حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«خطبة الملك».. وحديث التوريث

بقلم : د.وليد سيف 

 

أعلنت في الاسبوع الماضي جوائز جمعية النقاد التي تكتفي باختيار أفضل فيلم مصري وأفضل فيلم أجنبي عرض خلال العام مع تنويه لفنان أوعمل آخر إذا لزم الأمر.. وقد غبت لأسباب قهرية عن حضور الاستفتاء السنوي الذي تعقده الجمعية من أجل هذا الغرض. والحقيقة ان إجراءات اختيار الفيلم والمناقشات التي تسبقها تعقد في جومفعم بالحرية والجدية مهما كانت النتائج التي تسفر عنها، سواء قبلتها أورفضتها. كان من الملفت أن يحصل فيلم «المسافر» علي جائزة افضل فيلم وهو الذي لم يحصل علي أي جائزة مهمة من مهرجان جمعية الفيلم الذي كنت عضوا في لجنة تحكيمه. لكني كنت اعتقد أن المناقشة ستشهد دفاعا حارا عن الفيلم علي الاقل من الزميل عصام زكريا الذي كتب في أخبار الادب عن الفيلم واحدا من أروع المقالات النقدية علي الإطلاق. وكنت أعتقد ان حماس عصام عن الفيلم قد يحقق تاثيرا طيبا ولكني لم أعتقد أنه سينجح في الوصول به إلي الجائزة في محيط ثقافي ونقدي رافض في معظمه للفيلم وإن كانت الأسباب في أغلبها غير موضوعية ولا تتعلق بالفيلم ذاته بقدر ما ترتبط بما أحاط به من ظروف اختياره وإنتاجه من قبل وزارة الثقافة. لكن الجائزة التي أثارت استيائي هي جائزة أحسن فيلم أجنبي والتي منحت لفيلم "هالا لوين "في تخط غير مقبول لفيلم بقيمة وأهمية ( خطبة الملك)، تماما كما ذكر الزميل مجدي الطيب في مقاله بنهضة مصر. وقبل ان أتحدث عن فيلم «خطبة الملك» دعوني أعود بكم عدة أسابيع قبل قيام ثورة 25 يناير، الموؤدة إلي حين، حيث إلتقيت مصادفة جاري الذي كان ينتمي للحزب البائد غير المأسوف عليه، سألني بدون مناسبة عمرك شوفت جمال مبارك وهوبيخطب ؟.. هرشت رأسي وحاولت أن أتذكر.. ولكنه سرعان ما ابتدرني مستطردا " لأ ..فاتك كتير.. دا الراجل دا بيبدع ..بيتجلي.. بيقول سحر.. ربنا بيلهمه بكلام زي البلسم.. ياريت تحضر مؤتمرات الحزب عشان تسمعه أكيد حتغير رأيك ".. كتمت ضحكي ، فانطباعي عن جمال من مشاهداتي لتصريحاته التي يذيعها التليفزيون كانت تعبر عن عكس هذه الصفات تماما . تذكرت هذا الموقف وأنا أشاهد فيلم ( خطبة الملك ) الذي تبدأ أحداثه بخطاب فاشل متلعثم للأمير في مدرجات ملعب ويمبلي عام 1925.. بينما تأتي مشاهد النهاية بعد سنوات ، بإلقائه هو نفسه خطبة رائعة تلهب حماس الجماهير وتعلن الحرب علي النازي .. بين البداية والنهاية نخوض رحلة إنسانية رائعة وقصة كفاح الملك متحديا عاهته.. وهوأثناءها يكتشف ذاته ويعيد اكتشاف العالم من حوله من خلال إحتكاكه بمعلمه ومرشده وطبيبه الفقير الخبير الذي سيتمكن من تخليصه من عقدة لسانه، عندما ينجح في أن يجعله يدرك قيمة الإنسان، ويتخلص من كل أمراض وأعراض الغرور وعقد الشعور المتضخم بالأنا والتعالي علي الآخرين. لا حب ولا حرب هذه هي الحبكة المجردة لفيلم «خطبة الملك» والتي ينجح السيناريو في أن يغزلها بمهارة وبتمكن درامي رفيع. وبعيدا عن اللجوء لكل أساليب أومفردات الدراما التقليدية السهلة أوكل الحيل المضمونة في جذب المشاهد. فلا توجد قصة حب عنيفة بين رجل وامرأة، وإن كانت الزوجة تعبر في كل سلوكياتها عن حب جارف ورغبة أكيدة في مساعدة زوجها. لا توجد معارك حربية أوحتي خطط أو حيل في رفع الشعور بالتوتر من خطر الحرب المحيط بالأحداث وبالخلفية التاريخية القوية للفيلم. لا توجد علاقة تحد أو صراع بين رجلين من أجل الحصول علي شيء مادي محدد، وإن كانت حلقات الصراع لا تنتهي طوال أحداث الفيلم بين الملك ومعلمه. ولكنه صراع من أجل ترويض التلميذ وإنارة بصيرته وتوجيهه نحو الطريق الصحيح لمواجهة الحياة بقوة وصلابة تليق بملك. ربما تواجه البعض صعوبة في تقبل الفيلم نتيجة لاعتماده علي إيقاع متمهل رصين كأحد ملامح الطابع الإنجليزي في السينما والدراما. وهو ما يحاول المخرج تخفيفه من حين لآخر باستخدام الفوتومونتاج أو الفلاش باك الخاطف أو الانتقال السريع في الزمن. وفي الحقيقة إن الطابع الإنجليزي يحيط بالفيلم بحكم انتماء مخرجه وأبطاله، وأيضا بفضل موضوعه وأسلوبيته. فأنت بصدد سيناريويعتمد علي نص مسرحي. والمشاهد السينمائية التي يتضمنها هي وحدات درامية متكاملة تتصف بالطول الزمني وتعتمد علي الحوار وأداء الممثل. وهوأداء تمثيلي في غاية الرقي ينتمي معظمه لمدرسة المعايشة الكاملة فالممثلون في حالة تماه مع الشخصيات. وهي مسألة تتفق مع الأجواء التاريخية كما أنها تساعد الجمهور علي التصديق والاندماج حيث تعد هذه الموضوعات هي الأصعب في كسب مصداقية لدي المشاهد. عين الكاميرا علي مستوي الصورة تتميز الانتقالات وحركة الكاميرا بطابع من الرصانة ولكن تحقق الزوايا غير