حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سينما المؤلف في السينما السورية

الهرولة في المكان ذاته!

علاء الدين العالم

 

استطاعت سينما المؤلف ان تكرس نفسها في السينما العالمية كأسلوب سينمائي ظهر في منتصف القرن الفائت، يتصف هذا الأسلوب السينمائي بأن كاتب الفيلم السينمائي ومخرجه هو الشخص ذاته

وكانت هناك تجارب سينمائية مميزة على مستوى العالم اندرجت تحت إطار سينما المؤلف. لكن سينما المؤلف في سورية لم تبق عند حدود أسلوب سينمائي يزاحم أساليب اخرى في الساحة السينمائية في سورية، بل تكاد سينما المؤلف تصبح الأسلوب السينمائي الوحيد في الحراك السينمائي السورية، وفي البحث عن الأسباب التي جعلت سينما المؤلف تكرس بهذا الشكل في سورية، نجد انه ليست هناك علة واحدة لهذه السيادة، بل هناك أكثر من سبب يستحق الوقوف عنده ودراسته قبل ان يغدو أسلوب سينما المؤلف هو الأسلوب الأوحد في السينما السورية.

سينما المؤلف.... والمخرجون الشباب

لم يقف أسلوب سينما المؤلف عند تجارب المخرجين السوريين الكبار، بل تعداه ليصل إلى جيل المخرجين الشباب الذين يروا في سينما المؤلف تحقيقاً لذواتهم وتجسيداً لأفكارهم كمخرجين لديهم هم إنساني يريدون طرحه، ومن هؤلاء المخرجين الشباب، المخرج الشاب «غطفان غنوم» والذي يحضّر لفيلم بعنوان (وصايا الذاكرة) والذي يندرج تحت إطار سينما المؤلف، يعبر «غنوم» عن رأيه بسينما المؤلف واعتناقه لهذا الأسلوب في السينما بقوله: «إن سينما المؤلف هي تيار نشأ كردة فعل على مدارس سينمائية، فالمدرسة الواقعية على سبيل المثال كانت تتكلم عن أيدلوجيا معينة متعلقة بالمجتمع، فلجأ بعض المخرجين أمثال ميتشكوف وفيليني لكي يكتبوا الهم الإنساني من وجهة نظرة شخصية متعلقة بالتجربة الذاتية للمخرج، ولذلك سينما المؤلف استطاعت أن تكرس نفسها كأسلوب سينمائي منتشر في كل العالم يفسح للمخرج أن يحاكي الهم الإنساني من خلال تجربته الشخصية، وبرأيي الظروف الموضوعية للإنتاج السينمائي في سورية هي التي تلعب دورا مهما في طغيان سينما المؤلف على الأفلام السينمائية السورية، فانا كمخرج وبسبب ظروف موضوعية مضطر ان اكتب نص الفيلم بنفسي لكي أستطيع ان أخرجه، لكن هناك بعض المخرجين الكبار أمثال محمد ملص وأسامة محمد وغيرهم كان لهم هم إنساني يريدون ان يطرحوه في فيلم سينمائي من خلال رؤيتهم ككتاب وكمخرجين، والجدير ذكره ان سينما المؤلف ليس لها قبول جماهيري لان المخرج في اغلب الأحيان يقدم مشكلته وتجربته الشخصية، فهذه الذاتية الظاهرة بوضوح في أفلام سينما المؤلف تؤثر على جماهيرية الفيلم، بعكس السينما الواقعية، وأنا اشعر أن سينما المؤلف هي أكثر الأنواع اقترابا من الإبداع، فسينما المؤلف لا تتأطر بأي اطر ولا تلتزم بأي قواعد، فالمخرج المؤلف يسعى دائما إلى كسر القوالب فهو يحاول في كل فيلم يكتبه ويخرجه ان يتجاوز ما وصل اليه من تجارب»

اختلفت الأسباب والنتيجة واحدة

في البحث عن الأسباب التي أدت إلى انتشار سينما المؤلف وسيادتها على الإنتاج السينمائي في سورية، يرى الناقد السينمائي الزميل «نضال قوشحة» أن موضوع انتشار سينما المؤلف في سوريا وطغيانها على الأساليب الأخرى «متعلق بخيارات المخرجين في سورية، فالسادة المخرجون درجت العادة ان يقدموا نصوصهم التي يكتبونها إلى المؤسسة لكي يقوموا بإخراجها» ويوضح الناقد «قوشحة» رأيه بسينما المؤلف، وضرورة وجود وجهتي نظر من الكاتب والمخرج في الفيلم الواحد بقوله : «إن سينما المؤلف ليست سبة او منقصة تنال من المخرج، فهي سينما موجودة في كل العالم، لكن انا أتحفظ على سينما المؤلف عندما أراها سينما غالبة على السينما السورية، فوجود وجهتي نظر في فيلم سينمائي واحد بين كاتب ومخرج يعطي الفيلم المنتج حيوية ومنظوراً آخر وزوايا رؤية أخرى، ولعل قلة إنتاجنا السينمائي تلعب دورا في طغيان أسلوب سينما المؤلف على الأفلام السورية، لكن هذا لا يعني أن سينما المؤلف هي أسلوب سينمائي جيد أثبت نفسه في السينما العالمية، ولدينا أمثلة شهيرة جدا على سينما المؤلف منها «فيلم التايتنك» من تأليف وإخراج المخرج جيمس كاميرون، لكن أؤكد دائما وأبدا إنني لست مع طغيان نمط سينمائي على حساب الآخر، ولو كان هذا النمط قد حقق نجاحا على مستوى العالم. الناقد علي العقباني ينطلق في تحليل أسباب سينما المؤلف من البحث في ماهية هذا الأسلوب السينمائي، فيقول: لم تظهر سينما المؤلف إلا مع مجموعة من المخرجين الغربيين المتميزين كالمخرج جان رينوار، وجان فيغو، وفرانسوا تروفو، وجان لوك غودار، والمخرجة الفرنسية أنييس فاردا كما في فيلمها «الرأس القصير» (1954م)، ويمكن القول: إن سينما المؤلف ظهرت كرد فعل على السينما الواقعية الاجتماعية التي ترصد هموم الإنسان في علاقته بالمجتمع من خلال أطروحات إيديولوجية معينة.  وعندما ظهر مصطلح سينما المؤلف «Auteur» كان يقصد به وضوح رؤية صانع الفيلم - المخرج غالبا - للعالم وفلسفته من خلال أعماله الفنية، كما أن سينما المؤلف تساعد المخرج ليجعل لنفسه شكلا وأسلوبا ينفرد به عن أقرانه.

