حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

محمّد خان: يعني إيه ممنوع؟

هوفيك حبشيان- دبي

 

في مطلع الشهر الماضي، حلّ محمّد خان ضيفاً على مهرجان الخليج السينمائي الخامس بصفته أحد الأعضاء الذين أشرفوا على سوق سيناريو الأفلام الخليجية القصيرة. لكون المهرجان يجري في مول وفندق، الواحد قريب من الآخر مسافة أمتار، كانت هذه فرصة لحديث متعدد الجلسات مع مخرج "زوجة رجل مهم" (1988)، الذي يستعد حالياً لفيلم جديد اسمه "فتاة المصنع"، بعدما اعطي منحة من وزارة الثقافة المصرية لدعم انتاجه.

كانت اللقاءات المتكررة تحصل مصادفة، وغالباً ما كان النقاش يدور على السينما، تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، خصوصاً ان خان، البالغ السبعين، بئر معلومات في هذا المجال، يحلو الارتواء منه. وهو، خلافاً لكثر من المخرجين الذين يتبدد شغفهم مع مرور الزمن، لا يزال مشاهداً نهماً ومتابعاً رصيناً للحركة السينمائية حول العالم؛ نراه يشارك في الندوات ويحضر الأفلام ويشدّ على أيدي الأجيال الصاعدة

كان في بالي أسئلة متحيزة أريد أن اطرحها على خان، كلها من وحي الراهن ومما تعيشه مصر اليوم من تعصب وعداء للسينما، بعدما وقعت بين أيدي مجموعة مرتهنين لأفكار أكل عليها الدهر وشرب. اخبرني انه قلق تجاه ما يحدث الآن، لكن قلقه تجاه المستقبل: "حتى لو حاولوا محو افلامي الماضية، فهي في النهاية أفلام عُرضت والناس شاهدوا هذه الافلام. لحسن الحظّ هناك التكنولوجيا التي تحتفظ بذاكرتنا الى الأبد. في مصر، الرقابة كانت دائماً موجودة، لكن كنا نعرف كيف نتحايل عليها. هذه الرقابة جعلت تنمّي فينا رقيباً داخلياً. لكن الرقابة الدينية أكثر تخلفاً من الرقابة المدنية. نحن في صدد العودة الى الوراء مئات السنوات! الرقابة الدينية مبنية على غسل الدماغ. وهي تتبنى قاعدة "تولدت كدة وتبقى كدة"، وليس لك الحقّ في أن تفكر. يعني أنا مثلاً، الذي ولدتُ مسلماً، لطالما اردتُ أن يتم حرق جثتي عندما أموت. لكن في الاسلام، هذا ممنوع. يعني ايه ممنوع؟، هذا جسمي انا يا أخي. هذا شيء غير معقول. هذه من الأشياء التي تجعلك لا تصدّق. مبدأ العلاقة بينك وبين الربّ، هذا اذا كان الربّ موجوداً، شيء خاص جداً". 

سألتُ خان: ما رأيك بالسينمائيين المصريين الذين يتواصلون مع الجمهور من خلال شبكات التواصل الاجتماعي لقول أفكارهم السياسية بلا لفّ ودوران؟ أجاب ان معظمهم يستعمل هذه الأداة كردّ فعل على الحوادث في مصر. هؤلاء لا يتكلمون عن السينما وتصريحاتهم غير مرتبطة حتى بأعمالهم. واذا كان الخوف ملموساً بشكل أو بآخر في كلام خان، فلا خوف عنده أن يحلّ هذا التواصل المباشر بين السينمائي والمتلقي مكان السينما. "الفيلم هو الفيلم، الشاشة هي الشاشة، لا يمكن استبدالهما"، يعلن مذكّراً بأن الكومبيوتر شاشة الكترونية مزدحمة، الواحد منا لا يعرف مَن يخرج منه ومَن يدخله. بالنسبة اليه، أتاح الـ"فايسبوك" للناس أن يتواصلوا بعضهم مع البعض الآخر، ووصلت ذروة أهميته خلال الثورة المصرية

