حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الشهرة… حقيقة أم مجد باطل؟

فراشة تحوم حول النور وما إن تقترب منه حتى تحترق، ترمز الفراشة إلى الفنانين والنور إلى الشهرة التي تداعب طموحاتهم، فتحفز كثيرين على الإبداع بينما تعمي بصيرة آخرين وتغرقهم في أوهام سرعان ما تزول، فينحدرون بسرعة البرق من قمة الأضواء إلى ظلام النسيان.  ليست الشهرة مظاهر موقتة يفرضها نجاح عمل واحد فحسب، بل هي نتاج تعب وكدّ وسعي مستمر إلى التطوّر لمحاكاة الأجيال المتعاقبة، وتعامل بصدق ومهنية مع أصول الفن بعيداً عن أي تشويه… هذه هي الشهرة التي تدوم والتي أرسى أسسها فنانون عمالقة، ما زالوا حاضرين بإبداعاتهم على رغم رحيلهم الجسدي. حول الشهرة والضريبة التي تفرضها على النجوم ومدى تأثيرها على حياتهم، استطلعت «الجريدة» آراء مجموعة من الفنانين.

جسر عبور إلى المنتجين

أحمد عبدالمحسن

محمد العجيمي

«لا يمكن لأي فنان أن يستمرّ على عرش المجد والنجومية سنوات طويلة لأن لكل زمان رجاله، وثمّة أجيال جديدة تتعاقب على الفن فتنسيه القديم، لكن على مراحل، وهذا أمر طبيعي لأن الدنيا تتطور وتختلف من جيل إلى جيل، فيدخل الفنانون القدامى في دائرة النسيان شيئاً فشيئاً، لكن وحدها الأعمال الجيّدة تخلّد صاحبها وتتذكرها الأجيال».

يضيف الفنان القدير محمد العجيمي أن السعي إلى الشهرة يكون من خلال أعمال النجم، ويصوّر الشهرة على أنها جسر أو طريق لوصول الفنان إلى المنتجين والمخرجين وليحظى بفرص للمشاركة في أعمال درامية، يقول: «من نعم الشهرة علينا كفنانين المعاملة الخاصة التي نحظى بها في بعض الأماكن، لا سيما في الدوائر الرسمية».

شوق

«كوني فنانة مبتدئة، أعتقد أن نجوميتي مهما اتسعت سأدخل بعدها في خانة النسيان بمجرد الابتعاد عن الساحة الفنية، فثمة فنانون يغلفهم النسيان بعد سنة وآخرون بعد عشر سنوات، فيما يستمرّ غيرهم فترة طويلة… لكن في النهاية سيصل الجميع إلى مصير واحد، باستثناء فنانين يعتبرون رموزاً في الفن، وهؤلاء هم الرواد العمالقة الذين قدموا أعمالاً لا يمكن أن تمحى من الذاكرة الفنية».

ترى الفنانة الشابة شوق أن الفنانين كافة يطمحون إلى التربع على قمة الشهرة، تقول: «قد يعمد الفنان إلى تخفيض أجره أحياناً أو رفضه أحياناً أخرى ليحقق مراده ويكون في دائرة الضوء والنجومية البراقة، وقد يتعرّض للمشاكل بسبب شهرته، فيحاسَب على كل كلمة حتى وإن خرجت عن طريق الخطأ».

عبد المحسن القفاص

يوضح الفنان الشاب عبد المحسن القفاص أن الفنانين كلهم يسعون إلى الشهرة والأضواء والنجومية من خلال أعمالهم، مؤكداً أن الجمهور لا يمكن أن ينسى النجم بعد اعتزاله أو رحيله، و{الدليل أن أبرز الفنانين الراحلين يعيشون معنا في بيوتنا وفي كل مكان، من خلال أعمالهم الخالدة».

في المقابل، يلاحظ القفاص أن للشهرة سلبيات من بينها أنها تقيد حرية الفنان.

حسن البلام

«لا يمكن للجمهور أن ينسى الفنان الذي ترك بصمات خالدة من خلال فنه الأصيل، على غرار أم كلثوم وخالد النفيسي وغيرهما من نجوم ما زالوا يعيشون معنا ولن ننساهم لأنهم قدموا أعمالا رائعة».

