حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

خالد يوسف يتحدث لـ «المصرى اليوم»:

«العسكرى» أدار خطة منظمة لتكفير الناس بالثورة

أجرى الحوار   حسن أبوالعلا

متجاوزاً حدود الواقع تنبأ المخرج خالد يوسف فى ثلاثة من أفلامه المهمة «هى فوضى» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» بثورة ٢٥ يناير، وبرؤية المفكر المدقق لأحوال وطن يعانى مشاكل على جميع المستويات عبر عن حالة مجتمع على وشك الانفجار.

وبصراحته التى اعتاد عليها فى أفلامه وجعلته فى مواجهة مستمرة مع مقص الرقيب تحدث خالد يوسف لـ«المصرى اليوم» عن الواقع الذى تعيشه مصر حالياً وتفسيره لصعود التيار الدينى وتأثير ذلك على الإبداع.

بعين السينمائى كيف ترى الصورة فى مصر حالياً؟

- المجتمع فى حالة سيولة، كياناته لم تتشكل، وتياراته السياسية والفكرية لم تكون لها كتلاً صلبة تستطيع أن تراها، والتيار الوحيد الذى استطاع أن يجد لنفسه كتلة صلبة بسرعة شديدة نظراً لإرثه التاريخى هو ما يطلقون عليه التيار الإسلامى، لأنه كان التيار الوحيد المؤهل بفضل جهوده التنظيمية عبر ٨٠ سنة وتواصله الدائم مع كوادره، وعندما حانت اللحظة الحاسمة كانت هذه الكوادر حاضرة فى المشهد، والقوى السياسية الأخرى كلها مبعثرة وحتى المدارس الفكرية المختلفة سواء اليسارية أو الليبرالية كلها مشتتة فى كيانات لا تستطيع أن تراها بشكل حقيقى، وبالتالى الصورة تعبر عن حالة 
ارتباك نظراً لأن القوى الوحيدة الصلبة الموجودة هى قوى التيار الإسلامى والقوى المعبرة عن بقية المجتمع كلها مبعثرة وهى الأكثرية، فأنا أعتقد أن الأكثرية من هذا الشعب لا تنتمى للتيار الإسلامى.

إلى أى أساس استندت فى هذا الحكم؟

- لو أن هذا التيار يمثل ٧٠% من الشعب على حسب نتيجة انتخابات البرلمان، فمعنى هذا أن كل ١٠ أشخاص منهم ٧ ينتمون للتيار الإسلامى، وأعتقد أن الانتخابات البرلمانية كانت نزيهة لكنها ليست عادلة، ولا تعبر تعبيراً أميناً عن الشعب المصرى.

لماذا؟

- عندما يكون هناك ٧٠% من نواب البرلمان تيار إسلامى فلابد أن يكون مردوده أن كل ١٠ فى الشارع منهم ٧ ينتمون لهذا التيار أو يناصروه، وهذه النسبة غير حقيقية، كما أن الشعب المصرى بطبعه وفطرته متدين، لأنه الذى اكتشف الإله قبل وجود الأديان السماوية الثلاثة، وهذا الشعب ليس لديه مشكلة مع الدين، بل إن الدين عنده سهل، وعندما دخل الشعب المصرى المسيحية كان ذلك بيسر وسهولة ونفس الشىء عندما دخل الإسلام، والتجانس والنسيج الاجتماعى للشعب المصرى لم يكن يوماً به نعرات طائفية.

كيف تفسر سيطرة التيار الإسلامى على البرلمان؟

- لابد أن ندرك أن هذا التيار استغل بؤس ويأس الناس، استغل بؤسهم وخاطبهم كجمعية خيرية تمنحهم رغيف العيش وأنبوبة البوتاجاز، واستغل يأسهم كجمعية دينية ووعدهم بالجنة، وبالتالى كان طبيعياً فى ظل عدم وجود الكيان البديل أن يختار الشعب هذا التيار، ولابد أن نعترف بأن الشعوب العربية فى حالة اشتياق لهذا التيار على سبيل التجربة، ويخطئ من يظن أن الشعب الذى اختار هذا التيار هو شعب جاهل أو متخلف لكنه شعب واع ويعرف ماذا يختار؟، وهذا الاختيار هو الاختيار الوحيد الصحيح فى الفترة الحالية لأنه لم يجد تياراً كاملاً يطرح نفسه بأنه يستطيع أن يحل كل العقد غير هذا التيار.

