حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أمريكي بطل فيلم صيني لأول مرة

تحولات الصين تظهر في هونغ كونغ

محمد رُضا

هناك ثقافة جديدة في الصين تنعكس في الكثير مما تم إنتاجه سينمائياً في السنوات العشر الأخيرة، أي منذ توسّعت الصين في تطبيق مبدأ الحفاظ على النظام الشيوعي من ناحية وتزويجه بالنظام الاقتصادي الرأسمالي من ناحية أخرى . إنها رأسمالية بلون أحمر تناولتها السينما الصينية، على الأخص، من وجهات نظر مختلفة فمن أفلام تحدّثت عن انهيار مبادئ العالم القديم، كما حال “حياة جامدة” لزانغ كاجيا، أو انهارت هي بدورها تبعاً للمتغيّرات، كما حال أفلام زانغ ييمو وتشن كايغي اللذين تركا وراءهما أفلام القضايا المصنوعة لجمهور يقدّر المضامين المشغولة بقدر عالٍ من الفن وإما في تنافس ملحوظ على أفلام نينجا وكونغ فو وفنون قتال بائدة . سمّها إذا شئت “أفلام الحبال” كون أبطالها يطيرون عموديا وأفقياً في الفضاء مربوطين بحبال خاصّة ترفعهم وتتّجه بهم حيثما ينص ترتيب المشهد .

هذه الثقافة الجديدة معروضة في مهرجان هونغ كونغ السادس والثلاثين الذي بدأ أعماله الأربعاء الماضي . إنه مهرجان دولي بنصيب كبير من الأفلام الممثلة لدول شرق آسيا، وهي الصين وهونغ كونغ وكوريا واليابان وتايلاند وتايوان أساساً . وفيلم الافتتاح هو أول فيلم يعكس ما يحصل اليوم في حياة الجيل الجديد من الصينيين تبعاً للمتغيّرات التي أحدثتها السياسة . في “الحب هو خديعة” يتناول بانغ هو-تشيونغ مسألة الهجرة المعاكسة التي تجري الآن . في سابق العهد، كانت هونغ كونغ محط طموح العديد من الصينيين الذين ينشدون الحريّة الفكرية والمعيشية والاقتصادية التي مثّلتها هونغ كونغ . بعد ضم الجزيرة إلى الصين قبل خمس عشرة سنة أو نحوها، يتحدّث الصينيون عن كيف بدأ مؤخراً نزوح الشبّان من هونغ كونغ إلى بكين وسواها بحثاً عن فرص العمل الأكثر تحقيقاً للثراء .

إنه تغيير كبير معبّر عنه عن شخصيّتين (شاب وفتاة) تقدمان على هذه الخطوة وتندمجان في مشروع يحتّم عليهما الانتقال من وضع حياتي إلى آخر . مثله في رصد المتحوّلات نجد فيلم المخرج جوني تو (وهو من هونغ كونغ أساساً لكنه يعمل في الصين منذ عدّة سنوات) “الحياة بلا مبادئ” يعمد إلى شرح العلاقات القائمة اليوم ضمن العائلة من ناحية ومن خلال علاقة الفرد بالمؤسسات الإدارية والعقارية والمصرفية من ناحية أخرى، وكيف أن التغييرات التي حدثت ولا تزال تحدث في كل من الصين وهونغ كونغ تجيء على حساب تقاليد وعلاقات ومبادئ كانت من المقدّسات إلى يوم غير بعيد . والدائرة تتّسع بقيام أفلام غير صينية بالحديث عن المواضيع ذاتها . أحد الأفلام المنتظرة هنا هو “بطاقات من حديقة الحيوان” . على عكس “الحياة بلا مبادئ” الذي يحوي قدراً كبيراً من الحوارات لدرجة الثرثرة، فإن هذا الفيلم الذي أخرجه إدوين (يكتفي باسم واحد) يبدأ ثلث ساعته الأولى بصمت تام، وبطلته لا تتحدّث كثيراً بعد ذلك . وإن تحدّثت فعن تجربتها حين كانت تعمل في حديقة الحيوانات وحبّها للزرافة على وجه التحديد من بين الحيوانات الأخرى . فيلم إدوين معتدل الجودة في أفضل حالاته وأقل من ذلك إذا ما فصلنا بين النيّة والنتائج الفعلية، لكن ذلك لن يمنع المهرجان من توجيه جائزة خاصّة (ومبكرة) للمخرج اسمها “جائزة الموهبة الشابة” .

