حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«بنات العم».. وكثير من السذاجة والسخف

الجمهور يبحث عن الأمان النفسي فأقام حائط صد من الضحك

القاهرة: طارق الشناوي

هل أصبح المصريون الذين اشتهروا تاريخيا بخفة الدم، والرسوم الفرعونية تشهد على ذلك، في حاجة لأن يبحثوا عن أي ضحكة حتى ولو كانت زائفة لكي يشعروا ببعض الأمان الذي صار مفقودا في الشارع المصري الآن؟

الإنسان لا يمارس فعل الضحك إلا في لحظات إحساسه بالقوة والتفوق، وهكذا قد تبدو الحاجة إلى الضحك أحيانا رد فعل نفسيا جماعيا لكي يستعيد الإنسان بعضا من توازنه. هذا هو تفسيري للنجاح الطاغي الذي حققه فيلم «بنات العم» خلال الأسابيع الماضية ولا يزال حتى كتابة هذه السطور يحتل المركز الأول.

حرصت على أن أشاهد الفيلم مع الجمهور لأقترب أكثر من الأسباب التي دفعت عددا من دور العرض لإقامة حفلات إضافية لاستيعاب الإقبال الجماهيري الذي لم تتوقعه شركات التوزيع السينمائي! هل تقديم الرجال أدوارا نسائية يكفي لتحقيق كل هذه الإيرادات؟ ليس جديدا بالطبع أن يرتدي النجوم ملابس نسائية، وإن كانوا في «بنات العم» يرتدون زى الرجال؛ ولكنهم في الحقيقة كانوا نساء. وقبل أن نتابع تفاصيل السيناريو، أقول إنه دائما ما يرتدي النجوم ملابس النساء لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإضحاك، ولم يقتصر الأمر على النجوم فقط؛ ولكن حتى المخرج الشهير ألفريد هيتشكوك حرص على أن تلتقط له صورة على سبيل المزاح وهو في زى امرأة تضمنها كتاب يتناول أعماله الفنية.. الكل ارتدى زى امرأة؛ من إسماعيل يس حتى محمد هنيدي؛ ولكن بالطبع هناك اختلاف في درجة الإجادة.. ربما كان أهم فنان نجح في تقمص دور امرأة هو عبد المنعم إبراهيم في فيلم «سكر هانم»، بعد ذلك أعيد الفيلم على خشبة المسرح قبل عامين وأدى دور «سكر هانم» أحمد رزق.. وربما باستثناء نجيب الريحاني سوف تكتشف أن أغلب نجوم الكوميديا فعلوها؛ فؤاد المهندس، وعادل إمام، ويونس شلبي، وسعيد صالح، وسمير غانم، وجورج سيدهم.. وغيرهم، ولكن وبلا جدال، فإن إسماعيل يس في «الآنسة حنفي» كان هو الأشهر، الفيلم أخرجه فطين عبد الوهاب وكتبه قبل 60 عاما جليل البنداري عن واقعة حقيقة. أما الفنان الذي تفوق باقتدار في هذا الجيل، فإنه بلا شك علاء ولي الدين في فيلم «الناظر» من إخراج شريف عرفة.. أدى الراحل علاء ولي الدين ثلاث شخصيات رئيسية في الفيلم؛ الابن والأب والأم.. كان أكثرهم إبداعا هو الأم! الفكرة مغرية بالضحك، ولكن العكس غير صحيح، وهو أن تتحول المرأة إلى رجل، فإنها لا تحقق القدر نفسه من النجاح.. شاهدنا مثلا سعاد حسني ونادية لطفي؛ ولكن بلا أي أثر يذكر! يلعب بطولة فيلم «بنات العم» أحدث ثلاثي في الوسط السينمائي وهم «شيكو» وهشام ماجد وأحمد فهمي.. إنهم يذكرونني بثلاثي شهير عرفته مصر قبل نحو 50 عاما وحققوا شهرة عريضة، أقصد ثلاثي أضواء المسرح: سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد. لم يعد في الميدان الآن سوى «سمير» بعد أن رحل عن الحياة سريعا «الضيف» وأقعد المرض «جورج».. كان هذا الثلاثي هو ابن المرحلة التي شهدت بدايات التلفزيون العربي عام 1960 وبدأوا الرحلة من فوق خشبة مسرح الجامعة، وانتقلوا من الشاشة الصغيرة إلى الكبيرة في أدوار مساعدة، ولكن ملعبهم الأساسي كان هو المسرح بتلك الفرقة التي حملت أسماءهم.. أما الثلاثي الجديد «شيكو» وهشام ماجد وأحمد فهمي، فإن ملعبهم الأساسي الآن هو السينما.. قدموا من قبل في الأعوام الأخيرة فيلمي «ورقة شفرة» ثم «سمير وشهير وبهير» وهذا هو الفيلم الثالث لتلك المجموعة التي يشرف عليها فنيا الكاتب محمد حفظي.. دائما ما يبحث هذا الثلاثي عن الفكرة الغريبة القائمة على التناقض.. مثلا في «ورقة شفرة» كان الهدف