حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حصان الأميركي سبيلبيرغ وعُصاة الفرنسي كازوفيتس

شـرف الحـرب وخديعتهـا

زياد الخزاعي (لندن)

كلّما قارب المخرج الأميركي ستيفن سبيلبيرغ الحروب، وقف التاريخ على الحياد. هذا ديدن النافذين في هوليوود. صاحب «لائحة شيندلر» (1993) لا يخشى أحداً، عندما يسبِّق قناعته بأن هناك نازيين شرفاء، كحال الصناعي الألماني (شيندلر) الذي وسم اسمُه عملَه. ومثله، غلاف الكتاب التوثيقي الذي أصدره الأسترالي توماس كينيدي في العام 1982. ولئن أنقذ هذا الرجل، الذي دُفِنت رفاته في جبل الزيتون في القدس على الرغم من أنوفنا، عشرات اليهود من الموت النازي، فإن مخرج «إي. تي.» (1982) و«ميونيخ» (2005) أعاد الكرّة في مغافلة التاريخ، بجديده «حصان الحرب»، المقتبس عن رواية للأطفال، كتبها البريطاني مايكل موربورغو (1982)، واقتُبست لاحقاً للمسرح (2007).

الحيوان الشريك

احتفت القيادة البريطانية تحديداً، بتطبيل لافت للانتباه، بجديد سبيلبيرغ، بحضور ولي العهد العرض الرسمي الذي جرى قبل أسابيع، نظراً إلى أن الحرب قدر الأمم الكبيرة. وسط الحشود والموت والبغضاء والعنصرية والمصالح، يبقى للبطولة الخارقة حيزها، لا للأفراد وحسب، بل للبهيمة التي كان عليها أيام زمان أعباء لا يُستهان بها. وبما أن إرادة التاريخ لن تغفل أحداً، جاءت حكاية الفرس جُوِي مثالاً باهراً على أمانة المتحضّر الذاهب إلى الموت كقدر وطني، من دون أن يمنع الأحياء من الوفاء لكل شيء، من آلة الحرب إلى المجنّد الأمّي، مروراً بالحيوان الشريك، الذي تلقّى تكريمه بالأمر الذي وجّهه طبيب الجبهة، في الربع الأخير من الفيلم الباذخ بميلودراميته، والباهت في سرده وتنميطه التقليديين: «ليُطَبَّب جُوِي كأي جندي». قبله، تُبخِّر الأم مستقبل الفرس بتوصيتها ولدها: «اعتنِ بجُوِي، وسيبقى دائماً معتنياً بك». هذا قول وصل إلى حدود نبوءة المرأة التي رسمت خطّاً من القدر بين الكائن البشري والحيوان المُدجَّن، وبقاؤه وفياً لصوت الفتى ورائحته، ذلك الحصان الذي نعته والده الأعرج بـ«أخي»، والجندي الفخور بـ«الفتى الوسيم». إنها لعبة مداورات بكائية، جعلت البهيمة صفة مرادفة لشهامة الضابط نيكولاس (توم هيدلستون)، الذي قدّم نفسه قرباناً متعجّلاً لسيوف ألمان الحرب العالمية الأولى، ولاحقاً شهامة الجندي كولن (توبي كبيل) ذي الأصول الكوركيّة (أقليّة تقطن شمال إنكلترا، في مدينة «نيوكاسل» العريقة)، عندما فكّ أسر الفرس من الأسلاك الشائكة، بمساعدة جندي ألماني هَرَع للذود عن الحيوان المحاصَر بالموت والنزف، وسط الجبهتين اللتين أجّلتا القتال حتى عتق الحصان جُوِي. وَفَى المشهد الخطاب الإيديولوجي لسبيلبيرغ، النازع إلى تكريس المهادنات الأوروبية وتقوية تسيّسها، المتعلِّق بملابسات الحرب وعداواتها المتجلّية بنزعة تحريضية صارخة في نصّه «إنقاذ الجندي راين» (1998) ضد حروب أولاد العم، حيث ان تعاضُدَ الجميع حول قرار نجدة الشاب الأميركي الذي خسر ثلاثة من إخوته في الحرب في أيام متتالية، بيانٌ كَتَبه روبرت رودات هو دعوة إلى أن «تعارك الغربيين» لم يعد له مسوِّغ حضاري، إذ ان الجبهات الحقيقية تقع مع أعداء خبثاء يملكون موارد رفاهية الغرب وتسيّده، بعيداً عن القارة العجوز. هذا ما فسّر لمُشاهد راين وهو كهل يحثّ خطاه لإعادة التحية والعرفان أمام قبر الضابط جون ميلر (توم هانكس) وسط غابة الصلبان ونجمات داود. في المشهد هذا، نرى محاكاة جليّة له في ختام «حصان الحرب»، حيث قدّم الابن العائد من انتصار المعارك ضد الهمجيّ الألمانيّ شارة الفرقة التي حارب ضمنها الأب المعوَّق قديماً، وبقيت معلّقة على رسن الحصان حتى النهاية الضافرة، كتعويذة ربّانية للبسالة الخالدة على مرّ العصور.

