حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«أهل الهوى» والهوى!!

طارق الشناوي

April 30th, 2012 9:08 am

 

هل من الممكن أن تُصدق أن فاروق الفيشاوى يؤدى دور شاب يافع فى الخامسة أو السادسة والعشرين من عمره على أكثر تقدير..؟ بلاش دى، هل من الممكن أن تصدق أن إيمان البحر درويش سوف يؤدى دور جده سيد درويش، فى نفس المرحلة العمرية؟!

أنت مثلى، من المؤكد أنك لن تصدق، ولكن عليك أن تُصدق أن المخرج عمر عبد العزيز يصدق، بل هو بدأ بالفعل تصوير ما يصدقه فى مسلسل «أهل الهوى».

أعلم جيدا مدى إخلاص المؤلف الكبير كاتب السيناريو محفوظ عبد الرحمن فى رصده الدرامى لمصر، وأتابع شغفه ودأبه فى التقاط التفاصيل، فهو لا يُقدم فى أعماله الدرامية حدوتة، ولكن زمنا وحياة وإيقاعا ورائحة.. مثلا «بوابة الحلوانى» واحدة من رصيدنا الثقافى التى جمعت بين محفوظ والمخرج الراحل إبراهيم الصحن فى مطلع التسعينيات، ترى فيها كل ذلك، لأن نبض الزمن ينضح فى أعماله، وهو الذى منح مسلسل «أم كلثوم» الذى صاغه بأستاذية، كل هذا الوهج والعمق، وأخرجته إنعام محمد على، بتفهم وإبداع، فصار وكأنه الواقع الذى نعود إليه كلما اشتقنا إلى عصر أم كلثوم.

القاعدة النقدية هى أنك لا يجوز أن تتناول عملا فنيا قبل أن تراه على الشاشة، ولكننا هنا لا نتحدث عن ممثل خاصمت ملامحُه الشكلية الشخصيةَ الدرامية، ولكننا نتوقف أمام منطق لا يحتمل تعدد وجهات النظر ولا يخضع لقراءة نسبية تختلف من شخص إلى آخر.

فاروق الفيشاوى هو واحد من الأسماء التى كان من الممكن أن تحتل مكانة أكبر بكثير مما وصل إليه، لو أنه حافظ على لياقته الإبداعية، ولكنه أسرف على نفسه، وكان الزمن أيضا قاسيا عليه، فأصبحت ملامحه تتجاوز حتى عمره الحقيقى وترهّل إيقاعه فى الأداء، فكيف بعد ذلك من الممكن أن تصدق أنه يؤدى دور شاب لم يبلغ الثلاثين، أليس ابنه أحمد الفيشاوى هو المناسب للدور؟ ربما كانت حالة إيمان بالقياس إلى فاروق أفضل قليلا، إلا أنه فى كل الأحوال لا يمكن أن يصبح أيضا هو الشاب الذى نُصدق أنه لم يكمل بعد العقد الثالث من عمره.

الحقيقة أن هذا المسلسل لاقى حظا عاثرا، فلقد كان مدرجا فى الخطة قبل ثورة 25 يناير العظيمة ورشح لإخراجه الأردنى عباس أرناؤوط، وهو واحد من المخرجين الذين يربطهم مع محفوظ عبد الرحمن نوع من التوافق الفنى. الاثنان على موجة إبداعية واحدة، قدَّما أكثر من مسلسل عربى ناجح مثل «ليلة سقوط غرناطة»، ورشح عباس تيم حسن، لأداء دور بيرم التونسى ولكن بعد الثورة رفع عدد من المخرجين والفنانين شعار «جحا أولى بلحم طوره».. ذهبوا إلى المسؤول الذى عينه المجلس العسكرى لإدارة شؤون «ماسبيرو» فى الأيام الأولى للثورة اللواء طارق المهدى، وقالوا له «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع».. اللواء لا علاقة له بالدراما، ولا يدرك ما الذى يعنيه سياسيا أن تغلق مصر الباب أمام كل من هو عربى، وبالفعل تم إيقاف التعاقد مع أرناؤوط وتيم، وأُسند المسلسل إلى إسماعيل عبد الحافظ، الذى رشح توفيق عبد الحميد، ولكن إسماعيل وجد أمامه مسلسلا آخر، وعلى الفور اتجه إليه، وهكذا وصل المسلسل إلى عمر عبد العزيز الذى اكتشف أن صديقه فاروق لا يعمل فى رمضان، فأسند إليه دور بيرم التونسى، رغم أن المسلسل يتناول فقط المرحلة الزمنية من سنة 17 إلى 23 مطلع القرن العشرين فى عز شباب بيرم ودرويش!!

هل الممثل من الممكن أن يتقمص أى دور؟ الحقيقة أن هناك ملامح شكلية ينبغى أن تُراعى.. وهو ما يعرفه كل طلبة سنة أولى فى معهدى المسرح والسينما، فلا يوجد أى مبرر درامى من الممكن أن يُقنع المتفرج بأنه بصدد فنانين يؤدون شخصيات، عمرهم الزمنى يتجاوز ضعف عمرها الدرامى، ولا يمكن لأعظم فنان مكياج فى العالم أن يفعل شيئا.

الدولة هى التى تنتج المسلسل من خلال قطاع الإنتاج فى التليفزيون المصرى، ومن المؤكد أنها كانت وستظل هى المكان الملائم للقفز على المنطق.. أشفق على دراما عوّدنا كاتبنا الكبير على أن تكون دوما رائعة وموحية، أشفق عليها عندما تتدخل عوامل الصداقة، وربما الاستسهال وربما أشياء أخرى.. فما ذنب «أهل الهوى» فى «الهوى»؟!

 

خانة اليَكّ!

طارق الشناوي

April 28th, 2012 9:16 am

كأنه وجدها فرصة لكى يضعنى فى خانة اليكّ: ألستَ أنت الذى قال إن فيلم «بوبوس» هو مجرد «بوس بوس»؟ ألستَ أنت الذى هاجمت قبل الثورة تهافُت عادل إمام على السلطة ودوره فى التمهيد لتوريث الحكم لجمال؟ ألم تعترض على عشرات من المواقف السياسية المخزية لعادل إمام كسفير للنوايا الحسنة؟ قلت له: كل هذه المواقف لا أنساها، واعتزّ أيضا بها لأنى كتبتها وعادل يحظى بحماية من مبارك، فلا شىء كان يمسّه، لا رقابة ولا ضرائب، لا أحد يجرؤ أن يقول له بمّ!

ولكن هذه المرة نحن بصدد قضية أخرى، لا نُصفّى حسابات مع فنان ولكن نقف فى نفس الخندق معه، ندافع عن حرية الإبداع لا عن عادل إمام.. الذين يريدون شخصنة القضية فى عادل يسيئون إليها، وشعارات مثل «كلنا عادل إمام» وغيرها تدخل فى إطار النضال الحنجورى.

عادل نفسه لم يتحمس لتلك المبادرات التى قام بها أكثر من نقابة وتجمع ثقافى، حاولت «جبهة الدفاع عن حرية الإبداع» إقناعه بأن تتولى الدفاع القانونى عنه فكان رأيه أن الأمر لا يستحق إثارته على هذا النحو.

عادل حتى اللحظات الأخيرة هو عادل الذى لا يريد أن يثير غضب السلطة الحاكمة، هو بالطبع يعلم أن السلطة الآن لن تمنحه حماية، المؤكد أنه موقن أن رهانه الحقيقى على الناس هو الدرع الواقية التى تحميه، إلا أنه لا يأمن أن تنفلت من جهة تدعمه عبارات تمسّ السلطة العسكرية فتُحسب عليه، وهو لا يريد إلا أن يأمن على أقل تقدير غضب السلطة.

عادل هو العنوان الذى يتوجهون إليه، فلقد خسروا أول من أمس جولة قضائية، ولكن لا يزال رهانهم على عادل، مؤكدين أن العيّنة بيّنة وكله من ده، التيار المتشدد لديه كوادره فى المجتمع ومن الممكن التنسيق لكى تُصبح الضربات القادمة أشد إيلاما.. الانتصار الذى يعتقد الفنانون أنهم أحرزوه مؤخرا بهذا الحُكم القضائى هو فقط جولة كسبوها فى معركة طويلة الأمد سوف تستخدم فيها مدفعيات ثقيلة أشد ضراوة.

الموقف لا ينبغى أن يأخذنا بعيدا عن الحقيقة، وهى الشارع، وهل هو مع الفنانين أم يرى أنها قضية فئوية تعنيهم فقط؟ الشارع من الممكن أن تكون لديه آراء سلبية حول ما يراه على الشاشة ورأيه أن الأفلام التى يدافعون عنها مجرد جنس وعرى وإسفاف!

المعركة القادمة يجب أن تتوجه إلى الرأى العام لنعرف أين يقف وما قناعاته. لا يمكن للفنان أن يعيش فى معزل، ودور جبهة الدفاع عن حرية الإبداع أن تتوجه إلى الناس لتضمَّهم إلى صفوفها.

المحامى الذى أقام الدعوى الأولى ضد عادل إمام وجد فى فيلم «عمارة يعقوبيان» سخرية من الذات الإلهية، كما أنه فى مسرحية الزعيم اتهمه باستخدام نفس الإيقاع اللحنى لأسماء الله الحسنى. من حق المحامى أن يعترض على أداء عادل إمام فى «يعقوبيان»، وتحديدا على أسلوب التخاطب مع الذات الإلهية، إلا أن هذا لا يعنى أنه بالضرورة على صواب، لأن عادل فى «يعقوبيان» يؤدى دور رجل عربيد، ولكنه طمع فى المغفرة، بينما فى مسرحية الزعيم كان يسخر من الحاكم الذى صنع من نفسه إلها لا يُمسّ، واستخدام كلمات على غرار أسماء الله الحسنى الغرض منها هو أن تصل الرسالة بضرورة إسقاط الطاغية الذى يعتقد أنه الإله.

أنا لا أدافع عن عادل إمام، بل عن مبدأ الحرية وكيف نقرأ العمل الفنى. هناك تفاصيل متعددة والقضية شائكة جدا وتثير كثيرا من اللغط لأننا لم نتعود أن نفصل ما بين الخاص والعام. كثيرا ما انتقدت عادل إمام فنيا وهاجمته سياسيا، فهو مثل عشرات من النجوم والمثقفين الذين اختاروا مبارك ومهدوا للتوريث لحماية مصالحهم، وتراهم الآن حائرين بين شفيق وموسى باعتبارهما الأقرب إلى منهج مبارك.

صحيح عادل إمام كان ظلا وصوتا لعهد بائد، ولكن هذا لا ينفى أنه الفنان صانع البهجة الأول فى مصر والعالم العربى على مدى نصف قرن.. لا أتراجع عن مواقفى التى انتقدتُ فيها كثيرا من آرائه السياسية وعددا من أعماله الفنية، ولكن هذه المرة القضية ليست عادل إمام!

 

نحلم بسعفة «كان»!!

