حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

لم تنجح في العثور على مكان لها ولن تعثر عليه في أي مكان آخر 

دانييل عربيد: عندما يتهمني لبنانيون بالاستفزاز أردّ عليهم هذا فنٌّ

نديم جرجورة

 

تثير المخرجة اللبنانية الفرنسية دانييل عربيد، في أفلامها الروائية الطويلة والقصيرة، أسئلة متنوّعة، لعلّ أبرزها سؤال العلاقة الفردية بالمجتمع اللبناني المقيم، دائماً، في الاهتراء والتمزّق. في «بيروت بالليل» (2011)، ثالث أفلامها الروائية الطويلة، رسمت عناوين عدّة، أبرزها: خيبة الحبّ والزواج، الالتباس القاتل بين السياسة والأمن والعلاقات الإنسانية، العلاقة بالجسد والروح، من خلال قصّة امرأة سعت لخلاصها من زواج فاشل، فاختبرت تجربة عشق أفضت بها إلى فشل من نوع آخر، على خلفية صدام قائم بين رجال أمن لبنانيين وشخصيتين لبنانية وفرنسية، التقوا جميعهم في نزاع حول «معلومات» ما عن قتلة رفيق الحريري.

«بيروت بالليل» فيلمٌ سياسي وعاطفي، توغّل في البنى المحطّمة للبلد وناسه وأفراده، وروى شيئاً من ليل مدينة غائبة في خرابها المدوّي.

·     أبدأ حواري معك من «بيروت بالليل»، المرتكز على ثنائية السياسة والأمن، وعلى الحب وخيباته، وعلى انكسارات الحياة اللبنانية.

} أصنع أفلاماً لأروي أحاسيس. العنف في «معارك حبّ» (2004). البحث عن الذات في «رجل ضائع» (2007). الخوف (بارانويا) في «بيروت بالليل». هذا كي لا أتناول إلاّ الأفلام الروائية الطويلة. عندما أكتب سيناريو، أحاول أن أضع المشاعر في المرتبة الأولى. أن أضعها في صلب القصّة. أن أخلق أفقاً لها. أحاول أن ألتقط غير الملموس. أفلامي هي، قبل كل شيء، تجسيد للعواطف الجيّاشة.

بالنسبة إلى «بيروت بالليل»، أردت قول البارانويا الخاصّة بنا، تلك التي نختبرها في بلد مقيم على حافة البركان مثل لبنان. الإحساس بالاقتراب أكثر فأكثر من الهاوية كل يوم، كأن هناك شيئاً ما يجذبنا إليها. لأني أعرف، بفضل التجربة، أن هذا الخوف يُصبح كالمخدّرات، عندما نعتاده: زائدة، ومثيرة للنشوة. شيء ما مثل حالة العشق. فجأة، جمعتُ في الحكاية نفسها الخوفين معاً: خوف الحرب وخوف العشق، الشعوران البدائيان جداً، اللذان يسيران معاً جنباً إلى جنب. نوعاً ما كالجنس والسياسة في بيروت اليوم.

غموض

·     لكن «بيروت بالليل» ليس انعكاساً لحياة الليل البيروتيّ كما يوحي العنوان، بل عبارة عن ليل غطّى شؤون الحياة اليومية للّبنانيين، وللمقيمين في لبنان أيضاً. ليل ناتج من مساوئ الحياة العامّة في الراهن اللبناني.

} معك حقّ. «بيروت بالليل»، العنوان العربي، يستدعي ذلك الغموض. ذلك الخطر الذي يترصّدنا، الشبيه بالوهلة التي نُصادفها أثناء لعبة «الجبال الروسية» (سلسلة مرتفعات ومنحدرات تُرقى بواسطة مركبة في مدينة الملاهي). لكن «الليل» في العنوان عاطفيّ أيضاً، يُذكّر بأسرار ليل بيروت ومن يعيشه.

بالنسبة إلى سوداوية الحياة اليومية، صحيح أن لبنان بلدٌ خام، حيث يتطوّر الناس بطريقة غرائزية وحيوانية. حيث نشعر بغياب الدولة. على الأقلّ، هذا ما أشعر به. يتمّ التلاعب بحياتهم ومستقبلهم في كل لحظة، في ظلّ غياب أي إحساس بالأمان. لا مكان للضجر، وبدرجة أقلّ لا مكان للتفكير. يعيش الناس هنا بشكل مكثّف. بالنسبة إلى الفنان، يكفي أن يتأمّل هذا المشهد الحيّ جداً، وأن يُعيد تدوينه واستعراضه. هذه الحالة القدرية تظهر في «بيروت بالليل»، كما في الأفلام الأخرى التي أخرجتها.

فيما بعد، أجبرتُ نفسي على عدم إطلاق أحكام مسبقة. أيضاً، لا نيّة لديّ لتلطيخ سمعة بلدي، كما يُصرّ بعض الرجعيين على اتّهامي به. على كل حال، هذا ليس أمراً واعياً. لستُ ضد المجتمع اللبناني، ولا ضد أي مجتمع آخر. سعيدةٌ أنا بانتمائي إلى العالم العربي، لكنّي لستُ لعبته، ولا الناطقة الرسمية باسمه. أروي الواقع كما أحسّه، بتناقضاته كلّها، بعيداً عن الكليشيهات. إذا كانت أفلامي صادمة، وإذا أعادت الناس إلى واقعهم، فهذا يعني أني نجحتُ في قول شيء حقيقي. هذا يجعلني فخورة بنفسي.