لا يذهب حصان سبيلبيرغ إلى حلبة سباق المراهنات، كحال فَرَسَي «سيبسكويت» (2003) لغاري روس و«سكرتاريات» (2010) لراندل والس، بل إلى الشرف العسكري الذي قاد مصيره البطل ألبرت ناراكوت إلى فظاعات الجبهات، مثلما سبقه والده وأجداده، كي تسنح الفرصة بلقاء الحيوان الذي ظلّ وفيّاً حتى النهاية.

في حيوانات سبيلبيرغ ومخلوقاته قدرٌ فائضٌ من اللعب على ثنائية ولع مغرق بالدموع كـ«إي. تي.» و«لقاءات من النوع الثالث» (1977)، أو تخويف مُفعم بالعنف كـ«الفكّ المفترس» (1975) أو «الحديقة الجوراسية (جوراسيك بارك)» (1997). لكن ابن أوهايو قامر هذه المرّة بإضفاء حرمة تاريخية على علاقة أزلية بين كائن بشري وحيوانه الأليف، على خلفية قديمة متهالكة سياسياً، متمثّلة بأن الطرف المنتصر هو الأكثر مسؤولية تجاه بهائمه. فـ«حصان الحرب» حافلٌ بإشارات كثيرة وغير منصفة ضـــد الألماني الكريه، الــذي لا يمــلك سوى بشــاعات يوزّعها على البشر والحيوان من حوله، من دون فرق أو حساب.

الإثم الفرنسي

في الضمير الفرنسي، وقع الإثم المُغْفَل عن ذاكرة الأمّة المشغولة بالـ«يورو» وأفغانستان وأسد سوريا، في منطقة مظلمة ساعية إلى طمر واحدة من أكثر المجازر خسّة، راح ضحيتها شباب من السكّان الأصليين في جزر كالدونيا الجديدة، الخاضعة للاستعمار الفرنسي منذ عقود طويلة، خلال عصيانهم المُطالِب بالاستقلال، قبل تحوّله إلى أزمتي رهائن وسياسة في قلب باريس. مخرج «بغضاء» (1995) الممثِّل والمخرج النبيه ماثيو كازوفيتس حوّل بطله العسكري فيليب إلى «حصان بشري» خاضع لعملية استنساخ قسرية من قائد فرقة مكلَّف بإبادة المعتصمين في الغابات الاستوائية إلى محرّض للتفاوض ودرء الدم في جديده الفاضح «عُصاة» (بالإنكليزية بدلاً من «الأمر والفضيلة» بالفرنسية). بيد أن للساسة المحرجين بانتخابات العام 1988 عزما آخر: الانتصار على وحوش الجزر النائية يعني نصراً حاسماً للاشتراكي فرانسوا ميتران. وهذا ما لن يتحقّق من دون رصاص وتصفية وتشهير إعلامي بـ«الحيوانات التي أرادت سرقة أرض فرنسا». يقول الحدث الحقيقي إن القرار، الذي لن تعترف به الـ«إليزيه» أبداً، صدر تحديداً باغتيال العصاة، ما أثمر عن وأد أبدي للنزعة الوطنية لعشائر الـ«كاناك». فحجما العنف والقتل تكفّلا بإعلاء سمعة فرقة الجندرمة السيئة الصيت، المعروفة بحروفها «جي. آي. جي. أن.»، التي مجّدها وضخّم جرائمها لاحقاً المخرج جوليان لوكلير في فيلمه المتحامل سياسياً «الهجوم» (2011)، الذي أعاد أفلمة واقعة مطار الجزائر وقرار تصفية مهاجمي الطائرة الفرنسية في العام 1994، وتخليص رهائنها من قبضة المهاجمين الإسلاميين أعضاء «جبهة الإنقاذ».

