حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

إدجار هوفر «كلينت ايستوود» والخروج عن المألوف مسيرة

بقلم : د. رفيق الصبان

المخرج والممثل الأمريكي كلينت ايستوود .. مسيرة مدهشة مليئة بالمفاجآت تحمل في طياتها ابعادا سياسية واجتماعية وفنية.. قل أن تجمعت في مسيرة فنان واحد. فهذا الممثل الذي ابتدأ حياته المهنية في عالم التمثيل حاملا اسما آخر غير اسمه ليعمل في بلد آخر غير بلده.. استمد جماهيرية معينة من خلال أدائه أدوار «الكاوبوي» راعي البقر في الأفلام الإيطالية التي ارادت أن تقلد أفلام الغرب الأمريكي واطلقوا عليها اسم «الوسترن سباجيتي» سرعان ما انطلق من خلالها ليعود إلي بلاده مستبعدا اسمه الأصلي .. محاولا أن يدلي بدلوه في عالم السينما الأمريكية التي ترددت طويلا في قبوله كمخرج.. ولكنها قبلته كنجم جديد من نجوم أفلام الغرب الشهيرة وجعلت منه امتدادا لشخصية خاصة نمطية كان يؤديها بامتياز ممثلون من أمثال جاري كوبر وجون واين والتي اشتهرت بتمثيلها الهدوء والقوة معا ودفاعها عن القيم النبيلة والوقوف دائما إلي جانب المظلومين والضحايا. لكن طموح ايستوود كممثل جعله يتمرد علي هذه الشخصية النمطية ويستبدلها بشخصية أخري لها طابع خاص هي شخصية المخبر «هاري» في سلسلة أفلام «هاري القذر» شخصية رجل بوليس فاسد ولكنه قادر علي أن يحقق العدالة علي طريقته .. مستعملا كل أدوات العنف والقسوة اللاقانونية ورغم النجاح الساحق الذي حققه ايستوود في هذا المجال فإن طموحه كان يدفعه للمزيد.. لقد أراد اقتحام فن السينما مخرجا ومبدعا وليس ممثلا فقط. ورغم نجاح بعض المحاولات الأولي .. إلا أن الوسط الهوليوودي لم ينظر إليه بعين الجد.. واعتبر إخراجه لأفلام من الفئة «ب» مجرد هواية ستبعثرها رياح الزمن. لكن المفاجآة الحقيقية جاءت عند عرض فيلمه «بال رايدر» في مهرجان «كان» حيث لفتت طريقة إخراجه انتباه النقاد الفرنسيين والأوروبيين الذين أعطوه عناية خاصة وفتحوا له المجال بعد ذلك لتقديم أكثر من فيلم من إخراجه في مهرجان «كان» .. البعض منها حاز علي جوائز جانبية. هذه الاستمرارية وهذا العناء وهذاالإيمان بالنفس استطاعت أخيرا أن تجعل هوليوود تتراجع عن موقفها تجاهه. وأن تعترف به مخرجا بل وأن تقلده أوسكار الإخراج عن فيلمه «اللامتسامح» الذي كان نقطة الانطلاق الكبري لايستوود في أمريكا التي استطاع قهرها بعد أن قهر من قبلها أوروبا والمهرجانات الأوروبية الكبري. وتوالت أفلام ايستوود الرائعة التي لم تلتزم بخط واحد، بل تعددت خيوطها وتنوعت مواضيعها لدرجة التناقض أحيانا. فهو يقدم مثلا فيلما عن حياة جون هوستون وعن طريقة إخراجه لفيلمه الشهير «الملكة الأرمنية» تحت اسم «صبا وأسود وقلب أبيض» يقدم فيه دراسة عن الأجواء الداخلية لمخرج كبير وفن صعب. ثم يقدم فيلما بالغ العاطفية مع سيدة التمثيل في أمريكا جريد ستريب باسم «جسر ماديسون» ويقدم فيلما عن الزعيم الأفريقي مانديلا.. وآخر عن عالم الغيبيات والميتافيزيقيا باسم «الماوراء» وفيلما عن حياة عازف جاز شهير مات ضحية المخدرات. وفيلم «القوة المطلقة» الذي يروي فيه علي طريقته فضيحة جنسية وجريمة قتل يرتكبها رئيس جمهورية بلده، ويخوض ايستوود عالم الملاكمة فيقدم فيلم «فتاة مليون دولار» عن فتاة تحترف هذه المهنة الصعبة، وينال من أجله جائزة أوسكار الثانية. كما يقدم فيلما جريئا لا مثيل له في تاريخ السينما عن الحرب الأمريكية- اليابانية من خلال وجهتي نظر، وجهة نظر الجيش الأمريكي .. ووجهة نظر الجيش الياباني ويعرضهما في فيلمين مستقلين ولكنهما يكملان بعضهما ليطرحا الحرب من وجهة نظر مدهشة لم يسبق لأي مخرج آخر أن يسلكها، ويخوض في الدراما الواقعية فيقدم فيلما بالغ التأثير هو «الاستبدال» هذه الأفلام الكبيرة المدهشة.. وسواها أخرجها ايستوود ومثل في بعضها . وتميزت كلها بأسلوبه الحاد الصعب والمبهر كحد السكين .. يعرف كيف يدغدغ اعصاب المتفرج وكيف يثير عواطفه.. وكيف يحرك ضميره وكيف يدفعه إلي اتخاذ موقف. أسلوب جزلي أفلام ايستوود الأخيرة كلها تحف سينمائية جديرة بدراسة متمعنة يركز فيها علي نقاط الاختلاف والتوافق في أسلوب جزلي وصعب وشديد التنوع يشابه في جماله وتنوعه.. جمال «قوس القزح» وها هو فيلمه الأخير يأتينا بعد انتظار وهو يروي حياة إدجار هوفر، الرجل الذي أسس نظام