حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حصان الحرب .. الذكورة المثيرة للخيال

بقلم : د. رفيق الصبان

الأطفال يحتلون مقاما مميزا في عالم ستفن سبيلبرج السينمائي.. تأكد منذ نجاح فيلمه الأول عنهم «E.T» الذي يصور تعاطف الأطفال وفهمهم لمخلوق من الفضاء «رمته الأقدار بينهم».. بينما عجز الكبار عن التواصل معه. هذا الفيلم كان مؤشرا لأفلام أخري لعب «الطفل» بطولتها كفيلم مملكة الشمس المدهش الذي لم يأخذ الحق الذي يستحقه من الاهتمام وأخيرا ايقونة أدب الأطفال في أوروبا «تافنان» الذي ادخل هذا المخرج المتنوع المواهب في عالم الأطفال المليء، بالعجائب والقادر علي سحر كل من يدخله.. أو يحاول فهم ألغازه. هوس عذب وها هو فيلمه الأخير «حصان الحرب» المرشح لأكثر من جائزة أوسكار هذا العام بامتياز ليؤكد هذا الهوس العذب لدي صاحب «قائمة شنزلر» وسواها الأفلام السياسية والاجتماعية والبوليسية التي قدمها سبيلبرج ليتحفنا بها كل عام.. مؤكدا مكانته كواحد من كبار صناع السينما في الولايات المتحدة. الحصان.. يستخدم عموما كرمز جنسي في كثير من الأفلام، فهو رمز للذكورة المتسلطة المدهشة والمثيرة للخيال، كما في فيلم «أنفاس في عين ذهبية» الذي اخرجه جون هوشون عن قصة لكارسن ماك كيلرز.. أو رمز لهوس جنسي مسعور كما في الفيلم المغربي الجديد «الحصان».. أو حتي كوازع ضميري، أو كعين شاهدة علي حدث مخيف كما في فيلم Cquus المأخوذ عن مسرحية شجرة إلي جانب أفلام أخري بسيطة في معناها، تصور علاقة مراهقين صغار بجواد وما يترتب عليها من نتائج إنسانية حلوة، الأمثلة كثيرة، بل وأكثر من أن تحصي، ولكن هذه المرة جاءت معالجة سبيلبرج من وجهة نظر فيها الكثير من الرومانسية ومنها بعض السياسة والكثير من النظرات الإنسانية العميقة التي تجعل فيلمه يخرج عن نطاق الأفلام الموحية للنشء الصغير، ويسمو بطموحه إلي أكثر من ذلك بكثير، وهذا ما جعله مرشحا لكثير من جوائز الأوسكار لهذا العام. علاقة خاصة سبيلبرج ينطلق من فكرة صغيرة حلوة.. يطورها بطريقة درامية مسبوكة جيدا.. ليصل منها آخر الأمر إلي الهدف الذي رسمه لنفسه منذ البداية وهو أن يطلق صرخة مدوية ضد الحرب، وأن يركز علي الأواصر التي تربط بين البشر، حتي لو انتموا إلي معسكرين متعاديين حصان الحرب.. هي علاقة فتي بحصان، شهد ولادته منذ البداية، وعاش معه سنواته الأولي. ووقف تجاه «رأسمالية» شرسة تحاول السطو عليه من خلال تصوير أحوال مزرعة انجليزية في أوائل القرن، كل هذا الجزء الأول من الفيلم يضعنا في مناخ مناسب ونفسي لنقبل الأحداث المثيرة التي ستلي ذلك والتي ستنفجر عند اندلاع الحرب العالمية الأولي. المهرة السوداء في هذا الجزء يقدم سبيلبرج الفيلم علي مستويين.. مستوي البطل المراهق الصغير وأحلامه وعلاقته بهذا الجواد الذي اختاره صديقا ومشاركا وحليفا.. ومستوي الحصان نفسه الذي يتعامل معه الفيلم والسيناريو وكأنه بطل حقيقي لا يقل أهمية عن الأبطال البشر الذين يدورون حوله. علاقة الحصان بأمه.. وابتعاده عنها عند بيعه.. تمرده علي النظام المفروض عليه.. ثم علاقة الحب التي ستنشأ بينه وبين المهرة السوداء التي سيتعرف عليها خلال المعارك.. ثم محاولته للتمرد والهروب من القبور العسكرية «في واحدة من أجمل واعمق وأرق مشاهد الفيلم» ثم سقوطه جريحا بين الأسلاك الشائكة المكهربة، ومحاولة انقاذه من أحد الجنود الانجليز، يساعده في ذلك جندي ألماني، توافق معه علي إقامة هدنة خاصة بينهما لانقاذ الجواد من براثن الأسلاك، مدهش عميق في تأثير رسالته رغم ميلودراميته الظاهرية، والتي عرف المخرج الماهر كيف يتغلب عليها بقوة إحساسه السينمائي وبفضل تصوير مدهش وموسيقي خلابة، اعطت هذا المشهد الساذج ميلودراميا بعدا إنسانيا مؤثرا. المهم أننا نقارن.. عند نشوب الحرب العالمية الأولي، المراهق الصغير، لنتابع مسيرة الجواد والمغامرات «البيكارسكية» التي يمر بها.. علاقته الأولي مع المعارك.. ومع جو الحرب الذي لم يعتد هذا النظام القاسي والمعاملة الباردة وانعدام الحنان ومع ذلك لا يخلو الأمر من ضابط.. يحنو عليه ويساعده.. ثم خوضه المعركة الأولي معركة السيوف والجياد والتي تقدمها سبيلبرج باتقان سينمائي أخاذ.. يذكرنا بإرادته الأسطورية لمشاهدة المعارك في أفلام سابقة له لا تنسي. ثم علاقة الحصان بجنديين أخين أو صديقين فيهربان به وبحبيبته المهرة السوداء من أتون المعركة في مشاهد تلعب فيها الطبيعة دورا أساسيا.. وكاميرا المخرج الماهرة