صاغ كازوفيتس الوقائع بحكي معكوس، اذ سار والشخصيات كلّها إلى الخلف في المشهد الافتتاحي الصاعق. فالزمن الذي أوقفه السياسيّ، تجرّأ السينمائي على توليفه ثانية، مُحمِّلاً الأول جريمة قراره. ولئن تبع بطل سبيلبيرغ حصانه، فإن فيليب ركض بدوره إلى الغرف والهواتف والجلسات السرية، محاولاً تأجيل الهجوم، فقادة العصيان الشبابي وثّقوا، بغباء ونقص خبرة، دهاء السياسي الأوروبي ووعوده بمناقشة الاستقلال. والنتيجة: اختراقات متوالية إلى حصنهم، مهّدت للفرقة المجرمة اعتقالهم جميعهم، قبل إطلاق الرصاص على رؤوسهم. تهمة كازوفيتس جاهزة بحسب التواريخ والشهادات الحقيقية: بحسب اليمينيين، وقف في وجه وطنيته. لكن، بحسب نصّه، كانت الخيانة مبيّتة ضد بطله أيضاً. فبدلا من الاستسلام المتّفق عليه، الذي أعقب إذاعة مطالب العُصاة، انطلقت رصاصات التصفية المتعمَّدة. إن علامات دهشة فيليب وامتعاضه في التكرار الذكي للمشهد الافتتاحي (هذه المرّة، مشى الجميع في الاتجاه الطبيعي) في الختام، تحوّلت إلى إقرار نادر بأنه كجندي خان شرفه ووعده لشباب الـ«كاناك».

وضعت ملحمة «عُصاة» (136 دقيقة) الحرب ضد الـ«فضيلة» البشرية، على خلاف «حصان» سبيلبيرغ، الذي توسّل الحرب باعتبارها قضاءً وحكماً تاريخيين، توجّب عبر «أوامرهما» معاقبة الشعوب الضالة، والإمعان في إهانتها.

السفير اللبنانية في

11/02/2012

 

ذات مرة في الأناضول

ترجمة: ناجي العرفاوي  

«ذات مرة في الأناضول» فيلم درامي تركي من إنتاج سنة 2011 وقد أخرجه وشارك في كتابة السيناريو نوري بيلج سيلان.

تدار أحداث الفيلم حول تجربة حقيقية عاشها أحد كتاب الفيلم وهي تروي حكاية مجموعة من الرجال ينطلقون للبحث عن جثة رجل في سهول وهضاب منطقة الأناضول التي تشكل الجزء الأكبر من مساحة تركيا وقد كان قدامى اليونانيين يسمونها «أرض الشمس الساطعة».

بدأ عرض الفيلم في مختلف دور السينما في تركيا يوم 23 سبتمبر 2011 علما أنه عرض للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي الدولي في السنة الماضية وقد استطاع الفوز بالجائزة الكبرى مناصفة. اختير فيلم «ذات مرة في الأناضول» أيضا للمنافسة على نيل جائزة الأكاديمية السينمائية الأمريكية لأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية.

تضم مجموعة الرجال ضابط شرطة ومدعيا عاما وبعض السائقين والموظفين وحفاري القبور وأفرادا من قوات الجندرمة إضافة إلى اثنين من المجرمين المشتبه بارتكابهما جريمة قتل الرجل.

ينطلق الجميع ذات ليلة مظلمة في مدينة تسمى «كيسكن» للبحث عن جثة رجل مدفونة في مكان غير معلوم. يتولى القاتل كينان (فراس تانين) إرشاد ضابط الشرطة من مكان إلى آخر ومن نبع مائي إلى آخر لأنه لم يكن في وقت ارتكاب الجريمة في كامل مداركه العقلية بل إنه كان تحت تأثير المخدرات ولم يستطع بالتالي تحديد الموقع الذي دفن فيه هو وشقيقه جثة الرجل. لعل ما زاد في صعوبة أعمال البحث والتفتيش تشابه التضاريس الجغرافية في سهول وهضاب منطقة الأناضول التركية. فكل مكان أو نبع يصلون إليه يبدو أشبه ما يكون بغيره من المواقع الأخرى.