لكن هذه ميزة تجعل التيار الإسلامى مؤهلاً للحكم؟

- لا أنكر أنها ميزة، وأوافق على اختيار الشعب فى تجربة هذا التيار لكى ننتهى من هذا الصداع، لأن الناس الذين يطرحون أنفسهم منذ حوالى ٨٠ سنة بأن لديهم حلولاً لكل المشكلات لابد أن نجربهم و«نخلص منهم» سواء إيجاباً أو سلباً، إيجاباً بأن تطور نفسها وتستطيع أن تحل فعلا، رغم أنه ليس لديها منهج للحل، وإذا نجحت فإن ذلك سيحدث فى حالة التحامها بالحياة العامة واكتشافها بأنه ليس لديه منهج، وعليها أن تبتكر منهجاً تدير به الأمور وتحل المشكلات، ولو نجحت فى ذلك «خير وبركة»، ولكن لو حدث ذلك هذه التيارات هى التى ستأتى على أرضية الشعب المصرى أى أنها لن تغير الشعب، فهناك من يرى أن الإخوان المسلمين أو التيار الإسلامى بشكل عام سيغير من طبيعة الشخصية المصرية وهذا مستحيل، فهم الذين سيتغيرون، وهم الذين سيصبحون معتدلين ووسطيين، وهذا لا ينطبق على الإخوان فقط بل على السلفيين أيضاً، والتجربة التى عشناها فى الشهور القليلة جعلت طرح الإخوان المسلمين يأتى وكأنهم تيار ليبرالى، فهل الإخوان منذ ٣ سنوات كانوا يتحدثون عن الدولة المدنية، وسنجد أن الإخوان أصبحوا مثل الأشخاص العاديين، وأن السلفيين مثل الإخوان زمان، فالشعب المصرى هو من يملك طاحونته ليطحن كل القوى السياسية لتتفق مع هواه، وبالتالى أى تيار لديه حل لأى مشكلة تتعلق بالشعب المصرى لابد أن يجد الحل الذى يوافق هوى المصريين، وإذا أراد أحد أن يفرض الحجاب فلن يقبل الشعب المصرى، لأنه يرفض أن يفرض عليه شىء، وبالتالى هذه التيارات هى التى ستذوب فى الشعب، وستجد نفسها مضطرة أن تتأقلم مع طبيعة الشخصية المصرية.

باعتبارك أحد المؤمنين بأفكار حزب التجمع وواحد من أبناء التيار الناصرى، لماذا اختفت هذه القوى من على الساحة السياسية؟

- عندما أقول إن لدينا سيولة سياسية وإن هذه الكيانات لم تستطع أن تشكل لها كتلاً صلبة فإن هذا كان ناتجاً من أمور تتعلق بالظرف الذى تعرضت له هذه القوى، سواء الظرف الذاتى أو الموضوعى بداخلها أو الظرف الخارجى المتمثل فى ممارسات الدولة ضدها، فهناك أمراض فى التيارات اليسارية والقومية فى مصر، وهذه الأمراض أهم أسباب انهيارها وعدم التحامها بالجماهير مع أنها هى التى تعبر عن الجماهير بشكل حقيقى، لكنها لم تستطع الالتحام مع الناس لأسباب ذاتية وموضوعية بداخلها، ولأسباب تتعلق بحملات تم شنها عليها، ولم تكن بالقوة الكافية مثل الإخوان المسلمين لكى تصمد، فتم تفريغ هذه الأحزاب من محتواها وحدثت الاشتباكات الداخلية التى ساهمت فى تفككها، وأعتقد أنه ليس هناك مستقبل لحزب على أساس أيديولوجى فى المرحلة المقبلة سواء فى مصر أو أى دولة فى العالم، فالعالم وصل إلى مرحلة من النضج، لدرجة أنه مزج كل النظريات التى ابتكرها الإنسان عبر تاريخه، ستجد أن نصف ما تطبقه الأحزاب الرأسمالية التى تحكم دولاً مثل أمريكا وإنجلترا وفرنسا هى أفكار اشتراكية، فالعدالة الاجتماعية التى تتضمن مسؤولية الدولة عن العلاج والمسكن وتوفير عمل مناسب أو إعانة بطالة هى فى الأساس فكرة اشتراكية، فكيف تكون رأسمالياً وتطبق هذه الأفكار، فمرحلة الفصل بين الرأسمالية والاشتراكية انتفت، وحالياً امتزجت الأفكار، واقتصاد السوق الحرة لم يستطع أن يصمد دون أن يكون له بعد اجتماعى، والاشتراكية لم تستطع أن تصمد دون وجود حرية الفرد، والأحزاب فى المرحلة المقبلة سواء فى مصر أو دول العالم لن تتشكل على أساس أيديولوجى محدد، والحزب الذى سيكتسب شعبية هائلة فى مصر مثلا هو الحزب الذى يستطيع أن يعبر عن الـ ٤ شعارات التى قامت الثورة من أجلها وهى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