طارق الشناوي

April 27th, 2012 9:58 am

هذه المرة كانت السينما المصرية موجودة داخل المسابقة الرسمية فى مهرجان «كان»، هو اعتراف بأهمية الفيلم الذى أخرجه يسرى نصر الله، صحيح أن فيلم «بعد الموقعة» يتناول الثورة المصرية، والمقصود بها هى تلك التى شارك فيها الجِمال والأحصنة والحمير والبغال للقضاء على الثورة.. لم أشاهد الفيلم ولكن رددت بعض الجرائد العربية أن السينما المصرية حجزت لها مكانا فى المهرجان هذه المرة أيضا لأسباب سياسية.

والحقيقة أن مصر وتونس فى العام الماضى حظيتا بمكانة استثنائية فى «كان»، لها طابعها السياسى، وحرصت إدارة المهرجان على أن تقدم لهما نوعا من التقدير وعرضت الفيلم التسجيلى التونسى الطويل «لا خوف بعد اليوم»، وعرضت لمصر فيلمى «18 يوم» و«صرخة نملة».

كانت مصر وتونس موجودتين فى المهرجان تعبيرا عن ثورات الربيع، ولهذا مثلا لم تشارك لا مصر ولا تونس فى المسابقة الرسمية، ولكن على الهامش عرض فيلم «18 يوم» فى قاعة بجوار القاعة الرئيسية «لوميير»، وعلى شاطئ الريفيرا عرض فيلم «صرخة نملة».

ولكن فيلم «بعد الموقعة» يعرض فى القاعة الكبرى «لوميير»، ولم تكن هذه أول مشاركة ليسرى نصر الله، لأن علاقته بالمهرجان بدأت منذ أول أفلامه الروائية «سرقات صيفية» 1988، الذى عرض فى قسم «أسبوعى المخرجين»، وبعدها فى 2004 «باب الشمس» الذى عرض رسميا، ولكن خارج المسابقة، وتلك هى المشاركة الثالثة، هذا لو حذفنا من القائمة أنه كان واحدا من المخرجين المصريين العشرة الذين أخرجوا فيلم «18 يوم».

صحيح أنه فى العام الماضى كانت هناك سجادة حمراء وشاهدنا العديد من المخرجين والنجوم وهم يتسابقون للصعود عليها، ولكن الأمر لم يزد على تعضيد يحمل معنى سياسيا تبناه المهرجان الفرنسى لمؤازرة الثورة فى مصر وتونس.

يسرى واحد من المخرجين الذين تتلمذوا على يد يوسف شاهين، وكان وهو يمارس الإخراج يعمل مساعدا أيضا فى أفلام الأستاذ، فهو من أخلص تلاميذه.. وتستطيع أن ترى خالد يوسف، الذى اقترب من يوسف شاهين فى مرحلة لاحقة، قد استفاد من تجربة يسرى، وكان يخرج أفلامه، وفى نفس الوقت يحرص على أن يساعد الأستاذ.

يسرى يُقدم فيلمه فى المسابقة الرسمية بعد 15 عاما من الغياب عندما عُرض فيلم يوسف شاهين «المصير» فى المسابقة الرسمية، ومنذ ذلك الحين ونحن بعيدون عن المشاركة داخل التسابق، ولا يعلم الكثيرون أنهم لو عادوا إلى كتالوج المهرجان فى 97 لن يجدوا فيلم «المصير» بين عروض المسابقة، حيث إنه اختير فى البداية للعرض الرسمى خارج التسابق، ويومها اعتبرت الصحافة المصرية بناء على معلومات خاطئة سربها مكتب يوسف شاهين، أن الكبار لا يعرضون أفلامهم فى التسابق، وأن هذا يعنى أدبيا أن فيلم «المصير» فوق مستوى المسابقة، فى حين أن الحقيقة هى أن الفيلم كان يقف على الخط، ولم يطلب يوسف شاهين استبعاده، والدليل أنه فى اللحظات الأخيرة كان هناك فيلم صينى مدرج فى المسابقة، اعترضت عليه السلطات الصينية، وبسبب ذلك عرض «المصير» وحصل يوسف شاهين على جائزة تكريمية عن مجمل أفلامه، فى إطار احتفال المهرجان باليوبيل الذهبى.

يسرى يدخل المسابقة الرسمية، ولا أتصور أن منتهى أحلامه هو الصعود للسجادة الحمراء مع أبطال فيلمه.. كنا على مدى سبع سنوات نمارس هذه اللعبة، نؤجر السجادة ليمشى عليها نجوم ومخرجو أفلام «يعقوبيان» و«البيبى دول» و«حليم» و«إبراهيم الأبيض» المعروضة فى السوق خارج الإطار الرسمى للمهرجان، ونعود إلى القاهرة، بينما العديد من الفضائيات تنقل كذبا أن هناك انتصارا حققته السينما المصرية، والدليل هو صور «كان»، بينما نحن دفعنا الثمن، وهو عدة آلاف من اليوروهات.

هذه المرة نحن بصدد مشاركة حقيقية، ولا يمكن أن نكتفى بترديد تلك العبارة التى صارت «كليشيه» من أن مجرد المشاركة جائزة، وكأننا لا نستحق حتى الحلم بالجائزة.

نجاح الفيلم فى المهرجان هو الهدف والسعفة الذهبية من حقنا أن نحلم بها، ولا ننسى أن المخرج الجزائرى محمد الأخضر حامينا فى عام 75 حصل على السعفة عن فيلمه «وقائع سنوات الجمر»، وأن اللبنانى مارون بغدادى والفلسطينى إيليا سليمان والجزائرى رشيد بوشارب حظيت أفلامهم بجوائز فى «كان» ولم يكتفوا فقط بالتمثيل المشرف.

 

هراس جاى!!

طارق الشناوي

April 26th, 2012 9:12 am

رغم أننى أعلم أن الكذب فى أبريل فقط وفى اليوم الأول تحديدا، فإننى تصورت أن البعض قرر إمعانا فى صياغة الحبكة أن يضعه على أجندة أيام أبريل الأخيرة.. كان هذا هو انطباعى الأول عندما تلقيت أكثر من دعوة فى عدد من البرامج للحديث عن الحكم الصادر بحبس عادل إمام بتهمة ازدراء الأديان، قبل أن أتأكد أن الحكم حقيقة واقعة، وعلينا أن نتعامل معها ولا نعتبرها مجرد كذبة الأيام الأخيرة من أبريل.

لا يمكن لأحد أن يدافع عمن يحض على ازدراء الأديان، ولكن هل حقا عادل إمام فى أفلامه ومسرحياته التى بنى عليها الحكم يزدرى الدين؟ بالطبع استأنف عادل الحكم، حيث استند القاضى إلى أن أفلامه مثل «مرجان» و«الإرهابى» ومسرحية «الزعيم» وغيرها تنطوى على تجاوزات فى حق الإسلام.

أفلام عادل تحمل بلا شك نقدا ليس للأديان ولكن لبعض ممارسات من يرتدون زيًّا إسلاميا.. كثير مما يقدمه عادل لدىّ ملاحظات سلبية عليه، وكثيرا ما انتقدته بسبب تلك المباشرة التى تصرخ بها أفلامه، ولكن أن نختلف فنيًّا مع أسلوب فنان لا يعنى أن لا نقف فى صفه عندما يُدان على جريمة لم يرتكبها.

عادل لا يقدم -لو صح الاتهام- أفكاره، لكن وراءه كاتبا ومخرجا، سوف تجد أن قسطا وافرا من هذه الأفلام سواء تلك التى استند إليها الحكم القضائى أو التى لم يتطرق إليها مباشرة، تحمل وجهة نظر كتّاب، مثل وحيد حامد ولينين الرملى ويوسف معاطى، ومخرجين مثل شريف عرفة وعلى إدريس ونادر جلال ومحمد فاضل، والغريب أن الحكم لم يشر إلى ذلك، كما أن هذه الأعمال الفنية حظيت بموافقة الرقابة على المصنفات الفنية، والمفروض أن الحكم يحمل إدانة لمن وافق على العرض، أى وزارة الثقافة المصرية. فلماذا لم يتطرق الحكم إلى الفاعل الأصلى وهو الوزارة التابعة للدولة؟!

أعتقد أننا نواجه بالدرجة الأولى مشكلة فى إدراك كيف يُصنع العمل الفنى، كما أن القاضى مثل أى مواطن فى تلقيه للفن يقطع الخط الفاصل بين انتقاد شخص ينتمى إلى دين أو دولة أو مهنة وبين انتقاد الدين أو الدولة أو المهنة.

عادل يتحمل ولا شك أيضا مسؤولية نشر الفكر الذى طرحته هذه الأفلام وغيرها، وهو لم يكن مجرد مردد سلبى لما يأتيه من أفكار، ولكن هذا لا يعنى أن يصبح هو لوحة التنشين التى توجه إليها هذه الاتهامات الباطلة.

ليست هذه المرة الأولى التى يتعرض فيها عادل إمام إلى الاتهام بازدراء الأديان، وليست أيضا الأولى التى يصدر بحقه فيها حكم، فلقد أُدين فى عام 82 بالسجن لمدة عام بسبب إهانة القضاء فى فيلم «الأفوكاتو»، وطالت نفس العقوبة مؤلف ومخرج الفيلم رأفت الميهى، وسقط الحكم فى الاستئناف.

ربما لو صدر هذا الحكم فى توقيت سابق على ميلاد ثورة يناير، ما كان من الممكن أن يثير كل هذه المخاوف، بينما هذه المرة، فإنه يهدد كل المبدعين فى مصر ومن الممكن أن يقرأها البعض أيضا من منظور سياسى.. كل شىء لا يمكن أن تعزله عن سيطرة الفصيل الإسلامى على الحكم، إلا أننى أتصور أن الإدانة ليست بالضرورة تحمل طابعا سياسيًّا، أرى الحكم فى جانب منه يقدم لنا دليلا مباشرا عن كيف تُقرأ الأعمال الفنية.. الحقيقة أن القاضى مثل القسط الوافر من المواطنين يرى العمل الفنى بتلك الرؤية القاصرة، وهى نفسها الرؤية مثلا التى دفعت عددا من الزملاء فى نقابة الصحفيين قبل نحو شهرين إلى المطالبة بمصادرة فيلم ردىء اسمه «على واحدة ونص» بتهمة ازدراء مهنة الصحافة، رغم أنه كان يتناول حياة مجرد صحفية غادرت بلاط صاحبة الجلالة لترقص على بلاط الكباريهات.

لم أكن أرتاح إلى تلك المباشرة التى يقدمها عادل فى أغلب أفلامه، حيث كان يتبنى دائما وجهة نظر النظام البائد، ولكن هذه قضية أخرى، ورغم ذلك فإن خطورة هذا الحكم هى أنه يلقى بظلال ضبابية على الحياة الفنية فى مصر، لتمتد إلى كل العالم العربى، فهو يوجه صيحة تحذير إلى كل المبدعين.. تؤكد «هراس» جالكو لمو عيالكو!!

 

الذهبية لمن يستحقها!