خلال رحلة البحث عن جثة الرجل المغدور تنشأ علاقة بين الرجال الذين يتفاعلون فيما بين بعضهم بعضا من خلال التطرق إلى موضوعات تراوح ما بين الغث والسمين مثل شراب «الروب» وشرائح اللحم والتبول والعلاقات الأسرية، والزوجات، والطليقات والموت والحياة والانتحار والبنية الهرمية الاجتماعية والبيروقراطية والقيم الأخلاقية والماضي، والمستقبل والعمل، كما أنهم يتحدثون على وجه الخصوص في غياب بعضهم بعضا فترتسم الابتسامات على وجوههم ويعترفون لبعضهم بعضا بجانب من أسرارهم الدفينة ويعبرون عما يشعرون به من ذنب عن أغلب ما ارتكبوه خلال حياتهم الماضية.

قبل أن تنبلج خيوط الفجر الأولى يشعر ضابط الشرطة بالجوع فيذهب الجميع إلى أقرب قرية لتناول بعض الطعام. بعد الأكل يعترف القاتل بالسبب الذي جعله يجهز على الرجل ويحوله إلى جثة هامدة، فقد أقر بأن ابن الرجل القتيل هو في الحقيقة ابنه. بعد اعترافه بالجريمة تعقدت الأمور أكثر وازدادت عملية البحث عن الجثة صعوبة.

مع بزوغ شمس اليوم التالي يعثر المفتش وبقية الرجال معه على الجثة التي نقلت إلى المشرحة. استدعيت الزوجة للتعرف على جثة زوجها القتيل فأكدت الهوية وقالت «نعم» وهي الكلمة الوحيدة التي تنطق بها امرأة في فيلم «ذات مرة في الأناضول». بعد ذلك تبدأ عملية التشريح وقد عثر الطبيب الشرعي على التراب في فم الضحية ورئتيها وهو ما يثبت أنها دفنت حية تحت الأرض غير أن الطبيب تعمد عدم ذكر هذه المعلومة المهمة في تقريره الذي رفعه إلى المحكمة.

«ذات مرة في الأناضول» فيلم ميتافيزيقي يتحدث عن الحياة والموت وحدود المعرفة الإنسانية وقد تألق مخرجه من قبل في عدة أعمال سينمائية ناجحة وقد استطاع أن يفرض نفسه خلال الأعوام القليلة الماضية كواحد من أبرز المخرجين على الساحة السينمائية الدولية وكان آخر إنجازاته اللافتة فوزه عن جدارة بالجائزة الكبرى مناصفة في مهرجان كان السينمائي الدولي في دورة 2011.

بدأ الفيلم كعملية بحث بسيطة في إطار جريمة لتتطور أحداثه في عملية تأمل عميقة في معنى الحياة والموت والطبيعة الإنسانية. في البداية حرص المخرج على الإبقاء على المسافة التي تبقيه بعيدا عن شخصيات الفيلم حيث انه يصورهم على سبيل المثال من بعيد حتى يبرز مدى صغرهم وتناهيهم في علاقتهم مع العالم الكبير الذي يلفهم. في الحقيقة فإن هؤلاء الرجال يتوقفون في محطات متتالية وهم في رحلتهم الوجودية والميتافيزيقية، وعملية بحثهم عن جثة الرجل القتيل إنما يبحثون عن ماهية الإنسان الحي أكثر مما يفتشون عن الجثة المطمورة في مكان غير معلوم. صحيح أن جريمة قتل الرجل تمثل النقطة المركزية في الفيلم غير أن كل رجل يشارك في عملية البحث عن الجثة يذرف دمعة عندما يغوص في حياته الخاصة فهذا يتذكر زوجته المتوفاة وذاك يعود به ذاكرته إلى ذكرى حبيب ليتحول فيلم «ذات مرة في الأناضول» برمته إلى عملية غوص في لغز الوجود نفسه.

إن عنوان الفيلم يذكرنا بالفيلم الرائع الذي أخرجه سيرجيو ليون سنة 1968 واختار له عنوان: «ذات مرة في الغرب». إن فيلم «ذات مرة في الأناضول» عمل سينمائي متميز يطرح الكثير من القضايا ومن ضمنها العنف ومركب الذكورة فيما تلعب المرأة دورا حساسا في الفيلم على الرغم من غيابها عن الفيلم أو صمتها المتواصل الذي يغنيها في الحقيقة عن كل كلام.

