حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

بين السماء والأرض

محمد خان

أثناء اشتراكى كعضو فى لجنة التحكيم بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، وبين مشاهداتى أفلام مسابقة الأفلام الطويلة، قبلت دعوة ومغامرة رحلة الطيران بالبالون الهوائى الذى ذكرنى بمشاهد الكوميديان المكسيكى الراحل كانتفلاس مع ديفد نيفين يسابقان الزمن بالبالون فى فيلم «حول العالم فى ٨٠ يوم» (إنتاج ١٩٥٦) عن رواية جول فيرن الشهيرة، وكم بدت مغامرتهما سلسة ومثيرة على الشاشة. أما على أرض الواقع فالمسألة مختلفة بالمرة على الرغم من عنصر الإثارة الذى من الصعب إقصاؤه. كنت أراقب كل صباح من شرفة حجرتى بالفندق سرب البالونات بألوانها المتنوعة تحلق فى السماء تدعونى وتلح علىّ روح المغامرة داخلى أن أخوض التجربة. مغامرتى بدت مع رنين جرس تليفون الحجرة ليوقظنى الرابعة صباحا لأجهز نفسى لموعد الخامسة فى بهو الفندق، والسيارة التى ستقلنى إلى المركب لتبحر بى إلى البر الغربى، ثم سيارة أخرى تقلنى إلى أحد الحقول البعيدة حيث يتجمع عدد من البالونات الهوائية فى حالة تأهب لمغامرة اليوم. ولم أكن على دراية بالجهد والترتيبات اللازمة لكل طلعة بالون التى يتولاها فريق من العمال يتجاوز الأنفار العشرة إلى جانب الكابتن الذى سيقود الرحلة. والسبت المعلق أسفل البالون يحمل نحو ١٥ راكبا إلى جانب الكابتن الذى يعطى تعليماته فى مرحلة الهبوط بالجلوس أسفل السبت، حتى يستقر على الأرض واصفا الهبوط المصرى بالناعم والهبوط الأمريكانى بالوعر. البالون الهوائى مثل بالون الأطفال عبارة عن كيس من المطاط فى شكل كمثرى يُملأ بهواء ساخن أو غاز خفيف لتمكينه من الارتفاع فى الجو لأن الهواء الساخن، أو الغاز الموجود بداخله أخف وزنا، وأقل كثافة من الهواء المحيط بالبالون من الخارج، والبالون ليس له محرك ويعتمد على الرياح فى اتجاهاته ويتحكم الكابتن بمجموعة من الحبال المرتبطة بزعانف أعلى البالون من الداخل تساعده فى تحديد ارتفاعه واتجاهاته. الحقيقة أنه لا مفر من رهبة الرحلة حين تجد نفسك بين السماء والأرض وتحت رحمة غاز يرتفع أو ينخفض بك حسب الكم الذى يضخه الكابتن فى شكل لهيب يرافقه صوت يشبه هبة بابور الجاز البريموس قبل اختراع البوتاجاز. انتهت الرحلة بهبوط مصرى والحمد لله على أرض ملعب ترابى مهجور فى أثناء استدعاء الكابتن بجهاز الإرسال فريقَه والسيارات اللازمة التى كانت تتبعنا على الأرض لتلحق بنا، بينما أطفال القرية يجرون ويلوحون لنا إلى أن استقررنا تماما على الأرض لنعود بعد ذلك إلى حيث أتينا سالمين.

التحرير المصرية في

28/03/2012

 

