حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ماذا فعلت الحرب بحصان سبيلبرغ وساحر سكورسيزي؟

قيس قاسم

 

المُصادفة ربما وحدها قادت مارتن سكورسيزي وستيفن سبيلبرغ  إلى التفكير في العودة إلى قصص الطفولة في وقتٍ واحد. وربما، إذا أَردنا إضافة سبب آخر، لنضعف الصدفة على ما فيها من قوة حضور في حياتنا، لصالح المنطق فقد يكون العمر واشتراطاته عاملاً خفياً سَرّع خطوتيهما، لا سيَّما أن المُخرجيّن على أعتاب السبعين، وفكرة العودة الى حكايات الطفولة المُؤَثرِة، بعد إنجاز عُمري مهم وكبير، أَمرٌ ورادٌ في عالم الفن. كما ان اقتباس نَصيهما السينمائيين عن أعمال أدبية معروفة يضيف عنصراً مشتركاً. فقد أُخذ "هوغو" سكورسيزي عن رواية الفرنسي براين سلزنك، بينما كتب النص الأصلي لـ"حصان الحرب" الذي أفلمه سبيلبرغ الإنكليزي مايكل موربورغو في بداية الثمانينات. أما الحرب فكانت إحدى مقارباتهما المشتركة، وإن اختلف مستوى حضورها ومساحتها عند كل منهما. فعند سبيلبرغ أخذت حيزاً كبيراَ، سَجَل فيها الحصان "جوي" جزءاً من تاريخها الممتلىء بالويلات والتراجيديات الشخصية، في حين مالَ سكورسيزي لإلى تقليصها وحَجبها خلف أحد مؤسسي السينما الأوائل، جورج ميلييس

جعل سبيلبرغ من الحصان "جوي" شاهداً على شناعات الحرب التي وجد نفسه في خضمها بسبب من قوته واستسلامه لقدره، مِثلهُ مثلَ حصان "مزرعة الحيوان"  في عمل الكاتب جورج أورويل، الذي صنع منه جون هاس وجوي باتشبور في أواسط الخمسينات فيلم تحريك سينمائي رائع. كان حصان المزرعة أكبر المتألمين في حكايته، فقد عانى من مظالم صاحبها ومن المنقلبين عليه من أبناء جلدته. في عمل أورويل، بكى الحصان وجعاً وقهراً، كحال القرغيزي غالساري، الذي حكى بلسانه في فيلم "وداعاً يا غولساري" الظلم الذي لحق به وبأصحابه القرغيزيين. لقد جعل منه الكاتب جنكيز إيتماتوف شاهداً على قساوة الكرملين، واليوم يقوم "جوي"  بالشيء عينه وإن ذهب به سبيلبرغ بعيداً في خِضمِ حرب عالمية طحنته وكلُ من تَعرَف عليهم من البشر.