أخبار الخليج البحرينية في

11/02/2012

 

ليــلة ســـقوط مبـــارك في ذاگـــــرة المبدعين

تحقيق:  انتصار دردير 

وحيد حامد :ومتي كان الحكام يتعظون؟

رغم انني أري أن سقوط مبارك هي لحظة درامية ٠٠١٪ لكنني اعتقد أن مبارك نفسه مسألة تم تجاوزها فهو يحاكم الآن ومصيره في يد العدالة، نعم علي الحكام أن يتعظوا من كل ما جري ويجري في مصر والعالم العربي، لكن متي كان الحكام يتعظون.. فالتاريخ يؤكد ان اغواء السلطة أقوي من أي دروس فكل من يجلس علي كرسي الحكم يري نفسه فوق كل شئ  وقبل أي شئ.. يحدث هذا كثيرا في مواقف تاريخية معروفة، فقد كان الخليفة هارون الرشيد يستدعي أحد الوعاظ ليعظه وكان يبكي من قوة الموعظة وهو يستمع لما يقوله الواعظ.. وبعد ذلك يخرج ويأمر معاونيه بقتل الناس.. للأسف فالحكام لا يتعظون.. لكن كل هذا في رأيي لا يهم الآن.. وسوف يأتي وقت تتناول فيه الدراما لحظة سقوط مبارك بكل تداعياتها.. والأمر يختلف حسب درجة الاستيعاب والاقتناع ووضوح الرؤية، وهو شيء ليس له زمن محدد لكنني وبحكم تركيبتي النفسية والثقافية أحتاج وقتا طويلا جدا.. لكي أفعل ذلك وأجد انه من الضروري أن نتأمل جميعا أحوال مصر بشكل جيد في الأيام القليلة القادمة.. فما يجري منذ فترة خطير ومخيف.

مجدي احمد علي:نهاية رئيس وليست نهاية نظام

يوم ١١فبراير ١١٠٢ شهد نهاية رئيس ظل يحكم لمدة ثلاثين عاما وأراد أن يرثه ابنه.. لكن سقوط الرئيس لا تعني سقوط النظام.. وأري ان خطيئة الثورة أننا صدقنا ان النظام انهار وخرجنا نحتفل بنجاح الثورة وتركنا المجلس العسكري يتولي تحقيق مطالب الثورة ووضع البلاد علي طريق الدولة المدنية ورسم خريطة للمرحلة الانتقالية لكننا دخلنا في متاهة وعشنا علي مدي عام في معارك طويلة ومنهكة.. اذ كان عليه أن يعزل النظام بكل رموزه عن المجتمع لكن ما حدث أن مبارك بقي شهرين في شرم الشيخ واستمر رجال نظامه يرتبون أوراقهم حتي وصلوا إلي تدمير الضبعة التي كانت أحد أحلامنا  إلي المستقبل.. لهذا فأنا أعتقد ان رأس النظام سقط لكن النظام كله لايزال قويا ومتماسكا وإلا ما كانت تحدث كل هذه الكوارث المتوالية التي عشنا أحداثها علي مدي عام كامل.. ورغم أنني لست متفائلا في ظل مجلس نواب لا يعبر عن الثورة إلا أن الرهان يظل علي الناس.. فالشعب نفسه بدأ يدرك ويتعلم ويقاوم ويصر وهي صفات أصلية استعادها مع روح الثورة.

آثار الحكيم:دراما مرتبكة ومعقدة

لحظة سقوط الفرعون هي لحظة لا تصدق ولم تأت علي بالنا ولا حتي في أحلام اليقظة.. وشعرت وقتها أننا أمام فيلم درامي طويل مدته ٨١ يوما أو مسلسل في ثلاثة أجزاء علي طريقة »ليالي الحلمية« فالجزء الأول انتهي بسقوط النظام ثم الفترة الانتقالية التي كنا واهمين أنها لن تزيد علي ستة أشهر ثم الجزء الثالث حين يتم اختيار رئيس وبرلمان منتخبين وتشكيل حكومة ثورة..

