حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"اغتيال المدينة"..

الخسارة التي لم نشعر بها

سعيد أبو معلا / رام الله

بعض الأفلام لا تمحى من الذاكرة وتبقى حاضرة في الذهن والوجودان وهو ما يحرض على الكتابة عنها ولو بعد حين.. ربما يعد فعل الكتابة إفراغ لثقل ما سببه الفيلم على كل تفاصيل جسم مشاهديه، فتكون الكتابة عنه محاولة للتخلص من هذا الثقل أو نقله للقراء على أحسن تقدير.

أحد هذه الأفلام الشريط الوثائقي "اغتيال المدينة" وهو من انتاج قناة الجزيرة الفضائية لعام 2011، فهو فيلم  يآسر مشاهده بحق، يحبس أنفاسه ويحاصره وكأنه أصبح قدره لما فيه من قدرة كامنه تفرض "تغوله" الايجابي على المشاهد، وجعله قضيته التي تتسيده.

"اغتيال المدينة" الذي جاء ضمن سلسلة "فلسطين تحت المجهر" يخالف عشرات الأفلام لا بل المئات منها التي أرخت لنكبة فلسطين عام 1948، فهو لا يغرق في بكائيات تقليدية ومشاهد التهجير والرحيل وويلاتهما بل يعود بنا للوراء قليلا وتحديدا لما كانت عليه فلسطين قبل عام 1948 وتحديدا هنا يؤرخ لمدينتي يافا وحيفا ليحكي لنا بطريقة دافئة وحميمية وصادقة عن الشيء الذي خسرناه، فنحن لم نخسر وطننا فقط بل فقدنا حياة مدنية كاملة.

غير أن السؤال الذي يدق في الرأس يتمثل في: لماذا يحاول المخرج المبدع "رامز قزموز" أن يقول ذلك، وفي هذه اللحظة بالذات إذا؟ 

الإجابة تأت في مطلع الفيلم، وتكتمل مع أخر مشاهده، فعلى لسان أحد ضيوف العمل وفي دقائق الشريط الأولى نسمع: "ولدنا وعشنا في فضاء محدود.. لم نستشعر الخسارة.. ومن لم يعش فلسطين قبل 1948  فقد عاش وولد في فضاء محدود وسقف منخفض.. وبالتالي لم يستشعر عظم الخسارة". 

يأت ذلك إذا ما علمنا أن غالبية من يعيشون في فلسطين المحتلة عام 1948 ولدوا بعد النكبة وبالتالي لم يعرفوا ولم يعيشوا مدنية مدنهم الفلسطينية قبل النكبة. من هنا تحديد يحضر الفيلم بقوة ليخبر الأجيال الجديدة حكاية المدينة الفلسطينية التي كانت في أعلى مستويات الرقي والنهضة، وكان يسكن فيها أكثر من 30% من نسبة سكان فلسطين (وهي نسبة مرتفعة مقارنة مع دول أخرى)، لولا خطط المشروع الصهيوني التي توجهت جميعها للقضاء على المدينة والمدنية الفلسطينية.

العمل المميز والمحبوك والواعي والذي بذل في انجازه الجهد الكبير جاء ليشعرنا بعظم الخسارة لعلها تكون الدافع لفعل تعويضها ما أمكن، وحتى لو لم يتحقق ذلك قريبا فإن معرفة وإدراك تلك الخسارة الواعية يعد أمرا جوهريا في حرب الوعي على الفلسطيني أينما تواجد وارتحل.

الصورة كوثيقة تاريخية

كلنا نعرف ما حل بفلسطين بعد النكبة غير أن غالبيتنا لا نعلم ما هي صورة فلسطين قبلها؛ الفيلم يجتهد في تقديم صورة شبه متكاملة لمدن مثل يافا وحيفا قبل النكبة حيث الازدهار والمدنية والنماء والتطور والتمدن.

