حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«منهج خطير»

العلم الأصعب في مهبّ العواطف الجامحة

ابراهيم العريس

الأكيد ان المتفرج الذي سيشاهد فيلم «منهج خطير» وهو حتى الآن آخر أفلام المخرج الكندي دافيد كروننبرغ، لن يكون في حاجة الى ان يقرأ كتاب «حياتي» لكارل غوستاف يونغ بحثاً عن اي ذكر لسابين سبيلرين... فاسم هذه السيدة – او بالأحرى الدكتورة الروسية - لا يرد في اي صفحة من بين مئات الصفحات التي يتألف منها الكتاب الصادر خلال النصف الثاني من القرن العشرين والذي يضم ذكريات عالم النفس الشهير والذي عرف بخصومته وتنافسه مع استاذه الكبير سيغموند فرويد، بقدر ما عرف بدراساته المهمة والمؤسسة في حقل التحليل النفسي. ومع هذا يقول لنا كروننبرغ ان سابين شغلت سنوات طويلة من حياة يونغ، وربما شغلت حيزاً زمنياً مماثلاً من حياة فرويد واهتماماته... وهنا ايضاً سيكون من العبث البحث عن ذكر لسابين في كتابات فرويد. غير ان هذا الاختفاء المزدوج لا ينبغي ان يدفعنا الى الاعتقاد بأن سابين سبييلرن لم توجد وأن كروننبرغ انما اخترع شخصيتها لأسباب سينمائية، ففي الحقيقة تقول لنا مصادر تاريخ حركة التحليل النفسي ان الدكتورة سابين انهت حياتها محللة نفسية في الاتحاد السوفياتي ووضعت كتباً عدة حول نظريات الجنس وعلاقته بالموت وما شاكل ذلك. وكان هذا قبل ان تُقتل على أيدي النازيين مع ابنتين لها خلال الحرب العالمية الثانية.

اختراع تنافس عاطفي

إذاً، لم يخترع المخرج الشخصية ويقيناً ايضاً انه لم يفتر على التاريخ فيخترع الأحداث التي تشكل فيلمه. المسألة بالأحرى هي ان العالمين الكبيرين، يونغ وفرويد، آثرا – وكل منهما لأسبابه الخاصة – ان يتجاهلا اي وجود لسابين في حياتهما فباتت اشبه بـ «الحديقة السرية» في حياة كل منهما... بخاصة ان ما يقترحه كروننبرغ في الفيلم فحواه ان سابين كانت، وبالأحرى لأسباب عاطفية وشخصية، في خلفية الخلاف بين العالمين على رغم فارق السن الكبير بينهما. ونقول هنا «بالأحرى»، لأنه اذا كان الفيلم يروي من دون مواربة تلك العلاقة الطبية ثم العلمية فالغرامية التي قامت بين سابين ويونغ، فإنه بالكاد يقترح ان يكون ثمة مثيل لتلك العلاقة بين المرأة وفرويد. ما يقوله الفيلم بوضوح هو ان سابين كانت محور تنافس علمي بين العالمين لا اكثر ولا اقل. اما احتمال ان يكون التنافس عاطفياً فإنما يرد بين ثنايا الفيلم... وربما في خيالات يونغ «المريضة».

فما الذي تقوله لنا حكاية الفيلم؟ ولماذا كل هذا القدر من الاحتمالات فيه؟

طبعاً لسنا هنا أمام فيلم نادر يتناول مسائل التحليل النفسي... فالسينما (راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة) كثيراً ما استلهمت هذا العلم الذي ولدت معه في الحقبة ذاتها من الزمن... النادر هو تناول السينما لحياة المحللين النفسيين، على رغم ما يعرفه اهل هذا العلم كما اهل الفن السابع من دراميّة تاريخ التحليل النفسي ودرامية حياة كبار المحللين ودرامية الصراع في ما بينهم. والحال ان ليس ثمة هنا مكان للغوص في تحليل هذا الغياب النسبي... ولكننا نعتقد ان بعد النجاح الذي يحققه الآن فيلم كروننبرغ، سيتكاثر انتاج افلام من هذا النوع، لكن هذه حكاية اخرى. اما حكايتنا هنا فهي حكاية سابين ويونغ وفرويد... وكي نكون اكثر دقة سنقول اننا امام حكاية العلاقة التي قامت بين سابين ويونغ حين كانت هي مجرد مريضة في عيادته لتتواصل الحكاية بعدما صارت زميلة له ثم وقفت، علمياً، الى جانب استاذه الكبير فرويد في ما يخص مسألة العلاقة بين الجنس والموت من ناحية وكون الجنس مصدراً رئيسياً في المشاكل النفسية التي تتحكم بمصائر الناس من ناحية أخرى... اي وبشيء من الاختصار هنا: العلاقة بين الجنس والمرض النفسي والموت.