طارق الشناوي

April 25th, 2012 9:39 am

وأنت ترى فيلم «2/1 ثورة» على الشاشة سوف تتابع بنفس القدر من الشغف كيف تم تحقيق الفيلم.. فى اللقطات الأولى نرى كيف كانت الكاميرا تطل على ميدان التحرير وبدأت العيون تحدق وتسأل ماذا يجرى وتأكدوا أنها ثورة.. ومع دقات الثورة على الباب كانوا هم والكاميرا فى الميدان.. أتحدث عن مجموعة من الأصدقاء مختلفى الجنسيات يجمعهم حب السينما وتعنيهم الثورة، لدى كل منهم علاقة خاصة بمصر، لو لم تكن الهوية مصرية فإن الهوى مصرى.

الكاميرا تلتقط كل شىء إلا أنهم لم يكملوا الرحلة بعد أن بدأت الملاحقات الأمنية تضيِّق الخناق عليهم بحجة أنهم أجانب.. إنهم ممن أطلق عليهم نظام «مبارك» حاملى الأجندات الأجنبية وكان الإعلام الرسمى والخاص فى أثناء الثورة يحرص على أن يلتقط أى أجنبى فى ميدان التحرير لكى يعلن للناس أنها مؤامرة أجنبية لزعزعة الاستقرار فى مصر.

فيلم «2/1 ثورة» الذى قدمه المخرجان عمر شرقاوى وكريم الحكيم، جذور كل منهما مختلطة ما بين مصر وفلسطين والدنمارك ولكن فيلمهما مصرى القضية والإحساس والهوى، حتى إن كانت هوية الإنتاج دنماركية كانوا ومعهم أصدقاؤهم المصريون فى الميدان منذ 25 يناير وحتى 3 فبراير قدما من التحرير «2/1 ثورة».. الثورة المصرية لم تكتمل، وربما تعتقد أن التسمية جاءت لتعبر عما تعيشه مصر الآن، إلا أن الحقيقة هى أن المخرجين قدما فقط ثمانية أيام أو إن شئت الدقة وثَّقا ثمانية أيام من أحداث الثورة، وكان عليهما بعد ذلك أن يشدا الرحال إلى الخارج قبل أن تطولهما قبضة الأمن.. كانت العيون تطل على الثورة، عين فى الميدان وعين ترصد من شرفة فى هذا البيت القديم الكائن فى وسط المدينة ما يجرى، وكانت هناك الأجهزة الأمنية تترصد لهما، فلم يكتمل التوثيق، فجاء العنوان وكأنه النبوءة لما نعيشه الآن، إنها نصف ثورة تبحث عن نصفها الآخر!

الفيلم كعمل فنى هو فيلم كامل، فهو يعبر بكل دقة وصدق عما عاشته مصر فى الأيام الأولى، حيث كان الرهان على من هو صاحب النفس الأطول.. الأجهزة الأمنية تريد أن تستنفد طاقة البشر ولهذا تطيل من أمد مبارك على الكرسى فتطلق البلطجية إلى الميدان.. كانت الكاميرا لا تنقل فقط ردود فعل المتظاهرين، ولكنها استطاعت أن تتسلل أيضا إلى الجانب الآخر وترصد القناصة وهم يطلقون الرصاص الحى على المتظاهرين.. كانت هناك كاميرا تلتقط، وتسجيل صوتى يوثق، وقبل كل ذلك إحساس يتحرك بتلقائية فى التعبير لنرى أن الثورة المصرية لا تعنى فقط مصر، ولكن ترصدها كل العيون فى أكثر من دولة فى العالم من خلال لقاءات تنضح بالصدق!

هل نعيش 2/1 ثورة؟ نعم فى مصر لم نتجاوز حتى الآن تحقيق النصف، لا يزال الحكم العسكرى يريدها أن تظل فى المرحلة الضبابية ما بين الفعل ورد الفعل، ما بين التحقق والخداع.. هناك من يريد أن تظل الثورة ترقص على السلم، تغير فقط من يجلس على الكرسى بآخر مستعينا بنفس ماكينة الفساد التى لا تزال تعمل بكفاءة تخرجنا من نظام إلى آخر لديه من يدافعون عنه، كانوا سدنة مبارك وهم الآن يقدمون فروض الطاعة والولاء لمن يملك زمام الأمور!

السينما ستسبق الثورة هذا هو الأمل.. ما لم تنجزه الثورة حتى الآن من الممكن للسينما أن تنجح فى التمهيد له.. أغلب من التقى بهم متشائمون إلا أننى على يقين بأن 2/1 ثورة لا تعنى بالضرورة نصف سينما، وسوف يكتمل قريبا النصف الآخر!

غادر الفريق السينمائى، الذى قدم الفيلم، مضطرا، الأراضى المصرية بعد أن أوقف الأمن وقتها صلاحية تأشيرة وجودهم على الأراضى المصرية ولكن مصر لم تغادرهم، وهكذا جاءت الشاشة وهى تعلن على «التترات» أن قبضة المجلس العسكرى هى التى صارت الآن بديلا عن قبضة مبارك.

أهم ما رأيته فى «2/1 ثورة» هو الفيلم الذى تم تصويره فى أثناء إعداد الفيلم لكل فريق العمل أنه فى جانب هام منه يوثق وقائع، ومن الممكن ببعض التمحيص أن تلمح فى ثناياه أيضا أنه يوجه سهاما من الاتهامات لكل من يحاول الآن أن يجهض النصف الثانى من الثورة.. حصل الفيلم على ذهبية مهرجان الجزيرة فكانت الجائزة لمن يستحقها!

 

بيت برناردا ألبا

طارق الشناوي

April 24th, 2012 9:25 am

إنها واحدة من أيقونات الأدب المسرحى العالمى.. أتحدث عن «بيت برناردا ألبا» رائعة «لوركا» كتبها شاعر إسبانيا الكبير فى مواجهة الطغيان الذى كان متجسدا وقتها نهاية الثلاثينيات من القرن الماضى فى «فرانكو» سفاح إسبانيا.

كان «لوركا» هو الشاعر الذى واجه بالقلم حكم الحديد والنار قد كتب هذه المسرحية فى نهايات أيامه وكأنه ينهى حياته بكلمة حق قبل أن يودِّع الدنيا.. خرج هذا الفيلم التسجيلى الذى حمل اسم «بيت برناردا ألبا» خاوى الوفاض من جوائز مهرجان «الجزيرة» لكنه أبدا لن يسمح له بالخروج من وجدانى!

المسرحية تروى حياة «برناردا» صاحبة البيت الأرملة التى مات زوجها فقررت أن تفرض الحزن لمدة 8 سنوات على الجميع، على أن تلتزم البنات بملابس الحداد.. لم تفكر لحظة واحدة أن البنات يقفن على عتبة العنوسة وأنها تبدد أعمارهن وتقضى على أى احتمال للزواج، ونسجت المسرحية فى سياقها السياسى ما بين الشاعرية والشجن.

الفيلم التسجيلى للمخرجة الإسبانية «ليديا بيرالتا جارثيا» لم يكن تعنيه المسرحية بتفاصيلها، ولكن بدفاعها عن قيمة المقاومة، حيث يقدم لنا واقعة حقيقية عن مجموعة من الغجر تعيش فى ما يعرف ببيوت الصفيح، حياة أقرب إلى البدائية وبلا تعليم ولا أى نوع من الرعاية وتقدم كنوع من التجربة مسرحية «بيت برناردا ألبا».. حرصت مخرجة الفيلم وهى بالأساس تعمل مراسلة فى التليفزيون الإسبانى على أن تجرى حوارات مع بطلات المسرحية تسألهن عن «لوركا»، تجيب إحداهن أنها لم تلتق به من قبل، وتقول أخرى إنها لأول مرة تسمع اسمه.. تنتقل بالعرض المسرحى من مدريد بعد أن اعتقد صناعه أنه لن يمكث أكثر من أيام قلائل ليجوب أكثر من عاصمة أوروبية محققا أعلى درجات النجاح، رغم أنها لا تعرف شيئا عن التمثيل ولا الرقص ولا القراءة ولا الكتابة، ولكن ما حدث هو فى الحقيقة توظيف لحالة التلقائية فى العمل الفنى التى تحيل ما يبدو غير فنى إلى حقيقة الفن فى أعلى درجاته، وهو الوصول إلى العفوية المطلقة.

كاميرا المخرجة تنتقل مع الفرقة، وفى نفس الوقت لا تغفل عما يجرى فى تلك المنازل العشوائية، حيث إن المسرحية أبطالها من النساء، وهكذا أصبح على الرجال أن يتولوا الشؤون المنزلية فى أثناء غياب الأمهات، بينما نرى حالة الازدراء التى تواجهها فى العاصمة الإسبانية، فلا يسمح لها حتى بعض الكافيتريات بالجلوس داخلها!

المخرجة وهى أيضا كاتبة السيناريو تنقل تجربة فرقة استثنائية بكل ما تحمله من إثارة وجاذبية، وكان يكفى أن تتابع المسيرة والجمهور يصفق، ولكنها لم تغفل الجانب الاجتماعى لهؤلاء اللائى يعِشن مهمشات فى بلادهن بسبب انتمائهن للغجر، يقمن داخل بيوت من الصفيح التى تراها على الأطراف فى العديد من الدول الأوروبية.

حرصت المخرجة على أن تنقل لنا كيف أن السيدات يقبلن على الحياة رغم قسوة الظروف والمعاناة إلا أن روح المرح صارت جزءا أيضا من تلك الحياة.. النقطة الفارقة فى تناول هذا الفيلم هى أن البطلات لم يفقدن التلقائية لا على خشبة المسرح ولا أمام الكاميرا.

إنه نموذج للفيلم التسجيلى الذى يضرب أكثر من عصفور بنفس الحجر، ويستحوذ عليها جميعا، فأنت تتابع الفرقة وهى تنتقل من نجاح إلى نجاح وتتابع فى نفس الوقت القرية، وهى تعيش المعاناة ولا تنسى إحدى بطلات العرض أن تطرح مباشرة الفارق فى تفصيلة دقيقة بين البيت العشوائى الذى تعيش فيه والمدينة، فهى فى بيتها عندما يهطل المطر تنتقل إلى خارج المنزل لتغسل الأوانى بالماء الملبد بالتراب، بينما عندما تمطر فى العاصمة تغسل الصحون داخل المنزل بالمياه الساخنة.

«لوركا» شاعر إسبانيا الكبير عندما كتب هذه المسرحية قبل أكثر من سبعين عاما لم يعتقد أنه من الممكن أن تقدمها فرقة مسرحية من الهواة، وبعضهم لا يقرأ ولا يكتب وأغلبهم لا يعرفون من هو «لوركا»، ورغم ذلك فلقد تفهموا بالضبط ما الذى ترمى إليه مسرحية «لوركا».

أهدت المخرجة هذا الفيلم إلى إحدى البطلات التى ماتت فى أثناء العرض لتعيش قضيتها على شريط سينمائى.

فى أثناء توزيع الجوائز لم يذكر اسم فيلم «بيت برناردا ألبا» إلا لمامًا باعتباره مرشحا لجائزة لم ينلها، ولكن جائزته الحقيقية التى حصل عليها هى أنه سكن مشاعر كل الذين شاهدوه.

 

فقؤوا العيون ولم يكسروها!

