حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الحوار سيئ والأفلام بلا روح

السيف لا القلم يجهز على البطولات الإغريقية

محمد رضا

 

قبل عامين، حينما خرج فيلم “صدام التايتنز”، كانت الشكوى الأكثر تردداً بين النقاد هي أن الحوار من السخف بحيث يمكن إدراجه بين أسوأ حوارات التاريخ . ثلاثة كتبوا الفيلم لكن أحداً لم يتحمّل مسؤولية حواره الذي جاء ركيكاً وساذجاً يُثير الضحك في الأماكن التي من المفترض أن يُثير فيها الجد . كذلك فإن الأبعاد الثلاثة التي استخدمت فيه كانت بمثابة تجسيد ثلاثي للرداءة الشاملة التي وفّرها المخرج لويس لتيرييه . الفيلم الجديد “غضب الكايتنز” بقلم ثلاثة كتّاب جدد لا يزال يرزح تحت عبء حوار لا يحمل شيئاً من ثقافة الإغريق رغم أنه يدور حول مفاهيمهم وتاريخهم وأساطيرهم . المخرج جوناثان لايبرمان، الذي شاهدنا له قبل عام واحد “معركة لوس أنجلوس” لا يبدو أيضاً معنياً بتلك العناصر الإغريقية فلديه مطرقة على شكل فيلم يريدها أن تحطّم الإيرادات وتنجز الوعد الوحيد الذي تكترث له  الاستديوهات الكبيرة أكثر من سواها: شبّاك التذاكر .

مثل عشرات القصص، بل مئاتها إذا ما رجعنا إلى التاريخ البعيد، يبدأ الفيلم بالبطل وقد نأى بنفسه عن القتال . هذا- على سبيل المثال وحده- كان حال أرنولد شوارزنيغر في “كوماندو” (1985) وسلفستر ستالون في “رامبو 3” (1988) ودائماً ما يجد نفسه وقد عاد عن قراره لسبب لا يتغيّر كثيراً من فيلم إلى آخر: هو الوحيد الذي يستطيع إنقاذ العالم مما يُحاك ضدّه . وفي هذا الفيلم نجد برسيوس (سام وورثنغتون)، الذي تم تقديمه بطلاً ميثالوجياً نصفه بشر ونصفه الآخر من صنع الآلهة، يعيش حياة الصيّادين في بلدة بحرية بعيدة مع ابنه هيليوس بمنأى عن المتاعب . هذا النمط من الحياة هو ما كان فيلم آخر، دار في العصر ذاته بعنوان “خالدون” (إخراج تارسم سينغ داندوار-2011) بدأ به أحداثه أيضاً قبل أن يرمي ببطله (هنري كايل) في معمعة الأحداث . ما يحدث مع برسيوس هو أن والده زيوس (ليام نيسون) الذي يجد نفسه محط مؤامرة كبيرة . ما أن ينطلق زيوس وصحبه حتى يبدأ “الغرافيكس” شغله . الحقيقة أن المشاهد يستطيع، من هنا، أن يغفل عن القصّة ويستبعد اللامنطق (حتى اللامنطق الطبيعي لميثالوجيا أسطورية) ويشاهد فيلماً احتشدت له المشاهد المضخّمة المنفّذة على الكمبيوتر إلى درجة أن الشخصيات البشرية تصبح مجرّد مظاهر وديكورات قياساً بحجم المؤثرات المستخدمة . الوحوش التي يتفنن مصممو المؤثرات بتصميمها تبدو من الشراسة بحيث يتساءل المرء كيف يمكن لها أن تخسر معاركها ضد الحفنة الخيّرة من الشخصيات، خصوصاً وأن كل وحش تم تزويده برأسين أو ثلاث والبعض برأسين في الأمام ورأس في المؤخرة أيضاً . إلى ذلك هناك الجبال المنفجرة وكرات النار المتطايرة وضجيج مدوٍ وكلّ ذلك بالأبعاد الثلاثة كما لو كان هذا النظام بات مفروضاً لمعاقبة المشاهدين أكثر مما يقصد تسليتهم .