تغريد من السودان

محمد خان

March 22nd, 2012 9:38 am

كنت أرى المخرجة تغريد السنهورى كل صباح باكر على الإفطار فى أثناء مهرجان دبى السينمائى حين أخبرتنى عن فيلمها التسجيلى «السودان حبيبتنا»، الذى اشتركت به فى قسم مسابقة «المهر العربى للأفلام الوثائقية» فى ديسمير ٢٠١١ وأهدتنى نسخة من الفيلم على أسطوانة رقمية (D.V.D) كى أشاهده فى ما بعد بالقاهرة، خصوصا أنه لم يسعفنى الوقت أن أحضر عرضه العالمى الأول بالمهرجان. الفيلم يوثِّق المصير السياسى للسودان منذ استقلالها عام ١٩٥٦، حتى انفصال الجنوب مطلع ٢٠١١ وسعت تغريد من خلال المقارنة بين الأسلوب السردى الشخصى، وسلسلة من التعليقات الاجتماعية الأوسع نطاقا، لفهم الكيفية التى أدت إلى هذه النتيجة. مع اكتشافى أن تغريد هى المدير الفنى لبرنامج «الشفاء الثقافى» الذى يموِّله الاتحاد الأوروبى، وبعد رؤية الفيلم ورِقَّة معالجتها الإنسانية للأزمة التى لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، دفعنى الحماس أن أرشحه للجنة اختيار مهرجان «الأقصر للسينما الإفريقية الأول» عن طريق المخرج والصديق سعد هنداوى الذى مَثَّل مهرجان الأقصر، والذى دعانى بالنيابة أن أشترك فى لجنة التحكيم حين يُعقد فى فبراير ٢٠١٢. بالتالى سعدتُ باكتشافى فى كتالوج المهرجان عقب وصولى إلى الأقصر وجود الفيلم فى مسابقة الأفلام الطويلة. وشارك حماسى للفيلم شركائى فى لجنة التحكيم كلا من المخرج الموريتانى عبد الرحمن سيساكو والفنانة هند صبرى إلى أن حصل فى النهاية على جائزة لجنة التحكيم بعد منافسة قوية مع فيلم أحمد رشوان العفوى والجميل عن الثورة «مولود فى ٢٥ يناير»، الذى حصل عنه على جائزة أحسن إسهام فنى. أما جائزة النيل الكبرى لأحسن فيلم فحصلت عليها المخرجة الكينية هوا عثمان عن فيلمها الروائى الساحر «فتى الروح». وكان وجود تغريد السنهورى فى المهرجان اكتشافا آخر لى ليلة إعلان الجوائز وصعودها على خشبة المسرح لتتسلم جائزتها، حيث أخبرتنى تغريد بأنها وصلت منذ يومين فقط. فى صباح اليوم التالى آخر أيام المهرجان كان مسؤولو المهرجان يبحثون عن تغريد التى غادرت البلاد دون أن تستلم شيك الثمانية آلاف دولار قيمة جائزتها. فى القاهرة فور وصولى تم اتصالى بتغريد عبر رسالة إلكترونية أذكِّرها بالشيك الذى نسيَته والذى سيرسله إليها المهرجان فى ما بعد. فشعورى بجائزة تغريد كأنها جائزتى يذكِّرنى بمقابلاتنا الصباحية فى دبى والحديث عن صعوبة تنفيذ تجربتها بعد الانفصال فى السودان ثم فيلمها الرقيق الذى عبَّر بصدق وبساطة عن هذه المأساة وحبها الشديد لبلدها.

 

إفريقيا فى الأقصر

محمد خان

March 14th, 2012 9:58 am

فى حفل افتتاح مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية بعد أن تم تكريم مخرجنا داوود عبد السيد وإهداء الدورة الأولى إلى المخرج المصرى الراحل رضوان الكاشف والممثل البوركينى الراحل سوتيجى كويتيه تم عرض فيلم «تيزا» للمخرج الإثيوبى هايلى جريما الذى تم تكريمه فى حفل الختام، حيث أدلى بكلمة قوية عبر بها عن سعادته بعودة مصر إلى إفريقيا، وأنه فى صباه تأثر بنداءات الزعيم جمال عبد الناصر والرئيس الغانى نيكروماه والإمبراطور الإثيوبى هيلاسلاسى ينادون بالوحدة ويد واحدة ضد الاستعمار بكل أشكاله. وقد درس جريما التمثيل والإخراج بالولايات المتحدة حيث تفرغ للتدريس إلى جانب الإخراج. والطريف أن فى اللحظات الأخيرة عقب وصوله إلى الأقصر وقبل حفل الافتتاح رفض اللحاق بالحفل إلى أن تصله حقيبته من المطار التى احتجزت بالخطأ، وإنقاذا للموقف أسرع رئيس المهرجان سيد فؤاد بشراء بدلة وحذاء حتى يقتنع بالظهور بشكل لائق. وتكونت لجنة تحكيم الأفلام الطويلة منى والفنانة هند صبرى والمخرج الموريتانى عبد الرحمن سيساكو والمخرج إدريسا وادراوجو من بوركينا فاسو وأيضا المخرج بلوفو بكوبا كانيدا من الكونجو إلا أن إدريسا وبلوفو لم يتمكنا من الحضور. ما يميز المهرجان هو فرصة لمشاهدة كم من الأفلام الإفريقية تحت سقف واحد من بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار ومالى ونيجيريا وجنوب إفريقيا والسنغال والسودان وكينيا إلى جانب مصر والمغرب وتونس، هذه الفرصة كانت فى الماضى لا تتاح لنا إلا إذا دُعينا إلى مهرجان قرطاج بتونس الذى خصص جزئية ثابتة للسينما الإفريقية أو مهرجان فسباكو فى وجادوجو. من هنا تبدو أهمية مهرجان الأقصر الذى لم يكتف فقط بعرض أفلام القارة الإفريقية بل دعم فكرة التواصل بين عشرين من شباب خمس عشرة دولة إفريقية عن طريق ورشة العمل السينمائى فى مجالات الإخراج والتصوير والسيناريو ليتم إنتاج بضعة أفلام قصيرة تعرض فى الدورة التالية. وكان الفيلم الطويل الفائز بالجائزة الكبرى «فتى الروح» من كينيا للمخرجة هوا عثمان هو ذاته نتاج ورشة عمل.