حياة حميمة

حين يبدأ الفيلم نجدنا في سويسرا على الطريق الى المستشفى الذي تقع فيه عيادة الطبيب الشاب كارل غوستاف يونغ النفسية. وفي عربة تجرّها خيول، تطالعنا الصبية ذات التسعة عشر عاماً وهي تصرخ وتتأرجح بشكل هستيري حتى تصل الى العيادة حيث سيعتني بها الطبيب الشاب الذي كان اطّلع لتوّه على كتابات استاذه فرويد الحديثة حول الهستيريا. وفي ذلك الحين كان منهج فرويد العلاجي يقوم على المعالجة بالكلام. اي عبر جعل المريض يتكلم ويتكلم في جلساته مع طبيبه... كما جعله يستمع الى الطبيب. والحال ان هذا المنهج كان شديد الجدة في ذلك الحين (ومن هنا تحمل المسرحية التي اقتبس منها كروننبرغ هذا الفيلم عنواناً اصلياً هو «العلاج بالكلام»، علما أن كريستوفر هامبتون كاتب المسرحية والمشارك في كتابة السيناريو، انما كان اقتبس المسرحية من كتاب صدر قبل عقود عنوانه «منهج خطير»، بمعنى ان كروننبرغ انما اعاد العنوان الأصلي الى العمل).

اذاً، حين تصل سابين الى عيادة يونغ يبدأ هذا بمعالجتها في جلسات متتالية تروي بالتدريج له خلالها أحداثاً من طفولتها وصباها تكشف بالتدريج ان جذور هستيريتها انما تكمن في معاملة ابيها القاسية بل العنيفة لها... وهذا كله يتم ضمن اطار منهج فرويد الذي سرعان ما يدخل على الخط بعد ذلك، إذ يزوره يونغ في فيينا وتدور بينهما سلسلة نقاشات سرعان ما تكشف جذور الخلاف العلمي بينهما.

بيد ان ذلك الخلاف سرعان ما يتحول بالتدريج الى خلاف شخصي حين تتقدم احداث الفيلم فتدخل فيه – بجدية اكثر هذه المرة – زوجة يونغ الأرستقراطية والتي تنجب له طفلاً بعد الآخر ما يلهيها عنه عاطفياً وربما جنسياً، فاسحة في المجال – من دون ان تلاحظ اول الأمر – لاشتداد رغبة خفية لديه في اقامة علاقة مع سابين.

اما العلاقة الحقيقية التي ستقوم بين هذه وطبيبها، فإنها ستنمو وتتجسد من طريق مريض – هو اصلاً طبيب نفسي سيكون له شأن لاحقاً في هذا المجال – يدعى اوتو غروس... وهذا التلميذ النجيب لفرويد – الذي كان هو من ارسله الى يونغ كي يعتني به - سيكون هو من يكشف ليونغ رغبات هذا الأخير «الدفينة» في اقامة علاقة حقيقية مع سابين فيدفعه دفعاً الى ذلك، بعدما كانت رغبات يونغ قد أقلقته وزعزعت علاقته بزوجته.

في نهاية الأمر، وفي وقت كانت فيه سابين قد بدأت بالتحسّن، بل صارت راغبة هي نفسها في ان تتحول من مريضة الى طبيبة ومحللة نفسية، تتجسّد العلاقة بين الإثنين، بل انها سرعان ما ترتدي سمات العلاقة المرضية التي سيصبح يونغ فيها الطرف الأضعف... اما سابين فإنها هنا، وفي الخلاف العلمي الذي راح يشتد بين فرويد ويونغ من حول المسألة الجنسية، تقف الى جانب فرويد على الضد من طبيبها العشيق.

هذه الحكاية الثلاثية الأطراف ستتواصل حتى عشية الحرب العالمية الأولى وتملأها فراقات ولقاءات بين سابين ويونغ، وكذلك خلافات وصراعات بين فرويد ويونغ، ناهيك برحلة شهيرة الى نيويورك يترافق فيها الخصمان مع تلميذ آخر لفرويد هو فيرنزي (الذي ستصبح مراسلاته مع فرويد كتاباً لعله الأكثر قدرة من بين اعمال التحليل النفسي جميعاً على شرح وتفسير قضايا الخلاف حول القضية الجنسية بين يونغ وفرويد...

