي تجد فيه ما يذكرها بابنها المفقود، لا بل إنها تعطيه حذاءه الذي اشترته له قبل وفاته.

سيكون كل شيء خانقاً بما في ذلك الحب، الفتاة التي تحبه سيتناوب عليها فتية الحي، كما أن جيمس يكره والده الكحولي، وعلاقته واهية مع أختيه، والمتع المتوافرة هي تربية الجرذان كما سيفعل رفيقه الذي سيربط فأراً يسميه «سنوبول» ببالون ويجعله يطير في الجو وبالتالي يصل القمر كما سيقول. يشعر جيمس بالحرية للمرة الأولى حين يفارق الحي ويترك الحافلة لتأخذه إلى الريف، حيث يقع على بيوت قيد الإنشاء قد ينتقلون إليها، حيث يعبث بها كيف ما يشاء، وصولاً إلى مشهد النافذة التي تطل على مرج واسع، أي حين يقفز من النافذة ويمضي يركض، وهي المرة الأولى التي تشاهد فيها فضاء مفتوحاً في الفيلم، فكل ما يسبق ذلك ضيق وخانق ومحاصر بالزبالة.

الفيلم حقيقي وصادم جداً، ولعل التصعيد الذي يصله جيمس في النهاية ليس إلا حصيلة حياته وخيباته الصغيرة التي لن يجد شفاء منها إلا بالقناة والغرق، ما يعني الانتحار، فهو ليس «انطوان» في فيلم فرانسوا تريفو «400 ضربة»، لكن في «صائد الفئران» ما يتقاطع كثيراً معه، ولكم في تلك اللقطة، التي تلاحق جيمس وهو يركض إلى جانب القناة، ما يشبه لقطة «أنطوان» وهو يهرب راكضاً وإلى جانبه البحر. حين يخلو الحي الذي يقطنه جيمس من القمامة يحين الموت، ويعود جيمس إلى الاستسلام إلى مصير مشابه لمصير ذاك الفتى الذي غرق في أول الفيلم، هذا أيضاً يقودنا إلى «مورفن كالر» الذي يبدأ من الموت أيضاً، ودائماً تلك البداية الجميلة والصادمة وأمامنا على الشاشة وجه امرأة يظهر ويختفي جراء إضاءة متقطعة، بينما «جنريك» الفيلم يظهر كلما أصبحت الشاشة سوداء، ومن ثم يظهر إلى جانب وجه مورفن وجه آخر، ولنقع بعد ذلك على جسدين مرميين على الأرض، والإضاءة المتقطعة قادمة من أضواء شجرة الميلاد. تتوالى النقلات وليتضح الأمر أكثر، مورفن على قيد الحياة، لكن الرجل المرمي على الأرض ميت لا محالة وحوله دماء كثيرة، تخرج مورفن من البيت إلى هاتف عمومي ترفع السماعة ثم تعدل عن الاتصال، تجلس إلى كرسي ثم يرن الهاتف، تمضي وتجيب عليه فإذا بأحدهم يتكلم معها، شخص مجهول ووحيد، تقول له «ميلاد مجيد» ويبدو أنه يتصل بأي أحد ليتخلص من وحدته.

مغرٍ على الدوام السعي لوصف بدايات أفلام رامسي، ومع تعقب مورفن سنتعرف إلى امرأة بوهيمية، تستخلص الهدايا التي تركها لها حبيبها الميت: معطف جلدي، ولاعة، مشغل كاسيت وكاسيت مكتوب عليه «هذه الموسيقى لك». ستفعل مورفن فظائع كما لو أنها تفعل شيئاً عادياً، ستمضي ليلة صاخبة ومجنونة بينما حبيبها ميت، ومن ثم المنتحر كونه يكون قد ترك رسالة لها، ستقوم بتقطيع جثته وهي تستمع للموسيقى التي أهداها لها، وسترسل روايته التي يوصيها بأن تنشرها له، إلى دار نشر، لكن باسمها، وسينفتح الفيلم على ما له أن يكون مسار حياة مورفن واستثمارها في انتحار حبيبها، وليكون الفيلم فيلمين إن صح الوصف، الأول في اسكتلندا حيث سنعرف كل ما تقدم، والثاني في اسبانيا حيث تمضي مورفن مع صديقتها لانا إجازة عجيبة مفتوحة على شتى أنواع القصف واللهو والبوهيمية.