وقد أحيا المهرجان مدينة الأقصر التى تعانى حاليا من ركود سياحى بهدف التغلب على هذه الأزمة، فاحتضان الأقصر عاصمة مصر القديمة مهرجانا سينمائيا يبعث الروح فى سينما جديدة تجمع شمل سينمائيى القارة من أجل تواصل ثقافى وحضارى وإنسانى نفتقر إليه.

 

ملك وخمسة رؤساء

محمد خان

March 7th, 2012 9:26 am

فى أحد أيام ١٩٥١، وقف الملك فاروق وعروسه ناريمان فى شرفة قصر عابدين المطلة على الميدان ليحيى الجماهير، بينما كنت وأنا فى التاسعة من عمرى أراقب الحدث مع أبى وأمى من سطح العمارة المواجهة فى ضيافة عائلة صديق الطفولة سعيد شيمى، الذى أصبح من كبار مديرى التصوير فى السينما، ولم أستوعب أهمية تلك اللحظة التاريخية والأولى فى حياتى.

ثم قامت ثورة ١٩٥٢، وشاهدت عن قرب اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية وهو فى زيارة لمدرستى «النقراشى النموذجية» بحدائق القبة، حيث كان أحد أبنائه تلميذا بها، ولا أنسى خطواته العسكرية ممسكا بعصاه تحت إبطه.

وأتذكر بعد سنتين صفوفنا أمام المدرسة نحيى الرئيس جمال عبد الناصر مارا بسيارة مكشوفة وبجواره الماريشال تيتو رئيس يوغوسلافيا آنذاك، ونحن نهتف باليوغوسلافى كما حفظوها لنا ونلوح بأعلام البلدين.

الطريف أن مدرس التربية الرياضية وبطل السباحة حينذاك أمين الهنيدى هو الذى كان يشرف على تنظيم صفوفنا، الذى لمع فى ما بعد كأحد كوميديانات المسرح والسينما، وأتذكر مرافقته لجونى وايسمولر، طرزان السينما الهووليودية، فى زيارة لمصر ليقدم استعراض سباحة قفز. الجدير بالذكر هو اختيارى له بعد سنوات عديدة ليؤدى دور سائق أجرة بيجو مع أحمد زكى فى فيلمى «طائر على الطريق».

إلى جانب منصب سكرتير عام الجالية الباكستانية وتجارة استيراد الشاى، شارك والدى أحيانا صديقه السيد/مصطفى كاظم شقيق السيدة تحية كاظم حرم الزعيم عبد الناصر. وكان من البديهى استقبال الجالية مندوبا من الرياسة فى كل احتفالية قومية، فتصادف وجودى فى إحدى المناسبات مع وجود أنور السادات الذى شاء القدر أن أخرج يوم ما «أيام السادات».

فى تلك المرحلة تعرفت على مأمون عبد القيوم تلميذ الأزهر الذى كنا نذهب أسبوعيا إلى السينما معا، ليصبح فى ما بعد رئيسا لجمهورية المالديف.

