حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

شون بن لـ «الحياة»:

السينما الحالية بلا شاعرية والجماهير يثيرها العنف والخيانة

باريس - نبيل مسعد

لا شك في أن شون بن (52 سنة) هو من أبرز نجوم السينما الهوليوودية اليوم لما تتميز به مسيرته الفنية من جودة في نوعية الأفلام التي يظهر فيها أو التي يخرجها بنفسه.

وقد ظهر بن حديثاً في فيلمين فاز أحدهما وهو «شجرة الحياة» للسينمائي الأميركي اللبناني الجذور تيرنس ماليك، بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان «كان» السينمائي 2011. أما الثاني فهو «هذا هو المكان» من إخراج الإيطالي باولو سورنتينو.

وفي مناسبة حضور بن إلى العاصمة الفرنسية كي تكرمه وزارة الثقافة على يد الوزير فريدريك ميتران عن مجمل أعماله، خصوصاً عن الجانب الإنساني في الأفلام التي يخرجها بنفسه، إلتقته «الحياة» وحاورته.

·         ما رد فعلك على التكريم الفرنسي لك؟

- هذه ليست المرة الأولى التي أحضر فيها إلى فرنسا تلبية لطلب وزارة الثقافة أو لجنة توزيع جائزة «سيزار» مثلاً، فأنا أطير من الفرح في كل واحدة من هذه المناسبات لأنني أعشق أوروبا عموماً وفرنسا في شكل خاص، وبالتالي أجد أن الفرنسيين يحبونني مثلما أحبهم، وما أحلى المشاعر المتبادلة بين طرفين، أليس كذلك؟

أعتقد بأن الأفلام التي أُخرجها والقضايا الإنسانية التي أدافع عنها من خلال هذه الأعمال تمس المتفرج الأوروبي ربما أكثر من الأميركي، وبالتالي أتمتع هنا بشعبية من نوع خاص أقدرها إلى أبعد حد.

·     أنت تظهر في لقطات قليلة في فيلم «شجرة الحياة» ومع ذلك فإن من يشاهده يتذكرك فيه أسوة ببراد بيت الذي يحضر تقريباً في كل مشاهد الفيلم. كيف تفسر الأمر؟

- أفسره في منتهى البساطة بكون دوري في الفيلم يتميز بأهمية بالغة على رغم قلة المشاهد التي تظهر فيها الشخصية التي أؤديها، ثم بكوني قد مثلت الدور بأسلوب يشد انتباه المتفرج ويهز كيانه. فأنا الأخ الراحل الذي يظل يحتل مكانة كبيرة في قلوب أفراد عائلته وعقولهم، وبالتالي فالجمهور يشعر تجاهي بحنان ربما يفوق ذلك الذي يوليه لسائر أبطال الحبكة، لا سيما شخصية براد بيت، الأب الطاغي على أولاده.

·         قيل إنك غضبت ضد المخرج تيرنس ماليك بسبب حكاية اللقطات القليلة هذه؟

- هذه عبارة عن إشاعات ترددها الصحافة الفضائحية التي أكرهها والمجردة كلياً من الصحة. أنا وافقت على المشاركة في الفيلم عن دراية تامة بدوري فيه وبعدد المشاهد التي تظهر فيها الشخصية التي طلب مني ماليك تمثيلها. وفي حال عدم موافقتي على أي شيء في السيناريو لما كنت قبلت العمل أساساً. والمهم في الدور قوته وليس طوله.

·     كيف انطلقت في السينما، لا سيما في أفلام أخرجها الكثيرون من الكبار بعد نجاحك التلفزيوني العريض في مسلسلات شهيرة، علماً أن السينما نادراً ما تستعين بنجوم الشاشة الصغيرة؟

- قد يبدو كلامي غريباً ولكنني شعرت بالقلق والخوف منذ أول يوم عملت فيه أمام الكاميرات السينمائية وذلك بعدما تمنيت هذه اللحظة سنوات وسنوات. أما عن كيفية انطلاقي في مهنة السينما بعد نجاحي التلفزيوني، فقد حدث الأمر بطريقة عادية جداً وأقصد من طريق تسلمي بعض العروض من المخرجين وشركات الإنتاج، فيبدو أن أهل المهنة لم يعترضوا أبداً على أن أدمج بين الشاشتين الكبيرة والصغيرة من ناحية البطولات، ولعب الحظ دوره بأسلوب فعال في لقائي الكبار بدلاً من الفاشلين. وفي يوم ما قررت مغادرة التلفزيون لمصلحة الشاشة الكبيرة، الأمر الذي لا يعني أنني لن أعود إليه في المستقبل.