هو فضح إسرائيل من خلال طمعها في سرقة الحضارة المصرية، وفي «سمير وشهير وبهير» قرروا الاستعانة بلعبة آلة الزمن التي تنتقل من عصر إلى عصر.. الأحداث انتقلت بين الزمن الحالي والسبعينات من القرن الماضي.. هذه المرة قرروا الانطلاق بلعبة أخرى وتناقض مغاير أكثر تطرفا، وهو تغيير الجنس، أي المرأة تصبح رجلا.. يلجأ هذا الثلاثي إلى العمل عن طريق نظام الورشة.. تشعر أن الثلاثة ينسجون الفكرة معا، وكل منهم يسرح دراميا في تنمية مساحة دوره؛ ولكن بشرط أن لا يخرج عن السياق العام. بينهم حتى الآن قدر من الانسجام الشخصي والفني من الممكن أن تلمحه في تفاصيل الفيلم، ولا يدري أحد هل يؤدي التنافس الذي يحدث عادة في مثل هذه الأمور إلى التعارك؟ حتى الآن لا يزال الوئام مسيطرا! «بنات العم» يحمل نوعا من الترديد اللفظي لفيلم قدمه المخرج شريف عرفه قبل ثلاث سنوات وهو «أولاد العم». بالطبع كان الفيلم الذي لعب بطولته كريم عبد العزيز ومنى زكي وشريف منير يحمل في أجوائه طبيعة أفلام المخابرات العسكرية التي تعتمد على التشويق، ويتناول بطولة هذا الجهاز العسكري المصري في التفوق على إسرائيل، بينما لم يتجاوز هدف فيلم «بنات العم» سوى أن يقدم رؤية ساخرة لتحول النساء إلى رجال من خلال لعنة تصيب أصحاب هذا القصر الذي تجري خلاله العديد من الأحداث. إننا مع عائلة «شنب» التي تملك القصر، ويقدم الفيلم أن التاريخ المعاصر للقصر يؤكد أن كل من يفكر في بيعه نجده وقد أصيب بنوع من العقاب القاسي الذي من الممكن أن يودي بحياة العائلة مثلما حدث لأغلب أفراد عائلة «شنب» التي باعت القصر سابقا لعائلة «الهانش» التي عانت كثيرا بعد أن صار لكل أفرادها «هانش» معتبر يعوقه عن الحركة؛ بل عن الحياة كلها. عائلة «الهانش» لم يبق منها إلا «إدوارد» الذي يحلم باسترداد القصر حتى يتخلص من هذا الهانش الذي يعذبه منذ الطفولة التي كانت بالطبع بائسة حتى وصوله إلى عتبات الشيخوخة ولا يزال يعاني. بينما عائلة «شنب» عندما تقرر بنات العم البيع وهن آخر من تبقى من العائلة بعد أن أصابت باقي أفراد العائلة اللعنة بالموت، فإن البنات يتحولن إلى رجال حتى الجدة العجوز التي أدت دورها رجاء الجداوي تصبح رجلا يؤدي دوره صلاح عبد الله. الجزء الأول من الفيلم الذي نشاهد فيه «بنات العم» استغرق مشاهد قليلة، ولم يفكر أبدا المخرج أحمد سمير فرج في العثور على خيط درامي ينقلنا إلى ماضي أبناء العم «اللاتي» كن بنات العم رغم أنه كان ينبغي أن يتضمن السيناريو لحظات تؤدي إلى نوع من التخفيف الدرامي لنشاهد هؤلاء الثلاثة مرة أخرى عندما كانوا «بنات العم» قبل إصابتهم باللعنة، وهو ما أراه سيؤدي إلى حالة من الجاذبية في تتابع الأحداث لأن السيناريو كان يبدو في جزء كبير منه مقيدا في إطار الموقف الواحد الثابت؛ فهو دراميا تم بناؤه على أساس النظام الثلاثي التقسيم الذي يدور حرفيا وهندسيا بين الأبطال الثلاثة، وهكذا تتعدد المشاهد التي تقدم دائما من خلال ثلاث زوايا رؤية مختلفة.. مشهد هنا، يرد عليه بمشهد ثان، وينبغي أن يلحقه بثالث. ثم إن - إيفيه - النساء اللاتي نشاهدهن رجالا طال اللعب الدرامي عليه أكثر من المحتمل، وكان ينبغي أن يبتعد عن تلك الحالة التي تؤدي لا محالة إلى قدر من النفور. ويستمر السيناريو في محاولة للعثور على «القفلة»، أقصد النهاية الساخنة التي تصعد من خلالها حالة الضحك للذروة، وهكذا يتم بيع القصر مرة أخرى إلى عائلة «الهانش» ويأتي العقاب قاسيا عندما تتحول «بنات العم» سابقا إلى نوع من الكلاب ما عدا «شيكو» فقط الذي أدى دور الفتى السمين الذي كان في الأصل فتاة تعاني من السمنة وهو ارتضى بهذا التحول وتلك اللعنة وتعايش مع كونه صار رجلا وأحب في أحداث الفيلم يسرا اللوزي وقرر أن يتزوجها، فهو الوحيد الذي لم تصبه اللعنة.