"حصان الحرب". هل كانت هذة صفته المتجذرة؟ على هذا السؤال يجيب سبيلبرغ بالعودة الى الساعة التي جاء فيها حصانه إلى العالم، في إحدى القرى الإنكليزية، كاشفاً لنا كيف استقبل حياته بفرح وحيوية. كانت السعادة تغمره في تلك السهوب الشاسعة وتسبق خطواته السريعة، وهو يعدو بالقرب من أمه. لم يكن حصان "حرب" ولا "سلام"، بل كان حصاناً عادياً قوياً وسريعاً، لكن الأقدار أوصلته الى مزاد حضره مُزارع يدعى تيد ناراكوت، كحولي بساقٍ عليلة، فأعجب به وسعى إلى اقتنائه، فكان له ما أراد. هكذا دخلنا إلى عوالم "جوي" والبشر ومنها ستبدأ رحلة الحصان التراجيدية، من السِلم الى الحرب، المصورة جُلها بمشهديات سينمائية مدهشة، هي السِمة الأبرز في عمل سبيلبرغ والتي تحيل ذاكرتنا على الفور إلى فيلميه السابقين، "لائحة شيندلر" و"إنقاذ الجندي ريان" القريبين روحاً وموضوعاً من جديده، كون الأفلام الثلاثة تجتمع على مفردات صنعة كلاسيكية فيها المؤثرات التصويرية أقل استخداماً بكثير من بقية أعماله، وبخاصة تلك المنتمية إلى الخيال العلمي. تفرد على مستوى الكتابة السينمائية جاء عبر التغيير الدائم لمُلّاك الحصان، وإن ظلت علاقة خاصة تجمع بين إبن المزارع، "ألبرت" (الممثل الشاب جيريمي إيرفين) وبين "جوي"، مما شَطرَ القصة الواحدة إلى قصص مختلفة، تحكي كل واحدة منها تجربة شخص ما عاش الحرب العالمية الأولى في منطقة وبلد لايشبه سواه، وهذا ما أعطى العمل بعداً بانوراميا وملحمياً وقريباً أيضا من "أفلام الطريق"، وإن بدت الطرق فيه مرعبة، على سطحها وجوانبها ينتشر الموت، فكان مصير كل من عرفهم الحصان جوي، حتى الشابين الألمانيين اللذين اتخذاه وسيلة للهرب من متون الكارثة، انتهى بهما الأمر إلى ساحة الإعدام. والضابط الإنكليزي الذي وصلت قواته الى الأراضي الفرنسية سرعان ما تركه وحيداً بعد أن سقط قتيلاً، والفتاة الفرنسية المحرومة من والدتها لم تدم علاقتها به طويلا فالجيش الألماني جاء وأخذوه منها عنوة. ففي الحرب لا يبور شيئاَ، فكيف بحصان قوي وشديد التحمل؟ ربما يطرح سبيلبرغ عبر حصانه مفهوم القوة إلى البحث والتفكير، فكثيرا ما تكون بلاءً على أصحابها. فحصان ألبرت وجد نفسه في مواضع مؤلمة وقاتلة فقط بسبب قوته، المدعاة الى إغواء تَملُكها واستِخدامها سوءاً، وأحياناً قد تدفع المتخاصمين حولها إلى التصالح أو لنَقُل التفاهم. يثير هنا مشهد تعاون جندنيين، إنكليزي وألماني، لفك أسلاكٍ شائكةٍ التَفت حوله جسد جوي ومزقته، تساؤلاً حول مغزاه: هل دفعهما، كل من موقعه وخلفيته الإجتماعية والثقافية، حبهما للخيول للمغامرة بنفسيهما والخروج  تحت وابل القنابل المتساقطة فوق رأسيهما لتقديم يد العون لحصان جريح؟ أم أن في قوته ما يغري بالحماسة والشعور بقيمتها الجديرة بالمغامرة، وفي زمن الحرب على وجه التحديد؟ وهل كان دافع شراء المزارع "تيد" له منذ البداية، تعويضاً عن خسارته الجسمانية في حرب بلاده فوق أراضي جنوب أفريقيا، وعلى ضياع قوة شبابه فيها، مفضلاً نسيانها بالخمر على التباهي بأمجادها، إذ لم تترك له سوى عَجزٍ لا َيلتفت أحد الى ما خلفه؟ ربما في "حصان الحرب" كل هذا، كونه عملاً سينمائياً فيه الإختلاط مدروس، نابع من نسيج كتابته، وفي الحكاية الواحدة تشعب، يشبه الى حد كبير تشعب واختلاط مصائر الحيوانات والبشر في زمن الحرب.

