حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"الأيدي في الجيوب":

بدايات سينما التمرد والغضب

أمير العمري

في إطار بحثي وتنقيبي واستعادتي للأفلام القديمة- المتجددة دوما، التي ساهمت في تكويني وتكوين أبناء جيلي من عشاق السينما في "عصر السينما"، توقفت أمام نموذج اعتبر وقت ظهوره بمثابة إعلان عن موجة جديدة في السينما الإيطالية، تتجاوز ما حققه جيل الواقعية الجديدة، لا تكتفي بالتعبير عن مشاكل الواقع الاجتماعي والسياسي، بل تميل أكثر، إلى رفض الواقع والتمرد عليه وإدانته.

هذا النموذج هو فيلم "الأيدي في الجيوب" Fists in the Pocket أول أفلام المخرج الإيطالي ماركو بيللوكيو Marco Belloccio أخرجه عام 1964. وقد جاء هذا الفيلم إلى مصر للمرة الأولى في إطار أسبوع الفيلم الإيطالي" الذي أقيم في دار  سينما رمسيس

كان هذا الفيلم، وهو أول أفلام مخرجه ماركو بيللوكيو Bellichio (الذي ينطق اسمه بالإيطالية- بينوكيو) فتحا جديدا. ويعتبره الكثير من النقاد مع فيلم "قبل الثورة، أول أفلام المخرج برناردو برتولوتشي، بداية "موجة جديدة" في السينما الإيطالية، أو تيار جديد من الأفلام يمكن وصفه بـ"تيار ما بعد الواقعية الجديدة".. واقعية روسيلليني ودي سيكا وزافاتيني وفيسكونتي وغيرهم.

كان "الأيدي في الجيوب" (ترجمة العنوان حرفيا هي "يدان في الجيب" وهو تعبير معناه البرود واللامبالاة) قطعا مع الماضي، ومدخلا جديد للإطلال على إيطاليا- منتصف الستينيات، بكل ما كانت تشهده من تفاعلات اجتماعية وسياسية.

غير أن "الأيدي في الجيوب" لم يكن فيلما سياسيا من تلك الأفلام التي ستأتي بعد قليل، لكي تحفر تيارا خاصا في السينما الإيطالية، بل كانت جوانب الجدة والتميز فيه تتجسد في قدرة مخرجه الشاب (25 سنة) على التعبير عن تلك الحالة من عدم التحدد، من انعدام الرؤية، من الغضب الكامن تحت السطح الذي سينفجر في عموم إيطاليا مع نهاية الستينيات في شكل موجات من الاحتجاجات والغضب والتمرد على كل القيم الاجتماعية السائدة، وظهور جماعات هائلة من الفوضويين الذين صرحوا برفضهم للدولة، وأعلنوا الحرب عليها.

إنه يعبر، مجازا، عن حالة الاضطراب الاجتماعي وغياب اليقين الفكري، من خلال فكرة "الأسرة" المشروخة، أي غير السوية، التي تكمن في داخلها عوامل انهيارها.

إنها أسرة من الطبقة الوسطى، تقيم في منزل في منطقة ريفية نائية، فوق ربوة جبلية وعرة، ويبدو المنزل من الداخل بأثاثه العتيق، كأنه لم يعرف لمسات الحداثة بعد، وتتكون الأسرة من الأم، وهي امرأة عمياء، فقدت السيطرة على أبنائها: الأكبر أوجوستو الذي يعمل في المدينة ويرتبط بعلاقة حب مع فتاة تدعى لوسيا، أمنيته أن يغادر المنزل الكئيب ويتزوج من لوسيا ويعيش معها في المدينة، ولكنه مربوط بالأسرة بحكم اعتماد الأم عليه وعلى ما يأتي به من دخل مادي، بل إن الأسرة كلها تبدو في الحقيقة، معتمدة عليه: إنه بهذا المعنى، الرمز البطريركي.. الذي لا يمكن أن يبدأ أحد تناول الطعام على المائدة قبل أن يتفضل هو بالجلوس أولا. وهناك شقيقان لأوجوستو هما الشقيق الأصغر "ليوني" وهو مصاب بالصرع وشبه متخلف عقليا، و"أليساندرو" الذي يتعرض أيضا بين وقت وآخر، لنوبات من الصرع، وأخيرا هناك الشقيقة "جوليا" التي تبدو طفولية أي غير ناضجة تماما رغم أنوثتها الواضحة، بل إن الفيلم يشير أيضا إلى وجود علاقة خاصة تربطها باليساندرو، علاقة يدخل فيها التلامس الجسدي، حتى ولو على مستوى صبياني.