كل من “صدام التايتنز” و”غضب التايتنز” مستوحى من فيلم كان المخرج دزموند ديفيز أخرجه سنة 1981 من بطولة مجموعة من الممثلين الذين يعرفون الفرق بين التمثيل والحركة من بينهم هاري هاملن وكلير بلوم ولورنس أوليفييه وماجي سميث . حتى أرسولا أندرس، التي قيل عنها إنها جمال من دون موهبة، تبدو اليوم، بمراجعة ذلك الفيلم، كما لو كانت ميريل ستريب قياساً بمستوى التمثيل في فيلم اليوم . إلى ذلك، فإن الفيلم السابق، استخدم السيف والكلمة في توازن جيّد . وحين جاء وقت استخدام المؤثرات فإن صانعها في الفيلم السابق هاري هاوزن، الذي كان من بين كبار فناني المؤثرات ومصمميها، اشتغل بيديه على الدمى المتحرّكة التي استخدمت مكان الوحوش المنفّذة على الكومبيوتر في الفيلمين الحديثين . والتأثير كان أفضل، كون لا جانب واحداً من العمل يأخذ من حق ومساحة الجانب الآخر . في المقابل، “غضب التايتنز” عمل بلا روح وبلا موهبة مضروب بنظام الأبعاد الثلاثة .

أليخاندرو أمنبار ابن تشيلي الذي غنّى للإسكندرية

لم تنجز السينما المصرية، لا في متاهاتها الحالية ولا في ماضيها الشاسع، فيلماً يتغنّى بمكتبة الإسكندرية ومآثرها وعلومها وتأثيرها كما فعل المخرج التشيلي أليخاندرو أمنبار في فيلمه الأخير “أغورا”.

“أغورا” هو فيلم لا يخلو من المعارك على غرار الأفلام التاريخية الأخرى، لكن من دون مؤثرات، ومع الكثير من الأفكار المطروحة التي تدور حول السياسة والدين والفلسفة ووضع المرأة في المجتمع . وهو يدور في القرن الرابع بعد الميلاد لكن معانيه تبدو ممتدة في خطوط مستقيمة إلى ما يمر به العالم العربي اليوم من حالات تتعلّق بالمعارك السياسية والدينية ووضع المرأة في المجتمع العربي . كل ذلك، في “أغورا” متمحور حول الفتاة هيباتيا (راتشل وايز) التي تمضي وقتها تلقّن طلبتها ما تعرفه من علوم وثقافات في الوقت الذي تعايش فيه الصراع الدائر بين المسيحيين والملحدين بها . والمخرج لا يقدّم الفريق الأول كما لو كان فريقاً مسالماً فقد جنح للسلاح والقتال دفاعاً عن نفسه وارتكب في خلال ذلك سلسلة من الاعتداءات بينها المكتبة ذاتها . كل ذلك، في ابتعاد مقصود عن الإثارة التي تقدم عليها الأفلام التاريخية الأخرى، لكن ليس بعيداً عن عادة المخرج أمنبار الذي ينشد تقديم مستوى مختلف بصرف النظر عن نوعية الفيلم الذي يخرجه، تشويقياً كان أم عاطفياً أو رعباً .

إنه ابن أم اسبانية وأب تشيلي وولد قبل أربعين سنة مع وصول الدكتاتور بينوشت للسلطة . كون والدته حاربت ضد الفاشية الإسبانية قبل ذلك، جعلها تقرر أن تعود بعائلتها إلى مدريد بعيداً عن الجو الفاشي الجديد وكان عمر أليخاندرو عاماً واحداً .

لم يُعرف عنه أنه كان تلميذاً نجيباً، ويقال إنه أخفق في عدد من التخصصات قبل أن يقرر دراسة السينما، لكنه لم يمكث طويلاً في الدراسة السينمائية وانقطع عنها ليبدأ تحقيق أفلامه مباشرة . في العام 1992 بدأ بإخراج أفلام قصيرة قام بكتابتها وتصويرها وتأليف موسيقاها أيضاً . في العام 1996 حقق فيلمه الروائي الأول “أطروحة” الذي لفت الأنظار إليه . بعده مباشرة أنجز “افتح عيناك” القصّة الغريبة حول مشوّه فقد فيما فقده إيمانه بحبه والناس . هذا الفيلم تم تحقيقه هوليوودياً تحت عنوان “فانيلا سكاي” من إخراج  كاميرون كراو وبطولة توم كروز . بعده أنجز فيلماً لم يشهد نجاحاً واسعاً هو “ألسنة الفراشات” ثم فيلم لاقى المصير نفسه هو “لا أحد يعرف أحداً” (1999) لكنه عاد فاخترق العروض العالمية عبر “الآخرون” الذي قامت ببطولته نيكول كيدمان . وإذا ما كان “افتح عيناك” غرائبيا وعاطفياً، فإن “الآخرون” كان رعباً، في حين أن الفيلم اللاحق “البحر بداخلي” كان إنسانياً . وفي كل هذه الأفلام كان أمنبار متفوّقاً .