طارق الشناوي

April 23rd, 2012 9:36 am

شعر بعينه تنتزع منه ولا يستطيع من فرط الألم حتى أن يصرخ وآخر لا تغادر ذاكرته هذا المشهد، ماء عينه يراق على الأسفلت.. ما يتذكره هو سائل أحمر اللون يأخذ معه وميض عينيه، وثالث لا ينسى صوت القناص وهو يتوعده بعد أن وجه إليه الشتائم، فما كان منه سوى أنه حصد عينه، ورابع قال كنت أريد أن أضحى بكل جسدى، ذهبت إلى الميدان من أجل مصر، وأنا لا أبالى بالثمن، ولم أندم على فقدان عينى ولو عادت بى الأيام لذهبت مرة أخرى.

إنها العيون التى حصدتها نيران القناصة فى تصويبات مباشرة تخترق الجدار الشفاف وتواصل الاختراق لتصل إلى الجمجمة، الهدف ليس فقط اختراق العين، ولكن الاستراتيجية هى أن تصل الرسالة إلى الجميع.. لا شىء أغلى من العيون وسوف نحصدها، وجاء الرد لا شىء أغلى من الوطن وسوف نحقق له الحياة.

من سويسرا قدمت المخرجة عايدة شلبفر، فيلمها التسجيلى القصير «اسمى مواطن مصرى» الذى شارك فى التسابق داخل مهرجان «الجزيرة».. إنه وثيقة مرئية محملة بالأدلة وناطقة بالإبداع تؤكد أن التصويب على العيون لم يكن عشوائيا، وأن الهدف لم يكن فقط فقء عين هؤلاء الأبطال ولكن كسر عيون كل المصريين حتى لا يطالب أحد بالحرية.

هل كانت هناك مؤامرة من بعض الأطباء؟ من الصعب تعميم ذلك ولا حتى الوصول إلى نتيجة تؤكد أن المؤامرة شارك فيها بعضهم، ولكن الحقيقة هى أن من فقدوا أعينهم أكدوا أن مستشفى العيون كان يخلو من المتخصصين، وأن الدكاترة الصغار الذين لا يملكون الخبرة كانت لديهم التعليمات المباشرة بضرورة أن يوقع المريض إقرارا يفيد بموافقته على فقدان بصره لو لم تنجح العملية والأبطال لم يملكوا خيارا آخر سوى التوقيع بالموافقة.

هل كان كبار متخصصى العيون مشغولين بتحقيق الأموال فى عياداتهم الخاصة خارج المستشفى؟ هل بالصدفة وفى هذا التوقيت كانوا خارج نطاق الخدمة؟ كان من الممكن إنقاذ عيون البعض لو تمت الجراحة فى التوقيت، وبالأداء السليم كان من المحتمل تقليل الخسائر بقدر المستطاع، ولكن يبدو أن المؤامرة كانت محكمة تماما.

لن يعترف أحد بأن هذا هو المطلوب.. من أعطى أوامره بالضرب؟ هل هو وزير الداخلية العادلى منفردا؟ وهل من الممكن أن نتصور أن هذا يتم بعيدا عن مبارك، القائد الأعلى للشرطة؟!

العين بالعين فلقد أخذوا أعين الشباب ولم يثأر أحد لهم.. ربما كان هناك أمل أو بصيص أمل فى أن تجرى عمليات ليستعيدوا نسبة ما من الرؤية وهناك أيضا فى نهاية الأمر عمليات تجميل، الهدف الأدنى لها هو أنها تضمن للمصاب الاحتفاظ بالجانب الشكلى، حيث يتم تركيب عين صناعية تتحرك بنفس مقياس العين السليمة ولا يمكن أن تلاحظ أنها صناعية وهى عملية مكلفة ماديا وأقل ما يمكن أن نفعله هو أن نمكنهم من ذلك.

«اسمى المواطن مصرى» رصد فنى بتفهُم وإبداع قدمته المخرجة السويسرية بعين تكشف إلى أى مدى أحب هؤلاء الوطن.. كنا فى خلفية الفيلم التوثيقى نشاهد خريطة الثورة المصرية.. كانت أرض الواقع تشهد أن صورة الوطن لا تزال تسكنهم حتى بعد أن أطفؤوا نور أعينهم.

قدمت المخرجة رؤية مختلفة للثورة صوبت الكاميرا لترى بالعيون المفقودة تفاصيل الثورة. صحيح أنها رؤية أجنبى ولكن الثورة المصرية أسقطت الحواجز الجغرافية فأصبح الشأن المصرى شأنا عالميا.. الشريط بقدر ما أثار الشجن فى النفوس وأنت ترى شبابا فى عز العطاء يفقد الإبصار تماما أو يفقد إحدى عينيه بقدر ما نجح الفيلم فى عبور تلك الحالة لنعيش مشاعر العزة مع هؤلاء الأبطال الذين منحونا الأمل فى غد أرحب وأجمل.

هل انتهت حقوق الأبطال؟ الفيلم لا يطالب مباشرة بأى تعويض أدبى أو مادى من الضرورى توفره وبكرامة لهم، ولكنك تسأل وأنت ترى تترات النهاية ما الذى قدمناه للذين لم يطلبوا سوى الحرية لبلدهم ولم يمنحهم أحد شيئا!!

كانت الثورة حاضرة طوال أحداث الفيلم وكان أيضا الإحساس بأن هناك من تآمر على عيون الثوار حاضرا.. «أنا اسمى مصرى» هو هتاف صرخت به عيون الشرفاء التى فقؤوها ولم يستطيعوا أن يكسروها!

 

البرنامج قتل الفيلم

طارق الشناوي

April 22nd, 2012 9:54 am

كثيرا ما تؤثر الوسيلة الإعلامية الحديثة على الوسيلة الأسبق.. الإذاعة غيَّرت الكثير من ملامح الصحافة، والتليفزيون دفع السينما إلى ضرورة البحث عن آفاق أخرى، وتظل الوسائط الإعلامية فى حالة صراع دائم من أجل البقاء.

الصحافة مثلا فى عصر الفضائيات والنت ليست هى الصحافة قبل هذا التاريخ، تم استحداث أبواب أخرى تتوافق مع إيقاع العالم الافتراضى كما أنها تأثرت بإيقاع الكتابة على «تويتر» و«فيسبوك».. اللغة «الرِّوْشة» أحد المظاهر التى من الممكن أن تلمح من خلالها هذا التأثير فى بُعده المباشر.

حدث نوع من التلاقح فى المبنى والمعنى أراه يشكِّل حالة إيجابية ولكن هناك دائما لكل شىء أعراض جانبية ومن خلال مشاهدتى لعشرات من الأفلام فى مهرجانى «الخليج» ثم بعد ذلك «الجزيرة الوثائقى» أرى عددا من الأعراض السلبية على الفيلم التسجيلى والمسؤول الأول عنه هو البرنامج التليفزيونى.. العديد من الأفلام التسجيلية تشعرك بأن القالب البرامجى مسيطر على كل تفاصيلها وهنا مكمن الخطر.

شاهدت مثلا فى الافتتاح الفيلم الفلسطينى «الحجارة المقدسة»، الفكرة براقة.. إسرائيل تغتصب حتى الحجارة الفلسطينية التى هى أحد العناصر الطبيعية التى لا تُستحدث، وهكذا فإن استخدامها فى البناء يعرِّضها مع الزمن للفناء، وهو ما أكده مخرجا الفيلم مؤيد عليان وليلى حجازى.. الأرض الفلسطينية عندما تعود إلى أهلها سنكتشف أن إسرائيل قد استحوذت على كل الحجارة!

الفيلم يُدين الفكر الإسرائيلى ويُدين أيضا الأسلوب الذى تتبعه فى أثناء استخراجها لهذه الأحجار مما يعرِّض أهالى القرية لمخاطر صحية جسيمة.. الرسالة التى أراد الفيلم إيصالها ملحة وحساسة ولكن غلب على مفردات الفيلم الإحساس البرامجى!

التليفزيون فرض قانونه على عدد من الأشرطة التى شاهدتها، ورغم ذلك فإن هناك من يواجه متحديا الغزو التليفزيونى.. أتذكر مثلا الفيلم المصرى «غير مصنف» للمخرج البراء أشرف الذى استند فى إيصال فكرته إلى ثلاثة فنانين كل منهم يريد أن يعبِّر عن نفسه، واحد تخصص فى الرسم على الجدران، والثانى موسيقِىٌّ يلحِّن للناس فى الشوارع، والثالث فنان مسرحى يقدِّم عروضه أيضا فى الشوارع.

الفيلم مغموس بروح ثورة يناير رغم أنه لا يرصدها، شارك فيها هؤلاء الفنانون بانتمائهم الوطنى وخيالهم الإبداعى.. مثلا الفنان الذى يرسم اللوحات فى الشوارع هو فى عُرف النظام متَّهم بتشويه الشكل العام للمدينة وهو أيضا متَّهم من قِبل الأمن بأنه لا يعرف المزاج الخاص للشعب الذى لا يريد أن يرى رسمًا على الحائط، ولكن طموحه الحقيقى فى المكان الذى يخفت فيه النور ويبرق وبه راقصة هذا هو المزاج المصرى كما يراه الأمن.

هل الروح المصرية التى أبدعت منذ الفراعنة كل هذه الرسوم على الجدران تخاصم الجمال؟ الحقيقة أن هناك أكثر من محاولة من فنانين تشكيليين لتجميل وجه مصر.. الثورة بالتأكيد لعبت دورا وهكذا مثلا فى ميدان التحرير ترى العديد من اللوحات، بل إن الفنان المصرى استطاع أن يقاوم الخرسانة المسلحة التى تقطع شوارع العاصمة بالعديد من الرسومات على تلك الجدران وبعضها قائم على الخداع البصرى وكأن العين تخترق الجدار وتتلصص لترى ما وراءه.

الثورة لم تكن هى القضية المحورية فى هذا الفيلم ولكن كانت هى أهم ما فى هذا الفيلم لأنها حرَّكت الروح الإبداعية من أجل أن ينتعش المبدع محاولا الوصول إلى الناس.. وتبقى قضية أخرى لمسها الفيلم وهى الخيط الرفيع بين الفن التجارى والجماهيرى.. التجارية مرفوضة تماما ولكن لا يوجد فنان لا يسعد بإقبال الناس، هو لا يقدم العمل الفنى على مزاج الناس ولكنه أولا يبحث عما يشعر به، يردد نغمته الخاصة ويتمنى أن يرددها الناس من بعده.

الثورة حرَّكت الكثير ولكن الآن هناك من يشكك فى جدواها ونتائجها.. أحد أبطال الفيلم الثلاثة قرر أن يشد الرحال إلى بيروت متغلِّبًا على تلك الضبابية التى يراها ولا يستطيع أن يتعامل معها ولكنى لم أَدْرِ لماذا بيروت وقبل ذلك لماذا السفر أصلا؟!

ويبقى أن أهم ما فى فيلم «غير مصنف» أنه بالفعل مصنف كعمل فنى سينمائى وليس برامجيًّا.. أفلت المخرج من هذا القيد الذى سيطر على العديد من الأفلام التسجيلية التى تنكرت فى ثياب البرنامج التليفزيونى.. أثبت أنه ليس بمشاهدة الرقص فقط ينتعش المصريون!