حتى في "هوغو" سكورسيزي نجد مثل هذا التشابك بين مصائر الأفراد، أطفالاً كانوا أم شيوخاً. فالصبي "هوغو" لم يعش الحرب التي عاشها السينمائي الطليعي جورج ميلييس ومع هذا وجدا نفسيهما متأثرين بها معاً.  اجتمع الإثنان في محطة قطار باريس في أواخر الثلاثينات بينما أوروبا تشهد كساداً اقتصادياً، سيؤدي في ما بعد، إلى جانب أسباب أخرى، إلى نشوب حرب عالمية ثانية. وجد الصبي هوغو (أسا باترفيلد) نفسه فيها وحيداً وكان عليه تدبير أمره بسرقات صغيرة من مطاعم وعربات المحطة، التي على بساطتها كان حارسها يطارده بلؤم وكأنه يريد به الإنتقام من العوق الذي أصاب إحدى ساقيه في الحرب العالمية الأولى وشَكَل عُقدَة له. وفي إحدى زواياها كان يقبع في محل صغير لتصليح الألعاب الميكانيكية رجلٌ عجوز صامت وحزين، سنعرف في ما بعد إنه السينمائي جورج ميلييس، الذي أَخرَ سكورسيزي الوصول الى عالمه، مُقَدما عليه الصبي اليتيم والحزين، فيما أبقى اليتم خطاً جامعاً لهما. فميلييس يَتيم من دون السينما، ومن دون الساحر الذي في داخله، المبهر المدهش. يتيم إذا ما ضاع منه إحساس النشوة بتأثير شريطه المتحرك على جمهوره المسحور بما يراه من صورة متحركة على الشاشة البيضاء. وهوغو كان يتيماً بلا أبوين، ولا معيل أو صديق، عدا تخطيطات ميلييس ورَجله الآلي، التي أعطاها متحف المدينة الى والده قبل موته، وصارت له سلوى. كانت تجذبه مثل ساحرة أسطورية الى عالم بعيد عن المحطة وهمومها. لم يكن يعرف هوغو أنه كان مسحوراً بالسينما وساحره كان جورج ميلييس. بدأ سكورسيزي فيلمه من المحطة المكتظة بالعابرين وحركة القطارات الدؤوبة واصلا بكاميرته الى مأوى الصبي حيث عجلات ونوابض ساعتها العملاقة، التي كان يوميا وبإصرار يُؤَمِن سلاسة ودِقة عملها حتى لا يفكر أحدا للحظة بالصعود اليها واكتشاف رَجُله الآلي المعطل ورسوماته الغريبة في باطنها. في مثل هذه العوالم المشحونة بالعواطف الإنسانية والحركة الميكانيكية النشطة، وجد سكورسيزي مساحته المنتظرة ليقدم، وبأسلوب عمل لم نألفه عنده من قبل، أكثر التقنيات الحديثة والمؤثرات التصويرية والصوتية المبهرة، لدرجة جعلتنا وللحظة نَشك في أن ما شرعنا بمشاهدته هو من صُنع صاحب "سائق التاكسي"، "الثور الهائج" و"عصابات نيويورك"! غير أن العمق وفي النهاية  يَشي بصاحبه، ثم أليس فيلمه عن السينما وأحد روادها؟ في مسار "هوغو" سيأتي صاحب المحل ويدخل على خطه لأنه وجد عند الصبي شيئا يخصه فأراد إخفاءه. أراد ميلييس (الممثل  بن كينغسلي) نسيان ماضيه وكل ما يذكره به، ثم وفي لحظة غير منتظرة ومن صبي مشرد عاد إليه بقوة، فما كان له إلا مواجهته مرغماً. حكاية ميلييس هي حكاية السينما نفسها. فقد بدأ عمله ساحراً في سيرك، وبعد أن شاهد فيلم لوميير الأول، وَلَه بهذا الفن وانجرف الى عالمه إلى درجة دفعه حُبِه له الى صناعة كاميرات وأجهزة عرض بيديه، وصار يصنع فيلمه الصامت بنفسه ومن ماله، فحقق نجاحا ساحقاً، غير ان الحرب كانت له بالمرصاد فكدست بضاعته، لأن في زمن الحرب لا يذهب الناس الى السينما، وفي لحظة قنوطه قرر حرق استوديوهاته وبيع أشرطة أفلامه التي تحولت الى جلود أحذية نسائية. لقد حطمت الحرب كل أحلامه، بل حطمت فناناً سينمائياً رائعاً، استعاد حضوره وبمعجزة على يد سكورسيزي وفق سياق حكاية "هوغو"، فالسينما غير الحرب؛ إنها سحر قادر على  صنع معجزات وخلق سعادات من العدم. حكاية "هوغو" لم تُكرَّس كاملة لميلييس بقدر ما كانت تحية من نوع ما واستذكار للزمن السينمائي الأول وصُناعِه الحقيقيين. لقد أَعاد "هوغو"، بالسينما نفسها وبتقنياتها، مجد ميلييس المنسي، وأَعاد له سكورسيزي لعبته الجميلة ثانيةً بعد ان كَسرَتها الحرب.

أبوظبي السينمائي في

02/04/2012

 

"أوشامُ جدتي"..