الاستخبارات الأمريكية واشتهر بقسوته وعنفه وبرود قلبه والذي وضع دعائم النظام البوليسي الأمريكي .. وكان بشكل ما واحدا من ضحاياه. فيلم كبير لمخرج كبير عن موضوع بالغ الأهمية يقوم بأداء دور البطولة فيه ممثل شاب يعتبر الآن واحدا من أهم ممثلي أمريكا وأكثرهم قوة وتأثيرا وموهبة وهو «ليوناردو دي كابريو» الذي بدا كايستوود ممثلا «حلو المظهر» قبل أن ينقلب علي أيدي مخرجين كبار كـ«سكورسيزي» واحدا من أهم ممثلي أمريكا .. وأقدرهم علي تجسيد شخصيات مختلفة بالغة التعقيد والعمق «كما اثبت في تحفة سكورسيزي جزيرة شاتر». كل هذه الميزات في الموضوع وفي كل من شخصية المخرج والممثل لم تكن كافية لأن تفسح المجال أمام هذا الفيلم الذي يجعل كل هذه الميزات لاقتحام سابقة الأوسكار الشهيرة حيث اختفي اسمه تماما من كل الترشيحات الفنية وكأنه لم يكن. ايستوود يستوفي في «إدجار» حياة هذا الرجل بدءاً من طفولته الأولي وحتي لحظة موته لكن بطريقته الخاصة .. إذ يبدأ الفيلم «إدجار هوفر» في نهاية مسيرته يقرر أن يكتب تاريخ حياته وأن يمليه علي سكرتير شاب اختاره لهذا العمل الدقيق. عين سينمائية الفيلم يتراوح بين أحداث ماضية يرويها هوفر مركزا علي دوره وآرائه ومعتقداته .. نراها من خلال استرجاعات مختارة بدقة ومصنوعة بارهاف وبعين سينمائية شديدة الوعي وبين أحداث حالية يعيشها هوفر وقد وصل إلي مرحلة حاسمة من عمره ومن مهنته. إنه يروي كيف توصل إلي تشكيل جهاز المخابرات الأمريكية الذي سيرأسه طوال عشرين عاما أو يزيد.. يبرر لنا سبب حماسه لهذا النظام التجسسي الذي يدخل إلي ثنايا حياة المواطن ولا يترك شيئا من خفاياها، يتحدث عن موت أبيه وعلاقته بأمه هذه العلاقة الفرودية التي ستشكل فيما بعد تأثيرا حاسما علي حياته العاطفية والجنسية معا. يحلل كراهيته للشيوعيين والراديكاليين ومحاربته المجنونة لهم وتعقبهم وطرد الغرباء منهم من الأرض الأمريكية، يتحدث عن كراهيته للزنوج وعن عنصريته التي جعلته يهاجم مارتن لوثر كنج ويحاول ابتزازه بالفضائح التي يعرفها.. يحدثنا عن وصوله بفضل مركزه إلي أسرار شخصية تتعلق بأكبر الرءوس في أمريكا بما في ذلك رؤساؤها.. علاقة كيندي بمارلين مونرو .. وعلاقة زوجته روزفلت بأحد الشيوعيين ثم بامرأة من جنسها.. حادثة اختطاف ابن لبندبرج التي هزت أمريكا ودوره فيها. محاربته للعصابات الأمريكية التي تشكلت في أيام منع الخمور وعلاقته مع بعض رؤسائها ثم علاقته الشخصية بمساعدته الشابة ثم بمساعدة يده اليمني والتي تتكشف لنا شيئا فشيئا لتظهر أنها ليست علاقة صداقة فقط بل هي علاقة حب متأجج ستستمر حتي نهاية العمر. كل ذلك يرويه «إدجار هوفر» من وجهة نظره.. دون التسلسل الزمني المعتاد دائما، تأتي الذكريات وتروح.. كموج البحر بلا سبب واضح وحسب الأهواء وما تقوده الذكريات. ثم نكتشف في اللحظات الأخيرة من الفيلم الوجه الآخر الحقيقي لهوفر وإن كل ما قاله عن نفسه وعن بطولاته وعن مثله العليا وعن مبادئه الأخلاقية السامية ليس لا كذبا وتمويها علي النفس وإن الحقيقية بعيدة تماما بل متناقضة تماما لما رأينا. سيناريو شديد الابتكار لرواية حياة رجل اختلفت حوله الآراء .. وتمتع بقدر كبير من كراهية مثقفي اليسار الأمريكيين وكل المواثيق عن حرية الفرد وخصوصيته. ليوناردو دي كابريو في دور هوفر يصل إلي أقصي درجات موهبته كذلك الأمر مع الممثلة البريطانية جودي دتش في دور أمه ونعومي داتسي في دور السكرتيرة الأمينة أو حبه الأول الكاذب .. دي كابريو عرف كيف يعبر بسلاسة معجزة عن كل ما يدور في نفس هذه الشخصية المركبة «شاهد حبه الثلاثة مع رفيق عمره مشاهد لا تنسي» ومشاهد ابتزازه للشخصيات وحفنة الحقد التي يوجهها إلي خصومه من الشيوعيين والسود.. لحظات لا تنسي في مسيرة هذا الممثل الشاب الذي لا يكف عن ادهاشنا بين كل فيلم وآخر. رواية إنسانية إدجار هوفر ليس مجرد رواية لحياة شخصية سياسية تباينت حولها الآراء واختلفت.. انه دراسة إنسانية متعمقة لإنسان يبحث عن نفسه من خلال مدارات حياتية صعبة.. ويواجه «آناه» الحقيقي مرة واحدة في حياته عندما يرتدي ثياب أمه المتوفاة وينظر إلي نفسه في المرآة باحثا عن وجهه وعن هويته الحقيقية. دور كبير لممثل خارق في فيلم خارج عن المعتاد يصور لنا أمريكا كما لم نعرفها من خلال مسيرة رجل عرفها في الصميم أكثر من أي شخص آخر.