في السنوات الأخيرة أصبح مسمى سينما المؤلف يطلق على كل صانع أفلام يشارك في أكثر من عملية إبداعية في صناعة الفيلم ككتابة الفيلم وإخراجه وتحريره وإنتاجه وغير ذلك،. وهذا النوع من السينما حاضر في السينما العربية، فمن المخرجين نذكر المخرج المصري شادي عبد السلام وتحفته الخالدة «المومياء»، كما أن يوسف شاهين نجح في إبراز شخصيته من خلال عدد كبير من أفلامه. ويعود «عقباني» ليخصص حديثه عن سينما المؤلف وأسباب انتشارها في السينما السورية بقوله: «تحضر السينما السورية سينما القطاع العام - بقوة كنموذج عن / سينما المؤلف / في نتاجاتها المختلفة، فكل تجربة حملت البصمة الخاصة لصانع الفيلم في الخلق والإبداع ورؤية الفنان المثقف جنباً إلى جنب مع قضايا وهموم عامة كانت متنوعة على مساحة المجتمع والوطن وتلك الأعمال بمجملها، وإن تضمنت ذاتية المخرج بمكوناتها المختلفة البصرية الفكرية والجمالية فإنها لم تبتعد عن الواقع العام وتمكنت من أن توسم السينما السورية ككل بالنوعية، والأمثلة أكثر من أن تعد، إذا استثنينا سنوات البدايات فإن العدد الأكبر من الأفلام السورية المنتجة في المؤسسة العامة للسينما طبعت نفسها بسينما المؤلف، وذلك سببه في اعتقادي لتخرج مجموعة من المخرجين السوريين الذين برعت أسماؤهم في العالم، وفيما بعد، وبعد ما كانوا قد تخرجوا في معاهد السينما في الدول التي كان يتم إيفادهم إليها في منظومة الدول الاشتراكية السابقة، وفي تلك المعاهد درسوا إلى جانب الإخراج كتابة السيناريو على يد أهم المخرجين في العالم، ثم، عند عودتهم، كانت الحالة السينمائية لدينا تفتقر إلى كتاب سيناريو متخصصين ومتمرسين في هذا النوع، وكانت موجة سينما المؤلف والموجة الجديدة في العالم مع تخرج هؤلاء الشبان وعودتهم إلى بلادهم، ناهيك أنه لدى كل منهم هاجس فكري وإنساني وسينمائي كان يرغب في الحديث والتعبير عنه، وكان يجد في نفسه خير من يعبر عن كل ذلك... لكن علينا ان نعلم ان لسينما المؤلف مقوماتها وشروطها وأسبابها، ولها أيضاً مقومات نجاحها وأسباب فشلها، وهي في العموم تجربة سينمائية وحياتية خاصة جداً لصاحبها، لكنها اليوم وعلى مستوى العالم باتت في حكم النادرة والقليلة جداً نظراً لشروط الإنتاج السينمائي في العالم اليوم ولطرق التسويق وأنظمة التوزيع والعمل لدى شركات الإنتاج الكبرى في العالم، كما أن معظمها يعتمد اليوم على ورشات العمل والكتابة عن فكرة أو نص أو رواية، هذا ما هو متبع اليوم في أمريكا ومعظم الدول الأوروبية، لكن في معظم السينمات العربية ما زال المخرج هو من يكتب سيناريو الفيلم أو يشارك فيه على أقل تقدير.