الأجواء بين الأشقاء والأم متوترة، فالأم تفرض هذا النمط من الحياة على الجميع لاحتياجها المادي إلى أوجوستو، والصبي "ليوني" يعتبر أيضا بمثابة عالة على الجميع، والفتاة تستمتع بمراقبة ما يجري، والجميع يتبادل الاهانات والتعليقات المخزية على مائدة الطعام لكنهم يتظاهرون بالانضباط. جو كئيب يحلق على ذلك المنزل الذي يبدو أنه يقوم على الزيف.

تنمو في ذهن أليساندرو فكرة تشده، يعتقد أنها من الممكن أن تحقق السعادة للجميع، فيها قدر يعكس الرغبة في التمرد على الوضع الراهن، كما أن فيها ما يشي أيضا بادعاء امتلاك قدرات خاصة يثبت بها لنفسه أنه أفضل مما يعتقد الجميع، وأنه يتمتع بالذكاء والفطنة. هذه الخطة تتلخص ببساطة، في قتل جميع أفراد أسرته. وقد توصل إلى هذه الفكرة بعد أن فشل في ترويع شقيقه الأكبر بفكرته عن الانتحار، فقد كتب رسالة يفترض أنه سيتركها خلفه بعد أن ينتحر تقع بالفعل في يد أوجوستو الذي يسخر منه ومن فكرته الحمقاء، ويحرق بالتالي المفاجأة أو الصدمة التي أراد ادخارها للأسرة. ويتراجع ليوني عن الفكرة ويتجه لتبني فكرة التصفية التدريجية لأفراد الأسرة واحدا واحدا. ويبدأ أولا بقتل أمه العمياء عندما يدفعها لتسقط من أعلى ربوة جبلية. ثم يقوم بإغراق شقيقه الأصغر في البانيو. وبهذا يتصور أنه يتيح الفرصة لأن يحقق أوجوستو أحلامه في الزواج والتحرر من قيد الأسرة، ويأخذ بالتباهي بما فعله أمام شقيقته "جوليا" التي تبدو منجذبة إليه. ويكشف الحوار الذي يدور بينهما عن نوع الجنون الذي يسيطر عليهما. وقد أعجبني بوجه خاص ذلك المشهد الذي يعقب وفاة الأم، والاستعداد لدفنها.

يدور المشهد في حجرة الجلوس في منزل الأسرة. جثمان الأم يرقد في النعش المسجى على الأرض. اثنتان من الراهبات يرتلن الصلوات. أليساندرو يطلب منهن المغادرة بقوله" إنها ربما تكون الفرصة الأخيرة لكي يختلي بشقيقته". تسأله جوليا: لماذا صرفتهن؟ تتابعه الكاميرا إلى أن يجلس. يقول لها: لا لشيء. تقول: أنت دائما تود أن تبدو مهما. ينظر إليها نظرة ذات مغزى، فيها نوع من عدم الشعور بالارتياح، لكنها نظرة باردة كالثلج. ينهض ببطء، تتابعه الكاميرا في تحركه داخل الفضاء الضيق الخانق للغرفة التي تزدحم بقطع الأثاث، إلى أن يجلس في مقعد قريب من النعش. ننتقل إلى لقطة للجزء الأسفل من جسده. يمد إحدى ساقيه ويضعها فوق حافة النعش الذي يمكننا رؤية جثمان الأم يرقد داخله بوضوح. وننتقل إلى لقطة أخرى من زاوية مختلفة، حيث نرى كلا من ألسياندرو وجوليا يفصل بينهما ستار أبيض. أليساندرو إلى اليمين، وجوليا إلى اليسار، وصورة معلقة للأم في الخلفية على اليمين. يسأل شقيقته ببساطة بينما لايزال يمد قدمه فوق النعش: هل حزنتِ لموتها؟ ترد قائلة: ياله من سؤال! يعود ليسألها: هل أنتِ على ما يرام؟ تقول: لا أعرف.. الأمور مختلطة في ذهني.. هناك الكثير من الأفكار.. أليس الأمر كذلك معك أيضا؟ يجيبها: بالطبع.. إنها فرصة عظيمة.. يجب أن ينتهزها الجميع. الكاميرا لاتزال مركزة على وجه الفتاة (في لقطة قريبة، كلوز اب) بينما يأتي صوته من خارج الصورة.

أليساندرو: الم تلاحظي كيف كان أوجوستو يساعد بهمة؟

جوليا: ماذا يدور في رأسك؟

أليساندرو (من خارج الصورة بينما تنظر هي إلى الأرض): هل من الضروري أن تسألي هذا السؤال؟ أنا بركان من الأفكار.

تنهض جوليا من مقعدها في لقطة قريبة، وتقف، تتحرك ثم ننتقل عن طريق القطع إلى جثمان الأم في النعش ونرى صليبا كبيرا فوق صدرها.