وقد انتهي الجزء الأول بسلام، أما الجزء الثاني فلو جاءوا بأكبر مؤلف عبثي لكي يكتب ما حدث ما استطاع أن يفجر كل هذه الأحداث التي عشناها.. فما جري ويجري ملئ بالدراما التي تفوق خيال أعظم مؤلف ولو ان الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة علي قيد الحياة ما استطاع أن يصيغ هذه الدراما المرتبكة جدا والمعقدة جدا.. لكن وجود قوي سياسية حريصة علي تحقيق مطالب الثورة هي التي تعطينا الأمل، كما يعطينا الأزهر الشريف بدوره المستنير في وثيقة الدستور ووثيقة الحريات يجعلنا نشعر ببعض الأمل فسقوط مبارك يجب أن يكون درسا لكل من يغتر بالسلطة.

يسري الجندي :المفاجأة بدأت يوم ٥٢

المفاجأة الأكبر في رأيي كانت يوم ٥٢ يناير كنا شبه عاجزين نبحث عن مخرج من هذا النظام الذي أحكم سيطرته فيظهر الشباب كطليعة لهذه الثورة ثم تنضم لهم كل فئات المجتمع.. لقد كانت موقعة الجمل في رأيي هي المناورة الأخيرة للبقاء.. وكل ما جري خلال الـ٨١ يوما حتي سقوط مبارك تمثل دراما عنيفة لكن لا تصلح الآن لترجمتها لعمل فني لأننا مازلنا في مخاض مصر الجديدة التي عاشت قرونا تحت حكم الفرد الواحد.. ومن حقها أن تنعم بالديمقراطية لكننا وعلي مدي عام لم نتخلص بعد من النظام القديم فأظافره وأياديه تعبث بقوة في المجتمع وقد بدأنا الطريق خطأ من البداية حين لم نقض علي بقايا النظام بشكل ثوري وحتمي، ثم كان لابد من هدم الدستور القديم، وقد أدخلتنا التعديلات الدستورية في متاهة كبيرة كانت وراء كل ما عانيناه من سقوط ضحايا وفتن ومؤامرات وتصدع اقتصادي وانهيار أمني.. وقد فتح الطريق أمام أركان النظام وانهيار أمني.. وقد فتح الطريف أمام أركان النظام البائد في محاولات مستميتة لاجهاض الثورة عن طريق جيوش البلطجية التي اعتمد عليها مبارك ووزراء داخليته لكن رغم كل ما جري ويجري فإن الثورة سوف تحقق أهدافها مهما طال الأمد فالثورات الكبيرة مثل الثورة الفرنسية أخذت سنوات حتي حققت ما ينشده الشعب منها.

أخبار اليوم المصرية في

10/02/2012

 

سمير صبري يكتب حكايات أبوسمرة

عدو المرأة.. والكاميرا! 

من ضمن الشخصيات التي التقيت بها وحاورتها خلال عملي في التليفزيون.. الأديب الكبير والشخصية الفريدة جدا في كل شئ.. توفيق الحكيم..!

وقد بدأت معرفتي بكاتبنا الكبير وأنا طالب في كلية فيكتوريا بالمعادي حيث قمت بتمثيل الدور الذي قام به صلاح ذوالفقار في فيلم »الأيدي الناعمة« وهي رائعة من روائع أعماله والتي قدمها للسينما المخرج محمود ذو الفقار وجمع فيه مجموعة كبيرة من نجوم السينما.. أحمد مظهر، صباح، مريم فخرالدين، ليلي طاهر..!

وقد تعرفت علي باقي أعمال أديبنا الكبير خلال دراستي في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، كما كانت تربطني صداقة بابنه الوحيد اسماعيل الحكيم الذي كون فرقة موسيقية شبابية كانت تقدم حفلاتها في حديقة ـ قصر المنتزه في عصر انتشرت فيه الفرق الموسيقية الشبابية ومنها فرقة LES PETITS CHATS وفرقة الـ"CATS إلي جانب فرقة اسماعيل الحكيم والتي اشتهرت باسم "   BLACK COATS وكانت هذه الفرق تقدم أحدث الأغاني والألحان الغربية لمئات المعجبين بها من الشباب!