بينما يتكلم المخرج الشاب محمد عبد العزيز، والذي يعتمد أسلوب سينما المؤلف في أعماله السينمائية، عن أسباب طغيان سينما المؤلف بقوله: «حقيقة لا أعلم ما هي الأسباب، ربما ليس من هاجسي البحث فيها، ولكن قد يشكل غياب الإنتاج السينمائي من حيث الكم بالشكل المطلوب سببا في ذلك، إضافة لانشغال ولجوء معظم كتاب السيناريو إلى فردوس الدراما التلفزيونية التي كانت سببا رئيسا في بروز سينما المؤلف في المشهد السينمائي السوري وعليه أيضا نؤسس: أين هم مؤلفو النص السينمائي وأين هي نصوصهم ؟ بكل الأحوال عندما ينشط الحراك السينمائي فإن كل هذه الأسئلة التي تتكرر منذ سنوات ستزول.. إلى ذلك الحين جميعنا ندور في طاسة القحط كالخنفساء ذهابا إيابا» اما الكاتبة ديانا فارس فهي ترى أن «هناك عدة أسباب لانتشار سينما المؤلف في إنتاجات السينما السورية، أبرزها قناعة عدد كبير من المخرجين السينمائيين بأن النص والإخراج عنصران لا ينفصلان في المشروع السينمائي ولاسيما أنهم يقضون قسماً من دراستهم في الخارج في تلقي مادة خاصة عن كتابة السيناريو وطريقة تحويله إلى لغة بصرية سينمائية ما يعزز قدرتهم أكثر من غيرهم في التعامل مع النص والسيناريو الذي يقدمونه للمؤسسة وهذه قناعتهم من الناحية الفنية». من جهته يحاول الناقد «منصور ديب» إرجاع أسباب انتشار سينما المؤلف في السينما السورية بهذا الشكل إلى الدراسة الأكاديمية التي تلقاها مخرجونا الكبار، فيقول: «في البداية، إن معظم السينمائيين السوريين تخرجوا في فترة السبعينيات وهي فترة كانت لا تزال تعلي من قيمة سينما المؤلف التي تعد الفيلم هو النص الذي تقدم من خلاله رؤية المخرج للعالم وفلسفته تجاه أزمة الإنسان المعاصر ولاسيما بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث تحول المخرج من فنان فقط إلى مفكر والسينمائي الذي ينتمي إلى سينما المؤلف إلى صانع فيلم filmmaker مسؤول عن كل كادر فيه.. وهذه المدرسة لا تزال تدرس بشكل رئيس في المعاهد السينمائية الراقية وهذه المعاهد لا تزال تكن لهذه المدرسة الكثير من الاحترام والتبجيل. هذا بداية.. لكن يجب ألا نغفل أن المخرجين الذين عملوا في المؤسسة العامة للسينما ربما لم يجدوا شركاء حقيقيين يستطيعون نقل أفكارهم وتصوراتهم الجمالية للأفلام التي يريدون العمل عليها، لذلك اتكلوا على أنفسهم ولاسيما أن هؤلاء السينمائيين درسوا السيناريو في المعاهد».

التحصيل المادي والسبب القديم المتجدد

لعل الجانب المادي هو من أهم الجوانب التي ساعدت على انتشار سينما المؤلف في سورية، وهذا ما جاء على لسان الكاتبة «ديانا فارس» إذ تقول: «من الناحية المادية نحن نعلم أن المؤسسة العامة للسينما تلتزم بتعرفة رسمية بالنسبة لأجور الفنيين والمخرجين وفي حال قدم المخرج السيناريو فهذا سيرفع من أجره المادي نوعاً ما مايحقق له تعويضاً عن الجهد الذي يبذله طوال تنفيذ الفيلم وحتى يتم تجهيزه كنسخة للعرض»، ويؤكد الناقد منصور ديب دور الجانب المادي في انتشار سينما المؤلف بقوله: «يجب ألا نغفل أيضاً العائد المادي كثمن لسيناريو الفيلم والذي يوازي تقريباً ما يناله المخرج مالياً من عمله كمخرج في هذا الفيلم ولاسيما أن لديه الوقت الكافي والطويل بين فيلم وآخر لينجز أكثر من سيناريو».  أما المخرج الشاب «غطفان نعوم» فهو يعد اقتصار النتاج السينمائي في سورية على إنتاجات المؤسسة هو احد أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار سينما المؤلف في سورية بذلك الشكل، ويشرح فكرته قائلا: «السينما لدينا في سورية محصورة في القطاع العام بشكل أساس، والقطاع العام دائما يهتم بالناحية الفكرية أكثر من الناحية الربحية، ولذلك إذا لم يكن هناك إنتاج سينمائي خاص في سورية فلن تجد سينما المؤلف هي السائدة، لأن الفيلم الذي تنتجه المؤسسة العامة للسينما ليس هدفه الربح بل يسعى إلى الهدف الثقافي الفكري، وفي رأيي أن طغيان سينما المؤلف على الأفلام في سورية، ليس بالشيء السلبي او الخطير.. وإذا كان هذا الأسلوب السينمائي سيقدم مقولات فكرية مهمة، فما المانع من انتشاره، لأننا في سورية نبحث عن الفن الحقيقي ولا نبحث عن فيلم لا يمتلك صفة السينما في الأصل، يعرض للتسلية فقط كما في التجربة المصرية المحكوم عليها بالفشل.