المألوفة والمؤثرة حالة من الجاذبية والتدفق وتكسر نوعا ما من رتابة الإيقاع. وتتلبس الكاميرا بمهارة ورشاقة روح الشخصيات ، فتتحرك من منطلق إحساسهم بالتوتر أوالثقة وتطل علي العالم بأعينهم.. يحقق المخرج فيلمه بسيطرة تامة علي لغته السينمائية وبتوظيف أساليب كلاسيكية في التعبير البصري ولكن باقتدار وبتوليف بارع بين اللقطات الثابتة ونقيضتها المتحركة التي قد تمتد بطول ردهات طويلة. تتلون هذه اللقطات بسحر الزمن وعبق التاريخ وروعة التباين الضوئي بكاميرا داني كوهين.. وهوينجح في هذا في المشاهد الداخلية التي تدور فيها معظم أحداث الفيلم بنفس مهارته في اللقطات الخارجية والتي تتجلي روعتها في مشهد الحوار العاصف بين البطلين وسط البرد والمطر والضباب. تؤدي الديكورات دورها بأمانة وبلا مبالغة.. ويجري توظيف المواقع وأماكن التصوير وقطع الديكور في خدمة المضمون الدرامي للمشهد بحالة من الثراء والغزارة التي تجعلك في حاجة لإعادة مشاهدة الفيلم أكثر من مرة للاستمتاع بالتوظيف الخلاق لعناصر الصورة.. وعلي مستوي الصوت يأتي أداء الممثلين جميعا كدروس في التلوين الصوتي والتعبير بعمق بالكلمات عن مكنون النفس ، أوفي مراوغة الشخصيات لإخفاء ما في باطنها من أسرار.. وتتناغم مع المؤثرات الصوتية الرصينة موسيقي عالية التأثير والتعبير وموظفة باقتصاد ومقادير محسوبة ومن وحي الموقف والضرورة للفرنسي أليكساندر ديسبلا.. ويصل توظيف الموسيقي الي ذروته حين تطغي علي صوت البطل في محاولاته الفاشلة المتلعثمة للإلقاء وكأن كلماته تغرق في هذا البحر الموسيقي الهائج. ولكن كل هذه الحيل والألاعيب لن تتمكن من أن تتيح لك الاستمتاع بالفيلم ما لم تتمكن من البداية من الوصول إلي جوهر المتعة وإلي مفتاح الإنارة لهذا الفيلم الرائع.. «خطبة الملك» الذي حصد أربع جوائز أوسكار لا يسعي إلي تسجيل التاريخ وإن كان يلتزم بوقائع تاريخية حقيقية.. لكنه شأن كل الأفلام العظيمة التي تستند علي التاريخ من أجل تقديم خطاب للحاضر والمستقبل.. وهو هنا يعتمد علي أسلوبية إنجليزية ذهنية مناسبة تماما.. فلغة العواطف لا محل لها والمنطق العقلي هو القوة المحركة للشخصيات والحدث.. وحيث يكون صراع الأفكار هومحور الدراما الذي يقود دفتها وليس أي شيء آخر.. فتصل الرسالة بالتالي بمنتهي القوة والتأثير وبعد مساحات من النقاش والجدل.. إن قتل الإحساس الطبقي داخل نفوس البشر هو أهم ما يحققه هذا الصراع المستمر بين الملك ومعلمه.. وهو ليس فقط دعوة للملوك والحكام بالتخلي عن عليائهم والإيمان بضرورة احترام الإنسان لأخيه الإنسان.. ولكن هذه الفكرة يجب أن تنطلق أيضا من نفوس البشر البسطاء الذين يجب ألا يعميهم فقرهم عن قيمتهم وعن حقوقهم وعن حقيقة أن شعورهم بالكرامة هووحده فقط الذي يمنحها لهم. سخرية وصرامة وعلي الرغم من الجدية الصارمة التي تسيطر علي البناء الفيلمي ككل إلا أن العمل لا يخلو من لمحات ساخرة في منتهي الذكاء والكوميديا سواء في إشارات أوتلميحات وإيماءات عابرة أوفي جمل حوارية مباشرة مثل تلك التي يعلق بها الطبيب وهويدرب الملك علي الجلوس علي العرش "كم مؤخرة جلست علي هذا العرش ".. إن هذه الملامح الساخرة البسيطة هي جزء من صميم الروءية الفكرية للفيلم.. فالتيجان والعروش أمور بلا قيمة ولكن القيمة الحقيقية تكمن في هؤلاء المواطنون البسطاء الذين بدونهم يصبح الحاكم لا شيء.. هذه الرحلة الطويلة التي خاضها البطل من أجل أن يصل إلي قلوب وعقول شعبه كان لابد منها ليصبح حاكما حقيقيا حي ولو كان وريثا شرعيا للعرش.. ولكن من يعميهم غرورهم هم هؤلاء الذين يتصورون أنهم سوف يتمكنون من هذا العرش وسيصلون إلي قلوب الجماهير عبر الكذب والادعاء والإعلام المضلل وترويج الإشاعات وليس من خلال العمل الحقيقي والإيمان بقيمة الشعوب وحقوقها وكرامتها.. إن الأعمال الفنية العظيمة هي التي تخاطب الإنسان في كل زمان ومكان وتنير له طريقه وتجيب عن تساؤلاته.. الآن فقط عرفت لماذا انصرف جاري سريعا قبل أن يتلقي ردي علي قصيدة المدح التي ألقاها في رجل كان يتهيأ للاستيلاء علي عرش مصر.. كان كمن يقوم بواجب دعائي أملته عليه عضويته في اللاحزب.. كان يتحدث وكأنه يلقي تقريرا مكلف بنشره بين المعارف والأصحاب ربما تطبيقا لمبدأ : إن الدوي علي الودان أمر من السحر.. وربما اقتنع جمال بنصائح مستشاروه الأغبياء أنه بهذه الطريقه يمكن أن يتقبله الشعب مع الزمن.. وهي الوسيلة التي لم يلجأ إليها ملكنا، بل قرر أن يتعلم بحق وأن يتعالج من أمراضه العضوية والنفسية والاجتماعية ليستحق عن جدارة عرشه الشرعي.. أعود لأكرر ان تجاهل جائزة جمعية النقاد لهذا الفيلم العظيم لا تقلل من قيمة الفيلم بقدر ما تضعف من مصداقية الجائزة والجمعية.