النتّ، هو الوسيط الذي استُخدم ايضاً لتحريك قضية خان وتنظيم حملة للمطالبة بمنحه الجنسية المصرية، برغم انه ولد في أرض الفراعنة وانجز أبرز افلام آخر ثلاثة عقود في السينما المصرية. عندما تمّ تحريك هذه القضية، قلتُ في نفسي: ما حاجة محمد خان لهذه الورقة، ما دام الوطن الذي يقيم فيه هو السينما. عندما صارحته بتلك الفكرة، قال: "طلبتُ الجنسية لأنني كنتُ اعاني من حالات معينة. كان هناك مهانة: مصر بلدي ومولود فيها وعلى الرغم من ذلك، كان عليّ أن أعلّم أولادي كأنهم "خواجات" (أجانب) وأدفع نفقة تعليمهم بالدولار. لكن، انا لا أعتقد ان الوطن هو الأرض. الوطن هو الناس. اذا شعرتُ ان الناس يرفضونني، فأعتبر ان المكان الذي أقيم فيه ليس وطني. لا اعرف ماذا كنتُ فعلتُ في مثل هذه الحالة، لا اعرف اذا كنتُ بقيتُ أو غادرتُ، لكن بالتأكيد سأكون مدركاً أن هذا ليس وطني. انما ايه حكاية الأرض دي؟"... 

هل تستفزه عبارة "تراب الوطن" مثلما تستفز كثراً ممن يعتبرون أنفسهم "مواطنين من العالم"؟: "آه، طبعاً. يمكن عشان أنا بزرميط: أب اصله من الهند وعاش في باكستان ودرس في انكلترا وجاء الى مصر وتزوج أمي، الايطالية المولودة في مصر. أنا الآن لا املك الا الجنسية الانكليزية. لكن، لم أذهب يوماً الى بلد لأقول لأصحابه أنا انكليزي. انا مصري والأفلام التي أصنعها مصرية ايضاً". 

في المرحلة الأخيرة، وبحكم الأوضاع، بات يُسأل باستمرار: "ألن تنجز فيلماً عن الثورة؟". لا يخفي خان ان لديه أفكاراً لكنها غير ناضجة بعد. الأفلام التي شاهدها عن الثورة، تكمن أهميتها عنده في انها توثّق لمرحلة. ليس ضد أفلام كثيرة تناولت الثورة، ايجاباً أم سلباً، لكنه ضدّ أفلام تبدي رأياً ما في قضية ما، وخصوصاً في مرحلة مبكرة. "أعتقد أن هذه الثورة لم تكتمل. لذا، لا نستطيع أن نخرج بأحكام بهذه السرعة". 

محمّد خان يقولها بصراحة: "لا أجد نفسي جاهزاً لإنجاز شيء عن الثورة". لكن هل يمكن انجاز فيلم اليوم، مهما يكن نوعه، بغض النظر عن كل ما يحصل من حولنا، وكأن السينمائي يعيش في بلد آخر؟: "كويس السؤال ده. اعمل الآن على حكاية فتاة تعمل في مصنع بحيث تظهر البيئة التي تقيم فيها هذه الفتاة. وكي يكون للفيلم صدقية، اخترتُ مثلاً ان تجري الحوادث في زمننا الحالي وليس في الاربعينات. واخترتُ الزمن الحالي لأن هناك ثورة. علماً ان الناس الذين في الفيلم ليس لهم علاقة بالثورة. لكن الأجواء ثورية. لا اتكلم عن الثورة بقدر ما أتكلم وأقول ان هناك ثورة". بعد تفكير، يتذكر خان أن الفكرة دائماً تأتيه من حالة يلتقطها من حوله. لكن نظرته دائماً اجتماعية: "استطيع ان اقول انني اشتراكي غصباً عني. من دون فلسفة أو فذلكة. لا اعتقد أن هناك فناناً حقيقياً ليس اشتراكياً". 

وليد العوضي يلعب بالنار ويحرق أصابعه

هـ. ح.