مذابح الأرمن تحت حبرها الأسوَد

قيس قاسم ـ السويد 

تتهددُ، حين تتشعب حكاية الوثائقي، بإحتمالات التشظي والإنفلات، أو قد يقودها التشعب ذاته أحياناً، إذا ما أحكم صانعه التحكم بها، الى الذهاب بعيداً في عوالم أخرى، تتولد منها حكايات وموضوعات جديدة تمنح الفيلم عمقاً ومعنى مضاعفين. في "أوشام جدتي" بدأت القصة ذاتية بسيطة، سَرَدت فيها المخرجة السويدية الأرمنية الأصل سوزان خاردليان علاقتها بجدتها، من جهة أبيها، حين كانت طفلة تعيش معها في نفس العمارة السكنية في أحد أحياء بيروت ذي الأغلبية الأرمنية. إتسمت علاقتها بها بالنفور والخوف، لتجهمها وعدم الإقتراب منها ومن بقية أطفال وَلَدَها. لم تكن تبتسم في وجهها، ولا تضمها الى حضنها أو تُقبلُها، كما تفعل بقية "الجدات". 

"كانت صامتة وكنت أمقتها، وأكثر ما كان يخيفني فيها تلك الأوشام الغامضة المرسومة على وجهها!". هكذا صاغت المخرجة علاقتها بالجدة بتعليق جاء بعد مشهد إفتتاحي، قصير جداً، أعيد تمثيله، وفيه يظهر قارب صغير، صُور عن بعد، وهو يسير وسط نهر الفرات وفيه عدد من الأشخاص لا نرى ملامحهم بوضوح.

بعد سنوات طويلة، في المهجر، كادت خاردليان أن تنسى تفاصيل علاقتها بجدتها لكن وأثناء تقليبها أرشيفاً عن تاريخ إبادة الأرمن عثرت على وثيقة  ضمت صور شابات نَجَون منها، وأكثريتهن كانت وجوههن مدبوغة بأوشام تشبه أوشام  جدتها، فخطر على بالها سؤالا عما إذا كانوا الأرمن يوشمون بناتَهُم مثل بعض الشعوب والقبائل في العالم؟. هذا السؤال أحالها الى عائلتها؛ فهي أفضل من يقدر الإجابة عليه

رحلتها للسؤال عن الوشم بدأت من بيروت، في نفس العمارة السكنية التي ولدت فيها وما زالت بقية العائلة تعيش. في الشروع بعملية البحث رافقها زوجها المخرج والمصور السويدي المعروف بيو هولمكفيست، فهما ومنذ مدة يتشاركان في صنع وثائقيات مهمة عن القضية الفلسطينية منها: "فرويد غزة"، "كلمات وحجر ـ غزة" و"غيتو غزة" وفي الموضوع الأرمني إشتغلا؛ "عودة الى أرارات" و"أنا أكره الكلاب ـ عن آخرِ الناجين". 

لم تجنِ من عائلتها في بيروت غير الصمت، وقليل من الأجوبة المبهمة فلا أحد كان يرغب الخوض في ماضي مبهم، على العكس كانت ذكرياتهم تبدأ دوما ًمن المكان الجديد، من بيروت،  لسبب بسيط أن أجدادهم وحتى والدهم لم يذكر يوماً ذاك الماضي. كان الرجال في الحقيقة يشعرون بالخزي من تذكره ولهذا كانوا يسكتون عليه، فلم يكن أمام خاردليان سوى الذهاب الى أمريكا لمقابلة أخت جدتها فهي حتما، كما ظنت، ستزودها بشيء عن ماضيها والأوشام التي على جسدها بخاصة وأنها كانت برفقة والدتها وأختها في جوف القارب الذي نقلهم من ضفة المذبحة الى عمق الصحراء. لم تفلح في تحريك ذاكرة العجوز فقد كانت جزءا من التاريخ المنسي أو المرغوب بقوة في التناسي، وكانت هي أيضاً موشومة بذات الوشوم، ولم تكن توضحياتها عن مصدرها سوى همهمات غامضة ليس فيها من روح الكلام سوى الحروف. سوزان  خاردليان المهمومة بالسؤال لم تترك حكاية القارب، فبالنسبة اليها كان بمثابة خيط قد يقودها حيث الجواب الشاف،  فراحت تسأل كل معارفها عن رحلة نهر الفرات تلك وماذا حدث بعدها؟ وسيقودها السؤال فيما بعد الى منطقة  دير الزور السورية حيث لاقت عائلتها مصيرها التراجيدي هناك