جريدة القاهرة في

20/03/2012

 

"انفصال" الإيراني..

أحدث ضحايا هجمات المتأسلمين

بقلم : أسامة عبدالفتاح 

* الجماعات المتطرفة وراء منع عرض أفضل أفلام الأوسكار الأجنبية بكلية الصيدلة * اتهام الفيلم بنشر الفكر الشيعي والعلماني ونصرة نظام الرئيس السوري! لم يحمل الأسبوع الفائت سوي المزيد من أنباء وأحداث الاعتداء علي حريات الرأي والتعبير والإبداع، في استمرار للمؤشرات الخطيرة علي المستقبل المظلم لهذه الحريات في مصر ما بعد الثورة، خاصة بعد اكتساح المتأسلمين للانتخابات البرلمانية.. فبعد الحكم الذي قضت به إحدي محاكم القاهرة في الثاني من فبراير الماضي بحبس الفنان عادل إمام ثلاثة أشهر وتغريمه ألف جنيه لإدانته بـ "الإساءة إلي الإسلام" في أكثر من عمل سينمائي ومسرحي، وطرد فريق عمل مسلسل "ذات" من كلية الهندسة بجامعة عين شمس - في الثامن من فبراير - بسبب اعتراض طلاب متشددين علي "الملابس القصيرة" للممثلات، ورفض وزارة الأوقاف - أوائل الشهر الحالي - تصوير بعض مشاهد فيلم "فرش وغطا" بجامع السيدة نفيسة، انضم الفيلم الإيراني "انفصال"، الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي الشهر الماضي، إلي قائمة ضحايا الفكر الرجعي المتطرف، رغم أنه فيلم "محجب"، شأن كل الأفلام الإيرانية! فقد منعت إدارة كلية الصيدلة بجامعة القاهرة عرض الفيلم في أحد مدرجاتها الثلاثاء الماضي، وتعددت الأسباب التي ترددت في وسائل الإعلام، من دون تأكيد أو إعلان رسمي من قبل مسئولي الكلية، ومنها أن الفيلم "ينشر الفكر الشيعي"، وأن عرضه يعد تأييدا لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، لأنه مدعوم من نظام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد! وقال محمد صابر مقرر أسرة "ألوان" بالكلية: "كان من الطبيعي أن يتم إلغاء الأنشطة الطلابية الجامعية بتعليمات أمنية قبل الثورة، لكن الأمر يتم الآن وفقا لتعليمات إخوانية ـ - سلفية"، وذلك بعد فشل أعضاء الأسرة في إقناع إدارة الكلية بعرض الفيلم الإيراني ضمن أنشطة الأسرة الطلابية التي تهدف إلي الرقي بالثقافة السينمائية والفنية لدي طلبة الكلية عن طريق عرض أفلام سينمائية ووثائقية من مدارس السينما المختلفة حول العالم. شرط غريب وجاء تعنت الرقيب الجامعي رغم حصول الأسرة الطلابية علي موافقة كتابية من وكيل كلية الصيدلة، الدكتورة رمزية البقري، علي حجز أحد مدرجات الكلية لعرض الفيلم، بعد أن شاهدته ووافقت عليه. وأشار صابر إلي أن الجدل حول عرض الفيلم بدأ مع الإعلان عن العرض، حيث اعترض طلاب التيارات المتأسلمة بدعوي إسهام العرض في نشر الفكر الشيعي ونصرة بشار ضد سوريا، بالإضافة إلي نشر الفكر الإلحادي والعلماني! وأضاف مقرر "ألوان" أنه فوجئ مع رفاقه باستدعائهم لمكتب وكيل الكلية التي طالبتهم إدارتها في البداية بإلغاء العرض، ثم وافقت علي عرضه بشرط تعهد الطلاب كتابيا بمسئوليتهم الشخصية عن تأمين العرض وإلغائه في حالة حدوث أي شكوي.. وقال: "وافقنا رغم غرابة الشرط الذي وضعته إدارة الكلية، لكننا فوجئنا باستدعائنا مرة أخري إلي مكتب عميد الكلية الدكتورة عزة أغا التي أخطرتنا بإلغاء العرض دون مناقشة، وبررت ذلك بحجة أن الكلية ليست دار عرض، وليست مكانا لمثل هذه الأنشطة، ولا توجد جدوي أو فائدة من عرض فيلم داخل الكلية، بالإضافة إلي تذرعها بأن قصة ومحتوي الفيلم لا يتناسبان مع الكلية". واستنكرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان موقف إدارة كلية الصيدلة، وقالت - في بيان - إن الفيلم الذي حاز علي العديد من الجوائز الدولية المهمة، لقيمته الفنية وعمقه الإنساني، لا يحمل طابعاً سياسياً أو دينياً قد تتذرع إدارة الكلية بهما لمنعه، بل يناقش فكرة الصراع الناتج عن الاختيار بين الهجرة أو البقاء