 

تيسير علونى على الحافَّة!

طارق الشناوي

April 21st, 2012 9:26 am

ثلاثة أسئلة طرحها تكريم الإعلامى تيسير علونى فى افتتاح مهرجان الجزيرة.. حكاية واحدة من الحكايات الاستثنائية فى تاريخ الإعلام العربى.. الرجل ينتقل من أفغانستان إلى العراق فى لحظات فارقة، ثم يُلقَى القبض عليه فى إسبانيا فى أثناء زيارته لعائلته، حيث إنه متزوج بإسبانية ويُقدَّم للمحاكمة ويُدان بالسجن سبع سنوات، ويخرج بعد تمضية فترة العقوبة ليجد نفسه يواصل النضال، فهو سورى وبلده يعيش فى ثورة، وعلى الفور ينضم إلى الثوار.. هذا الإعلامى الذى يقترب من الستين من عمره قضى قسطا وافرا منها، وهو يعيش فى المعارك الشائكة واقفا على الحافة.

السؤال الأول هو موقف المؤسسة التى ينتمى إليها، حيث إن قناة «الجزيرة» لم تتخلَّ عنه، صحيح أن هناك إدانة من المحكمة، وأصدرت حكما غريبا، فهى لم تقُل إنه مشارك أو منضم إلى تنظيم القاعدة، ولكنه طبقا للحكم كان يتعاون.. الخيط شائك فهو فى أثناء وجوده فى أفغانستان، وبحكم المهنة كان يجرى لقاءات مع قيادات تنظيم القاعدة، وكالعادة فإن الإعلامى يعتبر أن ما يحصل عليه هو سبق، ولكن ما أوقعه تحت طائلة القانون أنهم فسروا اللقاءات التى أجراها على أنها تعاون مع تنظيم إرهابى.. صحيح أنهم أبرؤوا ساحته من التفاعل مع تنظيم إرهابى، إلا أنهم فى نفس الوقت لم يمنحوه البراءة من التعامل!

السؤال الثانى هل الإعلامى أداة محايدة، وهل من حقه أن يتبنى وجهة نظر ما، وما الحدود بين أن تتعاون وأن تحصل على معلومات؟!

فى العرف الإعلامى هناك مصدر معلومات، وطبقا للقانون من حق الإعلامى أن يحتفظ بالمصدر ولا يبوح حتى للقاضى باسمه.. هل أنت كإعلامى تؤمن بأفكار هذا المصدر؟ كنا نتابع قناة «الجزيرة» ونشاهد العشرات من التقارير والأشرطة الخاصة التى تحصل عليها منفردة عن تهديدات تطلقها «القاعدة»، وأحيانا أحاديث صوتية ومرئية لأسامة بن لادن، وبالتأكيد كان السؤال: لماذا هذه القناة تحديدا تحصل على كل ذلك؟ هل ثمة خيط ما يجعل «القاعدة» تمنحها هذا الامتياز؟ هل هى فقط مصداقية القناة وانتشارها هى التى فرضت كل ذلك؟! لا أحد يعطى معلومات أكثر، ولكننا نعرف ونلاحظ ونرى العديد من المؤشرات.

وحتى تتسع دائرة الرؤية دعونا نلقِ نظرة على الحالة الإعلامية، خصوصا مع هؤلاء الذين لا تستطيع أن تجد مسافة بين وجودهم الإعلامى وآرائهم السياسية.. مثلا لدينا حمدى قنديل، لا يمكن لأحد أن يصفه بالمذيع المحايد، بل هو صاحب موقف عندما عاد إلى العمل فى التليفزيون المصرى فى برنامجه «رئيس تحرير» قبل 14 عاما وبترشيح مباشر من حسنى مبارك قادما من «art» لم يكن صدى للسلطة ولا لمبارك، وكان الاتفاق هو أن حمدى لديه حرية مطلقة فى برنامجه ولا يخضع رقابيا إلا لسلطة وزير الإعلام، ثم حدث الغزو الأمريكى للعراق فى 2003، وعرفت الرقابة السياسية طريقها إليه وظل ينتقل من قناة إلى أخرى باحثا عن شباك الحرية المفقود.

الإعلامى حمدى قنديل فى عزّ زمن مبارك كان قد أعلن انضمامه إلى جبهة التغيير ووقف مع البرادعى، صحيح تقطعت بهم السبل بعد ذلك ولم يستطع حمدى قنديل التعامل مع تركيبة البرادعى، وذهب كل منهما فى طريقه، ولكن الصحيح أيضا أن قنديل، سواء اتفقت أو اختلفت على موقفه من البرادعى، اختار أن يكون نفسه!

الإعلامى صاحب المبدأ يبدو عملة نادرة فى زمن نرى فيه الرهان على من يدفع أكثر، لا على من يمنح مساحة من الحرية أكثر. لا أحد ولا قناة تليفزيونية مستعدة لأن تقف مع مذيع يتعرض لتلك المواقف.

هل المذيع يتبنى أفكار المحطة التى ينتمى إليها؟ هنا نصل إلى البؤرة.. المذيع مثل الصحفى، عليه أن يختار الجريدة التى تتوافق معه سياسيا، وليس معنى ذلك أن يصبح هو معبرا عنها لتتطابق تماما فى كل التفاصيل.. هناك هامش من حدود الاختلاف ولكن لا يمكن أن يصل إلى حدود التناقض.

السؤال الثالث: هل يكمل المذيع مشواره فى أى مرحلة عمرية؟ الحقيقة هى أن اللياقة الإبداعية لها مؤشر واحد، هو القدرة على العطاء، وأعتقد أن علونى سوف يكمل المشوار فى «الجزيرة» ليختار تلك القضايا الشائكة التى تضعه دائما على الحافة.

 

لجنة التحكيم والتوازن الجغرافى

طارق الشناوي

April 20th, 2012 10:16 am

يحرص مهرجان «الجزيرة الوثائقى» الذى افتتح دورته الثامنة مساء أمس على أن لا يكرر جنسيات الأعضاء فى لجان التحكيم، والسبب بالطبع معروف.. وفى أغلب المهرجانات تقريبا يطبق أيضا هذا المبدأ الصارم الذى يختار الأعضاء وهو يضع أمامه الخريطة الجغرافية للعالم حتى لا يبدو أن هناك شبهة انحياز إلى بلد سواء كان الذى يقام على أرضه المهرجان أو بلدا آخر حظى بنصيب وافر من أعضاء اللجان!

والحقيقة أن هناك اتهاما مسبقا يطول كل من يشارك فى التحكيم بأنه ينحاز إلى بلده على حساب العدالة، بينما كثيرا ما نرى أيضا العكس حيث إن فنانى هذا البلد يتهمونه بأنه من أجل أن يؤكد عدالته فى التقييم فإنه يظلم بلده!

أحيانا يصبح الأمر مجالا خصبا للشائعات التى يتم تداولها فى كواليس المهرجانات.. أتذكر أنه فى إحدى دورات مهرجان دمشق السينمائى نُسب إلى رئيس اللجنة دريد لحام أنه قال «على جثتى.. لن تحصل مصر على جائزة»، والحقيقة أن هذا التعبير لم يصدر عن الرجل. صحيح أنا حاليا أختلف تماما مع كل المواقف السياسية التى يؤازر بها دريد الطاغية بشار الأسد مبتعدا عن آمال الشعب السورى فى الحرية، ولكن كل ما حدث وقتها أن دريد لم يتحمس للفيلم المصرى الذى كان مشاركا فى المسابقة وأراد صناع الفيلم بعد خروجه خاوى الوفاض من المهرجان أن يلتمسوا الأعذار لأنفسهم وللجمهور مؤكدين أنها الخديعة التى قادها دريد.

فى عالمنا العربى ينتظر دائما جمهور البلد المضيف أن يحصل الفيلم الذى يمثله على جائزة، وتمارَس أحيانا ضغوط من إدارة المهرجان سواء أكانت تابعة أو غير تابعة للدولة للوصول إلى هذه النتيجة التى تخاصم المنطق، وفى المقابل تصالح مشاعر الناس التى لا تعترف بأن هناك مهرجانا إلا إذا منحها جائزة.

فرنسا مثلا نادرا ما تحصل على جوائز فى مهرجان «كان» السينمائى، بل إن السينما الفرنسية كثيرا ما تتعرض للسخرية داخل المهرجان وتُتهم بالملل والبعد عن الإحساس الجماهيرى!

الثقافة التى تُعلِى من شأن العمل الفنى متجاوزة الجنسية نادرا ما أراها، خصوصا فى عالمنا العربى، ولكن هناك بالطبع استثناءات، الفيلم الجزائرى «نورمال» على سبيل المثال الذى حصل على جائزة مهرجان «الدوحة ترايبكا» فى نهاية العام الماضى، عندما شارك فى مهرجان وهران بعدها بنحو شهرين لم يحصل على جائزة، بل إن أعضاء لحنة التحكيم الجزائريين فى وهران كانوا الأعلى صوتا وراء استبعاده، وبعد ذلك تم تطبيق قواعد الجغرافيا وحصلت كل دولة عربية على جائزة ما عدا الجزائر!

«نورمال» بالمناسبة كان الأفضل فنيا، ولكن من الواضح أن مخرج الفيلم مرزاق علواش متهَم عند البعض بأنه يتاجر بمعاناة شعبه، وكثيرا ما يشهرون فى وجهه سلاح «نشر الغسيل القذر»، وعندما يعرض أفلامه حتى خارج حدود الجزائر يقابَل بدرجة عالية من الاستبعاد الذى يستند إلى نفس المعيار وهو أنه يسىء إلى سمعة البلد!

تعدد الجنسيات المشاركة فى لجنة التحكيم قد يراه البعض يحمل وجها إيجابيا، وهو كذلك بالفعل، ولكن لا يعنى تعدد الجنسيات أن نصل بالضرورة إلى نتيجة عادلة. ومن واقع خبرتى فى هذا المجال تستطيع وأنت تحلل نتيجة لجنة التحكيم أن ترى بنسبة ما سيطرة عضو فى اللجنة على التوجه، ليس بالضرورة هو رئيس اللجنة، ولكنه الأكثر قدرة على الإقناع.

من أسوأ ما يحدث فى لجان التحكيم ما يمكن أن نطلق عليه «التوازن الجغرافى»، حيث يمتد أيضا إلى النتائج وتستشعر أن اللجنة حريصة على إرضاء كل الجنسيات.. وكثيرا ما كان يحدث خصوصا فى المهرجانات ذات البعد العربى مثل مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون فى مصر. أتذكر أن أحد أعضاء اللجان -كان موظفا كبيرا فى التليفزيون اليمنى- كان يهدد بالانسحاب من اللجنة لو لم يحصل الفيلم اليمنى على جائزة لأن هذا يعنى إقصاءه عن موقعه الوظيفى فى اليمن!

أن ينحاز الفنان والإنسان عموما إلى بلده أراها ظاهرة صحية، ولكن عند التقييم الفنى من المفروض أن يصبح الأمر متعلقا فقط بمواطن الإبداع، فلا شىء من الممكن أن يقف أمام الإحساس بالجمال.