أليساندرو يقفز فوق النعش إلى الجهة الأخرى. يجلس متحفزا. يركع.. يرفع ذراعيه أمامه ويتطلع إلى شقيقته التي تتساءل: هل أنت مجنون؟

في لقطة متوسطة نرى أليساندرو يجلس على يمين الكادر، وجوليا على اليسار، وبينهما النعش الأسود والستائر البيضاء في الخلفية مسدلة من الجهات الثلاث: اليمين واليسار والخلف. الضوء الساطع المنعكس على الستائر البيضاء يتناقض بصورة صارخة مع اللون الأسود القاتم لملابس الفتاة والشاب والنعش.

يواصل أليساندرو حديثه عن أوجوستو: ربما يريد أن يتزوج الآن وينتقل إلى المدينة؟ تنبهه هي في لقطة متوسطة تجمعهما معا بدون النعش (في الخلفية أزهار وورود) إلى أن أوجستو هو الذي يعطي الأوامر هنا، لكنه يقول لها إنه لم يعد يخضع لسلطته الآن. نعود إلى اللقطة السابقة حيث نرى الاثنين على الناحيتين يفصل بينهما النعش. يسخر هو من شقيقته بقوله" هل رأيتِ كيف كان يتبادل النظرات مع لوسيا وكأنهما لا يريان شيئا.. ألا ترين أنه يستغل فرصة وفاة ماما؟ تنهره جوليا بقولها: ولم لا يفعل؟ كل من لديه خطط سيفعل. أنت ..أليس لديك خطط؟ إنه سيستفيد لأنه الوحيد الذي يملك خططا.

يصمت أليساندرو ثم يقول: دعيني أوضح الأمور. هل تعتقدين أن موت ماما كان حادثا؟

تنظر إليه طويلا وتصمت في استنكار ولكنها تتطلع إلى سماع المزيد. يقول ببساطة: لقد قتلتها بيدي هاتين (لقطة لرأس الأم في النعش).. رغم خوفي.. إنني أجازف بالسجن مدى الحياة من أجل مصلحة الأسرة.

تحاول أن توقفه عن الحديث لكنه يواصل: لكنه مثل أي لص، فجأة يصبح الأخ الأكبر، ويُحضر لوسيا لكي تعد له القهوة.. وسوف يخرج بالثروة التي صنعتها أنا بعقلي الصغير الذي لا تثقين به (يرتفع صوته لدرجة الصراخ).. لقد خططت لكل شيء..

يزداد انفعاله وهو يقول: رأسي تؤلمني. ساعديني ياجوليا.. رأسي..

جوليا تنهض وتمسك رأسه بفزع ثم تحتضنه وتقبله وتطلب منه الصمت (سيسمعونا).

هذا المشهد الذي يعد من أطول مشاهد الفيلم، يجسد ملامح أسلوب بيللوكيو وطريقته في التعبير عما يكمن تحت السطح: تكوين اللقطات، الميزانسين، الاهتمام بالخلفية، التناقض في الإضاءة، استخدامه الجيد للتناقض بين الأبيض والأسود، الحوار الموحي المقتصد، الأداء التمثيلي الذي يتم التحكم فيه بدقة في اللقطات القريبة، المونتاج الذكي الذي يعرف أين ينتقل من لقطة إلى أخرى، وبحيث يخلق إيقاعا خاصا طبيعيا للمشهد، دون أن نلحظ أي قفزات في الانتقال من حجم إلى آخر، لكننا نرى تأثير الانتقال.

في مشهد آخر هو مشهد الحفل، يصطحب أوجوستو أليساندرو إلى حفل مع مجموعة من أصدقائه الشباب بينهم بالطبع خطيبته "لوسيا". الجميع يرقصون رقصة التشاتشاتشا الشهيرة في الستينيات.. بنات وشباب.. لكن أليساندرو ينتحي جانبا، يجلس في مكان منعزل لا يشاركهم الرقص.. يراقب في صمت من بعيد.. يتناول قرصا ضد الصداع.. الكاميرا تدور حول رأسه إلى أن نرى وجهه كاملا.. أوجوستو ينظر إليه.. لوسيا تتطلع ناحيته.. نراه في النهاية ينهض ويرقص وحده ثم يمضي إلى الخارج ونظراته تشع كراهية وحقدا ضد الجميع. إنه يرفضهم ويرفض الاندماج معهم بأي شكل