الى هنا وعند منتصفه عَبَر "أوشام جدتي" منطقة الخطر، وحقق شرطاً صعباً في الوثائقي الشخصي ونعني به الإقناع، خاصة بوجود عنصرين في غير صالح بدايته: الأول تمثل بقلة المادة البصرية الخام والثاني الإنحياز الجاهز للموضوع ووجهته، ومع هذا جاءت مادتها التسجيلية الآنية، وجلها حول لقائاتها مع أسرتها والتعليق المكتوب بلغة شاعرية، مؤثرة، وأحلى ما فيه العفوية التي دخل بها أهلها في عمق موضوع ما كانوا مستعدين له ولا راغبين في إثارته. في تفاصيل الحياة العائلية وكلام أهلها كانت ملامح الجدة تتكون وقصتها صارت لها قاعدة قابلة للسرد ولهذا وحين زارت المخرجة منطقة  دير الزور السورية  وتعرفت على مواقع المقابر الجماعية لم تخفِ مشاعرها الشخصية، كون المادة المطروحة للبحث قد أخذت بالتبلور وصارت شأناً عاماً، فالمجازر التي ارتكتبها العثمانيون ضد شعبها ما بين الأعوام 1915ـ 1923، أصبح شأناً تاريخياً معروضاً للبحث، من أكثر من منظور أولها إنساني وهذا ما لم تنساه صاحبة العمل، فصارت أسئلتها تأخذ بعداً حميمياً،  بعد أن أتضح أن صاحب القارب ( لم تُحَدد جنسيته، فمرة كانوا يقولون كردياً ومرة أخرى تركياً) قد أخذ الفتاة الصغيرة وأمها وأختها كسبايا، وقد إتخذ من الجدة زوجة أو خادمة وأجبرها على وشم وجهها لتُعَلم الى أي قبيلة تعود ملكيتها. ثم وبعد سنوات حررت من أسرِها! وأطلقت وحيدة في البرية، لا أحد يعرف كيف عاشت، و ما إذا تعرضت للإغتصاب؟ هل مارست الدعارة أم إشتغلت؟  كل السنوات التي سبق وصولها الى لبنان مع أولادها وزوجها ظلت سراً لم يتطرق اليه أحد. كان العار والخجل منه يلف حياتهم وكان هذا أكثر ما يغضب الحفيدة ـ المخرجة. في بيروت عاشوا وكأنهم جميعاً ولدوا هناك وفي وقت واحد، بلا ماضي ولا جذور. "أوشام جدتي" هو قصة الجدة وقصة الحفيدة معاً، قصة شعب سُبيّ وما زال يخجل من ذكر ما تعرضت له مسبياته. قوة إقناع "أوشام جدتي" تكمن في فضح الماضي، في القبول بمناقشته كما هو وأيضاً في تجسيده معنى الراحة عند إكتشاف الجذور. جمالياته السينمائية، لم تأت من الصورة، بل من تشعب قصته البسيطة التي بدأت حول علاقة طفلة بجدتها حتى وصلت الى عرضٍ لتاريخٍ  طويل من الفجيعة لشعب تعرض للإبادة وتوزع نسله بين جهات الأرض.

الجزيرة الوثائقية في

02/04/2012

 

مهرجان سينمائي في مدينة العدالة

أمستردام – محمد موسى 

إختتمت في الثامن والعشرين من شهر مارس، في العاصمة السياسية الهولندية "لاهاي"، دورة جديدة من مهرجان ( الافلام التي تعني شيئا)، وهو المهرجان الاكبر في العالم الذي يتخصص بعرض الافلام التسجيلية والروائية من التي تركز على قضايا انسانية واجتماعية.