في الإجابة عن السؤال القائل: هل سيؤثر طغيان سينما المؤلف في الإنتاجات السينمائية في سورية ويزيد من الأزمة السينمائية في سورية؟؟ يجيب الناقد «منصور ديب» بقوله: أتحفظ على كلمة طغيان وأجدها كلمة كبيرة على الإنتاج السوري الذي لم يصل إلى أكثر من ثلاثة أفلام في السنة، وأعتقد بأن من يشاهد هذه الأفلام يجد أن عيوب الفيلم السوري ليست في السيناريو فقط ولكن في أكثر من مجال، ولكن بالتأكيد فإن سينما المؤلف التي تمحورت في معظمها حول تجارب خاصة بالمخرجين لم تصل في معظمها للجمهور ولكنني لا يمكن أن أحمل سينما المؤلف تلك الأسباب فهناك عوامل لا تقل أهمية مثل آلية الإنتاج السينمائي السوري وطريقة العرض والتوزيع ومشكلات الصالات التي ربما لم تسمح لكل الأفلام السورية بالعرض بطريقة مناسبة لمعرفة صدى هذه الأفلام عند الجمهور. في حين لا يعتقد المخرج محمد عبد العزيز بأن سينما المؤلف ستؤثر في الإنتاجات السينمائية في سورية، ويسوغ هذا الاعتقاد بقوله: لا يمكن أن يؤثر طغيان سينما المؤلف في النتاج السينمائي في سورية لأنه في الأصل ليس هناك حراك سينمائي طاغ وبارز حتى تطغى عليه سينما المؤلف، وسينما المؤلف ليست جزءاً من الأزمة السينمائية  حتى تعززها او تخفف من حدتها، بل على العكس وبمقارنة سريعة نجد أن أفضل الأفلام السورية التي برزت وشكلت إلى حد ما هوية الفيلم السوري كانت تندرج تحت نمط سينما المؤلف كأحلام المدينة ورسائل شفهية ونجوم النهار والليل وليالي ابن آوى وصندوق الدنيا.

أما الكاتبة ديانا فارس فتجيب عن هذا السؤال قائلة: «أما فيما يخص تأثير تلك الظاهرة في أزمة السينما السورية فأنا لا أعد أن هناك أزمة سينمائية في السنوات الأخيرة بل هناك أزمة ثقافية في فهم المشروع السينمائي، حيث ان المؤسسة العامة للسينما عملت بشكل واضح على تفعيل دورها الإنتاجي من خلال زيادة عملية إنتاج الأفلام وتطوير البنية التقنية ورفع التعرفة المخصصة للأجور وترميم الصالات وتفعيل دور مهرجان دمشق السينمائي ليصبح أكثر انتشاراً وحضوراً في الجو الثقافي العربي والعالمي وتنشيط التظاهرات السينمائية على مدار العام لعرض أحدث الأفلام العالمية.. وفي رأيي أن معاناة السينما السورية تكمن في قلة الأفكار والموضوعات التي تعيد طقس المشاهدة للناس وتجذبهم للمتابعة كما أن هناك قلة في عدد صالات العرض وعدم توزيعها بشكل مدروس في المناطق الحيوية سواء في دمشق أو في بقية المحافظات. وفي رأيي أيضاً هناك عدم تنوع في المدارس الإخراجية حيث يتم تبني كل مخرج أسلوبية خاصة وتكرارها في معظم أعماله، فبمجرد أنك تقرأ اسم المخرج على أفيش الفيلم تمكنك معرفة أسلوبية الفيلم وما يمكن أن يطرحه من أفكار علماً بأن المؤسسة لديها بعض المخرجين الذين حافظوا على المستوى الثقافي والإبداعي للسينما وحاولوا التنويع في أسلوبهم لكنهم ما زالوا قلة.. وأيضاً هناك سبب مهم، وهو ضعف حماس القطاع الخاص للإنتاج السينمائي وانصرافه لدراما التلفزيون التي يجد فيها السرعة في التسويق والانتشار وتوفر الكوادر الإخراجية المتخصصة بالإخراج التلفزيوني وتنوع أسلوبيتها»

من البدهي أن أسلوب سينما المؤلف يغيّب دور الكاتب السينمائي عن الساحة السينمائية، فلا داعي لوجود كاتب يكتب النص إذا كان المخرج هو من سيقوم بهذا الفعل، وبذلك تكون سينما المؤلف، ومن خلال انتشارها بين المخرجين السوريين في سورية، تقوم بفعل تغييب الكاتب السينمائي، وهذا ما يؤكده الناقد «منصور ديب» بقوله: «طبعاً ساهمت في تحييد الكثير ممن يرغبون في الكتابة للسينما والابتعاد عن الكتابة لأن الإنتاج السينمائي في سورية انحصر في المؤسسة العامة للسينما، وأسلوب الإنتاج في المؤسسة يجعل المخرج هو سيد العمل وهو الذي يتقدم بالمشروع بشكل عام فغابت مشاريع الكتاب لأنه ليس هناك مخرج يفكر في تبني مشاريع كتبها غيره». ويثني الناقد «قوشحة» بقوله: «بالطبع سيؤثر، لان هذا الأسلوب يمنع وصول أصوات مؤلفين للساحة السينمائية في سورية، وهذا المنع سيولد لدى هذه الأصوات ردة فعل متمثلة بعدم كتابتهم للسينما حتى لو أتيحت لهم الفرصة لاحقا، ولكن لا يمكننا البت بشكل نهائي في مدى هذا التأثير وإمكانيته، فالزمن هو الكفيل بإظهار النتيجة، ولذلك، فإن الاحتمالات مفتوحة، فقد تتنشط الحركة السينمائية في سورية وبذلك تتنوع الأساليب السينمائية في أفلامنا ويأخذ الكتاب فرصتهم في توصيل أفكارهم، وممكن أيضا أن نبقى على ما نحن عليه.» في الجهة المقابلة يعد المخرج «غنوم» انه «مادام ليست لدينا في سورية دراسة مختصة وأكاديميات سينمائية اختصاصية، فأعتقد بأن الشخص الأقرب لكي يكتب أفلاماً سينمائية هو المخرج، لأن المخرج قادر على أن يعبر عن الصورة بشكل جيد، فنحن هنا في سورية محكومون بعدم وجود خريجي سيناريو اختصاصيين، وبالمناسبة حتى الإخراج المسرحي يعاني المشكلة ذاتها، فالمعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق لا يخرج كتاباً أو مخرجين، بل يخرج ممثلين فقط، ولذلك فتجارب الكتابة السينمائية في سورية مازالت تجارب هواة وليست تجارب كتاب اختصاصيين».