والانتماء للوطن والأسرة، لذا وجدت الشبكة العربية أن موقف الكلية جاء متعسفا، ومناهضا لحرية الإبداع الفني، خاصة أنها سبق ومنحته تصريحاً بالعرض بعد مشاهدته كاملاً، ولكنها تراجعت بناء علي اعتراض جماعات متشددة داخل أسوار الجامعة، مما تسبب في غضب الطلبة الذين فشلوا في إقناع القائمين علي إدارة الكلية بعرضه في إطار النشاط الطلابي الثقافي. منطق متشدد ورغم أن الجماعات المتشددة، التي حاربت عرض الفيلم داخل الكلية، استندت في منطقها إلي أنه يدعو لنشر الفكر الشيعي في مصر ونصرة نظام بشار الأسد ضد سوريا ونشر الفكر العلماني - وهذا ما لم يرد في الإطار الدرامي للفيلم ولم يشر إليه من قريب أو بعيد - إلا أن رضوخ إدارة الكلية لهذا الآراء يأتي ضربة لحرية الإبداع، لاسيما أن الجامعات يفترض أن تكون حائط الصد الأول في أي مجتمع ضد دعاوي التشدد والرقابة علي الإبداع الفني أو الأكاديمي أو الأدبي. وقال البيان: "إن تأصيل مبدأ حرية الإبداع يبدأ من داخل العملية التعليمية، فكيف نشجع طالباً علي الإبداع وحرية الرأي والتعبير إذا كنا نحاربه ونقمعه في سنوات دراسته؟"، مشيرا إلي أن الجامعات المصرية يجب أن تتخلص من دور الرقيب الذي رسمه لها النظام السابق، وألا تنساق وراء أي اتجاه متشدد يعيدها إلي العصور الظلامية، فالفن هو ضمير الأمم، ولا يجب منعه بناء علي أفكار دينية أو سياسية، بل نقده وفقا للمعايير الأدبية والإبداعية فقط". وانضم الكاتب محمد سلماوي، رئيس اتحاد كتاب مصر، إلي فريق المنددين، محذرا من المحاولات المتكررة والمتصاعدة مؤخرا للاعتداء علي حرية الإبداع وعلي حق الفنانين في ممارسة عملهم والتعبير عن أفكارهم بحرية. وندد بالهجمة التي تستهدف مصادرة حق الشعب في التعرف علي الإنتاج الفكري والإبداعي لغيره من الأمم بدون قمع أو رقابة أو خطوط حمراء طالما يأتي ذلك في إطار القانون واحترام قيم المجتمع والحريات، مشيرا إلي واقعة منع الفيلم الإيراني، وإلي وقائع أخري مؤسفة مثل منع تصوير فيلم "فرش وغطا" في جامع السيدة نفيسة، ومنع اتحاد الإذاعة والتليفزيون - بتعليمات من وزير الإعلام - إذاعة أغنية ''مطلوب زعيم'' لفريق ''كاريوكي'' الغنائي الشبابي، والتي تعكس رأي الشباب في مواصفات رئيس بلادهم القادم. وقال إن أسلوب المنع والمصادرة كان من بين أسباب سقوط النظام السابق، وإن الإعلام الوطني يجب أن يعكس آراء وإبداعات المصريين علي اختلاف توجهاتهم، خاصة إذا كانت هذه الإبداعات من إنتاج شباب الثورة. مفاجأة وفي إطار استمرار المؤشرات المؤسفة، شهد الأسبوع الماضي مفاجأة فجرها المخرج أحمد عبد الله بتأكيده أن وزارة الأوقاف مازالت علي موقفها الرافض تصوير بعض مشاهد فيلمه الجديد "فرش وغطا" في جامع السيدة نفيسة، نافيا كل ما تردد في وسائل الإعلام قبل أيام عن صدور موافقة الوزارة علي تصوير الفيلم بعد دراسة الموضوع واستجابة لمطالب السينمائيين والمثقفين، والتي تم التعبير عنها في عدة بيانات تدين موقف "الأوقاف" وتطالب بالسماح بتصوير الفيلم بالمسجد احتراما لحرية التعبير والإبداع. وقال عبدالله، في تصريحات لـ"القاهرة"، إنه لا يعرف مصدر شائعة السماح بتصوير الفيلم، حيث لم يصدر عن أي من صناع الفيلم، أو حتي عن الوزارة، ما يفيد بذلك. وأوضح أنه توجه إلي الوزارة بعد نشر هذه الشائعة ليعرف مصير الفيلم، فقيل له إنه لا توجد موافقة حتي الآن، وإن الموضوع مازال تحت الدراسة، وطُلب منه أن يعود يوم الخميس الماضي لمعرفة القرار النهائي، ففعل، إلا أن مسئولي الوزارة قالوا له إن "الشيوخ" لم يفرغوا بعد من دراسة الموضوع، وطلبوا منه مجددا الحضور أمس الأول (الأحد) للسؤال.. وحتي مثول الجريدة للطبع، لم يكن قرار "الأوقاف" بشأن تصوير الفيلم قد صدر، ولم تكن غزوات المتأسلمين علي حرية الإبداع قد توقفت.