تحمل مشقاته

·     ما رأيك في الإعلام الذي يقول إنك نجحت بفضل وسامتك المتوحشة بعض الشيء والقريبة من تلك التي تمتع بها الراحل جيمس دين؟

- دعني أؤكد لك أنني نجحت في العمل السينمائي، على الأقل في رأيي، إثر إصابتي بفيروس مهنة التمثيل ورغبتي في ممارستها وكوني تعلمتها في مدرسة للدراما مثل أي ممثل آخر، بصرف النظر عن قدرة ملامحي على فتح الأبواب أمامي. وهناك الكثير من التأثيرات السلبية في الفنانين الذين ينجحون فجأة بفضل مظهرهم ثم يختفون بسرعة البرق. وأعتقد شخصياً أنني أقنعت العالم بجدية نيتي في اقتحام عالم الفن وتحمل مشقاته.

·         مشقاته ولكن أيضاً حلاوته خصوصاً أنك ارتبطت زوجياً بالنجمة الجذابة جداً روبين رايت؟

- طبعاً، فهذا ما يقوله الجمهور العريض. وأنا لا أنكر كون شريكة حياتي السابقة وأم أولادي هي من أجمل نساء العالم، ولكن علاقتنا لم تكن مبنية لحظة واحدة على مظهرنا بل على عواطفنا المتبادلة سنوات طويلة مثل أي زوجين أو حبيبين في الدنيا. وكل ما قيل وكتب خلاف ذلك هو عبارة عن كلام فارغ من أي معنى حقيقي وهدفه إثارة خيال الناس لا أكثر ولا أقل.

·         وهل تحلم بنجومية على مستوى تلك التي تمتع بها جيمس دين والتي تظل حية مهما مضى الوقت على رحيله؟

- لا، فالمهم هو أن أمثّل وأخرج، أما الشهرة على مثل هذا المستوى فتفيد في الدخول إلى التاريخ السينمائي أكثر من أي شيء آخر، لذلك لا أرفضها وفي الوقت ذاته لا أسعى وراءها بطريقة محددة. وعلى العموم أعرف أن النجومية على طريقة جيمس دين ولّت أيامها والممثل في الزمن الحالي يشبه رجل الشارع العادي، بينما أصبح نجوم الموضة والتجميل في المرتبة الأولى في ما يخص إثارة مخيلة الجماهير. وربما تنعكس الأمور في المستقبل من جديد وتعود السينما إلى مهمتها الأصلية التي هي إثارة الخيال، فهذا ما أتمناه.

·     كيف أقنعك المخرج باولو سورنتينو بالعمل في فيلمه «هذا هو المكان»، علماً أن دورك فيه هو فنان موسيقي فاشل تماماً في كل جوانب حياته وشعره طويل؟

- قرأت السيناريو مع سورنتينو لأنه طلب مني أن نقرأه معاً خوفاً من ألا أتعدى الصفحة الثالثة إذا قرأته وحدي، وذلك للسبب الذي تذكره بنفسك. واكتشفت نقطة مشتركة بيني وبين المخرج هي حبنا للحكايات التي تدور أحداثها في الأوساط الموسيقية الصاخبة والتي تتعلق بفنانين فاشلين كلياً ورديئين تماماً، إلا أنهم يتمتعون بصفات إنسانية خلقية جبارة تحولهم إلى ملائكة في نهاية الأمر على رغم مظهرهم. وبالتالي نشأت بيننا صداقة فورية وقوية لا تزال تجمعنا بصرف النظر عن الفيلم. وأعترف بأنني شخصياً كنت أحلم بمثل هذه الفرصة السينمائية لأنها قادرة على فتح الباب أمام ابتكار درامي من الدرجة الأولى. لقد سعدت بأداء الدور وأعتبره الآن من أقوى ما مثلته خلال مشواري المهني حتى الآن، وذلك مهما كان شعري طويلاً في الفيلم.