ويبقى التنوع موجوداً

يؤكد الناقد «نضال قوشحة» أن انتشار سينما المؤلف بدأ بالتراجع في السنوات الأخيرة عما كان عليه منذ زمن بقوله: «في الحراك الأخير للمؤسسة العامة للسينما في السنتين الماضيتين بدأنا نلمس ان أسلوب سينما المؤلف بدأ بالانحسار في الإنتاج السينمائي السوري، حيث ظهر العديد من الأفلام كان فيها الكاتب والمخرج مختلفين» والأمر ذاته تؤكده الكاتبة «ديانا فارس» بقولها: «إن أسلوب سينما المؤلف كما قلت أنت هو مجرد أسلوب، أي نوع من المشروع الإبداعي لبعض المخرجين، وهو لا ينطبق على الجميع فمنهم من قدم مشروعه السينمائي مشتركاً مع بعض الكتاب مثل المخرج سمير ذكرى الذي تعاون مع الروائي فيصل خرتش في فيلمه تراب الغرباء والمخرج غسان شميط الذي كانت له تجربتان مع الكاتب وفيق يوسف والمخرج وليد حريب مع حسن سامي يوسف وغيرهم رغم أن هؤلاء المخرجين سبق أن قدموا أعمالاً من تأليفهم أثناء مسيرتهم الإبداعية».

تشرين السورية في

02/04/2012

 

صفحة للسينما العربية في موسوعة عالمية للفن السابع

أوس داود يعقوب 

تزامن صدور موسوعتين عن (الفن السابع) في العاصمة المصرية مؤخراً، الأولى عن السينما العالمية، صدرت عن المركز القومي للترجمة بالتنسيق مع قسم النشر بجامعة أوكسفورد

والثانية بعنوان «موسوعة الأفلام العربية»، للكاتب المصري محمود قاسم، وإننا إذ نكتب عن هاتين الموسوعتين فليس من باب الاحتفاء بصدورهما، وإنما لإبراز مدى انتقائية الغرب ونظرته القاصرة لمنجزنا البصري السينمائي في ربوع الوطن العربي عموماً. فما معنى أن يخصص (17) صفحة فقط عن السينما العربية في عمل موسوعي عالمي، حيث خلا المجلدان الأول والثاني من«موسوعة تاريخ السينما في العالم» من أي ذكر للسينما العربية!! واقتصر ذكرها في (17) صفحة فقط، في المجلد الثالث، الذي يتناول السينما المعاصرة بعد عام 1960م. بينما صدرت موسوعة عربية من (1200 صفحة من القطع الكبير)، تناول فيها مؤلفها (4350) فيلماً أنتجت خلال 81 عاماً.

أفلام شاهين وعبد السلام استثناء

جاءت «موسوعة تاريخ السينما في العالم»، في ثلاثة أجزاء في (نحو ثلاثة آلاف صفحة من القطع الكبير)، أشرف على تحريرها الناقد الأميركي جيفري نويل سميث، وراجع الترجمة العربية المخرج التسجيلي المصري هاشم النحاس، وقام الناقد المصري أحمد يوسف بترجمة الجزأين الثاني والثالث.

يتناول المجلد الأول السينما الصامتة قبل عام 1930م، أما المجلد الثاني فيستعرض السينما الناطقة بين عامي (1930 و1960م)، بينما خصص المجلد الثالث لـ«السينما المعاصرة.. 1960- 1995م»، والذي يقع في (1038 صفحة)، ويتناول تطور صناعة السينما في العالم وتياراتها الجديدة، إضافة إلى استعراض تاريخي سريع للسينما في دول، منها تركيا التي احتلت 12 صفحة وإيران التي حظيت بـ16 صفحة.

كَتب الفصل الخاص بسينما العالم العربي البريطاني روي أرمز، الذي بدأ بحثه بالتطرق للسياق الاقتصادي والاجتماعي الذي دخلت فيه السينما إلى العالم العربي الذي كان واقعاً في معظمه تحت الاحتلال، مضيفًا أن السينما، خصوصاً في مصر، ظلت لسنوات أداة تسلية تجارية ثم تحولت إلى «أنماط فيلمية أكثر من كونها سينما مؤلفين».

ومن تلك الأنماط (الفيلم الموسيقي) الذي استعان منذ الثلاثينيات بمطربين لهم شعبية في العالم العربي، منهم أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ثم فريد الأطرش. ويقول أرمز: «إن الأفلام المصرية طغت عليها ميلودرامات غير متقنة الصنع وكوميديات تهريجية، ثم شهدت تطوراً نوعيًا منذ الخمسينيات على أيدي كتاب سيناريو جادين، منهم نجيب محفوظ».