المخرج أحمد سمير فرج كان منفذا محايدا للنص السينمائي.. لم يضف شيئا على المستويين البصري والسمعي، فهو يبدو وكأنه فقط يؤدي واجبه بأسلوب حيادي تماما، ليس هناك أي إضافة تشي بأن لدينا مخرجا يريد أن يشارك بخياله في حالة الفيلم الساخرة رغم أن هذا هو فيلمه الروائي الخامس. الفيلم قائم على الأسلوب «البارودي» السخرية من المشاهد الشهيرة في الأفلام القديمة، وهذا يتيح للمخرج قدرا كبيرا من الإضافة التعبيرية لو كان لديه حقيقة ما يقدمه، إلا أن المخرج «ولا هو هنا»! الفيلم على الرغم من هذه الانتقادات كما أنه في النصف الثاني بات أقرب للثبات الدرامي، فإنه يحقق أعلى الإيرادات بالقياس أيضا إلى تكلفته الضئيلة، وتفوق على أفلام تعرض بجواره يتم الاستعانة فيها بنجوم الشباك.

هل الجمهور المصري بعد الثورة، الذي يعيش هذه الأيام العديد من الأزمات، يشعر بخوف من المجهول الآتي، ويريد أن يفرغ شحنة الهلع في هذا الفيلم ليشكل له الضحك درعا واقيا من الحماية النفسية؟ ربما كان هذا صحيحا، ولكن هذا لا يكفي، لأن الناس بعد أن كنت أسمعها وهي تضحك من «بنات العم» كنت أسمعها أيضا وهي تلعن «بنات العم»! هل الضحك لمجرد الضحك من الممكن أن نعتبره هدفا جديرا بأن يقدم له فيلم؟ حتى لو صح ذلك، فإن الفيلم أخفق في العديد من مشاهده في الوصول إلى الضحك من أجل الضحك، فصار في بعضها أقرب إلى السخافة من أجل السخافة!

الشرق الأوسط في

17/02/2012

 

النازية والسينما: تاريخ حافل لأفلام لا تريد أن تنسى

فيلم «سماء حديدية» يفترض حربا مقبلة ستعيد أهل الأرض إلى الوقوف أمام عدو قديم ـ جديد هو النازية

برلين: محمد رُضا

جولة في سينما العالم

* المناسبة كانت عرض فيلم «سيزار يجب أن يموت» ولو أن النقاش انطلق قبل الفيلم. أحد النقاد أكد أن الفيلم وثائقي، ورد آخر على أنه بالفعل هو فيلم تسجيلي. حين وصل الأمر إلي، لم أحر جوابا لأن الفيلم لم يُعرض، لكن مع الاستمرار في تناول الموضوع قلت إنه إذا ما أدار المخرج ممثليه حتى في إطار إعادة بناء فإن الفيلم خسر في خانة التسجيل. هنا قال الأول: «تعني التوثيق». سألته: ما الفرق؟ فقال: «نحن نقول الفيلم الوثائقي وليس الفيلم التسجيلي لأن التعريف الأول أكثر شمولا ودقة».