أوراق ومشاهد

في تلك اللحظة

في اللحظة التي كان من المفترض بالممثل جون فينش أن يُفاجأ فيها بوحش يخرج من بيضة كبيرة ويلتصق بوجهه ليقتله، شعر ببوادر أزمة قلبية . كان ذلك في مشهد من فيلم الرعب الفضائي Alien سنة 1979 والمخرج ريدلي سكوت على وشك إعطاء أمر البدء بالتصوير . وقف جون فينش على مقربة من الكاميرا في لقطة قريبة مستعداً لكنه فجأة أحس بألم في القلب فاستند إلى الجدار القريب وهرع إليه المخرج ومعاونوه، جون فينش لم يسقط أرضاً لكن أحداً لم يكن في وارد المخاطرة وتم نقله إلى المستشفى حيث تم الإعلان أن عليه أن يخضع للمعالجة وبالتالي لن يستطع استكمال التصوير .

البديل كان مواطنه الإنجليزي جون هيرت الذي لبّى الدعوة سريعاً . بطبيعة الحال كان عليه إعادة تصوير المشاهد التي قام بها فينش واستكمال المشاهد التي نصّ عليها السيناريو . ذلك المشهد المعيّن صوّر باكراً لكنه في الواقع آخر مشهد لجون هيرت في الفيلم الذي قادت بطولته سيغورني ويفر (معظم رجال الفيلم يسقطون موتى بفعل اقتحام وحش فضائي المركبة التي كانوا يستقلونها) .

وقف فيلم “غريب” على الخط النحيف بين الرعب والعنف . وذلك المشهد الذي نرى فيه الوحش ينزلق سريعاً من شرنقته إلى وجه الشخصية هو أحد المشاهد التي تجمع بين الاثنين . بعد ذلك يفقد الممثل وعيه والوحش يبدو كما لو انفصل عنه، لكن الواقع هو أنه زرع نفسه في داخل الشخص كما هي وسيلته في الفتك بالبشر .

حين ترشيح الفيلم للأوسكار فإن الخانة الوحيدة الذي نال فيها جائزة هي مسابقة أفضل مؤثرات وقام به خمسة فنانين من بينهم السويسري ه .ر . جيجر والأمريكي كارلو رامبالدي، وهما من بين الأشهر في ميدانهما .

ريدلي سكوت أنجز الآن جزءاً جديداً من هذا الفيلم (الخامس في السلسلة) ويؤكد أن النيّة هي العودة إلى ما جسّده الفيلم السابق من تشويق وتخويف مع فريق جديد بالكامل من بين ممثليه تشارليز ثيرون، ناوومي راباس، مايكل فاسبندر وإدريس إلبا .

م .ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

08/04/2012

 

رحيل المخرج الفرنسي كلود ميلر

شاعر الحديقة السرّية

نديم جرجورة 

لم يشأ أن يتخلّى عن الكاميرا السينمائية أبداً. أرادها أسلوب حياة. بدا، بهذا، منسجماً ومساره الحياتي، جاعلاً الإخراج السينمائي وسيلته الوحيدة لمواجهة الدنيا. لكن المرض السرطانيّ، الذي أصابه مؤخّراً، أقوى: صباح أمس الأول الخميس، توفّي المخرج الفرنسي كلود ميلر عن سبعين عاماً، قبل خمسة عشر يوماً فقط على موعد إعلان البرمجة الرسمية للدورة الجديدة لمهرجان «كانّ»، التي يُمكن أن تتضمّن فيلمه الأخير «تيريز د.»، المقبتس عن رواية لفرانسوا مورياك. وهو، إذ اعتبر أن السينما قدره، بدأ تنفيذ فيلمه الأخير هذا بعد أشهر قليلة على إنهائه «انظروا كيف يرقصون» (2011). كأنه، بهذه الطاقة الإبداعية على العطاء، بل بشغف الاشتغال السينمائي، أراد تأكيد دائماً أنه متمتّع بقدرة على حماية أولوياته: السينما أولاً وأساساً.