والفيلم في سبيل تحقيق ذلك لا يركن لخطاب عاطفي إنشائي منبري بل يجلب الوثيقة التاريخية (صورة/ بوستر/ جريدة/ إعلان تجاري/ أماكن صناعات) ويقاربها بحديث الخبراء والمختصين من ضيوف قدموا لذلك الموضوع الفكري الجوهري، ومعا وبشكل متواز تلعب تلك الوثائق دورها في إبراز حقيقة أن فلسطين كانت تعج بالحياة المدنية، فيافا كانت تنافس بيروت والقاهرة، ولو لم تحصل النكبة لكانت من أهم مدن الشرق الأوسط على أقل تقدير.

ويمكن القول هنا أن الفيلم لا يفند الأطروحة الصهيونية التي تقول أن "فلسطين أرض بلا شعب" بل يتجاوز ذلك إلى بناء أطروحتنا/ روايتنا الفلسطينية الخاصة عن خسارتنا الجسيمة وذلك عبر الوثيقة التاريخية. فأكثر ما يدلل على وجود شعب هو المدينة الفلسطينية التي قضي عليها لتكريس الدعاوي الصهيونية.

وهو لأجل ذلك نراه يعود وعبر جهود بحثية قام بها الباحث "نبيل عويضة" إلى مجموعة كبيرة من الأماكن لجلب الوثيقة من بئر الماضي والغبار، فقد اعتمد الفيلم على كل من: أرشيف الجيش الإسرائيلي، أرشيف مكتبة السلام – جبعات حبيبه، أرشيف مكتبة الكونجرس، وأرشيف جامعة القدس إضافة إلى أرشيف شركة الأرز للانتاج، الشركة المنتجة للعمل لصالح قناة الجزيرة.

هذا الجهد البحثي يفسر لنا تلك الصور والمشاهد الغنية وثيقة الصلة بموضوع الفيلم والتي لو لم تكن موجود لما كان هناك فيلم أصلا، فأغلب بنى الفيلم يقوم على مادة أرشيفية طازجة وقوية وبعضها أحسب أنها تعرض لأول مرة وهو ما يفجر فينا الدهشة والألم معا ويشعرنا بعظم حجم الخسارة التي لم نشعر بها

شحادة وقرمان

في الجزء الأول من الشريط يطلعنا وعبر العودة لمجموعة من الشخصيات التاريخية عن يافا وحيفا قبل عام 48 حيث يعود إلى عام 1865 ليخبرنا عن حال مدينة يافا عبر استرجاع شريط الذاكرة الحديدية للرجل الثمانيني اسماعيل شحادة (مواليد يافا عام 1926)، كما يتوقف عند تجارب عائلات عاشت في حيفا وتحديدا عائلة "سعاد قرمان".

تلك العائلة الرأسمالية تخبرنا "سعاد" الأديبة والكاتبة عن تجربة والدها التاجر وعمها السياسي الذين أسسا لحياة صناعية وتجارية تخطت الحدود ورسمت معالم مدينة تم تقيضها لتعيش مدن إسرائيلية هجينة وجديدة.

كما يخبرنا الضيوف المنتقين بعناية بمعلومات تدعمها الوثيقة التاريخية وتحديدا الصورة بمعلومات وحقائق تكشف لنا عمق ما جهلنا وضخامة ما تم تدميرة فالمواطن العربي كان يأت ليافا أو حيفا يسهر فيها وينام وفي الصباح الباكر وخلال ساعتين يكون في بيروت وهو الأمر الذي يضعنا في طبيعة الحياة المدنية المفتوحة على العالم العربي وهو ما يتعمق مع وجود المسارح والسينمات ودور النشر والأحزاب السياسية وحفلات الغناء والمسابح والنقابات والمطبوعات والحياة الثقافية.