تحدث برتولوتشي ذات مرة عن الفرق بينه وبين بيللوكيو فقال "كان ماركو يدرس السينما في معهد السينما بروما، بينما درست أنا السينما مع بازوليني عندما كان يصور فيلمه الأول "أكاتوني". لقد قابلت ماركو عدة مرات، لكننا كنا مختلفين. أنا ولدت في بارما Parma، وهي مدينة تتميز بالجمال الشديد والرونق والأناقة في المعمار، بينما ولد هو ونشأ في مدينة بيتشينسا Petchinsa وهي مدينة صعبة. والمسافة بين المدينتين 50- 60 كيلومترا. وكان فيلمي الأول نوعا من السيرة الذاتية عن البورجوازي الصغير، ابن الطبقة الوسطى المتمرد، وكان يعكس جمال مدينة بارما. أما "الأيدي في الجيوب" فكان يروي قصة تجسد نموذجا مصغرا (ميكروكوزم) للمجتمع المحافظ: منطقة محاطة بالضباب، مليئة بالمطر، وعلى حين يمثل الإبن الأكبر للعائلة فكرة الامثتال للتقاليد، يعكس أليساندرو فكرة التمرد من خلال التدمير. وكان لوكاستيل، الممثل الذي أدى الدور، يذكرني بأدائه بمارلون براندو وهو شاب، أيام أن ظهر في فيلم "عربة اسمها الرغبة" (1951). ولم يكن الفيلم سياسيا لكنه كان يعكس رفض الطبقة من خلال رفض العائلة".

يجب أن أذكر أيضا أنني دهشت كثيرا عندما اكتشفت أن لوكاستيل  Lou Castel الذي برع كثيرا في أداء دور أليساندرو المعقد، ليس ممثلا إيطاليا بل هو أصلا من كولومبيا بأمريكا اللاتينية، وقد درس التمثيل لفترة قصيرة في معهد السينما بروما إلا أنه طرد من المعهد ليعمل في أدوار صغيرة منها دور في فيلم "الفهد" الشهير لفيسكونتي قبل أن يحصل على دور البطولة في "الأيدي في الجيوب" بعد أن رفض مغني إيطالي شهير القيام به نزولا على نصيحة من والده. ونحن نشاهد تمثيل لوكاستيل لكن الصوت في الحقيقة ليس صوته، فقد استخدم الدوبلاج الإيطالي الشهير لتركيب صوت ممثل آخر. واقترض المخرج ماركو بيللوكيو بعض المال من أسرته لكي يخرج الفيلم وقام بتصويره في منزل تمتلكه عائلته حيث قضى سنوات طفولته. كان هذا في عصر السينما بالطبع!

الجزيرة الوثائقية في

21/03/2012

 

"ثورة" مهرجان تطوان المتوسطي

أحمد بوغابة 

إلتحق مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط في دورته الثامنة عشرة بميادين التحرير خاصة وأن تلك الثورات كلها حصلت في الرقعة الجغرافية التي يتحرك فيها وهي منطقة حوض المتوسط، سواء في الأقطار العربية (تونس، ليبيا، مصر، سوريا) أو في الأقطار الأوروبية المطلة على بحر الأبيض التي عرفت ساحاتها العمومية الرئيسة تجمعات احتجاجية جماهيرية فاعلة  (إسبانيا، إيطاليا، اليونان وأيضا في تركيا من الجانب الكردي). وعليه، فإن مهرجان تطوان، الذي واكب السينما المتوسطية منذ أزيد من ربع قرن في تحولاتها الفنية والإبداعية، أراد أيضا أن يشاركها هذه السنة في المعطى التاريخي الجديد وقراءته له، لذا عمل على استقطاب الموجة الجديدة من الأفلام التي تناولت هذه الثورات المُنجزة من لدن المخرجين العرب أنفسهم أو من الأوروبيين. جل هذه الأفلام هي وثائقية. وبالتالي ستكون هذه الفقرة من أكثر الفقرات قوة المهرجان بسبب ما ستستقطبه، بالتأكيد، من اهتمام والمتابعة لكون الأغلبية من الساكنة تريد أن تفهم ما جرى ويجري؟ وكيف حصل ذلك؟ والاتجاهات التي تحولت إليها؟ ولماذا يهتم العالم ببحرنا ليتدخل هناك؟ ويتباطأ هنالك؟ ويتواطأ مع أكثر من جهة؟. فهل ستجيب السينما على ما يشغل بال المواطن البسيط؟

ثورة السينما: في المجتمع والتقنية

تنطلق الدورة 18 لمهرجان سينما المتوسط يوم السبت 24 مارس لتختتم يوم 31 من نفس الشهر ببرنامج كالعادة يغرف من مختلف المكونات السينمائية لحوض المتوسط، بأفلام طويلة وقصيرة وكذا الأفلام الوثائقية، منها من تخضع للمسابقة وأخرى في فقرات موازية ضمن تكريم السينمائيين والسينمائيات، أو كنظرات على سينما في ذاتها، فضلا عن اللقاءات اليومية لمناقشتها إلى جانب الندوة المركزية حيث سيركز المهرجان هذه السنة على "ثورة" تقنية وفي ذات الوقت هي فنية التي خلخلت السينما في عمقها. لكننا نحن مازلنا بعيدين عن مواكبتها في أقطار جنوب البحر الأبيض المتوسط.