نفوس كئيبة

«ابن الحرب والضاحية»، كما وُصف ذات مرّة، عاصر انبثاق فجر «الموجة الجديدة» في فرنسا، وعمل مساعداً لبعض أبرز سينمائييها (جان ـ لوك غودار وفرانسوا تروفو)، لكنه ظلّ على مسافة منها، ومهموماً بالنبرة الجمالية في كشف خفايا الذات وتمزّقاتها. «ابن الحرب والضاحية»، وُلد في باريس في العشرين من شباط 1942، من أب موظّف في صالة سينما «لو غران ريكس» في العاصمة الفرنسية، حيث تولّد لديه هذا العشق الكبير للفن السابع، وذاك الهيام بالتقاط التفاصيل المعتملة في «النفوس الكئيبة». غير أن نشأته الأولى حدثت في «مونروي»، إحدى ضواحي باريس، بعد اختبار الموت الذي واجهته العائلة الصغيرة (إنه الابن الوحيد لأبويه، علماً أنه اكتشف لاحقاً «وجود» شقيقة له لم يتحدّث عنها أحدٌ أبداً أمامه)، في ظلّ التسلّط النازي، ومطاردة اليهود. فوالده اليهوديّ «نجا» من معسكرات الاعتقال، لأنه رفض تعليق «النجمة الصفراء» التي فرضها النازيون على اليهود في أوروبا. اختبار الموت في طفولة مبكّرة، قد يكون دافعاً له إلى الهيام بـ«النفوس الكئيبة»، وبأحوال ناسها التائهين في الحيّز الفاصل بين وهم الحياة وحقيقة الموت. ولعلّ هذا الاختبار نفسه، معطوفاً على تفتّح وعيه الأول داخل صالة سينمائية، كانا الإشارة التأسيسية لبداية حياته السينمائية. طفولة أولى محاصرة بشيء من الفقر، وأجواء حرب خانقة، وبدايات الخروج من نفق الخراب الفظيع: أليست هذه كلّها أداوت تحريضية قادته إلى اختيار الطريق الصعب في إعادة تشكيل العالم، والسعي لفهم النفوس والأرواح؟ أليست هذه كلّها نواة المشروع الإنساني المتكامل، الذي أراده الشاب المتعطّش للصورة، والمهووس بسينما إنغمار برغمان وألفرد هيتشكوك؟

غير أن كلود ميلر لم يُترجم شغفه السينمائي إلى مهنة، إلاّ بعد انتسابه إلى «معهد الدراسات السينمائية العليا» في مطلع الستينيات، أي في إحدى أجمل العشريات المفصلية في التاريخ الثقافي والحياتي والإنساني، المتمثّلة بـ«ثورة 68» وتأثيراتها الجمّة في إعادة رسم ملامح جديدة لمجتمع وبلد وثقافات. ولعلّ العشرية المفصلية نفسها، بغليانها وتحوّلاتها، جعلته يتأخّر في تحقيق فيلمه الروائي الطويل الأول كمخرج إلى العام 1976 (أفضل طريقة للمشي)، مع أنه أمضى الأعوام هذه في التمرين الميداني على العمل السينمائي، باشتغاله مساعداً لعدد من مخرجي تلك المرحلة، أمثال مرسيل كارني (ثلاث غرف في مانهاتن، 1965) وميشال دوفيل (الجندي مارتن، 1966) وروبير بروسّون (بمغامرة بلتازار، 1966) وغودار (عطلة نهاية الأسبوع، 1967). أما اشتغاله مع تروفو، فتمّ عبر تسلّمه إدارة إنتاج بعض أفلامه، كـ«الإنكليزيتان والقارة» (1971)، من دون تناسي أفلامه القصيرة، التي بدأ تحقيقها منذ العام 1967.

ارتباكات

تناول فيلمه الطويل الأول مسألة العلاقة المرتبكة بين فردين، في محاولة سينمائية لفهم دلالات الارتباك والتناقض (تمثيل باتريك دوير وباتريك بوسيتي). ألحقه بفيلم ثان في العام التالي، بعنوان «قل له إني أحبّك» (تمثيل جيرار ديبارديو وميو ميو)، الغارق في رحلة الجنون القاتل لعاشق أدرك أن المرأة المعشوقة تتنصّل منه، بعد حادث سير قُتل زوجها بسببه. أي أن بدايات ميلر انطلقت من سؤال المأزق الأخلاقي والخلل الروحي، الناتجين من عمق علاقات مشوبة بالقهر والالـتباس. وإذا ارتكز فيــلمه الأول على سيناريو كتبه بمشاركة لوك بيرو، فإن فيلمه الثاني مقتبس من رواية «هذا الألم الغريب» لباتريسيا هايسميث. وفيه، أظهر ديبارديو «كل ما لديه من قوّة شعرية»، في تأديته دور عاشق مهووس «مزّقه شغفه الذي لا أمل يُرتجى منه». 