ومع هذا، في عودة الى موضوعنا هنا، لن نعثر على اي ذكر لسابين سبيلرن في طول هذا الكتاب وعرضه). ومهما يكن من الأمر هنا... فإن الفيلم، من ناحيته يتابع قصة العلاقة التي صارت الآن متقطعة بين يونغ وسابين، ولا سيما بعد ان انكشفت امام زوجة يونغ، وصارت اكثر وأكثر إرباكا للطبيب الشاب الذي سيأخذ عليه استاذه كونه بدأ يدخل الكثير من العناصر الغيبية والميتافيزيقية والأسطورية في بحوثه التي صارت، هنا، تبدو على الضد تماماً من نظريات فرويد المادية العلمية الخالصة. وكان هذا البعد، على اية حال، واحداً من مآخذ فرويد الأساسية على تلميذه.

تجابه فكري - علمي

ولعل في بعض تلميحات الفيلم في هذا الإطار ما قد يقول لنا ان هذا التجابه الفكري/العلمي بين الإثنين صورة للتجابه بين يهودي مادي(هو فرويد) ومسيحي غيبي (هو يونغ) ولعل ذروة من ذرى هذا البعد تتجلى في تلك العبارة الصغيرة التي سيرميها فرويد ذات لحظة في أذن سابين بأن عليها ألا تأمن لشخص من الجنس الآريّ (الجرمانيّ)، ما يذكرنا هنا بيهودية سابين وربما، في طريقه، يفسّر وإن من بعيد، وقوف سابين علمياً الى جانب فرويد ضد يونغ.

من الواضح هنا ان هذا كله اذ يروى على هذه الشاكلة يجعل الفيلم يبدو مملاً ثرثاراً وغارقاً في الأبعاد النظرية. غير ان هذا ليس صحيحاً. فالحقيقة ان دافيد كروننبرغ كسينمائي مميّز عرف دائماً كيف يقيم مزجاً خلاقاً بين سينمائية افلامه وبعدها الفكري، عرف هنا، مرة اخرى، كيف يصوّر هذا الصراع الفكري بلغة سينمائية قوية، مستغلاً في طريقه روعة الديكور السويسري، ولكن ايضاً قوة الأداء لدى ممثليه ولا سيما كيرا نايتلي التي لعبت دور سابين متنقلة بين كونها مريضة وعاشقة وعالمة في ابداع نادر تمكنت به من مجابهة مايكل فاسبندر (يونغ) وفبغو مورتنسن (فرويد) مجابهة الندّ للندّ... فإذا اضفنا الى هذا قوة السيناريو ولا سيما الحوارات التي بدلاً من ان توقع الفيلم في ثرثرة كان موعوداً بها، - طالما انه اصلاً يقوم على فكرة العلاج بالكلام (!) - اضفت على الفيلم قوة استثنائية جعلت حتى من ساعات الحوار العلمية والجافة التي دارت بين فرويد ويونغ في فيينا دقائق سينمائية تأسيسية.

الحياة اللندنية في

24/02/2012

 

بين احتقار فرويد وأفلام هتشكوك النفسية حتى النخاع

إبراهيم العريس 

إذا كان من قبيل المصادفة البحت ان الفن السابع والتحليل النفسي ولدا في زمن واحد تقريباً، هو العقد الأخير من القرن التاسع عشر، الأول على يد الأخوين الفرنسيين لوميار، والثاني على يد النمساوي سيغموند فرويد. وإذا كان، أيضاً، من قبيل الصدفة أن يظهر كتاب فرويد الشهير عن الهستيريا، انطلاقاً مما يسمى «حالة دورا» في العام نفسه الذي قدم فيه الاخوان لوميار، العرض الأول في وسط باريس للفيلم الأول في تاريخ السينما، فإنه ليس من الصدفة في شيء أن يقدم المخرج الكندي دافيد كروننبرغ، بعد مرور أكثر من قرن من ذلك الزمن على تلك «الخطوات» المهمة في تاريخ الحداثة، على تحقيق واحد من أكثر الأفلام في تاريخ السينما التصاقاً بتاريخ التحليل النفسي.. وذلك بالتحديد لأن سينما كروننبرغ كانت دائماً منطلقة من هذا التحليل، بشكل موارب أحياناً (كما في «تاريخ من العنف» أو «اكزستنز») أو مباشر في أحيان أخرى (كما في «سبايدر».. وصولاً الى فيلمه الذي عرض مؤخراً «منهج خطير») – راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة -.