أما الرئيس المخلوع حسنى مبارك فعقب حضوره عرضا خاصا لفيلم «أيام السادات» علق بعد العرض «أنا كنت فاكر نفسى حأنام بس الفيلم شدنى». بالطبع لم أكن أدرى فى تلك اللحظة أن هناك ثورة شعبية ستقوم فى يوم من الأيام، وأننى سأراه داخل القفص.

 

الأسطورة والواقع

محمد خان

February 29th, 2012 9:54 am

من أيام المدرسة وحصة التعبير الحر وإصرار تلاميذ الفصل «خان يا أستاذ.. خان يا أستاذ» وأنا دايما عندى حكايات أحكيها لهم، ومع مرور السنين والأفلام اللى أخرجتها واللى ما أخرجتهاش، تراكمت الحكايات وزادت مخاطر الوقوع فى فخ عدم التمييز بين الحكاية والنميمة، فتحولت إلى رقيب على حكاياتى. على غرار فيلم كوروساوا الشهير «راشمون» «Rashomon» اللى كل شخصية فيه بتروى نفس الأحداث بس من زاوية تانية، الحكاية المنتشرة عنى مع الفنان والصديق والعزيز الراحل أحمد زكى، التى تصف جريه ورائى بسكين عقب مشادة فى أثناء تصوير «أحلام هند وكاميليا»، أو النسخة الأخرى تدعى أنه كان معاه مسدس. الواقع إن كل ده خيال من رواها أو من رواها له. فبينما كل النسخ تذكر مطاردة، فالحقيقة كانت بلا مطاردات وبلا سكاكين أو مسدسات.

أيضا على غرار الفيلم الويسترن «الرجل الذى أطلق الرصاص على ليبرتى فالانس» «The Man Who Shot Liberty Valance» نجد لى مارفن فى دور الشرير ليبرتى فالانس بلطجى المدينة السريع بإشهار سلاحه يواجهه الصحفى المسالم جيمس ستيوارت من باب الشهامة والشجاعة، بينما صديقه المقاتل الحريف جون وين يراقب المواجهة فى الخفاء.. فحين يصاب الشرير برصاصة المحترف القاتلة يصر الجميع أنها صادرة من مسدس الصحفى. وينتهى الفيلم بالمقولة «إذا كان الاختيار ما بين الأسطورة والواقع.. أنشر الأسطورة». فواقع ما حدث بينى وبين أحمد زكى آخر يوم تصوير دوره فى الفيلم هو تبادلنا التهم والتهديدات، إلى أن فصلوا بيننا قبل أن تتشابك الأيادى، وطبيعى تخاصمنا لمدة طويلة قبل أن يجمعنا فيلم آخر. فعلاقتى بأحمد زكى هى ليست مجرد علاقة مخرج وممثل قدر ما كانت الناقر والنقير بين الإخوة، جمعنا برج العقرب وصفاته المتشابهة مثل التحدى والعناد والعصبية. مثلا حين طلبت من أحمد أن يقفز ويدخل من نافذة حمام، ليكتشف زوجته عايدة رياض مضروبة فى البانيو فى «أحلام هند وكاميليا»، ادعى أحمد أنه لا يستطيع أن يقفز بسبب علو النافذة وصغرها، فتحديته بأنها سهلة وأستطيع تنفيذها بنفسى، فأسرع بالمقابل يتحدانى أن أقوم بالقفزة، وطبعا حاولت وفشلت. مستمتعا بفشلى قفز أحمد بكل سهولة ليدخل من نافذة الحمام. التقينا فى ما بعد فى سفرية تلبية لدعوة معهد العالم العربى بباريس، ووجدنا أنفسنا الوحيدين بجناح الدرجة الأولى بالطائرة وقد احتل كل منا كرسيا بعيدا عن الآخر، إلى أن قررت قتل صمتنا العنيد، وبادرت بالمصالحة وتبادلنا عتاب كل منا للآخر إلى أن عاد الود بيننا تلقائيا.