يوضح النجم حسن البلام أن الشهرة ترتبط بالمحبة، بمعنى ألا شهرة أو مجد لفنان غير محبوب من الجمهور أو مصاب بالغرور. بالنسبة إلى تجربته الخاصة، يؤكد أنه يعيش حياته بشكل عادي على غرار أي شخص، ولم تسبب له الشهرة أي مشاكل.

«لو دامت لغيري ما آلت إليّ»

بيروت- ربيع عواد

مادونا

«الفن مجد باطل وكذبة بيضاء ووحدها الأعمال الإنسانية الجميلة ترافق الإنسان حتى النهاية» في رأي الفنانة مادونا، التي كانت نجمة تبحث عنها الأضواء أينما حلّت وتتصدر أخبارها وصورها أغلفة المجلات وأغانيها وسائل الإعلام.

قالت: «كرّست 35 عاماً من عمري للفن اللبناني، وعلى رغم غيابي عن الساحة الفنية بين فترة وأخرى لعدم توافر شركة إنتاج تتبنى أغنياتي الجديدة، إلا أنني متصالحة مع نفسي وفخورة بإنجازاتي، وعندما أقارن بين مسيرتي ومسيرة فنانات حاضرات على الساحة اليوم، أتأكد من أن الشهرة التي وصلت إليها في فترة معينة لم تصل إليها أي فنانة أخرى، وهذا ما يزيد سعادتي».

أضافت: «لو دامت لغيري ما آلت إليّ». فعلاً، لكل شخص وقته ودوره في الحياة، إلا أن الجمهور لا ينسى الفنان الذي أسعده سنوات طويلة، لذا ما زالت الأضواء تحيط بي في أي مكان أكون فيه ويرحّب الناس بي ويعبرون عن شوقهم إلى أغانٍ جديدة بصوتي».

لطالما نصحت مادونا الفنانات الحاليات بالابتعاد عن الغرور والاقتراب من الناس لأن الشهرة زائلة، وكررت مراراً في أحاديث لها أنها حققت أحلامها في الفن و{شبعانة من كل شي»، وتشكر الله على استمراريتها مع أنها لم تقدم تنازلات لأحد، وترى أن عليها مجاراة الأجيال الجديدة عبر فن جميل وأصيل.

كارول صقر

وصفت كارول صقر الشهرة باللعنة التي تخرج الفنان عن طبيعته: «من الطبيعي أن يظهر فنانون جدد، فيخطفون الأضواء وتحتل أخبارهم صفحات المجلات، لكن ليس من الجائز، في الوقت نفسه، تجاهل وجوه اعطت الكثير للفن وأرشيفها غني بالإبداعات».

خلال مسيرتها الفنية التي عرفت فيها شهرة واسعة، لا سيما بين جيل الشباب، واجهت كارول عراقيل ومرّت بتجارب وخبرات، «لكنني تغلّبت عليها بالإيمان وهو سلاحي الوحيد، وبمقولة: {قوة وعظمة إيمانك من صلابة وسماكة ذراعك»، على حدّ تعبيرها، لذا تلجأ إلى الله تعالى في أمورها الحياتية كافة وتشعر بحضوره معها دائماً.

ريدا بطرس

منذ بداية مسيرتها الفنية وضعت ريدا بطرس أمام عينيها أن النجومية لا تدوم وأن تأسيس عائلة يوفّر الاستقرار لها، لذا عندما التقت الشخص المناسب لتحقيق حلمها بالاستقرار اعتزلت الغناء وهي تعيش مع زوجها في الولايات المتحدة الأميركية.

أشارت في حديث سابق لها إلى أن فنانين كثراً يؤسسون مشاريع استثمارية حفاظاً على اكتفائهم المادي، إيماناً منهم بأن النجومية لا تدوم، ولا بد من أن يأتي يوم تنطفئ الأضواء عنهم وتتركز على فنانين جدد شباب.