"سعاد قرمان" تحدثنا عن "ابطن" التي جلبت لها الكهرباء وحفرت فيها الابار الارتوازية وكانت تضم مزارع الابقار الهولندية التي كانت تحلب بالالات الحديثة ويصنع حليبها وتنتج فيها الحلاوة وتصدر للخارج.

أما شركات قرمان فكانت كثيرة مثل: شركات الدخان، ومصانع للقهوة، ومعامل الثلج، ومصانع الملح والحلاوة والزجاج، وشركات السفريات ومصانع الباصات.

أما "يافا" وتصدير برتقال فنالت نصيبا وافرا في شريط "قزموز" ونتفاجأ عندما نعلم أن الشوارع الخاصة شقت لتسير عليها شاحنات النقل التي كانت تنقل البرتقال من المزارع الى الميناء، وفي عام 39 خرجت من ميناء يافا 45 سفينة حمضيات، كما أنها صدرت عام 1947 أكثر من مليون ونصف صندوق برتقال. كما أنها شغلت عمالة عربية من سوريا ومصر والمغرب العربي.

وراحت المدينة

بعد النكبة حدث الزلازل الذي ضرب المدينة الفلسطينية (يافا – حيفا) وغيرهما من المدن، الفيلم يضعنا في تحولات الحياة في تلك المدن العامرة بكل شيء ويمكننا تخيل ذلك بتخيل مدينة كان يسكنها 90 ألف قبل النكبة أصبح يسكنها ألفان بعدها.

فبعد النكبة نفذت مخططات تغييب المدينة الفلسطينية لكونها تشكل الخطر على المشروع الصهيوني كله، ويبدو جليا أن غياب المدينة في 48 كان يعني غياب للقلب الجامع وهو ما قاد إلى تشكل بؤر صغيرة يسكن فيها الناس على شكل جيتوهات عربية في مناطق مثل: وادي النسناس في حيفا، والعجمي في يافا

فاختفي المركز الذي يشع، واختفت الطبقة الوسطى والنخب القادرة على انتاج الأحلام. وبعبارة أخرى "راحت المدينة"..نشعر بذلك من حسرة الضيوف/ الشهود الذي يعيشون في مكان أصبحوا غرباء عنه فيافا تحولت "لمزبلة" كي تنمو "تل أبيب" في أكبر عملية سطو في التاريخ

ومع ذلك لا يغرقنا الفيلم في بركة من اليأس والحسرة بل يتأمل إمكانية تشكل مدينة جديدة في حيفا التي يبلغ عدد سكانها 40 الف نسمة. وهو هنا أمل مركب مصدرة نمو مظاهرة مدنية في مدن جديدة في فلسطين 1948  وان كانت مشوهة وغير مكتملة، وأمل من ضرورة العمل على استعادة تلك المدنية.

حكاية الفيلم التي قدمت بتمكن فني واقتدار كانت شبه متكاملة، فالبحث الوثائقي كان له قصب السبق في هذا النجاح، إنه بحث جاد سمح لنا رؤية فيلم وثائقي يستحق المشاهدة مرارا من دون أن يغفل المخرج عن مسألة تشويق المشاهد عبر مونتاج وقطع متوازن في سرد القصص داخل بنية شريطه.

أما الموسيقى التصويرية للمؤلف كارم مطر فتستحق إشادة، إنها موسيقى جديدة، لا تناسب المضمون والموقع الذي تسقط عليه بل ترسل رسالتها الخاصة المضافة إلى رسالة الفيلم.

أخيرا أرى أن رسائل هذا الفيلم تتجاوز الفلسطيني في فلسطين التاريخية إنه فيلم يستحق أن يشاهده كل من تعاطف مع فلسطين وقضيتها العادلة من منطلق الظلم والحرب والتدمير الذي تعرضت له وما زلت.. من منطلق مشاهد الأشلاء والدم والدموع، إنه فيلم يجعل من التعاطف معنا تعاطفا قائما على الحب.. حب المدينة التي كانت لدينا ذات خسارة تستحق ان نموت من أجل حلم استعادتها. و"اغتيال المدينة" والمدعمة بـ الــ التعريف في كلمة "المدينة" يفعل لبنة أولى في سبيل ذلك.. ألا وهي تقريب الفلسطيني من تاريخه الجميل.. والجميل جدا.

