حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"منتصف الليل في باريس" و"هوجو":

مزج الواقع بالخيال

أحمد رزق الله

قدرتها العجيبة في رسم الدهشة على أوجه وفي أنفس متابعيها هي في رأيي أهم ما ميّز فن السينما عن سائر الفنون.

قدرة نابعة من موهبة الإبداع لدى صانعيها كفيلة بجعل مرتادي صالات السينما ينفصلون عن عالمهم ويتوحدون مع القصة الدائرة أمامهم على الشاشة.

تلك هي الميزة التي حققت لهذا الفن الاستمرارية رغم التطورات الرهيبة التي طرأت على العالم منذ اختراع السينما. إلا أن عدة أسباب جعلتني - وربما الكثيرين غيري- غير قادرين مؤخراً على الانبهار عند مشاهدتنا لمتعتنا المفضلة الممثلة في الأفلام.

ربما يكون أحدها ندرة الأفلام المتميزة في الفترة الأخيرة ولكن الأهم ربما هو كثافة وسرعة الأحداث المتلاحقة التي عايشناها –ولازلنا- منذ بدء الثورات العربية والمصرية بصفة خاصة والتي حملت معها ما هو أشد قدرة على الإدهاش من أبرع أفلام "سبيلبرج" و"فيلليني" و"هيتشكوك" مجتمعين.

غير أن الأسبوع الماضي حمل لي ودون أي سابق إنذار، شحنة مكثفة من الإبهار قضت – ولو مؤقتاً- على التبلد وتصلّب الشرايين الدماغية الذي كنت قد شارفت عليه من كثرة متابعتي للأحداث الجارية بمصر.

لا ليس فيلماً واحداً..بل فيلمين.. وفي يومين متتاليين. قررت أن أخرج من حالة الكآبة المسيطرة على الجميع والذهاب لمشاهدة فيلم قد بدا لي من إعلانه أنه خفيف لطيف مناسب لمن يريد إراحة أعصابه وهو فيلم "هوجو" Hugo، أحدث أعمال المخرج الكبير "مارتن سكورسيزي" والذي نال عنه ترشيحاً جديداً لجائزة الأوسكار.

ورغم أن جمال وعبقرية هذا العمل كانت كافية لاستعادة حالة القدرة على الاندهاش إلا أنني وفي أثناء سيطرة هذه الحالة عليّ تذكرّت أمراً أصابنى بالسعادة وهو أنني كنت في اليوم التالي على موعد مع فيلم آخر كنت قد حجزت تذكرة لحضور عرضه الآخير منذ ما يزيد على الأسبوعين وهو فيلم "Midnight in Paris" أو "منتصف الليل في باريس" للعبقري الآخر وودي آلان.

كان لديّ ارتياب من أن يصيبني هذا الفيلم الأخير بالإحباط ويخرجني من حالة النشوة المؤقتة التي تحولت إليها نظراً لخيبة الأمل التي أصيب بها محبو وودي آلان من أفلامه السابقة التي لم تكن أبداً على المستوى المعتاد لأعماله (وخاصةً الفيلم السابق You will meet a tall dark strangerغير أن النقد الإيجابي وترشيحات الجوائز التي حصل عليها Midnight in Paris شجعنى على أخد خطوة الذهاب لمشاهدته، وهي الخطوة التي زادت إحساسي بالانبهار قوةً.

في باريس

للحظات توقفت في التفكير في العملين الواحد بجانب الآخر فوجدت عدة جوانب مشتركة بينهما. فالفيلمان تقع أحداثهما في العاصمة الفرنسية باريس. هوجوهو طفل يبلغ من العمر اثنى عشر عاماً فقد والده الذي يعمل في إصلاح الساعات لينتقل ليعيش مع عمه في محطة قطار مونبارناس المزدحمة مسئولاً عن عمل الساعة الرئيسية بالمحطة. أما "جيل"، الشخصية الرئيسية بفيلم "Midnight in Paris" فهو كاتب أمريكي الجنسية في إجازة في باريس مع الفتاة المقبل على الزواج منها وعائلتها. غير أن التقارب الرئيسي بين الفيلمين يكمن في رأيي في عنصرين أكثر أهمية.

الأول هو تمحور عصب القصة في الفيلمين حول الفنون فـ"هوجو" طوال الفيلم مهموم بإصلاح جهاز على هيئة إنسان كان والده قد اشتراه من أحد المتاحف وعملا معا على إصلاحه سوياً قبل وفاته. يتضح مع مرور أحداث الفيلم أن هذا الجهاز كان ملكاً لرجل عجوز يمتلك محلاً للعرائس بنفس محطة القطارات التي يقيم بها هوجو (يلعب دور هذا العجوز الممثل الكبير بن كينجسلي) ويتكشف لنا مع مرور الأحداث أن هذا العجوز كان يعمل في شبابه في صناعة الأفلام وأنه من صنع هذه الشخصية الآلية وهي من أدواته السينمائية القليلة التي بقيت بعد أن قام الرجل بنفسه بحرق جميع متعلقاته التي تذكره بماضيه السينمائي (بما فيها الاستوديو الخاص به) بعد أن توقف حال السينما بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى مما أدى إلى إفلاسه وقراره باعتزال السينما بل (وكما سيتبين لاحقاً في الفيلم) باعتزال الحياة وامتهان المهنة البسيطة التي اختارها (كصاحب محل عرائس) تاركاً جمهوره ومؤرخي السينما يعتقدون أنه قد توفى أثناء الحرب. إذاً ففن السينما كما هو واضح من الخطوط العريضة لقصة الفيلم هو المحرك الرئيسي لأحداث فيلم سكورسيزي.