بين ان ندين التطرف شفهياً، ببلاغة لغوية مقنعة، وأن نبعث في الجسد الميت لهذه الادانة روحاً وصوراً فيها مقدار عالٍ من الصدقية، هناك فرقٌ كبير، يشبه ربما الفرق بين صخب الموقف وصمت الابداع. المخرج الكويتي وليد العوضي، الذي اطلعنا على سرّ كبير من أسرار الوجود عندما قال ان "الحبّ شيء جميل والكراهية شيء بغيض"، لدى عرض "تورا بورا" في افتتاح مهرجان الخليج الخامس، أخرج باكورته الروائية هذه وفق هذا المنطق. لكن لسوء حظه وحظنا، النفَس التلقيني يتعرض للهلاك، وهو أحياناً ينتهي بلحظات طويلة قبل انتهاء الفيلم. مَن منا يجهل قصة الأخرق الذي لا يعرف كيفية استخدام المسدس، فيغتال نفسه، في لحظة حماسة زائدة. يطلق الرصاصة في الاتجاه الخطأ: وها اننا متورطون بجثة اضافية!  

نحن في مواجهة محطات من تاريخنا، من شأن استعادتها أن الأبدان تقشعر والضمائر تستنفر: "طالبان"، بزنس الدين، سفك دماء في سبيل الله، الخ. اذاً، نحن أمام كل تلك الأشياء التي صنعت سنوات الألفين ولا تزال تصنع أيامنا هذه، سواء بالمهزلة أم بالمأساة. لكن طرحها من جانب العوضي بدلاً من أن يثير فينا القلق، يخدّره، فشعورنا ازاءها ينتقل بلا استئذان من اللامبالاة في ابسط الأحوال، الى السخرية في اقصاها

خيوط القصة المحبوكة على نحو لا يسهل التعاطف معها، هي طامة الفيلم الكبرى: رجل كويتي (سعد الفرج) وزوجته (أسمهان توفيق) يصلان الى مدينة في افغانستان، على أمل المغادرة من هناك الى الحدود الأفغانية ــ الباكستانية، حيث الجبال التي تؤوي ابنهما أحمد الذي انضم الى صفوف المجاهدين الأفغان. سنرافق رحلة الوالدين الى المحطة الأخيرة، حتى خروجهما من تورا بورا بالطوافة، اذ يبدو أن الحلّ الوحيد في هذه المنطقة المنكوبة افقيّ وليس عموديّاً: الهرب صعوداً الى السماء. وطبعاً، كما في كلّ أفلام المغامرات، لن يسلم مسارهما من الأخطار والسجن والتعذيب.

على امتداد هذا كله، ينقل الفيلم واقعين: سعي الوالدين الى انقاذ الابن من براثن الاصولية القمعية والمجرمة، وعملية غسل الدماغ التي يتعرض لها الأخير على يد جماعة الجهاد التي لا تتوانى عن ترهيب الناس واهانتهم والتنكيل بهم. بغض النظر عن الكيفية التي تُنقل فيها هذه المغامرة عبر الجبال والوديان، هناك امران نافران في الفيلم، لا يرتقيان الى مستوى العقل السليم: فأحمد الذي يستعد للقيام بعملية انتحارية ضد القوات الأميركية، يكتشف فجأة ان رؤساءه (يُختصران بمغربيين "يعلِكان" بضع كلمات بعربية ثقيلة حول خطر "الأمريكان والصهاينة")، يريدون ارساله الى عملية تفجير تستهدف مدرسة وليس قاعدة عسكرية. لا نعرف كيف صار أحمد مدركاً لهذه المعلومة وهو حبيس جدران اربعة. ولا شيء يؤكد ايضاً أن ارهابياً يتلقى تعليماً مثل الذي تلقاه ليصبح مدججاً بإيديولوجيا الشهادة ومشبعاً بها حتى في أصغر خلية من خلايا عقله، يهمّه كثيراً معرفة ما اذا كان الذين سيستهدفهم من المدنيين أم الجنود!