السينما اليابانية متمثّلة في عدد من الأعمال الجديدة لكنها لافتة في فيلمين تسجيليين لهما علاقة بمأساة الزلزال الذي ضرب اليابان قبل نحو عام كامل وهما “أمّة نووية” و”فوكوشيما: مذكرات أرض مفقودة” وكلاهما يهتمّان برصد الكارثة وتأثيرها في البيئة والسكّان .

بالعودة إلى الصين، نجد أن الفيلم الجديد لأحد أساطينها السابقين، زانغ ييمو، وعنوانه “زهور الحرب” لا يعدو سوى تلك الأعمال الهروبية المتوالية على الشاشات الكبيرة في الصين . إنه الفيلم الأول في تاريخ السينما الصينية الذي يستعين بممثل أمريكي لدور بطولة (كرستيان بيل) وهذه الحقيقة وحدها قيّضت له نجاحاً تجارياً كبيراً . أما على الصعيد الفني فلم تمنح تلك الاستعانة الفيلم أي فوائد .

سينما العالم

عودة مخرج لم ينل حقّه

ينطلق المخرج الأمريكي برايان دي بالما في تصوير فيلم جديد اختار له عنوان “عاطفة” وأسند بطولته إلى راتشل ماكأدامز وناوومي راباس ودومونيك كوبر . وهو ليس فيلماً أمريكيا الا من حيث هويّة المخرج وبعض الممثلين والفنيين، فالإنتاج ألماني فرنسي والقائم عليه هو المنتج العربي الأصل سعيد بن سعيد الذي أنتج فيلم رومان بولانسكي الأخير “مجزرة” . والمنتج حقق نحو خمسة عشر فيلماً حتى الآن بعضها مع بعض كبار الأسماء مثل “جريمة حب” لألان كورنيو و”راكبة القطار” لأندريه تاشيني .

اللافت فعلاً عودة المخرج من معتزل لم يكن يتوقّعه . يقول لهذا الناقد حين التقى به في مهرجان “تورنتو” العام الماضي: “حين كنت أوالي تحقيق الأفلام عاماً بعد عام، كان من الرومانسية أن أمنّي نفسي بالوصول إلى هذه السن وأنا أوالي صنع الأفلام . الآن أعرف أكثر بقليل مما كنت أعرفه سابقاً، ومن بين ما أعرفه هو أن لا شيء مضموناً في هذه الحياة” .

سألته إذا ما كان تحقيقه فيلم “إعادة صياغة”، الذي أخرجه منتقداً فيه التدخل الأمريكي العراق سبباً لابتعاده، فهو أنجز ذلك الفيلم سنة 2007 وغاب من بعدها، أجاب: “لا . ليست هناك مقاطعة بسبب الفيلم، لكن هناك عدم اكتراث لأن الفيلم لم ينجز أي نجاح جماهيري . وسواء كان الفيلم سياسياً ونقدياً للمؤسسة العسكرية، أو مجرّد قصّة حب تقع أحداثها في نيويورك أو دالاس، فإن ما لا ينجح لا يستدعي إعادة تشغيل . المخرج الذي لا يحقق مالاً لا تحتاج إليه هوليوود بل تنصرف عنه” .

