حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"الحوض الخامس" في "متروبولويس"

سيمون الهبر: اللغة هي الأهم!

هوفيك حبشيان

 

"الحوض الخامس" لسيمون الهبر: هنا الطريق معبرٌ بين زمنين. مقابل صور تنتمي الى المرفأ البيروتي وحوضه الخامس الشهير، يضع النصّ شهادات تترجح بين الألم والظرافة في أفواه عدد من سائقي الشاحنات، الذين عاصروا الحرب، ما قبلها وما بعدها

هؤلاء باتوا شهود عيان على مرحلة انحلال ودمار، بدءاً من التسعينات التي أتت بمشروعها التأهيلي، الذي عمّق الهوة بينهم وبين تاريخهم ومعاناتهم، وبينهم وبين المجتمع. انهم أصحاب روايات لا أحد يستطيع التدقيق في صدقيتها. بيد ان قسوة المخرج لا تمنع نظرته الرحومة، يرميها على شخصيات تشكل مدخلاً لفهم الواقع اللبناني. مَن سبق أن أعجب بـ"سمعان بالضيعة" (2009) كان في انتظار هذا العمل الذي يمضي بنا بين الشخصي والعام، ليستقر في حضن الوالد، والد المخرج. الحكايات الصغيرة والكبيرة تصبح عاطفية أكثر منها توثيقية في حضرة الأب. هناك عند المخرج، قدرة على الاقناع بأقل الامكانات الممكنة؛ قدرة على ضرورة توثيق كل حكاية من الحكايات. دائماً الصغير يجد مكانه الصحّ الى جانب الكبير.

 الوثائقي

"يسألونني دائماً: متى ستنجز فيلماً؟ بالنسبة الى الناس، الأفلام تكون روائية. الفرق بين الروائي والوثائقي ان في الأول ممثلين يضطلعون بأدوار كُتبت لهم، أما في الثاني فالممثلون يضطلعون بأدوارهم. ليس هناك نقاط اختلاف. اللغة هي الأهم. كثيرة هي الأفلام الروائية التي تشعر انها للتلفزيون. الشيء نفسه بالنسبة الى الأفلام الوثائقية ذات المنحى الريبورتاجي. هناك فكرة تتناقلها الأجيال عندنا مفادها ان على الوثائقي أن يوثق لشيء معيّن. بالنسبة الى "الحوض الخامس"، كثر سألوني لماذا لم أخبر المزيد عن هذا المكان ولماذا لم أكشف ما كان يجري فيه. بالنسبة لهم، على الوثائقي أن يخبر. في رأيي، هذا ليس دور الوثائقي. السينما تتيح لك المجال لتتأمل وتتزود تساؤلات لا يمنحك الفيلم بالضرورة أجوبة عنها". 

 الأب

"لم يكن ضرورياً وجود قريب لي كي استطيع أن أحكي قصة. خلال عملي على الفيلم، كنتُ أحاول قدر المستطاع أن أبقي والدي خارج الفيلم. بعد نزولي الى المرفأ والاستماع الى شهادات الشخصيات وخبرياتها، أردتُ الاّ تتكرر تجربة "سمعان بالضيعة": عمي سابقاً، ووالدي حاضراً. كنتُ اريد تفادي هذا الشيء. ثم فجأةً، شعرتُ أني كمن يختبئ وراء اصبعه. فقررتُ أن أواجه اللعبة التي وضعت فيها نفسي منذ البداية وأن أدرج أبي في السياق. في الأخير، بدا الفيلمان مختلفين أحدهما عن الآخر. في نظري، على المخرج أن ينطلق من البيئة التي يعرفها. عليه أن يبدأ من القريب ثم يذهب لاحقاً الى ما هو أبعد". 