"ثورة" لم نلتحق بها ولم نبدأ بعد حتى في استعارتها على الأقل. إنها "ثورة" أخرى إذن ببعد فني سيناقشها المهرجان في صباح اليوم الثاني من انعقاده تخص "السينما في العصر الرقمي" المُنظمة بتعاون مع الخزانة السينمائية بباريس. وتشكل حاليا "الثورة الرقمية" مقياسا لتحديد تطور السينما في بلد ما. ولا يتعلق الأمر فقط بالتصوير وآلاته، بل تلك "الثورة" تتبعها سلسلة متكاملة في صيرورة السينما بما فيها العروض بالقاعات السينمائية، التي تحولت بدورها إلى الرقمي، فساهمت في حل كثير من المشاكل بما فيها إرسال الأفلام والتوصل بها حيث تتم العملية الآن عبر الأقمار الاصطناعية إلى جميع الأقطار المُجهزة بتقنية الرقمي الحديث على طريقة البث التلفزيوني بدرجة عالية من الجودة في الصورة والصوت. ووصلت الدقة العلمية إلى حدود معرفة الموزع الموجود على بعد آلاف الكيلومترات، وعدد العروض لفيلم ما في قاعة معينة، لأن ذلك ارتبط أيضا تقنيا بالحاسوب الذي يخبر بكل عرض على حدة دون أن يتنقل الموزع أو صاحب الفيلم إلى عين المكان، أو إرسال من يقوم مقامه، لأن التقنية العصرية - لما بعد الحداثة - تضبط تفاصيل التعامل بدقة في غاية الدقة العلمية (أليس الحروب التي نتابعها الآن تتم بأجهزة متحكمة عن بعد بمسافات طويلة؟؟؟). وقد سبق لي الحديث عن الموضوع في نص سابق نُشر لي بمجلة موقع الجزيرة الوثائقية حول "موت الشريط" معتمدا على مرجع لكتاب صدر بنفس العنوان في مطلع الألفية الثالثة، عند بداية انتشار السينما الرقمية في عدد من الأقطار المتقدمة تقنيا في مجال السينما.

إعادة الاعتبار السينمائي لتطوان

كما ينظم المهرجان مائدتين مستديرتين، الأولى ستكون محلية محضة، إذ اختارت إدارة المهرجان أن تتجول في المدينة التي تحتضن  المهرجان (تطوان) ونواحيها بقراءة "صورة" هذه المدينة في السينما وكيف تم تناولها وتصويرها. ومن المقرر أن تجمع حولها سينمائيون صوروها أو صوروا فيها – حسب الرؤية السينمائية – أو "اقتنوا" فضاءها لزمن ما. وقد تم الإعلان على الأسماء التالية: فوزي بن السعيدي ومحمد نظيف ومحمد الطريبق وكذا إبن المدينة المخرج محمد إسماعيل بمشاركة بعض النقاد وهم أحمد الفتوح وإدريس الجعيدي ومحمد الشويكة. يُلاحظ إذن الغياب الكلي للأجانب، الذين سبق لهم تصوير أفلامهم بالمدينة ونواحيها، من هذا النقاش الذي كان بالإمكان أن يساهم في تطوير المشهد. لهذا السبب قلت بأن هذه الندوة محلية محضة بمعنى "مغربية – مغربية" وواضحة من عنوانها: "صورة مدينة تطوان ونواحيها في السينما المغربية" بينما العنوان باللغة الفرنسية الذي اختاره المنظمون هو "مدينة تطوان متوسطية بامتياز". 

وهذه الالتفاتة نحو المدينة بمناسبة الدورة الثامنة عشرة (18)، وهي سنة النضج، مست أيضا أحد أبناء المدينة ونواحيها المخرج محمد إسماعيل، الذي يشارك في الندوة طبعا، وسيحظى بالتكريم وفي ذات الوقت افتتاح المهرجان بفيلمه الجديد "الزمان العاقر"، وهو أول عرض له. كما أن الممثلة الرئيسية في الفيلم، الفنانة فرح الفاسي، هي أيضا من المدينة. و تم تصوير الفيلم أيضا بالمدينة لتكتمل الصورة عند انطلاق المهرجان ليكون الافتتاح "تطوانيا" بامتياز.