مما سبق نجد أن الحديث تشعب بمجرد تبادل بعض العبارات، فهو تطرق لفيلم لا يعرف أحد بعد وجهته ونوعه، ثم تناول تحديد كلمة Documentary بتعريفين واحد تسجيلي والآخر وثائقي، ثم هناك السعي للتأكيد أن كلمة معينة تخدم المطلوب أكثر من سواها.

الفيلم الذي عُرض مباشرة بعد الجدال لم يكن تسجيليا ولا وثائقيا بالمعنى الكامل. إنه فيلم عن التحضير لمسرحية تم فيها جلب ممثلين هواة من داخل أحد السجون الإيطالية لكي يقوموا بالأداء. صحيح أن معالجة الفيلم تميل إلى التسجيل، لكنه تسجيل تدرك أنه أعاد تصوير المشاهد كلما كان ذلك ضروريا. بالتالي هي مركبة لكي تبدو كما لو كانت من دون تحضير أو عفوية. الأهم أن الفيلم من إخراج الأخوين تافياني لكنه يعرض لمخرج مسرحي يريد صنع مسرحية، مما يؤكد المنحى الروائي له.

لكن إذا ما خلصنا إلى هذه النتيجة بالنسبة للفيلم، يبقى أن هناك إشكالا كبيرا بين ما هو تسجيلي وما هو وثائقي يمكن حله برسم شجرة. الشجرة هي السينما كونها الجامع الكلي لكل ما يتم تصويره بكاميرا (ولا يوجد سبيل أخرى للتصوير حتى الآن - الكاميرا إلزامية). هناك جذعان كبيران منها؛ واحد اسمه «الفيلم الروائي» والآخر باسم «الفيلم غير الروائي» وكل جذع يحمل أغصانا، فالفيلم الروائي فيه أنواع والفيلم غير الروائي فيه أنواع. المشكلة العالقة هي في تسمية الفيلم غير الروائي. وتحبيذي الخاص هو التسجيلي، لأن النوع الوثائقي هو نوع من التسجيل وليس العكس.

تريد تصوير مدينتك المفضلة في الليل. تحمل الكاميرا وتهبط الميادين وتبدأ بالتصوير.. سيارات.. مشاة.. دكاكين.. إلخ. هذا تسجيل لواقع ليس فيه إعادة ترتيب أو تركيب. إذا ما صبرت على هذا الفيلم بضع سنوات تغيرت معالم المدينة خلالها فإن الفيلم بات وثائقيا من هذا المنظور، لقد وثق الحياة في زمن تصويرها، لكن الفيلم لم يولد وثائقيا ولا يمكن بعد سنوات اعتباره تسجيليا لأنه تسجيلي في الأساس.

بعض الأفلام تولد بهدف التوثيق مباشرة. مثلا إذا أردت صنع فيلم عن تاريخ القضية الفلسطينية مثلا، واستعنت بالأرشيف من معلومات وصور ومقابلات قديمة إلخ. فإنك تنزع بالعمل إلى التوثيق، لكنك ما زلت تقدم على فيلم هو في الأساس تسجيلي، والتوثيق فرع منه.

طبعا لن يجيب ذلك على كل الآراء، فالبعض واثق في رأيه ولا يكترث لقبول الرأي الآخر، بل كتب أحدهم عن ناقد زميل لنا: «هو ممن لا يزالون يستخدمون كلمة تسجيلي لوصف الفيلم الوثائقي» لكن هذا هو الصحيح. حبنا للكلمات التي تخدم القضايا وتحدد الاتجاهات هو السبب في تجاوز بعض الحقائق المذكورة.

النازية والسينما: تاريخ حافل لأفلام لا تريد أن تنسى

فيلم «سماء حديدية» يفترض حربا مقبلة ستعيد أهل الأرض إلى الوقوف أمام عدو قديم ـ جديد هو النازية

* أحد أكثر الأفلام التي نالت إقبالا ونجاحا في مهرجان برلين كان «سماء حديدية» إنتاج فنلندي ألماني مشترك، من إخراج تيمو فوارنسولا وبطولة جمهرة غير معروفة مثل جوليا دييتز وغوتز أوتو وكريستوفر كيربي، والوحيد الذي له سوابق تعود إلى عقود مضت هو الممثل الألماني أودو كير.