التي يقودها مصور بولندي فائق الموهبة.. واللجوء إلي الاختفاء في طاحونة هولندية، ولكن سرعان ما يتم القبض عليهما بطريقة قاسية وتحت وقع أمطار تبدو لنا كسياج من لهب. ألبوم صور والحقيقة أن سبيلبرج.. يستغل كل هذه المشاهد التي تتتابع أمامنا.. وكأنها «البوم» متحرك يصور وقائع حرب لا إنسانية يسيل فيها الدم هباء.. وتختفي الشمس الذهبية وراء غيوم ثقيلة معبأة بالحقد والكراهية. وأخيرًا.. تصل إلي مرحلة حاسمة في حياة الجواد عندما تعثر عليه مراهقة صغيرة مختبئًا في طاحونتها الهولندية.. فتمد له حبال الحنان والود ولكنها تدفع ثمن ذلك غاليا إذ ما إن تخرج به من مخبئه لينطلق كعادته مع الريح متنفسا هواء حريته.. حتي يقبض عليها ويخوض الجواد مرة أخري غمار الحرب القاسية منهكًا جريحا مذلولا يفكر بحرية لا ينالها.. وحرب يخوضها دون أن يدري لها سببا. لذلك ينفجر صبره أخيرا وينطلق محطما قيوده مجتازا نفوذ وكبرياء حقول الألغام أمام دهشة الجنود في كل من المعسكرين المتقاتلين.. إلا أنه يسقط جريحا بين الأسلاك الشائكة ليقرر أحد الجنود إنقاذه مهما كان الثمن.. يساعده علي ذلك كما قلنا جندي من الأعداء.. استطاع أن يري هو أيضا في هذا الجواد الجريح الباحث عن الحرية.. المتمرد علي كل الأنظمة والقوانين صورة عن نفسه المتمردة الجريحة التي تجرحها هي أيضا أسلاك لا مرئية. ليس مجرد فيلم «حصان الحرب» ليس فيلما كعادة الأفلام التي تطلقها هوليوود عن علاقة فرد من البشر بنوع من الحيوان مؤكدة معني إنسانيا ضيقا بعض الشيء.. و لكنه فيلم عن الحرب وعن أهوالها وعبثيتها وجنونها مقدمة من خلال عين حصان.. أعطيت بعدا دراميا لا محدودا ووضعت في إطار مغامرات «بيكارسكية» متعددة تتواصل مع بعضها بقوة لتصل منها آخر الأمر إلي هدف واحد هو إدانة الحرب بكل أنواعها وأشكالها وظروفها والوقوف إلي جانب الإنسان بقوة، بل بالإضافة إلي ذلك «أنسنة» الحيوان نفسه واعتباره طرفا من الأطراف الجريحة التي تدفع ثمن أهوال الحرب. هناك مشهد لا ينسي عبر عنه المخرج من خلال نظرات الحصان.. بعد أن تم إنقاذه من الأسلاك الشائكة وامتلأ جسده بالجروح فقرر الأطباء إعدامه برصاصة الرحمة هذه النظرة التي يلقيها الجواد علي مجتمع البشر. والتي استطاع المخرج أن يحملها كل الاتهام الذي يحمله في القلب والحرب أحالت البشر إلي نوع من الحيوانات التي لا تعرف الرحمة، والحيوانات إلي نوع من البشر يتحرك ضميره، وتقف كل أعضاء جسمه محاولة الاعتراض علي عبثية لا يعترف بها. قد تكون الحكاية «التوثيقية» التي أرادها الفيلم آخر الأمر بأن يجمع المراهق الذي دخل الحرب ولقائه بجواده الذي أنقذ من الموت في آخر لحظة ثم بيع مرة أخري بالمزاد.. لصاحب الطاحونة الذي أراد أن يحيي ذكري حفيدته التي استشهدت بعد أن عرف مدي تعلقها به.. ثم تخليه عن الحصان لصاحبه الأصلي. قد تكون هذه النهاية المرسومة بتعجل ستصل بنا إلي نهاية مريحة بعد مشاهدة القتل والحرب العنيفة، والتي استخدم فيها المخرج كل أدواته الفنية وكل تأثيره، بالطبع جاءت هذه النهاية محبطة إلي حد ما للبناء الدرامي المدهش الذي استغرقته مشاهد المعارك.. ودور الحصان فيها.. وعلاقته بالبشر المتحاربين. ولكن هذا لا يمنع الإساءة بالمستوي النفسي الكبير الذي توصل إليه المخرج الأمريكي الشهير وتعبيره عن حسه الإنساني وموقفه ضد الحروب واستغلاله المدهش لكل العناصر الفنية التي تحيط به من تصوير وموسيقي ومونتاج والتي وصلت إلي حد كبير من التأثير والإثارة. «حصان الحرب» يدخل معركة الأوسكار بقوة رغم الارتباك في بنائه الدرامي أحيانا ولكنه أشبه بقصص ألف ليلة وليلة، حيث تتضافر النصوص بعضها لإعطاء «كلاَّ» مدهشا حتي لو كانت هناك قصص أقل إثارة من قصص أخري. لقد جمع سبيلبرج شخصيات عدة ومواقف عدة ومعارك عدة وأثار بشيء حول محور واحد هو محور «الحصان» أطلقه بقوة من سهول إنجلترا الشمالية وطاف به أرض المعارك في فرنسا وهولندا ورسم حوله نماذج لشخصيات متعارضة ومتناقضة، ولكنها دارت كلها في فلك واحد، فلك إدانة القسوة والهمجية وإسالة الدم وجعل من الحصان «عينا» شاهدت التهمة «وقالت» ببلاغة الكثير مما يعجز البشر أحيانا عن قوله.. و«فعلت» ما كنا جميعا نحلم بأن نفعله حتي لو امتلأت أجسادنا بالجراح.. من أسلاك شائكة وضعها مجتمعنا في طريقنا وجعلنا نحن أيضا نواجه الموت من خلال نظرة ولحظة ولا عتب عليه بعد ذلك.. أنه رسم لنا بعد هذا الاتهام الكبير أملا مرتجعا بنهاية سعيدة قد نصدقها أم لا.