·         من الواضح أنك لا تعمل مع مخرجين من الشباب، فهل هناك ما يبعد شبان السينما عنك؟

- الذين أعمل معهم هم كبار السينما. وهناك جيل جديد من السينمائيين يعبّر عن حياة الشبان ومشاكلهم من خلال الكاميرا، ومن الطبيعي أن يختار هؤلاء ممثلين يلائمون شخصيات السيناريوات من حيث العمر والشكل، وهذا كل ما في الأمر. إنها الموجة الجديدة الحالية مثلما تواجدت موجة «جديدة» في الستينات من القرن العشرين كانت تلجأ إلى خدمات بعض النجوم وتجاهلت الكبار في العمر اعتباراً من سن الأربعين مثلاً. إنها سنّة الحياة.

·         وماذا عن الدونجوانية التي لا تزال تلاحقك سينمائياً؟

- الدونجوانية السينمائية مهنتي وهي تناسبني فوق الشاشة فقط إذا تطلبت أدواري أن أجذب النساء، ومن ناحية ثانية لا أمانع في إثارة إعجاب المتفرجات، ولكن عن بعد.

زمن يلغي القيم

·         ما هي نظرتك إلى سينما الزمن الحالي؟

- أراها تجرد الحياة من الشاعرية تماماً، فالعنف أصبح مسألة طبيعية، والقتل أيضاً، أما المشاعر السامية فهي اختفت من فوق الشاشة وحلت الخيانة مكان الحب والإخلاص. إننا نعيش في زمن يلغي القيم ويشجع المرء على تنمية غرائزه الحيوانية البشعة، والسينما تعكس هذا الواقع الاجتماعي بصدق يفوق حد المعقول في رأيي. أنا مقتنع بأن الجمهور العريض في حاجة ماسة لمشاهدة شيء يتعدى الواقع اليومي الصعب ويرفع من معنوياته ويعيد إليه الثقة في المبادئ والقيم السامية، وهذا ما أنادي به بالنسبة الى سينما المستقبل.

·         أنت تكتب السيناريوات وتخرج، فهل تفضل هذين النشاطين على التمثيل؟

- أعشق الكتابة لكنني في حاجة دائمة إلى التمثيل لأنه عمل جماعي ولأنني أكره الوحدة، والكتابة لا تتم إلا في الوحدة. وبالنسبة الى الإخراج فهو عمل جماعي أكثر من التمثيل لكنه أصعب بمراحل كبيرة أيضاً، لذا أنوي الاستمرار فيه بطريقة دورية مرة كل ثلاث أو أربع سنوات بينما لا أتردد في قبول التمثيل في أفلام عدة وفي كل عام، فالممثل يحمل مسؤولية دوره فقط بينما يحمل المخرج مسؤولية الفيلم بأكمله.

·         هل اخترت مهنة التمثيل مثلاً لتهرب من واقع حياتك؟

- إخترتها لسبب رئيسي هو اكتشاف حقيقة نفسي من خلال الأدوار التي أمثلها والتي تجبرني على التفتيش في أعماق روحي عن هويتي الفعلية. إن التمثيل عبارة عن تحليل نفساني لا أكثر ولا أقل، علماً أن الممثل يتقاضى أجراً عن هذا التحليل بدلاً من أن يدفع قيمة الزيارة للمحلل النفساني، مثلما يفعله أي شخص عادي. وللرد على سؤالك، فأنا لا أود أن أهرب بالمرة من واقع حياتي اليومية، فهي تناسبني وأنا رجل سعيد.

الحياة اللندنية في

16/03/2012

 

السينما الخليجية موجودة وحيّةّ والشكاوى تتواصل!