الغرابة والالتباس

يمكن القول إن لين رامسي تحمل في أفلامها شيئاً من الغرابة والالتباس، واستعمال كلمة التباس بدل غموض مثلاً، أمر مقصود تماماً على اعتبار أن الالتباس محرض لأسئلة كثيرة آتية من غنى الشخصيات كونها تقدمها دائما من دواخلها، وبالتالي تبقى أسئلة كثيرة عالقة لها أن تمنح المشاهدة فرصة مشاهد الفيلم مرة ثانية وثالثة لاكتشاف أشياء كثيرة، ربما هذا صالح تماماً «لصائد الفئران» و«علينا أن نتحدث عن كيفن»، لكن الغرابة فقط ما يصلح عنواناً لـ«مورفن كالر» إذ يمكن الحديث في هذا الفيلم عن شيء من الكوميديا السوداء.

الإمارات اليوم في

13/05/2012

 

هنا أعيش وهناك أحيا !

أمستردام – محمد موسى 

تتفاعل كثير من الافلام التسجيلية مع الاحداث والنقاش السياسي والاجتماعي الذي تمر به دول ومجتمعات، فيستجيب مخرجيها للاثار المتنوعة التي تتركها هذه الاحداث في محطيها. لكنها، وعلى خلاف معظم التغطيات التلفزيونية لتلك الاحداث، تبحث هذه الافلام عن مقاربات تسعى لكشف التعقيد الذي تتضمنه ظواهر معينة، بتقربها من الذاتي للشخصيات التي تقدمها، وربط الانساني بالقضايا السياسية والاجتماعية، والذي يقود الى كثيرا الى خلاصات تظهر عدم صواب التبسيط الذي يحيط بالعادة تغطيات الاعلام لاحداث كالتي تتناول أفعال مجموعات من البشر

يعد فيلم " هنا أعيش وهناك أحيا" للمخرجة الهولندية من الاصول المغربية فاطمة جبلي الوزاني والذي عرض مؤخرا في هولندا، مساهمة سينمائية في النقاش الاعلامي والشعبي بموضوعة الجنسية المزدوجة لأبناء المهاجرين في هولندا، والذي إشتعل مع صعود الاحزاب السياسية اليمينية قبل عشرة اعوام تقريبا، ويجد من يصب الزيت عليه بين فينة واخرى. فقبل اسابيع قليلة عاد النقاش من جديد مع اهتمام الاعلام الهولندي برفض لاعبين كرة قدم من اصول مغربية اللعب في المنتخب الهولندي، وتفضيل فريق بلد آبائهم، رغم ان هؤلاء اللاعبين ولدوا وتدربوا في فرق هولندية حياتهم كلها.
شخصيات فيلم " هنا أعيش وهناك أحيا " لن تكون من اجيال المهاجرين المغاربة، بل من الاتراك، والذي يشكلون مع المغاربة الجالية الاضخم في هولندا. وهم تعرضوا بدورهم في السنوات الاخيرة الى انتقادات كبيرة من حزب "الحرية" اليميني، والذي يتزعمه السياسي المثير للجدل خيريت فيلدرز، بسبب رفض سياسيات من اصول تركية التخلي عن جواز سفرهن التركي رغم عضويتهن في البرلمان الهولندي، وإنهن شغلنّ مناصب رفيعة في الحكومات الهولندية في السنوات الاخيرة