الأدب والسينما

في مقابل ذلك كان الأدب والكتابة هما المسيطران على فيلم وودي آلان فـ"جيل" (الذي لعب دوره باقتدار الممثل الشاب أوين ولسون) هو كاتب سيناريو ناجح في بلده ولكنه قرر الشروع في كتابة الأدب. غير أن هذه النقلة تتسبب في ضغوط كثيرة عليه فهو من جهة يعاني للعثور على نهاية جيدة لروايته الأولى، ومن جهة أخرى تضغط خطيبته عليه ليعود -على غير رغبته- إلى كتابة السيناريوهات ويترك كتابة الأدب لمن يمتلكون موهبة كتابتها – على حد رؤيتها.

أضف إلى ذلك ضغوط أهل خطيبته غير المقتنعين به كزوج لابنتهما، أو – وهذا هو الأهم في الصراع الدرامي المبنى عليه الأحداث- الضغط الناتج عن رغبته في الإقامة بصفة دائمة في باريس لاقتناعه بكونها المكان الأمثل للإبداع والكتابة فيما تلاقي هذه الرغبة اعتراضاً شديداً من حبيبته وذلك قبل أيام قليلة من إتمامهما زواجهما.

ولكن كل هذه الضغوط تبدأ تتلاشي تدريجياً وتنتحي جانباً مع عثوره على مجموعة جديدة من الأصدقاء المثقفين الذين يساعدونه في الانتهاء من روايته ويعطونه الثقة في نفسه، والأهم أنهم يساعدونه على اكتشاف جمال الحياة في باريس خاصةً في ساعات ما بعد منتصف الليل.

العنصر الدرامي الثاني الهام والذي يتشارك فيه العملان هو استخدامهما للمزج بين الواقع والخيال كمحرك رئيسي للأحداث وهو ما خلق هذه هذه الحالة من الإبهار التي ميّزت الفيلمين.

وبـ"الواقع" لا أعني منطقية الأحداث وقابليتها للتحقّق وإنما أعنى استعانة الفيلمين بشخصيات حقيقية تاريخية أثرّت في عالمنا وبصفة خاصة في عالم الفنون وتوظيف تلك الشخصيات درامياً لتكون محور الأحداث.

ففيلم "سكورسيزي" يمكن في واقع الأمر اعتباره تكريماً لواحد من أهم المخرجين الذين قامت السينما على أكتافهم وهو الفرنسي جورج ميلييس الذي انتج وأخرج ما لا يقل عن 800 فيلم في مرحلة السينما الصامتة وقام بإحداث نقلة نوعية في السينما بإدخال عنصر المؤثرات البصرية والخدع بشكل جعل من السينما فناً جذاباً للكثيرين وأكسبها جمهوراً كبيراً.

فقد جعل سكورسيزي من شخصية تاريخية -للأسف يجهلها الكثيرون حتى من المحبين للسينما- بطلاً لأحداث فيلمه بل وأهم في رأيي من شخصية المراهق هيوجو الذي سُميّ الفيلم باسمه.

فـ"ميلييس" – كما سبوق وأن ذكرت- يظهر في معظم الفيلم كرجل عجوز في السن غامض يعمل في متجره البسيط بمحطة القطار. ومع مرور الأحداث تتشكل بينه وبين هوجو عداوة لا تلبث أن تتحول إلى صداقة، كل ذلك دون أن نعلم شيئاً عن شخصيته الحقيقية كـ"ميلييس" المخرج العظيم.

ولكن تبدأ الخيوط تتشابك عندما يكشف هوجو سرّه بالتعاون مع ابنة هذا الرجل بالتبني بفضل الجهاز الآلي الذي ينجحان في إصلاحه أخيراً ليرسم من نفسه صورة لفيلم ميلييس الأشهر "رحلة إلى القمر" (أو Trip to the Moon) كما كان صممه "ميلييس" أن يعمل قبل استغنائه عنه وقت أزمة السينما.

بفضل هذه الصورة وبمساعدة أحد مؤرخي السينما المهتمين بفن ملييس ينجحوا في النهاية في التوصل إلى الشخصية الحقيقية لهذا العجوز بل ويعيدون إليه جزءاً كبيراً من اعتباره بإقامة حفل تكريم كبير له بحضور جمهوره الذي كان قد ظنه ميتاً وبعرض مجموعة من أفلامه تم إنقاذها من التدمير وترميمها.