هذا بالنسبة إلى النيّات. أما العناوين، فهي مسألة شعر أو تسويق. لكن، بوضعها جنباً إلى جنب، فإنها تقدّم فكرة ما عن عالمي («حدود»، «غريبة»، «حالة حرب»، «معارك حبّ»، «رجل ضائع»، «رائحة الجنس هذه»، إلخ.). عالم معرَّض للخطر. «بيروت بالليل» يدخل في هذا السياق. باللغة الإنكليزية، كان علينا أن نقتبسه، لأن العنوان يحيل إلى «وكالة سياحية»، أي إلى كل ما لستُ عليه. لهذا السبب، هناك عنوانان للفيلم.

·     لامستِ المحظور السياسي و«الأخلاقي» في مجتمع مكبوت ومنغلق على طوائفه ومجتمعاته الضيّقة. أفلامك جعلت الصورة السينمائية «استفزازاً» للسائد، بالمعنى الجماليّ للكلمة. هل يُمكن القول إن ملامسة المحرّمات جزءٌ من مشروع سينمائي، أم انعكاس لواقع الحال اللبناني العربي؟

} الرمزية، التي أثرتْ تاريخ السينما العربية كثيراً، لا تُعبّر عني. أحبّ أن تظهر الأشياء على حقيقتها. هذا يستفزّ البعض ربما، لكنه غير مُتَعمَّد. الفيلم يستهلك أناساً كثيرين، وأموالاً كثيرة. يمرّ وقتٌ طويل قبل إنجازه، بحيث أنه لا يُمكن اعتباره سلاحاً مُصوّباً ضد بعض المشاهدين.

في الواقع، فإن هاجسي الأساسي كامنٌ في رواية قصص معاصرة وشخصية جداً، عن العالم الذي نعيش فيه. كامنٌ في التعبير عن شيء يُجسّد حقيقة جوهرية بالنسبة إليّ. في كل فيلم، أُعرّض نفسي للخطر على المستوى الفني، وأطرح قضايا طموحة تعكس تحدّيات مهمّة، كما يفعل السينمائيون الذين أقدّرهم وأحبّهم. لا أكثر ولا أقلّ.

سينمائيون عديدون تناولوا موضوعيّ الحب والتجسّس مثلاً، من مايكل مان إلى أوليفييه أساياس، مكتفية بالإشارة إلى السينمائيَّين الأكثر عصريةً. موضوع السلطة يجذب المبدعين الخلاّقين والمُشاهدين. إنه جوهر السينما العالمية الحالية. آبل فيرّارا يُحضّر فيلماً عن قضية دومينيك ستراوس ـ كان، من دون أن يعلّق أحدٌ على المسألة. سيُنجز فيلماً عن سقوط مُرشّح للرئاسة الفرنسية بسبب قضية أخلاقية، وربما بسبب مكيدة، بعد ستة أشهر على سقوطه، والجميع يُصفقون للفنان السينمائيّ. أما أنا، فقد مُنع فيلمي فقط لأني أشرت إلى قضية رفيق الحريري، ولأني أسميت الرجل الذي يبيع معلومات عباس ببساطة. مُنع فيلمي، وجعلوني أشعر كأني أكفر.

هذا هو الفرق بين العالم الذي أعيش فيه والعالم الذي جئتُ منه. في العالم الأول، للفنان مكانته. نظرته إلى الأمور مُقدَّرة، بل إنها تنال تشجيعاً. هنا، تحقّ له فقط مُشاهدة التلفزيون مساءً، وإغلاق فمه، والتصفيق للسياسيين الذين يزورون بعضهم البعض منذ مئة عام. الهامش الوحيد لحريته هو التصفيق. إن تجرّأ الفنان على فتح فمه، تُمنع أفلامه، ويُسجن هو، ويتم إقصاؤه، لأنهم يعتبرونه خائناً ومُستَفِزّاً، ولأنهم لا يعرفون التمييز بين الإبداع والواقع، بسبب افتقارهم للاختبار من دون شكّ.

لكن، إذا كنتُ أُقدِّر حرية الخلق والإبداع هذه في أوروبا، فإني لستُ معجبة بالغرب. ليس هو من صنعني. عندما كنتُ طفلة في لبنان، لم أنجح في العثور على مكان لي، ولن أعثر عليه في أي مكان آخر من دون شكّ. أفلامي تروي ضياعي.

استفزاز

·     بحث «معارك حبّ» و«بيروت بالليل» في مأزق الذات الفردية وسط جماعتها. في الأول، هناك تمزّق حاد داخل العائلة الواحدة منظورٌ إليه بعينيّ فتاة مراهقة، وهو رديفٌ للتمزّق الحاصل في البيئة الضيّقة (الطائفة، المجتمع الصغير) والبلد. في الثاني، هناك تمزّق حاد أيضاً داخل الذات الفردية في خيبات الحبّ والجسد والعائلة (زها)، أو في خيبات السياسة والأمن والصراعات المختلفة (عباس وماتيو).