وماذا لو استطاع حزب الحرية والعدالة أو حزب النور وكلاهما له مرجعية دينية أن يترجم هذه الشعارات على أرض الواقع؟

- لا أعتقد أن أيا منهما يستطيع ذلك، فكلاهما محكوم بأفقه وبمنهجه الذى وضعه لنفسه، فعندما نقرأ برنامج حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين نكتشف أنه ليس هناك أى فرق بينه وبين برنامج الحزب الوطنى من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وحتى من الناحية السياسية، فالحزب الوطنى أيضا كان يتحدث عن الحريات وأشياء كثيرة لا يطبقها، وما يفرق برنامج حزب عن آخر هو مدى انحيازه لشرائح اجتماعية، وأدبيات جماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها لا توجد كلمة العدالة الاجتماعية، وإذا كان البعض يقولون عن الشيخ محمد الغزالى كتب كذا أو سيد قطب كتب كذا فإن هذا لا يدخل ضمن الأدبيات، ولكنهم مفكرون يعبرون عن أنفسهم حتى لو كانوا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، لكن أدبيات الجماعة الصادرة عنها ليس فيها أن يكون لكل فرد من أبناء هذا الوطن نصيب عادل من ثروة بلاده وهى العدالة الاجتماعية، وبالتالى هم محكومون بهذا الفكر، وسنتحول من دولة رجال الأعمال، بقيادة أحمد عز، إلى دولة رجال الأعمال بقيادة خيرت الشاطر، والفرق الوحيد أن خيرت الشاطر «ممكن ميبقاش حرامى» لكن ممارسات رجل الأعمال دون أن يكون لصا سنجده يمص دم الشعب والطبقات الفقيرة لأنه يعمل لصالح دولة رجال الأعمال دون أن يكون «حرامى أو مرتشى»، وبالتالى لا أعول على مشروعهم، فإما أن يطوروا أنفسهم ويدركوا أن هذا المشروع أو البرنامج لن يدفع مصر للأمام، وإما سيفشلوا فشلاً ذريعاً، ووقتها سيختار الشعب غيرهم، وأنا على يقين أن الشعب المصرى اختار الإخوان فى الانتخابات بوعى شديد، حيث أدرك أنه أصبح السيد ولا تستطيع أى قوة مهما كانت أن تتحكم فيه بعد الآن وبالتالى اختارهم بأريحية كاملة ولديه القناعة أنه يستطيع تغييرهم لو لم يرض عنهم، لذلك لا أجد مبرراً للقلق من وصول التيار الإسلامى للحكم.

