حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

عالم وسينما المبدع الراحل أنجلوبولوس:

رواية لم تكتمل

أمين صالح

لم أجد أبلغ وأجمل من تلك الكلمات التي كتبها الناقد والشاعر المبدع البحريني أمين صالح عن المخرج اليوناني الكبير ثيو انجلوبولوس الذي رحل عن عالمنا أخيرا بطريقة عبثية لا تفسير لها بينما كان يصور مشاهد أحدث أفلامه، وهو الي عرف برواية قصص غير مكتملة. وكأن عدم الاكتمال كان يجب أن يكون خاتمته هو نفسه. (أمير العمري)

 

ثيو أنجيلوبولوس، المخرج اليوناني، صوت فريد في عالم السينما، ويعد واحداً من رموز السينما "الفنية" الحديثة، ومن  أكثر السينمائيين أهمية وتميزا، وإثارةً للجدل أيضا، في السينما العالمية المعاصرة.

إنه ينتسب إلى نخبة من المخرجين القلائل الذين ينطبق عليهم التعريف الكلاسيكي لـ "مبدع الفيلم" أو "المخرج المؤلف"، إذ كل لقطة، من كل مشهد، من أي فيلم حققه، تعبّر عن رؤيته الفنية والفكرية، وتعكس شخصيته الفنية، على نحو يتعذّر محوها أو إزالتها. إن نظرة عجلى إلى أي فيلم له، وفي أي موضع يتم اختياره من مسار الفيلم، ستكون كافية للكشف عن هوية المبدع الذي حقق هذا العمل الفني.

في السبعينيات انبثق هذا المخرج كواحد من أكثر الأصوات أصالة وجدّة في عالم السينما. انه واحد من المخرجين القلائل في القرن الأول للسينما الذين يجبروننا على إعادة تحديد ماهية السينما وما يمكن أن تكونه. ليس هذا فحسب، فأفلامه تجعلنا ننفتح على سؤال أكبر أعمق، والذي يغدو شخصيا بالنسبة لكل منا: كيف نرى العالم بداخلنا وحولنا؟

بطريقة أو بأخرى، يمكن اعتبار أفلام أنجيلوبولوس "محاولات" لخلق أفلام، لصياغة نوع من الاتصال، لإعادة بناء الواقع والمخيلة والتاريخ والأسطورة.

الروائي ميلان كونديرا في كتابه "فن الرواية" يشعر بأن غاية الرواية هي "أن تكتشف ما تستطيع الرواية وحدها أن تكتشفه".

أفلام أنجيلوبولوس تعمل بطريقة مماثلة: إنها تكتشف لنا ما تستطيع السينما وحدها أن تكتشفه (مع أنها نادراً ما تفعل ذلك). مثل هذه الاكتشافات غالبا ما تكون مربكة، خاصة لجمهور اعتاد على الإيقاع السريع والحبكات الهوليوودية الموجهة.

هو من أكثر المخرجين اليونانيين شهرة وتأثيرا. أفلامه حازت على العديد من الجوائز الكبرى في المهرجانات العالمية، وتم الاحتفاء به كواحد من القلة العظام في تاريخ السينما..لكن خارج تلك الدوائر السينمائية، لا يبدو أنجيلوبولوس معروفا جيدا لدى الجمهور العريض، وحتى في بعض الأوساط السينمائية، إذ يعتبر من أولئك المخرجين "الصعبين"، ذوي الرؤى العميقة الخاصة، والأساليب التي لا تتوافق مع الذوق العام السائد بفعل هيمنة الأعمال الاستهلاكية.

إنه ينتمي إلى تلك النوعية الجادة من السينمائيين الذين يتعاملون مع الجمهور باحترام، دونما رياء أو تملّق، ناشدين المشاركة الفعالة فكريا وتخيليا، وذلك عبر بلاغة بصرية ورؤية واعية وثاقبة للحياة وللعالم.