هتشكوك: فرويد السينما؟

أياً يكن الأمر، فإن كروننبرغ في إقدامه على هذا المشروع، إنما كان يتبدى كواحد في سلسلة المخرجين السينمائيين، الذين شغل التحليل النفسي جزءاً من همومهم وأعمالهم على رغم أن واحداً من كبار مبدعي الفن السابع في القرن العشرين، بيلي وايلدر، النمساوي الأصل والهوليوودي الهوى والهوية، لم يتوقف في أفلامه عن السخرية من التحليل النفسي وصولاً إلى فرويد نفسه.. بيد أن لوايلدر في هذا الصدد، حكاية خاصة تتعلق بطرد فرويد له من منزله ذات يوم حين قصده ليجري له حديثاً صحافياً فما كان من هذا الأخير، إلا أن طرده -. وإذا كان من المعهود في شكل عام انه، في كل مرة يؤتى فيها على ذكر حضور التحليل النفسي، سينمائياً، أول ما يقفز إلى الأذهان إنما هو فيلم جون هوستون عن حياة فرويد – والذي كان سارتر قد كتب نسخته الأولى التي سرعان ما استغنى عنها هوستون -، إذا كان هذا معهوداً طالما أن فيلم هوستون كان سيرة سينمائية لفرويد ولولادة التحليل النفسي، فإن الخبراء الأكثر جدية في هذا المجال، يرون أن التزاوج بين السينما والتحليل النفسي كان أكثر وضوحاً في عدد من أفلام سيد التشويق الفرد هتشكوك، منه في المتن السينمائي لأي مبدع آخر. بالنسبة إلى هؤلاء، لم يحقق هتشكوك أفلاماً عن «التحليل النفسي»، بل أفلاماً «تغوص» في التحليل النفسي.

وحسبنا أن نذكر هنا نصف دزينة من أفلام هذا المبدع السينمائي الكبير حتى نتأكد أن علاقته بهذا التحليل، سينمائياً، لم تكن مزحة، بل ممارسة مقصودة ومعمّقة. فمن فيلم «منزل الدكتور ادواردز» (وهو العنوان الفرنسي والأكثر شهرة عالمياً لفيلم «سبيلباوند») إلى «مارني» و «ريبيكا» وإلى «سايكو» مروراً حتى بـ «العصافير» و «فرتيغو»، حقق هتشكوك متناً سينمائياً كبيراً يمكن لعلماء التحليل النفسي ليس فقط أن يشتغلوا عليه، بل حتى أن ينطلقوا منه في دراسات حول الانفصام وشتى أنواع الذهان والرهاب وحتى الهستيريا.

ولعلنا لا نكون مبالغين هنا إن قلنا أن الباحثين عموماً يضعون سينما هتشكوك، في تراتبية الاهتمام السينمائي بالتحليل النفسي، في مكانة متقدمة كثيراً عن مكانة وودي آلن في سينماه المرتبطة بالتحليل النفسي. فهذا الارتباط لدى آلن مقصود ونظري. أما وجوده لدى هتشكوك فهو يبدو عضوياً ومن صلب الموضوع.

سلبية فرويد

غير أن هتشكوك وودي آلن، كما حال كروننبرغ اليوم، ليسا وحدهما في الساحة... بل إننا نعيش منذ سنوات عدة زخماً مدهشاً في السينما «التحليلنفسية». فهذه السينما، بدأت على أية حال باكراً ومنذ العقود الأولى لبروز جماهيرية فن السينما – على الأقل منذ «عيادة الدكتور كاليغاري» وأفلام دراير وبابست وبعض بوليسيات فرتيز لانغ -، راحت تشهد ازدهاراً وتنوعاً في المواضيع بالتدريج. فهناك على مدى تاريخ السينما، أفلام حول المصحات النفسية (تكاد تكون ترجمة بصرية لبعض نظريات ميشال فوكو حول السجون و «المراقبة والمعاقبة») – من أبرزها «واحد طار فوق عش الوقواق» لميلوش فورمان، و «حياة عائلية» لكين لوتش، و «ممر الصدمات» لصامويل فولر... وصولاً مؤخراً إلى تحفة مارتن سكورسيزي («شاتر آيلند»). وهناك أفلام حول المرضى النفسانيين أكانوا أصحاب سلطة (كما لدى ستانلي كوبريك في «دكتور سترانجلاف») أو في أوساط الشبيبة (أيضاً لدى كوبريك في «البرتقال الآلي»).. ناهيك بالأفلام التي لا تعد والتي تتحدث عن السفاحين متعددي الجرائم (ثلاثية «هانيبال لكتر» لجوناثان ديم، ثم ردلي سكوت...). وهناك أفلام لا تعد ولا تحصى حول مسألة الانفصام (لعل في إمكاننا أن نذكر منها هنا بضعة أفلام لانغمار برغمان، أبرزها «برسونا» و «الصمت» وإلى حد ما «همس وصراخ»)... ربما كان آخرها وأقواها في زمننا الراهن هذا، فيلم دارن أرنوفسكي «البجعة السوداء»، الذي مكّن بطلته (المزدوجة الشخصية) ناتالي بورتمان، من الحصول على أوسكار أفضل ممثلة في العام الفائت. وطبعاً يمكن لهذه اللائحة أن تطول... غير أننا آثرنا، في هذه العجالة، أن نتوقف فقط عند أبرز الملامح في علاقة عبرت تاريخ السينما وتاريخ التحليل النفسي بقوة حتى الآن، علماً بأن ثمة في الأمر كله بداية لهذه العلاقة – بداية موؤودة بالأحرى – قد تصلح خاتمة لهذا الكلام العجول: عند بدايات عصر السينما ويوم كان فرويد لا يزال حياً، أُثر عنه انه لم يحب السينما على الإطلاق ولم يعرها أي اهتمام، إلى درجة انه حين عرض عليه المنتج صامويل غولدوين أن يكتب سيناريو لفيلم يتحدث عن التحليل النفسي، مقابل مئة ألف دولار (ما كان يساوي بأسعار يومنا هذا أكثر من مليون ونصف المليون من الدولارات) رفض متمتماً: ما دخل لعب العيال هذا – أي السينما – في واحد من أخطر العلوم؟