جريدة القاهرة في

21/02/2012

 

ويتني هيوستـن النجمة السمراء رحلت دون وداع

بقلم : سهي علي رجب 

الرائعة السمراء .. صاحبة الصوت القوي .. انها " ويتني هيوستن".. رحلت مفاجأة وكأنها أبت أن تودعنا فتري دموعنا ترثيها، فقد عثرت الشرطة الأمريكية علي أسطورة غناء البوب الأمريكية ميتة بفندق في مدينة "بيفرلي هيلز" بكاليفورنيا، لتختم وفاتها حياة "أشهر مغنية علي مر العصور".. ويتني إليزابيث هيوستن المولودة في نيوجيرسي بنيويورك في 9 أغسطس 1963 مغنية بوب أمريكية وممثلة، فازت بالعديد من الجوائز منها 21 جائزة من جوائز الموسيقي الأمريكية (AMA ) و6 جوائز الجرامي وجائزتي إيمي. وفي مجال التمثيل قامت بتمثيل عدد من الأفلام منها Waiting to Exhale وThe Preacher's Wife ولكن أشهر أفلامها وأكثرها تحقيقا للإيرادات كان فيلم The Bodyguard الذي أنتج عام 1992 وحقق إيرادات تبلغ 410 ملايين دولار عالميا. لُقبت ويتني هيوستن بالنجمة الذهبية في عالم الغناء والموسيقي، استطاعت أن تبهر الجميع بقوة صوتها طوال فترة الثمانينات والتسعينات، حتي أصبحت واحدة من رواد موسيقي البوب. كان صوتها ملهمًا للعديد من النجمات اللواتي يتربعن حاليا علي الساحة الفنية أمثال: كريستينا أجيليرا وماريا كاري وغيرهما. تمكنت هيوستن من تحقيق النجاح في كل من مجالي الغناء والتمثيل، فستظل أفلامها «The Bodyguard» و«Waiting to Exhale » شاهدة علي ذلك النجاح الكبير الذي أحرزته في مجال التمثيل. هيوستن التي اعترفت أنها كانت السبب وراء تلاشي بريقها بسوء استخدامها للعقاقير المخدرة والماريغوانا وحبوب منع الحمل، كانت قد صرحت في حوار مع قناة ABC في العام 2002، قائلة: "نفسي هي الشيطان الذي يدمّر حياتي، فأنا قد أكون الصديقة الأفضل لنفسي أو العدوة الأسوأ لنفسي أيضًا، كل ذلك يتوقف علىّ". الجدير بالذكر أن ويتني هيوستن تزوجت بالمغني "بوبي براون" في عام 1992، وانفصلت عنه في عام 2007 بسبب المشاكل العديدة التي نشأت بينهما، منها العنف المنزلي وإدمان المخدرات الذي أرجعت هيوستن السبب فيه إلي بوبي براون. رحيل بلا وداع كان خبر وفاة النجمة السمراء صدمة علي العاملين في مجال الموسيقي والغناء، إذ إن وفاتها جاءت قبيل ساعات قليلة من غنائها في حفل يسبق إعلان جوائز جرامي الموسيقية لعام 2012، فقد خيم رحيل النجمة ويتني هيوستن علي حفل الجرامي الثالث والخمسين، الذي أقيم في بيفرلي هيلز بعد الوفاة بيوم واحد، إذ تداخلت الاغنيات والصلوات تكريمًا لهيوستن، علمًا بأن مقدم الحفل مغني الراب إل إل كول جي بدأ ذلك الحدث الموسيقي الأشهر قائلاً وهو متشح بالسواد: "لا توجد وسيلة للتغلب علي ما أصابنا، فلدينا حالة وفاة في عائلتنا"، ثم قام بالدعاء والصلاة من أجل ويتني، وذلك قبل أن يعلن عن عرض شريط مصور يظهر أهم إطلالات ويتني هيوستن وأشهر أغنياتها. ومن جانبهم حيا مغنون ومنتجون ومعجبون موهبة ويتني هيوستن وصوتها الرائع .. وقد علق الكثير من الفنانين بسرعة كبيرة علي وفاة نجمة البوب علي خدمة تويتر علي غرار "ماريا كاري" التي قالت ان "قلبها تحطم" عند سماعها النبأ. وكتبت كاري تقول "انا ابكي الموت الصادم المفاجئ لصديقتي السيدة ويتني هيوستن التي لا مثيل لها". وقالت كريستينا اجيليرا من جهتها "لقد خسرنا اسطورة اخري، اوجه حبي وصلواتي إلي عائلة ويتني" في حين اكتفت ريهانا بالقول "ليس لدي كلمات تصف ما أشعر به! بل الدمع فقط". وأعرب المغني "سموكي روبنسون" عبر محطة "سي إن إن" عن امله في ان "يتذكر الناس الامور الايجابية بشأنها وليس مشاكلها، الجميع يواجه مشاكل". واضاف ان المغنية التي غرقت في جحيم المخدرات "كانت تتمتع باحد اجمل الاصوات في تاريخ الموسيقي". واعتبر المطرب الأمريكي "توني بينيت" في رسالة تويتر ان وفاة ويتني هيوستن "مأساة" معتبرا ان المغنية "كانت اعظم مغنية استمعت اليها وسنفتقدها كثيرا". أما "جيرماين جاكسون" شقيق المطرب الراحل مايكل جاكسون فقد قال لمحطة "سي إن إن" انه يتعاطف مع والدة هيوستن مغنية الغوسبل اميلي "سيسي" هيوستن وقال "اظنني اعرف ما تمر به لاننا مررنا مع امي في ذلك ومن الصعب جدا ان يدفن الاهل اولادهم". يذكر أن هيوستن أهدت الحفل الذي أقامته في صالة O2 في لندن عشية وفاة "مايكل جاكسون" إلي روحه.. وقالت هيوستن في صالة الحفلات الموسيقية أمام 23 ألف متفرج:"لقد عاش «مايكل» خمسة عقود من أجلنا ونحن الآن نشكره". وحاولت «هيوستن» استخدام