جريدة القاهرة في

20/03/2012

 

 

الأم في السينما المصرية..

بقلم : محمود قاسم 

يستلزم الحديث عن صورة الأم في السينما المصرية، أن نعد لها كتاباً بأكمله، ولذا فإن تخصيص مقال واحد للحديث عن صورة الأم يعد أمراً مختصراً للغاية، وفي مجال السينما التسجيلية قام المخرج الراحل طلعت حمودة بتقديم فيلم مدته أكثر من أربع ساعات، تناول فقط الممثلات اللاتي جسدن هذه الأدوار في هذه السينما، دون النظر إلي صورة الأم في هذه الأفلام نفسها . والأم في السينما المصرية متعددة الصور، فهناك أم شابة صغيرة، لأطفال عليها رعايتهم، وقد تجد نفسها قد افترقت عنهم لأسباب متباينة، وهناك أم عجوز تعيش مع أبنائها، بعد أن قامت بتربيتهم، وهناك أم ترملت وعاشت بين بناتها وأبنائها، وأزواجهم، وقد تباينت أدوار هذه الأم حسب الممثلة، حيث كان يسند إليها الأدوار حسب تركيبتها، فالأمهات الشهيرات في السينما المصرية لم يقمن أبداً بأدوار الشر كأمهات مثل أمينة رزق، وفردوس محمد، وعزيزة حلمي . وهناك ممثلات قمن بأدوار الأم الشريرة أسوة بزوزو نبيل ،ونجمة إبراهيم، ونعيمة الصغير، وهناك أمهات جسدن دور الأم قوية الشخصية، أو نوعن أدوارهن كأمهات مثل ميمي شكيب، وزوزو ماضي، وغيرهن. وتبعاً لتعقيد الحديث بشكل مختصر حول الأم في السينما المصرية، فإننا سوف نتوقف عند أربع أمهات هن فردوس محمد وأمينة رزق باعتبارهن الأطول تاريخاً في أداء شخصية الأم الطيبة، ثم هناك زوزو نبيل التي جسدت الأم الشريرة، والأم قوية الشخصية في الكثير من الأفلام، ثم سناء جميل، ونكون بذلك قد تجاوزنا أسماء الكثيرات من أمهات السينما مثل نعيمة الصغير، وزينب صدقي، وتحية كاريوكا، وآمال زايد، وثريا فخري، وعقيلة راتب، ومديحة يسري، وفاتن حمامة، وهدي سلطان، وعلوية جميل، وناهد سمير ،وكريمة مختار، وفي السنوات الأخيرة زيزي البدراوي، ودلال عبدالعزيز. فردوس محمد منذ بدايتها، ونحن نري فردوس محمد في دور الأم، وقد ساعدها علي ذلك تركيبتها الجسمانية، وصوتها الدافئ، وصدق التمثيل، وفي أغلب قائمة فردوس محمد رأيناها الأم بالغة الطيبة، شديدة الحنان . وفي الكثير من الأحيان كانت مصابة ببلاء شديد، أو بمرض عضال، مما يزيد من درجة الإحساس بأمومتها . وقد تركت الممثلة انطباعاً دائماً بأنها أم تمتلك من الحنان، مثلما تمتلك من الأمومة، وأيضاً قوة الشخصية، فلم تكن الأم الخنوعة، أو التي تستسلم لزوجها، وأوامره، بل كانت صاحبة رأي وموقف . وفي الكثير من الأحيان جسدت أدوار الأم في إطار كوميدي، مثلما فعلت في "سفير جهنم " عام 1945، و" أمريكاني في طنطا " عام 1954 . ويهمنا هنا أن نركز فقط علي جانب واحد من شخصية الأم التي جسدتها فردوس محمد . وهو دور الأم البالغة الحنان، والبالغة القوة، فهي لم تضعف أمام أمومتها، ولم يمنعها هذا أن تقف ضد أبنائها حين يخرجون عن الأعراف العامة . وأمامنا نماذج بالغة الأهمية في أفلام " حميدو " لنيازي مصطفي عام 1953، و" الأخ الكبير " لفطين عبدالوهاب عام 1958، و" سيدة القصر" لكمال الشيخ عام 1958، و" هذا هو الحب " لصلاح أبو سيف عام 1958 . ففي فيلم "حميدو" لعبت دور الأم المتدينة، المؤمنة بابنها التي تحبه حب الأم لوحيدها الذي خرجت به من الدنيا، وهي تثق فيه ثقة لا حدود لها، ولا تعرف أي أنشطة غير قانونية يمارسها في حياته، ولذا فإنها عندما تستقبل الغازية التي غرر بها ابنها، فإنها تتعامل معها بقسوة شديدة، وحزم وترفض أن تصدق أن ابنها يمكن أن يغرر بفتاة مثل هذه الغازية، لكن هذه الأم لا تلبث أن تعرف الحقيقة، وهنا تواجه الابن بنفس الحزم الذي قابلت به الغازية من قبل وتذكره بأنه الشخص الذي يصلي، والذي يبدو أمام الناس بمنظر خادع . وأمام هذه الصدمة التي تلقتها الأم، تقرر أن تهجر البيت تماماً وألا تقيم معه، إنها غير قادرة علي الغفران، لا تلين أمام الحق . حتي لو كان ابنها الوحيد . وقد تكرر مثل هذا الموقف أيضاً في فيلم " الأخ الكبير"، حيث تعيش مع ولديها دون أن تدري أن كبيرها هو في حقيقة الأمر خارج علي القانون، وعندما تعلم بحقيقة الأمر، فإنها تتصدي لابنها، الذي أفسد البيت بمواقفه، ولا تبدو آسفة علي ابنها عندما يتم الزج به في السجن . وهناك مشهد يعبر عن شدة الحزم في فيلم "سيدة القصر" حين تذهب الأم إلي عادل الذي تعامل بقسوة مع ابنتها بالتبني، وتواجهه بحزم : " اسمع يا بني، بنات الناس مش لعبة، زي ما أخذتها بالمعروف .. سيبها بالمعروف " . وهي في هذا الموقف تتدخل من أجل حسم العلاقة المتأرجحة بين سوسن وعادل.. وتنجح في تنبيه الزوج إلي خطورة ما هو مقدم عليه. وفي "هذا هو الحب"، تؤدي فردوس محمد دور الزوجة الطيبة، التي تعيش في أسرة صغيرة، اعتادت علي طاعة زوجها وحبه ورعاية ابنتها الوحيدة شريفة، وهناك مشهد شهير في السينما المصرية في هذا الفيلم تبدو فيه الأم بالغة الحزم، مليئة بقوة الشخصية تعبر من خلال عينيها وكلمات قليلة تنطقها عن قدرتها علي مواجهة الأمور، وعدم التعامل معها بسذاجة، فعندما تأتي الجارة (ماري منيب) من أجل خطبة شريفة لابنها المهندس فإنها تبالغ في الكشف عن سلامة وصلاحية العروس، وأمام الأم التي تكتفي في البداية بالمراقبة، ثم تتدخل قائلة : "والفك التاني" كأنها تعبر لها عن فهمها لأسلوبها