تصف ريدا عالم الفن بأنه غدّار وترى أن لكل جديد رهجته، لذا تتمنى على كل فنانة صاعدة ألا تولي فنها اهتماماً أكثر من حياتها الخاصة، لأنها قد تخسر كثيراً حين لا يعود الندم ينفع.

فيفيان انطونيوس

«صحيح أنني أهوى الفن وحققت شهرة، إلا أنني إذا خُيّرت بين عملي وعائلتي فإنني اختار الثانية. فالشهرة لا تقتل الحزن الذي يشعر به المرء إذا كان وحيداً، لذا أحاول أن أوفق قدر الإمكان بين عملي وأسرتي، وإذا كان لا بدّ من الخسارة فلتكن في مجال عملي لا عائلتي… مهما طبقت شهرة الممثل الآفاق سيأتي يوم يحتاج فيه إلى عائلة لا إلى شهرة أو مال».

«الفن مجد باطل وحالة قلق دائمة»، هكذا تختصر الممثلة فيفيان أنطونيوس  تجربتها مع الفن والشهرة، معتبرة أن الأعمال الجميلة والراقية وحدها تبقى في الذاكرة… من هنا تأنيها في اختيار أدوار تناسبها كانت جواز دخولها القلوب.

تقدير الناس… نجومية حقيقية

القاهرة – فايزة هنداوي

ترى النجمة سميرة أحمد أن المجد الحقيقي يتحقق من خلال أعمال الفنان، وأن الشهرة نسبية وقد تختلف من وقت إلى آخر ومن جيل إلى آخر، لذلك الأهم من وجهة نظرها هو تاريخ الفنان وأعماله التي تبقى في ذاكرة الفن.

بدورها، توضح النجمة لبلبة أن الشهرة وحبّ الناس من أهم الأمور التي يجنيها الفنان في مسيرته، لذلك لا يمكن اعتبار النجومية مجداً زائفاً، بل هي أهم من أي مجد آخر، لأنها تقوم على تقدير الناس للفنان. كذلك تشير إلى أن حرص الأطفال على مصافحتها يفرحها، لأن الدخول إلى قلوبهم ليس أمراً سهلاً برأيها، لأنهم يتمتعون بإحساس عالٍ ويميلون إلى الفنان الصادق.

عمر النجوميّة

«الشهرة والنجومية لا تستمران طول العمر» تقول الممثلة ياسمين عبد العزيز، وتضيف أن عمر الفنان في النجومية يحدده الزمن والسن، لذلك تزوجت باكراً وأنجبت الأطفال إيماناً منها بأن الأسرة وحدها التي تبقى لها، مشيرة إلى أن فنانات كثيرات أهملن حياتهن الشخصية في سبيل الشهرة والمجد، ليكتشفن بعد فوات الأوان أنهن خسرن ووقعن في دوامة الوحدة، لذلك لا بد من أن يوازن الفنان بين فنه وحياته الخاصة لأن الشهرة مجد زائف وغير حقيقي.

بدوره يؤكد الممثل آسر ياسين أن الشهرة لا يمكن أن تغني الإنسان عن أمور أخرى، لذا يحرص على أن يحيا حياة طبيعية ينجز فيها أموراً أخرى غير الفن، وعلى ألا يقدم ما يختلف مع مبادئه في مقابل شهرة زائفة قد تخدع الفنان لبعض الوقت، فتجعله يخسر أموراً لا يمكن استعادتها مهما حاول.

من جهتها صنعت معالي زايد عالمها الخاص وأسست مزرعة صغيرة إيماناً منها بأن الشهرة زائلة، وأن المجد الحقيقي يكمن في أعمالها التي تفخر بها. أما الممثل أحمد وفيق فيرى أن الشهرة نسبية، وأن الفنان يصل إلى المجد الحقيقي عندما يحوز حب الجمهور وتقديره من خلال أعماله، على غرار نجاح العالِم في مجاله أو المفكر أو السياسي، إذ «يمكن أن يحقق كل شخص مجده من خلال عمله».

تقدير الفنان

لا تهتمّ غادة عادل بالتفكير في الشهرة، فهي تفضّل أن تعيش حياتها الخاصة كأمّ مصريّة، بصورة عادية وطبيعية، وتستمتع برعاية أولادها والاهتمام بالأمور التي تخصهم.