حتى على مستوى الإبداع؟

- الإبداع من أكثر الأشياء التى أشعر بالاطمئنان عليها، فحضارة مصر كان لها ساقان، ساق الدين وساق الفن، الدين باعتبار أن الحضارة الفرعونية هى أول حضارة اكتشفت الإله قبل وجود الأديان السماوية والفنون الموجودة فى المعابد وكل ما نباهى به أمام العالم من الفن المصرى، ولا يمكن أن تغير ٧ آلاف سنة موجودة فى الجينات المصرية وتقول ليس لى علاقة بالفنون أو أن تطبق قواعد شرعية على الإبداع وتجعله حراماً، وأتصور أنه حتى لو عاد التتار والمغول لن يستطيعا «تكتيف» الإبداع المصرى، وبالتالى لن يستطيع أحد العبث بمواد دستورية تنتقص من حرية الإبداع لأن الشعب حاضر، فلن يقبل الشعب أن يتم منع الغناء أو السينما، ولا يصح بعد نجاح ثورة، كان أحد أهدافها الحرية، أن نتحدث عن أن هناك انتقاصاً للحرية تحت أى دعوة، سواء كانت دعوة دينية أو أخلاقية، فالرقابة التى تمارس فى أى مجتمع متحضر بعد ثورة عظيمة مثل التى حدثت فى مصر تكون من خلال ضمير المبدع ووعى الناس، وأن يلفظ المجتمع نفسه الفن الهابط، ولا أحد يستطيع أن يفرض وصاية على الناس، فنحن شعب ناضج وحصل على حريته «بدراعه» ودماء شهدائه، لذلك ليس مقبولا أن يحدد أحد لهذا الشعب ما الذى سيراه، فهذا الشعب هو الذى سيختار بنفسه.

هناك الكثير من الناس بدأوا يشعرون بالغضب من كثرة الاعتصامات فى ميدان التحرير، فأيهما تفضل مواصلة الاعتصام حتى تحقيق مطالب الثورة أم الانتظار بعض الوقت؟

- لابد أن نعرف أولاً سبب الاعتصامات والمليونيات لكى نحلل الوضع بدقة وأتصور أن محاولة المجلس العسكرى الانقضاض على الثورة والالتفاف على مطالبها ومحاولة إعادة إنتاج نفس النظام السابق هو ما تسبب فى كل هذه الكوارث، فالمجلس العسكرى أدار خطة منظمة لتكفير الناس بالثورة لأن قراراته دائماً تأتى متأخرة وبجهود كبيرة وتكلفنا شهداء، وفى نفس الوقت لا يحافظ على الأمن الذى يفترض أنه مسؤول عنه، وبالتالى كان يقصد عدم استتباب الأمن بالقدر الذى يشعر به المواطن، لكى يدرك أن الثورة أنجزت له شيئاً، لو كان المجلس العسكرى حافظ على الأمن فوراً وجعل الناس تشعر بأن الثورة غيرت معيشتهم للأفضل، كانت الناس ستزداد تشبثاً بالثورة وتزداد الضغوط عليه بحيث يحدث التغيير الحقيقى، لكن المجلس العسكرى لا يريد ذلك، وما يستطيع أن يفعله هو أن يجعل الناس تكفر بالثورة، كما أن المجلس أراد أن يكون له ظهير شعبى فاختار الإخوان المسلمين ليكملوا معه هذا المخطط، وفى النهاية الصفقة هى أن للمجلس العسكرى الرئاسة وللإخوان الوزارة.

وما رأيك فى فكرة الرئيس التوافقى؟

- الرئيس التوافقى هو الصفقة التى أتحدث عنها، فهو الرئيس الذى يرضى عنه المجلس العسكرى ولا يرفضه الإخوان المسلمون، وأنا أرفض هذه الفكرة لأن ذلك الاختيار يجب أن يخضع لإرادة شعوب ولا يصح أن يتم فى غرف مغلقة، علينا أن نترك الشعب يختار، وأعتقد أن المعبرين بشكل حقيقى عن ضمير ووجدان هذا الشعب عبر نضال طويل هما حمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح.

لكن عبدالمنعم أبوالفتوح يمثل تياراً دينياً؟

- نعم، لكن لديه مشروع حقيقى يبتعد تماماً عن مشروع الإخوان المسلمين لذلك لفظ من الجماعة، صحيح أن لديه مرجعيات إسلامية لكن طبيعة طرحه مستنيرة، أنا لن أؤيده لكن أعرف أنه شخص محترم، وحمدين صباحى نفس الحكاية.