 

البدلاء

محمد خان

February 22nd, 2012 9:55 am

من قصص الوسط الفنى الشهيرة اختيار نور الشريف بدلا من أحمد زكى فى فيلم «الكرنك» عام ١٩٧٥. ويقال إن هذا التغيير تم تحت ضغط الموزع، خصوصا أن نجم نور الشريف قد بدأ يسطع فى تلك الفترة بعد أن أثار الانتباه والإعجاب فى الحلقات التليفزيونية «القاهرة والناس»، إلا أنه يظل التساؤل: هل فى ذلك التوقيت إذا لم يستبدل أحمد زكى لسطع نجمه كذلك أم لا؟! المهم أن أحمد تألق فى ما بعد فى مسلسل «الأيام» بتجسيده شخصية طه حسين. وأتذكر أول مرة أرى أحمد على الطبيعة وهو يمر أمامى خارجا من مكتب محمود ياسين حيث كنت فى مرحلة اختيار الممثل الذى سيقوم بدور ضابط البوليس فى فيلم «الثأر». وتحمستُ فورا لأحمد وتم الاتصال به وتحديد لقاء فى صباح باكر بـ«جروبى» مصر الجديدة حيث اعتذر عن الدور لارتباطه بمسلسل تليفزيونى من إنتاج محمود ياسين سيتم تصويره فى اليونان. فى أثناء هذا اللقاء تطرقت فى حديثى إلى فكرة فيلم بطله سائق «بيجو» أجرة بين المحافظات. وبينما كانت الفكرة لا تزال وليدة لم ينسها أحمد واتصل بى عقب عودته من الخارج يسأل عن مصير دور سائق «البيجو» ليصبح من نصيبه فى «طائر على الطريق». وظهر أحمد بعد ذلك فى دور مخرج تسجيلى بفيلم خيرى بشارة «العوامة رقم ٧٠» يليه دور ميكانيكى السيارات بفيلم رأفت الميهى «عيون لا تنام»، وبعروض الأفلام الثلاثة فى موسم واحد (١٩٨١- ١٩٨٢) دُفع بأحمد زكى إلى الصفوف الأولى بسرعة فائقة. ومرت الأيام والأفلام ومع كل فيلم كنت لا أرى غير أحمد زكى بطلا له ولكن مع تكاثر ارتبطاته ونجاحاته لم يصبح الأمر سهلا. وكان من الطبيعى حين قررت إنتاج وإخراج «فارس المدينة» أن يكون أحمد زكى بطله، وبالفعل تم التعاقد معه إلا أنه اختفى فى آخر لحظة (طريقة اعتذار كانت تُمارس) قبل التصوير. إنقاذا للموقف عرضت الدور على محمود عبد العزيز الذى وافق لكنه طلب التأجيل لارتباطه بفيلم آخر، إلا أننى تمسكت بموعد التصوير وقررت المجازقة بمنح البطولة لممثل جديد فى بداياته هو محمود حميدة. ووضعت اسم محمود على أفيشات الفيلم بالبنط الكبير فوق عنوان الفيلم مع إضافة كلمة «هو» بينهما فيصبح «محمود حميدة هو فارس المدينة». عقب انتشار الأفيشات فى الشوارع وفى أثناء زيارتى مكتب المنتج حسين القلا علمت أن أحمد زكى فى مقابلة معه فانتظرت بالخارج لأفاجأ بأحمد، الذى علم بوجودى، يطل برأسه من باب المكتب وهو يعلق مازحا بنبرة غيرة ساخرة «بقى.. هوّ.. فارس المدينة؟

 