كان من الصعب تصوّر أن مخرجاً بقيمة هذا الفنان الذي انطلق من مطلع السبعينات من القرن العشرين وشق طريقه واحداً من أنشط وأفضل أترابه، أمثال فرنسيس فورد كوبولا ومارتن سكورسيزي وجورج لوكاس وودي ألن، قد يصل إلى مرحلة لا تكترث فيها هوليوود إذا ما عمل أو لم يعمل .

مثل مخرجي تلك الفترة، بدأ دي بالما بصنع أفلام قصيرة صاغها تبعاً لحبّه الكبير للسينما . وما لبث أن انتقل للسينما الروائية الطويلة محققاً بضعة أفلام صغيرة الطموحات أخذت تترك بصماتها على مهنته بالتدريج . وكان مثيراً للاهتمام، ولا يزال، كيف أن النجاح الحقيقي الأول، التي تمثّل بالفيلم التشويقي “شقيقتان” (1973) هو الذي حمل بصمته الأساسية، تلك التي صحبت كل أعماله التالية من “شبح الأوبرا” و”هوس” و”كاري” في السبعينات، إلى أفلام أكثر تعقيداً وأكبر إنتاجاً في الثمانينات ومنها “الوجه المشطوب” و”الشرفاء” و”خسائر حرب” . في التسعينات داوم مسيرته بنجاح أيضاً فحقق “طريقة كارليتو” والجزء الأول من “مهمّة مستحيلة” . في العقد الأول من القرن الحالي انحسر هذا النشاط فإذا به ينجز ثلاثة أفلام فقط هي “أنثى قاضية” (من إنتاج طارق بن عمّار) و”الداليا السوداء” و”إعادة صياغة” الذي هو من بين أهم ما تم تحقيقه عن تصرّف الجنود الأمريكيين في العراق .

أوراق ومَشاهد

يسكونتي يهز السينما

 “الأرض تهتز” فيلم حققه الإيطالي لوكينو يسكونتي سنة 1948 وفاز بجائزة خاصّة من مهرجان فينيسيا آنذاك . وأكثر ما يواجهنا الفيلم به إذ نراه اليوم هو تأثيره في حقبة السينما الواقعية الجديدة . تلك السينما أنجبت كذلك روبرتو روسيلليني وفيتوريو دي سيكا . يسكونتي كان مختلف النشأة في الأساس، فهو جاء من عائلة أرستقراطية تماماً (هو كونت منطقة لوناتو بوتزولو) من أعمال مقاطعة ميلانو، واعتنق الماركسية ومثّل النقيضين في السينما، فأسلوبه محمّل بالثقافة الفنية (مسرح وسينما وموسيقا ورسم) ونظرته ماركسية . لكن “الأرض تهتز”، الذي كان ثاني أعماله ورد في الفترة التي سبقت أعماله الأشهر ومنها “موت في فينيسيا” و”الملعونون” و”الفهد”، بالتالي فإن احتفاءه بالثقافة الارستقراطية المذكورة ليس وارداً هنا . ما هو وارد تلك الدرجة العالية من الواقعية التي ضمّنها هذا الفيلم . فالحكاية تدور حول صيّادي السمك في بلدة صقلية صغيرة (اسمها أسي تريزا) والأسلوب أشبه برصد تسجيلي لا تأليف فيه على الرغم من أن المخرج استوحى المادّة من رواية جيوفاني فرغا وهذه نُشرت سنة ،1881 والممثلون المستعان بهم هم من غير المحترفين وبعضهم لم يقف أمام الكاميرا من قبل أو من بعد .

إنه حكاية الصياد أنطونيو فالاسترو العائد من الحرب العالمية الثانية الذي يجد أن أهل قريته واقعون في شباك مجموعة الوسطاء الذين يشترون الأسماك بأبخس الأسعار ويبيعونها للتجار وأصحاب المحال بأسعار مرتفعة محققين أرباحاً هي أضعاف تلك التي يحققها الصيادون أنفسهم . يدعو أنطونيو الصيادين للوحدة دفاعاً عن مصالحهم . هذا يبدو أقرب من أفلام الخمسينات من القرن العشرين التي دارت على أرصفة بورسعيد أو الإسكندرية، ليس بين الصيّادين وأصحاب المراكب فقط بل أحياناً بين عمّال المرافئ وأصحاب العمل مع صورة فريد شوقي أو رشدي أباظة في البال وهو يخاطب البحارة داعياً لهم التصدّي للمستغلّين .