يقدم الفيلم اربع شخصيات نسوية من اجيال مختلفة من المهاجرات التركيات، فهناك السيدة المسنة والتي تمثل الجيل الاول من الهجرة التي بدأت منذ نهايات الخمسينات من القرن الماضي، في حين تنتمي السيدات الثلاث الاخريات الى اجيال لاحقة، بعضهن ولدن في هولندا، او يعشن هناك اغلب حياتهن. تهيمن اسئلة الهوية وبلد الاجداد والبلد الثاني على حياة سيدات الفيلم. بعضهن، كالسيدة المسنة، حسمت النقاش، فالبلد الاصلي الذي تركته عندما كانت شابة، سيبقى بلدها المفضل، فلسانها لا يجيد سوى لغة البلد الاول، ولولا الابناء والاحفاد الذين يعيشون في هولندا، لكانت عادت الى تلك القرية. وهي اختارت منذ زمن طويل ان تدفن هناك. شخصية أخرى من الفيلم، تمثل مجموعة صغيرة من المهاجرين الذين بدئوا بالعودة لبلدانهم الاصلية بسبب تغير المناخ الليبرالي العام في هولندا في السنوات الاخيرة. هذه السيدة التي تجاوزت عقد الثلاثينات، قررت العودة بعد ان كانت تقضي اجازة عادية في تركيا، قبل يسلب روحها جمال بلدها، لتبقى هناك، وتعمل دليلة سياحية هناك. اما الشابة المحجبة التي تعمل كممرضة في هولندا، فتتمنى ان تنتقل الى تركيا لتعمل مع مرضى من ابناء بلدها. في حين حددت الهوية الجنسية للمرأة الرابعة من خياراتها، فاصبح البلد الذي يمنحها فرصة العيش كما تشاء، هو خيارها الاول.

يمكن تتبع بعضا من فصول الهجرة المسلمة الى اوربا من قصص السيدات الاربع. فالسيدة المتقدمة في العمر هي احدى نتائج السياسية الاوربية المتساهله مع المهاجرين وقتها، فالانعزال الذي عاشته السيدة التركية، والعالم الضيق الذي احاطت نفسها به، كان يعود في بعضه الى قله الانتباه الذي اولته دول اوربية لاشراك مهاجرين بالحياة العامة، ودفعهم الى تعلم لغة البلدان الجديدة، وكما يحدث حاليا، في حين تمثل الشخصيات الثلات الآخريات احدى تمظهرات علاقة المسلم مع الدول الاوربية، فمكانة الدين في تلك العلاقة لا يمكن تجاهل ابعادها العميقة، وخاصة في السنوات الاخيرة، والتي شهدت تبدلات في البلدان الاوربية اضافة الى اخرى لا تقل جدية في البلدان الاصلية لهؤلاء المهاجرين. فعندما تتوجه الممرضة التركية الاصلية الى الكاميرا وتبوح بانها تفضل بخدمة مرضى اتراك عن هولندين، فهذا يشير في جزء منه الى الجو المتعكر في هولندا. اما الشخصيتان الآخريتان فهما بعنادهما وبحثهما المستمر عن الذات والسعادة تمثلان تاثيرات الحياة الاوربية بمرجعياتها وفلسفاتها على سكانها.

يخصص الفيلم مساحة طويلة نسبيا للمرأة التي تركت بلدها وإختارات العيش في بلد آبائها. فتجربتها هي نموذج لظاهرة حديثة العهد وتستحق انتباها مضاعفا. تروي المرأة التركية صعوبة الاشهر الاولى بعد عودتها، وكيف عانت وبسبب لغتها التركية المكسرة وقتها، من معاملة مهينة من أبناء بلدها. وكيف اكتشفت سريعا ان تركيا التي كانت تزورها في عطل سريعة، هو بلد يملك مشاكله وتعقيداته، وانها ورغم انها ما زلت غير نادمة على قرارها العيش في تركيا، لكنها تملك كثير من الحنين لشوراع هولندا واسلوب الحياة هناك، وربما تعود يوما الى هناك، فالحياة لسيدة اعمال قوية الشخصية ليست سهلة ابدا في تركيا وحسب شخصية الفيلم

يقدم الفيلم صورة قاتمة عن الافق المسدود لحياة المهاجر، وضياعه الابدي بين البلدان. وحتى العودة الى البلد الاصلي لاتمنح حلا جاهزا للسعادة. كأن ما قاله الشاعر اليوناني قسطنطين كفافيس عن الذي " خرب حياته في زقاق ما في العالم " ، ينطبق في كل مكان وزمان. كما يؤكد الفيلم على إختلاف تجارب اندماج المهاجرين المسلمين والعرب مع الدول التي اختاروا العيش بها عن تلك لابناء ثقافات آخرى، وهو الامر الذي تدعمه ايضا بحوث واحصائيات من دول اوربية واخرى من العالم الجديد، كالولايات المتحدة الامريكية ، استراليا ، كندا.