عدم "جماهيرية" أفلامه ناشئة من اهتمامها بموضوعات فكرية وفلسفية عميقة (تتصل بالحياة والموت، الذاكرة والندم، التاريخ والهوية، الفن والغربة) وابتعادها عن الجماليات السائدة في السينما المعاصرة (بالأخص في هوليوود) التي تعتمد على المؤثرات الخاصة والتقنيات الرقمية (ديجيتال) والنجوم.

أفلامه تدعو إلى التأمل لا الإثارة والتشويق. إنها تمزج عناصر من الاتجاه الكلاسيكي والاتجاه الحداثي، معتمدة على إيقاع مغاير يتسم بالبطء والتريث عبر لقطات مديدة تستغرق دقائق طويلة دون قطع، وعبر معالجة خاصة للزمن والمكان.

أفلامه تمتلك الجرأة على عبور عدد من التخوم: بين الأمم، بين التاريخ والأسطورة، الماضي والحاضر، السفر والبقاء، الانتماء والخيانة، المصادفة والقدر، الواقعية والسوريالية، الصمت والصوت، المرئي واللا مرئي (أو المكبوح)، بين ما هو يوناني وما هو غير يوناني. أفلام أنجيلوبولوس لا تزعم بأنها تقول الحقيقة المطلقة، أو توجد حلولاً للقضايا والمشاكل، أو توجّه رسائل مباشرة، لكنها تقترح الرغبة في التجاوز.

التاريخ والأسطورة، اللحظات الوثائقية والغنائية، تجاور الحقيقي والوهمي، الواقعي والدرامي.. كل هذا يرغم المتفرج على إعادة صياغة كل ما رآه (أو سمعه) في ضوء جديد.

إن أي فيلم له – شأنه شأن المخرجين الكبار- يعد حدثا سينمائيا هاما، ويكون موضع ترقّب ومتابعة وجدل، ليحفظ بعدها في الذاكرة السينمائية كعلامة بارزة في مسيرة فن السينما.

إن مشاهدة أفلامه هي تجربة منعشة، رحلة سينمائية مدهشة نختبر فيها الحياة من زاوية مختلفة وبعين طرية، خلالها نطرح الأسئلة عن وجودنا في هذا الكون.

ذات مرّة تحدث المخرج العظيم أكيرا كوروساوا عن أنجيلوبولوس فقال: "أنجيلوبولوس يرصد الأشياء، في هدوء ورصانة، من خلال العدسات. إن ثقل هدوئه وحدّة نظرته الثابتة هي التي تمنح أفلامه قوتها".

*  *  *  *

أفلامه:

- برنامج إذاعي (1968): فيلم قصير مدته 23 دقيقة.. حاز على جائزة النقاد في مهرجان ثيسالونيكي باليونان.

- إعادة بناء  (Reconstruction(1970: أول أفلامه الطويلة. نال عدة جوائز في مهرجان ثيسالونيكي كأفضل فيلم ومخرج ومصور وممثلة. كما حاز على جائزة أفضل فيلم أجنبي في مهرجان هيريس، وجائزة جورج سادول كأفضل فيلم عرض في فرنسا في العام 1970.

- أيام سنة 36 (1972): جائزة أفضل مخرج ومصور في مهرجان ثيسالونيكي. إضافة إلى جائزة النقاد العالميين في مهرجان برلين.

- الممثلون الجوالونThe Traveling Players  (1975): جائزة النقاد العالميين في مهرجان كان/ جائزة مهرجان برلين/ جائزة العصر الذهبي في بروكسل، جائزة معهد الفيلم البريطاني، جائزة أفضل فيلم في مهرجان ثيسالونيكي، جائزة جمعية النقاد العالميين باعتباره واحدا من أفضل الأفلام في تاريخ السينما. إضافة إلى العديد من الجوائز في مهرجانات عالمية.

- الصيادونThe hunters  (1977): جائزة أفضل فيلم في مهرجان شيكاغو،وأفضل أفلام العام من النقاد السينمائيين في تركيا.