إبراهيم العريس 

نحن اليوم في منتصف المسافة الزمنية بين مهرجانين لأفلام دول الخليج العربي، مهرجان اختتم أعماله قبل أسبوعين عقد في الدوحة، وآخر يفتتح فعاليّاته بعد اكثر من أسبوعين آخرين ويقام في دبيّ. الأول لا يزال في دورته الأولى، أما الثاني فمهرجان بات اليوم له تاريخ يحسب بالسنوات. من ناحية مبدئية، وللوهلة الأولى، من الصعب إيجاد فوارق كثيرة بين المهرجانين. بل ربما يمكن القول أيضاً إن الأفلام التي عرضت في المهرجان الأول ستكون هي نفسها تقريباً التي ستعرض في المهرجان الثاني...والضيوف سيكونون هم انفسهم على الأرجح، كما إن النقاشات سوف تكون متشابهة. ولعل الفارق الأساس يكمن في أن الأول اقتصر على أفلام دول مجلس التعاون الست المنضوية رسمياً تحت لواء هذا الكيان الخليجي الصاعد، فيما يفتح الثاني ذراعيه لبلدان «خليجية» أخرى مثل العراق واليمن.

ومع هذا لا بد من الإشارة فوراً إلى أن المهرجان الذي عقد دورته الأولى في الدوحة، يبدو اكثر أهمية من الثاني بكثير على صعيد محدد، وهو انه مهرجان رسمي مدعوم مباشرة من الهيئات الثقافية وبالتالي السياسية التي ترتبط بقيادات مجلس التعاون.

ومعنى هذا أن ما كان يبدو مبادرات فردية غير مضمونة في مهرجان دبيّ بات الآن مشروعاً رسمياً مدعوماً مالياً ومعنوياً من واحد من أغنى التجمعات الاقتصادية والسياسية في العالم. وهنا سيكون مفيداً أن نشير إلى أن صيغة هذا المهرجان صيغة دورية بمعنى انه سوف يقام مرة في العام ولكن في كلّ مرة في بلد آخر من بلدان مجلس التعاون.

ومن المؤكد أن من شأن هذا أن يزيد من رسميته...وربما هشاشته أيضاً (لكن هذا موضوع آخر لا يزال الوقت مبكراً لبحثه)...المهم هنا هو أن هذا المهرجان الذي يعني دول التعاون، ولد كتتويج لحال من الوعي والاهتمام السينمائي باتت تعمّ دول الخليج ونخبها، وربما أيضاً قطاعات لا بأس بها من محبي السينما فيها، خلال السنوات الأخيرة. ولكن لئن كانت بدايات هذا الاهتمام ( عبر مهرجانات دبي وأبو ظبي ثم الدوحة التي صارت علامات- فاقعة أحياناً- على خريطة المهرجانات السينمائية العالمية) بدايات اتسمت بالإنفاق المالي والبهرج النجومي والصخب الإعلامي والحكايات الخرافية عن جوائز وطائرات وفنادق واحتفالات...إلى آخر ما هنالك، فإن الأمور بدأت في شكل عام تعود إلى مستويات معقولة دورة بعد دورة. أما الفيصل في ذلك فكان من ناحية في ازدياد الاهتمام بالسينمات العربية، وفي قيام مؤسسات تابعة للمهرجانات الثلاثة تساند السينمائيين العرب وربما غير العرب أيضاً، وتموّل وتدعم أفلامهم...وأخيراً في هذا الاهتمام المتجدد والصحي بالسينما الخليجية نفسها بعد أن كان النقد الأساسي الموجه إلى المهرجانات الثلاثة معاً ينطلق من استغراب وجود مهرجانات سينمائية ضخمة في بلدان لا تنتج أفلاماً.

رواد مبكرون

من هنا إذاً، يمكن القول إن المهرجانين الخليجيين الذين نحن في صددهما يأتيان، كل على طريقته على أية حال، للإمعان في ضبط الصورة وتعديلها... ولعل هذا بدا واضحاً بالتحديد من خلال الدورة الأولى لأفلام مجلس التعاون التي عرضت في الدوحة عدداً لا بأس به من أفلام حققت في بلدان المجلس الست خلال الآونة الأخيرة...والحال إن هذه العروض، على تواضعها، إنما أتت لتقول إن السينما الخليجية باتت أمراً واقعاً: باتت سينما لها أفلامها وسجالاتها ومخاوفها ومبدعوها ونقادها والزوايا الصحافية المهتمة بها متابعة ونقداً ونقضاً أحياناً...بل اكثر من هذا: لها تاريخها ورواد هذا التاريخ أيضاً. وإذا كان يقال عادة إن تكريم مبدع ما إنما هو إحالة هذا المبدع إلى متحف الذاكرة- والنسيان بالتالي- فإن التكريمات التي أسبغت على عدد من رواد الفن السينمائي خلال مهرجان الدوحة بدت أشبه بعملية إحياء منها بعملية إقصاء متحفي.