يقوم المهرجان، وبالاضافة الى عروض الافلام السينمائية، بتنظيم ندوات ومؤتمرات، يتعرض بعضها الى قضايا اثيرت في افلام المهرجان. ويستضيف احيانا شخصيات من الافلام التسجيلية التي عرضت في مسابقاته وبرامجه، ليستكمل معها الجدال الذي بدئته الافلام. كما يحتفي المهرجان بناشطي القضايا السياسية والاجتماعية، الذين يظهرون في بعض افلام المهرجان، بل ان جائزة المهرجان الرئيسية ( الفراشة الذهبية ) تذهب لناشطين عوضا عن مخرجين

وترجع بدايات المهرجان الهولندي الى منتصف التسعينات من القرن الماضي، حيث بدأ كمهرجان سينمائي دولي لمؤسسة العفو الدولية، قبل ان يتغير اسمه قبل سنوات، الى مهرجان ( الافلام التي تعني شيئا)، متخليا عن جمود الاسم الاول، والذي يشير بحدة الى الطابع التحريضي والدعائي المباشر الذي يرتبط بالمنظمة الانسانية المباشر. كذلك انتقل المهرجان الى مدينة لاهاي الهولندية، الى مكان جديد ليس بعيدا عن بناية محكمة العدل الدولية، ليكتسب المهرجان مع هذا الانتقال بعدا رمزيا، بمجاورته للمحكمة الشهيرة التي تنشد العدل في العالم.

لكن التغيير الذي أطاح بالاسم القديم لم يقترب من البرمجة الخاصة بالمهرجان، والتي تنفرد باخلاصها للافلام التي تهتم بالمهمشين اينما كانوا ، دون الالتفات الى الجنس او العرق. كما إن الاختيار في المهرجان يتجه تماما الى الافلام التي تقدم شخصيات تصارع حكومات فاشية، نظم اجتماعية ظالمة، وتسلط ذكوري مقيت. لذلك من الصعب كثيرا العثور بين برامج المهرجان المتنوعة، على افلام ذاتية، فالالم الذي تحمله تلك الشخصيات، يجب ان يكون جزء من "ألم" جماعي، ليكون من الممكن وقتها، التفكير بحلول عامة، " نظرية" على الاقل، لمشاكل تلك المجتمعات، وهي الغاية الاساسية للمهرجان، والتي يشير اليها الاسم الجديد للمهرجان، والذي يتضمن نوعا من المشاكسة المرمزة.

تشير الافلام الفائزة بجوائز هذا العام الكبيرة، على التنوع الذي تتضمنه الافلام، سواء في المواضيع المقدمة، او توزيعها الجغرافي، فالفيلم الذي فاز بجائزة الجمهور " أستسلم في الغد " للمخرجين مايكل كولينز و مارتي سوجوكو، يقدم قصة الصراع الطويل الذي خاضته اسرة شاب فلبيني اتهم بجريمة قتل شهيرة قبل 14 عاما لاثباب براءة الابن، في بلد يعاني من الفساد الاداري، وهيمنة اعلام الاثارة.

في حين حصل فيلم " 5 كاميرات مكسورة " للمخرجين الفلسطيني عماد برناط والاسرائيلي جاي دافيدي، على الجائزة الثانية في مسابقة الفراشية الذهبية، اضافة لجائزة الطلبة. ويقدم الفيلم، الذي جال على عدة مهرجانات تسجيلية حول العالم، قصة الصراع السلمي الطويل الذي يخوضه المصور الفلسطيني ضد الجدار العازل الاسرائيلي الذي يقطع اوصال قرية بلعين التي يعيش فيها المخرج مع عائلته الصغيرة

وتعرض الفيلمان الذي تقاسما جائزة الفراشة الذهبية للجهود التي تبذلها مجتمعات صغيرة  للبحث عن حياة عادلة من على طرفي العالم، ففيلم " تصاعد المقاومة" للمخرجين بيتنا بورجفيلد، ديفيد برنيت، يعود الى قصة الاستغلال القديمة الحديثة، هذه المرة في البارغواي في قارة امريكا الجنوبية، والصراع الذي يقوده فلاحيين ضد اقطاعيين اثرياء يقومون باستهلاك الأراضي الزراعية هناك. هذا الصراع يشبه ذلك الذي قدمه فيلم "عزيزي مانديلا" للممخرجين دارا كيل و كريستوفر نيزا، والذي ينغمس فيه سكان ضاحية فقيرة في جنوب افريقيا يسعون للحصول على منازل صحية، بدل تلك التي ازالتها الحكومة هناك في عام 1994.