قهوة بَعْرَة

محمد خان

February 15th, 2012 9:24 am

فى شارع سليمان الحلبى المتفرع من شارع عماد الدين (الشهير بعالم المسرح والطرب فى الأربعينيات) تجد المقهى المعروف فى الوسط السينمائى بـ«قهوة بَعْرَة». هذا المقهى هو ملتقى الصف الثانى فى عالم السينما، يشمل مديرى إنتاج ومساعديهم ومساعدى إخراج خصوصا الكومبارس حيث يقع المقهى قريبا من معظم مكاتب وكلاء الفنانين التى تنظم حشود الكومبارس المطلوبين فى الأفلام والمسلسلات التليفزيونية. ونجد أيضا معظم مكاتب الإنتاج والتوزيع تقع فى ذات المنطقة «وسط البلد». يفسر البعض ذلك التجمع أصلا بسبب ارتباط هذه النشاطات بالمسرح والسينما والموسيقى وأيضا للقرب من محطة القطار حيث تشحن الأفلام لعرضها فى المدن الأخرى والأقاليم. وفى حيز هذا المكان أصبح لقهوة بَعْرَة دورا هاما. فقد أصبح نقطة لقاء وانطلاق فريق عمل معظم الأفلام، وكان تليفون المقهى قبل الموبايلات وسيلة اتصال هامة بين مكاتب الإنتاج والفنيين. بل المدهش أنه كان يوجد هناك من أنقذ العديد من أفلام تعثرت إنتاجيا بتسليفه مديرى الإنتاج ما يكفى لسداد مدفوعات مطلوبة وفورية تأخرت الشركة المنتجة عن توفيرها وهذا حتى لا يتوقف العمل. لذلك لم يكن من الغريب أن نشبِّه «قهوة بَعْرَة» ببورصة السينما. هناك تستطيع أن تتابع حال السينما اقتصاديا، فأخبار ما تم تصويره وما يصوّر حاليا وما يتم إعداده للتصوير مستقبلا، بل من وقّع عقدا على فيلم جديد.. كلها تتداول كنميمة متنقلة من شخص إلى آخر. كذلك إيرادات بعض الأفلام من الممكن أن تجدها بين الهمسات وأكواب الشاى والقهوة ودخان الشيشة. وإذا كان هناك فيلم جديد مع مخرج جديد بدأ تصويره فستسمع تقريرا عن المخرج وتقييمه فنيا وأخلاقيا. وبالمثل الكلام عن النجوم. أساطير نجوم الأمس من زكى رستم إلى رشدى أباظة تتداول الأحاديث عن حسناتهم وسيئاتهم. والقدامى يتحدثون عن نجوم هوليوود أمثال تشارلتون هيستون وبيتى ديفز فى أثناء تصويرهم أفلاما أجنبية فى مصر. وهناك من يقارن التزام هؤلاء واحترامهم العمل بدلع بعض نجومنا الجدد واستهتارهم بأوقات التصوير. فيذكرون مثلا النجم فلان الذى هدد بإيقاف فيلم لأنه طال انتظاره قبل أن يُطلب للتصوير، أو إصرار فلانة على كارافان خاص بها دون مبالاة بالمحنة التى تمر بها الصناعة، ويذكرون أنهم كانوا يوما من الأيام من زبائن «قهوة بَعْرَة».

 

سينما عجوز أم متصابية؟

محمد خان

!February 8th, 2012 9:49 am

إذا طلبنا كشفا بأعمار مخرجى السينما المصرية اليوم لوجدنا شباب الأمس قد تعدوا الستين وشباب اليوم اقتربوا من الأربعين والشباب بحق وحقيقى لا يزال يشق طريقه عبر الفيلم القصير نحو الطويل خلال سينما الديجيتال المستقلة. وضع لا بأس به تثريه خبرة الكبار وطموحات الصغار. أما كشف أعمار نجوم ونجمات سينما اليوم فهو فى حاجة إلى مراجعة دقيقة. فالواقع يؤكد أن المتربعين على أكذوبة نجومية الشباك، الرجال منهم قد اقترب من أو تعدى عمر الخامسة والأربعين، والنساء إن لم يتجاوزن الخامسة والثلاثين فهن على مشارفها ولا داعى للخوض فى أعمار نجوم الأمس الذين لا يزالون على الساحة، فقد تخلوا عن أدوار طلاب الجامعات. أعتقد أن أكذوبة نجم أو نجمة شباك -واليوم بالذات- هى أساسا سياسة توزيع، وما يؤيد هذه النظرية هو تخبط أرقام الإيرادات المعلنة من منتجى وموزعى الأفلام، كل منهم يحمى مكانة نجم فيلمه. الواقع أن الضحية الكبرى فى هذا السباق المزيف هى الأفلام ذاتها، التى تواصل تقديم ما لا يمس واقعنا بصدق أو مشكلات شباب اليوم الذى يمثل غالبية الجمهور الفعلى للسينما. النتيجة إما أفلام متصابية وإما عجوزة. وحتى محاولات البعض اللجوء إلى نجوم الغناء من الشباب مستغلين نجاحهم فى بورصة الكاسيت لم تعوض حاجة السينما إلى التغيير والتجديد. ولو تجاهلنا هذا النقص واكتفينا فقط بأمل حرية التعبير فهل ستؤدى إلى أفلام ذات موضوعات أكثر جرأة أو على الأقل أكثر طموحا؟ أشك فى ذلك ما دام أصحاب المال من محتكرى الإنتاج والتوزيع لم يتطوروا بعد. فهم ذاتهم وراء استمرارية سينما سائدة إن لم تكن سطحية لا تخاطب عقول ووجدان المشاهد قدر ما تداعبه باللا معقول، أو تكتفى بإثارة غرائزه سواء عن طريق العنف أو الجنس المقنعين بما يسمونه بالسينما النظيفة. أتمنى من الموقعين منهم على بيان «جبهة الإبداع المصرى» أن يسهموا فى تغيير جلد الصناعة. فإيمانى الشخصى بطموحات شباب سينمائى شاهدت أفلامهم القصيرة عن طريق مدارس وورش ومهرجانات سينمائية يؤكد لى أنه سيكون لهم مكان فى سينما الغد، فطموحاتهم لا تنحصر فقط فى جرأة تناولهم القصة أو الحدث الذى يقدمونه، ولكن أيضا تناولهم لأساليب سرد متنوعة ومبتكرة أحيانا، إلى جانب الوجوه العديدة والجديدة التى تظهر فى هذه الأفلام وتبشر بمستقبل زاهر. فإذا لم تمد الصناعة أيديها لهم فعليهم التكاتف معا وفرض وجودهم تدريجيا لأنهم الأمل الحقيقى للنهضة بسينما عجوز واستعادة شبابها.