وذلك لسبب بسيط وهو أن المبدعين السينمائيين الستة الذين كرّموا، وإذا استثنينا الراحل إسماعيل العباسي من قطر، لا يزالون في شرخ الشباب والعطاء بحيث أن المتحفية ليست واردة بالنسبة اليهم. فالرائد الكويتي خالد الصديق، الذي كان صاحب أول فيلم خليجي بالمعنى الحرفي للكلمة، «بس يابحر»، يستعد وفي شكل متواصل لاستئناف حلمه السينمائي الذي تجسد للمرة الأولى قبل أربعين عاماً في هذا الفيلم الذي يعتبر دائماً واحداً من افضل عشرة أفلام عربية في تاريخ الفن السابع، والسعودي عبد الله المحيسن لا يزال حديث التأسيس للسينما الروائية السعودية بروائيّه الأول «ظلال الصمت» والذي حققه قبل سنوات وسط متن سينمائي له يضم أعمالاً وثائقية عدة من مزاياها أنها عالجت، وغالباً بتميّز فني وفكري ودائماً باستباق للأحداث، بعض القضايا الشائكة التي تمر بالعالمين العربي والإسلامي.

أما المخرج العماني خالد الزدجالي - والذي كان أيضاً من بين المكّرمين إلى جانب الناقد الإماراتي مسعود أمرالله مؤسس مهرجاني أفلام الإمارات وأفلام الخليج وأحد ابرز مسؤولي مهرجان دبي والمعروف بمساهماته الأساسية في نهضة السينما في بلاده، والفنان البحريني المخضرم عبد الله السعداوي الذي يشكل وحده حالة فنية مدهشة ليس في وطنه البحرين فقط بل على الصعيد الخليجي أيضاً -، فإنه، أي خالد الزدجالي... بدا شاعراً وهو يعتلي منصة التكريم بعبء مثل هذا الموقف هو الذي لم يظهر على الساحة السينمائية في بلده، كما في الخليج في شكل عام إلا منذ سنوات قليلة مع فيلمه المميّز «البوم» الذي عرض في مهرجانات ودول كثيرة واعتبر مؤسساً للسينما العمانية وواحداً من افضل الأعمال التي تساهم في السينما الخليجية ونهضتها في شكل عام.

تلفزيون/سينما

مهما يكن من أمر لا بد أن نلاحظ هنا أن الزدجالي كان الوحيد من بين المكرّمين الذي شارك فيلم له في مسابقة الأفلام الروائية التي أقيمت خلال مهرجان الدوحة. والفيلم هو «يوم سعيد» الذي لا تزيد مدة عرضه عن عشرين دقيقة بالإضافة إلى انه حقق لغايات وعظية اجتماعية وللتلفزة. غير أن تأمّل هذا الفيلم يجعلنا نشعر على الفور أننا أمام سينمائيّ حقيقي...فمن سياق السيناريو إلى إدارة الممثلين إلى الحبكة إلى اللقطات وصولاً إلى إيقاع الفيلم و»خبطته» المسرحية الأخيرة ، ندرك كيف أن الزدجالي التقط فكرته – الموصى عليها لحساب سلسلة اجتماعية تحمل توعية للمواطنين، تتعلق في هذا الفيلم بمصائب السرعة في قيادة السيارة – ليجرّب وهو يشتغل عليها تقنيات سينمائية ومرونة في التوليف وتعاملاً مع المسافات كما لو كان في فيلم من أفلام الغرب الأميركي.