الحياة اللندنية في

24/02/2012

 

«هاليلويا» لكنغ فيدور:

هكذا بدأ حضور الأفارقة الأميركيين على الشاشة

إبراهيم العريس 

ما إن انتقلت السينما الهوليوودية من «الصامت» الى «الناطق» حتى رأت نفسها تتوجه مباشرة نحو السود (الأفارقة الأميركيين لاحقاً)، ونحو أغاني الجاز وموسيقى البلوز... من الصعب حقاً اليوم، تفسير هذا التوجه المبكر، لكن النتيجة قائمة تصرخ، بصوت زنجي، في تاريخ السينما: الفيلم الناطق الأول «مغني الجاز» لألان غروسلاند، ليتلوه بعد عامين فقط فيلم آخر سيعتبر لاحقاً من كلاسيكيات السينما الناطقة: «هاليلويا» لكنغ فيدور. ومع هذا ثمة فارق كبير بين الفيلمين: صحيح أن الأول كان موضوعه الجاز ومغني الجاز، لكن بطله كان في الحقيقة شاباً يهودياً، أراد أن يتحول -في الفيلم- من منشد ديني في معبد، الى مغنّ يتنكر في أزياء السود. أما الفيلم الثاني، فكان «أسود» حقاً: موضوعه عن حياة السود، وممثلوه من السود، ليفتح بذلك تياراً سينمائياً كان يزدهر ثم يخبو تبعاً للظروف السياسية، وإن كان عجز في البداية عن أن يخلق ذلك التيار على الفور، فنحن نعرف ان هوليوود انتظرت فورة السبعينات وما بعدها، حتى تعيد الى البطل الأسود مكانته في أفلام، سرعان ما راح يحققها مخرجون سود (سبايك لي بين آخرين) بعدما كانت، حتى الأفلام عن السود، حكراً على المخرجين البيض. وخلال الفترة بين «هاليلويا» (أواخر العشرينات) وفورة الأفلام السوداء (الستينات) لم تخرج سينما هوليوود طويلاً عن «كليشيهات» الأسود. بل إن «هاليلويا»» نفسه، وعلى رغم مناخه الأسود وتعاطفه مع الإنسان الأسود، في شكل عام، لم يخل من تلك «الكليشيهات».

> ومع هذا كان «هاليلويا» أسود بامتياز... وحقق ردود فعل مناسبة تماماً: هوجم في ولايات الجنوب العنصرية الأميركية ومنع من العرض في الكثير منها. وهوجم من بعض الأوساط السوداء التي كشفت عن ملامح عنصرية فيه، سيقول المخرج دائماً إنه لم يتعمد أن تكون جزءاً من فيلمه، لكنه استقبل استقبالاً طيباً جداً في أوروبا، ولا سيما من جانب الأوساط الثقافية التقدمية، إذ مدحه جورج سادول بوفرة، وكرّس له الناقد أوريول عدداً خاصاً من مجلته «لا ريفو دي سينما»، ولا يزال ينظر اليه حتى اليوم بصفته أول فيلم هوليوودي تعاطى مع قضية السود بقدر كبير من الأمانة. بل إن واحداً من النقاد الفرنسيين سيقول بعد أكثر من نصف قرن ان ستيفن سبيلبرغ نفسه في فيلمه الزنجي المتميز «اللون القرمزي»، لم يكن أكثر تعاطفاً مع السود من كنغ فيدور في «هاليلويا».