من يرجع إلى تاريخ السينما وإلى تاريخ هذا المخرج العظيم يلحظ بسهولة ووضوح المزج الكبير بين الواقع والخيال الذي استخدمه سكورسيزي في فيلمه، والذي لا يقتصر على استخدامه لشخصية حقيقية ولكن يمتد إلى استعانته بالعديد من الأحداث التي وقعت بالفعل لـ"ميلييس" وتعتبر محطات رئيسية في حياته. ليس فقط أن ميلييس بالفعل ترك مجال السينما وأفلس مع انهيار الصناعة بعد الحرب العالمية ولكنه بالفعل انزوى عن العالم تماماً ولم يعاود الظهور مرة أخرى سوى في أيامه الأخيرة حين أقيم تكريم كبير له وتم ترميم أفلامه تماماً كما يسرد الفيلم (للعلم فقد احتفل مهرجان كان السينمائي في دورته الأخيرة بترميم فيلمه الأعظم "رحلة إلى القمر" والذي أنتج عام 1902 وأقيم ضمن فعاليات المهرجان عرض كبير له في نسخته الملونة وبعد إضافة موسيقى تصويرية له من تأليف فريق الموسيقي الإلكترونية الفرنسي الشهير Air).

أما وودي آلان فلم يكتف بالاستعانة بشخصية وحيدة واقعية تنتمي إلى الفن مثل سكورسيزي بل اختار مجموعة من أهم عباقرة الفن ووضعهم في طريق "جيل" بطل الفيلم ليقلبوا حياته رأساً على عقب. فمع دقات منتصف ليل باريس يجد "جيل" سيارة عتيقة تقف له في الطريق لتأخذه إلى عالم آخر يتلقفه بأذرع مرحبة على عكس عالم خطيبته وعائلتها وأصدقائها ثقيلي الظل. عالم يستقبله فيه عباقرة الأدب الزوجان سكوت وزيلدا فيتزجيرالد  ليعرفاه على عبقري آخر إرنست هيمنجواي الذي يوافق على أن يقرأ روايته ليبدى له رأيها فيها. عالم يلتقي فيه بالرسام الأشهر بابلو بيكاسو بل ويقع في حب عشيقته.. يقتسم جلسة مع رواد السيريالية الرسام سلفادور دالي والمخرج الأسباني لويس بونييل.

غير أنه لا يلبث الوقت أن يمر في كل ليلة لتعلن انتهاء جلسته مع هؤلاء الأصدقاء الجدد ليعود مرة أخرى مع ساعات الصباح الأولى لليوم التالي إلى عالمه الطبيعي الذي أصبح الآن أكثر ضجراً بالنسبة له مع ازدياد الانتقاد الدائم له من المحيطين به وعدم تقديرهم له ولموهبته (بل يزداد الأمر سوءاً بقيام والد خطيبة "جيل" بالاستعانة بخدمات مخبر خاص ليراقب له تحركات "جيل"  بعد ملاحظته غيابه الدائم مع انتصاف كل ليلة ظناً منه أنه يخون ابنته).

ولكن "جيل" يقرر ألا يعبأ بهذه المنغصات ويعمل على متابعة الانتهاء من روايته أخذاً في اعتباره ملاحظات أصدقاءه الجدد.. هؤلاء العباقرة الذين آمنوا به وبموهبته واختطفوه إلى عالمهم بكل ترحاب فتوحد مع عالمهم ووصل هذا الأمر ذروته بوقوع "جيل" في حب "أدريانا" عشيقة بيكاسو (شخصية من خيال المؤلف وتلعب دورها الفرنسية "ماريون كوتييارد").

الطريق الى الحقيقة

هذه الحياة الموازية كانت كفيلة في النهاية بوصول "جيل" إلى الحقيقة التي كان يتهرب منها (منذ بداية الفيلم على الأقل) بضرورة انسحابه من تلك الحياة المحبطة التي يعيشها فيقرر من نهاية الفيلم يترك خطيبته وعائلتها المزعجة قبل أيام قليلة من زواجهما ليبقى في باريس ويعيش الحياة التي يحلم بها رافضاً التقيّد بأي شيء ينغص عليه رحلته الإبداعية.

عبقرية الفيلمين تكمن في المزج الممتع الذي قام به هذا المخرجان المبدعان اللذان لا يكفان عن إبهار معجبيهما مهما تقدم العمر بهما.. مزج عالمين مختلفين وشخصيات تنتمي للخيال مع شخصيات تنتمي للواقع دون أي إقحام أو ليّ للأحداث.

الأصعب في رأيي أنهما لم يلجآ لإضفاء الطابع الفانتازي على فيلميهما من أجل تسهيل عملية المزج بين الخيال والواقع، خاصةً سكورسيزي في فيلم "هوجو".. فرغم أن إعلان الفيلم قد يوحي خطأ بأنه فيلم فانتازي خفيف حول مغامرة لطفل في شوارع باريس المضيئة (وهو ما لم يحمسني لمشاهدة الفيلم في البداية لولا ما سمعته من ثناء كبير على الفيلم فيما بعد بالإضافة إلى ترشيحه لعدة جوائز، والأهم بالطبع الثقة في مخرج بقامة سكورسيزي) إلا أن "هوجو" فيلم قاسي أبعد ما يكون عن حالة الحلم فهو يعرض معاناة طفل يتيم في تحقيق حلمه البسيط بإصلاح الجهاز الذي كان يحلم مع أبيه بإعادته للحياة.