ولدت المخرجة والصحفية فاطمة جبلي الوزاني في المغرب وهاجرت مع اهلها الى هولندا وهي في العاشرة من عمرها. بعد أن رفضت الزواج التقليدي عندما كانت في الثامنة عشر، نبذها والدها لاكثر من 15 عاما، وهو الامر الذي همين على فيلمها التسجيلي الاول " في بيت أبي" الذي عرض في عام 1997، والذي عادت فيه الى تجربتها الشخصية المؤلمة وهي تسجل تحضيرات لزواج "مرتب" لفتاة هولندية من اصول مغربية في احدى القرى المغربية. كما قامت في عام 2000 باخراج فيلم "الخطيئة من جديد" عن مكانة "عذرية النساء" في المجتمعات العربية.

الجزيرة الوثائقية في

13/05/2012

 

آيت أومزيان:

تقييم أفلام عاصمة الثقافة الإسلامية

ضـاويـة خلـيفـة – تلمسان   

بعد حول كامل من العروض و النشاطات والحركية ودعت تلمسان الوافدين إليها من كل مكان، بعد أن تزينت بعباءة الثقافة الإسلامية، و شكلت جسر تواصل للثقافات و الحضارات الإسلامية و غير الإسلامية، محاولة عبر كل الدوائر''سينما، مسرح، تراث...'' إبراز الجوانب الخفية لعاصمة الزيانيين واستقبال ضيوفها في عديد المحطات الفنية و الأسابيع الثقافية.

على الصعيد السينمائي، ورغم عدم تمتعها بإنتاج سينمائي كبير في السنوات الأخيرة و رغم ضمانها للجودة و النوعية مقارنة بقلة الإنتاج، إلا أن الجزائر أو السينما الجزائرية تحاول من خلال عديد الانتاجات والمهرجانات السينمائية (الناشئة والقديمة) استطاعت أن ترفع التحدي، وتفعّل دور السينما عبر مختلف التظاهرات التي دأبت على تنظميها سنة 2007 من خلال عاصمة الثقافة العربية أو سنة 2009 في المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني أو سنة 2011 من بوابة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، وتظاهرات أخرى تعِد بالكثير وأقربها الاحتفال بالذكرى الخمسين لعيدي الاستقلال و الشباب، و خلال كل التظاهرات والمهرجانات التي سبق ذكرها أشرف السيد عبد الكريم آيت اومزيان -رئيس دائرة السينما بوزارة الثقافة- على إدارة و رئاسة دوائر السينما بالمهرجانات المذكورة وآخرها دائرة السينما باللجنة التنفيذية لتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية حيث سيتحدث لنا في هذا الحوار عن الرصيد السينمائي في التظاهرة وبصفته محافظا أيضا لمهرجان السينما المغاربية سيتحدث عن المهرجان في دورته الأولى المزمع انطلاقها هذا العام.

*********

بعد عام كامل من الإنتاج، والنشاط والديناميكية ودعت تلمسان احتفالية عاصمة الثقافة الإسلامية، بعدما شكلت متنفسا للإبداع السينمائي، فكل الأعمال السينمائية التي عرضت في إطار البانوراما، انتقلت بها من العاصمة 2007 إلى تلمسان 2011 و أتت بالجديد فهل من تفاصيل عن ذلك؟