- الإسكندر العظيم (Megalexandros  (1980: جائزة أفضل فيلم في مهرجان فينيسيا، وجائزة جمعية النقاد العالميين، وجائزة السينما الجديدة.

- قرية واحدة، قروي واحد (1981) فيلم وثائقي مدته 20 دقيقة عن مصير القرى اليونانية التي هجرها سكانها.

- أثينا، العودة إلى أكروبوليس (1982) فيلم وثائقي مدته 43 دقيقة، عبارة عن رؤية ذاتية للمدينة التي وُلد فيها وأهميتها التاريخية.

- رحلة إلى كيثيرا (1983): جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان/ جائزة جمعية النقاد العالميين في مهرجان كان/ جائزة النقاد كأفضل فيلم في مهرجان ريو دي جانيرو.

- مربّي النحل  (The Beekeeper  (1986

- منظر في السديم  (Landscape in the Mist (1988: الجائزة الكبرى في مهرجان فينيسيا.إضافة إلىجائزة أفضل مخرج وجائزة النقاد العالميين في المهرجان نفسه. وجائزة مهرجان شيكاغو كأفضل فبلم وأفضل تصوير، وجائزة أفضل فيلم أوروبي للعام 1988.

- خطوة اللقلق المعلّقةThe suspended Step of the Stork (1991

- تحديقة يوليسيس (Ulysses Gaze  (1995: جائزة لجنة التحكيم وجائزة النقاد العالميين في مهرجان كان، وجائزة أكاديمية الفيلم الأوروبي كأفضل فيلم أوروبي.

- الأبد ويوم واحد (Eternity and a Day  (1998: الجائزة الكبرى في مهرجان كان.

ثلاثية المرج الباكيTrilogy The Weeping Meadow  (2000): جائزة النقاد في مهرجان الفيلم الأوروبي.

عن كتاب

"عالم ثيو أنجيلوبولوس السينمائي: براءة التحديقة الأولى"

ترجمة وإعداد أمين صالح

عين على السينما في

25/01/2012

 

..فيلم "صناعة الكذب" خطوات إعلام مبارك

نسرين الزيات - القاهرة  

"الشعب يريد تطهير الإعلام".. كان هذا واحد من مطالب -كثيرة- للمصريين بعد ثورة 25 يناير.. لكن –للأسف الشديد- ما حدث هو تضليل وتشويه للحقائق وتشويش للعقول من خلال الجهاز الإعلامى المصرى، وبالطبع لم يتم تطهير الإعلام، بل إزداد ضحالة، بعد عام كامل على الثورة..

وكان الفيلم الوثائقى "صناعة الكذب" من إخراج شريف سعيد وإنتاج الجزيرة الوثائقية، أول وثيقة سينمائية يتم إنجازها -خلال الثورة-  تكشف الوجه الحقيقى لإعلام كان يمارس دوره فى تشويه الثورة ومحاولة إجهاضها.  فيه محاولة لرصد دور الإعلام المصري وكيفية تعامله مع ثورة 25 يناير، من خلال الأداء الإعلامى  – الحكومى – والتابع للنظام السابق.

وقد أثار فيلم "صناعة الكذب" عقب عرضه على شاشة الجزيرة الوثائقية، ردود أفعال كثيرة لدى العاملين فى مجال الإعلام، على الأخص داخل مبنى التليفزيون الرسمىماسبيرو- والقنوات الأخرى المتخصصة..

فبعد  أيام من عرضه على شاشة الجزيرة الوثائقية، خصصت الإعلامية منى الشاذلى حلقة كاملة من برنامجها (العاشرة مساءاً) لمناقشة فيلم (صناعة الكذب)، وعرضت ما يقرب من خمس  عشرة دقيقة منه، وذلك بحضور مخرجه شريف سعيد، والمنتج المنفذ البراء أشرف، وياسر عبد العزيز الخبير الإعلامى، وإبراهيم الصياد –رئيس قطاع الأخبار الحالى- والذى أبدى إعجابه الشديد بالفيلم وتمنى لو يتم عرضه – فى الوقت الحالى – على شاشة التليفزيون المصري، واصفاً إياه بأنه شهد تغيراً كبيراً بعد عام من الثورة، وأبدى الصياد تحفظه أو بالأدق اعتراضه على اسم الفيلم "صناعة الكذب"، لكنه أوضح أن مضمون الفيلم يشير إلى حجم الأخطاء الكبيرة التى وقع فيها الإعلام المصرى خلال فترة الثورة، مشيراً إلى ان الفيلم نجح فى تقديم صورة حقيقة لأحداث شاركنا فيها بشكل أو بأخر.