ويضيف: «لكن يوسف شاهين هو الشخصية الأكثر (كوزموبوليتانية) في السينما المصرية.. فقد استكشف مناطق أخرى للتعبير في السينما العربية مثل الحكايات الرمزية وأفلام السيرة الذاتية»، وهي «حدوتة مصرية» و«إسكندرية ليه» و«إسكندرية كمان وكمان».

ويصف أرمز المخرج توفيق صالح بأنه لم يجد دعماً لمواصلة العمل في مصر التي غادرها، وأنتجت له سورية فيلم «المخدوعون» عام 1972م وهو «ترجمة سينمائية شديدة البراعة عن رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس» التي تحكي عن محنة الشعب الفلسطيني في المنفى.

ويرى أن المخرج المهم الوحيد الذي ظهر في الستينيات بمصر هو شادي عبد السلام (1930- 1986م) الذي حقق بفيلمه الروائي الوحيد «المومياء» 1969م شهرة عالمية.

ويشير أرمز أن السينما في بلاد المغرب العربي عموماً ليست جماهيرية كما هي في مصر، لكنها دليل على حيوية السينما العربية.

حكاية أول فيلم روائي فلسطيني مجهول..

تقع «موسوعة الأفلام العربية»، في مجلدين، وتتناول بالنقد والتحليل أكثر من 4350 فيلماً عربياً، أنتجت خلال 81 عاماً، كما تضم أفلاماً مجهولة «تماماً نتعرف عليها لأول مرة».

الموسوعة كما سجل مؤلفها الكاتب المصري محمود قاسم على صفحة غلافها الأخير «جهد بحثي فردي... عجزت المؤسسات عن إنجازه أو مساندته».

ويذكر قاسم في المقدمة أن الموسوعة ترصد «جميع الأفلام العربية» منذ تشرين الثاني 1927م وحتى تشرين الثاني 2008م، وتسجل الموسوعة تاريخ أول عرض للأفلام، مع رصد أفلام من دون ذكر هذا التاريخ وهو ما يعني أنها عرضت بوساطة (الفيديو) فقط، ومنها الأفلام المصرية: «صديقي الوفي» لفاضل صالح، و«أحلام العبيط» لنبيل زكي، و«المطربون في الأرض» لإسماعيل جمال، و«الناجون من النار» لعلي عبد الخالق، وهذا الفيلم أنتج عام 1994م وعرض على إحدى الفضائيات العربية عام 2006م.

ويخبرنا قاسم في عمله الموسوعي عن أول فيلم روائي فلسطيني وهو غير معروف لكثير من مؤرخي السينما الفلسطينية، وهو فيلم «أمنيتي» الذي أنتج عام 1947م وهو من تأليف وإخراج صلاح الدين بدرخان الذي أخرج عام 1949م الفيلم المصري «حلم ليلة».

ويكشف الكاتب محمود قاسم بعض ملامح السينما العربية، مثل تكرار أسماء عدد من الأفلام، واقتباسات صريحة من أفلام أجنبية أكثر من مرة، إضافة إلى انفتاح السينما المصرية في بداياتها في «العصر الليبرالي» على كثير من المخرجين والممثلين العرب والأجانب.

وتكشف الموسوعة أن ذلك كان منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وأن المطربة السورية نادرة (1906- 1990م) قامت ببطولة فيلمين مصريين هما «أنشودة الفؤاد» 1933م إخراج الايطالي ماريوفولبي وشارك فيه الملحن المصري زكريا أحمد، لأول وآخر مرة كممثل، و«أنشودة الراديو» 1936م إخراج الايطالي توليو كياريني. وكانت نادرة تغني وتلحن وجاءت إلى مصر عام 1930م وكانت أول مغنية تظهر في السينما وحملت لقب «أجمل مطربة». وأخرج الإيطالي فولبي أيضاً فيلم «الغندورة» عام 1935م وهو العمل السينمائي الوحيد للمطربة المصرية منيرة المهدية (1885- 1965م) التي حملت لقب «سلطانة الطرب»، في بدايات القرن العشرين، وتسجل الموسوعة أيضاً أن المطربة اللبنانية لور داكاش (1917- 2005 م) قامت ببطولة فيلم واحد هو «الموسيقار» الذي أخرجه المصري السيد زيادة عام 1946م ثم ظهرت في دور صغير في الفيلم الكوميدي «يا تحب يا تقب» الذي أخرجه المصري عبد اللطيف زكي عام 1994م. وتسلط «موسوعة الأفلام العربية»، الأضواء على تكرار أسماء بعض الأفلام المصرية والعربية مثل «أسرار البنات» للمصري محمود ذو الفقار عام 1969م و«أسرار البنات» للمصري مجدي أحمد علي عام 2001م. وفي عام 1950م أخرج المصري نيازي مصطفى فيلم «أفراح» ثم أخرج المصري أحمد بدرخان عام 1968م فيلماً بالعنوان نفسه.

كما أخرج المصري حسن رضا عام 1954م فيلم «أسعد الأيام» الذي كان عنوان فيلم أخرجه العراقي برهان الدين جاسم عام 1963م.