في سيرته المهنية الخاصّة بأفلامه الطويلة، التي أنجزها بين العامين 1976 و2012، هناك سبعة عشر فيلماً فقط. في الثمانينيات، عرف «شعبية هائلة»، بفضل فيلمين نجحا تجارياً: «مراقب» (1981) و«تجوال مميت» (1983): الأول عبارة عن حلقة مغلقة، تضمّ مفوّضاً في الشرطة (لينو فانتورا) ومشتبهاً فيه هو كاتب عدل محترم، أدّاه ميشال سيرو بـ«حضوره الملغز والساخر» والجميل، لدرجة دفعت ميلر إلى التعاون معه مجدّداً في «تجوال مميت»، في شخصية تحرّ خاص مهووس بابنته «المجهولة». 

ظلّ كلود ميلر أسير الارتباكات والتناقضات في أفلامه اللاحقة. ظلّ أميناً لما قاله ذات مرّة: «ما يثير شغفي في المسار السينمائي كامنٌ في تعلّقي بلعبة المظاهر والحركات والنظرات والسلوك، وفي محاولتي التكهّن بدواخل الكائنات البشرية، حديقتهم السرّية، بينما لا نُشاهد منهم إلاّ ما هو خارجيّ».

 

السفير اللبنانية في

08/04/2012

وقفــات

عبد الجليل سلوم 

÷ قال صوتُ رجلٍ في ختام إعلان ترويجيّ لفيلم «رُدَّ قلبي» على قناة «روتانا زمان»: «تُشاهدُهُ على روتانا فقط كما لم تُشاهدُهُ من قَبْل».

بغضّ النظر عن رفع الفعل المضارع «تشاهد» الواجب جزمُه بالسكون لدخول «لم» عليه، فإن الصيغة المذكورة تُناقِض المنطق المعقول! فكيف يمكن تشبيه «ما لم تشاهده من قبل» بما ستشاهده عند عرض الفيلم المذكور؟ وهل يستقيم المعنى بوضع «كاف» التشبيه أو التمثيل من أجل مماثلة «المشاهدة» بـ«عدم المشاهدة»؟ أوَليست الصيغة نفسها عبثية؟!

يُذكر أن «رُدَّ قلبي» (المصوَّر بطريقة «سينما سكوب») تَقاسمَ بطولتَهُ: مريم فخر الدين وشكري سرحان.

÷ قال الممثل وحيد جلال (المؤدّي دور المعلّق) في إحدى حلقات «أحزاب لبنان» على شاشة «الشبكة الوطنية للإرسال»:

1ـ «... جَرَى إيقافُها من قِبَلِ سُلُطاتِ الانتدابِ الفرنسيّ...».

2ـ «... الذي نَفَتْهُ السُّلُطاتُ الفرنسيَّة إلى مِصْر، كَوْنُهُ شخصاً غيرَ مرغوبٍ فيه...».

3ـ «... وأُتْبِعَ هذا البَرْنامَجْ بوثيقةٍ...».

والصواب:

1ـ «... أوقفَتْها سُلُطاتُ الانتدابِ الفرنسيّ...»، لأن الجملة المذكورة في الحلقة ركيكة صيغَتْ بأسلوب الترجمة الضعيفة.

2ـ «... كَوْنَهُ شخصاً...»، إذْ يجب نصب «كون» لأنه مفعول لأجله، ولا يمكن «رفع» هذا المفعول!

3ـ «... وأُتْبِعَ هذا البَرْنامَجُ وثيقةً...»، لأن الفعل «أتبعَ» بهذا المعنى يتعدّى إلى مفـعولين مباشرةً، ولا يتــعدّى إلى المفــعول الثاني بالباء. ولمّا كان الفاعل حُذف من الجــملة وبُني الفعل للمجهول، فإن المفـعول الأول يُرفع نائباً عن الفاعل (الذي سَكَّنه «وحيد»). أمّا المفعول الثاني فيبقى على نصبه.

÷ كلمة «السُّلَحْفاة» لَفَظَتها الزميلة جوزيان رحمة: «السُّلْحُفاة»، عندما صادفتها في إحدى نشرات الأخبار المسائية على شاشة «إل بي سي».