من التقاليد التي باتت تتبعها وزارة الثقافة في كل المهرجانات والتظاهرات التي تنظمها و تشرف عليها هي أن تؤرخ لكل الأحداث وذلك لن يكون إلا بالصوت والصورة، ولهذا دائرة السينما والسمعي البصري سعت جاهدة للقيام بهذه المهام  والدور المنوط بها، و بالعودة إلى سؤالك فان بانوراما السينما الجزائرية هذا العام نظمت في الفترة الممتدة من 21 مارس وإلى غاية 25 من نفس الشهر، واحتضنتها ولاية تلمسان كونها عاصمة للثقافة الإسلامية بعد أن نظمت سنة 2007 بالعاصمة تزامنا وعاصمة الثقافة العربية، البانوراما كانت عبارة عن مسابقة للأفلام الوثائقية التي أنجزت في إطار التظاهرة، حيث دخل المسابقة ثلاثون فيلما وثائقيا، كل فيلم يحكي جانب من تاريخ تلمسان، و يتطرق إلى بطولات رجالاتها، أعلامها، و بعض المناطق التي تروي بدورها تاريخ شعب وحكاية مكان، وقد تنافست الأفلام المشاركة في البانوراما على ثلاث جوائز : أحسن فيلم، أحسن سيناريو وبحث تاريخي و جائزة أحسن بناء تاريخي، أمام لجنة تحكيم تكونت مؤرخين و مخرجين ونقاد سينمائيين و بحضور أسماء فنية كبيرة، كما تزامن تنظيم البانوراما مع افتتاح قاعة سينما ''جمال الدين شندرلي'' أو ''كوليزي'' سابقا، وتعد هذه القاعة من أحسن وأكبر القاعات السينمائية التي تعززت بها ولاية تلمسان، ففضلا على أنها مجهزة بأحدث التقنيات، فقد شيدت وفقا لمقاييس عالية، و إطلاق اسم المخرج السينمائي الكبير ''جمال الدين شندرلي'' على هذه القاعة، هو بمثابة اعتراف وتقدير لهذه القامة السينمائية الكبيرة التي خدمت الثورة الجزائرية من بوابة السينما.

بصفتك المشرف الأول على دائرة السينما وبعد متابعتك لكل العروض كيف تقيم لنا برنامج الدائرة الذي تميز بإنتاج أزيد من ثلاثين فيلما وثائقيا تراوحت مستوياتها مقارنة بالأعمال التي أنجزت في التظاهرات المنظمة سابقا؟

في الحقيقة تقييمي للأفلام المنتجة في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية سيكون بالإيجاب لأنه ورغم قلة الإمكانيات وما إلى ذلك تمكننا وفي ظرف قياسي من إنجاز 48 فيلما وثائقيا، وهذا الأمر لم يكن سهلا وهينا خاصة وأننا نتحدث عن التاريخ الذي لا مجال للخطأ فيه وعن أعمال تستخدم فيما بعد كأرشيف، فهي تجمع بين الصناعة الوثائقية والذاكرة الجماعية، فبالرغم من كل النقائص والهفوات المسجلة في عدد من الأعمال التي تراوحت مستوياتها بين الجيدة و المتوسطة ودون ذلك، إلا أننا حققنا الكثير من الانجازات وفضلا عن جملة الانتاجات الوثائقية تعززت تلمسان بعدة قاعات سينمائية، والشيء الجميل في كل هذا هو أن التظاهرة كانت فرصة للعديد من الشباب الذين برزوا وتألقوا سواء في الإخراج أو التمثيل، و سعادتي كبيرة لأننا حصّلنا رصيدا سينمائيا وثائقيا يمكن أن يعرّف بالإرث الحضاري و التاريخي لربوع الجزائر من خلال أعمال يمكن الاتكال عليها لتمثيل الجزائر في العديد من المهرجانات الدولية. فضروري أن نستثمر في هذه الكفاءات و الطاقة الشابة التي تستحق كل الدعم و التوجيه.