الفيلم يفترض أنه عندما أطبقت قوات التحالف على برلين خلال الحرب العالمية الثانية، قام بعض العلماء بالهرب، لا من ألمانيا وحدها بل من العالم بأسره. ركبوا سفنا فضائية حطوا بها فوق سطح القمر، وبنوا لأنفسهم موطنا جديدا لا ينافسهم فيه أحد، ولا تهددهم هناك آيديولوجية مناوئة. الآن، وقد مرت كل هذه السنوات انتهوا من بناء قوة تدميرية كبيرة وها هم يرسلون جحافلهم من السفن الفضائية الحربية لمواصلة ما انقطع؛ السيطرة على الكوكب الذي نعيش نحن فوقه.

هناك خيط رفيع في الفيلم يقترح بأن الألمان ربما ما زالوا نواة ممكنة لنشوء نظرية نازية جديدة. لكن أكثر ما يعمل عليه الفيلم من قضايا هو افتراض أن حربا مقبلة ستعيد أهل الأرض إلى الوقوف أمام عدو قديم - جديد هو النازية.

في الواقع طبعا، لم تنته النازية بانتهاء الحرب العالمية الثانية. في الواقع انحسرت ثم عادت متمثلة بنشوء نازية جديدة قوامها عنصريون جدد ينقلبون على كل الأقليات والثقافات الأخرى، ويؤمنون بالعنصر الآري الواحد. في السينما، شكلت المادة النازية تاريخا من الأعمال مبعثر، حسب إحصاء «IMDbPro» في أكثر من 3600 فيلم.

نقول المادة النازية؛ لأن المفاهيم محددة ولا يمكن استخدامها هباء. الفيلم النازي هو ذلك الذي ينطلق ويؤيد الآيديولوجيا النازية. الفيلم ذو المادة النازية يحوي أيضا، الأفلام التي تتعرض للنازية معها أو ضدها أو تدور في رحاها. ثم هناك أفلام الهولوكوست التي تتناول ما حدث لليهود بسبب النازية. يلي ذلك تقسيم الأفلام إلى أنواع حيث نجد أن أفلام الخيال العلمي - طريقة «سماء حديدية»، كثيرا ما دارت حول مفاهيم وجود قوى تؤمن بالعنصر الواحد ومحو الذات الأخرى، كما فعل الفكر النازي ولا يزال.

طبيعيا، بدأت السينما النازية بالنازية نفسها. في منتصف الثلاثينات مع ارتفاع النازية كان وضع الإنتاج الألماني قد انحسر عما كان عليه في مطلع ذلك العقد لأسباب متعددة، من بينها هجرة الكثير من السينمائيين الألمان إلى الخارج، هربا مما بدا سيادة الحزب الواحد وانعكاساته المتوقعة. هذا لم يحد من تطلعات النازية السيطرة على الإنتاج عبر تأسيس شركة خاصة، ثم دمج الشركات التي كانت لا تزال قائمة بها، وذلك من مطلع الأربعينات. لكن إنتاج الأفلام النازية ذاتها بدأ سنة 1933 بأعمال تحيي الشبيبة النازية كما في «شباب هتلر كواكس» و«فارس الحصان الأبيض» و«العجوز والشاب» و«خونة» وبلغ معدل الإنتاج في كل سنة من سنوات الثلاثينات ثلاثة أفلام ليرتفع إلى أربعة أفلام في العام الواحد في العام 1941 حتى 1943 ثم ثلاثة أفلام في عام 1944، وفيلم واحد سنة 1945 هو «كولبرغ»، الذي أخرجه فيت هارلان وولفغانغ لابينينر، ولم يتسن له العرض التجاري وسرد كيف قاوم الجيش الألماني الجيش الفرنسي في موقعة كولبرغ سنة 1807، وذلك بهدف تعزيز شعور المقاومة لدى الألمان. لكن الفيلم أنجز متأخرا كانت فيها برلين تحت القصف اليومي وقبيل أيام من سقوطها الكامل.