تضيف عادل أن أسعد أوقاتها تمضيها مع أسرتها في الإجازات عندما يقصدون أحد الشواطئ للاستجمام، سواء في مصر أو خارجها.

من جهته، لا يقلل عمرو واكد من أهمية الشهرة وحبّ الجمهور، وإن كان يرى، أن الأهم هو تقدير الفنان لذاته ولأعماله وليس البحث عن الشهرة لأنها إلى زوال، «لذا لا بد من أن يكون الفنان حريصاً في خياراته كي لا يقدّم عملاً يندم عليه ولا يستطيع محوه من تاريخه مهما تبرأ منه، مشيراً إلى أن ثمة أعمالاً حققت شهرة لأصحابها على رغم ضعفها الفني، ما يعني أنها شهرة موقتة.

بدوره، يلاحظ عمرو عبد الجليل أن حب الناس هو العائد الحقيقي للفنان بعد الجهد الذي يبذله في كل عمل فني، لذا لا يعتقد أن الشهرة مجد باطل، بل هي مكافأة يمنحها الله سبحانه وتعالى للفنان الذي يعمل بصدق ويدقق في خياراته، مؤكداً أن حب الناس لا يزول والدليل أن الفنانين العظام ما زالت أعمالهم باقية ويحتفظون بحب الأجيال المتعاقبة على رغم أن كثراً منهم فارقوا الحياة.

الجريدة الكويتية في

28/01/2012

 

جون ويليامز وستيفن سبيلبرغ… 40 عاماً من الإبداع

كتب: لوس أنجلوس- ربيكا كيغان  

ربما يكون المكتب الذي يؤلف فيه جون ويليامز ألحانه الغرفة الأكثر هدوءاً في هوليوود! في مبنى منعزل تابع لاستوديوهات يونيفرسال (Universal Studios)، على بُعد خطوات من شركة الإنتاج التي يملكها شريكه الدائم المخرج ستيفن سبيلبرغ، يعمل ويليامز وحده. يجلس أمام بيانو كبير من طراز «ستاينواي» عمره 90 سنة، تحيط به أقلام وأوراق لتدوين الألحان الموسيقية، وعلى طاولة قريبة تلاحظ دواوين شعر قديمة تعود إلى روبرت فروست وويليام وردزورث.

في أواخر شهر ديسمبر الفائت، خلال الأسبوع الذي شهد إصدار آخر عملين مشتركين بين ستيفن سبيلبرغ وجون ويليامز في الولايات المتحدة (The Adventures of Tintin المقتبس من الكتاب الهزلي الشهير وWar Horse الملحمي عن الحرب العالمية الأولى)، قال ويليامز في إحدى المقابلات: «علاقتي بستيفن هي نتيجة اختلافات كثيرة ومتناغمة. يعمل ستيفن مع مجموعات واسعة من الناس وهو رجل أعمال دولي. إنها البيئة التي أحتاج إليها. لا أستعمل أدوات إلكترونية معاصرة كثيرة وحواسيب كما يفعل زملائي الشباب. حين بدأتُ مهنتي، لم تكن هذه الابتكارات موجودة. هذا المجال يتطلب جهداً مكثفاً وجواً من الوحدة».

شارك ويليامز (يبلغ 80 عاماً في 8 فبراير المقبل) في 25 فيلماً سينمائياً طويلاً من أصل 26 عملاً من إخراج سبيلبرغ، وتشمل تلك الأعمال لائحة موسيقية متنوعة في أفلام مثل Jaws، Close Encounters of the Third Kind, E.T., Raiders of the Lost Ark, Schindler’s List, Saving Private Ryan.
يُشار إلى أن المنتج كوينسي جونز ألف موسيقى فيلم
The Color Purple للمخرج سبيلبرغ.