 الشهادات

"عندما أقرر أنني سأصوّر أحدهم، أقابله مرات عدة قبل أن أجري معه المقابلة. نتكلم عن الكثير من الأشياء وأحياناً أستوحي من تصريحاته. ثم، عندما أبدأ التصوير، أصوّر على فترة طويلة. لمقابلة مدتها 4 دقائق على الشاشة، أصوّر أحياناً نصف ساعة. اتركه يقول ما يريد. فليعبّر عن نفسه كما يريد: شعارات من مثل "أين الدولة؟"، كل هذه الكلاسيكيات، الخ. ثم أغوص معه في العمق عبر أسئلة خاصة وشخصية. الجيد في الوثائقي ان عليك خلق علاقة بينك وبين مَن تصوّره، والتيقّن من اللحظة التي "يفلت" فيها نفسه. من الصعب أن ينسى الشخص الذي أمامك وجود الكاميرا، لكن هناك لحظات يخفّ فيها احساسه بالكاميرا فيبدأ الراوي بمخاطبتي أنا المخرج، بدلاً من مخاطبة آلة التصوير. هنا، أقتحمه. لذلك، اراهم كثيراً قبل تصويرهم. هناك أشخاص في "الحوض الخامس"، زرتهم في بيوتهم وجلستُ أدردش معهم، الى أن تبلورت علاقة بيننا. هناك مَن رفض أن أصوّره مثلاً. واحد من هؤلاء اتصل بي قبل ثلاثة اسابيع من التصوير وعبّر عن رغبته في أن أصوّره، لكن بشروط معينة، ثم حطّم هذه الشروط من تلقاء نفسه (ضحك). عندما أجري مقابلة مع أحدهم، أحاول حصرها في اطارها الشخصي. سواء أكان صادقاً أم لم يكن، لا آخذ هذا الشيء في الاعتبار لأن الكذب لن يكون في مصلحة الراوي. الا اذا كان يوجه سهامه نحو شخص آخر، ساعتئذ أتدخل. هنا الجمهور سيرى وسيحكم بنفسه. لذا، عموماً، اترك مقابلاتي في شكلها الخام، بلا قطع، بهدف التقاط النظرات ولحظات الصمت التي قد تقول الكثير عن باطن الشخصية. اعتبر انه لا يحق لي أن امنتج داخل الحوارات". 

 التصوير 

"ليس من السهل التصوير في لبنان، خصوصاً عندما يكون التصوير في مرفأ، حيث الكثير من علامات الاستفهام. يمكن أن أواجه المشكلة عينها اذا اردتُ التصوير في وسط بيروت، فهي منطقة محمية لها مشكلاتها الخاصة. في المرفأ، تعذبنا كثيراً خلال التصوير، على رغم ان في حوزتنا ملفاً كبيراً جداً يتضمن كل اجازات التصوير المطلوبة. كلما أردنا الدخول الى المرفأ كان علينا اجراء اتصالات تستغرق نصف ساعة أو أكثر. خلال وجودنا في المرفأ، كانت تزورنا باستمرار جهات مختلفة للتأكد من الاجازات. كأن هناك دائماً خوفاً من أن يجري فضح أحدهم. لنأخذ مشاهد الأبقار. صوّرتها مرة، خلال مرحلة البحث، لكني لم اكن راضياً عن النتيجة. حين اردتُ تصوير الأبقار مرة ثانية لم يُسمح لي بذلك. جلسنا يوماً كاملاً مع فريق العمل أمام باخرة الأبقار وأجرينا العديد من الاتصالات، وبرغم ذلك لم نستطع التصوير. لماذا؟ ربما لأن التجار لا يتّبعون المعايير الدولية لشحن المواشي".   

 المونتاج

"عندما أعمل على مونتاج فيلم لمخرج آخر (حالياً أعمل على فيلم جود سعيد "صديقي الأخير") أصير جزءاً منه وأتبنّاه. تنشأ علاقة بيني وبين المخرج قوامها الكثير من الكلام. الفرق بين أن أعمل في فيلم لي وأعمل في فيلم لشخص آخر، ان علاقة قوية تربطني بالأشخاص في افلامي، لا سيما اذا كانوا مقربين مني. هناك دائماً خيط ألحقه خلال المونتاج. اشتغل على التفاصيل والايقاع والاحساس، الخ. وبما ان طبيعة "الحوض الخامس" أكثر تشعباً من "سمعان بالضيعة"، كانت هناك اعادة كتابة حقيقية على طاولة المونتاج. لكن الخط المرسوم سابقاً بقي هو هو، مع بعض التغييرات. في النهاية، المونتاج هو اخراج جديد للفيلم وكتابة جديدة له، وخصوصاً في الوثائقي. في فيلمي هذا، كان هناك جوجلة حقيقية للكتابة الفيلمية". 