أن ما نقوله هنا عن هذا الفيلم من ناحية «فرص التجريب» المتاحة اليوم أمام من يشاء من مبدعي الصورة المتحركة الخليجيين، يمكن قوله عن هؤلاء جميعاً، سواء كانت أفلامهم في أصلها أعمالاً للتلفزيون – على شكل ريبورتاجات كما حال التحقيق الجريء والنزيه «السيدة الوردية» لشروق شاهين وسارا روغاني والذي قدم موضوعاً سجالياً فائق الأهمية عن الكنائس التي أقيمت للمسيحيين في قطر ( نال جائزة افضل فيلم وثائقي عن جدارة)، أو فيلم «حمامة» لنجوم الغانم ( جائزة افضل إخراج لنفس الفئة) – أو أعمالاً سينمائية خالصة( معظم الأفلام الروائية المشاركة سواء فازت بالجوائز مثل «سبيل» لخالد الحمود من الإمارات، أو لم تفز مثل «كناري» عن سيناريو للكاتب والناقد المعروف أمين صالح)-...فالحال إننا، بالنسبة إلى معظم ما عرض من أفلام في مهرجان الدوحة، وربما ما سيعرض في مهرجان الخليج في دبي بعد أيام، نجد انفسنا أمام سينما بدأت تخرج، وإن بخطوات خجولة، من البدايات المتعثرة التي طالت زمنياً لتتأرجح عقوداً في مسيرة كان أسوأ ما فيها أنها مضطرة لأن تبدأ كل مرة من جديد!

اليوم، مع الاعتراف الرسمي بوجود سينما خليجية، مع العودة إلى أصحاب الأفلام الأولى للقول جهاراً انهم كانوا محقين في أحلامهم وصائبين في أفلامهم، يبدو من الواضح أن ثمة ما يتحرك حقاً في عالم السينما الخليجية... حتى وإن كانت الشكوى لا تزال عامة، وعبّر عنها السينمائيون في الكواليس كما في السهرات الحلوة التي جمعتهم برهط من المهتمين والأصدقاء خلال السهرات التكريمية في الدوحة...وكذلك في المقالات والتحقيقات الصحافية التي نشرت خلال المهرجان، الشكوى من أن العوائق لا تزال قائمة والجمهور العريض لا يزال متردداً والأموال التي تنفق على الإبداع المحلي ليست شيئاً لا بالمقارنة مع الحاجات الحقيقية لهذا الإبداع، ولا – طبعاً – بالمقارنة مع ما ينفق في المهرجانات الخليجية الدولية على الأفلام العالمية ونجومها مع أن هذه، كما يقول سينمائي بحريني صديق «ليست في حاجة لا لأموالنا ولا لمهرجاناتنا».

طموحات قطرية: من «الشعوذة» إلى رحاب الفن الأكثر جمالاً 

ربما كانت الصدفة وحدها هي التي جعلت الدوحة المكان الذي تقام فيه الدورة الأولى لمهرجان أفلام دول مجلس التعاون، لكنها بالتأكيد صدفة تبدو في مكانها وزمانها، مبرّرة إلى أبعد الحدود، فإذا كانت قطر، ولأسباب غير واضحة، تبدو آخر الوافدين الخليجيين الى عالم الفن السابع ومهرجاناته، تالية لدبيّ وابو ظبي، وطبعاً الكويت والبحرين، وربما عمان أيضاً، فإن قطر تبدو اليوم وكأنها تحرق المراحل في سباق سينمائي محموم مع الزمن، فمن مهرجان ترابيكا الدوحة السينمائي، الى الجناح المميّز في مهرجان «كان» عاماً بعد عام، الى «مؤسسة الدوحة للأفلام»، مروراً بالإنفاق على واحد من أضخم الأفلام الأوروبية لهذا العام –»الذهب الأسود» لجان جاك آنّو-، وبإنشاء اول مدرسة لتعليم فنون السينما –والتلفزيون– في الخليج، ناهيك بما كان تمكن ملاحظته بسهولة في عناوين عدد لا بأس به من الأفلام التي شاركت، روائيّة او وثائقيّة، في الدورة الأولى لمهرجان دول التعاون، حيث بدت إسهامات مهرجان الدوحة ترابيكا واضحة، تؤكد ما بات معروفاً منذ حين من ان الدوحة تكاد في مجال دعم السينما والسينمائيين العرب تلعب دوراً كانت فرنسا وهولندا والقناة الرابعة الإنكليزية تلعبه مجتمعة قبل عقود... من هذا الى ذاك، يتجلّى إذاً هذا الاهتمام القطري المتجدد بالسينما. يتجلى ويدهش، بل يبدو أشبه بتحدٍّ نبت واستتب كالفطر. غير ان مشاهدة الفيلم القصير الذي حققه المخرج القطري الشاب حافظ علي علي عن سيناريو وفكرة للكاتب المصري المعروف عبد الرحمن محسن (صاحب سيناريو «زمن حاتم زهران» بين أعمال مميزة اخرى في السينما المصرية)، بعنوان «عبق الظلال»، مشاهدة هذا الفيلم سوف تقول لنا بسرعة إن هذه «الهجمة» القطرية على السينما والسعي الى المساهمة، مادياً ومعنوياً في سبيل وجودها قطرياً وخليجياً ودعمها عالمياً، ليست بالواقع الطارئ على تاريخ قطر الحديث.