جريدة القاهرة في

03/04/2012

 

«نحتاج أن نتكلم عن كيفين»..

سايكودراما مذهلة حول العلاقة الأهم في حياة الإنسان

بقلم : يوسف هشام 

في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي الدولي والتي عقدت في شهر مايو من العام الماضي، عرض في المسابقة الرسمية الفيلم الروائي الطويل الثالث للمخرجة البريطانية «لين رامساي» بعنوان: «نحتاج أن نتكلم عن كيفين» We need to talk about Kevin المأخوذ عن رواية «ليونيل سيفر» والتي سبق وحولتها اذاعة الـBBC إلي مسلسل اذاعي. ويأتي هذا الفيلم بعد غياب 9 سنوات كاملة للمخرجة والتي كانت قد شاركت في مهرجان كان من قبل بمشروع تخرجها Small deaths في مسابقة الافلام القصيرة وحصلت علي جائزة لجنة التحكيم، كما شاركت أيضا خارج المسابقة الرسمية بفيلميها السابقين Ratcatcher و Morvern Callar واستقبل فيلم «كيفن» باحتفاء نقدي شديد وتوقع الكثيرون لبطلة الفيلم «تيلدا سوينتون» الحصول علي جائزة التمثيل عن هذا الدور الاستثنائي الذي قدمته، لكن ذهبت الجائزة في النهاية لـ«كيرستين دانست» عن فيلم «ميلانكوليا» للمخرج «لارس فون ترير». المستوي النفسي تدور أحداث فيلم «نريد أن نتكلم عن كيفن» حول «ايفا» «قامت بدورها تيلدا سوينتون» التي تعيش في صراع مع نفسها ومع مجتمعها بعد الجريمة البشعة التي ارتكبها ابنها «كيفن» «قام بدوره ايزرا ميللر» والتي نراها قرب نهاية الفيلم، ونتابع في الفيلم حياتها اليومية متقاطعة مع مشاهد فلاش باك من بداية علاقتها بزوجها «فرانكلين» «قام بدوره جون سي ريلي» الي حملها الاول من «كيفن» ثم من اخته الصغيرة، مستعرضا العلاقة العدائية بين «كيفن» ووالدته، وشعورها بالذنب تجاهه. الفيلم يحمل مستوي نفسيا رئيسيا في قراءته، فعلاقة الأم والابن هي علاقة نفسية دقيقة ومعقدة ويتأسس عليها معظم التكوين النفسي للابن فيما بعد، كذلك الشعور الدائم بالذنب. وهنا راعت المخرجة منذ الدقائق الأولي في الفيلم تقديم مشاهد تعبيرية ربما تحتوي علي معظم ما هو آت في الفيلم. فور كتابة التترات علي الشاشة، نري «ايفا» وهي فيما يشبه بمهرجان الصلصة، حيث يلعب الجميع بصلصة الطماطم الحمراء ويلقونها علي أنفسهم وعلي بعضهم البعض، ونري «ايفا» وهي غارقة في الصلصة ضاحكة ثم يأتي علي وجهها نظرة وجوم، ونشعر ونحن نشاهد هؤلاء الناس الذين يسبحون في السوائل الحمراء وكأنهم يعومون في بحار من الدماء وهم مستمتعون. واللون الاحمر يتكرر استخدامه في الفيلم، فنري الطلاء الأحمر المسكوب علي منزل «ايفا» وسيارتها من قبل جيرانها الكارهين لها ولابنها القاتل، ونراه أيضا مع لقطات مقربة لأرقام الساعات الاليكترونية. وأول مشهد مهم يجمع بين «ايفا» و«كيفن» يكون في محبسه حيث أتت لزيارته، وهومشهد صامت نري فيه «كيفن» وهو يقضم أظافره بأسنانه بعناية ويضعها أمام أمه، وعادة قضم الظوافر بالأسنان عادة سيئة تأتي للعديد من الاطفال، وهنا نفهم أن هذا المراهق السجين يبذل ما في وسعه ليضايق أمه، وهومشهد ملخص للعلاقة التي نري تفاصيلها منذ بدايتها فيما بعد. مكونات نفسية بالنسبة لـ«سيجموند فرويد» فإن معظم المكونات النفسية في شخصية الانسان تتحد في السنين الأولي من عمره وتحديدا من خلال علاقته بأبيه وأمه، وهنا تكمن عقدة شخصياتنا في هذا الفيلم، فإيفا ومنذ شهور الحمل الاولي وهي متوترة من هذا الحمل ويكمن بداخلها شعور بعدم الرغبة في الانجاب، الأمر الذي كان يستشعره زوجها مما جعله يندهش عندما أبلغته برغبتها في الحمل. حتي أن في شهور الحمل الاخيرة نراها وهي تشاهد نساء أخريات في شهورهن الأخيرة أيضا، ولكن الفارق بينها وبينهم هو نظرة الثقة والسعادة في وجوههم، وهي تلك الطاقة الايجابية التي حاولت «ايفا» فاشلة أن تستمدها منهم. نري ولادة «كيفن» نفسها ونري التألم الذي تعرضت له «ايفا» في هذه الولادة المتعثرة. ولان الاطفال لديهم شفافية في الشعور بطاقات البشر، فيشعر الرضيع «كيفن» بكراهية امه له، فلا يكف عن الصراخ والبكاء، سواء في البيت أو الشارع لدرجة أنها تستمتع بالوقوف وسط ضوضاء البناء والتكسير لأنها تغطي علي صوت بكائه. يهدأ هذا الرضيع فقط في يد والده الذي يمده بطاقة حب ايجابية لا يشوبها القلق أوالتوتر أو انعدام الثقة بالنفس كما هو حال «ايفا». وعندما يكبر «كيفن» قليلا يظل ينظر لها معظم الوقت نظرات تحد ويحاول مضايقتها باستمرار، بل ويتعمد التعامل علي انه طفل لا يفهم وان كنا نري في نظراته كما تري «ايفا» أنه هو الممسك الآن بخيوط هذه العلاقة وأنه هو المتحكم بثقة في أمه، حتي أنه يلجأ لتعذيبها عن طريق التغوط في حفاضته التي ظل يلبسها بعد أن تجاوز الثالثة حتي تضطر هي لتغيير الحفاضة. وعندما تصارحه أمه بأنها حامل من جديد