كان الموسيقار محمد عبد الوهاب يردد دائما «لا شىء يقف أمام الأجمل».. يا ليت أعضاء لجان التحكيم يؤمنون بمقولة عبد الوهاب.

 

جورج مسلمًا

طارق الشناوي

April 19th, 2012 8:56 am

عدت إلى مصر لمدة ساعات قليلة من مهرجان الخليج فى «دبى» لأنتقل بعد أقل من 24 ساعة إلى مهرجان الجزيرة فى «الدوحة».. لا ينعزل النقاد والصحفيون عما يدور فى وطنهم خارج إطار المهرجانات أو الندوات التى يوجدون فيها، ولكننا نكتب أكثر عما نراه ونلمسه أمامنا.

وفى هذه المساحة الزمنية المؤقتة بين المهرجانين وجدت أمامى العديد من الملاحظات كنت قد دونتها، ولكن تدافع الأفكار والأحداث فى المهرجان السينمائى حال دون تناولها!!

والتقط واحدة منها العديد من المواقع الصحفية، أفردت فى الحديث عن حقيقة إسلام جورج قرداحى، وكالعادة تضع مثل هذه الشائعات أصحابها فى حرج، لأن النفى فى ظل ما نراه ونلمسه الآن من الممكن أن يعيد البعض تفسيره أو حتى استثماره، ولكن أمام ارتفاع صوت الشائعة فكان لا بد من التوضيح، وهو ما فعله بالضبط جورج.. وكل من يشاهد جورج فى برامجه يستطيع أن يدرك إلى أى مدى يتمتع الرجل بثقافة إسلامية رفيعة، ولكن هذا لا يعنى اعتناقه الإسلام.

أتذكر مثلا أن المطرب هانى شاكر فى بداية مشواره الفنى مطلع السبعينيات كان يؤكد فى أحاديثه حرصه على أداء الصلوات الخمس، لأن البعض صور له أنه سوف يفقد شعبيته لو صدقوا شائعة أنه مسيحى.. الفنان محمد صبحى منذ 12 عاما كانت تلاحقه تلك الحكاية، وهى أن اسمه الحقيقى مجدى، وأنه مسيحى، ولكن والده أطلق عليه محمد، لأن كل الأطفال الذين أنجبهم قبله قد ماتوا.. مجموعة من التخاريف صاحبت بطل مسرحية «تخاريف»!!

هل تتأثر شعبية الفنان من خلال ديانته؟ هناك بعض المظاهر لا تجد لها تفسيرًا منطقيًّا، لو أنك مثلا سألت لماذا لم يظهر «جان» فتى أول مسيحى الديانة طوال تاريخ الدراما المصرية؟! أو لماذا لم يحقق مطرب مسيحى رواجًا جماهيريًّا ضخمًا؟! الأمر رغم غرابته، فأنا أراه يؤدى إلى نتائج خاطئة، فلو كان التفسير طائفيًّا فلماذا نجح هذا العدد من نجوم الكوميديا الأقباط؟! بل إن الضحك فى مصر لو أنك قررت أن تحيله إلى اسم فنان واحد يعبر عنه ويصبح عنوانه وغلافه لن تجد غير نجيب الريحانى.

علاقة الفنان بالجمهور لا يدخل فيها الانحياز الدينى ولا يمكن مثلًا أن نتصور أن المخرج داوود عبد السيد أو محمد خان عندما يستعين أى منهما بممثل أو مدير تصوير يلحظ ولا أقول يسأل أولا عن ديانته.. الحياة الفنية قائمة طوال العهود على أن البقاء للأفضل، ومن يحقق إنجازا فنيًّا أعلى أو إيرادات أكثر هو المطلوب بعيدا عن النظر أولا إلى خانة الديانة!!

لا أنكر أن هناك من يعتقد أن الدين قد يشكل حاجزا بينه وبين مشاعر الناس.. أتذكر ملحنا شهيرا قال لى إن الدولة لم تكن تستعين به فى تقديم أغنيات وأوبريتات أكتوبر فى زمن الرئيس المخلوع لأنه مسيحى، وكانوا يفضلون عليه الملحن المسلم.. قلت له هذا الملحن عرف كلمة السر ولا أظنك ستكتشفها، فهى ليست رشوة مادية بالضرورة، ولكنها قدرة خاصة تمكنه من الوصول إلى صاحب القرار، ثم لماذا فقط هذا الملحن المسلم الذى احتكر تلك الألحان، يوجد عشرات من الملحنين ولم تسند إليهم أى أغنيات فى أكتوبر أو غيره وكان بعضهم ليس لديه مانع فى أن ينافق المخلوع ويغنى له.. أنت موهوب وهو أيضا لا أنكر موهبته، ولكن بالإضافة إلى ذلك هو يملك موهبة فك الشفرة!!

تذكرت فى أثناء إقامة مهرجان الإسكندرية السينمائى فى أكتوبر الماضى، جمعتنى جلسة مع يحيى الفخرانى، حكى لى أنه فى مسلسل «زيزينيا» وبعد اعتذار آثار الحكيم عن أداء الجزء الثانى، قرر هو ومخرج المسلسل جمال عبد الحميد، والكاتب أسامة أنور عكاشة، أن الأنسب للدور هالة صدقى، وفوجئوا أن الإنتاج يعترض.. لم يجد المسؤول سوى حجة أن هالة مسيحية، والمسلسل يُعرض فى رمضان.. وأصر بالطبع الفخرانى وجمال وأسامة على هالة، فى مواجهة فساد موظف أكثر من كونه تعبيرا عن انحياز طائفى.. هل مشاعر الحب تتغير لو اعتنق جورج الإسلام؟!

 

نجم محتمَل مع إيقاف التنفيذ!

طارق الشناوي

April 10th, 2012 9:33 am

كما تشهد الحياة السياسية فى مصر تعبير رئيس محتمل، فإن الحياة الفنية صارت تطرح أيضا تنويعة مماثلة وهى نجم محتمل، وأكثر فنان ينطبق عليه هذا التوصيف الآن هو محمود عبد المغنى.

قبل 13 عاما شارك ثلاثة من الممثلين الجدد فى فيلم «عبود ع الحدود» دفع بهم المخرج شريف عرفة إلى عالم السينما تحت مظلة علاء ولى الدين، الذى كان يتحمل وقتها بمفرده مسؤولية الجذب الجماهيرى.. الثلاثة هم أحمد حلمى وكريم عبد العزيز ومحمود عبد المغنى. لم تمض سوى سنوات قلائل حتى وصل كل من حلمى وكريم إلى نجومية شباك التذاكر، بينما ظل عبد المغنى ممثلا موهوبا يصول ويجول فى الدور الثانى.

عبد المغنى شاهدته فى العديد من الأعمال سينمائيا وتليفزيونيا، ودائما ما ألمح وميض الموهبة يشع فى أدائه ولكنه لم يستطع تحقيق النجومية.. كانت له محاولة قبل ثلاث سنوات فى فيلم «مقلب حرامية» وتصدَّر اسمه الأفيش وشربنا المقلب.. كان الفيلم متواضعا فنيا وكان عبد المغنى أيضا غير قادر على جذب الجمهور.. لم ينجح عبد المغنى كبطل فى العبور إلى مشاعر الناس، وهذه هى المحاولة الثانية فى فيلم «رد فعل»، التى يتصدر فيها الأفيش باعتباره النجم الأول، ولكن لا تزال هناك مسافة مع الناس «رد فعل» هو فيلم بلا رد فعل!

اختار عبد المغنى فكرة سيكولوجية عن مريض بالانفصام يموت والده وهو طفل، ويعتقد خطأ أن هناك من قتله وتتعدد جرائمه، فهو يبدأ بمطربة قديمة كانت على علاقة بوالده وبعدها تبدأ سلسلة الجرائم وفى نفس العمارة.. اعتقد بسبب المرض العقلى الذى يعانيه أن هؤلاء هم قَتَلة والده.. الفيلم كتبه وائل أبو السعود وإيهاب فتحى وأخرجه حسام الجوهرى. ومنذ الجريمة الثانية اكتشف المتفرج بسهولة أن القاتل هو عبد المغنى، الذى يؤدى دور الطبيب الشرعى الذى تصب عنده كل هذه الجرائم، كما أنه صديق الضابط عمرو يوسف الذى يروى لصديقه كل التفاصيل.

بناء السيناريو المفروض أنه قائم على التشويق، حيث إن المتفرج عليه دائما أن يضرب أخماسًا فى أسداس، ويفشل فى اكتشاف اسم الجانى، ولكن لأن الحبكة الدرامية مفتعلة فلقد اكتشف المتفرج الجانى بسهولة، ولهذا اضطر المخرج فى النصف الثانى من السيناريو إلى الانتقال دراميًّا من المفاجأة، حيث التشويق القائم على خداع المتفرج، ولجأ إلى حيلة درامية مغايرة وهى المفارقة، التى تعنى أن المتفرج يعرف اسم القاتل بينما الأبطال لا يعرفون.

حرص السيناريو على أن يمنح مساحة للوجه الجديد حورية فرغلى، التى تؤدى دور ابنة خالة عبد المغنى، وهى طبيبة نفسية تتعاطف معه وترى أنه مريض وليس قاتلا.. وتنتهى الأحداث بعد أن تم احتجاز عبد المغنى فى مستشفى للعلاج النفسى، وهو يحتضن دمية كانت قد أهدتها إليه حورية ونشاهدها وهى فى زيارة له.

الفيلم لم يستطع أن يشكل أى إضافة لكل من شارك فيه، بل أتصوره على العكس خصم من أبطاله المحتملين أى نجومية محتملة.. مثلا حورية فرغلى كان هناك ترقُّب لها بالنجومية، وحققت نجاحا لافتا إلا أنك ربما لن تتذكر بعد نهاية عرض الفيلم أنها كانت فى الفيلم.

المخرج قدم فى العمارة نماذج شاهدنا خلالها فسادا فى المجتمع، مثل الصحفية وتاجر الذهب والطبيب والمحامى والممثلة الناشئة.. أراد السيناريو أن يحاكى رائعة علاء الأسوانى «عمارة يعقوبيان» إلا أن ما حدث فى هذه العمارة مجرد تجميع لعدد من السكان، ولا يوجد لدى الكاتب أو المخرج أى لمحة خاصة يضفيها على الشخصيات، كما أنه يقدم فيلمه معزولا فكريٍّا وسياسيًّا عما يعيشه الناس فى مصر، لا يشعرنا بأن هناك تأثيرا للزمن، بل مجرد حكايات مبتورة للسكان فى العمارة بلا رؤية اجتماعية أو نفسية.

ويبقى الحديث عن النجم الذى باءت كل محاولات تدشينه كنجم قادم بفشل ذريع.. هل عليه أن ينسى طموحه الدائم بأن يصبح نجما؟ أقول مع الأسف إن هذا صحيح، وإذا أراد أن يواصل الوجود فعليه أن يعود مرة أخرى إلى الدور الرئيسى الذى يمنحه ألَقًا وحضورا، أما نجومية شباك التذاكر فلقد كانت وسوف تظل شفرة عصيّة على التفسير.. بالتأكيد لا يمتلكها عبد المغنى!