الجزيرة الوثائقية في

29/03/2012

 

خمس كاميرات محطمة

الوثائقية موقف وليست نوع 

رامي عبد الرازق 

يقول المخرج الوثائقي إيال سيفان : أن الفيلم الوثائقي ليس نوعا في حد ذاته مثل الفيلم الروائي او الخيالي, أن الوثائقية موقف وليست نوع.

نستطيع أن نتقبل تلك الحالة التنظيرية فيما يخص السينما الوثائقية من خلال قراءة الفيلم الوثائقي"خمس كاميرات محطمة"والذي عرض ضمن البرنامج الرسمي لمهرجان سالونيك الدولي للأفلام التسجيلية في دورته الرابعة عشر(9-18/3/2012)

الفيلم من إخراج المخرج الفلسطيني "عماد برنات" وشاركه الأخراج المخرج الأسرائيلي "ديفيد جات" وهو الفيلم الفلسطيني الوحيد الذي شارك في برامج المهرجان الرسمية هذا العام وحقق نسبة مشاهدة عالية من خلال سوق المهرجان"الأجورا" الذي ضم 466 فيلما من انحاء العالم تعرض من خلال مكتبة فيديو متطورة تسمح لموزعي الأفلام التسجيلية ومندوبي القنوات التليفزيونية بالمشاهدة والاختيار.

"عماد برنات"مصور فلسطيني يقيم في قرية"ابلين"التي تقع عند احد نقاط التماس الكثيرة ما بين المستوطنات الأسرائيلية والجدار العازل, وهي احدى قرى رام الله في الضفة الغربية والتي لا تزال تحاول مقاومة المد الاستيطاني"الأسرائيلي"الذي يلتهم الأراضي الفلسطينية تحت سمع وبصر المجتمع الدولي.

كان"عماد"في الاصل مزارعا يقوم بالتقاط الزيتون مع ابيه ثم تطور به الأمر واستهوته مهنه المصور التليفزيوني منذ سنوات ووجد في واقع قريته ما يجعله يشعر أنه يحتاج إلى اتخاذ "موقف"وثائقي من الاحداث اليومية التي تشهدها القرية نتيجة بناء الجدار العازل والمواجهات المستمرة مع المستوطنين والجيش الأسرائيلي.

جبريل والكاميرات الخمس

في البداية نتعرف على فكرة الفيلم الأساسية التي يقدمها عماد من خلال استخدام التعليق الصوتي والبصري معا حيث يضع الكاميرات الخمس المحطمة امام عدسة الكاميرا الجديدة"السادسة"التي يقوم بالتصوير بها.

ان الخمس كاميرات التي نراها في البداية هي الكاميرات الخمس التي يتمحور حولها جزء من افكار الفيلم, انها الكاميرات الخمس التي تحطمت خلال خمس سنوات من عمل عماد كمصور تليفزيوني اثناء مواجهات اهل قريته مع الأسرائيليين, وهو لا يزال يحتفظ بها كجزء من تاريخه الشخصي الذي اختلط وامتزج نفسيا وذهنيا وجسديا مع تاريخ الصراع والمواجهات العنيفة.

أما من هو جبريل؟

جبريل هو اصغر ابناء عماد والذي يولد مع شراء عماد لاول كاميرا تصوير ويصبح أول وجه تطل عليه عدسة الكاميرا ويطل بعينه في داخلها, ويتخذ عماد من جبريل معادل درامي ورمزي في نفس الوقت حيث تمتزج سنوات عمره الخمس التي تتراكم عاما بعد عام مع تاريخ الكاميرات الخمس في تصوير الصراع واتخاذ "موقف" منه.