فى حين أوضح البراء أشرف المنتج المنفذ للفيلم فى مصر-  أن وضع الإعلام فى مصر سيظل كما هو طالما هناك منصب مثل (وزير الإعلام)،  مؤكدا على أن صناعة الكذب تتحول بفضل الإعلام إلى صناعة للموت والقتل والإرهاب فى بعض الأوقات.

أما المخرج شريف سعيد، فقد أكد على أن الفيلم ليس فيلماً إنتقامياً، بل كان الهدف منه هو وضع صانعى الإعلام فى وقت الثورة أمام أعمالهم لنقول لهم (هذا هو عملكم)، مضيفاً إلى  أنه وفريق العمل بالفيلم استغرقوا عدة أشهر فى مشاهدة مقاطع الفيديو والصحف التى استعانوا بها.

يحلل الفيلم - الذى تصل مدته إلى 70 دقيقة- السياق الذي جاء فيه إستخدام وسائل الإعلام فى مصر خلال العام الماضى من الثورة كل من الأدوات الإعلامية التى تعامل بها فى البعد عن تقديم الحقائق وذلك عبر شهادات حية من عدد من العاملين بقطاع التلفزيون منهم الإعلامي محمود سعد وتامر أمين، اللذان كانا من أشهر مقدمى البرامج فى التلفزيون الرسمي، بالاضافة الى سهى النقاش وأماني الخياط من قناة النيل للأخبار، وكذلك عدد من الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف القومية منهم عبد الله كمال، رئيس التحرير السابق لصحيفة روز اليوسف، وأسامة سرايا، رئيس التحرير السابق لجريدة الأهرام.

وقد أظهرت اللقاءات التى أجريت مع الإعلاميين والصحفيين حول فيلم "صناعة الكذب" كيفية تحول التليفزيون الرسمى – التابع للنظام- إلى مصنع للكذب والتزييف الإعلامى المصرى، على عكس ما كانت تعرضه باقى القنوات والمحطات الفضائية الغير مصرية، مثل البى بى سي وال سي إن إن والعربية والجزيرة.. بالإضافة إلى أنه من خلال بث بعض التسجيلات التليفزيونية للإعلاميين المصريين والاخبار المتناقضة التى كانت تبث عبر شاشاته من أداء الإعلام المصرى، وبعض القنوات الخاصة بإنها إمتداد للتليفزيون الرسمى (ماسبيرو).

قدم الفيلم، عشر خطوات، وهى التى فضحت الإعلام المصرى وكشفت ألاعيبه مع آيادى نظام مبارك السابق، وهى: استباق الأحداث والتهوين من جانب والتهويل، بالاضافة الى إختلاق وخلق وقائع واستخدام بعض المشاهير للترويج لخطته الإعلامية.

الجزيرة الوثائقية في

25/01/2012

 

الأفلام القصيرة تُكمل مسيرتها في مهرجان كليرمون

صلاح سرميني ـ كليرمون فيران (فرنسا) 

(Ça Suit Son Court) هو العنوان الفرنسيّ للنشرة الإعلامية الورقية، والإلكترونية التي تصلنا عادةً قبل انعقاد كلّ دورةٍ من دورات المهرجان الدولي للأفلام القصيرة في كليرمون ـ فيران(فرنسا)، وتقدم في صفحاتها خلاصة جهود فريق العمل، وقائمةً بالأفلام التي تمّ اختيارها في المُسابقات الثلاث (الدولية، الوطنية، والمختبر).