والحقيقة أن في لغتنا: السُّلَحْفاة والسِّلَحْفاة والسُّلَحْفا والسُّلَحْفَى والسُّلَحْفِيَّة. لكنَّ الغريب أن «جوزيان» لم تخترْ أيّاً من الكلمات الصحيحة!

السفير اللبنانية في

08/04/2012

 

" عيار يدوش" فشل في إثارة حماس المشاهدين

"حظ سعيد" .. كوميدي عن موضوع لايحتمل الضحك الفيلم

تقدمها: خيرية البشلاوي 

"حظ سعيد" فيلم كوميدي عن موضوع لا يحتمل الضحك وحول حدث ضخم لم يصل بعد إلي النهاية السعيدة التي تجعله صالحا لمعالجة كوميدية.

إذن لماذا اختار المؤلف أشرف توفيق والمخرج طارق عبدالمعطي والمنتج سامح العجمي ثورة 25 يناير 2011 لتشكل الخلفية السياسية والاجتماعية لموضوع فيلمهم؟!

الإجابة علي السؤال ليست سوي اجتهاد خاص من عند كاتبة هذه السطور.. وهي أن بطل العمل أحمد عيد كوميديان طموح يميل بالفطرة ربما أو الانتماء أو قد يكون الاختلاف إلي الطبيعة السياسية لجوهر العمل السينمائي الذي يلعبه وتشكل الشخصية المحورية عموده الفقري ولعلنا جميعا نذكر أن أول أفلامه كبطل رئيسي يحتل صدارة الحدث كان فيلم "ليلة سقوط بغداد" 2005 الذي يمزج السياسي بالاجتماعي في خلطة معجونة بالفكاهة والتوابل الحريفة في مطبخ الكوميديا المصرية والملاحظ أن أكثر التوابل المستخدمة في التوليفة المصرية الكوميدية هي الافيهات الجنسية المباشرة وذات الطبيعة الفجة والخشنة في الأغلب.

فسقوط بغداد وفوبيا الإرهاب الأمريكي وما جري في الحرب علي العراق وما ينطوي علي هذه الحرب من أخطار وتداعيات علي المنطقة العربية لا شك عناصر أعطت للفيلم أهمية وتدخل كعامل من خارج العمل السينمائي في التأثير علي عملية التلقي داخل صالة العرض وتضيف إلي أهمية الفيلم سواء أصاب أو أخفق في إرشاء النقاد والجمهور.

وسبب آخر أن موضوع ثورة يناير يفرض نفسه بقوة "الآن" علي العاملين في الحقل السينمائي بعد مرور أكثر من سنة علي الثورة. والمطلوب ليس مجرد "ترقيع" الفعل الثوري غير المسبوق مع مشاريع أفلام كانت معدة سلفا قبل قيام الثورة ثم فاجأت الأحداث صناع هذه الأفلام فاضطروا إلي افتعال عملية "لحام" أملا في التواصل مع الملايين التي اسهمت فيها مثلما حدث في أفلام روائية طويلة ظهرت عام ..2011 وليس من المقبول أو المبرر في 2012 أن نري استمرار هذا التلفيق السينمائي ثانية.

والوضح أن الثلاثة المؤلف والمنتج وبطل الفيلم يطمحون إلي الارتفاع إلي توقعات الناس من أفلام تقدمها السينما وتراعي فيها اختيار الموضوعات ذات علاقة بالثورة فهل نجح "حظ سعيد" في تحقيق هذا الطموح؟!!

من الطبيعي ألا نحمل الممثل وحده مسئولية العمل الأدبية والفنية لأنه في كل الأحوال "أداة" تنفيذ في مشروع جماعي. يعتمد نجاحه علي عناصر من أهمها السيناريو ثم الإخراج وقبل الاثنين الإنتاج والقيمة الإنتاجية التي من شأنها أن تضفي علي الفيلم مستواه علي صعيد الشكل.

المشاهد الأولي تصور الحالة الاجتماعية والمادية المتردية لأسرة "سعيد" التي تنتمي إلي الشرائح البسيطة التي تواجه احتياجاتها اليومية بالكاد.