 الرقابة

"الرقابة موجودة حتى في غياب الرقابة الرسمية. لم أمنتج "الحوض الخامس" وحدي. شاركتني فيه كارين ضومط. كان هناك نقاش مستمر بيننا، ولم أتعامل معها على انها يجب أن تنفذ ما اريده. هذا ايضاً نوع آخر من الرقابة. لم اذعن للرقابة الذاتية: عندما تطاول مقص الرقيب على "سمعان"، خضنا شبه معركة مع الرقابة. سعينا الى إلغاء هذا الشيء، لذا اذا دخلنا في الرقابة الذاتية، فهذا يعني اننا أمام مشكلة فعلية على صعيد مجتمع بأكمله. لكن بمعزل عن هذا، ليست كل الرقابة خارجية، هناك أشياء تفرضها على نفسك، انطلاقاً من أسئلة تطرحها: هل من الاخلاقي أن اظهر هذا الشيء أم لا؟ تستنفر الرقابة الذاتية في حالات معينة: مثلاً، عندما يكون كلام الشخص مسيئاً في حق شخص آخر". 

الحرب

"من حقّ الناس الا يرغبوا في أن يسمعوا عن الحرب ويشاهدوا افلاماً عنها. مثلما من حقي أن أحكي عن هذه الحرب واصنع افلاماً عنها. لكلٍّ الحقّ في ان يحكي، ولكلٍّ الحق في ان يمتنع عن الكلام. ولكن في لبنان، عندما تقرر انجاز عمل فني أو أدبي، انطلاقاً من المجتمع، لا بدّ ان تصطدم بالحرب الأهلية في مكان ما. هذه الحرب لا تزال مقيمة في ذاكرتنا، ولا مهرب منها. لا اعتقد أن افلامي عن الحرب، بل هي افلام عن الحاضر وتأثير ذاكرتنا في هذا الحاضر. الحرب الأهلية جزء من هذه الذاكرة، ولا يمكن التغاضي عنها. في "سمعان" الحرب كانت العلاقة المباشرة مع الموضوع، لأن القرية كانت مهدمة. ولكن في "الحوض الخامس" نرى ايضاً بيروت ما قبل الستينات وصولاً الى بيروت التي أعيد إعمارها". 
 hauvick.habechian@annahar.com.lb

(¶) يُعرض في "متروبوليس" في اطار برنامج "دفاتر يومية"، يومياً الساعة 20:00

 

نواف الجناحي يروي بداياته:

لا أحد يمكن أن يتخيل مدى قسوة الوضع الذي عشناه

هـ. ح. - دبي

كيف يمكن تكوين ثقافة سينمائية لدى الباحث عنها في بلد مثل الامارات، حيث الأفلام المعروضة محصورة في أفلام تجارية، وتكاد تقتصر على الأفلام الهوليوودية والهندية والمصرية فقط؟ كيف تُكتشف السينما في مثل هذه البيئة، عندما يكون المرء مراهقاً في نهاية الثمانينات؟ حملنا هذه الأسئلة وذهبنا الى المخرج الاماراتي نواف الجناحي ("الدائرة"، 2009)، الذي أخرج أخيراً "ظل البحر"، شريط تدور حوادثه في مدينة رأس الخيمة حيث غياب تام لبهرجة المدن الكبرى.