من البداية أعلنت اختيارك حمدين صباحى حتى فى وجود الدكتور محمد البرادعى، هل اختيارك «حمدين» فيه جزء عاطفى باعتباره صديقك؟

- على الإطلاق، دعنى أحك لك قصة باعتبارى سينمائياً ستلخص الحكاية كلها، عبدالناصر فى بداية الثورة كان فى جولة بالقطار بمحافظات الصعيد، وكان القطار يقف فى كل محطة ويلوح بيديه للناس، وفى إحدى المحطات أراد أحد عمال التراحيل أن يقول شيئاً للرئيس ولم ينجح، فألقى عليه بمنديله المحلاوى، وتلقف عبدالناصر المنديل بينما أصيب الأمن المرافق له بالهلع خوفاً من أن يكون داخل المنديل قنبلة، وفتح الرئيس المنديل فوجد به بصلة ورغيف عيش، فنظر للرجل وقال له «فهمت»، وعندما وصل أسوان أصدر قانون عمال التراحيل والحد الأدنى والأقصى للأجور، لأنه فهم الرسالة، وأعتقد أن حمدين صباحى هو من يستطيع أن يفك هذه الشفرة وهذا سبب تأييدى له، وكثيرون من مرشحى الرئاسة لو ألقى عليهم هذا المنديل سيظنون أنه قنبلة، كما أنه ليس من بين مرشحى الرئاسة باستثناء حمدين وربما عبدالمنعم أبوالفتوح من شم رائحة الغلابة وعرق العمال.

أليس غريباً أن ترفض حكم العسكر بينما مازلت تعلق صورة عبدالناصر فى مكتبك؟

- حكم عبدالناصر لم يكن حكماً عسكرياً، فهل ديجول وتشرشل وتيتو وعبدالناصر عسكر؟ بالتأكيد لا، هم قيادات تاريخية خرجوا فى لحظة ما وعبروا عن وجدان أمة بكاملها، عبدالناصر قام بالثورة وبعد ٣ شهور أصدر قانون الإصلاح الزراعى، أى أنه جعل الناس تدرك ما الذى أنتجته لها الثورة، فأصبح ملايين الفلاحين يهتفون لها، وهو هنا لم يكن عسكريا، بينما حكم العسكر هو حكم الفاشيست الذى يوجه قرارات ملزمة دون نقاش، ولو خرج لنا من قلب الجيش المصرى شخص مثل جمال عبدالناصر «هاضرب له تعظيم سلام».

وماذا لو كان المجلس العسكرى جعل الناس تشم رائحة الثورة؟

- كان سيتحول لبطل قومى، وكانت الناس ستنتخب واحداً منه رئيساً للجمهورية وكانت ستطالب ببقائه، فلو أن المجلس منذ تولى السلطة يوم ١١ فبراير حاكم مبارك ورجاله ولم ينتظر ٣ شهور حتى «نشف ريقنا» وكلفنا أكثر من مليونية استشهد فيها عشرات الشهداء، وكان طبق الحد الأدنى للأجور وطهر مؤسسات الدولة، بالتأكيد كنت سأقول له «بالروح بالدم» لأنه فى هذه الحالة لن يكون حكم عسكر ولكن حكم أشخاص التحموا بالجماهير، فأنا ليس لدى مانع أن يخلع شخص ما الزى العسكرى ويتولى الحكم لأنه فى النهاية مواطن.

كيف ترى واقعة هدم تمثال عبدالناصر فى ليبيا؟

- بعض الثوار السلفيون فى إحدى المدن الليبية هدموا تمثال عبدالناصر وأرى فى ذلك تنكراً لعروبة ليبيا، لأن عبدالناصر ساهم فى تحرير ليبيا من الملكية والاستعمار فضلاً عن دوره فى مساندة حركات التحرر فى دول أخرى مثل الجزائر والسودان، ولا يصح بعد ثورة عظيمة مثل ثورة ليبيا أن أول شىء يفعلونه يكون تغيير اسم شارع يحمل اسم عبدالناصر وأن يهدموا تمثاله، فعبدالناصر ليس موروثا لمعمر القذافى، كما يتخيل بعض الليبيين، فعندما ساعده كان يساعده كثأئر قبل أن يحدث له خلل ويتحول لحاكم مستبد، فضلاً عن أن عبدالناصر لم يكن يساعد القذافى بل كان يساعد الشعب الليبى فى التحرر، وهدم تمثاله جريمة يجب أن يعتذر عنها من فعلوها، كما يجب على الخارجية المصرية والمجلس العسكرى أن يقدما احتجاجا للنظام الليبى على هذه الجريمة.