وحتى عندما تلتحم القصة مع قصة حياة "ميلييس" نشهد قصة أخرى لا تقل مأساوية عن رجل اختار الهرب من الحياة عن مواجهة الفشل. أما "منتصف الليل في باريس" فقد استخدم قالباً درامياً آخر لمعالجة الموضوع. فقد اختار آلان أسلوباً مختلفاً في المزج بين الخطوط الدرامية وبين الأشخاص الواقعية التي استعان بها وأشخاص فيلمه وهو أسلوب المفاجأة.

ففي حين مهّد "سكورسيزي" للمشاهدين تدريجياً أن الشخصية التي يلعبها كنجسلي في الفيلم هي نفسها شخصية المخرج الكبير "ميلييس" (خاصةً لو كان المشاهد يعرف القليل عن "ميلييس" يساعده في التقاط الخيوط التي ألقاها سكورسيزي ليوضح حقيقة شخصية الرجل العجوز) إلا أن آلان استخدم أسلوب المفاجأة والصدمة لتقديمالشخصيات الواقعية وإدخالها في حياة "جيل" مما فجّر ضحكات كثيرة خاصةً مع ردة الفعل العفوية لـ"جيل" عند مقابلته لهذه الشخصيات (هو بلا شك واحد من أهم وأجمل أدوار "أوين ولسون" طوال تاريخه المليء بالأفلام الأقرب للتفاهة).

الميل للفانتازيا

قد يكون هذا الإطار قد مال بالفيلم قليلاً في عدة أحيان إلى الفانتازيا إلا أن ذلك تم تداركه مع مرور الفيلم ومع دخول الشخصيات "الخيالية" في نسيج الأحداث لتصبح جزءاً رئيسياً من حياة "جيل" في تناغم وانسياب ليخرج الفيلم في النهاية كلوحة فنية. لوحة مثل لوحة "فان جوخ" الشهيرة "The Starry Night" (أو الليلة المضيئة) التي استلهم منها "آلان" بوستر الفيلم ليعلنها صراحةً أنه لا يصنع هذه المرة فيلماً عادياً بل لوحة فنية بديعة.

وقد نجح بالفعل في ذلك مستخدماً مختلف الأدوات التي ساهمت في إخراج اللوحة بهذه الروعة، ليس فقط التمثيل المتميّز لأبطال العمل أو الموسيقى التي أضفت جواً ساحراً على الأحداث ولكن الأهم السيناريو الذي قام "آلان" كالعادة بكتابته والذي ترشح عنه لأوسكار أحسن سيناريو أصلي (بالإضافة لترشحه لجائزة الإخراج) فرغم استعانة "آلان" بأدواته المعتادة في البناء الدرامي لأفلامه باختياره لقصة حب بين شاب (يا حبذا لو كان كاتباً) وفتاة وعرض المصاعب التي تقف عائقاً أمام اكتمال هذه القصة إلا أنه برع هذه المرة في توظيف جغرافيا المكان (باريس) لتكون عنصراً لا يقل أهمية عن أبطال القصة، بالإضافة إلى التوظيف المثالي للزمان، سواء التوقيت (منتصف الليل) أو الماضي والحاضر باستخدام الشخصيات التاريخية والأهم –كما قلنا- تفوقه على نفسه في المزج السلس بينهما.

حداثة وأبداع رسم السيناريو هو في رأيي العنصر الرئيسي في تفرّد هذين الفيلمين (فيلم "هوجو" أيضاً رُشح لأوسكار أحسن سيناريو ولكن فئة السيناريو المقتبس من عمل أدبي وفي كونهما في رأيي اثنان من أهم أفلام العام (ربما يجيئان فقط بعد الفيلم الأهم لهذا العام "الفنان") وأكثرهم بعثاً على السعادة وعلى تأمل جمال الحياة بصفة عامة والفنون بصفة خاصة. ولا عجب في ذلك فوراءهما مخرجان كلما طال العمر بهما كلما ازدادا إقبالاً على الحياة وعلى مفاجئة مشاهديهما كل مرة بفيلم يشع جمالاً وفناً.      

عين على السينما في

29/02/2012

 

رالف فينيس…

مخرج وممثل في فيلم ملحمي معاصر 

ليس Coriolanus الذي أخرجه رالف فينيس مجرّد فيلم مقتبس من مسرحية شكسبيرية يرتدي فيه الأبطال الأثواب والصنادل التي شاعت في زمن الإمبراطورية الرومانية. إنه فيلم غني بعمليات التمويه العسكري وبالمعارك.

ينطوي فيلم Coriolanus على مفاهيم البسالة والبطولة. مع أن رالف فينيس، الذي يُعدّ هذا الفيلم أولى تجاربه الإخراجية، بقي أميناً لنص شكسبير، إلا أنه سرد فيلمه الذي يتحدّث عن اغتصاب الأرض وعن الاضطرابات السياسية الدائرة في مدينة روما بطريقة معاصرة تجعل المشاهد يعتقد أن الأحداث تدور في البوسنة أو في بيروت.