- كيف اكتشفتها بالمعنى الرغبوي؟ هذا السؤال يفرض عليّ العودة الى طفولتي. أنا بدأتُ ممثلاً. كنتُ في السابعة عندما بدأتُ العمل مع والدي الراحل، الذي كان مخرجاً وكاتباً وممثلاً. فكرة الفنّ عموماً تشكلت في تلك المرحلة من حياتي. السؤال قد يكون مهماً، لأن شغل الوالد آنذاك، لم يكن تحديداً على علاقة بالسينما، انما كان اقرب الى المسرح والتلفزيون والاذاعة. شخصياً، كنتُ احبّ كثيراً مشاهدة الأفلام من مختلف الجنسيات: أجنبية، مصرية، هندية. كنتُ دائم الاهتمام وبشكل خاص، بمسألة كيف يُمكن الحكاية أن تحكى بالكاميرا. هذه المعادلة داعبتني منذ صغري. كان يجذبني ايضاً ما خلف الكاميرا: ما الذي يحدث في كواليس صناعة الفيلم كي نرى ما نراه على الشاشة

§         ما الأفلام التي كنت تشاهدها آنذاك؟

- عندما كنتُ في العاشرة او الثانية عشرة، لم يكن مهماً عندي معرفة مَن هو مخرج الفيلم أو ممثلوه. ما إن يُعرض هذا الفيلم أو ذاك في التلفزيون، حتى تراني أجلس أمامه واتفرج. كنتُ أتابع أيضاً برامج تُظهر الكواليس والـ"مايكينغ أوف"، الخ. بعد قليل، بدأتُ أشعر بأني حتى لو كنتُ أحبّ التمثيل، فعقلي كان أكثر انشغالاً بفكرة الاخراج، فصرتُ أهتم بالتقنيات والصنعة. في الرابعة عشرة، قررتُ أخيراً: هذه هي المهنة التي اريد مزاولتها. في غضون ذلك، تكثفت المشاهدات. خلال العطل المدرسية، كنتُ اذهب لاستئجار أفلام الفيديو بالقرب من منزلي. أتكلم عن أيام الـ"في أيتش أس". يومياً، كنتُ ازور المحل وأستعير ثمانية أفلام. كان صاحب المحل يندهش لأنه لم يكن يحقّ لي، بحسب العقد، ان استعير أكثر من فيلم واحد. كنت اقنعه بأنني سأشاهدها كلها في يوم واحد واعيدها إليه في اليوم التالي. هكذا شاهدتُ الكثير الكثير. حتى الأنواع لم تكن مهمة: اكشن، كوميديا، دراما... كنت استهلك ما يقع بين يديّ. هذا كلّه قرّبني أكثر الى الحالة البصرية ومسألة التقاط الحكاية بالكاميرا. اتخذتُ قراري في أن أدرس السينما، وهذا ما حصل

§         ماذا عن فترة الوعي؟ من هم السينمائيون الذين مهّدوا لك الطريق؟

ــــ حتى لحظة تخرجي من الثانوية، كانت الرغبة هي المسيطرة عليّ. يمكن ان تضيف اليها الحالة الوجدانية لحبّ السينما. لكن، المرحلة الفكرية أو العقلية، أو الوعي بماهية السينما وليس فقط حبها، تشكلا عندما ذهبتُ لدارسة السينما في أميركا. هناك، تعرفنا الى كل المدارس السينمائية، شرّحنا الكلاسيكيات تشريحاً دقيقاً، لقطة لقطة. وتعمقنا فيها فلسفياً ونقدياً وابداعياً وفنياً. هذا ما خلق عندي حالة من التوازن، وربط بين شغفي بالسينما والاحتراف الذي كنت اسعى اليه. عندما عدتُ للمرة الاولى من أميركا للاجازة، ورحتُ اشاهد الأفلام، فجأةً صرت اشاهدها من منظور مختلف وبعين أخرى. بدأتُ أشرّح وأحلل أوتوماتيكياً ومن دون أن أفكر. هذه الفكرة ــ وأنا أعتبرها لعنة ــ صارت ميكانيكية، بحيث أنه ينبغي لك أن تستمتع بالقصة، ولكن في الحين نفسه عليك ايضاً أن تكون على قدر من الوعي بالنحو الذي يُصنع فيه الفيلم. صرتُ اتابع الأفلام بعين الصانع. المعهد فتح لي الباب لاستقبال هذا الكمّ من المعلومات التي ما كان من الممكن تحصيلها هنا في الامارات، اذ لم يكن في ذلك الحين من معاهد وكتب. لم يكن هناك أي شيء

§     كيف كانت الحال الثقافية المرتبطة بالسينما آنذاك؟ نحن نعلم أن المهرجانات في الامارات حديثة العهد، اذ بدأت مع "مسابقة أفلام من الامارات" في بداية سنوات الألفين. في معظم البلدان العربية، كان هناك ما يسمّى نوادي السينما، تلتف حولها الشلل التي تتحول شيئاً فشيئاً نواة للحركة السينمائية، كتابة وصناعة. هذه الحركة كانت شبه معدومة في الامارات...