كلما اقترب الفيلم من مثواه الأخير، تداخل الحابل بالنابل، والملتحي بالحليق، والقبائل البشتونية بالـ"طالبان" وبأولئك "العرب الأفغان" المشبعين بالفكر الجهادي، والى ما هنالك من شخصيات لا يعود الواحد منا يميز أحدهم عن الآخر، الا من خلال اللكنة العربية المغايرة: هذا كويتي، هذا فلسطيني، هذا مغربي. الممثل يسرق الدور. العوضي لا يخشى أن يتحول مادة تهكم، وهذا يُحسب لمصلحته، ولا يخاف من رمينا في المعمعة، بقدر ما يحرص على فرض كاراكتير المصور الفلسطيني (قيس ناشف)، الذي يتسكع في ديكورات ورززات المغربية حيث التُقطت مشاهد الفيلم، من دون أن يعرف الكثير عما يفعله. شخصية المصور هذه، المُقحمة إقحاماً في صلب الحوادث، هي القشة التي تقصم ظهر البعير. لا يكفي أن قيس ناشف ابرة قاتلة لكل نصّ، فكيف الحال اذا كان وجوده مخرباً. لم يكن المطلوب من العوضي، صاحب أفلام وثائقية منها واحد عن 11 أيلول، أن تكون له رؤية اخراجية، انما ان ينتشل الحكاية من مفاهيمها الاخلاقية والسياسية المبسطة، فلا مهرب من هذه الحقيقة: اللعب بالنار يحرق الأصابع

"عطر امرأة" لدينو ريزي: فاوستو والنساء...

"عطر امرأة"، عام 1974، أعاد ترتيب دينو ريزي كواحد من أسياد "الكوميديا على الطريقة الايطالية"، حتى وإن لم يكن ممكناً اعتباره ذروة ما جسده هذا التيار السينمائي العتيد. فأولاً، هذا من الأعمال التي راهنت على اللبس وتشابك الجانرات السينمائية، وليس فقط على الانتقال النمطي والمفاجئ من الدمعة الى الابتسامة، والعكس. حدّ انه أرغم ريزي على تحريف المسمّى الذي عرف به التيار، فصار: "تراجيديا على الطريقة الايطالية". لذا، فالفيلم أبعد من التيار الشهير. فيتوريو غاسمان الذي يضطلع فيه بدور الرجل الاعمى فاوستو (نال عنه جائزة أفضل ممثل في مهرجان كانّ 1975)، كان يقول انه فيلم عن الوحدة وليس عن فقدان البصر. هذا القبطان الذي بات ضريراً اثر انفجار قنبلة، يرى، وينتعش من الحياة، رافضاً ان تكون اعاقته سبباً في تعاسته. وها اننا نرافقه في رحلة من تورينو الى نابولي، برفقة شاب في الثامنة عشرة، لزيارة أحد اصدقائه، الضرير ايضاً. النساء في حياته كثيرات. هناك سارا (أوغوستينا بيللي)، بيد أن بطلنا يفضل تفادي التواعد معها، لأنه يعتبر تعلقها به، وحبها غير المشروط تجاهه، بمنزلة شفقة. وقبطاننا رجل شامخ لا يرضخ للسهولة، مهما صعبت أيامه وتأزمت حالته.

على هذه القاعدة العاطفية والمعنوية، يشيّد ريزي فيلمه، السينيكي جداً. هناك مرارة يختزنها فاوستو، يعالجها بالطرافة والحسية والجنس. أكثر من عشر سنين بعد "المتبجح" (1962)، يعتمد ريزي مجدداً على غاسمان لابتكار واحدة من تلك الشخصيات التي كان يملك سرّها. لم يكن ممكناً ايجاد مَن هو أفضل منه. متعجرف، لكن ليس تعجرفه الا سعياً مبرراً للتستر على القلق الوجودي والخوف من الآتي. هنا، يذهب كلٌّ من ريزي وغاسمان الى أبعد من الفيلم السابق الذي دعونا لا ننسى ان حوادثه جرت في المرحلة التي سميت في ايطاليا بـ"المعجزة الاقتصادية". ماذا يعني أبعد؟ يعني ان الحاجة الى النساء لا تنم عن حبّ في اغوائهن، بل عن استسلام كلي ومطلق الى البهيمية. يقع فاوستو في فم الشيطان ويطبق عليه الفخّ. من هامش صغير الى هامش أعرض، نراه يمارس طقس البحث عن واحة، سراب، جنون ينقذه من العقل، رافضاً المشاعر، رافضاً الآخر