أمضى ويليامز و سبيلبرغ مسيرتهما المهنية في صنع أفلام في هوليوود طوال جيلين بعدما تقابلا خلال موعد غداء مدبّر في عام 1972، وقد ساهمت هذه الشراكة الدائمة واللافتة في كسب 13 ترشيحاً لنيل جائزة الأوسكار عن أفضل موسيقى تصويرية فضلاً عن ابتكار أشهر المقطوعات الموسيقية في تاريخ السينما.

تنوع الأسلوب

عندما أُجريت هذه المقابلة كان ويليامز منهمكاً في وضع لمساته الأخيرة على لحن يعدّه لأوركسترا بوسطن السيمفونية، التي تحتفل بعيد ميلاده هذه السنة عبر الاستعانة بفنانين لإنشاد ألحانه، بمن فيهم عازف التشيلو يويو ما ومغنية الأوبرا جيسي نورمان. كان ويليامز قد انتهى لتوه من تحديث المقطوعات الموسيقية الخاصة ببرنامجَي Today وMeet the Press. بعد بضعة أشهر، يبدأ بتأليف موسيقى الفيلم الجديد Lincoln للمخرج سبيلبرغ.

على خلاف العمالقة السابقين في عالم تأليف الموسيقى التصويرية في هوليوود (مثل برنارد هيرمان وديمتري تيومكين اللذين يتميزان بأنغام لافتة ومختلفة)، لم يترك ويليامز بصماته في عالم كتابة الأغاني، عدا إضافة بضع كلمات إلى النغمات السهلة. كان التنوع في الأسلوب أساس شراكتهما بحسب رأي سبيلبرغ.

قال سبيلبرغ عبر الهاتف أثناء وجوده في موقع تصوير Lincoln في فرجينيا: «جون شخص متنوع جداً في مجال تأليف الموسيقى، فهو يغيّر أساليبه في كل فيلم. الاختلاف الموسيقي واضح جداً في فيلمَي Tintin وWar Horse. كل مقطوعة تناسب الخصائص التي تطبع الفيلمين المختلفين. تعكس موسيقى Tintin الظريفة حس المغامرة والتشويق وكأن المؤلف يريد مطاردة الجمهور بموسيقاه. لكن فيWar Horse، تتناسب الموسيقى مع حب الأرض وتذكرنا بذلك الزمن الغابر في أوائل القرن العشرين».

وُلد ويليامز في نيويورك وهو ابن عازف إيقاع، ثم انتقل إلى لوس أنجلس في عام 1948 عندما بدأ والده يعزف في أوركسترا «كولومبيا بيكتشرز» (Columbia Pictures). في طفولته، بدأ يتعلم العزف على البيانو: «جميع الراشدين الذين عرفتهم كانوا من الموسيقيين وهم من أصدقاء والدي. لذا ظننتُ أن الموسيقى هي ما يفعله الإنسان عندما يكبر. كان هذا المسار يبدو حتمياً بالنسبة إلي».

بعد تلك المرحلة، ارتاد ويليامز جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، ومدرسة جوليارد وعمل كعازف بيانو في استوديوهات التسجيل وكان يعزف مقاطع لجيري غولدسميث وهنري مانشيني. كذلك عزف (ذُكر باسم «جوني ويليامز» ضمن المشاركين في العمل) مقطوعة الجاز الشهيرة التي ألّفها مانشيني لبرنامج Peter Gunn في عام 1958.

سجل حافل

عندما تقابل سبيلبرغ وويليامز في عام 1972، كان المؤلف الموسيقي يملك سجلاً حافلاً من الأعمال في أفلام وبرامج تلفزيونية منذ 20 عاماً تقريباً، وكان قد حصد جائزة أوسكار عن فيلم Fiddler on the Roof، وألّف لتوه الموسيقى التصويرية في الفيلم التجاري الضخم The Poseidon Adventure.

في المقابل، كان سبيلبرغ في الخامسة والعشرين من عمره وكان مخرجاً لبرامج تلفزيونية ويوشك على العمل في أول فيلم استعراضي له. كان المخرج الشاب قد أصغى مراراً وتكراراً إلى لائحة من ألحان مستوحاة من الثقافة الأميركية كتلك التي ألفها ويليامز في فيلم The Reivers وأراد موسيقى مشابهة لها في أول فيلم له The Sugarland Express. بناءً على طلب سبيلبرغ، دبّر أحد المدراء في استوديوهات «يونيفرسال» موعداً بينهما.