} في العائلة نفسها، في المجتمع نفسه، يعيش الألم والطيبة جنباً إلى جنب. في لبنان، في الواقع، أكثر من أي مكان آخر، نظراً إلى تاريخه وجغرافيته. لكن واقع الاعتراف بأن صورة لبنان منقوصة، يعني مواجهة الأعراف واللغة الخشبية التي رسّخوها فينا. بعض اللبنانيين يُشبهون تماماً امرأة معنَّفة، تريد أن تتلقّى مزيداً من الضربات، وتبقى ساكتة. بالنسبة إليّ، لم يكن لبنان يوماً «ديزني لاند»، ولا يُزعجني قول هذا.

إنها مسألة وضع، أو مزاج أيضاً. أثناء الحرب، عشتُ في حيّ مسيحي، لكني تعاطفت مع الفلسطينيين. مع ذلك، لم أكن قد التقيتُ أحداً منهم. اليوم، ربما أتعاطف بشكل أفضل مع المسيحيين، لأنهم باتوا الأضعف. في الواقع، لطالما اتخذت جانب الخاسرين والأقليات، لأني بغرابة أستطيع التماثل بهم. هؤلاء هم الذين يثيرون اهتمامي. هذا الجانب الموحل في المجتمع هو الذي يظهر في أفلامي. أما «المهفهفين» و«النظيفين» و«المتأنقين»، فلن يكون لهم مكان عندي أبداً.

عندما يتهمني بعض اللبنانيين بالاستفزاز والتحريض، أردّ عليهم بالقول إن هذا فنّ. إن هذا سبب وجودي. إنه حوار طرشان حقيقي. لم نتفاهم يوماً، ولن نتفاهم أبداً. لا يهمّني إن أساؤوا إليّ. في «كانّ»، رفع موريس بيالا قبضته في مواجهة صيحات الاستهجان ليقول للفرنسيين: «أنتم لا تُحبّونني. أنا أيضاً لا أحبّكم». هذا أيضاً خيار.

ربما تكون زها (دارين حمزة) الأكثر براءة. تريد فقط أن تتحرّر من زوجها (رودني حداد). أن تعيش حياتها. هناك احتمال بأن يكون عباس (فادي أبي سمرا) وماتيو (شارل بيرلينغ) كاذبين، أو خائنين. كما كانت لينا (مريان فغالي) في «معارك حب»، وفؤاد (ألكسندر صدّيق) وتوماس (ملفيل بوبو) في «رجل ضائع». ألعاب الخيانة والأكاذيب كانت، لغاية الآن، القاسم المشترك بين شخصيات أفلامي كلّها. أحبّ المجازفة بتحويل الحالات والمشاعر. أحبّ العمل بهذا النوع من القلق.

في «بيروت بالليل»، يظهر هذا التحويل منسجماً أكثر، لأني أتصدّى لـ«سينما النوع». عالم التجسّس مسرح أوهام حيث تؤدّى كوميديا المظاهر، كما يُقدّمها ألفرد هيتشكوك. بالنسبة إليه، على الفيلم أن يثير خوفاً بدائياً، هو الخوف الناتج من التعرّض لاعتداء من دون إنذار أو دافع. لكن، نادراً ما جازفت الأفلام العربية في خوض غمار النوع الروائيّ السياسي أو الجاسوسي. على الرغم من أن يومياتنا مادّة درامية جداً.

بالنسبة إلى الحب، غالبية الناس هنا تُقيم علاقات عاطفية صاخبة، مرتكزة على الكذب والسرّية. الحبّ والتجسّس مرصوصان في بيروت، المدينة التي أشعر شخصياً بأن قوى خفيّة تعبرها، والتي تخيفني كثيراً إلى درجة أنها تثيرني. هذا كلّه يبدو لي حقيقياً جداً وبصرياً جداً

·         لا أختزل «بيروت بالليل» بهذه العناوين فقط. إنه أيضاً تصوير لواقع الحال الإنساني الراهن، بطريقة تُشبه التلصّص، أو المراقبة

} ليس التلصّص، بل التواري والظهور. أن نلعب «الغميضة» مع الزينات والأفكار المُسلَّم بها والمشاعر والأجساد. هذا هو القلق الذي تحدّثت عنه قبل قليل، والذي يُشكّل أساس الحكايات الجيّدة كلّها في السينما. في فيلمي الأخير، هناك تفاعل بين ما يحدث داخل غرف الفندق وما يحدث خارجها. المسموح والممنوع. الفرد والجماعة. هذا الفرد الذي يُشكّل تهديداً بشكل منهجي للشرق، ما الذي يُدبّره؟ إلى أين هو ذاهب؟ من أين أتى؟ أما إذا كان الفرد امرأة، فإن هذا يُثير مزيداً من الشبهات.

ثم إذا كنتُ أشتغل على هذه المواضيع، فإني أتطلّع إلى تعميم فكرة معينة. في فيلمي الأخير، تُختَصر القصّة بثلاث جُمل: هي تخاف أن يتركها، وهو يخاف أن يُغرَم بها. هذا كلّه في مدينة ترشح خوفاً هي أيضاً. عبّاس أشبه بوسيط محفِّز على مستوى العلاقة القائمة بين هذين الشخصين والمدينة. في الواقع، «بيروت بالليل» ليس قصّة حبّ، بل قصّة خوف.