بعض كلمات أغنية «جاكسون» الشهيرة "لست وحدك" You are not alone وقالت: "نحن وحدنا نغني هذه الأغنية من أجلك". المفارقة أن «جاكسون» كان من المقرر أن يبدأ سلسلة جولات في يوليو الماضي من نفس هذه الصالة في لندن ولكن القدر لم يمهله حيث توفي في الـ 25 من يونية 2009 بسبب تعاطي جرعة زائدة من العقاقير الطبية. ولم يكن رد الفعل مقتصرا علي الجيل الذي تنتمي له هيوستن بل كان للجيل الجديد ردة فعله فكتب الكندي "جاستن بيبر" عبر تويتر "لقد علمت للتو بالنبأ، لقد توفي احد اعظم الاصوات". واعربت المغنية "كايتي بيري" عن "حزن كبير. سنحبك الي الابد ويتني ارقدي بسلام". شر البلية فقد تصدرت أغاني المطربة الراحلة المبيعات في الولايات المتحدة، وذلك بعد أيام قليلة من وفاتها، وحققت أغنيتها ذائعة الصيت « I will always love you» أعلي المبيعات في متجر "آي تيونز" التابع لشركة آبل رغم المنافسة الشديدة من جانب المغنية «أدلي» الحائزة علي جائزة جرامي. ومن الاغنيات الاخري لها التي حققت أعلي المبيعات ضمن أشهر 20 أغنية في متجر آي تيونز«I Wanna Dance With Somebody» و«One Moment in Time» و«How Will I Know». وفي سياق متصل صرح مصدر مقرب من عائلة النجمة الراحلة ويتني هيوستن لموقع E- News" أن ابنة الأخيرة من المغني بوبي براون، بوبي كريستينا براون، نُقلت إلي أحد المراكز الطبية في لوس أنجلوس للعلاج من الانهيار العصبي والإرهاق الذي أصابها عقب سماعها خبر وفاة والدتها ويتني هيوستن بشكل مفاجئ في أحد الفنادق. بوبي كريستينا (18 عامًا) التي لم يتوافر عن حالتها الصحية حتي الآن أي معلومات نظرًا إلي عدم رغبة المحيطين بها إعلان المزيد من الأخبار الخاصة عن تلك العائلة في ظل هذه الظروف المأساوية، واجهت صعوبات مع الشرطة كي تتمكن من رؤية جثمان والدتها، إذ في بداية الأمر وقفت لمدة طويلة أمام الفندق الذي شهد وفاة هيوستن، تتشاجر مع الضباط، قبل أن يسمحوا لها بالدخول، وذلك بعد ضغط مارسه عليهم معجبو هيوستن، والذين تجمعوا خارج الفندق لمؤازرة ابنتها. من جانبه، طلب طليق ويتني هيوستن المغني "بوبي براون" من جمهوره أثناء إحيائه حفلاً فيSouthaven قائلاً: "ادعوا لابنتي ولوالدتها، وإن كان لديكم الوقت فلتدعوا لي، لأنني سأحتاج دعاءكم أيضًا"، وأضاف: "أحبك ويتني، أصعب شيء أفعله هو أن أبقي علي هذا المسرح الآن". التحقيقات إلي ذلك، أعلن مكتب الطب الشرعي في لوس انجلوس أنه تم الانتهاء من تشريح جثة ويتني هيوستن، وأشار الطبيب الشرعي "إيد وينتر" إلي أن التقرير النهائي لأسباب الوفاة سيتم الإفصاح عنه في مؤتمر صحفي بعد ما يقرب من ستة أو ثمانية أسابيع، وذلك للانتهاء من الفحوصات المتعلقة باختبار نسب السموم في جسد هيوستن. واستبعد وينتر وجود أي مؤامرة أو شبهة جنائية في وفاة ويتني، مشددًا علي أنه تم العثور علي جسد ويتني هيوستن مساء السبت 11 فبراير الجاري في حوض الاستحمام في الغرفة التي كانت تقيم فيها في فندق "بيفرلي هيلتون"، لافتًا إلي عثور الشرطة علي عقاقير مخدرة في غرفة النجمة الأمريكية. من جانبه، أفاد موقع TMZ أن شرطة لوس انجلوس وجدت أيضًا زجاجات عديدة من أحد الأدوية، كما نقلت عن عائلة هيوستن أن الأخيرة كانت تتناول ذلك الدواء لعلاج القلق، علمًا بأنه ووفقًا لعائلة هيوستن، فذلك الدواء يسبب النعاس، وهو الأمر الذي استند إليه أحد أفراد العائلة كسبب في وفاتها، قائلاً: "ربما غالبها النعاس أثناء قيامها بالاستحمام، إذ تم العثور علي رأسها غارقًا في مياه حوض الاستحمام". من ناحية أخري، وعلي الرغم من عدم العثور علي أي أنواع من الكحول في غرفة هيوستن في الفندق، إلا أنه واستنادًا إلي العديد من التقارير، فهيوستن أسرفت في تناول الخمور والسجائر في اليوم السابق لوفاتها، مما جعلها ووفقًا لأحد أصدقائها تتعرق بغزارة، وتتصرف بطريقة مريبة، وهي واقعة باتت متكررة في حياة هيوستن في الفترة الأخيرة، إذ إنها قامت أيضًا بتصرفات غريبة أثناء حضورها سهرة في أحد نوادي لوس أنجلوس الليلية في بداية هذا الأسبوع. الوداع توافد بعض معجبي المغنية الكبيرة الي فندق بيفرلي هيلتون حيث توفيت ووقفوا امام المبني. وشكل بعض المعجبون جوقة وراحوا ينشدون اغانيها. يذكر أن شركة سوني أعلنت أنها ستعرض الفيلم الأخير لويتني هيوستن، والذي يحمل عنوان «Sparkle» في أغسطس المقبل، وهو الفيلم الذي سيتضمن أحدث التسجيلات الغنائية التي أنهتها هيوستن قبل وفاتها.