وقد طلبت مرارا من صديقي اسماعيل الحكيم أن يعزز طلبي المتكرر عند والده ليكون ضيفي في أشهر برامج التليفزيون في ذلك الوقت »النادي الدولي« ولكنه كان دائما يؤكد لي اصرار والده علي عدم الظهور أو التحدث في أي برامج تليفزيونية!

وجاءت الفرصة الذهبية أخيرا.. فقد دعا وزير الإعلام يوسف السباعي مجموعة كبيرة من نجوم الأدب والفكر والفن لافتتاح جزء جديد من مصنع الحديد والصلب بحلوان ومنهم ـ توفيق الحكيم!

وعلمت أن نهاية جولة الضيوف الكبار في المصنع ستكون في استراحة المصنع ليتناولوا المرطبات والشاي!

وهنا خطرت لي فكرة لأحصل علي حديث نادر مع توفيق الحكيم عدو الكاميرا!! وفي الاستراحة وفوق المائدة التي سيجلس حولها الضيوف وضعت ٤ ميكروفونات مختفية تحت باقة الورود تخفيها تماما عن الأنظار.. واطلعت وزير الإعلام الراحل الجميل يوسف السباعي علي المؤامرة وطلبت منه أن يجعل توفيق الحكيم يجلس في المكان المواجه للميكروفونات.

وضحك يوسف السباعي وقال لي: لو عرفت تخليه يتكلم.. لك عندي عشرة جنيه مني (طبعا عشرة جنيه أيامها يعني عشرة آلاف دلوقتي) وقبلت التحدي ودخل الضيوف الكبار القاعة بعد جولتهم الطويلة في المصنع ورحب بهم الوزير وأشار لتوفيق الحكيم.. »اتفضل هنا يا توفيق بك«.. وجلس توفيق الحكيم في المكان المحدد وما أن رآني وشاهد كاميرا التليفزيون حتي هم بالوقوف وعصاه في يده وقال لي:

ـ ياواد أنا قلتلك أنا مش بتاع تصوير.

وهنا أسرع يوسف السباعي إليه قائلا ياتوفيق بك..

ـ دي كاميرا بلا صوت.. مجرد بتسجل الحدث علشان تذيعه في نشرة الساعة التاسعة!

واقتنع توفيق الحكيم وعاد إلي مكانه وبدأ يشرب الشاي في هدوء وهو ينظر إليّ والكاميرا طبعا بتصور والميكروفونات الخفية بتسجل.. واقتربت منه لأعطيه قطعة جاتوه وسألته:

< توفيق بك كل الموجودين هنا بيقولوا انهم لما يزوروك في مكتبك في الأهرام ممكن يقعدوا ساعتين من غير ما حضرتك تطلب لهم فنجان قهوة سادة؟

ـ قال: وهو أناي جاي مكتبي اشتغل ولا أنا فاتح كافتيريا.. ما هو لو كل واحد دخل مكتبي وقالي صباح الخير اجيبله قهوة يبقي مش حا اخلص.. ومش حاشتغل!

وهنا تدخل يوسف السباعي ضاحكا: ياتوفيق بك.. ده طبع فيك حرصك الشديد ده جزء من أسطورة الحكيم بخيلا!

ـ وهو يعني لما أطلب قهوة لكل اللي خبطوا علي مكتبي.. دي حا تخليني ابقي الحكيم.. كريم.. بناقص يا سيدي!

كمال الملاخ: ياتوفيق بك.. دانتا سيارتك في الجراج مش عاوز تركبها وبتروح معظم مشاويرك علي رجليك!

توفيق الحكيم: وماله يا أخي.. حركة.. رياضة.. ده حتي المشي موصوف لأي حد فوق الخمسين.

وأسرعت مرة أخري لتقديم مزيد من الشاي له.. فنظر لي قائلا:

ـ ماتزعلش مني ياسمير.. أنا باحب شغلك قوي.. لكن أنا عندي مبدأ.. ممنوع التصوير.

< ليه ياتوفيق بك.. ليه تحرم الناس من أنهم يستمتعوا بك وبفكرك وبشخصيتك في التليفزيون؟
ـ ياسمير يا ابني أنا راجل شكلي وحش وصوتي وحش.. لو ظهرت معاك حافقد نسبة كبيرة من المعجبات
!