في فيلم يسكونتي النصر ليس حليفاً مضموناً، وبذلك، وعلى الرغم من دكانة هذا الواقع، هو أكثر واقعية وأمضى رسالة، فرغبة أنطونيو في تحقيق إنجاز نوعي لحياته وحياة الصيّادين تندثر تحت أعباء الوضع الاقتصادي في زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة .

يسكونتي يقترب من الحياة قدر المستطاع ويعاملها بكاميرا تشارك الحياة والإيقاع بحركتها وبأضوائها، فإذا بالفيلم معبّر فني عن حياة القاع من دون تزييف . لاحقاً، انتقل المخرج إلى أسلوب مختلف، لكنه لم يفقد قدرته على الإدهاش وإنجاز القيمة من وراء الفيلم بصرف النظر عن أسلوب معالجته .

م .ر

merci4404@earthlink.net

الخليج الإماراتية في

25/03/2012

 

جديد ستيفن دلداري

«صاخب جداً وقريـــب للغاية».. 11 سبتمبر والروايـــة الموازية

زياد عبدالله 

فيلم Extremely Loud & Incredibly Close «صاخب جداً وقريب للغاية»، المعروض حالياً في دور العرض المحلية، يدفعنا بداية إلى التقديم له بالقول إن أفضل ما يمكن القيام به سينمائياً حيال حدث تاريخي لامس شعباً بأكمله لا بل العالم بأجمعه، هو سرد قصة إنسان في خضم ذلك الحدث، مع التأكيد أن هذه الحقيقة على شيء من البديهيات، كون الفن أي فن ينبني أولاً وأخيراً حول الإنسان، أو البشر من لحم ودم ومصائرهم، وعليه فإن السينما ومثلها الرواية تقدم ما يعرف بالرواية الموازية للحدث، أي مصائر البشر، بما يجعل الفن في الوقت نفسه الأداة الوحيدة لتحويل الإنسان من مجرد رقم في نشرات الأخبار إلى إنسان من لحم ودم، يأكل ويشرب ويحب ويكره وما إلى هنالك، وحينها فقط يمس الحدث التاريخي (حرب، نزاع، كارثة طبيعية) الإنساني.

مخرج «صاخب جداً وقريب للغاية» ستيفن دلداري متخصص في ذلك، وله دائماً أن يتكئ على عمل أدبي ليساعده في تقديم الرواية الموازية، فجديده لن يكون في النهاية إلا عن أحداث 11 من سبتمبر، والقول إن هذا الحدث وما تبعه من أحداث كثيرة مثل غزو أفغانستان، ومن ثم العراق، وغير ذلك من «انقسام العالم إلى فسطاطين»، كما قال أسامة بن لادن، أمر لا يعني الفيلم، ولا يعنينا أيضاً حين نكون أمام فيلم روائي منحاز على الدوام إلى الخيال، خصوصاً أننا جميعاً نعرف ذلك، وقد دفعنا ذلك لأن نتسمر أمام نشرات الأخبار، لا بل إن مشهد اصطدام الطائرات في برجي التجارة العالميين الذي لا يفارق شاشات التلفزة منذ أكثر من 11 سنة، ليس إلا متسبباً لمأساة شخصية، بمعنى أننا سنتعرف إلى مصير أوسكار حين يفقد والده الذي كان في واحد من البرجين.