ما رأيك فى رفض وزير الثقافة التونسى مشاركة نانسى عجرم وأليسا وتامر حسنى وشيرين فى مهرجان قرطاج؟

- هذا الوزير قال «على جثتى لو دخلت نانسى أو أليسا أو تامر أو شيرين»، وهذا فيه تنكر وإهانة للفن العربى، وليس من حق هذا الوزير أن يفرض وصاية على الشعب التونسى الذى اختاره، فهو كان فرداً من الشعب ولم يكن قائداً للثورة لكى يتكلم باسمها، فثورة تونس كانت تطالب بالحرية ولا يليق أن أول إجراء يقوم به هذا الوزير أن يصدر هذا التصريح الذى يحمل إهانة لتاريخ مهرجان قرطاج وتاريخ الفن فى تونس.

هل من الممكن أن يحدث موقف مشابه لذلك فى مصر؟

- إذا كان الوزير التونسى قال «على جثتى» فأنا أقول «على جثتنا» أن يتم منع فنان عربى من التواجد على أرض مصر.

المصري اليوم في

11/03/2012

 

 

فيلم "ج.ادجار" يجسد دور المباحث الفيدرالية في استخدام سلاح المعلومات.. ضد أعداء أمريكا

تقدمها: خيرية البشلاوى 

المشغول بتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية سوف يجد في الفيلم الأمريكي "ج. ادجار" المعروض حاليا في القاهرة جانبا مهما من ذلك التاريخ. وأعني الجانب "الأمني" ودور مكتب المباحث الفيدرالية في تلوين المراحل السياسية المختلفة.

ومن يهتم بانجازات نجم أمريكي كبير مثل المخرج والممثل كلنت ايستوود سيجد في فيلمه هذا الأخير علامة أخري علي طريق فنان مبدع يدقق في اختيار موضوعات افلامه التي يقوم بإخراجها. وافلامه ترسم وجهاً من وجوه الحياة في أمريكا من منظوره كفنان اختار أن يكون له دور في الحياة ليست فقط الفنية وإنما ايضا الاجتماعية والسياسية.

الفيلم بطولة ليناردو دي كابريو وهذا بدوره ممثل رسم خطواته الفنية بطموح وارادة فنية دفعت به من شاب مراهق وسيم صديق للكاميرا إلي فنان مبدع ناضج أصبح لديه "ألبوم" من الشخصيات متنوع ومدهش.

وفي هذا الفيلم يستحضر المخرج الحياة المهنية والشخصية لواحدة من الشخصيات البارزة والمؤثرة علي مدي 48 سنة من تاريخه الـ إف بي أي FBI "مكتب التحقيقات الفيدرالي" انه ادجار هوفر "1895 - 1972" الذي أسس وترأس هذا الجهاز من 1924 وحتي وفاته .1972

انشغل هوفر في هذه الفترة التي تقترب من النصف قرن بتصفية التيارات اليسارية ومحاصرة اصحاب النزعات الشيوعية والنشطاء في مجال الحقوق المدنية. وعمل دوسيهات باسماء جميع العاملين في هذه المجالات وارشيفهم حسب حجم خطورتهم. بالاضافة إلي ملفات لجميع رؤساء أمريكا الذين حكموا الولايات المتحدة اثناء خدمته وعددهم ثمانية رؤساء بالإضافة إلي ملفات لأصحاب المراكز الكبيرة واصحاب النفوذ ومن ليس لهم نفوذ أيضا ولكن لديهم أفكار "هدامة" فهو لا يقتفي أثر "الجريمة" فقط وانما "الافكار" أيضا.