وأخرج اللبناني يوسف معلوف عام 1964م فيلم «الأجنحة المتكسرة» عن كتاب بالعنوان نفسه لجبران خليل جبران يروي فيه جانباً من سيرته الذاتية، وفي عام 2007م أخرج المغربي عبد المجيد رشيش فيلماً بالعنوان نفسه.

وأخرج المصري حسين حلمي المهندس عام 1972م فيلم «الأضواء» وفي عام 1992م أنتجت السينما الجزائرية فيلم «أضواء» لجان بيير ليدو.

وبيّن قاسم أن بعض صناع الأفلام يلجؤون أحياناً إلى تغيير طفيف في أسماء الأفلام إذ أخرج نيازي مصطفى عام 1976م فيلم «أزواج طائشون» بطولة عادل إمام وسعيد صالح ومديحة كامل، وفي العام التالي أخرج المصري أحمد فؤاد فيلم «الأزواج الطائشون» وكان أيضاً من بطولة عادل إمام وسعيد صالح ومديحة كامل!!. ويوضح قاسم في الموسوعة أن هناك أفلاماً عربية اقتبست من أفلام أميركية مثل الفيلمين المصريين «الفتى الشرير» 1989 بطولة نور الشريف وإخراج محمد عبد العزيز، و«الإمبراطور» 1990م بطولة أحمد زكي وإخراج طارق العريان وكلا الفيلمين مأخوذ عن الفيلم الأميركي «الوجه ذو الندبة» 1983م بطولة ال باتشينو وإخراج بريان دي بالما.

ويشير المؤلف أن أسماء مدن عربية وأجنبية وردت في أسماء الأفلام كما ترد أسماء بعض الدول الأجنبية، مثال ذلك فيلم «أميركا شيكا بيكا»، الذي أخرجه المصري خيري بشارة عام 1993م، وقلما تضمنت الأفلام أسماء لدول عربية ومن هذا الاستثناء فيلما «أولاد مصر» 1933م لتوجو مزراحي، و«أنا العراق» الذي أخرجه العراقي محمد منير آل ياسين عام 1961م ويتناول صوراً من الحياة الاجتماعية التي جاءت بها ثورة تمّوز 1958م، والتي أنهت النظام الملكي في البلاد.

تشرين السورية في

02/04/2012

 

«الزمن الباقي» لإيليا سليمان

متتاليات بصرية تعكس هموم أجيال من الفلسطينيين 

يُعدّ المخرج إيليا سليمان أحد السينمائيين الفلسطينيين القلائل، الذين أسّسوا نتاجاً سينمائياً جدّياً على الصعيد الفلسطيني والعربي، شكلاً ومضموناً، حيث قدّم منذ عمله الروائي الأول «سجل اختفاء» الذي حصل عام 1996م على الجائزة الأولى في مهرجان فينيسيا للأفلام، صورة مغايرة للمألوف. وقد بلغ سليمان شأناً كبيراً قل نظيره بين السينمائيين العرب.

يقدم إيليا سليمان في فيلمه الروائي الثالث «الزمن الباقي سيرة الحاضر الغائب» فصولاً من سيرته ذاتية، من خلال تناوله ملامح من الحياة اليومية لأسرة فلسطينية منذ عام 1948م إلى اليوم ومن خلالها لهموم أجيال من الفلسطينيين.

وفي فيلمه هذا يعلو إيليا بلغته البصرية ليقدم عملاً سينمائياً حداثياً خالصاً، بأسلوب باهر في السرد والحكي، عاكساً رؤيته الشخصية ورغبته في خلق فضاء شعري تأملي، يكشف أعماق ذاته وتفاصيل كثيرة من حياته بما فيها من أفراح ومآس، لكنه في الوقت نفسه لا يتجاهل واقعاً سياسياً موجوداً على أرض الواقع هو واقع الاحتلال، «واقع الفلسطينيين الحاضرين والمغيبين في وقت واحد والممنوعين من الوجود حتى في الصور المجازية».

مرثية للزمن الحاضر الغائب

والفيلم أغنية حزينة عن الغربة والضياع تحت الاحتلال، ويحمل العنوان في طياته ترجمة لواقع سياسي يعيشه الفلسطينيون المغيبون داخل أوطانهم، راسماً صورة للحياة اليومية في تفاصيلها الصغيرة، وهو ما أعطى الفيلم في نظر صاحبه بعداً كونياً يجعل العالم كله وطناً فلسطينياً.

وكعادته يلجأ المخرج الفلسطيني (مواليد 28 تمّوز/ 1960م) إلى أسلوب السخرية التهكمية الكاريكاتورية في مشاهد تتعلق بالعيش اليومي لأسرته في مدينة الناصرة، بعيداً عن لغة الخطابة الخشبية، ولغة البيانات والبلاغات السياسية التي سادت السينما الفلسطينية طويلاً، وبهذا تمكن إيليا من تحرير المشهد السينمائي الفلسطيني من خطابيته المباشرة وبكائياته الممجوجة.

نلحظ ذلك من المشهد الأول من الفيلم، حيث يظهر جندي عراقي من المشاركين في الحرب في بلدة فلسطينية في الجليل، يتطلع إليه ثلاثة من الشباب الفلسطيني وهو يبحث عن طريقه، بينما تلقي طائرة صهيونية منشورات تحث السكان على الاستسلام وإلقاء السلاح. فلا يعرف الجندي إلى أين يتجه، وكلما ذكر اسم مدينة أو بلدة ما، يقول له الجالسون في المقهى باسترخاء وهدوء: لقد سقطت.