شغف

·         التلصّص/ المراقبة: إنها لعبة السينما أيضاً. أو إحدى ألعابها. إلى أي مدى تستهويك لعبة التلصّص هذه؟

} أعتبر أفلامي الروائية أشبه بوثائقيات عن أبطال القصّص. أستخدم كثيراً اللقطات المقرَّبة والعدسات الطويلة للقبض على حضورهم، ولسرقة لحظات منهم أيضاً. هذا ما يُعطي انطباعاً بالتلصّص، من دون شكّ. أفعل هذا أيضاً لأندسّ في العالم الذي أبتكره، وأنسى قدر الإمكان واقع التصوير. هذا ما يجعل أفلامي ربما أقلّ نجاحاً على مستوى السرد، لكنها تُركّز أكثر على المشاعر. المثاليّ عندي كامنٌ في بلوغي مرتبة السيطرة على المسألتين بيد واحدة. المثل الأبرز هو الفيلم الحديث الإنتاج الذي يوضح فكرة الكمال هذه، وهو «خزانة الألم» (2008) لكاترين بيغولو (The Hurt Locker)، الذي يُغرق المُشاهِد، بالمعنى الحرفي للكلمة، في توتر متصاعد ومتواصل. في الوقت نفسه، كان النصّ متماسكاً. في هذا السياق، هناك أفلام مايكل مان وجاك أوديار، وقبلهما ماتيو كاسافيتس وفاسبندر: كل هؤلاء الكبار في السينما.

·     هناك أيضاً العلاقة بالجسد، وإن عبر الجنس. أرى أنك تصوّرين الجسد والجنس في إطار الاحتفال بالجسد وحريته، وإن بطريقة مبسّطة.

} هذه أولاً طريقة لأكون الأقرب إلى ما تختبره شخصياتي، لأتدخّل في شؤونها الحميمة كما قلت سابقاً. لأكشف حيواتها الخاصّة (على نقيض حيواتها العامّة التي اعتدنا مشاهدتها في الأفلام). لأستمع إلى أنفاسها. هذه أيضاً طريقة لأقول الشغف، لأني أرى هذه اللحظات، عندما تُصوَّر جيّداً، ذات جمال عظيم. مثلاً، الجزء الأول من فيلم «المودة» (2001) لباتريس شيرو يُمثِّل لي كل شيء إلاّ الجنس: لوحة حقيقية جديرة بأن تُعلَّق على جدار متحف. لا أرى الأجساد العارية، بل الشغف القائم بين شخصين لم يعودا قادرَين على أن يفترقا عن بعضهما البعض. شخصياً، حين أُخرج مشاهد شهوانية، أولّفها على أنها تسلسلٌ خاصٌّ بالرقص، كلوحة، مع التحكّم بكل حركة. أحاول تمجيد الجسد بالقدر نفسه لتمجيدي الحركة والضوء.

سببٌ ثالث لواقع تصويري هذه المشاهد، متعلّقٌ من دون شك بإرادتي إعطاء جسد لأناس ينظر إليهم الغرب على أنهم كيانات فولكلورية تثير الخوف. على أنهم أناس من دون شبق أو عاطفة. بشكل عام، لا يُمكن للعرب أن يكونوا محبوبين أو لطفاء في السينما. أعاند لإثبات العكس.

أخيراً، قال صديق لي ذات مرّة إنه، لاستكشاف عوالم خطرة، يجب تقسيمها. لا أريد أن أجد نفسي مجدّداً في موضع المتلصّصة، لهذا أعطي فرصة المُشاركة للمُشاهدين.

·     أحد التفاصيل المثيرة لاهتمامي بـ«بيروت بالليل» و«معارك حب» و«أحاديث صالونية» و«حالة حرب» تحديداً، كامنٌ في تحديدك الواضح انتماءات الشخصيات، دينياً/ طائفياً أو سياسياً واجتماعياً

} ولمَ لا؟ أسمّي الهرّ هرّاً. إذا كان على طوني أن يكون اسمه طوني، فلماذا عليّ أن أسميه فادي؟ في لبنان، لا أحد حياديٌّ إلاّ في أغنيات فيروز. لكن، مضى على هذا الأمر وقتٌ طويل.

·         ماذا عن الممثلين، وعن علاقتك بهم؟

} لا أختار الممثلين مسبقاً لأني، أثناء الكتابة، أرغب في أن أتخيّل شخصياتي بعيداً عنها، ولا أريد أن أنحصر بوجه أحد ما موجود أصلاً في أفلام وقصص أخرى. أفكّر بالممثلين بعد الانتهاء من كتابة السيناريو، وإقامة الحِدَاد على صُوَري العقلية. عندما أبدأ الـ«كاستينغ»، أحاول اختيار أشخاص قريبين قدر المستطاع من الأدوار، وخصوصاً من نظرتي إلى الحياة.

الطريقة الأفضل للعثور على ممثل جيّد كامنةٌ في الاحتكاك به، في مراقبته، ومعاينة مدى قدرته على أن يتكيّف مع الشخصية، في احتساء كأس معه، ومعرفة أين يُمكن لهذه الشخصية أن تكون في حياته، وإلى أي مدى يُمكنه الذهاب بها. بالنسبة إليّ، العمل مع ممثل يعني محاولة اكتشاف عيبه، وأخذه إلى أبعد حدّ ممكن في جنونه. البعض يوافق على هذه الطريقة. البعض الآخر يرفضها.