وأن عليه أن يحب اخته وإن لم يحبها فسيعتد عليها ويحبها، يرد عليها ردا مفحما فيقول «ليس شرطا أن تحب كل ما تعتاد عليه، فأنتي مثلا معتادة علي» وكأنه يقول لها أعرف أنك بداخلك تكرهيني. وتحصل «ايفا» علي نصيب الأسد من سلوك «كيفن» العدواني، الذي يتغير تماما في وجود الأب ليصبح أكثر لطفا. ومنذ يوم مولدها يبدأ «كيفن» في ممارسة عدوانيته علي أخته بطريقة طفولية. إذن نحن هنا أمام علاقة أم لم تحب ابنها منذ أن كانت حاملا فيه، وبالتالي خرج هو عدواني وشديد الدهاء وهو الذي لم يحرك مشاعرها الإيجابية بقوة تجاهه، فدائما ماتبدو غير مستريحة وهي في وجوده. وتتضح كراهية «ايفا» العامة للأطفال وخوفها منهم في مشهد تعبيري شديد الذكاء، فنراها في الحاضر وهي تقود سيارتها أمسية عيد القديسين Halloween ونراها وهي تمر وسط الاطفال الذين تنكروا علي هيئة أشباح وعفاريت وكائنات مخيفة في مشهد كابوسي يعلق في الأذهان، بل انهم يطاردونها لمنزلها ويبدأوا برشق المنزل بالطلاء والحلوي. وهكذا تعيش «ايفا» بعد جريمة ابنها، تزوره في السجن لتجد نظرات التحدي مستمرة، وتعيش وسط مجتمع يكرهها ويضطهدها علي اعتبار أنها أمه وبالتالي لها مسئولية في الحادث، وهي تشعر أن هذا المجتمع علي صواب، فهي نفسها تعيش بذنب وتظل تتذكر تفاصيل علاقتها بابنها التي قد تكون السبب الرئيسي التي جعلته يرتكب جريمته، التي لا نعرف بالتحديد ما هي إلا قرب نهاية الأحداث، كما نعرف أيضا سر اختفاء الأب «فرانكلين» والابنة الصغيرة. فنري في مشهد فلاش باك آخر «كيفن»، وهو مراهق، وهو يقتل فتيات من مدرسته بالقوس بعد أن حبسهم في ملعب كرة السلة. هذا القوس الذي أعطاه له والده والذي تسبب في أن تفقد أخته الصغيرة عينها. وبعد أن تذهب الأم للمدرسة وتري ابنها وهو يقبض عليه بعد ارتكابه الحادث وفي عينيه تحد وتشف لكل أهالي الضحايا، تعود للمنزل وتكتشف أنه قد سبق وقتل الأب والأخت. وعندما تسأله أمه في نهاية الفيلم عن سبب ارتكابه ما ارتكب يرد هو بأنه كان يعرف الاجابة وقتها ولكنه الآن لا يعرف شيئا، ليحتضنا بقوة للمرة الاولي والاخيرة في الفيلم وتخرج هي منتظرة الافراج عنه، فهو في النهاية حدث لا يحكم عليه بالمؤبد أو الاعدام. فيلم مؤلم استطاعت «لين رامساي» أن تصنع فيلما مهما، مؤلما وممتعا في الوقت نفسه، فبرغم أن الحدث الرئيسي وهو الجريمة يصبح معروفا بعد الثلث ساعة الأولي من الفيلم، الا أن الفيلم يعتمد هنا علي عنصر انتظار المتفرج لمعرفة الأسباب، فيظل الفيلم يقدم بالفلاش باك بداية العلاقة وتطورها ويظل تطور الشخصيات العنصر الرئيسي الذي يشد المتفرج لنهاية الفيلم. ولأن الكتابة معتمدة علي بناء وتكوين نفسي عميق ومدروس للشخصيات، يتوحد المتفرج مع الأحداث ويتفاعل معها. ونجحت أيضا المخرجة في توظيف أسلوب الفلاش باك الذي أحيانا يربك بناء بعض الأفلام ويسبب الضجر للمتفرج، ولكن هنا استطاعت المخرجة مع المونتير «جوبيني» ليس فقط في توظيفه ولكن أن تجعل كل المشاهد السابقة ممهدة له سواء بقطعات الصورة أوالصوت فيكون المتفرج علي استعداد نفسي لمتابعته. وكما استخدمت «لين رامساي» السيناريو والتصوير بشكل تعبيري أحيانا، فعلت نفس الشيء مع الصوت، فشريط الصوت وتوزيعه كانا أحيانا يضفيان احساس ما هو فوق الواقع بتعلية صوت بعض المؤثرات أحيانا، بل وتستخدم الـbass في صوت المروحة في أحد المشاهد لتضيف التوتر المطلوب للمشهد. ربما كانت ادارتها للممثلين هي التي تحمل بعض التفاوت، فنجد البريطانية القديرة الحاصلة علي الأوسكار «تيلدا سوينتون» تقدم أحد أهم وأفضل أدوارها علي الاطلاق وبوعي شديد يبتعد تماما عن الميلودرامية التقليدية، فمشاعرها تجاه ابنها لا يتم الافصاح عنها بشكل لفظي في الفيلم قدر ما يكون الاعتماد علي أدائها ولغة جسدها اللذين نجحا بالفعل في توصيل الاحساس المطلوب. في حين جاء اداء «جون سي ريلي» مقبولا لكن لا يتجاوز العادي، فيشبه العديد من الأدوار التي قدمها «ريلي» من قبل. أما الشاب «ايزرا ميلر» الذي قدم دور «كيفن» في مرحلة المراهقة، فكان أداؤه ناضجا أحيانا وفي أحيان اخري سقط في بعض الكليشيهات التمثيلية لمثل هذه الادوار، وأذكر أني شاهدت أداء أفضل لـ«ميلر» في فيلم Afterschool للمخرج الأمريكي الشاب «أنطونيوكامبوس». تجربة مهمة ويبقي أن أذكر أن فيلم «نحتاج أن تكلم عن كيفين» هو تجربة مهمة تترك أثرا يعلق بالأذهان كثيرة ويثير العديد من الأسئلة بل ويحتاج لأكثر من مشاهدة، ويظل الفيلم بالتأكيد من أهم عشرة أفلام أنتجت عام 2011 حتي وإن تجاهلته جوائز «كان» والـ«بافتا» في حين لم يرشح لأي جائزة أوسكار، ولكن حتما نجاح الفيلم النقدي ومستواه المرتفع هما ما سيجعلانه باقيا في تاريخ السينما.