في معاملة ابنتها . وهذه الأم تقف موقفاً صلداً عندما تنفصل ابنتها عن زوجها، ولا تبدي أي ضعف ملحوظ مثلما حدث مع الأب الذي استخلف ابنته إن كانت ترغب في العودة إلي زوجها فلتفعل . وقد تكرر مثل هذا المشهد الذي يعبر عن قوة الأم في فيلم خامس هو "كهرمان" للسيد بدير عام 1958، فهذه الأم الريفية تأتي إلي الإسكندرية من أجل معاتبة ابنها الأكبر، رجل الدين، الذي أحب راقصة، وكانت هذه العلاقة سبباً في تدمير الأخ الأصغر الطالب، الذي ارتبط من قبل بعلاقة مع الراقصة نفسها، وفي مواجهة حاسمة بين الأم، والابن الأكبر، تذكره بأنه صاحب التقوي، وحافظ القرآن، وأنه قد تصرف بغير ما يحفظ ويؤمن، وتبدو نبرات صوتها بالغة القوة ،والحدة، ليس فيه أي ضعف، أو هوان . وفي فيلم " عائشة " لم تمتثل الزوجة التي جسدتها فردوس محمد أبداً للزوج الطائش الذي اتسم بعجرفة وقسوة وجحود، وقد وقفت هذه المرأة دوماً ضد زوجها في نزقه، ولم تتراجع في موت ابنه واتجه إلي طريق التوبة. أمينة رزق كما ارتبطت أمينة رزق بأدوار الأم بشتي الأشكال في أفلام عديدة، وفي أغلب أفلامها القديمة رأيناها في دور الأم مثل " أولاد الفقراء " عام 1942، و"الطريق المستقيم" عام 1943، و"الأم" عام 1945، و"ضحايا المدينة" عام 1946 . وهناك أدوار بعينها يمكن الوقوف عندها جسدتها أمينة رزق كأم. مثل دورها كزوجة قوية الشخصية، فضل زوجها عنها امرأة أخري في فيلم " البيت الكبير" لأحمد كامل مرسي عام 1949 . وهي بالإضافة إلي كونها زوجة لرجل مرموق فهي أم لطبيب شاب، وأخ، وعليها أن تبدو متماسكة أمام الجميع، وهي تتصرف بذكاء. ولا تنسي كلتا المرأتين في داخلها. وأمينة رزق من أمهات السينما القدامي التي اضطلعت بالبطولة المطلقة في أفلام عديدة مثل " قلبي علي ولدي " لبركات، و" بائعة الخبز" لحسن الإمام عام 1953، وهي في هذا الفيلم نموذج واضح لأم مات زوجها فعانت بعده الكثير من أجل تربية الأبناء، فخديجة ترفض الزواج بعد رحيل زوجها، وتذهب لتعيش مع قريبة لها، وهي ترفض كل الإغراءات التي يعرضها عليها عبدالحكيم رئيس العمال في المصنع الذي كان زوجها يعمل به. ويدبر الرجل حريقاً ويتهمها أنها الفاعلة، وتوضع خديجة في إحدي المصحات العقلية عقب إصابتها بالجنون . وبعد أن يشب حريق في المستشفي تعود لها الذاكرة، وتخرج كي تبحث عن ولديها سامي ونعمت . ومتاعب الأم هنا تتضاعف من أجل المكانة الاجتماعية التي وصل إليها الأبناء، بعد أن صاروا كباراً . فابنتها نعمت أحبت ابن الرجل الذي كان سبباً في إدخالها السجن، وتتعقد الأمور بما يجسم مسئوليتها أو تحاول إبراء نفسها أمام الأبناء . وأدوار الأم المركبة التي جسدتها أمينة رزق تبدو في حرمانها من الأمومة، ليس فقط في الحياة، بل أيضاً في السينما . ففي بعض الأفلام مثل " أربع بنات وضابط " تبدو بالغة الأسي بعد أن ماتت عنها ابنتها، ولذا فإنها تتقبل حضانة نعيمة، فتاة الملجأ التي تدخل المنزل بحيلة مكشوفة للمرأة ورغم ذلك فإنها لا تكشف أوراق اللعبة، وتعيش سعيدة من الابنة المزيفة، ولولا بعض الظروف التي تتدخل من أجل إعادة نعيمة إلي الملجأ لظلت علي موقفها، بل إنها دافعت عن نعيمة عقب أن تم اكتشاف سرها . وطلبت من ابن أخيها الضابط محمد أن يتزوجها. وفي " أين عمري " لأحمد ضياء الدين، بدت أمينة رزق كأم بالغة الحدة، وهي تزج بابنتها عليه كي تتزوج من عزيز، بعد أن تصورت أن العجوز قد جاء ليطلب يدها، فإذا بها لأسباب اجتماعية اقتصادية تدفع ابنتها الصغيرة أن تتزوج من عزيز. وتبدو الأم هنا جامدة الملامح، خالية الشعور وهي تدفع بهذا الزواج أن يتم، بل إنها تقف ضد الدادة (فردوس محمد) التي تقف بالمرصاد لهذا الزواج وهذه القسوة ظاهرية ولكنها حتمية بالنسبة للأم . وهناك مجموعة من الأفلام بدت فيها أمينة رزق أماً شديدة القسوة، تضع الاعتبارات الاجتماعية قبل الأمومة مثل الشرف والمكانة الاجتماعية فهي تقف ضد ارتباط ابنها الضابط بزوجة شابة حتي وإن أبدت استحساناً ظاهرياً لهذه العلاقة في " نهر الحب " لعز الدين ذو الفقار عام 1960، وفي "بداية ونهاية" تبدو كالجبل الثقيل الذي يتحمل مسئولية أسرة تتكون من العديد من الأبناء بلغوا سن الرشد وعليها أن توصلهم إلي بر الأمان ورغم أن الظروف الاجتماعية قد ركبت المرأة، فإنها لم تتمكن من أن تحنو ظهرها وظلت واقفة شامخة تتعامل مع الأولاد بخشونة تتفق مع قسوة الظروف التي تعيشها وهي كعادتها دائماً لا تشكو ولا تبدي أي تذمر بل تنتظر القدر وما سيأتي به. وفي فيلم " دعاء الكروان " لبركات، تذهب الأم بنفسها إلي أخيها، كي تبلغه بالجريمة التي ارتكبتها ابنتها هنادي التي غرر بها مهندس كانت تعمل لديه، وتذهب الأم والابنتان إلي حيث ستلقي الخاطئة مصيرها، وتبدي الأم جموداً ملحوظاً، وهي تري أن الشرف قبل الحياة، ولم يمنعها هذا من البكاء والتحسر عقب نفاد الأجل، والأم هنا جامدة المشاعر، ويبدو ذلك علي وجهها، فلا تلتاع للألم الذي يكسو ابنتها . وفي "شفيقة القبطية" لحسن الإمام، بدت أمينة رزق أيضاً تلكم الأم القوية الشكيمة التي ترفض تماماً أن تتجه ابنتها إلي الرقص، فهي بذلك تلوث سمعة الأسرة، وعندما تأتي الابنة ببعض الهدايا، فإن الأم وزوجها يرفضان الهدية، ويذهب الأب إلي قصر ابنته ومعه ما