> وكنغ فيدور الذي كان بدأ مساره السينمائي في تحقيق أفلام صامتة، منها فيلمان يعتبران كلاسيكيين (هما «العرض الكبير» و «الحشد») لم يكن غريباً عن عالم الزنوج على أية حال: كان ترعرع أيام طفولته وصباه في تكساس، في مناطق يكثر فيها وجود السود واضطهادهم. وهو قال إنه منذ وقت مبكر سحر بحياتهم وتقاليدهم الدينية والموسيقية وعلاقاتهم الاجتماعية. ومن هنا، ما إن خاض عالم السينما حتى واتته فكرة تحقيق فيلم يتمحور بكامله حول السود وحياتهم. لكنه كان يعرف ان الموسيقى واللغة تشكلان جزءاً أساساً من تلك الحياة، لذلك كان عليه أن ينتظر ان تنطق السينما، حتى يحقق رغبته. وهكذا كان: منذ العام الأول لولادة السينما الناطقة، رسم مشروعه وراح يبحث عمّن يموّله... ثم حين أعلن انه مستعد لتوظيف أمواله في انتاج الفيلم، أصبح المشروع ممكناً.

> هناك في «هاليلويا» قصة متشعبة وميلودرامية... وهي قصة عرفت، في حد ذاتها كيف تجتذب الجمهور... غير ان من الواضح ان القصة ليست سوى ذريعة استخدمها المخرج ليرسم من خلالها، بيئة الحياة الزنجية، وشتى العادات والتقاليد، ولا سيما الممارسات الطقوسية الدينية، واحتفالات مملوءة بالغناء والموسيقى. والحقيقة ان هذا الواقع جعل كنغ فيدور يركّز على حضور المغنّين وفرق الغناء الجماعي في فيلمه، غير مهتم بأن يكون ممثلو الفيلم نجوماً معروفين. وهكذا، كان في إمكانه أن يقول بكل فخر، بعد سنوات، إنه إنما التقط ممثلي فيلمه من الشارع ومن أي مكان: من المقاهي، من المسارح الشعبية... وكانت النتيجة متميزة على أي حال، إذ لن يعدم الأداء التمثيلي في الفيلم أن يحظى بمعجبين كثر، وبخاصة في أوساط النقاط الأكثر صعوبة في شكل عام.

> تدور حكاية الفيلم في مزرعة للقطن يعمل فيها السود ويديرون شؤونها بأنفسهم في احدى مناطق ولاية ميسيسيبي الجنوبية، حيث السود يعيشون، في شكل عام، اضطهاداً قديم العهد. أما الشخصية الرئيسة في الفيلم، فهي شخصية المزارع زيكي الذي يعمل مع أخيه سبونك في زراعة القطن، والموسم الزراعي الذي نحن في صدده هنا كان جيداً... وها هو الفيلم يبدأ بزيكي وسبونك وهما يتوجهان معاً لبيع محصولهما في المدينة. وهنا، كما في أفلام هذا النوع الميلودرامية، يحصل لزيكي أن تغويه فتاة ليل لعوب تدعى تشيك، في ملهى، وهو لكي يغويها ويبهرها بدوره، ينفق كل ما جمع من مال على لعب القمار، وهي تنظر إليه بـ «إعجاب»... وينتهي ذلك الفصل من حكاية الفيلم بمعركة دامية يقتل خلالها زيكي أخاه سبونك من طريق الخطأ. وإذ يشعر بهول ما فعل، يسعى الى تلاوة فعل ندامته عملياً، فيتحول الى كاهن زاهد في الدنيا وأحوالها بعد أن ينال صفح أبيه. غير ان سيامة زيكي كاهناً، لا تبعد عنه إغواء تشيك على الإطلاق، إذ إن هذه سرعان ما تعود الى الظهور في حياته من جديد، وإذا به هو يقع في اغوائها، إذ من الواضح انه لم يبرأ تماماً من «حبه» لها. وهذا الفصل أيضاً، سينتهي بمقتلة يتمكن خلالها زيكي من القضاء على القوّاد هوت شوت، الذي يتولى تشغيل تشيك وادارة أعمالها... وإذ يقبض على زيكي هذه المرة، يمضي بكل رضا عن النفس فترة عقوبته، لينتهي الفيلم عليه وقد عاد في نهاية الأمر الى حياته الورعة الطيبة، حيث تستقبله خطيبته الطيبة ميسي-روز، بحب وتفان.

> إذاً، من حول هذه الحكاية الميلودرامية، التي يمكن أصلا أن تدور في أجواء السود، ولكن في أي أجواء أخرى كذلك، بنى كنغ فيدور فيلمه الناطق الأول. وهو حقق فيه رغباته القديمة، جعله احتفالاً زنجياً خالصاً، تحية للحياة الدينية وللفولكلور، أو كما قال هو نفسه: «لقد حققت هنا أول فيلم زنجي ناطق في التاريخ، فيلم يتحدث عن حفلات العمادة في الأنهار، عن الموسيقى الروحية الزنجية، عن لاعبي البانجو، عن موسيقى البلوز، عن تقاليد الولادة والموت، عن الحياة الجماعية. ولقد أتيت بممثلين من أحياء السود في شيكاغو ونيويورك، وجعلت دانيال هاينز يغني «أولد مان ريفر» التي ستصبح اشهر أغنية جاز في تاريخ الموسيقى... وصورنا مشاهد الطقوس في ممفيس تحت اشراف قساوسة سود». ولقد قدّم الفيلم في عرضه الأول، في الوقت نفسه، في تايمز سكوير في نيويورك، وفي حي هارلم الأسود الشعبي... وكانت له رودد فعل متنوعة كما أشرنا.