في أفلامي السابقة، أسّس كلٌّ من مريان فغالي وملفيل بوبو وألكسندر صدّيق هذا الميل إلى المخاطرة، وتبعوني «على غير هدى». ممثلون آخرون، كفادي أبي سمرا وتقلا شمعون، وحتى رودني الحداد الذي التقيته في «بيروت بالليل»، لديهم هذه الجرأة. إنهم لا يطلبون شيئاً آخر إلاّ هذا. وثقوا بي عفوياً. أحسست بهذا. وأنا، من جهتي، مقتنعة بقدراتهم الكبيرة، وأريد مُقابلتهم بالمثل.

لكن، في السينما، يجب التكيّف مع الظروف. مثلاً، بالنسبة إلى «بيروت بالليل»، لم يفهم الممثلان الأساسيان هذه الطريقة. لم يُشبهاني أبداً. عملا وفقاً لرقابة دائمة. إنهما محترفان كما قالا، أي أنهما قادران على البقاء خارج ما يحصل لهما أو معهما. دارين حمزة اكتشفت الطريقة، وحاولت التكيّف معها، بقدر إمكانياتها، على الرغم من الرقابة التي فرضتها على نفسها. شارل بيرلينغ ممثل أصعب، لأنه لا ينسى نفسه. كان يُردّد دائماً أني لستُ مخرجة محترفة (مهنية). معه حقّ. لو أردت أن أكون محترفة (مهنية) لكنتُ عملت مديرة مصرف (!). أنا كائن غريزيّ ومندفع ومتهوّر. لا أتقن بيع منتوج ما. أريد أن أعيش، وأن أشعر بالحكايات التي أرويها إلى أقصى حدّ ممكن

ليس لديّ وقت لإنجاز عشرات الأفلام في حياتي. لذا، يتوجّب عليّ أن يكون كل واحد منها «حارّاً» إلى أقصى حدّ ممكن، على صعيدي الشكل والمضمون، كما على مستوى طريقة الإخراج.

السفير اللبنانية في

06/04/2012

 

درس مـن فيلـم عايـدة كنفانـي الزهـار  *

عباس بيضون 

منذ الأيام الأولى للانتفاضة تكلم النظام السوري عن التحريض الطائفي. كان في الوضع السوري ما يبرر فرضية الصراع الطائفي. لكن النظام الذي بادر إلى توظيفها كان يفضح نفسه، كان يتهم نفسه ويكشف امام الجميع عقله الطائفي. مع ذلك كان التخوف من تطور الصراع إلى مجابهة طائفية فرضية ممكنة، وبطبيعة الحال بدأ كثيرون، ممن شككوا بنيات النظام الهادفة إلى تلطيخ الانتفاضة بالطائفية، يؤكدون ان الطائفية غير قائمة في سوريا وان المجابهة هي بين شعب وسلطة حاكمة. في العراق لا يزال كثيرون يرون ان الحديث عن الصراع الطائفي مشبوه، ولكثيرين مآرب فيه وبالطبع هناك كلام عن تعايش مئات السنين بين السنة والشيعة في حين لا ينتبه كثيرون إلى هوامش في الصراع السني ـ الشيعي أدت إلى شبه تصفية للمسيحيين الأشوريين واليزيديين الأكراد، شبه تصفية للتنويعة الطائفية العراقية العريقة والتالده. الاعتداء على الطوائف الصغرى والأقليات العرقية قد يكون «البروفا» الأولى للهيمنة الطائفية لكن الأقليات تذوب في غمرة الانشغال بالصراع الرئيسي. لا شك في ان من ينكرون الحزازات الطائفية ومن يتكلمون عن التعايش لا ينطقون عن هوى ولا يزورون الوقائع، انما يفوتهم ان الحزازات الطائفية تبقى عقوداً طويلة في حال كمون وتتماوت فيبدو انها ماتت، لكنها في لحظة غير منتظرة ولا متوقعة تعود لتعسّ وتتوقد. شيء كهذا يتم بسرعة متفاقمة، حاله في ذلك حال الوباء إذا انتشر. كان اللبنانيون قبيل الحرب الأهلية يستبعدونها ويجدون بالتأكيد مئة دليل على التعايش والتعاون والتفاهم بين الطوائف. دليلنا إلى ذلك فيلم صنعته باحثة اجتماعية هي عايدة كنفاني زهار بعنوان «مصالحات ما بعد الحرب». هذا الفيلم يعالج كما يشير عنوانه مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، الحرب الأهلية هنا وقعت فلا سبيل إلى انكار التوتر الأهلي. الحرب الأهلية متجذرة في الذاكرة وصورها بطبيعة الحال ارسخ مما قبلها بل ان الصور التي سبقتها شحبت وتراجعت، ما بقي في ذاكرة الناس هو صور الحرب وصور البيوت التي تهدمت والمعابد التي دمرت والمجازر التي تلاحقت والخطف والقتل والتهجير. ما قبلها أيا كان بات بعيداً وشبحياً كأنه لم يحدث. نرى الشاب الذي يقول انه في العاشرة «خسرت أهلي» ويعرض صورة لوالده قائلاً انه كان في السابعة والثلاثين واستعادوه جثة بلا رأس، هناك صورة الخال الذي قتل وابن الخال الذي خطف ومن حينها «ما بنعرف عنو شي» هناك الأعمال الثأرية والشركاء الذين تحولوا إلى قتلة. ليس القتل وحده هو الذي يحضر، التدمير اقرب عهداً. هكذا نرى عائدات إلى بيت الطفولة يتحسسن ما كان من قبل معالم بيت، ما غدا اطلالاً، انها العودة المؤلمة «بتلاقي الأرض يابسة ما في شي بيدلّ انو فيها حياة، كان أفضل تتذكرها مثل ما كانت، مش متل ما هي هلق» القرى «حزينة ما فيها حجر ولا بشر، اشجار الزيتون اللى عمرها مية سنة» انقلعت، تقول السيدات عن ذلك كله «شي بيعصب، بنحب نجي، وينعصب بس نجي».