جرياً على عادته، يهتم ريزي بما يتجاوز الكادر حجماً. الأميركيون يعرّفون عن هذا بعبارة "بيغر دان لايف". فاوستو أحد تلك الوحوش التي دأب ريزي على تصويرها عام 1963 ("الوحوش")، وليس من المغالاة اذا وجدنا في اسمه إحالة على فاوست غوته. يتواطأ ريزي مع فاوستو لإبعاده من الوباء الذي يخشاه أكثر من اي شيء آخر: الشفقة. واذا كان مخرجنا الكبير لا يعرف الادانة في سينماه، فهو لا يعرف ايضاً كيف يستدر العواطف ويجذب التعاطف المجاني، لأنه يعتمد القسوة وليس البكاء. في ظلّ كل هذه التقنية التي تبتعد طوعاً عن الميلودراما ثم تقترب منها بخجل، يعرف فاوستو كيف يطرق قلب المشاهد من دون ان يشعر الأخير بأنه يتفوق عليه. لا يُمكن لأحد، وهنا يكمن ثراء الشخصية، ان يعتبر فاوستو ضريراً. فاوستو يرى، لكنه وُضع امام الامتحان الأصعب: ان يؤمن من دون ان يكون شاهداً!

(¶) Profumo di donna ــ يُعرض غداً الساعة 20:00 في "متروبوليس" في اطار استعادة "ماستروياني وغاسمان: كبيرا السينما الايطالية". 

"القطاع صفر" لنديم مشلاوي: رحلة الى الجوف

في أول عمل وثائقي له، يفاجئنا نديم مشلاوي بشريط أخّاذ، غير مساوم على القضايا التي يطرحها. "القطاع صفر" (68 د.) ليس فيلماً آخر عن الحرب وكيف نتعايش معها ونتجاوز آثارها بعد عقدين من نهايتها الرسمية. انها لحظة سينمائية قاسية بكل المعايير. المخرج الشاب يصطحبنا في رحلة الى الجوف، الى الحيز المتروك للذكريات العفنة، الى الجدران التي، ويا للأسف، ليس لها ألسنة لتبوح بما عاشته في سنوات "العار" اللبناني. الحجر الصحي، المسلخ، الدباغات. أمكنة غير مرغوبة، بقدر تجربة استحضار الماضي التي ينبذها كثر. هذه الأمكنة تقع كلها في منطقة بيروتية واحدة: الكرنتينا. يذهب اليها المخرج، وفي عينه الكثير من التساؤلات. كاميراه تتحول لسان حال يمّكنه من الاستغناء عن التعليق

هي كاميرا حاضرة وليست غائبة. لكنها كاشفة، رشيقة، مزعجة، فضولية، شاعرة. مشلاوي يعمّق اطروحته في هذا المكان وحوله. كامب شرشبوك، كامب هاجن وبيوت الصفيح الساخن. تاريخياً، الكرنتينا أوت الأكراد والأرمن والفلسطينيين، أي كل الأقليات في لبنان والشرق العربي. ضحايا النكبات أو الابادات. "المسلخ بدو غنم وبدو ناس بيشتغلوا بالسلخ والذبح. هون أكواخ تنك وخشب"، يقول صوت من أصوات الفيلم. هؤلاء أتوا اليها تجاراً ومهاجرين، منها قفزوا لاحقاً الى متن المدينة. ماذا حدث بعد ذلك، وتحديداً بعد 1975؟ كلنا نعرف الحكاية: كتائب و"فلسطينيي" والحركة الوطنية! ولكن، يبدو أن الأمكنة لا تنسى...