جريدة القاهرة في

03/04/2012

 

 

«انفصال»..الأوسكار والمصير المظلم

بقلم : ياقوت الديب 

المخرج الإيراني الثائر "أصفر فرهادي" أحد ثلاثي متمرد علي رزالة ملالي "قم" وحكام "طهران" وبلطجتهم الثقافية وقهرهم السياسي.. تماما كما سمحوا لأنفسهم باغتيال حرية الفكر والرأي بسجنهم لمخرج إيران الشهير "جعفر بناهي" ورفيقه "محمد رسلوف" لمدة ست سنوات وأضافوا علي هذا الحكم الجائر حرمانهما من العمل بالسينما لمدة عشرين عاما بعد قضائهما هذه العقوبة ـ إذا لم يغتالوا داخل محبسهما قبل قضاء مدة العقوبة الظالمة. وقد أشرنا في مقال سابق الي أن المحكمة قد أصدرت هذا الحكم الغبي لمجرد نية "بناهي" و "رسلوف" عمل فيلم سينمائي وثائقي يتناول بالتحليل عملية الانتخابات الرئاسية في "إيران" عام 2009م، وكان الفيلم يتبني الكشف عن عمليات التزوير في هذه الانتخابات، كما زعمت محكمة النظام، وبتشجيع ومباركة الملالي، أن الفيلم مدعوم من جهات معادية لإيران (أمريكا وبريطانيا وإسرائيل) ونظام الحكم فيها. نظام أسود المخرج "جعفر بناهي" المسجون حاليا وراء قضبان النظام الأسود لحكام "إيران" السياسيين ومن ورائهم ملالي يعيدون عهود التخلف والظلام.. هذا المخرج الثائر الذي حفر لأسمه في عالم السينما الإيرانية صفحات من تاريخ بالغة الخصوبة والعطاء المتميز، والذي يعد أحد رموز حركة الموجة الجديدة في هذه السينما، وصاحب أفلام: "البالون الأبيض" عام 1995، "الدائرة" الذي حصل علي جائزة "الدب الذهبي" في فينيسيا عام 2000، "الذهب القرموزي" عام 2003، "تسلل"Offside الذي حصل علي "الدب الفضي" في برلين عام 2006، وغيرها من الأفلام التي تشكل علامات بارزة في السينما الإيرانية. ولم يفلت من مضايقات حكام طهران وافتعال المعارك من قبل "بناهي" المخرج الإيراني الكبير "محسن مخملباف" أحد أهم الأسماء التي صنعت السينما الإيرانية مع "عباس كياروستامي" صاحب فيلم "طعم الكرز" الذي حصل علي "سعفة «كان» الذهبية" عام 1997، وصاحب فيلمي" "عن قرب"، و "الريح سوف تحملنا" في قائمة أفضل مائة فيلم في العالم، و "مجيد مجيدي" صاحب أفلام: "الرق"، "شجرة الصفصاف"، "أغنية الطيور"، و"ألوان الجنة" الذي يتناول بجرأة موضوع الرمز الديني. وقد عاد "محسن مخملباف" للسياسة بعد ثلاثين عاما من المقاطعة اثر اغتيال "ندا أغا سلطان" مدرسة الموسيقي الشابة الثائرة التي احتجت علي النتائج المزورة لانتخابات يونية 2009، علي يد الشرطة الإيرانية يوم 20 يونية. وتمجيدا لشهيدة الحرية والنضال. قام "مخملباف" بإخراج فيلم عنها جاء بعنوان "من أجل ندا"، كذلك فهو صاحب أفلام: "الجنس والفلسفة"، "صرخة النمل"، و"قندهار" الذي يتناول قضية معاناة المرأة في بيئة ذكورية متسلطة، الذي يعد أهم مخرجي "إيران" المناضلين بالكاميرا والسينما، الي جانب أنه صاحب فيلمين يعتبران من أفضل مائة فيلم في العالم هما: "الخبز" Bread، "الدراج" Cyclist عام 1987، أما فيلمه "السحلية" عام 2004 فيعد الأكثر صخبا والأعلي إيرادا في تاريخ السينما الإيرانية. ومن عائلته خرجت خمس نساء إيرانيات سينمائيات أشهرهن "سميرة مخملباف" التي فازت بجائزة في مهرجان "كان" وهي ابنة 21 ربيعا، وزوجته "مرضية مخملباف" مخرجة فيلم "اليوم أصبحت امرأة" عام 2004 والذي كتبه "مخملباف" نفسه. قهر الفكر هذا الاضطهاد وقهر الفكر وكبت حرية الإبداع من قبل نظام الحكم في "إيران"، علي اعتبار أن السينما رجس من عمل الشيطان وخزعبلات من عند البشر، وأن حرية الفكر والرأي لسواهما انما فيها الخسران المبين والعمل المشين الذي يودي بصاحبه الي نار جهنم والعياذ بالله.. نظرة متخلفة وتصور مريض وحكم علي غير صحيح الدين للفن وصانعيه من قبل هؤلاء القابعين في "قم" وأمثالهم في بلدان أخري نكبت باعتلائهم السلطة وامتلاك ناصية الأمور، حيث لاهم لهم سوي التشدق بضرورة فرض تعاليم الدين ومبادئ الشريعة.. أي دين وأية شريعة تلك التي يتصورون في عصر الفضائيات المفتوحة وغزو الكواكب وتكنولوجيا "الفمتوثانية"، ألم يعلموا أن الله جل شأنه وتعالت عظمته خلق الانسان حرا في اختياراته فيما يعلمه من أمور الدنيا ومخيرا لفعل هذا وترك ذاك، لكنه مسير فيما لايعلمه من أمور قدرية ومقدرات لايعلمها الا الله، كلحظة الميلاد ووقت الوفاة وبأي أرض يموت الانسان وحجم رزقه في الدنيا ونصيبه من الآخرة.. وهل يعلمون أصحاب العمم السوداء أن الرسول محمد - صلي الله عليه وسلم - أقام الدولة الاسلامية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يتطاول ـ حشاه ـ هو أو رجاله علي أحد بالقول أو بالسب أو بالأذي، ولا أدل علي سماحة الدين الاسلامي الحق وسماحة رسوله الكريم من موقفه مع "اليهودي" الذي سمح لنفسه بالتبول داخل المسجد في حضرة النبي وأصحابه.. فهل يعقلون أو يتأسون بأخلاقه الكريمة وروحه السمحة؟ المخرج الثائر "أصفر فرهادي" صاحب فيلم "انفصال" Separation يعد إحدي العلامات البارزة في تاريخ السينما الإيرانية بعد أن أصبح حديث السينمائيين علي طول العالم وعرضه، بعد أن حقق لإيران بفيلمه "انفصال" ما لا يحققه أي مخرج إيراني آخر...حصل "فرهادي" علي جائزة "الدب الذهبي"Golden Ber من مهرجان "برلين" السينمائي الدولي لهذا العام كأفضل فيلم، وهو انجاز لم يتحقق للسينما الإيرانية من قبل، وفي نفس المهرجان حصل بطل الفيلم "بيمان موعادي" علي جائزة أفضل ممثل (دور أول)، كما حصلت بطلة الفيلم "ليلي حاتمي" علي جائزة أفضل ممثلة (دور أول)، وهذا يسجل سبقا للسينما الإيرانية لم يتحقق في مهرجان واحد من قبل علي الاطلاق وبحجم مهرجان "برلين". أفضل فيلم وبنفس القيمة حصل فيلم "انفصال" علي جائزة "جولدن جلوب" Golden Glop كأفضل فيلم أحنبي (غير ناطق بالإنجليزية)، وهي جائزة تمثل "بروفة" لجوائز "الأوسكار" العالمية التي تعلن بعد "الجولدن جلوب" في أمريكا، فغالبا ماتحصل الأفلام الفائزة بإحدي جوائز "الكرة الذهبية" علي الترشيح لجوائز "الأوسكار" الأشهر سينمائيا وعالميا وقد تفوز بالفعل بإحداها. والمفاجأة الكبري هي حصول فيلم "انفصال" Separation لمخرجه الإيراني المتمرد "أصفر فرهادي" علي "الأوسكار" كأفضل فيلم أجنبي (غير ناطق بالإنجليزية) محققا سبقا وتفوقا علي أربعة أفلام تم ترشيحها هي: فيلم Bull head من بلجيكا، Footnote من اسرائيل، In Darkness من بولندا، وفيلم Monsieur Lazhar من كندا ... ألا يكفي الإيرانيون هذا الانجاز الكبير الذي كان مخططا له اقامة احتفال خاص بالفيلم وصانعيهوعلي رأسهم "فرهادي" و"بيمان موعادي" و"ليلي حاتمي"؟ لكن تخلف عقول حكام "طهران" وملالي "قم" وقف حجر عثرة أمام الاحتفاء بأهم حدث وانجاز سينمائي في تاريخ "إيران"، وكان حجتهم أن الفيلم يعارض نظام ـ بسلامته ـ الرئيس الدكتور "أحمدي نجات" وتعاليم أصحاب العمم السوداء، وإن شاء الله هي بالتأكيد سوداء لتعمي عقولهم وبصيرتهم عن جادة الصواب واستقامة المنطق وتغليب العقل الي أن يأذن الله بالخلاص من شرورهم وأفعالهم المفضوحة وممارساتهم اللاانسانية ضد حرية التعبير وأصحاب الرأي. الفيلم باختصار يتناول قضية "انفصال" زوج عن زوجته، حيث إن الزوجة كانت ترغب في تربية طفلتهما بعيدا عن الجو الروحي الخانق في "إيران" إلا أن الزوج قد عارضها، فما كان منها الا أن رفعت دعوي "انفصال" لتنجو بطفلتيها وتتمكن من الخروج بها، لكن حكم المحكمة جاء علي غير هوي هذه الزوجة المسكينة، ولم تتمكن من تحقيق رغبتها في النجاة من هذا المجتمع الذي يحكمه زبانية نظام "طهران" وملاليه، وتعود الزوجة لعائلتها وتطلب الانفصال، في الوقت الذي تنقلب فيه حياة الزوج رأسا علي عقب بعد انفصاله عن زوجته وتورطه مع خادمته التي تعرضت للإجهاض.. الموضوع غاية في بساطة التناول، لكنه عميق في مغزاه، فكيف لمحكمة تتبع هذا النظام الفاسد تحكم بالعدل للزوجة المغلوبة علي أمرها وتمكنها من النجاة من زبانيته لتضمن لابنتها حياة أكثر تفتحا وأقل تعصبا. وبالطبع حكم المحكمة لابد أن يساير رغبة حكام "طهران" بغض النظر عن تحقيق العدل وألف طز في ميزانه، الي هذه الدرجة ينحرف القضاء وينصب من نفسه سيفا علي رقاب كل من يخالف حكم الملالي والسلطة الحاكمة للقابعين في "قم" 00 أي عدل هذا؟ وأي نظام يحكم؟ وأي ذنب اقترفه هؤلاء السينمائيين؟ والخوف كل الخوف من أن يلاقي سينمائيونا في مصر هذا المصير المظلم من جراء اعتلاء مايسمي بالتيار الإسلامي مقاليد الحكم والسلطة عندنا.. ووقتها يندم كل من أعطي صوته لهم دون ترو ودون قراءة لتاريخهم البعيد والقريب، لمجرد الخلاص من نظام جائر جسم علي قلوبنا عدة عقود، نتمني أن يخلفوا ظننا ويعلمون أن مصر ليست إيران، وأن خصوصيتها تمنع هذا النهج المعوج أو السلوكيات المشينة، التي قد تسيئ لتاريخها العظيم وتنال من حضارتها التي تضرب في أعماق التاريخ منذ آلاف السنين.. فهل يحسبون؟