جريدة القاهرة في

21/02/2012

 

السينما الأفريقية..إلي أين؟

بقلم : محمود علي 

هكذا بدأ التحرك الشعبي والرسمي يحاول استعاده الدور والمركز.. وفي كل الاتجاهات. من هنا يأتي دورنا الثقافي والفني والذي كانت باكورته لإنشاء جمعية شباب الفنانين المستقلين التي تبنت مشروع إقامة مهرجان الأقصر الأول للسينما الأفريقية ولأول مرة في الفترة من 21 إلي 26 فبراير. لقد غابت عنا هذه السينما طويلا جدا بحيث صار السؤال.. أين موقع هذه السينما وإلي أين ؟ وهو ما يجيب عليه واحدا من أبنائها الناقد الإفريقي فرانك يوكاديكو ! السينما السوداء انبثقت ممارسات سينما أفريقيا السوداء المعاصرة وسط فوران بناء الأمة وسعيا لإحياء هويتها وتراثها الثقافي، وهو ما أدي إلي تنوع خلاق في السينما والفنون عامة. وتكتسب سينما ما وراء الصحراء أهميتها من التزامها بروح الجامعة الأفريقيةpan-African الساعية لتقديم أفريقيا من منظور افريقي، وهو ما ألهم آخرين فيما وراء حدود القارة الجغرافية. لقد أخذت هذه السينما علي عاتقها التحرر التام من الاستعمار مقتفية بنماذج معاصرة من الأدب الداعي للحرية لتتواءم مع نفس الهدف. ففي بلدان مثل أنجولا وغينيا بيساو وموزمبيق كانت السينما أحد الأسلحة من أجل التحرر، كما لعبت دور المحرض في تشكيل الوعي الثوري، وأصبحت بعد الحرب ونيل الاستقلال أداة أيديولوجية للنمو القومي والثقافي. وبرغم هذا فإن غالبية الدول الجديدة سرعان ما أدركت أن حريتها السياسية لا تعني الاستقلال الاقتصادي. كما واجه طموح مخرجيها النقص في البنية التحتية الضرورية لإنجاز نشأة صناعة سينما وطنية أو مواجهة بيروقراطية الروتين الحكومي، فضلا علي مشكلات الجمود السياسي، وهو ما كان يمكن تجنبه ومعالجته بوجود الإنتاج المشترك بين دول القارة من جانب الحكومات، بدلا من أن تتحول إلي عائق يحول دون وجود نظام إنتاج وتوزيع وعرض ملائمة عبر الإنتاج المشترك بينها، مع إنشاء كارتل «احتكار» للتوزيع لخدمة القارة، أو علي الأقل مناطق ما وراء الصحراء علي أسس سليمة. افتقار المصادر وعلي المستوي الوطني فإن التمويل العائد من الضرائب علي التذاكر وإعانة الحكومة من خلال تخفيض الضرائب علي استيراد أدوات الصناعة والتسهيلات في النقد الأجنبي. والأكثر أهمية تنمية البنية التحتية لمزيد من دور العرض وهي وسائل يمكن أن تساعد علي ازدهار صناعة السينما «وتعتبر بوركينا فاسو نموذجاً لهذا» إلا أن هذا كله يغيب عن الدول الأفريقية، وهو ما يواكبه افتقار للمصادر المادية التي تقف عائقا أمام طموح مخرجيها الشباب وازدهار صناعة محلية. ولم تكن جهود هؤلاء المخرجين لبناء هذه الصناعة تجد صدي نظرا لافتقار السياسات الوطنية الفعالة للإشراف علي هذه المؤسسات لقمة الإنتاج الوطني، بل ان الأفلام التي تعرض بها صناعة اجنبية متعددة الجنسيات لا تهتم بالاستثمار الوطني أو بعروض الإنتاج المحلي لاحتكارها العرض والتوزيع. وفي حين أن دولا مثل "غينيا" و"بوركينا فاسو" استطاعت تأميم صناعة السينما فإن محاولات شبيهة في بقية القارة لم تجد العون من سياسات تربط كل جوانب الإنتاج لنتشيط نموها وازدهارها. وعجز الكثير من المخرجين الأفارقة للتغلب علي ندرة الموارد والسيطرة الاقتصادية تضرب بجذورها إلي الماضي الاستعماري وحاضر الاستعمار الجديد. الوضع الحالي باستثناء أنجولا وموزمبيق وبوركينا فاسو حيث تتوافر أنساق حكومية تقوم بتمويل الإنتاج-إلي حد ما -فإن قيام صناعة سينمائية في غيرها مازال لا يحتل الأولوية. وكما سبق القول فإن السينما في هذه الدول تقوم في غالبيتها بصفة مستقلة، وفي ظروف غاية في الصعوبة. ولأنها محاولات لا تتسم بالاستمرارية فإن مخرجيها يسهمون غالبا في كل مراحل الإنتاج.. من الفكرة حتي النهاية.. ومن التوزيع إلي العرض. إضافة لهذا.. ندرة الأدوات المرتبطة بالصناعة والفيلم الخام. واذا كان من الصعوبة الحصول عليها خلال الثمانينات عما كان عليه الوضع في الستينات والسبعينات فقد كان عليهم السفر للخارج لإنجاز مراحل ما بعد الإنتاج. وهو العجز الذي ازداد مع نهاية الثمانينات نظرا للقيود التي فرضت علي العملة الأجنبية في غالبية الدول المستقلة. وهو العجز الذي يمثل تهديدا للمخرجين، إذ طبقا لإحصائيات الأمم المتحدة فإن اقتصاد أكثر من ثلاثين دولة فيها -هنا لحساب صندوق النقد الدولي LMF لانخفاض عملتها. وهو ما جعل عملة العديد منها مجرد ورق لا قيمة لها،.. أو أوراق لا تحمل سوي صور رؤساء الدول. وكمثال.. فإن "غانا" قبل أن تعيد بناء اقتصادها طبقا لخطة صندوق النقد الدولي كانت نسبة سعر صرف السيدو «العملة الوطنية قد هبطت من 2.75 سيدو لكل دولار عام 1983 إلي 3.19 سيدو" لكل دولار في ديسمبر 1991. وإزاء هذه الظروف لم يعد باستطاعة أي مخرج أن يخرج فيلما في "غانا". لكن الواقع أنها مازالت تنتج أفلاما «كما بينا في الفصل الثالث حيث وجدت الأفلام الطويلة رواجا في الثمانينات»، في حين تأثرت دول أخري لعجز العملة الصعبة. وفي أغلب الحالات فإن غالبية المهرجين الآن يعتمدون علي الإنتاج المشترك مع الدول الأجنبية. وهي السياسة التي سادت في الثمانينات، والتي تعرضت لهجوم حاد من النقاد الذين يرونه يزيد من سيطرة نفوذ فرنسا الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وبمثابة إعادة استعمار للسينما الإفريقية. لكن الجانب الإيجابي - لسياسة الإنتاج المشترك - انها بمثابة محطة دفع لتزويد السينما الأفريقية بالحياة «باستثناء المخرجين في نيجيريا الذين يعتمدون أساسا علي تمويل محلي لأفلامهم - وهي الأكثر إنتاجا سنويا - وان كان للاستهلاك المحلي، وغالبيتها بلا ايديولوجية وغير معروفة في الخارج. وعلي هذا يبدو أن مخرجيها ينقصهم الجو والظروف لإنتاج افلام جادة ذات مصداقية إزاء واقع القارة.