أحضرته، ويطلب عدم عودتها ثانية إلي منزل الأسرة بأي ثمن. أما في "أعز الحبايب " ليوسف معلوف، وهو الدور الأكثر التصاقاً بأذهان الناس فقد بدت فيه الشخصية التي جسدتها أمينة رزق بالغة القوة، فرغم المتاعب التي عانتها من زوجة ابنها ثم من زوج ابنتها التي ذهبت للعيش معهم فإنها تتحمل كل هذه الآلام بجلد واضح ولا تعلن أي شكوي وتتحمل الشدائد بصورة ملحوظة. وفي "أرملة وثلاث بنات" لجلال الشرقاوي عام 1965، لعبت دور الأم التي فقدت عائلها وترك لها ثلاث بنات أحاط بهن الرجال كأنهم الغربان يريدون أن ينهشوا ما قدر لهم النهش، ووسط هذه المتاعب فإن الأم تلجأ إلي الدين من أجل توفير المال اللازم لعلاج ابنتها زهرة بعد أن اعتدي عليها ابن أحد الأثرياء، فتلجأ إلي رجل ثري كالذئب من أجل أن يعيد إلي الأسرة نصيبهم مما تركه الراحل، فيشترط الزواج من ابنتها هدي وأمام الظروف البالغة القسوة فإن الأم والابنة توافقان علي هذه الشروط من أجل إنقاذ الأخت زهرة. وفي فيلم "المماليك" لعاطف سالم عام 1965، جسدت أمينة رزق دور الأم التي ليس لها من الدنيا سوي وحيدها، والذي تبارك زواجه من ابنة صاحب العمل، لكن رجال الحاكم الظالم يهاجمون العرس ليلة إقامته، فتدافع المرأة عن عرس ابنها بكل ما لديها من قوة، حتي تموت بأيدي جنود الحاكم. وقد ظلت أمينة رزق طوال عمرها أسرة دور الأم، بدرجات مختلفة، ولم تخرج عنه في كل أفلام الستينيات والسبعينيات، وحتي رحيلها، فبعد دورها كأم لفتاتين في " الوديعة "، جسدت دور أم الدكتور إسماعيل في " قنديل أم هاشم" لكمال عطية عام 1968، وجسدت شخصية حليمة السعدية مرضعة الرسول، وأم الشيماء في فيلم " الشيماء " لحسام الدين مصطفي . وفي عام 1976 جسدت دور أم ضابط، يحب فتاة تعمل راقصة، تتعامل معها بلباقة شديدة، وهي تعتقد أنها ابنة أكابر، حتي تكتشف الحقيقة، وفي "المجرم " لصلاح أبو سيف عام 1977 جسدت دور أم كان عليها أن تشاهد زوجة ابنها القتيل تخونه بعد أن شاركت في قتله مع صديقه، فتصاب بصدمة نفسية تعجزها عن الحركة . وفي " أمهات في المنفي " لمحمد راضي، جسدت دور أم لأسرة متعددة الأطراف، لكل منهم مشكلته الخاصة . أما دورها في "الطوفان" لبشير الديك، فيبدو بالغ الدموية . وفي السنوات الأخيرة من حياتها، ظلت أمينة رزق تلعب دور الأم في تنويعات مختلفة . فهي أم للعديد من الأبناء أيضاً في " التوت والنبوت "، تستعطف الفتوة ألا يؤذي أبناءها حين يكاد أن يمسهم شر، كما أنها الأم التي فقدت ابنها في " المولد "، وعندما عاود الابن الظهور، بعد أن صار من كبار الرأسماليين كاشفته بحقيقة المباني التي شيدها، ودفع أبوه حياته ثمناً لأنها غير مشيدة حسب المواصفات . وفي " أرض الأحلام " بدت في دور الأم، والجدة التي ترفض الإقامة في بيوت المسنين، وتعاود الحياة في بيت ابنتها، أما في "عتبة الستات " لعلي عبدالخالق عام 1995، فإنها تؤدي دور الأم التي تعاير زوجة ابنها الضابط أنها لم تنجب له الوريث، وهي في هذا الفيلم تبدو شديدة المراس كعادتها . ولا تتوقف عن ملاحقة ابنها، وزوجته، وتذكير كل منهما بدوره في الإنجاب. أما الفيلم الذي صدمت فكرته الناس فيما يتعلق بمسألة صورة الأم فهو "الطوفان" لبشير الديك عام 1985، فالأم توافق علي بيع أرضها بناء علي نصيحة من أبنائها، ويستعد كل واحد منهم لاستلام حقه من الثمن، ولكنهم يفاجأون بعمهم ومعه عقد بيع وشراء للأرض من أخيه بتوقيع من الزوجة . تتذكر الأم هذا الموقف، وتؤكد صحته، يلجأ العم إلي المحكمة من أجل إلغاء إجراءات البيع، يحاول الأبناء إقناع أمهم بالشهادة الزور ولكنها ترفض . يقترح زوج الابنة الكبري بقتل الأم، فيوافقون ويخفون الأمر عن الأخ الأصغر يوسف الذي يشك في وفاة الأم التي ماتت بيد أبنائها جميعاً . وكما أشرنا، فإن صورة الأم في السينما المصرية تبدو بالغة الوضوح في أدوار أمينة رزق، سواء من خلال عدد الأفلام أو أهميتها، ولكنها كما رأينا صورة متكررة دائماً متنوعة أحياناً. علي الجانب الآخر، فإن الممثلتين اللتين عملتا في مجموعة أفلام كأمهات وكانتا شريرتان، فهما زوزو نبيل وسناء جميل وذلك إذا استثنينا نجمة إبراهيم. ونعني هنا بدور الأم الشريرة، أن المرأة كأم تلعب دور الشر تجاه الآخرين، وهي بالتالي تمارسه، وهناك في السينما المصرية بعض من جسدت دور الشر مثل نادية الجندي، لكن هذه الأم حريصة علي إبعاد أبنائها عن طريق الخروج عن القانون مثلما حدث في " الباطنية " . زوزو نبيل أما الدور الذي جسدته زوزو نبيل في " سجن العذاري ": لإبراهيم عمارة عام 1958، فقد بدت فيه أم أوسه رمزاً واضحاً للمرأة الخارجة علي القانون، فهي تتزعم عصابة نشل، تعلم ابنتها كي تصير نشالة مثلها، وأن تغرر بكمال ابن صاحبة المنزل حتي تبيعها هذه الأخيرة نصيبها في المنزل، وتبدو الأم بالغة الشر وهي تذهب إلي بيت الطبيب الذي يتولي حالة أوسة، وفي لحظة بالغة التوتر، تشير إلي شعرها، وتقسم به أنها لم تعد إلي منزلها، فسوف تكون العاقبة وخيمة، ولأن أوسة تعرف الشر الكامن في قلب أمها . فإنها تمتثل خوفاً من قسوة وشدة هذا القسم . وهذه الأم تبدو بالغة السعادة حين تأتيها ابنتها وقد سرقت حافظة رجل توددت إليه، وتهنئها علي هذه المهارة، وفي أحيان أخري تبدو الفتاة نفسها، وقد