ـــ لا أحد يمكن ان يتخيل مدى قسوة الوضع الا الذين عاشوه من قرب. اتكلم من وجهة نظر سينمائية فقط. لم يكن هناك اي شيء يربطك بالسينما الا دور العرض التجارية التي لم تكن تستقبل الا الأفلام الهندية والمصرية والأميركية. كان هناك في ابو ظبي المجمع الثقافي الذي كان يعرض فيلماً مغايراً مرة كل اسبوع، ولكن لم تسلط عليه الأضواء بشكل كافٍ، ولم يكن تأثيره في المجتمع كبيراً. ما إن عدت من أميركا الى الامارات فور الانتهاء من دراستي، حتى أردتُ العودة اليها مجدداً: شعرتُ بأنني وحيد. شعرتُ بأنني في صحراء قاحلة. أين أنجز فيلماً؟ واذا انجزته، فأين أعرضه؟ لم يكن هناك شيء اسمه فيلم قصير. لم يكن هناك شيء اسمه سينمائي اماراتي. عندما ترد هاتين الكلمتين على لسانك، كانوا يسألونك: ماذا يعني سينمائي اماراتي؟ نحن في الامارات سننجز الأفلام؟ 

عام 2001، مع مسعود امرالله وعلي الجابري، جاءت الى بالنا فكرة بسيطة جداً. قلنا لأنفسنا "دعونا لا نحلم بما لا نستطيع انجازه ولنتسلق السلالم درجة درجة". فكرنا في أن نجمع افلاماً صُنعت بأيادٍ اماراتية. لم يكن مهماً نوعها ولا تاريخ صنعها ولا اذا كانت طالبية أو محترفة. كان المهم تجميع كل الانتاج وعرضه في احتفالية تعريفية. كان الهدف منها القول: أيها المجتمع الاماراتي، اذا لم تكن على علم بأن هناك سينمائيين اماراتيين، فها هنا سينمائيون اماراتيون. انذاك، تمكنا من جمع 58 فيلماً وعرضناها في المجمع الثقافي في ابو ظبي، على مدار ثلاثة أيام، واثناء معرض أبو ظبي للكتاب الدولي. للأسف، لم يكن الاقبال جيداً؛ كان هذا شيئاً جديداً على المجتمع الاماراتي. كنا نحاول ادخال الجمهور الى صالة تحتوي على ألف كرسي.

§         ولكن، ما الدور الذي اضطلعت به الانترنت في صناعة الثقافة السينمائية في الامارات؟

ــــ كلنا مررنا عبر الانترنت واستعنّا بها لمشاهدة ما لم يكن متاحاً في السوق الاماراتية. كنا نبحث هنا وهناك ونسمع المقترحات. طبعاً، كنا نبتاع الأفلام عبر موقع "أمازون دوت كوم"، وكنا نُمرّها بعضنا الى البعض الآخر. فجأة، تحول الشغف الحسي والعاطفي الى حركة صناعة ومشاهدات وكلام. هذه كانت الولادة الحقيقية

§     ولكن ما الأسماء الكبيرة أو التيارات أو المدارس السينمائية التي أثرت فيك، مثلما أثرت أيضاً في العديد من السينمائيين حول العالم، وصنعت نواف الجناحي الذي أمامي الان؟

- هناك الكثير. وفي كل مرة أسأل سؤالاً من هذا النوع، أشعر ان الجواب سيكون ظالماً. التأثيرات كثيرة وكل شيء يؤثر فيّ. لا أحبّ أن أختصر الحكاية في فيلم أو مدرسة أو شخص. لأن هناك ظلماً في حق الآخرين الكثر الذين مارسوا تأثيرات جمة في وجداني. لكن يُمكن أن أقول مثلاً انني اشعر نفسي على مسافة قريبة من الحسّ الروسي في العمل السينمائي