رغم ان هذه الصور أكثر تجذراً واقرب عهداً، الا ان صور التعايش التي سبقتها، صور التفاهم القديم القديم والمصالحة القديمة لا تزال، ولو من بعيد، حية في الذاكرة، انها تشحب وتبتعد وتغدو شبحيه وضبابية، مثلها في ذلك مثل الحلم. انها تعود إلى البال من عصر ذهبي، من نعيم قديم، من جنة مفارقة، فمقام السيد عبد الله التنوخي في عبيه، كان يؤمه الدروز والمسيحيون قبل ان يتدمر في الحرب. هناك من يستذكر «كنا نتعاون بالأعياد» ما يعني ان كل طرف كان يشارك في أعياد الطرف الآخر. مسيحي يقول «كانوا الدروز يحملوا موتانا على كتافهم ونحنا كمان. مفش حدا يعرف أيا مسيحي وأيا درزي». درزي يقول كنا كلنا عيلة وحدي. آخر يقول «كنا أهل جيران وقرايب» «ما بتعرف هـ الأحداث شو سببها». آخر يقول في اجتماع ضم أفراداً من الفريقين، «وضعنا أصبعنا على الجرح، عمنرجع اللحمة للبلد اللي فقدها» وفي نفس الاجتماع «عبيه بتمثل نموذج للبنان، البلد تتمثل المفهوم الحضاري للبنان».

نلاحظ اننا في الجمل الأخيرة دخلنا في «الايديولوجيا اللبنانية» كما يسميها فواز طرابلسي فالنموذج اللبناني والمفهوم الحضاري للبنان والرسالة اللبنانية بالتالي في التعايش والتعدد هي خبزنا الذي نعود إليه كلما ركبنا جنون الدم، وكلما رأينا البلد يتفسخ والحزازات تضرى والحدود الدموية المتأرثة ترتسم من جديد، والبيت اللبناني ينقسم إلى منازل متعادية. نجد عزاءنا في مشروع تاريخي ما يزال إلى الآن عصيا على التحقق، وما زالت الوقائع المستجدة تجعله أكثر استعصاء.

قبل الحرب كان هناك ذلك الحلم التاريخي، اما بعد الحرب فإن العائدين والعائدات يأتون ليتحسسوا آثاراً لم تعد لها معالم. تفهم ان الحلم صغر وتضاءل وان هذا الكلام عن النموذج اللبناني وعن المفهوم الحضاري للبنان ليس (إلى الآن) سوى بهورة، ولو تزين بالرصانة النظرية. يبدو اقرب إلينا كلام هذا الشاب الذي خسر أهله في الحرب وأعادوا إليه أباه جثة بدون راس لكنه استعاض عن ذلك بأطفاله. اقرب إلينا كلام السيدة التي تقول ان الذي يسمع «ضحكة طفل صغير ما بيعود يفكر بالحرب. ما بيعود يفكر يقتني سلاح ويقوص ع حدا»، ضحكة الأطفال مع ذلك لن تبعد الشقاق الدموي. نعرف ان الحروب لا توفر الأطفال وانها تخنق ضحكات الأطفال في الدم. رأينا ذلك في الحرب اللبنانية ونراه كل يوم في «الجزيرة» و«العربية». نرى كل يوم تقريباً أطفالاً مدمين اختنقت ضحكاتهم إلى الأبد في الدم، لا تستطيع ان نعتمد على ضحكات الأطفال فالمقاتلون اضرى واشرس امام الضحكة، والمقاتلون اضرى امام معالم الحياة والفرح، هذه تستفز غريزة القتل، كما استفز الغناء قتلة القاشوش وكما يستفز الأطفال ذابحي الأطفال.
من الواضح ان عنوان فيلم عايدة كنفاني زهار «مصالحات ما قبل الحرب» يضع الحد على استعصاء المصالحات. في كترمايا وفي عبيه وفي بريح لا تزال الحرب ماثلة. الكبار لم يعودوا إلى قراهم ولا يزال مثلث «حقي، حريتي، كرامتي» كما عبر أحد المشاركين في الفيلم بعيداً، اما الصغار الذين نشأوا خارج هذه القرى فإن دنياهم في المدن التي انتقلوا إليها، درس عايدة كنفاني زهار الذي تنقله هو ان الحرب الأهلية لا تكون في يوم بعيدة، وكل الدلائل التي تدحضها قابلة للزوال في لحظة.