وفي نفس الإطار، ضمن الاهتمام هذه السنة بالمدينة وفنانيها وفضاءاتها السينمائية، فقد تضمنت فقرة الفيلم الوثائقي فيلما وثائقيا قصيرا يشارك في المسابقة الرسمية بعنوان "الهارب" للمخرج علي الصافي والذي تتبع فيه مسار أحد السياسيين المغاربة، الذي كان ينتمي لليسار الراديكالي، وهو إبن مدينة تطوان، السيد عبد العزيز الطريبق، الذي قضى أزيد من 14 سنة في الاعتقال السياسي، وقبلها سنوات في السرية التامة داخل الوطن. سيُعرض هو أيضا لأول مرة في المغرب. تناوُلٌ ذكي للمخرج الذي جمع في فيلمه بين السياسة في تلك الفترة كما كان يمارسها شباب لم يتجاوز أغلبهم سن المراهقة في مواجهة سياسة رسمية قوية، وفي ذات الوقت النبش في التاريخ الموازي، دون إغفال الفنون خاصة السينما ومجموعة ناس الغيوان، بكل ما تحمل من وعي ساذج بغد أفضل حيث جعل رابطها الأساسي هو بالضبط السيد عبد العزيز الطريبق من خلال حكي هذا الأخير عن معاناته السرية بمدينة الدار البيضاء في أوائل السبعينات

ولا بأس أيضا أن نغمز بهده المناسبة للسيد أحمد حسني مدير المهرجان الذي سيحتفل بعيد ميلاده عند افتتاح المهرجان (24 مارس)  لنهنئه، خاصة وأنه ارتبط بهذه التظاهرة منذ انطلاقها صحبة رفيق دربه السيد إدريس سكايكة أحد معالم المدينة

سوريا في الربيع السينمائي

أما المائدة الثانية فستدور حول "بوادر الربيع في السينما العربية" وهو الموضوع الذي أصبحنا نلتقي به ومعه في كل تظاهرة رحلنا إليها، ليس في الأقطار العربية فحسب بل حتى الأوروبية. وهي ظاهرة تستحق أيضا معالجة خاصة من لدن علماء الاجتماع، بمعنى دراسة هذه المواكبة المكثفة للربيع العربي وكأن الجميع قد فقد أمله في المجتمعات العربية وعلى أن قدرها هو الخنوع فكانت المفاجأة التي صدمت الكثيرين.

وبهذه المناسبة يحيي المهرجان السينما السورية وربما سيعرض بعض الأفلام. كانت هذه السينما حاضرة دائما في المهرجان بأفلام جيدة ومستقلة، يتجاوب معها الجمهور أكثر من الأفلام المصرية. إطلالة على سينما وأفلام ومخرجين مروا من تطوان.  

يتضمن المهرجان كعادته فقرات كثيرة ومتنوعة تمتد طيلة اليوم في عدد من القاعات السينمائية أو التابعة للمعاهد الثقافية فضلا عن المدرسة العليا للفنون الجميلة التي تتحول إلى نقطة إلتقاء للمهرجان. عروض أفلام، تكريم خمس أسماء سينمائية من ممثلين ومخرجين،

ويشارك المهرجان أيضا في برنامج " 14,4 كلم" الذي يسعى للتعاون والتبادل السينمائي بين ضفتي حوض البحر الأبيض المتوسط بعرض أربعة أفلام يجمعها الإنتاج المشترك بإعطائها فرصة العرض والمشاهدة وهي: "حتى المطر" (إسبانيا/فرنسا) و"قداش تحبني" (الجزائر/المغرب) و"كل يوم عيد" (لبنان/فرنسا/ألماني) و"مشاريع للغد" (إسبانيا). وتُقام هذه العروض بالاشتراك مع الخزانة السينمائية بطنجة  ومعهد ثيرفانتيس بطنجة وتطوان حيث ستُعرض الأفلام فيها أيضا. ونشير إلى أن "14,4 كلم" هي المسافة الفاصلة بين القارتين الإفريقية والأوروبية عند مضيق جبل طارق، بين طنجة في المغرب وطريفة في إسبانيا، إنها أقرب مسافة في حوض المتوسط

الجزيرة الوثائقية في

21/03/2012

 

يوميات النساء الوحيدات

طاهر علوان 

امرأة ومكان ، علاقة تتشكل لترسم ملامح علاقة اشكالية يشكل المجتمع عنصرا فاعلا فيها ...امرأة تحاول ان تتأقلم مع المكان الذي يحمل معه اسباب بقائها هي ولكنها تفيق على ذلك المكان وقد بدأ يتغير ويتحول في تحولات مضطردة لاتقيم وزنا كثير لرؤيتها ووعيها وكينونتها .لعله جدل سيستمر في كل مجتمع عن ذلك الوجود والكينونة لأمرأة تحاول ان تجد لنفسها مكان ومكانة تنشدها وتسعى اليها . وهنا تحضر الوثيقة السينمائية من خلال تلك النظرة البانورامية في رسم وتأطير صورة المرأة في ذلك المكان المتحول الذي تلاحقه الأزمات خاصة تلك التي تتعلق بمفاهيم الأفراد وطرق عيشهم .

واقعيا انها الأزمات التي ظلت تحف بالمرأة في كل مجتمع وظلت قاسما مشتركا لهموم النساء في كل مكان تقريبا ولجميع المستويات والطبقات والفئات الأجتماعية .