§         تاركوفسكي؟

- (ضحك). تاركوفسكي من الأشخاص المهمين جداً بالنسبة إليَّ. لكن، مثلما تأثرتُ بالسينما الروسية، تأثرتُ كذلك بالسينما الأميركية والايطالية وبجانب في السينما المصرية. المهم هي الأفلام التي تُنتج بناء على هذه المحصلة كلها، بعيداً من الاختصارات

النهار اللبنانية في

10/05/2012

 

فيلمه الأول «سمعان بالضيعة» لا يُقارَن بفيلمه الثاني الذي هو اختبار مختلف

سيمون الهبر: «الحوض الخامس» عن بيروت أكثر مما هو عن المرفأ

أجرى الحوار: نديم جرجوره  

يستمرّ المخرج الوثائقي اللبناني سيمون الهبر في الحفر عميقاً في بنية الكيان اللبناني، باستدعائه حكايات فردية مرتبطة بذاكرة أناس ومجتمع وبلد. في العام 2008، حقّق «سمعان بالضيعة» مع عمّه، العائد إلى قرية «عين الحلزون» بعد أعوام مديدة على تهجير أبنائها أثناء «حرب الجبل» في مطلع ثمانينيات القرن الفائت، والمقيم الوحيد فيها لغاية اليوم. في هذا الفيلم، فكّك الهبر الآنيّ، في رحلة العودة إلى ذاكرة الحرب والتهجير والتمزّق الإنساني والقصص الذاتية. في العام الفائت، أنجز «الحوض الخامس»، مرافقاً والده هذه المرّة في رحلة إلى الماضي أيضاً، عبر راهن مدينة أطلّ عليها من خلال مرفئها البحريّ.

الاختبار الشخصي

شكّل «سمعان بالضيعة» لحظة سينمائية وثائقية متماسكة الأدوات التعبيرية، تصويراً وتوليفاً ومضموناً مفتوحاً على بؤس الحالة اللبنانية. وتابع «الحوض الخامس» المشروع السينمائي للهبر، وإن بشكل مختلف في ترجمة الحكايات الفردية إلى صُوَر سينمائية: «عندما يريد المرء أن يفعل شيئاً ذاهباً به إلى العمق، لا مجال له إلاّ أن ينطلق من تجربة شخصية»، كما قال. أضاف أن «هذا يسمح له بالغوص في قصص يعرفها، وباكتشاف أشياء جديدة. عليه الانطلاق من قاعدة يستطيع السيطرة عليها، بحدّ أدنى على الأقلّ. من هذا المنطلق، أنجزت «سمعان بالضيعة». مع «الحوض الخامس»، حاولت في البداية الهرب من قصّةٍ مع أبي. الفكرة مرتبطة بسائقي الشاحنات في المرفأ، لمعرفتي بهم. صغيراً، كنتُ أذهب مع أبي في الشاحنة إلى هناك، ما أكسبني معرفة بهم سمحت لي بالتعمّق معهم كأشخاص. أثناء تطوير المشروع، لاحقني طيف أبي، إلى درجة جعلتني أشعر أني أهرب من شيء موجود معي دائماً، وأني إذا استمرّيت في الهرب، فإنّي سأهرب من الفيلم الذي أريد إنجازه. قبل أسابيع قليلة على بدء التصوير، قرّرت مواجهة نفسي، ومواجهة أبي. لكن، في بداية التصوير، كنتُ لا أزال في مرحلة إنكار وجود أبي. صوّرته في المستشفى. أردتُه أن يحضر في الفيلم بأدنى حدّ ممكن. لكن، بعد أربعة أيام من التصوير، شعرتُ أني لن أنصفه إذا أظهرته رجلاً مريضاً فقط. صحيح أنه رجل مريض، لكنه غير مستسلم، ولديه مشاريع يريد تحقيقها. شعرتُ أنه ظُلِم، وأن أشياء كثيرة أحَبَّ قولها سأفقدها إذا اكتفيتُ بتصويره في المستشفى». 