* الفيلم تزامن مع صدور كتاب لعايدة كنفاني زهار بعنوان «لبنان الحرب والذاكرة» صدر عن منشورات جامعات رين.

السفير اللبنانية في

06/04/2012

 

«بابا عزيز»

رحلة الجد الضرير وحفيدته في أجواء الصحراء الصوفية

دبي - رشا المالح 

رحلة تأملية استثنائية يأخذنا إليها المخرج التونسي ناصر خمير عبر فيلمه "بابا عزيز" الذي عرض أخيراً في ندوة الثقافة والعلوم بدبي ضمن برنامج الندوة الشهري للجنة السينما، لنستغرق في عوالم الفيلم الناطق باللغتين الإيرانية والعربية على مدى 96 دقيقة، وننسى خلالها أنفسنا وعالمنا الخارجي، ونتابع بروحنا وفكرنا رحلة الجد الضرير بابا عزيز وحفيدته عشتار في أجواء الصحراء الصوفية.

مرآة النفس

نرافق الجد والحفيدة في رحلتهما عبر الصحراء باتجاه المكان الذي يلتقي فيه المريدون القادمون من مختلف أصقاع الأرض كل 30 عاماً. وأسوة بعشتار نتلقف بروحنا كلام الجد الموشى بالحكمة والتأمل والمعاني الإنسانية، ومثال عليها حينما يجيب على سؤال عشتار هل تعرف الطريق إلى المكان؟ قائلًا (إيمان الإنسان بوجهته سيقوده إلى الطريق). وسرعان ما نستغرق في دهاليز حكاية الجد لعشتار لتسليتها عبر رحلتهم الطويلة، لنتابع سيرة الأمير الذي يترك ملذات الحياة بعد مطاردته لغزال في الصحراء، وينسى نفسه أمام مطالعة صورته في نبع ماء بإحدى الواحات، ليتجلى بعد البحث الطويل عنه أنه مستغرق في تأمل روحي.

وعبر الطريق تتداخل الحكايا مع عابري سبيل ومريدين، لتحمل كل حكاية وجهاً مختلفاً من محن الحياة التي تحمل في طياتها الحنين ونشدان المعرفة، عبر البحث عن إنسان آخر سواء بدافع الحب مثل زيد، أو الانتقام مثل الباحث عمن قتل أخيه، أو عثمان الذي وقع في بئر ليلتقي في قصر من ألف ليلة وليلة بحب حياته التي تتلاشى والقصر لدى خروجه منه. وتتقاطع الحكايا عبر التواصل والبوح بلواعج الأرواح، لتحل السكينة بالنفوس ويأخذ كل منهم دربه المرسوم الخارج عن وجهته السابقة.

أجواء صوفية

وساهمت براعة التصوير لفيافي الصحراء ومداها الواسع وأجواء الأمكنة المعزولة، كالمسجد المبني داخل الكثبان ومسجد آخر يلتقي فيه عابرو السبيل والمريدون الذين يعيشون حالة من الارتقاء الروحي بالغناء أو الرقص الصوفي، في تعزيز الأجواء الروحانية التي تبعث في النفس السكينة والتأمل، والتي تهيئ المتفرج لمشهد جديد يرتبط بإدراك بابا عزيز لمنيته حينما يتوقف قبل وقت قصير من الوصول لوجهتهم على قمة أحد الكثبان ويلقي السلام، لينتفض من الرمال أعداد كبيرة من القوم كأنما نهضوا من نومهم ليقرؤه السلام ويستعدوا لمتابعة مسيرتهم، وحينما تفزع عشتار وتسأله إن كانوا من الجن؟

يقول لها انهم من البشر مثلهم، لكنها تبصرهم بقلبها العامر. يودع الجد عشتار، بعدما يحكي لها عن المنية كواقع لا خوف منه كما هو الجنين الذي يرفض الخروج من رحم أمه إلى حياة مجهولة لديه. ويعطيها تذكاراً منه قلادة للعنق يدرك المشاهد من خلالها أنه الأمير الذي سبق أن تعرف عليها في حكاية الجد، وتفارق عشتار جدها لتتابع رحلتها مع الشاب زيد، وليطلب من الشاب الباحث عن الانتقام لمقتل أخيه أن يدفنه بالرمال بعد موته، ليأخذ عباءته وعصاه ويتابع مسيرته كدرويش.

وقد أدار الزميل الصحافي أسامة عسل المشارك في لجنة النادي بعد انتهاء الفيلم، حواراً مع الناقد السينمائي بشار إبراهيم وطرح عليه عدداً من الأسئلة عن أبعاد الفيلم وإنتاجه إضافة إلى تعريفه بالمخرج التونسي ناصر خمير وأعماله، والمقاربة بينه وبين فيلم (مومياء) للمخرج المصري شادي عبدالسلام، ليفتح النقاش بعدها مع الحضور.