الصوت /الفضفضة

يقول الناقد الفلسطيني ابراهيم نصر الله: أن أساس الفيلم الوثائقي هو مقاربة الواقع المعاش فنيا دون الغرق في التقريرية الأخبارية

يعتمد عماد في شرحه لموقفه اثناء الفيلم على التعليق الصوتي باللهجة الفلسطينية المختلطة بالعربية الفصحى والتي تبدو اقرب للحديث الشخصي أو الفضفضة وليس التعليق الأخباري أو المعلوماتي, حتى فيما يتعلق بطرح المعلومة صوتيا إلى جانب طرحها بصريا فإن عماد يلجأ إلى استخدام لغة بسيطة غير متقعرة ولا منقحة كأنه يحكي لنا في جلسة شخصية وليس في فيلم وثائقي.

هذه البساطة اللغوية والتي انعكست ايضا من خلال النبرة الصوتية التي استخدمها عماد في الحكي هي جزء من الموقف الوثائقي لعماد فالفيلم نابع من تجربة شخصية شديدة الخصوصية فيما يتعلق بالكاميرات الخمس والأبن الأصغر الذي يريد أن يربيه على المقاومة واستيعاب الواقع, ولكنه في نفس الوقت ينطلق إلى افق الموقف الأنساني والسياسي الاكثر رحابة وموضوعية خصوصا عندما تبدأ الأحداث في الاحتدام والجرحي في التساقط والقرارات في الأتخاذ.

الفيل 

يتعامل عماد مع السنوات الخمس التي شهدت تحطم كاميراته من خلال موقف وثائقي ينحو بأتجاه دراما الوقع, اي استلهام شخصيات فيلمه من الشخصيات الحية والواقعية التي تعيش في قريته المقاومة, وهي شخصيات حقيقية ولكنها تتخذ ابعاد درامية شديدة القوة خلال الفيلم عبر اشتراكها في المواجهات من ناحية وعبر ما تمثله من موقف سياسي وفكري يعرض جانبا هاما من القضية والصراع.

"الفيل"أحد ابناء القرية الذين يصعدون كل جمعة إلى نقطة المواجهات للأحتجاج والتظاهر وهو شخصية روائية بكل معنى الكلمة لكنها تعيش في الوقع أو كانت تعيش فيه قبل أن تستشهد برصاص الأسرائيلين امام عدسة الكاميرا الرابعة لعماد.

انه طفل كبير يحمل بداخله براءة العالم ولكنه في ضخامة جثته وقوته البدنية وجرأته يشعرك أنه محارب صلد شجاع لا يخشى الموت حتى يلقاه بالفعل.

التركيز على شخصية الفيل يأتي بالتوازي مع النمو العقلي والزمني لجبريل ابن عماد حتى ان جبريل يسميه "فيلي" اي الفيل الخاص به نتيجة العلاقة التي تربطهم.

غلى جانب الفيلم ثمة عدة شخصيات اخرى من أهل القرية الذين يصعدون كل جمعة للأحتجاج والتظاهر السلمي معرضين انفسهم لخطر الرصاص والقنابل الأسرائيلية.

هذه الشخصنة الدرامية لا تتنافي مع الوثائقية وهي جزء اساسي من اسلوب الأستعراض والسرد في الفيلم لوقائع السنوات/الكاميرات الخمس, فالكاميرا في النهاية لا تسجل مرور الهواء او عبور السحب ولكن همها الاول والاخير هو البشر, الانسان المقاوم الذي يحارب من أجل ما يؤمن به.