"راضي" شقيق "سعيد" وزوجته "سنية" يضطران للإقامة مع الأسرة ولا يجدان متنفسا لممارسة علاقتهما الزوجية بحرية.. والسيناريو في هذا الجزء يسرف في استخدام الافيه اللفظي ذو الدلالة الجنسية كمصدر لتوليد الضحك مستعينا بإشارات رمزية في إيصال المعني المتكرر وأيضا بالإدلاء الحركي واللفظي للممثل المحبوس داخل قالب جامد ثم الأداء اللفظي للممثلة "البلدية" التي داومت منذ ظهورها علي هذا النوع من الأداء الصوتي ومن دون تطوير لأن المخرج عايز كده وبناء علي هذه الرغبة غاب عنصر الابتكار أو مجرد تطوير عنصر الأداء التمثيلي.

ولذلك فإن هذا الجزء الأول من فيلم "حظ سعيد" يعتبر قليل الحظ جدا من حيث قدرته علي إثارة حماس المتفرج وتحفيزه للفرجة فالتشخيص والحوار والصورة الاجتماعية مشاهد جامة وروتينية تكررت في عشرات الأعمال السينمائية شخصية "ليلي جمال" "أم سعيد" الأم المصرية الشقية بظروفها المادية وظروف مرضها وطريقة أدائها للحوار ومعها الأم الأخري والدة "سماح" "مي كساب" خطيبة "سعيد" بمرضها ومظهرها الفكاهي وربطة رأسها الغريبة والحوار الهابط المتبادل بينها وبين خطيب ابنتها "سعيد" "أحمد عيد" بدورها شخصية أخري جاءت من أرشيف الشخصيات النمطية التي تتكرر علي الشاشة وبنفس المواصفات وبالطريقة التي يفترض أنها تثير الضحك والحقيقة أنها لم تستطع إثارة مجرد الابتسام.

وفي مشاهد تالية يظهر "سعيد" وهو يصطحب أمه المريضة إلي النائب الفاسد "سامي مغاوري" الذي يعاملها باستهتار وبلا مبالاة بكم الأمراض التي تعاني منها بينما يتعامل في نفس الجلسة مع شخصية مهمة وثرية بمنتهي الاهتمام والاحترام ورغم أنه مصاب "بالكحة" فقط وليس بالقلب والكلي والكبد كأم سعيد! الأمر الذي يستفز "سعيد" ويدفعه للاشتباك معه.

وسعيد شخص دائم الاشتباك ودائم الصدام مع الآخرين من ثم مع رجل الأمن بسبب ذلك.. ورجل الأمن سواء كان الضابط أو الشرطي "ضياء الميرغني" بدورهما مجرد مناسبة للإشارة إلي غلطة الشرطة وقسوتها في التعامل مع المواطنين.

وسائل إيضاح

المؤلف في الفيلم يسوق إلي المتفرج الأسباب الاجتماعية التي ساهمت في تحول "سعيد" من مواطن طالح بلا دور وبلا طموح سياسي إلي شاب صالح يشارك في الثورة باستخدام ما يشبه وسائل الإيضاح مستخدما صورا تقليدية جامدة بقول آخر يدلل علي الفساد السياسي بنائب شعبي بليد المشاعر. فج السلوك. فج الأداء. وعلي وحشية رجل الأمن بضابط سادي وعسكري غريب الأطوار والمظهر والأداء أيضا وعلي مقاول الحكومة "سيد صادق" المنحرف بشخصية شهوانية وبفجاجة وغلظة مفرطة.

ويربط بين هذه الشخصيات المسطحة والنمطية المكررة عبر خيوط مصطنعة واهية ومن خلال مناسبات غير منطقية ليس لها ضرورة في السياق السردي إلا خلق مشاهد حسية بذيئة ومتدنية المستوي فنيا ومتكررة حتي أصبحت "موضة قديمة" فعلا اذكر علي سبيل المثال مشهد بيت الدعارة الذي دخله "سعيد" هاربا أو علي سبيل الخطأ والأصوات الداعرة للنساء بائعات الهوي وقد صارت هذه الأصوات ضمن تسجيلات السينما التجارية المصرية الهابطة والجاهزة للاستخدام.

إن المؤلف يريد في سعيه لرسم صورة أو صور متنوعة عن المجتمع المصري قبل ثورة يناير أن يسوق إلينا مظاهر الفساد والمعاناة الشديدة التي يتجرعها المواطن "سعيد" الذي يتأهب للزواج ويعجز عن العثور علي شقة يسكن فيها مع خطيبته وحين يصله الحظ بتخصيص شقة من إسكان الشباب يصطاده مقاول الحكومة الفاسد الذي يشتهي خطيبته ويحاول شراء ذمته وينجح في غواية الأولي نظريا وفي شراء ذمة الخطيب عمليا فيتعاون معه علي حساب الشباب زملائه.