في هوليوود كان المد المعادي للنازية نشطا في نهاية العقد الثالث من القرن العشرين. بعد فيلم تسجيلي قصير بعنوان «داخل ألمانيا النازية» حققه جون غلن سنة 1938، وفيه استعراض لسياسة هتلر ومقاطع من خطاباته مأخوذة من أشرطة إخبارية، قام أناتولي ليتفاك، الذي كان لجأ إلى هوليوود هربا من روسيا الشيوعية حيث وُلد، بتحقيق فيلم روائي من بطولة إدوارد ج. روبنسون وفرنسيس لدرَر وجورج ساندرز «اعترافات جاسوس نازي» سنة 1939. تشارلي تشابلن تبع ذلك بفيلم «الديكتاتور العظيم» سنة 1940 متناولا بمعالجته الكوميدية مطامع هتلر وسياسته من دون تسميته. وكان هتلر، بالمناسبة، من بين أكثر المعجبين بتشارلي تشابلن، ويقال إنه قص شاربه على طريقة شارب تشابلن. المخرج الكلاسيكي الكبير جون فورد أدلى بدلوه عبر إنجازه فيلما مأخوذا عن مسرحية يوجين أونيل عنوانه «الطريق الطويل للوطن» (1940) مع جون واين وتوماس ميتشل حول رحلة بحرية يهيم بعض شخصياته بين مشاعر الخوف والريبة من بعضها بعضا. وفي الإطار ذاته، قام هنري كينغ بإخراج فيلم تطرق فيه إلى النازية، عنوانه «أميركي في راف»، مع تايرون باور وبيتي غرابل (1941). لكن فيلم اناتولي ليتفاك المذكور بقي العمل الأكثر تناولا لما اعتبر خطرا نازيا خفيا مصدره طابور خامس يعمل بالفعل داخل الولايات المتحدة، قبل أن يتبعه في عام 1941 فيلم فريتز لانغ (وهو يهودي ألماني ترك بلاده تبعا لما كان يقع فيها) «صيد رجل» الذي تحدث فيها عن شخص حاول قتل هتلر وحين أخفق سقط بين أيدي الألمان قبل أن يهرب تطارده الشرطة والجيش الألمانيان من مكان لآخر.

«كازابلانكا» لمايكل كورتيز هو أشهر الأفلام، الذي وإن لم تقع أحداثه حول النازية مباشرة، فإنه قدم حكاية الأميركي همفري بوغارت الذي لا يلوي على شيء، لكنه تدريجيا يجد نفسه مطالبا بنصرة ضحايا هاربين من النازية. والمنوال استمر لما بعد دحر الخطر فعلا، إذ قام ألفريد هتشكوك سنة 1946 بتحقيق فيلمه التشويقي «مشهور» حول عصبة نازية تعيش في الولايات المتحدة تتسلل إليها إنغريد برغمن بطلب من رجل المخابرات كاري غرانت.

في ذلك الحين، كانت الحكومة الأميركية اكتشفت أن شهر العسل الذي امتد سنوات قصيرة ما بينها وبين الكرملين، بسبب تحالفهما لإسقاط هتلر انتهى، وأن عدوها الجديد هو الشيوعية التي تهدد بالانتشار. تبعا لذلك، ها هي هوليوود تطلق عشرات الأفلام التي تتناول الخطر الأحمر متمثلا هذه المرة بأفلام الخيال العلمي في أواخر الأربعينات والخمسينات. أفلام مثل «حرب العالمين» (النسخة الأولى) و«هجوم الكوكب الأحمر» و«غزاة ناهشو الجسد» و«جاءوا من الفضاء الخارجي».. إلخ.

لكن التصدي للنازية استمر على نحو أكثر وقعا، وإذا ما كانت سينما الخيال العلمي ملجأ هوليوود للنيل من الخطر الشيوعي، فإن السينما الحربية بقيت الملجأ الأول لتقديم الصراع الذي خاضته القوى الغربية ضد النازية. هذا يشمل عشرات الأفلام الحربية في الأربعينات والخمسينات، ثم عشرات أخرى في الستينات والسبعينات. وهي خفت قليلا حتى أعاد ستيفن سبيلبرغ إطلاقها عبر فيلمه «إنقاذ المجند رايان» (1989)، معيدا عجلة السينما الحربية بأسرها إلى بعض التداول. هذا بعدما كان قدم «لائحة شيندلر» في العام 1993 الذي عالج فيه، بطريقة اعتبرت مبتكرة، الوقع المأساوي لما حل باليهود تحت جناح الاعتقال النازي كما جسده رالف فاينس في دور الضابط الذي لا يتورع عن قتل اليهود قنصا بلا سبب ظاهر. وكان سبيلبرغ عرض للنازية أيضا سنة 1981 حينما حقق «غزاة تابوت العهد المفقود».