والفيلم الذي كتب له السيناريو "داستن لانس بلوك" يلقي الضوء علي الحياة الخاصة علي هذه الشخصية النافذة والمثيرة للجدل فقد كان الرجل هو الوجه الأمريكي "للقانون موضعه موضع التنفيذ" وكان مثيراً للخوف بقدر ما هو مثير للإجلال إنه "شرير ومقدس" في آن واحد. يعرف الأسرار الخفية وراء الأبواب المغلقة بينما هو نفسه يمتلك سراً كافيا لتدمير صورته وحياته العملية وحياته عموماً لم يصل إليه أحد ومات وهو مازال في الوظيفة ولم يهتز نفوذه قيد انملة طوال سنوات إدارته لهذه المؤسسة الأمنية الـ إف بي أي.

قدم المخرج ايستوود من خلال فيلمه هذا دراسة وافية عن الشخصية جسدها دي كابريو. ولكن من يقرأ عن الرجل ودوره يري أن الفيلم لم يتدخل إلي الجانب القاسي والمعتم المتخفي وراء دعاويه الأخلاقية بأنه مسئول يقتفي أثر أعداء أمريكا لحمايتها منهم وربما لهذا السبب انحاز كاتب السيناريو إلي الجنب الاقل شراً وإلي الانجازات التي غيرت بعض القوانين التي تقوي امكانيات التصدي للجريمة وتحقيقات المباحث.

يبدأ الفيلم في الستينيات من القرن الماضي بينما يقوم ادجار الذي تجاوز الستين في العمر بإملاء مذكراته علي سكرتير شاب بلغة رصينة وتعبيرات بليغة. وحكمة مهمة وجهت حياته كلها ألا وهي "إن المعلومات سلاح" وهي بالقطع "السلاح" النافذ في جميع العمليات المرتبطة بالأمن والسياسة ولذا أسس أكبر "أرشيف" معلوماتي علي مستوي العالم. حتي أصبح يخشاه الجميع بمن فيهم شخصيات نافذة وحاكمة.

والفيلم يكشف كيف استطاع ان يصل "هوفر" إلي أسرار "روز" زوجة الرئيس الأمريكي "روزفلت" وعلاقتها بسيدة مثلية وكيف توجه الإدارة بتحقيق فذ حول اختطاف ابن أحد الاسماء البارزة ثم حول عملية "الاختطاف" إلي جريمة فيدرالية بحكم القانون.

ويفوز الفيلم  كيف كانت تتم عمليات مطاردة الناشطين اجتماعياً وسياسياً ومنهم اسماء معروفة ويقوم بترحيلها من البلاد وكان يمقت الزنوج والكلام عن حرية العقيدة والحريات المدنية ويطارد من يطالب بها وقد خطط لتدمير مارتن كينج بسبب آرائه الهدامة حول الحقوق المدنية وتشاحن مع المدعي العام الأمريكي وقتئذ "روبرت كيندي" ومع جون كيندي.

باختصار كان من أكثر الشخصيات قتامة وشرا ولكن السيناريو الذي اعتمد عليه كانت ايستوود غفر له شروره وأخضع الشخصية لإعادة تأهيل علي الشاشة وقدم في نهاية المطاف شخصية متوازنة تثير الاعجاب.

ومن يشاهد الفيلم ويتابع التطبيق العملي لفكرة إن "المعلومات قوة" التي بفضل الإيمان بها أسس رجل المباحث الفيدرالية الأول شبكات من المخبرين وجمع الآلاف من التسجيلات الصوتية حتي صار يمتلك هو وجهازه أسرار الأثرياء والمشاهير وأصحاب النفوذ والفنانين والصحفيين وبذلك يظل مالكا لهذه "المعرفة".

ومن يشاهد هذا الفيلم يؤمن بأن هوفر أسس مدرسة عالمية استقي منها جميع المسئولين عن وزارات ومؤسسات الأمن الداخلي والخارجي في الدول المختلفة المبادئ الحاكمة النافذة والقادرة علي امتلاك ناصية الأمور والسيطرة علي الناس وأعمال القانون بوجوهه المختلفة وتحت دعاوي قد تكون مصطنعة.