اما جائزة مسابقة "عدل الكاميرا" فذهبت هذا العام الى فيلم " جرائم الحب في كابول" للمخرجة الايرانية تانز اشهان، والذي يذهب خلف قضبان سجن افغاني ليقدم من هناك قصص نساء وفتيات افغانيات محبوسات هناك بسبب اتهامهن باقامة علاقات جنسية. اما جائزة " موفيسكاود " فنالها الفيلم التسجيلي " اي ويوي- أبدا قصة " للمخرج اليسون كلايمان عن الفنان التشكيلي الصيني الشهير اي ويوي.

واذا كان معظم افلام المهرجان الهولندي، والذي حضره ما يقارب العشرين الف متفرج هذا العام، تهتم بمشاكل العالم الثالث، الا انه لم يغفل تماما مشاكل دول اوربية، وخاصة في الجزء الاوربي الشرقي، والذي لازال يحاول اللحاق بجيرانه من الدول التي تحمل نظم ديمقراطية متطورة. ففيلم "مدرستنا " للمخرجة والنشطة الاجتماعي مونا نيكورا يتعرض للتفرقة العنصرية التي يتعرض الاطفال الغجر في رومانيا. كما تناقش افلام تسجيلية عدة موضوعة المثلية الجنسية في الدول التي قامت على انقاض الاتحاد السوفيتي، اذ يخصص المهرجان تظاهرة سنوية خاصة للافلام التي تتعرض لموضوعة الاضطهاد الذي يتعرض له المثليين الجنسين حول العالم. كما يعرض في برامج موازية، أفلام بموضوعات مرض الايدز، التعليم، حقوق المرأة.

ثورات عربية 

وسارت الدورة الاخيرة من مهرجان (الافلام التي تعني شيئا) على خطى معظم المهرجانات السينمائية الاوربية لهذا العام، بتخصصيها تظاهرة للافلام التي تناولت الثورات العربية، فعرض المهرجان الهولندي افلام روائية انتجت قبل ثورات العام الماضي، لكنها تشير الى حال مجتمعات عربية قريبة على الانفجار، مثل: فيلم القاهرة 678 والذي كتبه واخرجه المصري محمد دياب، فيلم مايكرفون للمصري احمد عبد الله. كما عرض المهرجان افلام من نتاجات العام الماضي هي: "وهلا وين" للبنانية نادين لبكي، "نبع النساء" للمخرج الروماني رادو ميهاليان ، عن قرية خيالية تقوم بها النساء العربيات بالامتناع عن ممارسة الجنس مع ازواجهن لاجبارهن على تحقيق رغباتهن.

وعرض في التظاهرة العربية ذاتها فيلمان تسجيليان عن الثورات العربية بتوقيع مخرجيين اجانب، رافقوا لاشهر طويلة شخصيات عربية اثناء فترات الثورات العربية العاصفة، فعرض فيلم المخرج التشيكي بيتر لوم ( والذي خصص له المهرجان تظاهرة خاصة لافلامه التسجيلية المتميزة ) " العودة الى الساحة"، والذي يسجل فيه عودة مصريين الى ميدان التحرير، بعد عام من انتهاء الثورة المصرية، احتجاجا على المجلس العسكري الذي يحكم البلد. كما عرض فيلم ( صفر صمت) للمخرجين رزفي قباني، جوني فون الستروم و ألكسندرا ساندلز والذين يتابعون من ثلاث دول عربية ( تونس، مصر، لبنان )، تخلص العرب من إرث الخوف الذي كان يفسد حياتهم وبلدانهم في الماضي.

وعن المرأة السورية، عرض ضمن التظاهرة ذاتها فيلم " الضوء في عينيها " والذي يعد مفاجاة كبيرة بحميميته وشجاعه صانعيه، اذ يرافق سيدة سورية تعمل مدرسة في مدرسة للبنات، ومحاولتها للوقوف بوجه الضغط الذي تواجهه الفتيات في مدرستها من مجتماعتهن للبقاء في البيت، وتربية الاطفال، متذرعة بتفاسير مختلفة للنص القرآني.