وستبرز هنا انماط العيش وحقوق النساء وواقعهن وطموحاتهن واهدافهن وهي تسير قدما نحو التحقق او الموت فثم اهداف تسير الى غاياتها واهداف لن تجد لها فرصة لأن تولد ولا ان تتحقق .

هذه العلاقة الأشكالية يقدمها فيلم " 21 يوما قبل نوروز" للمخرجة الكندية ميشيل ماما وقد ذهبت الى واقع وحياة ومجتمع المرأة الكردية اليوم في كردستان العراق ، صورة المرأة الكردية التي واكبت الأنفصال شبه الكامل للأقليم عن البلد الأم العراق ابتداءا من العام 1991 رافقه وعي جديد بالذات والهوية يتذبذب صعودا وهبوطا بين الأنتماء لوطن اكبر هو العراق وبين الأنتماء للقومية فحسب .

وسط هذا يرث المجتمع الكردي تبعات الصراع العسكري واجواء الحروب التي شهدها العراق وخاصة ابان الحرب العراقية الأيرانية (1980-1988) ومارافقها من استخدام للسلاح الكيمياوي في ضرب بلدة (حلبجة) الكردية الحدودية المحاذية لأيران .

يبدأ الفيلم من ذكرى تأبين الضحايا وزيارة المدينة المنكوبة ومن خلال وجهات نظر النساء اللائي فقدن اعزاءهن في تلك الحرب المشؤومة ، الكل يروي قصصا عن القصف الكيماوي وصولا الى عرض متحف حلبجة وهو سجن كان يجري فيه تعذيب السجناء آنذاك.

من هذه الخلفية التي قدمت صورة شريحة نساء كرديات تأثرن بالحروب والصراعات سننتقل مباشرة الى يوميات المحامية (رزوى) ، هذه المحامية النشيطة المثقلة بهموم النساء في اقليم كردستان وحيث ترتفع نسبة النساء المنتحرات الى اعلى نسبة من بين كل محافظات العراق وحيث جرائم الشرف مازالت عرفا سائدا وحيث اعتبارات المجتمع العشائري مازالت  فاعلة بقوة في رسم حياة ومصير ومستقبل النساء هناك .

القصص المتتابعة للنساء هناك لاعلاقة لها بكل ذلك الماضي بل بحاضر يعلن الفيلم منذ البداية انه حاضر ومستقبل غامض ...فحقوق المرأة مازالت موضع اخذ ورد وجدل وسجال ...ومازالت النساء ضحايا العنف يشكلن ظاهرة بارزة وخطيرة في المجتمع الكردي  وحتى ظاهرة ختان الأناث التي تجد لها مكانا ولو على نطاق ضيق .

سجن النساء ميدان آخر لذلك الوضع المأزوم الذي تقصده رزوى لتؤكد حقيقة تلك الأزمة ،تلتقي نماذج من ضحايا العنف : المرأة الملاحقة باتهامات بالشرف من طرف زوجها واخوانها واعمامها الذي ينتظرون الأمساك بها لقتلها تضعها الحكومة المحلية في سجن للنساء بقصد حمايتها منهم ومن الموت الذي يتربص بها فيما هي لاتوقف عن ذرف الدموع على ابنائها الذين لاستطيع ولن تراهم مادامت ملاحقة بالقتل.

ظاهرة احراق الذات مأساة اخرى تتكرر وتقدم رزوى نموذجا من نماذج الضحايا ، فتاة شابة اخرى تقدم  على حرق نفسها ولكن يتم انقاذها بصعوبة بالغة لتبقى آثار الحروق على كل جسدها وقد تشوه وجهها وعنقها وصدرها.

يعرض الفيلم لصور متداخلة اذ تظهر صورة اخرى لحياة متحضرة ممثلة في الجامعات ومنها الجامعة الأمريكية في السليمانية حيث يتحدث المدرسون الأمريكان عن واقع التعليم وعن الفتيات الشابات اللائي يقومون بتدريسهن  وعن نبوغ بعضهن وهن  يتحدثن الأنجليزية يطلاقة ويتحدثن  عن حياتهن واحلامهن لتعلن اولئك الفتيات الطموحات في الأخير انه بالرغم من كل التطور السائد الذي بدأ بالظهور في الأقليم الا ان العلاقة بين الرجل والمرأة هناك كانت وماتزال تشكل معضلة اجتماعية فالأختلاط مازال محدودا والتضييق على حرية المرأة في الحياة مازال ظاهرة سائدة .

وعودا الى صورة المرأة في الحياة اليومية من خلال  رزوى المحامية الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة الكردية ضد العنف والأستلاب وضد جرائم الشرف تتلقى يوميا العديد من القصص المأساوية عن حياة اولئك النسوة  المعنفات والضحايا .