والواقع أن العكس هو الصحيح ففيلم "فتاة سوداء" -1963- لـ"عثمان سمبين" تم تمويله من وزارة التعاون الفرنسية. وفيلم "ساراؤنا" -1986- للمخرج "ميدهوندو" بتمويل جزئي من فرنسا وبوركينا فاسو، وكلاهما وجها نقدا حادا للاستعمار الفرنسي في القارة، رغم أن الفيلم الثاني قد "اغتيل" علي حد قول مخرجه "هوندو" من خلال التوزيع رغم مصداقيته وفنيته لما يحمل من سخرية حادة للقوات الفرنسية المستعمرة. وفيلم "فناي Finye" لسليمان سيسيه إنتاج مستقل بمساعدة الحكومة العسكري في مالي من خلال إمداده بالمعدات كان لاذعا في نقده للديكتاتورية العسكرية فيها، ومع ذلك لم يصادر. وهو ما يشير لنضج غير مألوف أدهش الجميع. كذلك فإن الفيلم الكاميروني Les Cooperantإخراج "ارثر سي بقيا" الذي ساعدت الحكومة في تمويله جزئيا كان أكثر انتقادا للفساد بين موظفي الحكومة. الفساد والعجز وما من شك في أن الفساد والعجز الاقتصادي من أكبر عوامل فقر القارة، إلي جانب مشاكل اخري كالجفاف والمجاعة والنزاعات الإثنية الداخلية، والتي تمثل العامل الثاني في ضرب مواردها، مما يضع السينما كصناعة في قاع أولويات الحكومة. لقد خرجت أفريقيا مما يسميه كلايد تايلور" "ضياع وجودي". وهو وصف دقيق.. نظرا لما عانته القارة من انتزاع اكثر من ثلاثة ملايين من مجتمعاتهم كعبيد، ومن بعده الاستعمار ثم الاستعمار الجديد الحالي. اليوم فإن القارة فيما عدا جنوب إفريقيا تبدو حرة نظريا وسياسيا، إلا أن غالبية دولها مازالت تعتمد علي سادتهم من الاستعماريين القدامي والذين ورثوا بحكم إمكانياتهم الاقتصادية والتكنولوجية وسائل وأدوات التحكم في هذه المستعمرات.. حتي بعد استقلالها.أضف لهذا نقص الكفاءة الإدارية بعد الاستقلال والتدهور الاقتصادي حتي فوضي الثمانينات. والواقع أن الاستعمار يهدف إلي عدم "أفرقة" ثروات القارة في الوقت الذي جعل من الاستعمار الجديد سيطرة غير مباشرة لرأسمالية جشعة، وإلي أسوأ أنواع الفساد علي حساب خزينة الدولة.لا تخدم سوي اقتصادياتها الطفيلية كما في بقية دول العالم الثالث، والتي صارت من الضعف للسيطرة علي شئونها دون وسيط أجنبي، دعك من أن يكون لها صوت قوي إزاء القضايا العالمية. وباستعارة أدوار سعيد عن الدول العربية فإنها عاجزة رغم ثروتها البترولية عن التحول إلي دول صناعية من دول العالم الأول. وموقفها "فاتر إن لم يكن موقف تذلل وعجز إزاء جشع عمالقة الصناعة الغربية ممن يستنزفونهم مقابل مساعدات مشروطة. ورغم ما تواجهه من مشكلات فقد ظهرت مجموعة من الأعمال تختلف حجما وإبداعا قدمتها جهود فرديه من أجل تحرير القارة وتأكيدا علي الهوية الإفريقية. ومن هذا الواقع السياسي والاجتماعي فهي سينما متسائلة للإفصاح عن ذاتها ولذاتها وللعالم الخارجي ولدراسة الاستعمار الجديد الآن. وفي المجال الأخير فهي شديدة النقد مع استخدام خيارات أساسية من التراث التقليدي «التراث الشفهي» لتحدد أولوياتها الجمالية تعالج بها قضايا تحولات القارة. قضية الجماليات غالبا ما يقترن سوء الفهم بالسينما الأفريقية في تحليل الغرب باعتبارها تمثل هوية واحدة أكثر منها أعمالا متعددة تمثل مختلف الولايات ومجموعة الثقافات المنتجة لها. والواقع أنه لا توجد سينما أفريقيا واحدة ولا تمثل جماليات جامعة. هذا التعدد المتباين للمراجع الثقافية التي تعتمد عليها ممارسات الفيلم الأفريقي يظهر ثراءها كما أنها أيضا مصدر التناقضات في فهم أولا فهم هذه السينما من الجمهور الغربي، أو أولئك المعجبون بتراث السينما الغربية. فالمخرجون الأفارقة يستخدمون أشكالا من التمثيلات الإفريقية تعتمد علي مصادر من الثقافات الوطنية بهدف تذوق اشكالها المختلفة.ولفهم المعرفة الثقافية والتاريخية والاجتماعية والسياسية للقارة إضافة لهذا.. فإن تشكيل ممارسة وطنية ذات حساسية لبعض الثقافات الخاصة تزيد من دعم الموقف الإفريقي. خاصة ما يتعلق بالجدل الدائر حول ضرورة أن يكون الفيلم مفهوما، كان يفهم المشاهد الإفريقي في دول العالم الثالث الفيلم الناطق بالإنجليزية أو الفرنسية رغم أنه لا يتكلمها. وهو الجدل الشائع في وسائل الإعلام والمهرجانات الإفريقية التي تعقد في اوروبا والولايات المتحدة. وعلينا تذكر أن سوء الفهم هذا مرجعه إلي أن هذه الأفلام أخرجت للأفارقة أساسا. ومحاولة فهمها يمثل الجانب المثير، هو أن الناس تحاول فهمها كما هي. وهو مؤشر بأن العالم بدأ يتعرف علي الصورة الايجابية للافريقي من منظور واقعي تناقض صورة "القارة السوداء" التي قدمتها أفلام هوليوود حيث تبدو القردة أكثر ذكاء من الأهالي. لقد كان من أهداف رواد السينما الأفريقية هو تقديم أعمال سينمائية ليست للأفارقة فقط، بل من صنعهم أيضا. وفي حين