ونحن نعرف رُبما بأنّ الفرنسييّن حاذقون في تركيب هذا النوع من العبارات، والكلمات، حيث يتكوّن العنوان من تلاعبٍ لفظيّ، وكتابيّ يمنح معاني مختلفة، متداخلة، ومتقاطعة :

ـ شخصٌ ما يُكمل طريقه...

ـ الفيلم القصير يتابع مسيرته...

ـ المهرجان يواصل تطوره...

ـ السينمائي يُحضّر إنجاز فيلمه القصير....

تماماً كما حال اسم الجمعية المُنظمّة للمهرجان نفسه (Sauve qui peut le court métrage)، والذي يعني (أنقذ الفيلم القصير ما استطعت)، وهو شعارٌ انطلق قبل 34 عاماً في مغامرةٍ/مبادرةٍ سينمائية كانت الأفلام القصيرة تحتاجها حقاً، وطوال تلك السنوات تحقق لها الكثير، ورُبما أصبح ذلك المطلب طرفةً قديمة فقدت صلاحيتها، ولكنه، مع ذلك، بقي على حاله، ولم يتغير كي يحث دائماً على الاستمرارية في التفكير، والعمل، والتطوير.

لقد تحول إلى "أيقونةٍ" أدبية غيّرت جذرياً من حال الأفلام القصيرة في فرنسا، والعالم، تحميها نفس المجموعة التي رافقت المهرجان منذ البداية، وحتى اليوم، وبينما كبر هؤلاء عمراً، ما تزال الأفلام القصيرة شابةً، طازجةً، ومزدهرة.

بدوره، أصبح المهرجان موعداً لا يمكن الاستغناء عنه لكلّ من يعمل في هذا الحقل الإبداعيّ إنتاجاً، إخراجاً، توزيعاً، ترويجاً، وبرمجة.

وعلى الرغم من التقلص المُتواصل لميزانيته، يثبتُ بأنه واحدٌ من المهرجانات الأكثر أهميةً في تخصصه، بدون إغفال مهرجاناتٍ محلية، وعالمية أخرى تخيّرت خططاً برمجية مختلفة.

ينعقد المهرجان عادةً في الأسبوع الأخير من شهر يناير، وبداية فبراير من كلّ عام (تنعقد الدورة الـ 34 خلال الفترة من 27 يناير وحتى 4 فبراير 2012)، أيّ بعد فترة قصيرة من احتفالات أعياد رأس السنة، وهكذا، وُفقاً لتاريخ انعقاده، يمكن القول، بأنه يفتتح سلسلة المهرجانات الكثيرة في فرنسا بدون انشغال خطاباته، وأدبياته بهذه الميزة، والتباهي بها، ولكن، بإمكاننا التأكيد، بأنّ المُتابع المتخصص سوف يجد فيه حصيلةً وافرةً من الأفلام القصيرة المُنتجة في عام 2011 كانت تطمح إلى المُشاركة في إحدى مسابقاته، ولم يفلت منها إلاّ 170 فيلماً، و230 آخرين توزعت في التظاهرات، والبرامج الموازية، بينما تجمّعت الأفلام المُتبقية في "سوق الفيلم القصير" الذي يُعتبر بحقٍّ الأضخم من نوعه، ويتخطى عدداً عموم الأفلام القصيرة التي يجمعها زميله "ركن الفيلم القصير" في مهرجان كان الذي سوف يحظى بدوره بنصيبٍ من الأفلام المُنتجة في الشهور الأولى من عام 2012، وهذا يعني، بأنّ كلّ منصة سينمائية (كليرمون ـ فيران، كان) تمتلك بمفردها مميزاتٍ لا تتوفر في الأخرى، وهو ما يجعل الاهتمام موجهاً نحوهما بنفس الدرجة من الانتباه.