وفي النصف الثاني مع بداية تحول "سعيد" داخليا أثناء بحثه عن شقيقته "وفاء" التي ذهبت إلي ميدان التحرير ولم تعد يبدأ الفيلم في شد المتفرج لأن المخرج في هذا الجزء ينجح نسبيا في دمج المستوي الخاص بأزمة "سعيد" وسلوكه وتجربته الشخصية التي بدأت تأخذ منحني آخر وجدانيا وسياسيا مع المستوي العام بعد نزوله الميدان ولقائه بشخصية "عادل" المناضل الذي يغريه بالانضمام إلي الثورة لأنها الطريق الذي سوف يعثر من خلاله علي شقيقته "وفاء" وعلي مصر كلها في إشارة إلي أن الثورة سوف تنقذ الخاص والعام معا وتصل بالاثنين إلي بر الأمان.

فالخيط الرئيسي في حبكة الفيلم المرتبط بالشخصية المحورية "سعيد" يتطور بمنطق من حشاش ومهرج وإن كان مسئولا نوعا إزاء أمه وشقيقته إلي شاب يرفض الإيقاع بأصدقائه أو الضحك عليهم طمعا في ثروة وشقة يعيش فيها مع "سماح" التي تلعب دورها مي كساب الشيخوخة من "الفلول" حسب تسمية زوجها الغاية عندها تبرر الوسيلة.

وهناك شخصية أخري مهمة لم يوفق المؤلف في تصويرها علي النحو المقنع الذي يجعلها حية من دم ولحم ويجعل منها شخصية إنسانية وليست مجرد رمز أو إشارة سطحية لشباب الثورة وأعني شخصية "عادل" الثوري القابع في الميدان المؤمن بجدوي ما يفعل.. ولكنه وفق علي مستوي آخر في نقل جانب من المشاهد الثورية ومن ضحايا الثورة وإن ظل أقل من الممكن.

وحاول المؤلف والمخرج والممثل أن يصيغوا من خلال العمل "رؤية" صريحة مباشرة حول التيارات التي تتقاذفها الحياة السياسية التي كشفت عنها ثورة يناير.. وهو التيار الليبرالي والإخواني والسلفي والتي جعلهم الفيلم الميراث الممتد في سلالة "سعيد" بعد أن يتزوج وينجب ثلاثة أبناء يعبر كل واحد منهم عن تيار وهم بديع وبكار وحمزاوي علي اعتبار أنهم جاءوا من رحم واحد فالفيلم يصل إلي النهاية عام 2040 وهذا التحليل فيه اجتهاد وتبسيط سطحي لأن هذا الوئام المفترض بين الأشقاء الثلاثة لن يتحقق أبدا إذا لم تحكم المحكمة كما يأمل "سعيد" ويظل مبارك هكذا حتي عام 2040 هو وابناه علاء وجمال لأن معني ذلك أن تظل مصر تحت حكم المجلس العسكري ويظل الصراع محتدما والميدان يمتليء ويفرغ مرات ومرات ويظل القضاء مكتوف الأيدي لا ينطق بالحكم ويصبح عادل البطل المناضل في عداد الموتي.

يقول المثل الشعبي "العيار اللي ما يصيبش يدوش" و"حظ سعيد" الفيلم هو ذلك العيار" الذي قد يسبب "دوشة" لطلعت زكريا لأنه يذكره بموقفه المشين من الثوار والتحرير ويثير جدلاً بين جماعة الإخوان بسبب إشارة عابرة عنهم في الفيلم وقد يسبب "دوشة" بين السلفيين أو بين الليبراليين ودوشة أكيدة لدي الإعلاميين لأن الفيلم كما نلاحظ فتح شهية بعض البرامج "للكلام".

علي أي حال تبقي أغنية التتر الظريفة "عايزينه إيه!" واحد مننا ونقول إيه.. ونقول مين.. من إيه نخاف ده حقنا.. أغنية للمطرب "لؤي" من تأليف سامح العجمي وألحان أشرف سالم والواضح أنها عن مواصفات الرئيس من وجهة نظر المؤلف وهي مناسبة في هذا التوقيت حيث "الهوسة" غير المسبوقة حول الترشح للرئاسة وانتخاب الرئيس في مايو.

المساء المصرية في

08/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)