و إذا كان البعض يعرف الوثائقية بأنها تسجل محاولة شخص يكابد الألم الحقيقي بينما الدراما هي مجرد مجرد تظاهر او محاكاة فإن فيلم برنات يرد بعض من الأعتبار لدراما الحياة وابعادها الواقعية الخشنة من خلال شخصيات قريته التي ينجح في الأقتراب منها بشكل حقيقي صانعا حبكة متصاعدة تعتمد على صراع صاعد متدرج وكما قال لاجوس اجرس  فإن العقدة التي تشكل الحبكة والصراع تنبع عادة من الشخصية وليس العكس.

العقدة

العقدة الدرامية هنا التي يسجل من خلالها عماد موقفه عبر كاميراته الخمس ليس في مجرد ازالة الأسلاك الشائكة التي تحدد مساحة الأراضي المصادرة لصالح المستوطنات والجدار العازل ولكنها تتجاوز ذلك إلى عمق الصراع العربي الصهيوني الاستعماري منذ 60 عاما دون طنطنة دعائية او فجاجة مباشرة فالصورة تغني عن الف كلمة, والكاميرا تسجل عملية اظلاق شلالات من القنابل المسيلة للدموع كانما هي امطار معدنية تهطل فوق المتظاهرين العزل.

كذلك من اهم فصول الفيلم تلك المواجهات التي تحدث ما بين اهالي القرية و المستوطنين حيث يقول عماد عبر التعليق الصوتي أن المستوطنين يستغلون قانون اسرائيلي يمنع هدم اي بناية مكونة من جدران وسقف وهو قانون غاشم يسمح لهم بان يقوموا بنصب بيوب متنقلة في اراضي الفلسطينين ثم الاستيلاء عليها والبدء في بناية المستوطنات ولكن عندما يحاول الفلسطينيون أن يستغلوا ذلك القانون لصالحهم لا يسمح لهم الجيش الأسرائيلي دون مبرر, وبهذا عبر تتابع لقطات شيق ومركز يهدم الفيلم من فكرة ديمواقراطية اسرائيل التي تطنطن بها وهو رسالة هامة لا شك نجح الفيلم في توصيلها للمتلقي الغربي والأوربي الذي يشاهد بأم عينه اجحاف الاسرائيلين القانوني والعسكري ضد اصحاب الارض العزل.

ولا يغفل الفيلم عنصر الحياد الأيجابي في التعامل مع وقائع حياته عبر ما سجلته كاميراته الخمس, فعندما يتعرض للاصابة نتيجة الأصطدام بالسور العازل للمستوطنات وتتحطم كاميرته الثالثة, يصطحبه الجيش الأسرائيلي للعلاج في تل ابيب ولكن بعد عودته من هناك يفاجأ لكم هائل من الفواتير الطبية المطلوبة منه لانه ليس مواطن اسرائيلي لديه تأمين صحي ففي مقابل الاحسان عليه بالعلاج هناك المطالبة المادية التي ترهقه وتذله للمال وهو حياد ايجابي في عرض الوقائع فلم ينكر انه عولج في تل ابيب ولكنه ايضا ذكر مطالبته بالمال مقابل العلاج رغم أن السبب في الحادث هو السور العازل المبني فوق ارضه وارض ابائه.

الحل

تتعدد ذرى الصراع في الفيلم بشكل يخلق ايقاع متصاعد ففي كل مرة تكسر احد الكاميرات تبلغ الاحداث ذروتها وفي كل مرة يستشهد شخص امام الكاميرا تتصاعد حدة الانفعال, وكلما كبر جبريل سنة واذداد وعيا بطبيعة الحياة المقبل عليها يتوتر المتلقي ويشعر بالقلق على مستقبل الطفل الصغير وكل من يمثلهم من ابناء الشعب الفلسطيني المحتل, وعندما يصدر قرار من المحكمة الاسرائيلية بهدم الاسلاك الشائكة وارجاع الاراضي للفلسطينين تبلغ دراما المواجهات ذروة جديدة ولكنها تنقلب ضد عماد وقريته فالقرار يتأجل تنفيذه لسنوات ثم ياتي بناء الجدار العازل ليطيح باحلامهم في استعادة اراضيهم المسلوبة وبهذا لا يؤجل عماد ظهور الحل النهائي ولكنه يضع المتلقي أمام السؤال الكوني ( متى وكيف سوف ينتهي هذا الصراع؟)