تظهر في Coriolanus معالم قاتمة من العمارة الهندسية المعاصرة، وأنقاض وحطام متأتية عن الفقر والنزاعات، وشاشات تلفزيونية تنقل الأخبار وأعمال الشغب، وشعوب منتفضة، ودماغوجيون يرتدون بدلات، واشتباكات حزبية وغطرسة نخبوية، مضيفة جميعها إلى الفيلم طابعاً معاصراً.

قال فينيس خلال مكالمة هاتفية من لندن: «شعرت بأنه من الضروري أن يكون الفيلم معاصراً. لا شك فيه أنه يمكن إدراج  Coriolanusفي سياقات تاريخية مختلفة لأن الجرأة والنبل وشجاعة المحارب مواضيع قديمة. لكني مع ذلك، أشعر بأنها أقرب إلى عصرنا الحالي. عندما أقرأ عن بعض الأماكن الملحمية العسكرية مثل ويست بوينت، أجد أن الأمور على أرض الواقع لم تتغير كثيراً».

مسرحية صعبة

فيCoriolanus  الذي قام بأقلمة نصّه كاتب الأفلام الحائز جائزة أوسكار جون لوغان (عن فيلمه Hugo)، يؤدي فينيس دور قائد عكسري شجاع يُدعى كاييوس مارتيوس كوريولانوس تدفعه والدته فولوفمنيا (تؤدي دورها الممثلة الرائعة فانيسا ريدغرايف) إلى الحصول على منصب مستشار وينقلب ضده سكان المدينة. بعد جملة من الاضطرابات، يُطرد كوريولانوس من مدينة روما فيقرر التحالف مع أعدائه الخاضعين لقيادة جيرار باتلر والعودة إلى المدينة للأخذ بالثأر.

شارك في الفيلم أيضاً كل من برايان فوكس وجيسيكا تشاستاين وجايمس نيسبيت.

الممثل الإنكليزي فينيس الذي شارك فيSchindler’s  List وEnglish Patient The وThe Reader وأدّى دور اللورد فولديمورت في مسلسل خيالي يتحدث عن صبي ساحر، بدأ بالتفكير في أقلمة آخر تراجيديا كتبها شكسبير وتحويلها إلى فيلم سينمائي بعد مشاركته في عام 2000 في عمل مسرحي ضخم عرض في لندن. خلال عقد من الزمن، راح يطرق باب المنتجين والممولين ليتبنّوا عمله. ذكر في هذا السياق: «كان الأمر عسيراً، فقلّة من الناس تعرف المسرحية، ومن يعرفها يجدها غالباً صعبة ومعقّدة. يُقال إنها غير عملية وإن بطلها غير محبب ومثير للنفور… شخصياً، أحب هذه المسرحية لأنني أجدها صدامية وحيوية ومثيرة للاستفزاز. إنها تقدّم للجمهور بطلاً فريداً من نوعه، بطل يتحدّاك كي تكرهه».

لا عجب في أن تكون صعوبة المسرحية وطباع بطلها المنفرة قد جعلا فينيس يواجه صعوبة في تنفيذ عمله. قال والابتسامة على وجهه: «عندما ذكرت أنني سأخرج أول فيلم لي وإنني سأكون بطله، شعرت بأن الناس لم يصدّقوا كلامي وظنوا أن المشروع وهم من خيال».

تابع: «لكنني قمت بتحضيرات كثيرة قبل البدء بالتنفيذ. بحثت عن أفلام ملحمية ورسومات وصور خاصة بتلك الأيام، كذلك تمكنت، لحسن حظي، من زيارة بعض المواقع في صربيا وأوروبا الشرقية. كنت أعي جيداً أنه علي أن أظهر للناس إنني أقوم بواجبي على أكمل وجه».

هكذا، بعد تعاقده مع الكاتب لوغان وحصوله على موافقة ريدغرايف على المشاركة في الفيلم، حظي فينيس بدعم منتجي فيلم tenacious and loyal، وبدأ العمل على فيلمه وأنجزه على أكمل وجه.

أصداء إيجابية

تم التصوير في صربيا ومختلف أنحاء مدينة بوخارست الرومانية بإشراف مدير التصوير باري أكرويد (The Hurt Locker, Green Zone)، ولاقى الفيلم العنيف والاندفاعي أصداء إيجابية في المهرجانات السينمائية وحصل على ترشيحات لجوائز الأوسكار من النقاد السينمائيين. يمكن أن نعتبر من اليوم أن هذا الفيلم ناجح فنياً، إلا أننا لا نستطيع الجزم بعد ما إذا كان سيحقق نسبة ايرادات عالية. على رغم ذلك كله، بدأ الممثل والمخرج فينيس يبحث عن فيلم جديد يخرجه. أوضح: «راهناً أحاول العمل على فيلم جديد يتناول قصة هيلين ترنان، وهي ممثلة شابة يُغرم بها تشارلز ديكنز فتصبح عشيقته في الأعوام الأخيرة من حياته. بقيت علاقتهما طي الكتمان ولم تخرج إلى الوجود لفترة طويلة».