وبعيدا عن الثورات العربية، عرض المهرجان افلام بموضوعات عربية ، واخرى يقف خلفها مخرجين عرب، فتم عرض فيلم ( في أحضان أمي) للاخوين العراقيين محمد وعطية الدراجي، فيلم ( حبيبي رأسك خربان) للمخرجة اللبنانية سوزان يوسف، فيلم " كيف تبدأ ثورة" للمخرج ريوريا ارو والذي يركز الانتباه على البروسفور جين شارب، والذي اصدر في عام 1993 الكتاب الشهير ( من الديكتاتورية الى الديمقراطية)، وكيف يمكن تطبيق افكار الكتاب على ما شهدته منطقة الشرق الاوسط من ثورات العام الماضي، كما عرض فيلم المخرج الكندي دينيس فيلنيف "حرائق"، والذي يقدم قصة مأساوية من الشرق العربي ، دون ان يحدد المخرج هوية البلد الذي تقع فيه الاحداث.

الجزيرة الوثائقية في

02/04/2012

 

فوز "خمس كاميرات محطمة" بأرفع جوائز مهرجان الواقع

صلاح هاشم-  باريس 

أعلنت لجان تحكيم مهرجان سينما الواقع 34 في باريس عن جوائزها، وكما كتبنا وتوقعنا حصل فيلم " خمس كاميرات محطمة " لعماد برنات من فلسطين علىأرفع جوائز المهرجان ، فقد منحته لجنة تحكيم "المعهد الفرنسي"جائزة" لوي ماركوريل" التي تمنح لأفضل فيلم في جميع مسابقات المهرجان وقيمتها 10000 يورو، وهي أعلى الجوائز قيمة(ماديا وأدبيا) في جوائز المهرجان.

والمعروف ان لوي ماركويل الناقد السينمائي الراحل كان يكتب في جريدة "لوموند" الفرنسية العريقة، ويعد أحد أشهر من كتبوا في النقد السينمائي في فرنسا.

وجاء في كلمة أعضاء اللجنة التي أشادت بالفيلم مامعناه إن إنظروا، هاهو فلاح بسيط من فلسطين يعطينا بكاميرته درسا في السينما العظيمة،والصمود والمقاومة، والسينما التى تقربنا من إنسانيتنا بشفافية وحساسية تذوب لها أعتى القلوب غلظة وكانت كلمة اللجنة ومن دون مبالغة، شبه ماتكون بـ"قصيدة ".. عن فيلم عماد البديع.

وكانت لجنة تحكيم المعهد الفرنسي أول لجنة تعلن عن جوائزها، وكان "خمس كاميرات محطمة" هكذا أول فيلم يعلن عن فوزه، مما أثار ارتياحا كبير لدي الجمهور الذي احتشد في صالة المهرجان الكبرى، وبمجرد ذكراسم الفيلم في نهاية خطبة الاشادة المذكورة، انطلقت عاصفة من التصفيق اهتزت لها جدران الصالة بأكملها لفترة،مع نزول عماد من وسط الجمهور لاستلام جائزته.

وأعنت لجان تحكيم المهرجان الاخرى عن جوائزها كالتالي :

الجائزة الكبرى لأفضل فيلم في المسابقة الدولية، وقيمتها 8000 يورو: فيلم "مولوسي بشكل مختلف" للفرنسي نيكولاس راي.

جائزة جوريس إيفانز لأفضل أول فيلم (7500 يورو): فيلم "اختفاء ضوء الربيع "للصيني اكن يو، كما منحت لجنة تحكيم هذه الجائزة "تنويه خاص لفيلم" هكذا نحن" للبرتغالي بيدرو فيليب ماركيس.

جائزة الفيلم الوثائقي القصير (2500 يورو): فيلم " ليلة متربة" لي حازارا.

جائزة التراث وتمنحها وزارة الثقافة الفرنسية وقيمتها 2500 يورو: " فيلم " السكن والبناء " للفرنسية كليمانس أنسولين، وتنويه خاص بفيلم" طقوس النهر " للامريكي بن راسل.

جائزة المكتبة  وقيمتها 6000 يورو : فيلم " السبب والاستعمال " للمخرجين دورين برون وجوليان مونييه، وتنويه خاص بفيلم " السكن والبناء".

جائزة المحكمين الشباب وقيمتها 2500 يورو : فيلم " ذكريات البونك الشرقي " للفرنسية لوسيل شوفور، وتنويه خاص بفيلم " السكن والبناء".

جائزة مؤسسة "سكام"SCAM  وقيمتها 6000 يورو: منحت لفيلم "الأرض" لفيكتور آسلويك من بيلاروسيا.

عين على السينما في

02/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)