 

مهرجانات شتوية

محمد خان

February 1st, 2012 9:50 am

أول مهرجان شتوى أحضره كان فى مثل هذه الأيام، مهرجان برلين السينمائى فى فبراير ١٩٨٤، حيث عُرض فيلم «الحريف»، بقسم بانوراما البحر الأبيض المتوسط. ربما رنين كلمات بانوراما وبحر أبيض أشعلت بعض الدفء فى خيالى وأنا أخطو كل يوم خطوات ثقيلة وحذرة بين الفندق وصالة العرض على الرغم من المسافة القصيرة بينهما. فالمشوار الصغير كان ضد ريح قاس وسقيع لا يعرف الرحمة واحتمالات التزحلق على رصيف قد تجمد على سطحه ندى الفجر. الأمل كان دائما فى الأفلام التى سأشاهدها لعلها تذيب هذا السقيع الداخلى.

والذكريات تعيدنى إلى شتاء آخر فى نوفمبر ١٩٩٧، حين لم يتوقع أحد ما حدث فى الأقصر. فحجم الجريمة المروع أثار غضب الرأى العام محليا وعالميا، حين أصبح الإرهاب مادة إخبارية ملحة لشبكات التليفزيون الدولية. فإلى جانب الصدمة التى تلقتها السياحة فى مصر فقد امتد تأثير الفجيعة ليهدد حدثا ثقافيا بحتا فى سويسرا، البلد الذى عانى أكبر عدد من الضحايا فى هجوم الأقصر. لذلك لم أندهش حينما أخبرنى مكتب الإعلام المصرى فى جينيفا قبل سفرى بأربع وعشرين ساعة أن حفل افتتاح أسبوع الفيلم المصرى والتكريم الخاص بأفلامى قد تم إلغاؤه احتراما للشعور العام بسويسرا. وعلى نفس الطائرة المصرية التى أقلتنى إلى جينيفا كان وزير الخارجية عمرو موسى فى طريقه إلى زيورخ لحضور حفل تأبين الضحايا السويسريين. شتاء سويسرا قاس ومدينتها جينيفا، مدينة المال والحسابات السرية، تعودت أن تخاصم الشمس فى الشتاء، لذلك كنت أتساءل: هل الجمهور سيأتى من أجل مشاهدة أفلامنا أم هروبا من برد الشوارع القارس؟ فى ليلة افتتاح أسبوع الأفلام اكتفيت بإلقاء كلمة أعبر بها عن أسف الشعب المصرى والفنانين المصريين بشكل خاص عن تلك الفجيعة التى صدمتنا جميعا، وفى هذا المناخ وعلى امتداد عشرين يوما تم عرض ١٢ فيلما مصريا (٧ منها أفلامى) فى عروض متفرقة بإقبال من الممكن تقييمه بنسبة ٦٠٪، وكنت أشعر كما لو كانت مجموعة الأفلام تقوم بعمل دبلوماسى لإقناع الجمهور السويسرى المجروح بأن فى الفن إنسانية لا يمكن تغافلها وشخصيات هذه الأفلام تؤكد ذلك بصراعاتها، سواء أحلام هند وكاميليا أو الهجرة فى فيلم خيرى بشارة «أمريكا شيكا بيكا» أو عالم إبراهيم أصلان فى فيلم داوود عبد السيد «الكيت كات»، (وقد حضر داوود وخيرى)، والثورة من أجل العدالة فى فيلم شريف عرفة «الإرهاب والكباب»، وغيرهم من الشخصيات والأفلام. فالسينما تستطيع، إن شاءت، أن تداوى الجروح، وأن تذيب الثلوج وتدفئ القلوب.