جريدة القاهرة في

03/04/2012

 

«المواطن الصحفي»..

صراع مع الإعلام التقليدي.. ومصدر مهم للإعلام الجديد

بقلم : صفاء فرج سعد 

فتحت ثورة الإنترنت، والاندماج بين وسائل الاتصال والاعلام المجال لظهور ما يعرف بصحافة المواطن، فأي مواطن يجيد استخدام الكمبيوتر والانترنت يتحول إلي صحفي أو إعلامي بالمعني الشامل للإعلام، حيث يمكنه نشر الأخبار، والتقارير المصورة لأحداث عايشها أو اقترب منها، أو تابعها عن بعد، كما يستطيع أن ينشر رأيه أو آراء الآخرين عبر مواقع الانترنت والمدونات وصفحات الفيس بوك وتويتر وباستخدام هاتفه الجوال وغيرها من أشكال الاتصال المتاحة بتكلفة زهيدة ومهارات بسيطة وبدون رقابة تقريبا. وقد عايشنا هذا التأثير في ثورة يناير والثورات العربية، إلا أن هذه الظاهرة مع انتشارها أثارت عدداً من التساؤلات المتعلقة بالمهنة الصحفية والوسائل الإعلامية التقليدية (الصحافة والتليفزيون والإذاعة)، مثل هل يستخدم المواطن الصحفي هذه المعلومات التي تقع تحت يديه بحيادية أم توظف لأهداف أخري؟ وما مدي تأثير هذه الظاهرة علي قواعد العمل الإعلامي ؟... إلخ . حيث كتبت الصحفية والمسئولة الإعلامية في معهد جنيف لحقوق الإنسان "كاتي الحايك"، أن ظاهرة "المواطن الصحفي" هي أحد أبرز عوامل النجاح في الحراك الشعبي الذي تشهده المنطقة العربية مؤخراً، هذه الصحافة غير التقليدية التي لا تلتزم بالشروط المتعارف عليها للممارسة الصحفية كالعضوية الإلزامية في النقابات المهنية أو الحصول علي شهادة جامعية، والتي تؤكد أن الصحافة لم تعد مهنة نخبوية، فأي مواطن يمكنه أن يصبح صحفياً، عبر امتلاكه لوسائل التكنولوجيا الحديثة التي تتيح له الدخول إلي شبكة الانترنت. كما ذكرت أن ظاهرة "المواطن الصحفي" بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية نهاية القرن العشرين مع ظهور المدوّنات، وتزايد دورها وأهمّيتها بين الأعوام 2003-2005، مع إطلاق وسائل اتصال جديدة كالفيس بوك واليوتيوب.. والتي خلقت مناخاً جديداً للحصول علي المعلومة والصورة. وأضافت أن هذه الصحافة تتحوّل في أوقات النزاعات المسلحة والاضطرابات الداخلية والكوارث الطبيعية إلي مصدر وحيد للأنباء والمعلومات، وهذا الواقع وفقاً لكثير من المختصين بدأ يهزّ عروش الإعلام التقليدي (التليفزيون والراديو والصحافة الورقية والمواقع الالكترونية المهنية)، فما تعريف صحافة المواطنين؟ وما الدور الذي تلعبه في العملية الإعلامية؟ وما عوامل ازدهارها؟ وما أبرز الانتقادات التي توجه إليها؟ وإلي أي مدي تنافس الإعلام التقليدي؟ تزوير إن تنوع الوسائط الإلكترونية كان له الفضل في ظهور "المواطن الصحفي"، هكذا قال الصحفي أحمد الجمال ومؤسس جروب " كلنا صحفيين "، حتي أنه يؤكد أن بعض المواقع الإلكترونية كانت الأسرع في نقل الأحداث ربما أكثر من وسائل الإعلام التقليدية أثناء الثورة وبعدها، كما يحدث الآن في أحداث الثورة السورية حيث تعتمد العديد من القنوات الإخبارية علي مقاطع الفيديو التي يقوم بإرسالها المواطنون السوريون عبر الإنترنت . ويعتبر «الجمال» أن لهذه الظاهرة جوانب إيجابية وأخري سلبية، فمثل هذه الوسائط تتيح لوسائل الإعلام التقليدية الوصول إلي الأخبار في أماكن الأحداث التي ربما لا تستطيع