أوضح ويليامز: «اصطحبني ستيفن إلى مطعم فاخر جداً في بيفرلي هيلز لتناول الغداء. كان الأمر أشبه بالخروج مع مراهق لا يعرف شيئاً عن آداب المائدة. كان لا يزال يافعاً، فقد كان أكبر بقليل من أولادي لكن لم يكن الفارق كبيراً. مع ذلك، بدا وكأنه يعرف عن نوع الموسيقى التي أؤلفها أكثر مما أعرف أنا. كان يردد نغمات من أفلام غربية قديمة».

وافق ويليامز على العمل في هذا الفيلم بعدما أُعجب بالسيناريو وسُحر بحماس المخرج الطفولي في مجال الإخراج. هكذا، وُلدت أنجح شراكة في عالم موسيقى الأفلام في تاريخ هوليوود.

قال مؤرخ موسيقى الأفلام جون بورلنجام (مؤلف Sound and Vision: 60 Years of Motion Picture Soundtracks): «إذا دققنا بشراكتهما في سياق واسع يشمل العلاقة بين المخرج والمؤلف الموسيقي عموماً، نتذكر شراكات هيرمان وهيتشكوك، فيليني وروتا، بروكوفييف وآيسنشتاين. لكنّ هذه الشراكة بالذات تتفوق عليها جميعاً بعدد الأفلام وتنوّع المواد المقدَّمة».

رسّخت هذه الشراكة الموسيقى التصويرية في فيلم سبيلبرغ الثاني Jaws. كان سبيلبرغ قد استعمل موسيقى غير متناغمة من ألحان ويليامز، تحديداً من فيلم روبرت ألتمان Images، كمقطوعة موسيقية موقتة فيما كان في مرحلة مونتاج فيلم Jaws، وقد توقع من ويليامز تقديم النوع نفسه من الموسيقى العالية المستوى لفيلمه الذي يتناول هجوم أسماك القرش. لكن كانت أفكار المؤلف الموسيقي مختلفة.

في هذا الصدد، ذكر ويليامز: «فكرتُ بابتكار نغمة غريبة إلى أقصى حد. تماماً مثل أسماك القرش، يرتكز كل شيء على الغريزة، ما يعني أن الجوّ العام قد يكون رتيباً وغرائزياً جداً وقد يثير القشعريرة في الجسم لا في الدماغ! لم يكن ستيفن يستعين بسمك القرش المُحوسب، بل كان يكتفي باستعمال الدمى المطاطية. لذا اقتصرت الفكرة على تكرار نوتتين موسيقيتين منخفضتين، ثم إضافة نوتة ثالثة في لحظة غير متوقعة، وهكذا دواليك. يمكن عزف هذه النغمة بطريقة لطيفة، ما قد يشير إلى أن القرش بعيد جداً وأن ماء البحر تخلو من الخطر. بعد ذلك، تبدأ الموسيقى الغرائزية التي تزداد صخباً وتقترب من المتفرجين لدرجة أنهم يشعرون بأن القرش سيبتلعهم».

عن هذه المسألة، يقول سبيلبرغ: «عندما عزف جوني موسيقى Jaws على البيانو، ظننتُ أنه يمزح معي. لكنه كررها مجدداً، ثم تابع عزفها حتى توقفتُ عن الضحك. كنت أفكر بموسيقى أكثر غموضاً. فقال لي: المقاربة المعقدة التي أردتني اتباعها ليست المقاربة المناسبة للفيلم الذي رأيتُه لتوي. إنه فيلم تشويق ضخم!».

رضخ سبيلبرغ لرغبة ويليامز وفاز هذا الأخير بثاني جائزة أوسكار له عن هذه الموسيقى التصويرية. بعد مرور 37 عاماً، لا تزال تلك الموسيقى المؤلفة من نوتتين فقط أشهر مقطوعة موسيقية تنذر باقتراب خطر مميت.

الجريدة الكويتية في

28/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)