 

العروض الخاصة

محمد خان

January 25th, 2012 9:14 am

كثيرا ما أعتذر عن حضور العرض الخاص لفيلم مصرى جديد. فكونى من العاملين فى الصناعة يضعنى دائما فى مأزق الرأى الصادق. فغالبا هذه العروض يغلب عليها روح المجاملات وهذا شىء طبيعى، خصوصا كمدعو واجب علىّ تهنئة صاحب الدعوة والفيلم مهما كان رأيى الشخصى نحو فيلمه الذى شاهدته توا. ولا أضع تهنئتى هذه تحت بند النفاق بل الذوق. لكن حينما تهاجمك كاميرات القنوات التليفزيونية مباشرة فور خروجك من قاعة العرض بالسؤال الحرج «رأيك إيه فى الفيلم؟». أقارن اللحظة مثل اقترابى بالسيارة بمطب فى الشارع علىّ أن أتفاديه أو التهدئة إذا لمحته أو تحمل صدمته إذا لم ألمحه. فى الحالتين علىّ قيادة الحوار بحذر دون كشف رأيى الحقيقى خصوصا إذا كان سلبيا أو تجنب الرد المباشر بالتطرق إلى حال السينما عموما والحاجة دائما إلى دعم الصناعة بأفلام مهما كانت قيمتها. أما إذا كان حماسى للفيلم إيجابيا فأنا الذى أبحث عن الكاميرا لأدلى لها برأيى.

أتذكر فى زيارة إلى هوليوود، قلب صناعة السينما الأمريكية. دعيت مع بعض المعارف إلى عرض خاص لفيلم جديد. ومثلما يحدث مع طلبة معهد السينما عندما يتجمعون لمشاهدة أفلامهم. يصفقون ويهللون كلما ظهر اسم أحدهم على الشاشة.

هذا ما حدث تماما فى العرض الخاص للفيلم الروائى بحضور صناعه وأصدقائهم. بعد انتهاء العرض أسرع الجميع يباركون ويشيدون ويهنئون العاملين بالفيلم من ضمنهم من كنت معهم. إلا أن الرأى تغير ٣٦٠ درجة ونحن فى طريقنا إلى موقف السيارات، فلهجة المديح تحولت إلى نقد لاسع وقاس نحو الفيلم وصناعه. هذا هو النفاق على أصوله.

والموقف يزداد حرجا عند رؤية فيلم لصديق ينتظر منك الصراحة. وقد حدث معى فى مرة عقب مشاهدة فيلم لصديق أن عاتبته فور انتهاء العرض على العمل ككل ونحن فى طريقنا إلى الاحتفال بالفيلم. وكان رده «يا أخى كنت تستنى لبعد الحفلة».. الحقيقة أننى أعجبت بالفيلم بعد مشاهدتى له مرة أخرى بعد عدة سنوات واعترفت له بذلك. أما بالنسبة إلى مواجهة كاميرات التليفزيون فقد تعلمت وشعرت بمسؤولية الرأى العلنى الذى يجب أن يحمى الصناعة ذاتها. مما يذكرنى بالصديق والناقد الراحل سامى السلامونى الذى انتهج مبدأ حماية الصناعة إما فى إفصاح رأيه النقدى الإيجابى فى أسرع وقت، وإما تأجيل رأيه إذا كان سلبيا إلى ما بعد عرض الفيلم جماهيريا.

التحرير المصرية في

25/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)