وللدلالة على الأهمية القصوى لهذا المهرجان، تشير الإحصائيات المُعلنة، والمُتوفرة بكرمٍ في موقعه، إلى أرقام تكشف عن حال الأفلام القصيرة في المشهد السينمائي العالمي، حيث وصل إلى إدارته :

6124 فيلماً قصيراً في دورة عام 2009 (59 فيلماً في المسابقة الوطنية، 75 فيلماً في المسابقة الدولية، 43 فيلماً في المختبر).

6524 فيلماً قصيراً في دورة عام 2010 (56 فيلماً في المسابقة الوطنية، 75 فيلماً في المسابقة الدولية، 41 فيلماً في المختبر).

6753 فيلماً قصيراً في دورة عام 2011 (63 فيلماً في المسابقة الوطنية، 79 فيلماً في المسابقة الدولية، 34 فيلماً في المختبر).

7132 فيلماً قصيراً في دورة عام 2012 (59 فيلماً في المسابقة الوطنية، 77 فيلماً في المسابقة الدولية، 34 فيلماً في المختبر).

لقد أصبح بدون مبالغة (مغارة علي بابا للأفلام القصيرة)، يغرف منها المحترف ما يشاء، إذا امتلك الرغبة، الوقت، والجهد لمشاهدة آلاف الأفلام التي تجتمع فيها كلّ عام، أتمكن بدوري من الإستمتاع بحوالي 2000 فيلماً، يجد بعضها مكاناً له في مهرجان الخليج السينمائي في دبي (المُسابقة الدولية، تقاطعات خارج المُسابقة، برنامج للأطفال، وبرامج أخرى تخصصية،...).

مع مسابقاته، تظاهراته، وتنظيمه، يوفر المهرجان حالاتٍ من الإثارة السينمائية الدائمة، نتوقعها، وننتظرها في كلّ دورة، تتطلب اللهاث من صالةٍ إلى أخرى، والوقوف في طوابير لا يعرف أطوالها إلاّ أولئك القلائل المحظوظين الذين حصلوا على دعوةٍ مرة لمُتابعة المهرجان، فأصابهم الإدمان إعجاباً بنوعية الأفلام القصيرة، والبرمجة بشكلٍ عام، أو أصبح، بالنسبة لآخرين، محطة سينمائية قبل الانتقال منها جواً إلى مهرجان برلين، أو تحول، بفضل ذكاء البعض، وبحسبةٍ سياحية، ومالية إلى رحلةٍ ممتعة يتصادف انعقادها في الأيام الأخيرة من موسم التخفيضات الشتوية في فرنسا.

بشكلٍ عام، تتوّجه الأنظار نحو المُسابقات الثلاث (الدولية، الوطنية، والمختبر)، وتمتلئ الصالات بالضيوف المحترفين القادمين من كلّ أنحاء العالم، وسكان المدينة، ومعظمهم من طلبة الجامعات (كليرمون ـ فيران مدينة طلابية بإمتياز)، جمهورٌ مثاليّ متعطشّ لمُشاهدة كلّ شيء في المهرجان، وفي هذه الحالة الجميلة، والمُبهرة، يتحلى الجميع بالشغف، وهم يمارسون رياضة الركض، والانتظار، فإن لم يجد أحدهم مكاناً له في هذه الصالة، رُبما يناله الحظ في صالةٍ أخرى، وإن تأخر، لن يبقَ أمامه ـ إن كان واحداً من الضيوف المُعتمدين ـ  إلاّ التجول في ردهات "سوق الفيلم القصير"، أو مشاهدة أفلاماً عن طريق شاشاتٍ فردية، وفي جميع الأحوال، لن يتذمر، أو يصيبه الملل، لأنه سوف يقضي أياماً ثرية مشحونة بمُتعة اكتشاف عدداً كبيراً من الأفلام هي الثمرات الأجمل التي قطفتها لجان الاختيار.