كانت القوة الدافعة لمخرجيها هو الدراسة السينمائية للقارة ككل، فقد أخذوا علي عاتقهم عبء خلق قارة جديدة بخلاف تلك التي شوهها الاستعمار والتفرقة العنصرية، ومن الصورة الكاريكاتيرية التي قدمتها هوليوود. استعادة الهوية من هنا ولأول مرة كان نضالهم لاستعادة هوية القارة المفقودة. ولم يعد كاف لاستعادة كرامة وكبرياء القارة مجرد الجلوس والحنين علي تراث القارة الضائع. ومن أجل استعادة هذه القيم وهذا التراث يجب الاعتماد علي قوة الصورة والحقيقة. يجب التعامل معهما ودراستهما من منظور وطني، وأن تترجم لأساليب لا يجب أن تتخفي تحت تقليد صارخ لثقافة أجنبية. ولتحقيق الأصالة والمصداقية لهذا النضال السينمائي فإن تطوير كل ما هو اصيل في التراث الشفوي لا غني عنه. وللوصول لهذه الرؤية فإن مخرجي القارة يصيغون استراتيجيتهم في إطارين هما: تراث السينما السائدة والتراث الحي للراوي الشفهي. وكما لاحظ فالتربنجامين فإن الراوي يحكي من خلال تجربته أو عن الآخرين وهو بدوره يحيلها إلي تجربة لمستمعيه. وقد أولت هذه السينما في العقود الأولي اهتمامها الكبير إلي تغليب الجانب التعليمي علي الترفيه. هذه الأفلام ذات المحتوي التربوي باهتمامها علي الوضع الإفريقي أعطت الجمهور الافريقي صورة مشوهة عن تاريخ القارة لما قبل وبعد الاستعمار وحتي الآن. وسياسة إعادة التعليم تهدف تشكيل المجتمع بإعادة الثقة والإيمان بالتراث الذي كاد يمحوه الاستعمار، والعمل لإعادة إحياء القارة من جديد. هذا السعي نحو الاستقلال ووجه بتجارب ضاغطة تتمثل في مماثلات ثقافية أو شفرات تنتهك عن عمد النماذج والأنماط السائدة عن المعني، فضلا عن عدم الاستقرار الاقتصادي والانقلابات السياسية او ما يمكن تسميته بالعجز الكامل. وهو ما لم يتح للمبدعين المستقلين الالتزام بالمبادئ العقائدية حيث باتت سنوات الثمانينات أكثر استسلاما. وكمثال فإن عثمان سمبين ممثل النزعة التعليمية الذي كان يري "أن السينما صناعة ثقافية" يري أن عامل الربح ضمان للاستمرارية، وأن نجاح صناعة الفيلم الافريقي معيار نجاحها الوحيد ليس المحاكاة الفنية الرومانسية مقابل الابتداع الفني والفلسفة. ويطالب بالبحث عن " أشخاص وهيئات بإمكانهم توزيع الافلام الإفريقيا بكفاءة". وازاء المشكلة الدائمة للعرض والتوزيع فإن المخرجين يجاهدون بأن تكون السينما صناعة وبأن التسلية إحدي وظائفها للابتعاد عن النزعة التعليمية لسنوات الستينات والسبعينات. وغالبية الأفلام التي تبنت هذه السياسة الجديدة مازالت في مجملها تنتمي بامتياز لشفرة الإنتاج الإفريقي وتحقق الصدق والالتزام والنزعة التعليمية.. معيارها الفن والفكر الاجتماعي وفي حين نجد افلاما مثل : "فتاة سوداء" و"اكسالا" و"ياشمس" وBaare وحصاد 300سنة "تعليمية بامتياز وفي خدمة مخاطبة الجمهور المحلي، فإن أفلاما جديدة أخري مثل : الحب ينضج في إناء إفريقي و"الحياة جميلة" و"وجوه نساء" وyaaba و Les Cooperant تتوجه لجمهورها المحلي وفي نفس الوقت للمشاهدين خارج القارة. والاهتمام بعالمية السينما الأفريقية لتلائم اكبر عدد من الجمهور لاستراد عائد مالي يبدو في بنية هذه الأفلام الجديدة. وكمثال.. ففي الوقت الذي يدور فيه الجدل حول اللغة التي ينطق بها الفيلم يتم التركيز اكثر علي الصورة اكثر من الحوار آمرا مقبولا. ذلك ان كثرة وتعدد اللغات واللهجات الإفريقية مع التكاليف المرتفعة للدوبلاج أدت إلي كسر حاجز اللغة.. وهي سياسة ثبت نجاحها مع كثير من الافلام وصارت عادية طالما اتبعها آخرون. وكما هي وعلي العكس من السينما ذات النزعة الداخلية internalize يوجد أصحاب النزعة الخارجية externalization والتي جاءت مع الموجة الثانية من مخرجي الثمانينيات في مواكبة ما أسميه الاتجاهات المنحرفة عن الأصل digression وفيما بين هذه التنويعات هناك "شبه دمقرطه" quasi-democrization تمثل فواصل تجريبية ممثلة في أفلام مثل: الحياة جميلة - يالين- فنزان -yaaba-balpoussiere كل منها يختلف عن غيره في تعامله مع النماذج التقليدية، كما في بنية افلام "تراث إفريقيا" و"ساراؤنا" ومعسكر تريراوي" وكلها من انتاج الثمانينيات. وقد لا تكون افريقيا مكانا نموذجا للانتاج السينمائي، لكن بجهد مخرجيها وإخلاصهم المتواصل قد يرهنون علي أن هذه القارة -التي كانت يوما "وغاء فيلمي" felmical de sac عندما منحت الفرصة السليمة أنتجت الآن بعضا من أفضل الأفلام العالمية استجابة لحاجات وآمال شعوبها. أفلام كثيرة منها تكشف فنيا عن جماليات وأبعاد ثقافية وارتباط حميمي بالهموم الأفريقية مجتمعات الشتات. وانسجاما مع دور الفن في مثل هذه المجتمعات ضمن سياق التراث الإفريقي التقليدي فقد أعاد المخرجون النظري إلي ادوات الإنتاج الغربية. وكي يكون هذا الفن مستقلا فلابد من بحث ادوات الإنتاج وبهذا يحقق استقلاله. فهو فن تنويري يماثل دور الراوي «الجيرو» في التراث الشفهي. ودور الفن فيها كان يدرك دائما العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في تطور شعبة. ومن الطريف والمثير هنا أنه بينما بدات في الغرب أولا، فإن التراث الشفهي ساعد الافارقة في استخدام الصورالمتحركة كعامل إضافي لا غني عنه لبيان لغة سينما-توغرافية أفريقية.. لغة مبدعة وسهلة.