فالحال ان هذا الفيلم اللافت والمشغول بطريقة حرفية يحمل متعة الفرجة وفائدة المعرفة في آن معاً، تكشف لنا من طريق الوثيقة التاريخية واللقاءات مع المعنيين بتاريخ العرض السينمائي والسينما إجمالاً في هذا البلد، ان الفن السابع كان حالة شعبية وثقافية في قطر منذ ما يزيد عن نصف قرن، وكان الاهتمام يتجلى في عروض صاخبة تصحبها نقاشات لأفلام مصرية (توقف الفيلم من بينها عند نماذج مميزة، مثل «باب الحديد» و «عنتر بن شداد» لنيازي مصطفى و «المماليك») ولقد قال لنا الفيلم في سياقه وفي غمرة استعراضه تاريخ الصالات في الدوحة، إن أسئلة كانت تثار دائماً من حول عدم وجود امكانيات لتحقيق سينما محلية او خليجية... والحقيقة ان هذه التساؤلات تكثفت في الحقبة نفسها التي يقول واحد من محبي السينما الذين استجوبهم الفيلم، إن السينما بدأت تنتقل في قطر من مجرد عروض ينظر اليها كجزء من الشعوذة، الى عروض ينظر اليها بجدية كونها واحداً من الفنون الأكثر جمالاً.

ومن الواضح اليوم أنه إذا كانت الدوحة قد انطلقت قبل سنوات قليلة لتأسيس حلم سينمائي ما، تجسّد بشكل خاص وفعال بمؤسسة الدوحة للأفلام التي ترأسها الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة (امير قطر) -ولهذا الأمر دلالة فائقة لا تخفى على احد وتعكس الاهتمام القطري الرسمي المدهش بالفن السابع-، فإن لا بد لنا من ان نرى جذور هذا الحلم، ليس في اتباع «موضة خليجية ما»، على خطى دبيّ وابو ظبي فقط، بل في الاستناد الى ذلك الحلم القديم الذي يطالعنا في ثنايا فيلم «عبق الظلال». وإزاء هذا الواقع، هل سيكون -على سبيل المثال لا الحصر- الفشلُ النسبي الذي كان من نصيب أول انتاجات قطر في السينما العالمية، ونعني بذلك فيلم «الذهب الأسود»، سداً في وجه المستقبل، أم سيكون حافزاً على التعاطي مع المسألة السينمائية بجدية اكبر وانتقائية مدروسة؟

الحياة اللندنية في

16/03/2012

 

أفلام جديدة (16-03-2012)

}  «الفارس الأسود ينهض»

إخراج: كريستوفر نولان – تمثيل: كريستيان بال، توم هاردي

> للمرة السادسة يأتي باتمان ليغزو الصالات والشاشات والعقول. المغامرة هذه المرة قد لا تختلف عما كان الأمر عليه في المرات السابقة... ضرب وتشويق وصراعات لا تخرج كلها عن السياق السابق، الذي كالعادة يتوّجه انتصار الخير على الشر. ومع هذا يمكن ان نقول مع عدد كبير من النقاد المنصفين الذين يتابعون السلسلة ورأوا جديداً في تناول المخرج نولان لشخصية البطل الأسطوري الخالد، ان هذا الجديد يكمن حقاً في ان المخرج، الذي اشتغل ايضا على السيناريو، لم يفته ان يعيد قراءة الشخصية بشكل يجعل من الفيلم شيئاً قريباً مما تحمله «سينما المؤلف» عادة... والحقيقة ان هذا البعد ليس بالغريب على سينما نولان، التي حتى حين تتزيّن بالخوارق والأبعاد الميتافيزيقية لا تبتعد عن عقلانية ما... ولعل هذه العقلانية هي ابرز ما في حكاية الصراع الجديدة بين باتمان وباني في هذا الفيلم.