ليس فينيس متأكداً بعد مما إذا كان سيؤدي دور ديكنز في فيلمه الجديد علماً أنه انتهى لتوه من أداء دور ماغويتش، فاعل الخير المدان، في فيلم من إخراج مايك نوويل مقتبس من رواية  Great Expectationsلديكنز (تؤدي الممثلة هيلينا بونهام كارتر دور الآنسة هافيشهام في حين يؤدي الممثل جريمي ايرفين الذي شارك في فيلمWar  Horse  دور بيب). ذكر فينيس: «من كان ليظن أنني سأخرج فيلماً مقتبساً من رواية ديكينز؟ يبدو أن الأمور في مسيرتي المهنية تسير في هذا الاتجاه».

يُذكر أن فينيس انتهى أخيراً من تصوير دور عميل سري في فيلم Skyfall وهو أحد أجزاء فيلم جايمس بوند الذي تولى إخراجها سام منديز. في هذا الجزء، يؤدي الممثل دانيال كريغ للمرة الثالثة دور العميل 007، وتجسّد الممثلة جودي دانش دور مديرة بوند MI6، فيما يؤدي الممثل خافيير بارديم دور الشرير. أما فينيس فيؤدي دور… قال: «لا أستطيع الآن أن أفصح عن دوري، لكني أستطيع إخبارك أموراً أخرى عن الفيلم. كتب جون لوغان النص بطريقة رائعة. فعلى غرار أفلام جايمس بوند، جاء نص هذا الجزء غاية في الذكاء. صحيح أن هذا الجزء يركز على الشخصية أكثر منه على أمور أخرى، إلا أنه يتمتّع بمزايا أفلام جايمس بوند التي يحبّها المعجبون بما فيها المطاردات والفتيات والمعارك والسيارات…».

وختم: «لدي إيمان كبير بأن هذا الجزء سيرتقي بمستوى أفلام جيمس بوند».

الجريدة الكويتية في

29/02/2012

 

Ghost Rider:

Spirit of Vengeance 

في فيلم Ghost Rider: Spirit of Vengeance، يلكم نيكولاس كايج الشيطان.  للحقيقة، يصفع كايج الشيطان على وجهه.

في فيلمه الجديد الذي يؤدي فيه دور غوست رايدر، ينقذ البطل نيكولاس كايج فتى ويساعد الناس ويقوم ببعض الأعمال البطولية. لكن مهما حاول أن يبدو شجاعاً وطيباً، لن تستطيع الشخصية التي يجسّدها أن تصبح محبوبة بقدر «الرجل الوطواط» و{سوبرمان». الدليل على ذلك عدم تهافت الناس على البطل وغياب مسيرات المعجبين بالفيلم. فشخصية جوني بلايز، سائق دراجة نارية بارع يتحوّل إلى هيكل عظمي مشتعل ويسلب الناس أرواحهم، ليست في الواقع شخصية خارقة. وجوني بلايز أقرب إلى رجل مجنون منه إلى بطل خارق، لذا نجد أن الدور يناسب كايج كثيراً.

بخلاف الأفلام الجديدة المقتبسة من كتب شركة «مارفيل» الهزلية مثلThe Amazing Spider-Man وThe Avengers التي تصدر في صيف 2012 وسط حملة إعلانية كبيرة، أطلق Spirit of Vengeance في صالات العرض شتاءً من دون عرضه مسبقاً على النقاد، أي وفقاً لمقاربة السرّية نفسها التي انتهجتها شركة Columbia Pictures عندما أصدرت الجزء الأولGhost Rider  في عام 2007. ولاقى هذا الفيلم موجة من الانتقادات الحادة، فقوبل بسخرية لاذعة في مواقع الإنترنت التي يسود فيها الفكر الكلاسيكي والرتيب.

مع ذلك، حقق Ghost Rider إيرادات بقيمة 228 مليون دولار في مختلف أنحاء العالم. كانت هذه الحقيقة كافية لاقناع كايج بتكرار التجربة، وهو معجب بالكتب الهزلية دفعه هوسه بها إلى تسمية ابنه « كال- ايل»، وإلى الموافقة على أداء دور سوبرمان في فيلم من إخراج تيم بورتون لم يُصوّر بعد، وإلى الظهور في الفيلم الهزلي الساخر kick-Ass بدور الأب الفخور بابنه القاتل.

عنصر المفاجأة

أخرج Spirit of Vengeance الثنائي مارك نيفيلداين وبراين تايلور وفقاً لأسلوبهما غير الاعتيادي القائم على عنصر المفاجأة. يضمّ الفيلم بعض المؤثرات الثلاثية الأبعاد المؤثرة، ومشاهد رعب متقنة، وحس دعابة غريباً لا يشبه كثيراً ذاك السائد في سائر الأفلام إنما يندرج في الخانة نفسها. مثلاً، ورد في البداية مشهد يحاول فيه بلايز المصاب إقناع الممرّضة بإعطائه جرعة من المورفين. ولمّا أخبرها أنه تحوّل إلى وحش في الليلة السابقة، ظنّت أنه مجنون. عندها صرخ في وجهها بقوة قائلاً: «اسمع يا رجل أنا لا أهلوس! أنا أغازلك كي تخرجي معي في موعد!».