> كنغ فيدور هو من مخضرمي هوليوود الكبار، ولد العام 1894 وعاش حتى العام 1982، وكانت له في كل مرحلة من مراحل حياة هوليوود أفلام ونجاحات، بل كان من أوائل المخرجين الذين يسمون للفوز بجوائز الأوسكار... وكذلك كان محقق «العرض الكبير» الذي يعتبر من أكثر الأفلام دراً للأرباح في تاريخ هوليوود. وهو أعطي في العام 1979 أوسكارا عن مجمل الانجازات «التي لا تضاهى»» والتي حققها طوال ما يقرب من سبعين عاماً هي عمره السينمائي. وحقق كنغ فيدور، اضافة الى ما ذكرنا، أفلاماً صارت علامات في تاريخ السينما، منها: «البطل» (1931) و «خبزنا كفاف يومنا» (1934) و «صراع تحت الشمس» (1947)، الذي بدأه لكنه لم ينجزه، وكانت هذه حاله مع «ذهب مع الريح». وهو حقق في الخمسينات من القرن العشرين: «الحرب والسلام» (عن رواية تولستوي) و «سليمان وملكة سبأ». وقبل شهور من رحيله في العام 1982 ظهر كممثل في فيلم «الحب والمال».

alariss@alhayat.com

الحياة اللندنية في

24/02/2012

 

ألمانيا تقلِّد الناقد فوزي سليمان وسام الاستحقاق

القاهرة – فريال كامل 

أقام سفير ألمانيا في القاهرة حفلة استقبال لتقليد الناقد فوزي سليمان وسام الاستحقاق من رئاسة الجمهورية الألمانية. حضر الحفل جمع من المثقفين والسينمائيين، وكان لافتاً حضور ثلاثة من تلاميذ سليمان الذين وجّههم للاهتمام بالسينما كفن وثقافة، وهم رئيس جمعية نقاد السينما المصريين الناقد محسن ويفي، والفنان عادل السيوي، ورئيس المركز القومي للسينما المخرج مجدي أحمد علي.

يرجع لفوزي سليمان الفضل في تأسيس نادي سينما معهد غوته (التابع للحكومة الألمانية) كنافذة للإشعاع الثقافي، وهو النادي الذي تبنى برعايته سياسة حوار الثقافات خصوصاً الثقافتين الألمانية والمصرية وذلك على مدى ثلاثين عاماً إلى أن رأى أن يسلم إدارته لجيل جديد من المخرجين الشبان.

وقد عُني سليمان بتعريف الجمهور في مصر بأهم أعمال كبار المخرجين الألمان كمارغريتا فون تيروتا وفاسبيندر وفاتح أكين، ذلك إضافة لعنايته بعرض أفلام لكبار المخرجين المصريين أمثال صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وتوفيق صالح وغيرهم. عُني أيضاً بعرض الأفلام التسجيلية وأفلام الشباب وإلقاء الضوء على مخرجيها، ويرجع له الفضل في تأسيس مهرجان السينما المستقلة الذي يقام سنوياً.

تبنّى سليمان سياسة التعاون بين النادي وبين المؤسسات الثقافية في مصر فنَظَّم ورشاً للعمل بالتعاون مع أكاديمية الفنون أشرف عليها مخرجون وفنانون ألمان، وقد أثمرت تلك الورش عدداً من الأفلام عُني سليمان بدفعها للعرض في مهرجانات دولية بصحبة مخرجيها. وانطلاقاً من السياسة ذاتها تعاون النادي مع جمعية «نقاد السينما المصريين» في تنظيم حلقة بحث آفاق النقد السينمائي، الذي شارك فيها بأوراق كبار النقاد المصريين على مدار ثلاثة أيام، وحضرها سكرتير الاتحاد الدولي للنقاد كلاوس إيدر.