 

بكار أم الصُغيّر!

طارق الشناوي

April 6th, 2012 8:23 am

نرى فى نهاية فيلم «حظ سعيد» لقطة لمصر بعد 30 عاما، حيث نجد أن حسنى مبارك لا يزال فى المحكمة، وقضية قتل المتظاهرين لا يزال يتداولها القضاء، بينما صور أبناء بطل الفيلم أحمد عيد على الحائط تشير إلى الرسالة التى يتبناها الفيلم، وهى أن مصر حائرة بين ثلاثة اتجاهات «الإخوان والسلفيين والليبراليين»، وهكذا اختار أسماء أبنائه الثلاثة فى السيناريو لتوحى بذلك، وهم «بديع» المرشد، و«بكار» المتحدث الرسمى لحزب النور، و«حمزاوى» المعبّر دراميا عن الاختيار الليبرالى، ولو امتد تصوير الفيلم إلى هذه الأيام لصعد على الفور اسم سعد الصغير كتوجه محتمَل يستحق أن يحمله الابن الرابع.

كان أحمد عيد واحدا من شباب الفنانين الذين شاركوا فى الثورة المصرية مع الأيام الأولى، ولهذا فإن تقديمه فيلما يتناول الثورة لا يمكن اعتباره مثل عدد من النجوم مجرد شعبطة على أكتاف شباب الثوار، ولكنه موقف اتخذه مبكرا، وكان من الممكن لو لم تنجح الثورة أن يدفع الثمن.

أصبحت الثورة المصرية أحد أهم المفردات التى يلعب عليها السينمائيون من أجل أن يصبحوا هم والجمهور على موجة واحدة.. دائما ما يتحرك السينمائى وفق الرهان على ما يريده الناس أو ما يعتقد أن الناس تريده.

وجاءت محاولة أحمد عيد فى فيلمه «حظ سعيد» أكثر إيمانا بالثورة، إلا أنه، ومع الأسف، يعانى من الفقر الشديد إلى حدود الهزال فى الإحساس السينمائى البصرى والفكرى، كما أنه ينحاز إلى التوجه الإخوانى.. السيناريو كتبه أشرف توفيق فى أول تجربة، والمخرج طارق عبد المعطى فى ثانى أفلامه الروائية بعد «عجميستا» يتحرك من خلال خطين يتوازيان بين أحداث الثورة وحياة البطل «سعيد».

الفيلم يمزج بين حياة عيد ومبارك، فى عدد من خطاباته التى يؤكد فيها أنه يقف دائما إلى جانب المواطن، ونرى ضابط الشرطة والمخبر وهما يتلذذان بضرب المواطن أحمد عيد، على قفاه كلما أتيحت لهما الفرصة، وهكذا كان صوت مبارك وهو يعلن انحيازه للمواطن يتم الرد عليه بتلك الصفعات التى تنهال على المواطن.. الخط الثانى هو بدايات الثورة التى انطلقت من ميدان التحرير.. يقدم المخرج لمحة توثيقية ويعقبها بحكاية «سعيد» التى هى حكاية ملايين من الشباب فى مصر، فهو يبحث عن أى وسيلة لكى يتزوج بمن أحبها، يعيش مع عائلته وشقيقه الكبير المتزوج فى نفس الشقة.. منعزلا تماما عما يعيشه الوطن، حتى ميدان التحرير يصبح بالنسبة إليه مجرد وسيلة تحقيق مكاسب مادية ببيع الكتب التى تتناول مختلف التوجهات الماركسية والرأسمالية والعلمانية والإسلامية، وفى نفس الوقت لم ينس الفيلم أن يفضح الثورة المضادة التى اتخذت ميدان مصطفى محمود مسرحا لها.

الخط التوثيقى فى بناء السيناريو يتابع خطابات مبارك التى واكبت الثورة والحسابات الخاطئة التى كان دائما ما يصدرها للناس، والتى تؤكد أن بينه وبين الشعب فروقا شاسعة فى التوقيت.. واستثمر الحوار الشهير الذى أجراه طلعت زكريا، وهو يدعو الشباب إلى العودة لمنازلهم، مؤكدا أن ميدان التحرير يشهد علاقات جنسية كاملة، وهو بالطبع من الحالات النادرة التى نرى فيها فنانا يفضح، ومع سبق الإصرار، زميلا له، ولكن كان عليه أن يفضح أيضا الآخرين، خصوصا المتحولين من مؤازرة مبارك إلى الهتاف للثورة.

كل شىء تجده فى هذا الفيلم، ينقصه العمق، كأنك ترى رسما تخطيطيا لشخصيات لم يكتمل بناؤها النهائى بعد.. ترى فقط ملامحها العامة على السطح حتى أداء الشخصيات فى الفيلم أقرب إلى الحالة الميكانيكية.. النكتة والإفيه المباشر يسيطران على الكاتب، فهو لا يترك موقفا يمر دون أن يبحث عن أسلوب استثماره فى محاولة للعثور على ضحكة، أو إن شئت الدقة قفشة.. أحمد عيد يشعرنى فى العديد من مشاهد الفيلم كأنه يقف على خشبة المسرح، ويقدم شيئا أقرب إلى «استاند أب كوميدى» ليلقى بنكتة ارتجالية على الجمهور، ولكن لا يعنيه إحساس الأداء، المهم أن تصل كلمات النكتة إلى مستحقيها.

يتباين مستوى عيد من فيلم إلى آخر، وهذه المرة شعرت بخفوت إحساسه أمام الكاميرا.. تضاءلت روح الكوميديا فى جنبات الفيلم، كأنه يقدم نشرة أخبار التليفزيون الرسمى تتخللها فقرة عن تامر بتاع غمرة!

 

تكريم نجوم الأرقام!

طارق الشناوي

April 5th, 2012 9:26 am

يطرح تكريم نادية الجندى فى مهرجان مسقط السينمائى فى دورته التى انتهت قبل أيام سؤالا عن الفنان التجارى الذى تحقق أفلامه أعلى درجات الجماهيرية، إلا أنه على الجانب الآخر لا يحظى بتقدير فنى ونقدى يتوازى مع الأرقام التى يحققها.

الإيرادات تشهد له، ولكن فى العادة تتجاهل المهرجانات هؤلاء النجوم، بل إنه من الحالات النادرة جدا أن يحظوا باهتمام نقدى.. سبق لمهرجان فينيسيا قبل ثلاثة أعوام أن كرّم نجم أفلام الأكشن سيلفستر ستالون وسط تساؤل وصل إلى حد الاستنكار من الصحافة العالمية عن مشروعية هذا التكريم!

نادية الجندى تم تكريمها فى أكثر من مهرجان عربى خارج حدود مصر مثل دمشق، كما أن المهرجان القومى للسينما كرمها فى واحدة من دوراته الأخيرة.. على الجانب الآخر عادل إمام صار فى السنوات الأخيرة هدفا للتكريمات فى مصر وخارج مصر.. كان عادل فى الماضى كثيرا ما يسخر من هؤلاء النجوم الذين يتنابزون بعدد الجوائز التى يحصدونها بينما يخرج هو لهم لسانه بالإيرادات التى تحققها أفلامه.

فى العادة لا يظل النجم إلى الأبد قادرا على الجذب الجماهيرى، سيلفستر ستالون لم يعد واحدا من كبار النجوم فى الإيرادات.. نادية الجندى ابتعدت عن السينما قبل عشر سنوات والحقيقة أن السينما هى التى ابتعدت عنها فلم تعد أفلامها تُثير شهية المنتجين بعد أن تضاءل حضورها فى الشباك.. ربما كان عادل إمام حالة استثنائية إلا أنه ولا شك تأثر هو أيضا ولكن بذكاء دائما ما يُطعّم أفلامه بعدد من النجوم الجدد ليضمن تواصل الجماهير من الشباب مع أفلامه، ولم يعد يعمل إلا مع المخرجين من هذا الجيل ليمنحوا أفلامه إيقاعا عصريا.. الإبداع الرقمى أيضا قيمة لا يمكن تجاهلها هؤلاء النجوم الذى يفضلون السينما التجارية وتحقيقهم الإيرادات يؤكد على أن خيطا من التواصل يجمعهم مع الجمهور، والدليل أن عددا كبيرا من الأفلام يتم صنعها طبقا للمواصفات التجارية وعلى مقاس ومزاج عدد النجوم، ولو أنك مثلا استبدلت بنجوم هذه الأفلام فنانين لديهم موهبة أكبر فى فن الأداء ولكنهم ليسوا نجوم شباك فلن تحظى هذه الأفلام بأى إقبال جماهيرى. لو استرجعت مثلا ما يقدمه سيلفستر ستالون وعادل إمام ونادية الجندى فسوف تكتشف أن قدراتهم الأدائية محدودة.. هم فى الأغلب يقدمون نفس الشخصية الدرامية ولكن بتنويعات مختلفة.. هم أيضا لديهم صورة ذهنية حافظوا عليها، والجمهور لعب دورا إيجابيا فى استمرار هذه الصورة. الصحيح بالطبع أن لهؤلاء عمرا زمنيا بعده تبدأ رحلتهم فى العد التنازلى، مثلما عاشتها مثلا نادية الجندى التى قدمت آخر أفلامها «الرغبة» قبل عشر سنوات.. بينما على المقابل اسم عادل إمام لا يزال مطروحا على أجندة شركات الإنتاج.. ومسلسله الأخير «فرقة ناجى عطا الله» هو صاحب الميزانية الأعلى بين المسلسلات، بل إن أجره الـ30 مليون جنيه لا يزال يثير تساؤلات عن حقيقته، هل هو بالفعل حصل على هذا الرقم أم أن المنتج يعلن ذلك كنوع من تحلية البضاعة؟!

كل نجم من هؤلاء لديه أسلحته من أجل البقاء.. ستالون رأسماله الحركة واللياقة الجسدية، ولهذا يلعب الزمن دورا سلبيا ويخصم من حضوره، إلا أنه فى الجزء رقم 6 فى سلسلة روكى قدم دور بطل ملاكمة عجوز فى الستين يحاول أن يسترد مكانته ليتواءم مع المرحلة العمرية والشكلية التى يعيشها.. نادية الجندى لعبت أنوثتها دور البطولة فى مشوارها كانت هى سلاحها الأثير ولهذا تضاءل حضورها لأن للزمن دائما بصماته، وهى حاليا تقف فى خط الدفاع الأخير لها وهو التليفزيون، تظهر عاما وتغيب اثنين لأن السوق حتى فى الفيديو لم تعد ترحب بها ولكنها لا تزال تقاوم.. أما عادل إمام فإن الكوميديا بطبعها تتغير مفرداتها من جيل إلى جيل، ولهذا فإن الذروة الرقمية قد لا يحققها عادل دائما.. هكذا مثلا نجد أن محمد هنيدى فى مرحلة زمنية تفوق على عادل ثم تتابعت المراحل مثل محمد سعد وأحمد حلمى وأحمد مكى، ولكن لا يزال عادل له مكانة فى الدائرة الرقمية!