أكثر من ذلك، سنجد الموضوع النازي يشرئب بعنقه في أفلام كثيرة حديثة العهد، من بينها على سبيل المثال «الفتاة ذات الوشم التنين» في نسختيه الأوروبية سنة 2009، والأميركية سنة 2011، كما في «كابتن أميركا: المنتقم الأول» و«رجال إكس: الصف الأول» و«في الظلام» المرشح حاليا لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. وكل هذا تكملة لعودة السينما الغربية للموضوع ذاته تحت مسببات مختلفة. هناك «القارئ» لستيفن دولدري (2008) و«الراعي الصالح» لروبرت دي نيرو (2006) و«فالكيري» (2008). طبعا في معظم هذه الأفلام هناك حكايات الهولوكوست التي لا يمكن فصلها. لكن كما الحال في الكثير من التيارات الأخرى التي لها علاقة بأحداث وقعت أو بمراحل تاريخية حقيقية، القليل من هذه الأفلام مصنوع لتحليل سياسي أو اجتماعي أو حدثي في مواجهة نسبة مرتفعة من تلك الأفلام التي تتناول النازية كإثارة نمطية يحتل فيها الألمان دور الشرير الأول.

بين الأفلام

* Extremely Loud and Incredibly Close *** الولايات المتحدة - 2012 إخراج: ستيفن دولدري ممثلون: توم هانكس، ساندرا بولوك، توماس هورن النوع: دراما «مدوٍّ وقريب جدا» فيلم جديد للمخرج ستيفن دولدري («القارئ») وهو مقتبس عن رواية وضعها جوناثان سارفان فوير صدرت سنة 2005، وفيها أن صبيا فقد والده في الكارثة الإرهابية التي وقعت في نيويورك في سبتمبر (أيلول) 2001، ويتعامل مع هذا الفقدان المبرح بالانقباض على نفسه. في الفيلم هذه الخطوط العامة تستفيد من إجادة المخرج لفن السرد عبر الصورة. وضع شخصياته في أطر وكادرات تستثمر المساحة والحجم وفن الضوء. ما لا يجيده بنفس الدرجة هو المعالجة الدرامية التي تستنزف الفيلم سريعا، وتمنح المشاهد عوض العمق المطلوب قدرا كبيرا من المسحات العاطفية. وهي مسحات تعمل على استغلال حقيقة أن الولد، واسمه أوسكار ويؤديه موهوب صغير اسمه توماس هورن، يبلغ إحدى عشرة سنة ويحمل جبالا من الهموم والأحزان منذ أن فقد والده (توم هانكس) في الحادثة. بذلك يحرج بعض مشاهديه: كيف يمكن لهم انتقاد فيلم بطله صبي يبحث في حقيقة ومعنى فقدانه لأبيه؟

من ناحية، أدت الحادثة إلى إعادة بعض اللحمة المفقودة بينه وبين والدته (ساندرا بولوك) ليس على نحو تلقائي، ولكن بشكل تدريجي. ومن ناحية أخرى دفعت أوسكار للبحث عن معنى فقدانه والده منذ أن يجد مفتاحا فيحاول معرفة القفل الذي يناسب ذلك المفتاح. رحلته تلك تأخذه، وتأخذنا، إلى نماذج أخرى خسرت من تحب في تلك المأساة.

هذا كله جزء كبير من الرواية التي قرأت معظمها في رحلة استغرقت ست عشرة ساعة قبل عامين، لكنه ليس كل ما تدور حوله القصة الأصلية، بل ما يدور حوله الفيلم الذي يبدو كما لو أنه معني باستخدام ما يستطيع من عناصر الجماليات العاطفية أكثر مما هو معني ببحث المشكلة في عمقها الاجتماعي أو العائلي. لو أراد ذلك لما حذف جزءا كبيرا من الأحداث تدور بين الزوجين هانكس وبولوك والتي ترد في الرواية لتعميق الرابطة التي تجمع بين كل أفراد العائلة. بذلك الحذف أصبح الصبي محور الفيلم عوض أن يكون أحد محاوره، بذلك الحذف أيضا خفف المخرج من سعة الأحداث وحصرها في رحلة صبي سعيا وراء حقيقة ليست بدورها أكثر من تفعيلة تؤدي لنتائج متفاوتة الأهمية. السائد هنا هو سعي حثيث للتأثير العاطفي في محيط تعامل المشاهد مع الصبي، وليس مع محيط تعامله مع الكارثة ذاتها. رحلة الصبي تفقد معناها بالتدريج، على أهمية فكرتها. فالمشاهد يبدأ بالتساؤل حول كيف يستطيع صبي في عمره الانتقال في أحياء نيويورك على هواه بكل ذلك القدر من الدراية، لماذا لا يثير قلق والدته؟ وماذا عن واجباته المدرسية مثلا؟