عمد إيليا إلى تقسيم الفيلم إلى أربعة أقسام تطرق كل واحد منها لفترة زمنية معينة في حياة المخرج ـ المؤلف، يفصل بينها سليمان باستخدام أسلوب الإظلام التدريجي ثم الشاشة الخالية برهة، قبل أن يعود للضوء تدريجياً مع ظهور مشهد يدور في فترة زمنية أخرى تالية، مع ما يرافقها من مقاطع صوتية مناسبة في شكل أغان لكبار المطربين العرب من أمثال محمد عبد الوهاب وليلى مراد وفيروز وآخرين، إضافة إلى خطابات الرئيس عبد الناصر من إذاعة القاهرة، ونشرات الأخبار من صوت العرب، كما تخللت الكثير من المشاهد مقاطع كان الصمت فيها أجمل تعبير. ويعلل سليمان هذا الحضور القوي للمقاطع الصامتة في الفيلم والمقاطع الموسيقية الكثيرة التي تتخلله، بقوله إن: «الموسيقا، أو الصمت، هما لحظة حقيقة».

ويعرض إيليا في القسم الأول لقطات التنكيل الذي يتعرض له والده (فؤاد سليمان) حينما يضربه جنديان صهيونيان بكعوب البندقيات بقسوة، يبدو في تفاصيله (وهو مصور من زاوية بعيدة) وكأنه لقطة حديثة من تلك التي نشاهدها كثيراً في نشرات الأخبار اليوم للوضع في الأراضي المحتلة.

وفي القسم الثاني من فيلمه الذي يركز على الوضع الراهن، يستخدم الأغاني الحديثة الشائعة وموسيقا (الديسكو) التي نرى عدداً من الشباب العربي يرقص عليها بينما تتوقف مصفحة تابعة للجيش الصهيوني في الخارج يبرز من نافذتها ضابط ينذر الشباب عن طريق مكبر صوت بحلول حظر التجول. ويظل يكرر عدة مرات فرض حظر التجول فيما يستمر الشباب في رقصهم على أنغام الموسيقا الصاخبة، لا يلتفتون ولا يسمعون!

تجربة سينمائية متفردة

على طريقة الفيلسوف سارتر، تكررت في الفيلم مشاهد معينة على نحو عبثي ومنها مشهد أشخاص يجلسون في أحد المقاهي ومنهم إيليا سليمان بعد عودته من رحلة إلى الخارج، ومشهد المدرس الذي يوبخ إيليا وهو طفل صغير بدعوى ترديده في الفيلم أن أمريكا دولة امبريالية.

وقد نجح سليمان في نظر كثيرين في ربط الماضي بالحاضر في هذه التجربة السينمائية المتفردة، كما نجح في ربط معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية مع معاناة إخوانهم في العمق الفلسطيني المحتل، وذلك من خلال قيامه في الفيلم برحلة عبر الحافلة إلى مدينة رام الله، حيث وقف كشاهد عيان على اعتداءات جنود الاحتلال ولجوئهم للعنف والقوة المفرطة لقمع الانتفاضة.

وينهي إيليا فيلمه وهو جالس فوق أريكة خشبية في الشارع، يتأمل من دون أي انفعال، بعد أن فقد القدرة حتى على الانفعال مع ما يجري حوله، فاتحاً في النهاية، باباً من الأمل الذي من دونه لا يتحقق أي عمل فني ـ حسب رأيه، فهناك «زمن باق وأجيال صاعدة لها أسلوبها في التعبير عن الذات وهناك شعور قوي بالهوية الفلسطينية».  وينفي إيليا سليمان أن تكون هناك أي جهة (إسرائيلية) مشاركة أو هي طرف في إنتاج فيلمه أو أن يكون «الزمن الباقي» قد مثلها في أي مهرجان سينمائي دولي، كما روجت لذلك وسائل الإعلام (الإسرائيلية) والأمريكية.  وأكد سليمان في أكثر من مناسبة أن: «الحديث عن مشاركة (إسرائيل) في الإنتاج بدأته وسائل الإعلام الأمريكية»، نافياً أن تكون (إسرائيل) قد قدمت سنتاً واحداً له.

الفيلم من بطولة: الممثل الشاب صالح بكري، وياسمين الحاج، وليلى معمر ونخبة من الممثلين، إلى جانب إيليا سليمان.

وقد حصد عدة جوائز، منها: جائزة «أفضل فيلم» في مهرجان شاشة آسيا، وجائزة «أفضل روائي شرق أوسطي» في الدورة الثالثة لمهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في (أبو ظبي). وحصل إيليا على جائزة «أفضل مخرج» ـ عن فيلمه هذا، في مهرجان (مار ديلبلاتا) في الأرجنتين.

كما رشح الفيلم للسعفة الذهبية عام 2009م بمشاركته في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» السينمائي. وكان إيليا قد حصل عن فيلمه «يد إلهية» على جائزة خاصة من لجنة التحكيم في مهرجان «كان» 2002م، وجائزة «اللجنة الدولية للنقاد».

تشرين السورية في

02/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)