}  «تويكست»

إخراج: فرنسيس فورد كوبولا – تمثيل: فال كيلمر، ايلّ فانينغ

>  مرة اخرى يعود كوبولا الكبير ليقدم عملاً جديداً له من حيث لم يكن احد يتوقع. صاحب «العراب» و «يوم الحشر الآن» وغيرها من شوامخ تاريخ السينما، يعود للمرة الثالثة تباعاً الى الفيلم البسيط والموضوع المتقشف. الى «سينما المؤلف»... ولكن هذه المرة في عمل له طابع الفيلم البوليسي الميتافيزيقي. وتدور حكاية الفيلم من حول كاتب يجد نفسه ذات يوم في بلدة صغيرة حيث دعي الى توقيع كتاب جديد له والكلام عنه. غير أنه إذ كان يجب ان يكون هو الحدث، يجد نفسه وسط دوامة تحقيق بوليسي معقد، فهنا وقعت جريمة قتل راحت ضحيتها شابة حسناء. وها هو التحقيق جار لمعرفة الدوافع والفاعل... من ناحية مبدئية، ليس للكاتب علاقة بالأمر. غير انه سرعان ما يجد نفسه متورطاً على أكثر من صعيد. كيف؟ علينا انتظار عرض الفيلم قبل ان نعرف الجواب.

}  «غاتسبي العظيم»

إخراج: باز لارمان – تمثيل: ليوناردو ديكابريو، توبي ماغواير

>  ليس عنوان هذا الفيلم جديداً، لا بالنسبة الى قراء الأدب الأميركي ولا بالنسبة الى عشاق السينما الأميركية الاجتماعية كما رمز اليها في سبعينات القرن العشرين ممثلون من طينة روبرت ردفورد. الحقيقة اننا هنا امام اعادة انتاج للفيلم الذي مثله هذا الأخير مقتبساً عن رواية سكوت فيتزجيرالد الشهيرة... لارمان ينجز حالياً تصوير هذا الاقتباس الجديد للرواية ولكن بعد ان جعل الأحداث، التي تدور اصلاً في اميركا الثلاثينات، تدور الآن في استراليا. السؤال الآن هو: هل يفقد هذا الانتقال الجغرافي هذه الرواية معناها بعد ان كان كاتبها فيتزجيرالد قد جعل منها مرآة حقيقية للمجتمع الأميركي و «خرافة» العصامية التي صنعت اميركا وأحلامها قبل ان تحول تلك الأحلام الى كوابيس؟

} «تايتانيك 3 د.»

إخراج: جيمس كاميرون – تمثيل: ليوناردو ديكابريو، كيت وينسليت

>  عمل قديم آخر، وليوناردو من جديد... ولكن الحكاية هذه المرة لا تتعلق بإعادة انتاج، بل بحلة جديدة تضفى اليوم على هذا الفيلم الأسطوري، الذي يبدو ان اصحابه لم يكتفوا بالأموال الطائلة التي جعلت منه قبل سنوات واحداً من أعلى الأفلام مدخولاً في تاريخ السينما، وها هم يحاولون اليوم تحويله من جديد الى دجاجة تواصل بيض الذهب، وذلك عبر لعبة تقنية حاذقة تحوله الى فيلم يعرض بتقنية الأبعاد الثلاثة. ومن المؤكد ان الرهان سوف يكون ناجحاً بالنظر الى ان قطاعات عريضة من الجمهور الذي شاهد الفيلم وحقق له نجاحه لن تجد سبباً يمنعها من مشاهدته مجسّماً ولا سيما بالنسبة الى نصفه الثاني، حيث تبدأ السفينة بالغرق في مشاهد أخّاذة بصرياً.. يومها كانت المشاهد بالصورة العادية مذهلة فكيف سيكون حاله بالأبعاد الثلاثة؟

الحياة اللندنية في

16/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)