يُشرق وجه كايج في كل مرّة يُذكر فيها أمامه هذا المشهد المضحك في فيلم مليء بمشاهد الحركة والإثارة القوية، وبعمليات مطاردة معقّدة، وبعبدة الشيطان وبرهبان يحملون الأوشام على أجسامهم.

في هذا السياق، قال كايج: «أجد أنه من المضحك أن يستخدم رجل في حضرة امرأة  عبارة  «يا رجل». هذا تصرّف غير لائق. في ذلك المشهد، يتعافى جوني بلايز من آثار الدوار الناتجة من تحوّل رأسه إلى جمجمة ملتهبة. أحبُ كثيراً تجربة الأمور الجديدة. أردتُ أن تكون روح الدعابة التي يتمتّع بها بلايز في هذا الفيلم أكثر سخرية وحدّة من الجزء السابق، فهو لا يشبه شخصيته في الفيلم الأول. أخذنا لقطات أخرى لهذا المشهد إلا أنها انطوت على المبالغة. لم يكن حتى المخرجان نيفيلداين وتايلور مستعدّين لتجربة مثل هذه الأمور».

في الإطار عينه، علّق نيفيلداين على تصوير ذلك المشهد قائلاً: «بالغ كايج فقد أراد أن يكون المشهد مخيفاً للغاية. جُن جنونه خلال التصوير، وصرخ في إحدى اللقطات في وجه الممرّضة قائلاً: «إذا كنت تنوين الاتصال بالشرطة، سأبرحك ضرباً وأكسر ذراعك الصغيرة». بدا المشهد طبيعياً للغاية وكأنه كان يعني ما يقوله. عندها طلبنا منه أن نلتقط بعض اللقطات الإضافية وكنا لا ننفك نذّكره بأن هذا الفيلم موجه إلى الأطفال دون الثالثة عشرة».

يمتد بعض المشاهد في Spirit of Vengeance على طول الفيلم وعلى مدار تطوّر حبكته، ويؤدي فيها كايج الدور بصورة جافة للغاية فيبدو مملاً بين الحين والآخر. كذلك وردت لحظات يحاول فيها بلايز تحذير الناس من روحه الشيطانية بقوله: «لا يملك هذا الشيء لا منطقاً ولا ضميراً! لا يملك سوى جوعاً…!». بالإضافة إلى ذلك، ثمة مشاهد يمصّ فيها كايج أرواح الناس من فمّهم. وبخلاف الجزء الأول الذي وُلّدت فيه الشخصية بالكامل بواسطة الكمبيوتر، أدى البطل في الجزء الثاني الدور بنفسه في معظم مشاهد الحركة والإثارة واضعاً عدسات لاصقة سوداء وتبرج الزومبي بارون سامدي. أما جمجمة الرأس المشتعلة فقد أضيفت لاحقاً بواسطة الكمبيوتر.

تسبّبت كثافة هذا الدور ببعض الآثار السلبية على حياة كايج، لا سيما وأنه من النوع الذي يأخذ عمله معه إلى المنزل. ذكر في هذا الإطار: «تقبّل نيفيلداين وتايلور لما أسمّيه «الأسلوب التمثيلي الشاماني الجديد» دليل على انفتاحهما كمخرجين وعلى شجاعتهما. لديّ آثار صغيرة من زمن مصر القديمة أُخذت من قبور بعض الشخصيات التاريخية المهمّة، وضعتها داخل سترتي الجلدية».

شرح: «تسمّى بأغراض القوة. لا يهمّ إن كانت تعمل أو لا، فالمهمّ أن يؤمن الممثل بأنها تحفّز خياله بطريقة أو بأخرى وتجعله يمثل بطريقة طبيعية. فأنا لم أعد أحب كلمة تمثيل لأنها تنطوي على الكذب أو على الخداع. أريد أن أكون حقيقياً في أدواري، وقد سمح لي نيفيلداين وتايلور القيام بذلك».

في فيلم  Spirit of Vengeance الذي صُوّر في أوروبا الشرقية وفي تركيا، يتغلغل كايج في شخصية غوست رايدر ويدخل معها في وحدة حال. خلال التصوير، كان يمشي بوجهه الذي رسم عليه شكل جمجمة وينظر إلى الناس بواسطة عدساته اللاصقة السوداء بطريقة مخيفة. لم يكن ينطق بكلمة واحدة في الموقع لأن جوني بلايز يتكلّم إلا أن غوست رايدر لا يفعل ذلك (فهو هيكل عظمي لا يملك لا لساناً ولا أحبالاً صوتية).

قال كايج: «كان الخوف الذي رأيته على وجوه طاقم العمل محفزاً بالنسبة إلي. أخبرني تايلور إنه شعر في بعض الأوقات بأن ثمة طاقة سلبية تخرج مني. وقد كمنت المشكلة في التخلّص من أجواء التصوير والعودة إلى المنزل بنفسية مختلفة. عندما تبقى في موقع التصوير حتى الثالثة صباحاً ثم تذهب لحضور حفلة نُظّمت بمناسبة قدوم عيد الميلاد في رومانيا… قد تفقد السيطرة على نفسك. هذا ما حصل معي».