قبل المضي مع ما يقدمه هذا الفيلم، نعرج على سينما دلداري، للقول إنه دائماً يقدم فيلماً جميلاً، ودائماً يستند على الحكاية أولاً وأخيراً، بحيث يشكل السيناريو المعبر الأساس نحو ما يمسك دلداري به بحنكة، والنتيجة دائماً فيلماً يروي قصة جميلة تقول ما تقول، بالتحالف مع تقطيع مونتاجي متناغم وحبكة الفيلم، دون أن يتعدى الأمر ذلك، تشاهد فيلمه وتقول إنه فيلم جميل بعيداً عن أية مقترحات سينمائية جديدة.

توضيح ذلك ضروري لئلا يحمّل دلداري ما لا يحتمله، ولعل «صاخب جداً وقريب للغاية» على اتصال بآخر أفلامه أي «القارئ»، كون هذا الأخير يروي قصة جميلة ومبنية بحنكة على اتصال بحدث تاريخي أيضاً، ألا وهو «الهولوكست» أو «المحرقة اليهودية»، لكن من دون أن يخوض غمار الاستعادة التاريخية لذلك، بل من خلال في علاقة حب بين شاب في الـ15 من عمره وامرأة على مشارف الـ40 إن اللحظة المنفلتة من القواعد والمحرمات، واختلاط الأمومة بالطفولة، وتجاور كل ما للأنوثة بالذكورة ووفق ما تمليه حساسية خاصة جداً.

ففيلم «القارئ» يبدأ بفلاش باك مع رالف فينس الذي جسد شخصية مايكل في الكبر، وليعود إلى ما كان عليه في مراهقته، إذ يجسد شخصيته مايكل كروس الذي سيغرق في قصة حب تنشب في مصادفة عجيبة، تقوده إلى الانغماس في حب هانا (كيت وينسلت)، وتحول علاقته مع هذه المرأة الغامضة إلى كل حياته، كل ما يتوق لأن يعيشه، دون أن ينشغل بأي شيء آخر من اهتمامات من حوله إلا القراءة، والتي تتحول إلى فعل يسبق الحب بين مايكل وهانا، فعلى مايكل في كل مرة يزور فيها هانا أن يقرأ عليها رواية، وعليها تتحول حياة مايكل إلى الحب والقراءة، إلا أن تختفي فجأة من حياته، آخذة معها كل غموضها الذي سرعان ما يهاجم حياته مجدداً وقد صار طالباً في كلية الحقوق.

انعطافة الفيلم ستأتي من كون الأحداث التي نشهدها قادمة من ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومعاودة ظهور هانا في حياة مايكل سيكون من باب «الهولوكوست» الواسع القادر على تمرير كل الأفلام، فمع قيام مايكل برفقة زملائه في كلية الحقوق بمتابعة ملابسات محاكمة لمسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في «أوشفيتس» تظهر هانا مجـدداً قادمـة مـن ماضيها القريب، وقد كانت من عناصر المخابرات الألمانية «إس إس».

أعود التأكيد على رهان دلداري الدائم على الحكاية التي يحملها السيناريو، ولعل الفعل التشويقي يكون على الدوام مبنياً وفق خيال أدبي سابق للسينمائي، ويمكن تعميم ذلك على أولى أفلامه «بيلي إيليوت»، و«ساعات»، وصولاً إلى فيلمنا الذي نتناوله هنا.

يدور فيلم «صاخب جداً وقريب للغاية» حول أوسكار شايل «توماس هورن»، ويحافظ دلداري على شخصيته الروائية، بوصفه يلتقي مع أوسكار غونتر غراس في«طبل الصفيح»، لكن أوسكار في الفيلم ليس قزماً، بل هو فتى في العاشرة من عمره، ويقرع على الدوام بدل الطبل دفاً في أحياء نيويورك.