وقدم دي كباريو أداء محسوبا جدا وبليغاً فالفيلم يتأرجح بين ماضي الشخصية وحاضرها. من مرحلة الشباب إلي الشيخوخة.. ومن ثم فترات ذات أبعاد نفسية متباينة.. وبمهارات تكتسب مع الوقت أبعادا مغايرة وهو في الحالات المختلفة يخضع - بالضرورة - لفريق من فناني المكياج يرسمون علامات الزمن علي ملامحه ويعيدون تصميم شعره وألوانه وعليه أن يتناغم مع مراحل وروح التطور في الشخصية ومع التغييرات الشكلية التي تطرأ عليها.

وعلي جانب آخر يصور الفيلم العلاقات المهمة في حياته وانعكاسها علي سلوكه. وعلاقته بأمه "جوري دنش" الشخصية الصارمة التي لا تختلف عن شخصية رجل أمن يوجه ويلاحظ وينتقد. وقد حذرته من ميوله المثلية ومن دلالة هذا السلوك. بعد ان التقطت عدم رغبته في الزواج ثم لاحقا علاقته بمساعده "كولسون" وكان لكلامها تأثيره علي شخصيته خصوصا بعد وفاتها.

وصور الفيلم هذه العلاقات وبالذات علاقة "هوفر" بسكرتيرته "هاندي" وقدرته علي التقاط الصفات التي يريدها من الشخصيات التي تعمل معه.

وفق استوود في اختياره لشخصية الممثل ارني هامر الذي قدم تجسيدا بالغ الإقناع لشخصية كلايد تولسون عشيق هوفر وساعده الابن وكذلك استطاعت ناعومي واتش في دور السكرتيرة "هلين جاندي" الذي منحها هوفر ثقته المطلقة ومنحته الطاعة والولاء حتي نهاية عمره.

ولعب المكياج دورا كبيرا في الإيحاء بأعمار الشخصيات في فيلم تطول أحداثه لتغطي حقبا مختلفة في حياة كل شخصية.

ومن مهارات استوود الملحوظة في أفلامه قدرته علي الحكي القصصي ومع صعوبة سيناريو يتحرك ذهابا وإيابا في الزمن ومن دون ترتيب لم يشعر المتلقي بالتشتت ولن تهرب منه التفاصيل أثناء القفز في الزمن وفي الأحداث.

ومن أكثر المشاهد صعوبة وإثارة في هذه الدراما المشهد الفاضح للعلاقة الغرامية بين هوفر وتولسون والكاشف عن جوهر كل شخصية وعن الجانب المعتم في تكوينها انسانيا وعصبيا ونفسيا.

يتضمن الفيلم أيضا مشاهد قوية جمعت بين نفس الشخصيتين أثناء سباق الخيول وقبل ذلك بين إدجار هوفر وسكرتيرته أثناء تجنيده لها وإغرائها للعمل معه.. ولهدف مزودج. أن يشتري ولاءها ويستفيد من قدرتها التنظيمية لخدمة أغراضه وقد ظلت بالفعل دون زواج تخدم إلي جواره ومن دون أن يفقد ثقته فيها يوما.

والفيلم يعتمد علي شخصية واقعية التفتت لأهمية التاريخ ولدورها فيه وحرصها الشديد علي الإبقاء علي أسرارها بعيدا عن متناول اليد وبالفعل لن يستدل بوثيقة واحدة عن الجانب الخفي من حياة "هوفر" بعد أن قام مساعده وحبيبه بتدمير كل الملفات السرية بعد وفاته مباشرة.

وكذلك اعتمد علي أحداث حقيقية فصور لقاءات هوفر مع بوبي كيندي واستحضر العلاقة السلبية بينه وبين ريتشارد نيكسون وهنا أيضا لابد من الإشارة مرة ثانية إلي عنصر المكياج ودوره في إضفاء المصداقية علي العمل ككل والابقاء في نفس الوقت علي اهتمام المتلقي.

المساء المصرية في

11/03/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)