بذلك لا بد من السؤال عن المفاد؟ عن الرسالة التي يحاول الفيلم بثها في النهاية حول الصبي ومسعاه. ما يطالعنا به الفيلم في النهاية هو أن على الصبي قبول الواقع والعيش من دون أبيه. فكرة لا بأس بها لو عولجت على نحو مختلف، لكن مثل هذا المفاد هو أقل من النتيجة التي يأمل بها المتابع. حصيلة أصغر مما يستحقه. أما في خانة العناصر الأساسية التي تشكل الصورة فهي التي تمنح الفيلم قيمته الفنية الوحيدة. التمثيل يضم بعض أبرع المواهب. لجانب هانكس وبولوك وهورن، هناك ماكس فون سيدو، جفري رايت، جون غودمان وفيولا ديفيز. التصوير من مدير تصوير متأن وحريص هو كريس منجز. والصورة بين مخرج يعرف ما يريد في هذا الجانب ومدير تصوير محسوب بجدارة في خانة أهم مديري التصوير اليوم، هي الوحيدة التي تستحق الثناء عمليا.

شباك التذاكر

* بين جديد ناجح وقديم ساقط 1 (-) The Vow: $41,202,458 (Romance) (2*) جديد | دراما عاطفية مع راتشل مكأدامز وشانينغ تاتوم تنجز نجاحا فائقا 2 (-) Safe House: $40,172,720 (Thriller) (3*) جديد | فيلم آخر عن عمليات «سي آي إيه» بطلها هذه المرة دنيزل واشنطن 3 (-) Journey 2: The Mysterious Island (Adventure): $27,335,363 جديد | رحلة مع دوان جونسون إلى جزيرة وحوش ودينصورات ذات إيراد جيد 4 (-) Star Wars 3 - d (Sci.Fi): $22,469,932 (2*) جديد | إعادة إطلاق للفيلم الشهير مزودا بسلاح الأبعاد الثلاثة 5 (1) Chronicle: (Thriller) $12,092,589 (2*) سقوط | ثلاثة أصدقاء يتمتعون بخرافة يحاول الفيلم بناء حكايته عليها 6 (2) The Woman in Black: (Horror) $10,102,658 (3*) سقوط | دانيال ردكليف يترك هاري بوتر ويدخل قصرا مسكونا بالأشباح 7 (3) The Grey: (Adventure): $5,0054,620 (3*) سقوط | ليام نيسون يجد نفسه وحيدا وسط قطيع الذئاب 8 (4) Big Miracle (Drama): $3,946,050 (2*) سقوط | .. وحيوانات البحر تحتاج لمن ينقذها في هذه الدراما 9 (8) The Descendants (Drama): 3,441,676 (4*) تراجع | جورج كلوني في هذه الكوميديا الواثبة للصدارة بسبب الترشيحات 10 (5) Underworld: Awakening: $2,480,155 (1*) سقوط | معركة بقاء بين مصاصي الدماء والوحوش

*سنوات السينما 1916

قريبا على الشاشة

* بعد عام واحد من قيام د.و.غريفيث بإخراج فيلمه العنصري «مولد أمة» قدم سنة 1916 «تعصب»، وهو دراما تنتقل بين العصور تدعو، في كل عصر، إلى التسامح ونبذ ما يحمله العنوان ذاته. تشارلي تشابلن أطلق بضعة أفلام مشهود لها بالجودة مثل «خلف الشاشة» و«المتشرد» و(أفضلها).. «في الساعة الواحدة صباحا». وأحد فرسان السينما الصامتة المنسيين، ألان دوان، حقق فيلما كوميديا ناجحا من بطولة دوغلاس فيربانكس عنوانه «جنون مانهاتن». أفلام أخرى مهمة من ذلك العام:

* «Judex» جزء من مؤسس سينما الكوميكس الفرنسي لويس فيولاد

* «Where Are My Children» أول فيلم يتطرق لموضوع الإجهاض في أميركا.

* «Snow White»: أول فيلم روائي طويل عن الحكاية الشهيرة (الثاني بعد فيلم قصير سنة 1902).

الشرق الأوسط في

17/02/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)