واحد من مراكز الثقل في الفيلم هو الشريط الصوتي: ضجيج، ذبذبات، مؤثرات الكترونية. انه شغل موحٍ وملهم، يعتمل فيه العنف والقلق والتوتر العالي. صوت فوق صوت، الخ. الصورة، هي الأخرى، تمشي على هذا المبدأ. الوانها مخففة، منزوعة الحياة، في اسلوبيتها شيء من الفيديو آرت. الـ"فلو" كثيف. كالضباب الذي يطفو على سطح الذاكرة. لا غبار على الجماليات والتقنيات. نصل الى الشهادات. هنا تبرز الاشكالية: كيف نوفي هذه المعالجة البصرية الفريدة، شبه التجريبية، حقها؟ ما العمل كي لا يبقى الكلام أقل أهمية من الصور. المتداخلون الثلاثة، اصحاب فكر وتجربة، يعطون ما في وسعهم. العالم النفساني شوقي عازوري يتكلم عن الطفل والتوتيم وقتل الأب وجريمة كترمايا من بين تيمات أخرى. يبدأ باهتاً ليتحول شيئاً فشيئاً الى دور بطولة في فيلم رعب. سواد حالك، ظلام، نصفه في الظل. هكذا يريده المخرج، هكذا سيكون

هناك ترافيلينغ بطيء على مجموعة ثقوب ضخمة في جدران موازية كأنها شاشات متداخلة، وهو ترافيلينغ قد يعتقد المرء انه سيفضي الى عازوري جالساً أمام الكاميرا. لا شي من هذا. بيد ان هناك دائماً أحساساً بأن الشخصيات في مكان ما من الصورة. فوقها أو تحتها. منوط بها تجميع قطع البازل اللبنانية عبر العصور

عندما نقول شهادات نقول زلات. "فينا نسأل ليش في بلد مثل لبنان بيحوي الغريب؟"، يقول عازوري في جملة غير مفهومة، غريبة على سياقها. في أماكن عدة، الكلام غير المتجانس مع الصور، يبطئ ايقاعها. على كل حال، في هذا الطرح يناقضه المتدخل الثاني، الكاتب والصحافي حازم صاغية يقول: "في لبنان قوة الطرد اقوى بكثير من قوة الاستقبال"، شارحاً ان حروباً خيضت للقضاء على عدو غير موجود. اما المهندس المعماري برنار خوري، فيرد المسألة الى عدم قدرة اللبنانيين على كتابة تاريخهم بأنفسهم. وفي حين ان الكثير من الأفلام تحاول الإجابة عن سؤال "لوين رايحين؟"، يفارقنا الفيلم من دون وداع، مرفوع الرأس، غير مطمئن.   

النهار اللبنانية في

03/05/2012

 

دولة اليوتيوب حرة مستقلة !

رئيس الرقابة: اليوتيوب حكم ذاتي لاسلطة عليه

ياسمين كفافي  

هل جهاز الهاتف المحمول الخاص بك مزود بكاميرا ؟ هل لديك حاسب ألي وانترنت ؟ إذن انت قادر علي اقتحام دولة اليوتيوب ذلك الموقع الذي يتيح لك تحميل اي فيلم قصير عليه ليعرض ويراه ملايين بل مليارات البشر حول العالم :دولة حرة مستقلة بلا رقيب او حسيب الا "انت" فمشاهدتك للعمل تعني استمراره وتسجيلك لرفضه يعني قرب إلغائه من اليوتيوب البعض يراه نوعا من الديمقراطية الصافية فانت صاحب حرية التحكم اعرض وقيم او احذف والبعض يراه انفلاتاً اعلامياً فكل من هب ودب يعرض ما لديه من اغان جيدة واخري هابطة من لقطات قد تحتوي علي سب وقذف او حتي ايحاءات جنسية كل شيء مباح خاصة ان القائمين علي اليوتيوب في الخارج قد لا يفهمون معني السباب العربي ورغم كل السلبيات الا اننا لايمكن ان ننكر دور اليوتيوب في اكتشاف مواهب مثل باسم يوسف والثلاثي شيكو واحمد فهمي وهشام ماجد اصحاب سمير وشهير وبهير ولكنها ايضا افرزت مهرجان" هاتي بوسة يابت" واغنية السمكة فهل اليوتيوب معمل لتفريخ المواهب ام دولة بلا رقابة ؟ ما رأي اهل الفن ورجال القانون والرقابة؟ 

الدكتور سيد خطاب رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية قال إن الانترنت بشكل عام واليوتيوب بشكل خاص لاسلطة علي المنشور فيه سواء مكتوباًًً او مصوراً من جهاز الرقابة فالبث مرتبط بالشركات الثلاث المسئولة عن الانترنت في مصر بالتنسيق مع وزارة الاتصالات حتي لو تم نسخ المادة علي اسطوانة مدمجة تظل بعيدة عن سلطة الرقابة واضاف خطاب ان اليوتيوب بشكل عام لدية رقابة داخلية!! 