خيارات منوعة

يعني كايج (48 عاماً) كل كلمة يقولها. فقد حققّت أفلامه مجتمعةً إيرادات تخطّت الأربعة مليارات دولار. كذلك يُعتبر أحد أكثر ممثلي جيله تنويعاً في أفلامه، وفاز بجائزة أوسكار عن فيلمه (Leaving Las Vegas) وأخرج فيلم Sonny الذي صدر في عام 2002. بالإضافة إلى ذلك، شارك في أفلام من إخراج مارتين سكورسيزي وأوليفر ستون وويرنير هيرزوغ وآلان باركر ودايفيد لينش ومايكل باي وجون ووه.

يمكنكم أن تقولوا ما تشاؤون عن خيارات نيكولاس كايج التي أثارت شكوكاً كثيرة أحياناً. (مثل مشاركته في فيلم Bangkok Dangerous وSeason of the Witch). لكن ما لا شك فيه أنه لا يمكنكم إلا أن تضحكوا عندما تشاهدون الأخطاء التي ارتكبت خلال التصوير (شاهد الجمهور الشريط المصور الذي تبلغ مدّته الدقيقتين والذي يعرض الأخطاء التي ارتكبت خلال تصوير فيلم The Wicker Man في عام 2006 لما يزيد عن الثلاثة ملايين مرّة على موقع اليوتوب).

يُذكر أن كايج يبدي في أعماله كافة درجة الالتزام نفسها بغض النظر عن نوعية الجمهور الذي يتوجّه إليه الفيلم، ويفعل ذلك عن وعي كامل. يعرف كيف يخفف من حدّة تمثيله عندما يكون في طور تصوير أفلام ترفيهية موجهة إلى الجمهور العريض مثل  National TreasureوThe Family Man. فهو يعتبر ألا ضرورة لإخافة الأطفال في هذه الأفلام. ويلاحظ أن غالبية أفلامه كانت من نوع الأفلام الصعبة لأنها تسمح له بتجربة أمور مجنونة مثل محاربة قتلى يلوّحون بفأس أثناء ضمّه بائعة هوى (Drive Angry) وأكل صرصور حيّ أمام الكاميرا (Vampire’s Kiss).

قال نيفيلداين: «يشبه نيكولاس الأطفال كثيراً، فهو يرغب دوماً في الخروح واللعب. يعمد دوماً إلى ابتكار أفكار جديدة أثناء تواجده في موقع التصوير وغالباً ما تكون 97% منها رائعة. ليس تمثيله اعتباطياً إنما خاضعاً لمنهجية معيّنة؛ فهو يعطي كل ما لديه لكل لقطة يقوم بها. نقدّر براين وأنا كثيراً هذه الميزة فيه، ونحب عندما يبدأ بالتصرّف بجنون. أحياناً، تجد نفسك مضطراً إلى الإمساك به والطلب منه تهدئة روعه. إلا أنه رجل شغوف ومليء بالمشاعر والعواطف. إنه يزخر بالطاقة والحيوية».

المعروف عن كايج أنه يرفض الاعتذار عن المشاركة في الأعمال المعروضة عليه. يعرف أن البعض ينظر إليه على أنه ممثل موهوب يكرّس نفسه للأدوار العالية الأجر. إلا أنه وصل في مسيرته المهنية إلى مرحلة جعلته لا يكترث بمثل هذه الأقاويل. قال إنه بغض النظر عن رأي النقاد والجمهور بفيلمGhost Rider: Spirit of Vengeance يشعر أنه فخور به لأنه لا يشبه سائر الأفلام المقتبسة من الكتب الهزلية، وقد أعطاه فرصة لغوص مغامرات جديدة واختبار موهبته. فما العيب في أن يبدو مثل الجمجمة في أفضل المشاهد التي أداها؟

يعبر  Spirit of Vengeanceعن ثقافة شعبية مجرّدة ومؤثرة في الأعصاب. ذكر كايج: «يشبه هذا العمل فيلم فرانكشتاين. أوجّه تحيّة تقدير إلى شركة Sony Pictures لتحلّيها بقدر كافٍ من الشجاعة لإنتاجه. إذ قلما تقبل شركات الإنتاج الضخمة بمثل هذه الأفلام. ولا أنسى المخرجين اللذين حرصا على إيصاله إلى فئات الجمهور كافة. إذ لا بد للتمثيل من أن يبقى مثيراً للفضول والاهتمام ومنعشاً، وإلا أصبح رتيباً ومملاً. لا شك فيه أن هذا الفيلم كان مثيراً ومشوقاً. مررت ببعض اللحظات التي شعرت فيها بأنه بدأ ينخر في رأسي، لكنه سمح لي أيضاً بتجربة أمور جديدة في عالم التمثيل. هذا أكثر ما يهمّني راهناً».

الجريدة الكويتية في

29/02/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)