رسالة

بدأ المخرج التونسي وكاتب السيناريو ناصر خمير العمل على الفيلم من عام 1992، وعرض الفيلم عام 2006، وهو من إنتاج مشترك بين الاتحاد الأوروبي وإيران وتونس، ويعتبر الفيلم الجزء الثالث من مسيرة صوفية شعرية بدأها في عوالم الصحراء بدأها بفيلم "الهائمون" ليتبعها بفيلم (طوق الحمامة الضائع). وتتمثل رسالة المخرج من الفيلم في رد الاعتبار للإسلام وتصحيح المفهوم الخاطئ عن الدين الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر، ليبرز مفهوم التسامح وسعة الأفق بين مختلف الأطياف.

البيان الإماراتية في

07/04/2012

 

لمسة إنسانية تطوف في أعماق النفس البشرية في فيلم «السماء الذهبية»

إعداد - هشام فتحي 

يعتبر الفيلم الياباني "السماء الذهبية"، للمخرج تاو ناشيموتو، واحداً من أفضل الأفلام اليابانية الغنائية ذات الشخصية المحورية التي عرضت، أخيراً، في مهرجان يوباري الدولي لأفلام الخيال. وتقول صحيفة "جابان تايمز" اليابانية، في تقرير حديث لها، إن بعض النقاد وصفوا الفيلم بأنه كان "الأكثر طبيعية" ضمن الأفلام التي عرضت في المهرجان. غير أنه من المستغرب أن يعتبر هذا الفيلم بمشاهده التي يهيمن عليها الجانب الفكاهي والكوميدي بمثابة فئة الأفلام الطبيعية الجديدة، لا سيما بين عشاق الأفلام اليابانية من المشاهدين الأجانب.

واستدركت "جابان تايمز" بالاعتراف بأن التغير الذي أحدثته هذه الأفلام ليس سلبياً بشكل كلي. ذلك أن اللقطات الثابتة المطولة، فضلاً عن القصص الملتوية والانطوائية والشخصيات الأحادية لهذه الحقبة الماضية، يمكن أن تكون نهاية بطيئة بفعل الملل. فعلى الأقل، تحاول الأفلام الفاضحة والإباحية هذه الأيام أن تتغلغل في وجدان المشاهد. ويبدو أن ماساي ناكاياما، وهو طالب في مدرسة السينما، مستغرق في هذا الاتجاه من الأفلام ذات الشعبية وهو ما ظهر في بداية فيلم "السماء الذهبية".

خيال علمي

ويتحدث الفيلم عن ناكاياما الذي يقوم هو وزملاؤه في معهد السينما بولاية نيغاتا (على غرار المعهد الذي يدرّس به المخرج ناشيموتو حالياً) بإنتاج فيلم الخيال العلمي "انتقام العملاق الحديدي" من دون ميزانية، على الرغم من أن شخصية العملاق تبدو مثل شخصية "هانيوا" المصنوع من المعدن. حيث نرى كيف يتعرض المخرج للغرق فجأة في نهر قريب (دون إبداء الكيفية التي غرق بها أو سبب الغرق) ويتم تعليق التصوير في الفيلم.

أحداث

ورغم مرور عام على الحادث، يرفض يوسوكي استئناف التصوير في البيت أو المدرسة. ويخبره والده، الذي يعمل في تلميع الملاعق طوال اليوم في مصنع بالبلدة، بأن يحاول البحث عن وظيفة حقيقية، في حين أن أصدقاءه من الفيلم الذي توقف العمل به يشعرون بالاكتئاب أيضاً.

وتحاول شقيقته الكبرى ميكي بشدة وبشغف أن تلم شمل الأسرة، من خلال إعداد وجبات كبيرة ومتنوعة وحث يوسوكي على تناول الطعام، لكن شيئاً يفتقده جنباً إلى جنب مع شهيته. فنراه، من خلال مشاهد تعود به إلى ذكريات الماضي، لا يزال حزيناً على والدته، التي كانت واحدة من العديد من الضحايا الذي فقدوا بسب الأمطار الغزيرة التي تسببت في فيضانات وانهيارات أرضية في نيغاتا وفوكوشيما المجاورة في يوليو 2004. وقائع الناس

مخرج "السماء الذهبية" ناشيموتو لم يرتكب أياً من أخطاء المبتدئين لمحاولة الإقناع بمواقفه المعتدلة. وبدلاً من ذلك فهو يؤسس فيلمه على وقائع الناس والمكان والذكريات. فنراه يهتم بتصوير السماء الزرقاء التي تتميز بها نيغاتا موطنه الأصلي والتركيز على أفقها ذي الطبيعة الذهبية الخلّابة، دون أن يخفي في الوقت نفسه ملامح الجدية التي ترتسم على وجه أفراد الطبقة العاملة في المدينة. فالعديد من الممثلين في الفيلم هم مواطنون من نيغاتا، يضفون الأصالة ليس على اللهجة فحسب، بل أيضاً على الأداء.

ولفتت "جابان تايمز" الانتباه إلى أن ناشيموتو لا يحاول أن يقدم عملاً عصرياً شبه وثائقي، بل يستخدم مجموعة متنوعة من الطرق المختصرة واللقطات المتوسطة والطويلة لتبث جواً من الإيحاءات الشاعرية بدلاً من التصريح بشكل صارخ.

البيان الإماراتية في

07/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)