أوسكار مخترع صغير، حاد الذكاء، محاط برعاية والده (توم هانكس) الذي يرعى هواياته وتطلعاته واكتشافاته. انهيار برجي التجارة العالميين سيكون نقطة الانعطاف الدرامية في الفيلم، ونحن نشهد انهيار حياة أوسكار كون والده سيكون في إحداهما، وهنا سيمضي الفيلم في خطين متوازيين، الأول يعتمد تلقي أوسكار نبأ وفاة والده وخيالاته لما حدث لوالده أنثاء الهجوم، والذي يكتمل مع نهاية الفيلم بعد تتبعنا للرسائل التي يتركها الأب على الهاتف قبل أن ينهار البرج، التي يسمعها جميعاً أوسكار ولا يقوى على الإجابة عنها، خصوصاً تلك التي تقول «هل أنت هنا!» لتتكرر كـ«لازمة».

بينما يتمحور الخط الثاني حول ما سيصنعه أوسكار للتغلب على مرارة موت والده، بالاعتماد على لغز يلمله أوسكار بعثوره على مزهرية بداخلها ظرف صغير فيه مفتاح وقد كتب عليه «بلاك»، إضافة لقصاصة جريدة تكون في جيب بنطال والده وضع خطاً فيها تحت عبارة «تابع البحث»، وليقوم أوسكار بشيء جنوني، ألا وهو تجميع عناوين كل مَن كُنيته «بلاك» في نيويورك، وعلى طريقته الخاصة المدهشة، والقيام بزيارتهم مشياً على الأقدام وتجريب المفتاح على أبوابهم.

مأساة أوسكار الشخصية تبقى شخصية في مسارها الظاهري، لكنها مع تنقلات أوسكار وحركيته المدهشة سرعان ما تمسي ملفاً ضخماً عن العذاب الإنساني، فمع مأساته يجمع مآسي كثيرة، فهو يقوم بزيارة 472 شخصاً ويلتقط لهم الصور ويوثق قصصهم في دفتره، إلى أن يكتشف لغز المفتاح، ولينتهي بالأرجوحة، التي سينفذ من خلالها ما أوصاه والده به، ألا وهو أن يقوم من دون مساعدة أحد بالتأرجح بها، والإطباق على شعور الحرية الذي تمنحه إياه، كما قد رأينا الأب يقول لأوسكار منتصف الفيلم.

الإمارات اليوم في

25/03/2012

 

«جماليات الفيلم»..نصفه هرطقة سينمائية

زياد عبدالله 

يستدعي كتاب «جماليات الفيلم» الصادر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ـ مشروع «كلمة» 2011 ـ التوقف مطولاً أمام ما يقدمه الكتاب، وما يخفى عنا تماماً في ترجمته العربية، والذي لم يكن إلا مكسباً للمكتبة العربية، لكن بما يسيء لهذا المكسب إن تعلق الأمر بالمشكلات الجمة التي تواجه النسخـة العربيـة، والتي لا تعترف بنجاحات لا بأس بها تحققت على صعيد ترجمة المصطلحات السينمائية إلى العربية، ولتبدو عميلة القراءة ـ وللأسف ـ فعلاً عبثياً في أول فصلين من الكتاب، بينما تتحـول القراءة إلى أمـر ممكن في الفصـول الثلاثة الأخيرة.

يتضمن الكتاب الأنيق بغلافه الأسود والأحمر، وقد حمل لقطة لأنيتا ايكبرغ ومارشيلو ماستروياني من فيلم فيلليني «الحياة حلوة»، بحثاً سينمائياً مميزاً لأربعة متخصصين سينمائيين فرنسيين هم: جاك أومون، وآلان برغالا، وميشال ماري، ومارك فيرني، وهو من ترجمة الدكتور المتخصص بعلم الاجتماع ماهر تريمش ومراجعة الدكتورة هناء صبحي، ولعلي وطيلة قراءاتي الكتاب كانت متعتي وفائدتي أيضاً في محاولة تفسير ما أقرأ بناء على نبش كل ما احتكم عليه من معرفة سينمائية للخلوص إلى معاني الكلمات، وتحديداً في فصلي الكتاب «الفيلم تمثلاً مرئياً وصوتيا» و«المونتاج»، وسأدلل على ذلك كمثال بسيط على ذلك من خلال المقطع التالي:

«الدخول المتعدد في المجال والخروج المتعدد من المجال الذي يحدث في معظم الأحيان من الحافات الجانبية للإطار، والذي يمكن أن يحدث من فوق ومن تحت، وحتى من أمام المجال ومن خلفه. هذا ما يبين، إلى ذلك، أن خارج المجال ليس مقتصراً على جنبات المجال، بل يستطيع أن يتركز محورياً، في العمق بالنسبة إليه ثم، شتى الاستدعاءات المباشرة لخارج المجال من قبل عنصر من المجال والذي عادة ما يكون شخصية ما..».

هذا المقطع يشرح الحيز اللا مرئي في الصورة، والإطار هو الكادر ويبدو أن المجال أيضاً هو الكادر، الأمر الذي يبقى معلقاً، ويبقى السؤال لكي نفهم هل الكادر هو نفسه الإطار والمجال أم أن المجال هو تكوين الصورة أو الحيز البصري للقطة؟ وفي مسار متصل تحدث اجتهادات في الترجمة لا نعرف من أين تهبط علينا ولا توضح بشرح بسيط حتى تأخذ شيئاً من المشروعية السينمائية، مثل الحركة «اللجافية» للكاميرا أو «المداري اللجافي»، والمقصود بهما الكاميرا المحمولة على حامل يتحرك إن لم أكن مخطئاً كون شرح المصطلحين يزيد الأمر تعقيداً في الكتاب، كذلك الأمر بالنسبة لـ «المداري» المقصود به ««الحركة الأفقية».

ما تقدم يبدأ من الدخول الأول لعالم الكتاب، وإشكالية الترجمة أنها لا علاقة لها بتقنيات السينما لا من قريب ولا من بعيد، فعلى سبيل المثال، فإن «اللفافة» هي «الشريط»، وقد كنت أظن بداية أن «اللفافة» هي الشريط الخام في محاولتي تأويل المصطلح العجيب، لكن سرعان ما يستخدم في الكتاب «الشريط الخام» بوصفه «لفافات الصور وأشرطة الصوت»، وصولاً إلى تسمية «الفيلم الناطق» بـ«الفيلم الصوتي»، هذه أمثلة سريعة لما له أن يكون هرطقة سينمائية إن صح الوصف، الأمر الذي سيؤثر في صياغة الجملة في الكتاب والغرق بالركاكة.

في الفصول الثلاثة التالية لما تقدم سيخف منسوب تلك الهرطقة، وسيبدو النص أكثر تماسكاً ووضوحاً، والسبب هو انتقالنا إلى المجال النظري من السينما، ففي الفصل الثالث المعنون «السينما والسرد» سنمضي مع رحلة السينما نحو البحث عن مشروعيتها الفنية والتخلص من اعتقاد الأخوين لوميير أن السينما «ابتكار لا مستقبل له»، ولقاء السينما مع السرد الذي دفعها لتخطي هذا الاعتقاد، بينما يأت الفصل الرابع بإشكالية سينمائية كبرى تتمثل بعلاقة السينما باللغة، وتشريح مصطلح اللغة السينمائية والأسلوبية السينمائية، وصولاً إلى «الفيلم ومشاهده» والتنقل بين البحوث النفسية على المشاهد وفعل المشاهدة.

يبقى ختاماً التأكيد أن أزمة الترجمة مازالت قائمة في ما يتعلق بالسينما والنقد السينمائي، خصوصاً إن تعلق الامر بمفاهيم ومصطلحات تقنية، من دون أن ننكر في الوقت نفسه أن جهوداً كبيرة بذلت في هذا الخصوص على مدى الـ40 سنة الماضية تجدر أن تكون متضمنة ومكملة في هذا الكتاب.

الإمارات اليوم في

25/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)