< قلت: وهل عدو المرأة مهتم بالمحافظة علي المعجبات؟

ـ قال: انت صدقت اني عدو المرأة.. هو فيه حد عاقل ممكن يبقي عدو المرأة.. أنا زي ما قلتلك أنا كتاباتي شئ وشكلي شئ أقل بكثير.. أنا خليت الستات يعتقدوا بأني عدو المرأة حتي استفزهم.. ويحاولوا الاقتراب من عدوهم أكثر ويغيروا تفكيره.. وأنا ماشي في الحكاية وأتلقي مئات الرسائل من جميلات مصر بتكرهنا ليه يا توفيق؟ احنا عملنا لك ايه يا توفيق؟

ده حتي كان فيه واحدة حلوة قوي جاتلي المكتب وعرضت عليّ الزواج وهي تقول »حاخليك تغير رأيك في المرأة.. اتجوزني شهر واحد«!

شفت بقي حكاية عدو المرأة دي عملتلي ايه؟ استفزت نص ستات مصر والعالم العربي.. ودفعتهم لمحاولة التعرف بي!!

< توفيق بك.. مين أجمل ممثلة جسدت شخصية كتبتها في رواياتك؟

ـ راقية ابراهيم في »رصاصة في القلب«.. دي كانت ست.. شخصية.. جمالها في قوة شخصيتها.. أنت عارف ياسمير الفيلم ده.. كان خامس أفلام صديقي محمد عبدالوهاب معبود النساء في ذلك الوقت.. وكان من ضمن مشاهد الفيلم أغنية »الميه تروي العطشان« وصورها عبدالوهاب في البانيو في ميه سخنة وهاجمتنا الصحافة في ذلك الوقت وكان لي نصيب الأسد في هذا الهجوم علي اني كاتب القصة.. واعتبروا ان تصوير عبدالوهاب وهو عاري الصدر في البانيو شئ غير أخلاقي ولابد من حذف الأغنية بأكملها من الفيلم.. وتسببت هذه الضجة في زيادة الاقبال علي الفيلم!!

< هل راهب الفكر في فيلمك »الرباط المقدس« والذي تتردد عليه سيدات متزوجات.. هل هو حضرتك؟

ـ متزوجات.. مطلقات.. أرامل.. أنا أحب المرأة جدا.. أعشق أناقشها.. أجادلها.. أغيظها.. فالحوار مع أي امرأة ممتع للغاية والعلاقة هنا.. هي علاقة صداقة.. صداقة الفكر والفتنة الكامنة وراء عيون أي امرأة في العالم.

قلت: أنا معجب جدا بحضرتك.. كل السنين دي والناس فاهمة انك عدو المرأة.. أرجوك ياتوفيق بك.. خليني أعمل لقاء معاك لبرنامجي.

قال: واطفش مني المعجبات.. أبدا!!

وفوجئ توفيق الحكيم بخبر في الجرائد »توفيق الحكيم الليلة في النادي الدولي«.. فاتصل بالوزير يوسف السباعي الذي طمأنه..

ما هي دي لقطة من زيارتك للمصنع.. من غير صوت يا توفيق بك!

وأذيعت الحلقة.. التسجيل الوحيد للكاتب الكبير في التليفزيون المصري وحاولت أن أتجنب أي مكان ممكن التقي فيه معاه.. فقد أبلغني الأستاذ أنيس منصور ان توفيق الحكيم حيضربك بعصاه الشهير أول ما يشوفك.. وبعد مرور حوالي شهر.. كنت في زيارة لباريس ودخلت فندق »انتركونتننتال« فقابلني الفنان يوسف فرانسيس الذي كان يخرج في باريس فيلم »عصفور من الشرق« وفجأة وجدت أمامي توفيق الحكيم.. فالفيلم يعتبر سيرته الذاتية وهو مدعو في باريس.

< قلت له :

ـ ماتزعلش مني.. ده كان حلم بالنسبة لي أن تكون في برنامجي.

ــ قال: أنا مش زعلان.. انت واد جن.. لكن أنت اللي حاتزعل أو تتفرس لما تعرف ان عدد المعجبات زاد.. وفضول المرأة لمعرفتي زاد.. وكل الستات قالولي: كنت أحلي من سمير صبري!

< قلت له وماله.. بس أنا بقي كسبت التسجيل التليفزيوني الوحيد للأديب الكبير.

ــ وابتسم توفيق الحكيم ولم يعلق .

أخبار اليوم المصرية في

10/02/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)