يمكن القول إن هذين الفيلمين «مع» عمّه وأبيه، وليس «عن» عمّه وأبيه: «قبل عودة عمّي إلى الضيعة، أحببتُ إنجاز شيء ما عن الموضوع. ليس عن حرب الجبل بحدّ ذاتها، تلك التي لم يُحكى عنها سابقاً. بل لأني أراها نموذجاً دقيقاً وواضحاً جداً عن الحرب اللبنانية كلّها. نموذجاً عن علاقة المجتمع بالذاكرة. أنا قادم من ضيعة «عين الحلزون» (قضاء عالية)، التي تهجّر أهلها منها وأنا في الثامنة من عمري. الذاكرة غير واضحة تماماً. هناك صورة مبهمة وجميلة ومثالية. أثناء الحرب، كانت لقاءات الأهل وأفراد العائلة مناسبة لتذكّر الضيعة، متحدّثين عن العودة إليها. كنتُ أشعر بأن نهاية الحرب ستُعيدهم إلى هناك. لكن هذا لم يحدث. في العام 2005، بدأتُ العمل على الفيلم الأول، ولم يعد أحد منهم إلى الضيعة. مع هذا، لم أعثر على المدخل السينمائي. لم تكن لديّ الخبرة أو النضوج الكافي. بعد خمسة أعوام على عودة عمّي إلى الضيعة، امتلكت خبرة. عندما عاد، فكّرت أنها عودة لمدّة قصيرة. وعندما تأكّد بقاؤه فيها، عثرت على عامل سينمائي أتناول عبره الفكرة السابقة (الذاكرة والعلاقة بها). هكذا قررتُ اتّخاذه محوراً للفيلم: شخصية كاريزماتية ومهضومة، بالإضافة إلى قصّة خام، تشبه القصص العامة في البلد. الديكور بحدّ ذاته سينمائي. اكتملت العوامل السينمائية، وبَقِي عليّ كيفية جمعها، وخلق صلة وصل بين القصص كلّها لصنع الفيلم».

تدفع مشاهدة «الحوض الخامس» إلى إقامة مقارنة بينه وبين «سمعان بالضيعة» بمستوياته كلّها: «قليلون همّ الذين شاهدوا «الحوض الخامس» فور انتهائي من تحقيقه. جاء هؤلاء لمشاهدته، حاملين معهم «سمعان بالضيعة». للأسف الشديد، ورث «الحوض الخامس» نجاح الفيلم الأول. أتخيّل أن هذا سيكون ضده في مطارح كثيرة. هناك من أقام مقارنة بين الفيلمين، قائلاً إن الأول أفضل. المقارنة موجودة. لكن بالنسبة إليّ، الفيلمان لا يُقارَنان. المشترك الوحيد بينهما هو المخرج. ربما طريقة التصوير والمونتاج أيضاً، لأني أشعر بالطريقة نفسها. ثلاثة أعوام مرّت بين الفيلمين. لم أتطوّر كثيراً للابتعاد عن بداياتي، ولديّ مشوار طويل لأثبت نفسي كمخرج. في «الحوض الخامس»، طريقة العمل مختلفة، من الإخراج إلى التوليف. والتحضيرات أيضاً: بالنسبة إلى الفيلم الأول، كتبتُ قصّته كلّها. حدّدت ما سأصوِّره. وضعت الحوارات مع عمّي والآخرين. حضّرت كل شيء. في الفيلم الثاني، الوضع مختلف. طريقة التحضير والتصوير والمونتاج كلّها مختلفة. قصدتُ أن يكون المشروع الثاني اختباراً مختلفاً عن الأول. رسمتُ خطاً لأمشي عليه، لكنه لم يكن ثابتاً أو واضحاً تماماً. خلال فترة الإنتاج، كان كل شيء يحدث بالتفاعل مع العوامل الموجودة بين يديّ. بهذا المعنى، أشعر أنه لا يمكن المقارنة بين الفيلمين تماماً». أضاف الهبر: «أثناء تحضير «الحوض الخامس» تساءلت عمّا إذا كان هذا المشروع ردّة فعل على «سمعان بالضيعة»، أم طريقة عمل مختلفة؟ حاولتُ ألا أجعل «سمعان بالضيعة» مرجعية. أفهم أن هذا صعبٌ بالنسبة إلى المُشاهد. بالنسبة إليّ، حاولتُ فعلياً ألا ينوجد «سمعان بالضيعة» في «الحوض الخامس». كنتُ أعرف أني سأقع في مطبّ كهذا. كنتُ أعرف أن في «الحوض الخامس» مجازفة، خصوصاً في هذه المرحلة من مسيرتي المهنية، في هذه الخطوة التالية لـ«سمعان بالضيعة»، بعد أن بات لي اسم، وأقولها من دون أنانية. فبعد «سمعان بالضيعة»، صرتُ مخرجاً مؤلّفاً». 