وزيرة الثقافة خليدة تومي كانت قد أعلنت مؤخرا عن تأسيس ثلاثة مهرجانات سينمائية من بينها مهرجان الفيلم المغاربي، بصفتكم محافظ المهرجان إلى أين وصلت التحضيرات الخاصة بهذا المولود السينمائي الجديد؟

هذا صحيح، إذ يمكن القول أن الساحة السينمائية الجزائرية تعززت أو ستعزز فعليا بثلاث مهرجانات الأول وقد رأى النور شهر نوفمبر المنصرم ويتعلق الأمر بمهرجان السينما الملتزمة والثاني مهرجان الفيلم المغاربي حيث كان مقررا عقد الدورة الأولى من الفعالية في الفترة الممتدة من 20 أبريل إلى 27 من نفس الشهر بالجزائر العاصمة، و تأجل بعض الشيء، فبعد تشكيل الطاقم الفني بدأنا نشتغل على اختيار الأفلام التي ستعرض في أول دورة وكذلك على الموقع الالكتروني الخاص بالمهرجان. لقد بدأت التحضيرات للطبعة الأولى منذ أشهر ونسعى جاهدين لإنجاحها سواء من الجانب التنظيمي أو من ناحية نوعية الأفلام والبرنامج الذي سنسطره من لقاءات وندوات ستقام على الهامش، أما الأفلام التي ستشارك في مهرجان الفيلم المغاربي فستتوقف على مدى قبول المنتجين والمخرجين، حيث ستشمل المنافسة الرسمية للمهرجان ثلاث فئات الفيلم الروائي الطويل، القصير والوثائقي، وسيتوج أفضل عمل سينمائي ب ''أمياس الجزائر'' الجائزة الكبرى للمهرجان، و لكي تكون هناك قوة، جودة ونوعية في الأفلام ارتأينا أن نوسع المشاركة لتشمل أيضا دول الساحل كالتشاد، المالي، و النيجر... بحكم التقارب الجغرافي مع البلدان المغاربية، على أمل أن تكون اللغة السينمائية لغة الجميع من على أرض الجزائر.

احتفالا بالذكري الخمسين لعيدي الاستقلال والشباب كانت وزارة الثقافة قد أعلنت عن فتح باب المشاركة للراغبين في إنتاج أفلام ثورية، إلى أين وصل هذا المشروع و كم وصلتكم من مشاريع في هذا الإطار ؟

في إطار الذكرى الخمسين لعيدي الاستقلال والشباب أعلن المركز الوطني للسينما والسمعي البصري شهر جوان من سنة 2011 عن فتح المجال لكل المنتجين والمخرجين الجزائريين الراغبين في انجاز أفلام سينمائية عن الثورة الجزائرية، وقمنا بإعلانات عبر كل وسائل الإعلام من صحافة مكتوبة وإذاعة وتلفزيون وكذا الموقع الرسمي لوزارة الثقافة وهذا تقليد دائم نسير عليه كي لا نقصي أي منتج أو مخرج، في البداية حددنا تاريخ 31 أكتوبر كآخر أجل لتسليم المشاريع ولكن نظرا لأهمية الحدث لدى كل الجزائريين ارتأينا تمديد فترة تسليم وتقديم المشاريع إلى غاية نهاية 31 ديسمبر من سنة 2011، حيث استقبلنا 155 مشروعا سينمائيا بين فيلم طويل ووثائقي، وهذا دليل على اهتمام السينمائي الجزائري بالإنتاج السينمائي والسمعي البصري المخلد للثورة التحريرية، المشاريع هذه تدرسها لجنة قراءة تضم أسماء سينمائية بارزة تقوم بقراءة الأعمال بكل شفافية، وبكثير من الدقة والموضوعية، فأحسن الأعمال السينمائية ستحظى بدعم مالي من وزارتي الثقافة والمجاهدين وبعض الشركاء، هذا فيما تعلق بالمشاريع السينمائية كون الاحتفال والتحضير للاحتفال بالذكرى الخمسين لعيدي الاستقلال والشباب لا يقتصر على دائرة السينما فحسب ولا على مؤسسة واحدة أي وزارة الثقافة بل كل الوزارات والمؤسسات الحكومية ستؤقلم برامجها هذا العام و طبيعة الحدث.

الجزيرة الوثائقية في

13/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)