الوصول إليها لأي أسباب تطرأ علي الساحة، لكن المشكلة أنه مع تصاعد الأحداث بصفة يومية وتزايد مستخدمي شبكات التواصل الإجتماعي فإن هذا أدي إلي انتشار عدد ضخم من الشائعات، التي ربما يستفيد منها أصحاب أجندات معينة أو تخدم أهدافاً لتيارات سياسية أو دينية ضد تيارات سياسية أو دينية أخري . ويري «الجمال» أن هذه الوسائط التكنولوجية تنافس الآن بالفعل الإعلام التقليدي، فمثلاً "شبكة رصد" كانت أحدث المواقع وأسرعها في نقل أحداث وأخبار الثورة، ثم أخبار الانتخابات البرلمانية وكانت تبث فيديوهات تم تصويرها لبعض حوادث التزوير التي وقعت خلال المراحل الانتخابية، حتي أن هناك بعض القنوات التليفزيونية كانت تستقي معلوماتها من خلالها . حق مكتسب ويعتبر الكاتب الصحفي حمدي عبدالرحيم، أن تبادل الأخبار والتعليق عليها ونشرها حق مكتسب لكل مواطن والوقوف أمامه لم يعد مُجدياً، لكن الأمر يلزم المؤسسات الإعلامية المتعاملة مع هذه الظاهرة أن تُعمل العقل وتدقق جيداً في كل ما يردها من معلومات أو صور أو أخبار، ولا يعتبر المواطن الصحفي هذا مصدراً في حد ذاته . ويؤكد عبد الرحيم أنه لم يعد ممكناً السيطرة علي وسائل الإعلام مع تعدد المنافذ الإعلامية التي تأتي منها الأخبار والمعلومات، لكن الأمر لابد أن يخضع لمبادئ المهنة الصحفية الإعلامية، وإذا لم يحدث ذلك فإن المنظومة الإعلامية كلها ستسقط . ويتفق في رأيه مع «الجمال» في كون الإعلام التكنولوجي ينافس بالفعل الإعلام التقليدي مستشهداً بجماهيرية اليوتيوب العالية التي تنافس قنوات التليفزيون التقليدية، كذلك جماهيرية الفيس بوك وتويتر التي تجذب الأعمار المختلفة لاستخلاص المعلومات والتعبير عن الرأي. ويضيف عبد الرحيم أنه علي الصحفي المحترف أن يقبل المنافس الجديد، وأن يطور أدواته ويوسع دائرة مصادره وعلاقاته وأن يذهب للبحث عن الأخبار لأنها لن تأتي إليه . التعدي علي المهنة أما الدكتور هشام عطية أستاذ الصحافة في كلية الإعلام، فهو يرفض مسمي "المواطن الصحفي" معتبراً إياه تعدياً علي الواقع المهني للصحافة، مؤكداً وجود شروط واستحقاقات لأي مهنة، وأن الصحافة تتطلب إمكانيات محددة لا يمتلكها أي شخص وأن اعتبار أي مواطن ينقل الأخبار صحفياً هو نوع من التجرؤ علي مهنة الصحفي، وهو وإن كان يري هذا تعدياً إلا أنه لا يمانع في وجود هذه الظاهرة لكنه يعتبرها دوراً معيناً ومساعداً للدور الصحفي الرئيسي، وعلية فلابد أن تعاد الأمور إلي نصابها، وأن هذه الخدمة التي يقدمها المواطن للمؤسسات الإعلامية لابد أن تخضع للتنقيح والتأكد وتطبيق المعايير المهنية عليها، وإسناد المعلومات إلي مصادرها وتقديم خلفيات عن الموضوع . ويشير إلي أن هذه الظاهرة إن تفاقمت وأخذ أصحابها أكثر من وضعهم الحقيقي فإن هذا قد يفتح الباب للتجسس للحصول علي الأخبار، وهو ما قد يتعدي للتجسس علي خصوصيات الآخرين، وهو ما سيفسد أسس المهنة في عيون القراء . والسبيل الوحيد في التعامل مع ما يرد من هذه القنوات المساعدة هو اعتبارها مدخلات متاحة تقدم كقصص خبرية عن حدث ما، واعتبارها وجهة نظر تنسب لأصحابها والتأكد منها وربطها بغيرها من الوقائع، كل هذا قبل تقديمها للقارئ .

جريدة القاهرة في

03/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)