جريدة القاهرة في

21/02/2012

 

 

«حرية المبدع»..

محطة الوصول لبيان «الجبهة» و«وثيقة الأزهر»

بقلم : سمير الجمل 

هي جبهة تم تشكيلها من جميع النقابات الفنية والإعلامية والأدبية للدفاع عن حرية الفكر والرأي والإبداع، فكيف يمكن لرجل دين مستنير أن يقرأ بيان الجبهة؟ وماذا لو عقدنا مقارنة بينه وبين وثيقة الأزهر التي صدرت قبله بأيام.. وأشار إليها بيان الجبهة واعتبرها أرضية مشتركة للمجتمع المصري في نظرته للإبداع والمبدعين ويمكن خلالها الانطلاق نحو مجتمع أكثر قدرة علي استثمار طاقاته الإبداعية بدلا من الدعاوي التي تطالب بإهمالها وربما وأدها باسم الدين. ومن هنا نكتشف بكل سهولة ولأول وهلة أن قداسة الدين لا تتعارض أبدًا.. مع حق المبدع المفكر في الإعلان عن رأيه والتعبير عنه كما يريد وأن الأزمة مفتعلة والصدام مختلق. يطالب بيان جبهة الإبداع بالحفاظ علي التراث المصري وتاريخه وإنتاجه المادي والمعنوي باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الوطن وهل هناك مسلم عاقل ورشيد مهما كانت درجة تشدده.. يعارض المحافظة علي ماضي وتاريخ بلاده والمخابرات الأمريكية عندما أرادت إطلاق مصطلح يخص الإسلام المتشدد وصفته بـ «الأصولية» والكلمة في أبسط معناها العودة إلي الأصول أو الجذور. ثم تطالب الجبهة بوجوب حماية حرية البحث العلمي والتعبير والإبداع وحق المعرفة والكشف عن المعلومات وتداولها حقوق أصيلة كفلتها الدساتير والاتفاقيات الدولية.. وبعيدا عن التيارات التي يقال إنها دينية.. يعرف الجميع أن الكلمة الأولي في التراث الكريم التي نزلت علي الصادق الأمين ـ صلي الله عليه وسلم ـ هي «اقرأ».. ومعظم الآيات تتحدث عن العلم والذين يعلمون وكيف لا يمكن بحال مساواتهم بالذين لا يعلمون كما توحي بالتفكير والتدبر. حرية التعبير وقد جاءت وثيقة الأزهر الشريف في بندها الثاني حول حرية الرأي والتعبير مطابقة إلي حد كبير مع بيان الجبهة، حيث قالت: حرية الرأي هي أم الحريات كلها وتتجلي في التعبير عن الرأي تعبيرا حرًا بمختلف وسائل التعبير من كتابة وخطابة وإنتاج فني وتواصل رقمي كما تشمل حرية الصحافة والإعلام المسموع والمرئي والرقمي وحرية الحصول علي المعلومات اللازمة لإبداء الرأي ولابد أن تكون مكفولة بالدستور لتسمو علي القوانين العادية القابلة للتغيير وحرية الرأي والتعبير هي المظهر الحقيقي للديمقراطية وينادون بتنشئة الأجيال الجديدة وتربيتها علي ثقافة الحرية وحق الاختلاف واحترام الآخرين، ويجب علي العاملين في مجال الخطاب الديني والثقافي والسياسي في وسائل الإعلام مراعاة هذا البعد المهم في ممارساتهم وتوخي الحكمة في تكوين رأي عام يتسم بالتسامح وسعة الأفق ويحتكم للحوار ونبذ التعصب وينبغي لتحقيق ذلك استحضار التقاليد الحضارية للفكر الإسلامي السمح الذي كان يقول فيه أكابر أئمة الاجتهاد: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، ومن ثم فلا سبيل لتحصين الرأي سوي مقارعة الحجة بالحجة طبقًا لآداب الحوار وما استقرت عليه الأعراف في المجتمعات الراقية. أجناس الأدب وفي البند الرابع تتوقف وثيقة الأزهر تفصيلا أمام حرية الإبداع الأدبي والفني ويتمثل ذلك في أجناس الأدب المختلفة من شعر غنائي ودرامي وسرد قصصي وروائي ومسرح وسير ذاتية وفنون بصرية تشكيلية وفنون سينمائية وتليفزيونية وموسيقية وأشكال أخري مستحدثة في كل هذه الفروع. وكلها تستهدف تنمية الوعي بالواقع وتنشيط الخيال وترقية الإحساس بالحياة والمجتمع.. كما تقوم بنقد المجتمع أحيانا والاستشراف لما هو أرقي وأفضل منه وكلها وظائف سامية تؤدي في حقيقة الأمر إلي إثراء اللغة العربية والثقافة وتنمية الفكر مع مراعاة القيم الدينية العليا والفضائل الأخلاقية. وأتوقف هنا أمام هذه الكلمات الأخيرة والتي تؤكد علي مراعاة القيم الدينية العليا والفضائل الأخلاقية.. ولا أري أن اختزال الحرية في مشاهد الجنس والشذوذ والمخدرات والعري المجاني.. يسيء إلي الحرية.. ويحولها إلي فعل فاضح والرد علي أن الدراما تقوم أساسا علي صراع الخير والشر.. هو قول صحيح تماما ولا يمكن تقديم الملائكة فقط علي الشاشة، لأن الدنيا فيها الأشرار والأخيار.. لكن المسألة تنحصر فقط في كيفية تقديم الشرير والمنحرف والفاسد.. والفن ليس مهمته نقل الواقع، لكن يحاكي الواقع ويخلق لنا ما يسمي بالواقع الافتراضي أو التخيلي أو الجديد.. وسلاحه في ذلك أن يكشف لنا الشر لكي نتمسك بالخير.. وأن يجسد لنا الباطل لكي نسعي إلي الحق. الحرية المغلفة ومثلث الفن والإبداع بجميع أنواعه يقوم علي الحب والخير والجمال.. وأغلب من ينادي بالحرية المتغلفة أو بمعني أدق بالتحرر ليس لديه وجهة نظر فكرية يحتمي بها.. وبضاعته تهدف إلي إثارة الغرائز بهدف الربح فقط علي حساب قيم وعادات المجتمع وللأسف الجمهور بدأ ينصرف عن هذه النوعية لأن من يطلب الإباحية سيجدها متوفرة إلي أقصي درجة علي الفضائيات الأوروبية وعلي الإنترنت وبالتالي لن يسعي خلف مشاهد معدودة. وبعيدا عن كل هذا.. يظل السؤال الوحيد والفريد لمن يختلط عنده الفهم بين حرية للانفلات وحرية مسئولة ضميره هو الرقيب الأول والفاعل حتي وإن تم إلغاء الرقابة وشتان بين فكر يريد صاحبه توصيله والتعبير بوسائل يبتكرها.. وبين أجوف يري في الفن مجرد وسيلة للربح شأنه في ذلك شأن صاحب الملهي ومن تتاجر بجسدها ومروج المخدرات. وهكذا نري بالقراءة الرشيدة بين بيان جبهة الإبداع ووثيقة الأزهر تطابقا كبيرا.. يؤكد أن الدين الحقيقي المعتدل الوسطي ويمثله الأزهر الشريف والفن الخالص الملتزم الذي يعبر عن كل صاحب موهبة ورؤية إبداعية.. كلاهما يمضي في نفس الطريق ويسعي إلي نفس الغاية.. وإن اختلفت الطرق.

جريدة القاهرة في

21/02/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)