الحياة اللندنية في

24/02/2012

 

351 فيلماً في مهرجان القاهرة لسينما الأطفال

القاهرة – نيرمين سامي 

ينطلق مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال في دورته الحادية والعشرين خلال الفترة من 23 إلى 30 آذار (مارس) المقبل، برئاسة الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة المصري. ولقد أعلن منذ الآن أن عدد الأفلام المشاركة في المهرجان يبلغ 351 فيلماً روائياً وتسجيلياً، ومتحركاً. كما أعلن أن هناك 3 لجان تحكيم دولية تتوزع على فئات الأفلام الروائية الطويلة والكارتون والوثائقية والتسجيلية. وتتكون كل لجنة من 11 عضواً, منهم 6 أجانب و4 مصريين، إضافة إلى عضو آخر يتم اختياره من العالم العربي. وبلغ عدد الضيوف الذين تأكد مشاركتهم حتى الآن نحو 21 ضيفاً أجنبياً فضلاً عن المشاركين في لجان التحكيم ليصل إجمالي المشاركين الأجانب إلى 35 من بينهم 4 أطفال من الخارج سيشاركون في لجان التحكيم الخاصة بالأطفال والباقي سيتم اختيارهم من أطفال الجاليات الأجنبية في مصر أثناء إقامة فعاليات المهرجان.

وفي ما يتعلق بمشاركة المدارس الدولية، تمت مراسلة 133 مدرسة أكد 23 منها على المشاركة بواقع 4 أطفال من كل مدرسة ليصل مجموع الأطفال الأجانب الذين تأكد مشاركتهم حتى الآن إلى 87 طفلاً. كما تم الاتصال بنحو 34 سفارة عربية وأجنبية، وافق 7 منها على المشاركة حتى الآن. كما تمت مراسلة 14 دولة عربية للمشاركة واللجنة في انتظار تحديد موقف المشاركين من عدمه.

وعن سوق الفيلم الذي يقام على هامش المهرجان والذي يعد فكرة جديدة من نوعها قدمتها المخرجة عطية خيري «لخلق رواج فني لمصر ومحاولة إنتاج أفلام كارتون مميزة»، تم الاتصال مع 46 دولة وافقت دولتان وفي انتظار المزيد من الموافقات. كما تمت دعوة 66 جمعية أهلية للمشاركة في السوق الخيري فوافقت 33 جمعية واعتذرت ثلاث جمعيات. والباقي لم يتحدد موقفهم من المشاركة بعد. وستقام خلال المهرجان 17 ندوة ترتبط بسينما الأطفال وما تشهده من تطورات. كذلك سوف يتم تنظيم ورش فنية على هامش المهرجان في دار الأوبرا والحديقة الثقافية بالسيدة زينب تشارك فيها الهيئة العامة لقصور الثقافة وصندوق التنمية الثقافية وقطاع الفنون التشكيلية ومركز ثقافة الطفل وبعض الأفراد. وسيتضمن حفل الافتتاح السلام الجمهوري لكورال الأطفال وأغنية وطنية وعرض تاريخي مصوّر عن تاريخ المهرجان والتعريف به وعرض لبعض لقطات للأفلام المشاركة مدته 4 دقائق بالإضافة إلى تحديد الإطار الخاص بمراسم المهرجان المختلفة، وسيقدم الحفل طفل ما بين الثانية والثالثة عشر من العمر باللغتين الإنكليزية والعربية. وستشارك 11 دار عرض سينمائية في المهرجان.

الحياة اللندنية في

24/02/2012

 

السينما المغربية: رهانات الحداثة ووعي الذات 

بيروت - «الحياة» - عن منشورات «دار التوحيدي» في الرباط، صدر للكاتب والقاص المغربي محمد اشويكة كتاب جديد يحمل عنوان: «السينما المغربية: رهانات الحداثة ووعي الذات». يتكون الكتاب من 248 صفحة من الحجم المتوسط، ويتوزع على أربعة فصول تتناول بعض القضايا المطروحة في السينما المغربية الصاعدة بقوة منذ سنوات، في شكل خاص، وبعض قضايا الفن السابع المتنوعة في شكل عام. وفي الكتاب يسعى المؤلف الى ان يقارب إشكالات الحداثة ووعي الذات من خلال أهم الرهانات التي تسعى بعض التجارب السينمائية لبلوغها كي تصل إلى ذلك. جاء على ظهر الغلاف: «ونحن نخوض غمار بلورة تساؤلاتنا لمحاورة بعضٍ من مكونات المتن الفيلموغرافي المغربي، كنا نراهن على إبراز تعدد مرجعياته ورؤاه، وعلى صراع المتعة والإقناع فيه أسوة بصناعة السينما ذاتها: غاية الفيلم الإمتاع المُقْنِع». تجدر الإشارة إلى أن غلاف الكتاب يحمل صورة الفنان نور الدين التلسغاني، وخطوط الفنان العربي الشرقاوي.

لمزيد من التفاصيل يمكن العودة إلى الموقع الإلكتروني للكاتب: www.khayma.com/chouika

الحياة اللندنية في

24/02/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)