منظومة جديدة 

المخرج مروان حامد قال شكل صناعة السينما تغير هناك وسائل جديدة في المشاهدة مثل اللاب توب والاي باد بدلا من دور العرض وهناك ايضا وسائل جديدة لصناعة السينما مثل كاميرا المحمول والكاميرات الشخصية بدلا من الكاميرات التقليدية بل ان هناك افلاماً تصنع خصيصا للهاتف المحمول وافلاماً مخصصة لليوتيوب وافلاماً ثلاثية الابعاد مخصصة لدور العرض المنظمومة الفنية لصناعة السينما بأكملها تغيرت تركيبتها وهذه التغيرات ستظهر مواهب لان كل شخص يملك كاميرا من حقه ان يقدم فيلماً وفي النهاية سنجد امامنا الفيلم الجيد والفيلم الردئ في النهاية عالم الانترنت سريع وتحكمه معايير المشاهدة بمعني وسط ملايين الافلام علي الانترنت ايهم سيحصد ملايين المشاهدات والرقابة تأتي من خاصية الرفض والتقرير او الريبورت التي يمنحها اليوتيوب لمشاهديه فعندما تجد عملاً غير لائق يمكنك ببساطة كتابة تقرير لماذا رفضت العمل ومع تكرار الرفض تقوم ادارة اليوتيوب بحذف الفيلم لذلك لن تجد ابدا أفلاماً اباحية علي اليوتيوب بالذات فاليوتيوب يحذف بناء علي رغبات الناس ومشاركة الرواد وليس بناء علي افكار صاحب اليوتيوب او مفاهيم الرقيب كما يحدث عندنا العملية الرقابية يحكمها رواد اليوتيوب انفسهم بدون تلاعب فالعالم بأكمله وليس العرب فقط يتفق علي مبادئ اساسية في هذا الموقع وهو تركه كمساحة ابداع وليس عرياً. 

واضاف مروان حامد انه كمخرج يمكنه ان يبحث عن وجه جديد من ممثلي اليوتيوب كما حدث مع باسم يوسف كما ان امكانات اليوتيوب الحديثة تتيح لأي شخص عمل قناة كاملة تضم اعماله التي يرغب في نشرها وهو ما يعني شهرة اكبر لصناع الفن المحترفين وليس الهواة فقط. 

الناقد الكبير د. رفيق الصبان قال :اليوتيوب وسيلة تعبير شعبية تنفيسية لكنها لا تتخذ طابعاً فنياً رسمياً الا بعد ان تمر بعملية "سنفرة" فلا يمكن ان تؤخذ بشكلها الاولي بل يجب ان تنضج تماما كما نقارن بين مطرب شعبي صوته جيد وبين خريج الكونسرفتوار هذه المحاولات يجب ان يتم تبنيها واكد الصبان اننا لايمكن ان نحجر علي هذه الوسيلة المبدعة فكل شخص يمتلك كاميرا وانترنت يمكنه ان يصنع الفن كما يتخيله لذلك علينا ان نتركهم واذا استخرجنا خمسة موهوبين من وسط ألف سنكون قد كسبنا موهبة محترمة ولو وجد منتج محترم كرمسيس نجيب الذي كان يتبني المواهب عندها سنخرج بكنوز فنية ومبدعين محترمين واكد الصبان ان النجوم الذين افرزهم اليوتيوب مثل الثلاثي شيكو واحمد وماجد لايزالون في البداية ولا يمكن الحكم عليهم إلا لو استمروا. 