كوبا اليوم

اختارت الدورة الـ 34 لمهرجان كليرمون ـ فيران تسليط الأضواء على الأفلام القصيرة في كوبا، ومنحت الفرصة لاكتشاف المخرجين الكوبييّن الشباب، واللقاء مع الشخصيات الحقيقية، أو المُتخيلة في أفلامهم، والتعرّف على المجتمع الكوبيّ اليوم من خلال 41 فيلماً قصيراً توزعت في 6 برامج يمتدّ تاريخ إنتاجها من عام 2000 وحتى اليوم، وتُظهر في مجموعها حركةً إبداعيةً تترجم تغييّرات الهوية الكوبية، "سينما الشارع"(كما تصفها الأكاديمية "آن ماري ستوك" المتخصصة بالدراسات الإسبانية، والسينمائية) تمّ إنجازها بطريقةٍ "حِرَفية" في بعض الأحيان، ولكنها ثرية، وواعدة.

يعود تاريخ فكرة هذه التظاهرة الاحتفالية إلى عام 2006 عندما بدأت الخطوات الأولى من التعاون، والتبادل بين مهرجان كليرمون ـ فيران، ومهرجان السينما الشابة في هافانا.

ومنذ ذلك الوقت، بدأ فريق المهرجان الفرنسيّ يتابع باهتمامٍ أعمال جيلٍ من السينمائيين الشباب يتعامل مع الفيلم القصير كوسيلةٍ تعبيرية حقيقية.

حالياً، يترأس مهرجان السينما الشابة في هافانا المخرج "فرناندو بيريز فالديس"، ومن تسعفه الذاكرة، سوف يتذكر بعض أفلامه : " Madagascar" عام 1994، "Life is to Whistle" عام 1998، و" Suite Habana" عام 2003.

يقدم هذا المهرجان في كلّ عام عموم الإنتاج الكوبيّ من الأفلام القصيرة، والتسجيلية، والتحريك، وينظمه فريقٌ صغيرٌ، ونشيطٌ يعمل في قلب "المعهد الكوبي لفنّ الصناعة السينمائية".

وقد أصبح بالنسبة للمخرجين الكوبييّن فضاءً متميزاً للحوار يأتون إليه من كلّ أنحاء الجزيرة لتقديم أفلامهم المُنتجة بطريقةٍ مستقلة، أيّ خارج إطار الإنتاج التقليدي.

الإشكالية التي يواجهها هؤلاء، بأنّ فرص عرض أفلامهم نادرة، وأصبح البعض منهم يستغلّ إمكانيات البث عن طريق الأنترنت، ولكن، بسبب انتشاره المحدود في كوبا لم تتمكن هذه الأفلام من الوصول بسهولةٍ إلى الجمهور، ولهذا، تأتي أهمية عرضها في مهرجان السينما الشابة في هافانا، وتجد إدارة مهرجان كليرمون ـ فيران هذه التظاهرة منطقية، وضرورية، وهي فرصة لتكريم المهرجان الكوبيّ الذي احتفل في عام 2011 بعشر سنواتٍ على تأسيسه، كما تسمح أيضاً بالاحتفال بمناسبة 25 سنة على تأسيس "المدرسة الدولية للسينما، والتلفزيون" في "سانت أنتونيو دي لابانوس" وذلك بتقديم مختاراتٍ من أفلام طلبتها، ويعتبر الكاتب الكولومبي "غابرييل غارسيا ماركيز" واحداً من مؤسسيها.

في إحدى دوراته السابقة، احتفى مهرجان كليرمون ـ فيران بالكلاب في الأفلام القصيرة، ورُبما يكون هذا الأمر مُستفزاً لمن يمتلك علاقةً سطحيةً مع السينما، ولا يمكن التكهن مسبقاً بردود أفعال هؤلاء عندما يعرفون بأنّ الدورة الحالية القادة بعد أيام سوف تذهب بعيداً في استفزانا، لأنها، ببساطة، سوف تجعلنا نلاحق الذباب، وحشراتٍ أخرى من خلال ثلاثة برامج تتضمّن 34 فيلماً قصيراً.

حسناً، القراءة التالية عن هذا المهرجان العتيق تتطلب منا الحذر....

الجزيرة الوثائقية في

25/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)