تغيرت بعد أن أحبت كمال، فتنهرها الأم لما أبدته من سذاجة . ولسنا هنا بصدد تعداد أدوار الشر التي جسدتها زوزو نبيل في أفلام من طراز " أنا بنت ناس "، و" زمن العجايب "، و " في الهوا سوا "، ولكنها كأم شريرة تدفع ابنتها أن تسير في نفس طريقها، تكررت في فيلم " لواحظ " لحسن الإمام عام 1957، ومصير البنت التي تعمل مغنية بأحد الكباريهات أشبه بما آلت الأم التي دخلت السجن، وفي زيارة " لواحظ " الأخيرة للأم في السجن، تعترف لها هذه الأخيرة أنها ليست ابنة المعلم عزب الذي تولي تربيتها، بل هي ابنة رجل ثري تزوج بها سراً ثم انفصل عنها . وفي فيلم " بنت الحتة " لعبت زوزو نبيل أيضاً دور امرأة لاهية، وينعكس ذلك علي علاقتها بأبنائها، فهي تحاول أن تدفع ابنتها إخلاص أن تتزوج من المعلم زكي، وتدبر خطة للتخلص من الشاب عمر الذي يحب إخلاص ويريد الزواج منها، فيزج بهن في السجن، في جريمة قتل، وهذه الأم لا تتراجع عن مواقفها، وتدفع بكل من ابنها، وابنتها أن يسيرا في ركاب المعلم زكي. وهناك مشهد بالغ الأهمية في فيلم " بين القصرين " لحسن الإمام عام 1964، حين يزور ياسين أمه، كي تتراجع عن زوجها، فتقف شامخة بالغة القوة أمام ابنها، وتقول له إن أباه السيد أحمد عبدالجواد كان يريدها خادمة، تنصاع له، وأنها عندما بدت أمامه امرأة قوية الشخصية طلقها، وفي هذا المشهد بدت الأم هنا نموذجاً معاكساً تماماً لأمينة التي صارت أشهر النماذج الأدبية والسينمائية في الخنوع للزوج. سناء جميل أما الممثلة الثانية التي جسدت دور الأم الشريرة الخارجة علي القانون فهي سناء جميل وقد لعبت هذه الأدوار في أفلام من طراز " حكمتك يا رب " لحسام الدين مصطفي عام 1976، و" المجهول " لأشرف فهمي عام 1980 بالإضافة إلي دور الأم في أفلام أخري مثل " توحيدة " لحسام الدين مصطفي عام 1976، و" امرأة قتلها الحب " لأشرف فهمي عام 1978، ثم "البدرون" لعاطف الطيب عام 1988 . في فيلم "حكمتك يا رب" أدت سناء جميل دور المعلمة زبيدة التي تعمل في تجارة المواشي، وتتعاون مع إحدي عصابات تهريب المخدرات، بينما ابنتها الوحيدة نعيمة تعمل محامية ولا تعلم شيئاً عن حقيقة نشاط أمها، والأم تبدو بالغة الشراسة مع كل الرجال من حولها - لكنها تختلف تجاه نعيمة باعتبارها الأستاذة التي تتشرف بها أمام الآخرين . ومن أجل عيون الابنة، فإن الأم تقرر التوبة خاصة حين يتقدم ضابط الشرطة أحمد لخطبة نعيمة، وحين تجتمع مع شركائها من أجل تصفية الحساب قبل أن تنفصل عنهم، تقوم قوة من رجال الشرطة بقيادة أحمد بمداهمة المكان، ويتم القبض علي المرأة . وهذا الموقف يؤدي إلي زيادة الأواصر بين الأم والابنة . فالمحامية تتصور أن خطيبها قد تقرب منها من أجل الإيقاع بأمها، وتتولي الدفاع عن الأم التي تصاب بالشلل، وتبعاً لشدة الصدمة تموت وتترك الأحداث مليئة بالتعقيد بين المحامية والضابط. أما في فيلم " المجهول " لأشرف فهمي . فإننا هنا أمام علاقة أمومة غريبة بين أم وابنتها، فالاثنتان تعيشان في فندق في منطقة معزولة بكندا . وهما شريكتان في قتل النزلاء . أي أن الأم والابنة تقومان بهذا العمل معاً . فهما تسرقان نقود القتلي بعد التخلص منهم، وحسب منطوق الفيلم فإنهما تفعلان ذلك من أجل تدبير أموال لدفع أقساط البنك، وهذه الأم تقوم مع ابنتها بقتل ناجي القادم من مصر والذي أخفي هويته الحقيقية وذلك من أجل إحداث المفاجأة لدي أمه . نعم .. فهذا الرجل هو ابن لهذه القاتلة تخفي تحت اسم مستعار . وبذلك تكون سناء جميل في هذا الفيلم هي إحدي الأمهات البالغات الندرة اللاتي قمن بقتل الأبناء أسوة بما فعلت المرأة في الأساطير اليونانية القديمة . ممثلات أخريات هذه بعض النماذج البارزة من أمهات السينما المصرية، ولكن هناك نماذج عديدة لأمهات قمن بأدوار مشابهة، وقد تكررت هذه الأدوار من فيلم لآخر، ومنهن عزيزة أمير صاحبة أكبر رصيد عددي في الأفلام السينمائية من بين الأمهات، وقد تفوقت بذلك علي أمينة رزق . أما ثريا فخري فقد أدت دور الأم الفقيرة أحياناً مثل " العزيمة "، ودور الأم الأرستقراطية في الكثير من الأفلام، بينما برعت آمال زايد في أدوار الأم البالغة الطيبة ساعدها في ذلك أدائها البسيط، ونبرات صوتها المليئة بالدفء وبدت كأنها خلقت لأدوار مثل " بين القصرين "، و"بائعة الخبز "، و"حياتي". وهناك أمهات اتسمن بقوة شخصية واضحة في أفلامهن مثل علوية جميل وعقيلة راتب، أما مديحة يسري فقد نوعت في دور الأم من عاشقة إلي ساقطة في " الاعتراف " وإلي أم تخفي في أعماقها سر مؤلم في " الخطايا " وأم عصرية لأسرة معتدلة في "الإرهابي" . وهناك في السينما المصرية قامت ممثلات صغيرات في السن بصبغ الشعر ليجسدن دور الأمهات مثل نجلاء فتحي في "الرداء الأبيض"، ونيللي في "امرأتان" لحسن رمزي . أما فاتن حمامة فقد تدرجت في السينما المصرية من الطفلة الصغيرة إلي الشابة الابنة للعديد من الأمهات وحتي صارت أماً في فيلمها الأخير "أرض الأحلام " كما رأيناها أماً لأسرة كبيرة العدد في " إمبراطورية ميم". وكما سبقت الإشارة فإن موضوع الأم لا يمكن تكثيف الحديث عنه في مقال واحد وهو من شدة اتساعه يحتاج إلي كتاب بأكمله.

جريدة القاهرة في

20/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)