ازدواجية 

المخرج احمد ماهر قال: نحن كشعب عشنا سنوات في ازدواجية الحياة في مصر لها شكل والسينما تقدم شكلاً اخر حتي الشعب تجده يسب مبارك في الخفاء والاعلام يمدحه الشارع يتحدث بلغة والدراما تتحدث بلغة اخري وتجعل المواطن يري عالماً خيالياً غير موجود اصلا كل شئ في الخفاء الان سقطت قدسية المسيطر والمراقب فلا توجد سلطة لرئيس او رقيب علي حرية الفرد حتي السباب من قال انه حرام السينما في العالم بأكمله بها سباب وحتي اغاني الراب في امريكا هي سباب مقفي فالسباب ببساطة جزء من كلام الناس في الشارع بالتأكيد هذا الكلام سيكون صادماً لكبار السن اما الشباب الذي حطم كل القواعد فلديه فرصة لاستخدام افكاره في صناعة الفن صحيح في البداية سينفث الشباب عما يجيش في صدره من كبت سواء بسباب او حتي موضوعات جنسية لانه ببساطة مكبوت بعدها سيبدأ الهدوء وسيتجه الجميع نحو الفن الجيد بعدما يمل الاسفاف ونحن كفنانين نعاني من الرقابة صعب جدا ان نطالب برقابة علي اليوتيوب وكأننا نحمل ازدواجية بداخنا كما كصاحب كباريه الذي يحمل لقب حاج اليوتيوب اول ضربة قاضية لقدسية الممنوع وكأن الشباب يقول مهما فرضت علي من قيود اليوتيوب عالمي الحر واكد ماهر انه لاتوجد جهة رقابية تستطيع حذف اي عمل من اليوتيوب بل لن تج لديهم خبرة به اصلا عكس الشباب. 

روح جديدة 

الفنان مجدي كامل قال: بالتأكيد اتابع اليوتيوب وأجد به العديد من التجارب الفنية للشباب التي تستحق المشاهدة بل انني احيانا اتمني ان اشاركهم اعمالهم التي تحمل روحاً جديدة ومتمردة علي القوالب التقليدية. 

الفنان الشاب عمر السعيد قال :اليوتيوب يحوي الابداع والاسفاف وسط جو من الحرية المطلقة التي يريدها الناس وان كانت احيانا تزيد عن حدها فاليوتيوب يلعب دورا في العمل السياسي لا تستطيع ان تلعبه الفضائيات مثلا لو ان احد السياسيين بدل موقفه تجد اليوتيوب يحوي افلاما تشير إلي كذبه وتمزج حواراته القديمة بالجديدة لاثبات تحوله وهو امر لاتقوم به الفضائيات خوفا من ان يقاضيها اي شخص او حتي بسبب وجود مصالح مشتركة بين رجل السياسة وأصحاب القناة اما علي اليوتيوب فالامر غير واضح الفيلم يعرض باسم شخص مستعار لايمكن ملاحقته قضائيا او مطالبته بتعويضات. 

وجوه جديدة 

عبدالجليل حسن المتحدث الاعلامي للشركة العربية للانتاج اكد ان الشركة تبحث عن الوجوه غبر موقعها علي الانترنت عبر تحميل افلام تماما كما يحدث علي اليوتيوب حتي ان فيلم محمد سعد الاخير تك تك بوم ضم خمسة وجوه جديدة كلهم من الموقع واكد ان حرية الابداع علي اليوتيوب امر مطلوب خاصة وان المشاهد يملك دائما حرية اغلاق الصفحة او حتي مسح البرنامج باكمله ففي النهاية المشاهد يملك ثمن تذكرة السينما ويملك جهاز التحكم "الريموت كنترول" ويمكنه ايقاف ما لايراه مناسبا.

المحامي نبيه الوحش قال: لو وجد اي شخص علي اليوتيوب سباباً في حقه يمكنه ان يقوم بتحميلها علي اسطوانة "سي دي" وتقديم شكوي للنائب العام او حسب قانون الحسبة رقم 96 الذي يجيز حق رفع دعوي مباشرة وفي حال وجود اي تجاوز من حق شرطة المصنفات والرقابة مراقبة الافلام المعروضة وهو ما لايقيد حرية الابداع لان الاسفاف لاعلاقة له بالابداع. 

الجمهورية المصرية في

03/05/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)