ترابط

من ناحية أخرى، لم يوافق سيمون الهبر على فكرة مفادها أن في فيلمه الثاني قصصاً كثيرة غير مترابطة بعضها مع البعض الآخر: «ربما تأخّرَتْ لحظة ظهور الترابط، لكن الترابط قوي جداً. في الفيلم خطّان: المرفأ والأب. سار الخطّان بشكل متوازٍ، ثم التقيا لاحقاً، وبعد اللقاء سارا بشكل متوازٍ لكن عن قرب أكثر هذه المرّة. روى سائقو الشاحنات خبريات عنهم، وعن مناخ المرفأ، وعن المشاعر. تحدّثوا عمّا قبل الحرب، وعن فترتها، وعمّا بعدها. كانت لديهم خبريات يجب أن تصل. هذه الشخصيات مركّبة كجزء من شخصية أكبر هي المرفأ. مع هذا، اتّكلت على قوّة شخصية الأب في الفيلم، تلك الشخصية التي ينتظرها المشاهدون، وينتظرون عودتها. هناك نوع من فراغ بين ظهوري الأب في المسار الدرامي. ربما يعتبره المشاهدون فراغاً. برأيي، هذا الفراغ ليس طويلاً. إذا أحبّوا الشخصية، فإنهم ينتظرونها. ويحبّون عودتها». وردّاً على سؤال كيفية اختياره شخصيات «الحوض الخامس»، قال الهبر إنه اختار الأفراد انطلاقاً من معرفته الشخصية بهم، ومعرفة أن هذا الشخص سيروي هذه الحكاية، وأن شخصاً آخر سيروي حكاية أخرى يريدها هو: «كنتُ أبحث عن شخصية وليس عن شخص. عن شخصية تروي القصص من منطلق شخصي بحت، لا أن تروي على طريقة «ابن البلد» و«لبنان أحلى بلد»... إلخ. همّي كامنٌ في أن يروي هذا الشخص كيفية نزوله إلى المرفأ في الستينيات مثلاً، وماذا فعل عند وصوله. التفاصيل التي تجمعها لاحقاً، تعطيك صورة عن المدينة. كنتُ أبحث عن الرابط بين المدينة والمرفأ. بالنسبة إليّ، هذا فيلم عن بيروت أكثر مما هو عن المرفأ. لهذا بحثت عن أشخاص يستطيعون ربط المدينة بالمرفأ، لأن لديهم خبريات أريدها. هناك كثيرون قالوا لي إن لديهم قصصا يرغبون في سردها. لكنّي أردت أناساً يروون القصص بطريقة حكواتية جميلة. من المهم جداً إظهار الرابط بين المدينة والمرفأ من خلال خبريات هؤلاء الناس، ومن خلال الصُوَر أيضاً».

يبدأ بعد ظهر اليوم العرض التجاري لـ«الحوض الخامس» في صالة «سينما متروبوليس» في «أمبير صوفيل» (الأشرفية)، في إطار «دفاتر يومية: شهر السينما اللبنانية»، لغاية 24 أيار الجاري، في أربع حفلات يومية: 2,30 و5،30 بعد الظهر، و8 مساء و10,30 ليلاً.

السفير اللبنانية في

10/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)