أن اتخاذ المخرج الوثائقية كموقف جعله يخلص في النهاية إلى ان اهمية المادة الوثائقية ليست في طرح الاجوبة او البحث عن حلول ولكن في القاء السؤال داخل ذهن ونفسية المتلقي وترك صداه يتردد حتى بعد نهاية الفيلم فالوثائقية ليست أن تجيب ولكن أن تسأل وتترك مساحة الاجابة لكل من لديه الشجاعة على المشاهدة والتلقي.

الجزيرة الوثائقية في

29/03/2012

 

المخرج الإماراتي سعيد سالمين:

أفلامنا بحاجة إلى فتح دور عرض سينمائي بالسعودية

مجدي الشاذلي من مسقط:  

قال المخرج الإمارتي الشاب سعيد سالمين، لفاريتي أرابيا، أن حل مشكلات توزيع الفيلم الخليجي يكمن في فتح دور عرض سينمائي بالمملكة العربية السعودية، باعتبارها أكثر دول الخليج العربي سكانا، متمنيا أن يحدث هذا الأمر في أقرب وقت.

وأوضح سالمين الذي يشارك فيلمه "ثوب الشمس" في المسابقة الرسمية لمهرجان مسقط السينمائي الدولي حاليا، أنه لن يتوقف عند إطار المحلية فقط، وإنما يسعى إلى الوصول للعالمية عبر قصص أفلامه التي تناقش قضايا وأفكار عالمية يتم طرحها سينمائيا بصورة محلية. ومن هذا القبيل فيلمه "بنت مريم" الذي حصل على 13 جائزة في مهرجانات دولية.

وأكد ان توفير الدعم للأفلام في الإمارات وبقية دول الخليج، مشيرا إلى توفر الإمكانيات والدعم في كافة مجالات الحياة بالخليج، إلا السينما التي مازال صانعوها يعانون من قلة المساندة سواء من الجهات الرسمية أو مؤسسات القطاع الخاص. مشيرا إلى ضرورة انتاج أفلام خليجية بميزانيات كبيرة لتستطيع المنافسة سواء بالمهرجانات أو في دور العرض.

وعن صعوبات توزيع الفيلم الإمارتي والخليجي عموما، أشار سالمين إلى أن تخوف الموزعين والمنتجين في المنطقة من الخسارة المالية هو أكبر العقبات أمام توزيع الفيلم الخليجي، رغم وجود دور العرض على أعلى المستويات في دولة الإمارات العربية تحديدا، ولكن شركات التوزيع تتعلل للمخرجين الخليجيين بأن أفلامهم "نخبوية" وقد لا تحقق الجماهيرية الكافية في دور العرض.

ويرى المخرج الاماراتي سعيد سالمين أن الفيلم الخليجي مرحب به تماما من الجمهور، وناشد جهات التوزيع بضرورة مساندة الفيلم الخليجي عبر عرضه ولو في دور العرض البسيطة كخطوة أساسية للتواصل مع جمهور السينما في الخليج، ومن ثم خلق تيار مستمر لصناعة السينما في هذه المنطقة.

يذكر أن العرض العالمي الأول لفيلم "ثوب الشمس" الذي يشارك به سالمين في المسابقة الرسمية لمهرجان مسقط السينمائي الدولي للأفلام الطويلة، كان في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي في العام 2010

والفيلم من بطولة حبيب غلوم ، مرعي الحليان ، ونيفين ماضي، ويعالج قصة لإنسانة صماء عاشت في بيئة اعتبرها المخرج بيئة عالمية لكن ضمن غطاء إنساني بمناخ عربي.

فارييتي العربية في

29/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)