كُرمت نادية الجندى فى مسقط لأنها كانت فى زمن ما هى نجمة الأرقام، حتى لو خذلتها الآن الأرقام.

 

اتسعت الموهبة وضاقت الفرصة

طارق الشناوي

April 2nd, 2012 8:57 am

منذ عشرين عاما عُرض فى المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى فيلم «ليه يا بنفسج»، أول أفلام المخرج الراحل رضوان الكاشف، وفى الندوة التى أعقبت العرض أثنينا جميعا على سيد عبد الكريم الشهير بـ«زينهم السماحى»، وتوقع الكثيرون أن يحصل على جائزة عن دور «العربجى»، وليلة إعلان الجوائز سألنى: هل أحصل على جائزة؟ قلت له تستحق يا أستاذ، إلا أن المهرجان لا يمنح جائزة الدور الثانى.. أتذكر أننى كتبت عنه أنه يذكرنا بجينات استيفان روستى وزينات صدقى وعبد الفتاح القصرى، هؤلاء الذين لا يحصلون على البطولة، ولكن بعد نهاية عرض العمل الفنى يحتلون على خريطة مشاعرنا مكانة الأبطال.

انتظرت أن يحتل مساحة أكبر على الشاشة الفضية، إلا أن الحقيقة هى أن الشاشة الكبيرة ظلت علاقته بها محدودة لا تتناسب مع حجم موهبته. شاهدناه مع يوسف شاهين فى «المهاجر» وعاطف الطيب فى «كتيبة الإعدام»، وساندرا نشأت فى «حرامية كى جى تو»، وبقدر ما اتسعت له قلوب الناس بقدر ما ضاقت الفرص المتاحة أمامه حتى جاء خبر رحيله، قبلها ربما بأسبوع واحد كنت أقرأ عن معاناته فى المستشفى، وكيف أن الإدارة ضنت عليه بالرعاية التى يستحقها كمواطن قبل أن يكون فنانا.

نسج سيد عبد الكريم علاقة دافئة مع الجمهور منذ دوره «زينهم السماحى» قبل ربع قرن، المعلم صاحب المقهى فى «ليالى الحلمية»، المسلسل الأشهر فى تاريخ الدراما المصرية، والذى أصاب الكثير من نجومه بلعنة النجاح الطاغى، حيث إن الناس لم تعد ترى نجومه إلا فى هذه الشخصيات.

الفنان صلاح السعدنى كان يأتى إلى الندوات التى تقام للمسلسل وهو يرتدى زى العمدة «سليمان غانم»، وكانت صفية العمرى قد وصلت إلى قمة نجاحها فى «نازك السلحدار»، ولم تستطع أن تعبر إلى آفاق أعلى بعد هذا الدور، وكان «زينهم السماحى» إحدى العلامات التى اخترقت صندوق التليفزيون، لتستقر فى وجداننا، باعتباره المعلم الشهم الجدع، ولهذا أعرب عبد الكريم عن حزنه عندما علم أن صديقه الكاتب الدرامى أسامة أنور عكاشة، لن يمد حلقاته فى الجزء الرابع من «ليالى الحلمية»، حيث قرر رحيله عن الحياة.

كان سيد عبد الكريم صاحب بصمة خاصة فى دور المعلم الذى أصيب بحالة من التنميط بعد المعلم «رضا»، الذى أدى هذا الدور قبل نحو نصف قرن.. كل من لعب شخصية المعلم بعد الفنان الراحل الكبير محمد رضا، كان مجرد صورة باهتة من «رضا»، بينما سيد عبد الكريم من خلال سيناريو عكاشة وإخراج إسماعيل عبد الحافظ، نسج رؤية أخرى، وكان لديه مفتاح مغاير صدّقه الناس.

ظل سيد عبد الكريم واحدا من الشخصيات الهامة والرئيسية التى يقدمها دائما أسامة أنور عكاشة فى كل أعماله الدرامية، وشاهدناه مع المخرج محمد فاضل فى «الراية البيضاء»، وجمال عبد الحميد فى «زيزينيا»، حتى «المصراوية» آخر أعمال أسامة للمخرج إسماعيل عبد الحافظ.. ورحل أسامة أنور عكاشة قبل عامين، و«كانت فجيعة، عبد الكريم» مضاعفة، فلقد فقد الصديق وفقد الكاتب الذى يعرف بالضبط كيف يرسم ملامحه على شاشة التليفزيون.

ورغم ذلك، فأنا لا أنسى دوره فى «أهل كايرو» للمخرج محمد على والكاتب بلال فضل، لعب شخصية التُربى، كان دورا صغيرا فى عدد مشاهده، ولكن سيد عبد الكريم منحه ألقا وعمقا.

أشعر دائما أن هناك عددا من الفنانين نضن عليهم بالضوء فى حياتهم، وهم بالتأكيد يستحقون منا أن نتوقف عند إبداعهم بالتحليل والنقد، ولا أعفى نفسى من المسؤولية.

د.عبد الكريم الأستاذ الجامعى الذى لم يترك موقعه فى السلك الأكاديمى، ولكنه لبّى نداء نداهة الفن، وهكذا درس فى معهد السينما، لكى يلم بتفاصيل الفيلم السينمائى، وكان طموحه الدفين هو الفن السابع، إلا أن السينما لم تضعه على خريطتها إلا قليلا.

عانى سيد عبد الكريم كثيرا فى السنوات الأخيرة عندما اكتشف أنه خارج الدائرة، وكان يعتز بكرامته فلم يطرق هو باب أحد، وهكذا مرت الأيام والسنوات الأخيرة ما بين مرض وتجاهل، لنقول وداعا للمعلم «زينهم السماحى».

 

سيرة «نور».. ومسيرة «مبارك»!

طارق الشناوي

April 1st, 2012 10:58 am

ما إن تأتى سيرة نور الشريف حتى يتذكر الناس أنه أدى شخصية مبارك قبل ثلاث سنوات فى المسلسل الإذاعى «سيرة ومسيرة».. نور يؤكد أنه لم يكن يجرؤ أن يقول لا، ويضيف أنه كان على استعداد لتقديمها فى مسلسل تليفزيونى، لكن مبارك هو الذى رفض.. لم يكتف نور بهذا القدر فهو يعلن أن أداءه دور مبارك لا يختلف عن أى شخصية درامية أخرى ليس بالضرورة أن يكون مقتنعا بأفكارها!

هل حقا لم يكن نور يستطيع أن يعتذر بلباقة عن الدور.. الفنان الذى يغنى أو يمثل لمبارك بمقدوره أن يقول لا، لكنه ينبغى أن يعلم أيضا أن عليه أن يدفع الفاتورة.

لا أتصور أن الأمر سوف يصل بالضرورة إلى الاعتقال، لكن هناك سلاح التعتيم الإعلامى.. لو اتسعت دائرة الرؤية وامتدت إلى العالم العربى سوف تجد أن الفنان السورى مثلا لا يجرؤ على إعلان موقف معادٍ ضد الأسد إلا إذا كان فى نفس الوقت يترقب دخوله المعتقل.. فى مصر الرفض يساوى أن يصبح تحت مرمى الدولة، ضرائب تفتش فى دفاتره، ورقابة تتابعه، وأجهزة أمن تتصيده.. الدولة تملك أسلحة إلا أن الفنان أيضا ينسى أحيانا أنه يملك حماية جماهيرية، ولن يستطيع الحاكم أن يمسح فى لحظة تاريخه.

فى الماضى كانت الدولة إذا غضبت على فنان تستطيع أن تمنع عنه الماء والهواء، يكفى أن تُصدر أوامر بمنع نشر صوره أو الإشارة إلى اسمه فى أجهزة الإعلام، لكن مع انتشار الفضائيات لم يعد هذا ممكنا. الأنظمة القمعية لها الآن الإعلام الأرضى فقط، لكن الفضاء فى ظل أكثر من 700 فضائية ناطقة بالعربية لا يستطيع أحد إحكام السيطرة عليها.

نور الشريف واجه هو وبوسى فى عام 91 شيئا من هذا من خلال مؤسسة «أخبار اليوم»، عندما عاقبه الكاتب الصحفى إبراهيم سعدة بسبب بطولته وإنتاجه فيلم «ناجى العلى»، اعتبرها سعدة معركة شخصية، وكل إصدارات مؤسسة «أخبار اليوم» وضعت نور فى القائمة السوداء، وامتد العقاب أيضا إلى بوسى التى لم تشارك فى الفيلم لمجرد أنها كانت زوجته، ولم تتأثر نجومية نور الشريف، لأن هناك جرائد أخرى أفردت له على المقابل مساحات موازية.. الزمن تغير وكان نور الشريف يستطيع أن يعتذر عن المسلسل الإذاعى، وينسحب فى هدوء، خصوصا أنه يعلم أن تقديم شخصية مثل حسنى مبارك وزوجته وابنيه فى هذا المسلسل الإذاعى كان الغرض الوحيد منه هو تلميع مبارك والتمهيد لتوريث الحكم لجمال، وبالتأكيد نور لم يكن مغيبا، ويعلم ويرى كل ذلك.

نور ليس هو فقط الذى نافق، أغلب النجوم خصوصا من جيل نور مواقفهم تتشابه ولا أصدق ما يعلنونه الآن بأنهم كانت لديهم مواقف معارضة.. عادل إمام كان الأعلى صوتا فى مبايعة مبارك وابنه، لكنى لا أنسى مثلا فى أحد لقاءات مبارك مع الفنانين طلب محمد صبحى الكلمة، وقال أنا بعتب عليك يا ريس، فأنا كنت أعد الجزء السادس من «سنبل»، الذى يتناول بطالة الشباب، لكنك وضعت حلا لتلك المشكلة، ووضعتنى أنا فى مشكلة لأنى اضطررت إلى إلغاء تصوير هذا الجزء.. ولا يمكن أن نتخيل الفنانين الذين التقوا مبارك قبل خلعه ببضعة أشهر سوى أنهم مثل ما هو متوقع فى هذه الأحوال قد واصلوا ترديد أغنيات النفاق.

أعرف بالطبع أن الفنان لا يدخل فى خصومة مع الحاكم.. من الممكن أن أتفهم ذلك، لكن ليس من المنطقى أن يغنى أو يمثل ويشيد ويقدم حياته فى عمل فنى، ثم يعلن أنه لم ينافق ولم يحصل على الثمن.

العلاقة مع الحاكم والخضوع له نجدها وقد صارت هى «التيمة» الرئيسية التى يرددها أغلب النجوم الآن وبتنويعات متعددة، وتقرؤها عبر تلك الإجابات التى تتكرر، مثل: لماذا الخوف من التيار الإسلامى؟ أو لو طلب الإخوان أن أقدم مسلسلا من إنتاجهم لن أفكر مرتين، بل سأوافق وبلا شروط أو أنهم صوتوا فى الانتخابات لصالح حزب الحرية والعدالة، ولا أتصورهم بعيدين الآن عن مبايعة كل المواقف التى يتبناها المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. نور الشريف ليس وحده، أغلبهم كانوا مثله على استعداد لتقديم «سيرة ومسيرة»!

التحرير المصرية في

01/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)