ومع رزوى وهي تعيش حياتها المعتادة مع زوجها الطبيب وابنتها ،وكلهم يعيشون في شقة ضيقة اعطتها لهم ادارة المستشفى التي يعمل فيها الزوج وهي تعيش يومياتها محافظة على اناقتها ومظهرها العصري ولكنها لاتتوقف من الشكوى من اوضاع النساء ومعاناتهن واستلاب حقوقهن من طرف الرجال المستبدين في عائلاتهن ولذلك تنخرط في نشاط فعال لمخاطبة السلطات لمساندة حقوق المرأة وايجاد التشريعات اللازمة التي تمنحهن الحق في حياة طبيعية آمنة ومتوازنة .

نتنقل فيما بعد  مابين مدن (حلبجة) ثم (السليمانية ) ثم ( اريبل ) وحيث تعيش رزوى في اربيل عاصمة اقيلم كردستان ونتنقل معها في شوارع المدينة وساحاتها ومحلاتها التجارية وانماط الحياة فيها وكلها توحي بحياة متفتحة وعصرية الا ان ظلالا قاتمة مازالت تلقى على وجود وحياة المرأة الكردية هناك.

ومع تراكم المشكلات التي تتصدى لها رزوى وزياراتها المتكررة لسجن النساء لمتابعة قضايا النساء السجينات وبعضهن لسن بسحينات بل وفرت لهن السلطات ملاذا آمنا في داخل السجن لحمايتهن من ملاحقة الأزواج او الأخوة او الأقارب ولهذا تسمع نحيبا وعويلا من طرف اولئك النساء السجينات وهن لسن مذنبات وبينما السجن هو نوع من الحماية ولكن الى متى وما هو الحل ؟.

ليس هنالك من حل في متابعة المجتمع الصغير الذي يلاحق تلك النسوة وان اخطأن فكل شيء ساكن وجامد.

اعتمد الفيلم على تلك العلاقة بين الشخصية والمكان وتنقل بين الشخصيات النسائية في المدن الثلاثة ، فنساء حلبجة يحملن معهن الماضي الأليم ونساء السليمانية ينتظرن عالما فسيحا من الأمل والحرية في ظل مناخ ثقافي عرفت به المدينة ونساء اربيل منهن رزوى ونزيلات سجن النساء و ضحايا العنف والأنتحار وحيث ظاهرة احراق الذات ماتزال تشكل قلقا اجتماعيا كبيرا وقلقا لدى السلطات ولدى المنظمات الدولية ايضا.

من خلال ذلك كانت المقابلات مع النسوة في الأماكن الثلاث انعكاسا لذلك الواقع الأجتماعي الأليم الذي عشنه مع كل التقدم والمساعي القائمة لحل كثير من الأشكالات والنهوض بواقع المرأة الكردية الذي تقوم به السلطات ومنظمات المجتمع المدني ، لكن القصة لاتتوقف بالنسبة لرزوى عند هذا الحد فهي بسبب تكرار التراجيديا اليومية تكون قد وصلت الى نتجية مفادها ان لاشيء من حولها يتغير بالنسبة لواقع حياة ومستقبل المرأة وحقوقها ولهذا فأنها تكرر القول انها ليست قلقة على نفسها بل على مستقبل ابنتها  وكيف ستعيش وتحت اية ظروف حتى تتحول مشاهد السجن والنساء اللائي احرقن انفسهن الى كابوس بالنسبة لها بالرغم من كل جهودها للتخفيف من المعاناة ولهذا لاتجد امامها من خيار سوى مغادرة اقليم كردستان واخذ زوجها وابنتها بعيدا الى ارض اخرى والى بلاد اخرى ، تقول انني مظطرة لفعل ذلك والهجرة الى كندا لأنني لااشعر بالأستقرار الأجتماعي الذي ابحث عنه ولا بشكل الحياة التي اتطلع اليها وماان يحل الحادي والعشرين من مارس آذار وهو العيد التقليدي للشعب الكردي او النوروز او عيد الربيع حتى تكون رزوى قد اقامت احتفالها الخاص بمغادرة ارض الأقليم الى ارض  اخرى.

البانوراما العريضة التي قدمها الفيلم شكلت ملامح مجتمع نسائي ينطوي على اشكالياته الخاصة التي بدت اكثر موضوعية وصدقا في طريقة العرض فهو فيلم عرض للحياة اليومية وتحدثت فيه النسوة عن احلامهن واهدافهن والامهن ومعاناتهن واكتنز الفيلم بحصيلة وثائقية انسانية مميزة لذلك الواقع .

____________________

الفيلم الفائز بالجائزة الثالثة في المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية – مهرجان بغداد السينمائي الدولي -2011

الجزيرة الوثائقية في

21/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)