حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فيلم"المزاج"..

عندما كانت الموسيقى توحد بين البشر

أمير العمري

من أجمل الأفلام الوثائقية التي عرضت في الدورة الخامسة من مهرجان أبو ظبي السينمائي فيلم "المزاج" El Gusto للمخرجة الجزائرية صافيناز بوصبايا من الانتاج المشترك بين الجزائر وايرلندا والامارات.

هذا الفيلم البديع يبدأ من حي القصبة الشهير في العاصمة الجزائرية، الذي شهد مولد وترعرع فن الغناء الشعبي الذي يسمى في الجزائر بـ"الشعبي"، حتى عند الحديث عن تلك الموسيقى المميزة التي تجمع بين التراث الأندلسي والتراتيل الدينية الاسلامية والغناء البربري والعربي.. وهو الفن الغنائي الذي ولد على يدي مؤسسه ورائده الحاج محمد العنقا.

في القصبة

مخرجة الفيلم تقوم بزيارة الى حي القصبة في عام 2003 لشراء مرآة من أحد المحلات، وهناك تكتشف أن صاحب المحل كان أحد أعضاء فرقة الحاج العنقا ولايزال يحتفظ بالكثير من الذكريات التي ترتبط بهذا اللون من الغناء الذي يدور حول التغني بحب الوطن وحب الناس والخير والجمال وكل القيم النبيلة، كما يتغنى بالشجاعة والاقدام والرجولة.

من هذا المدخل تسعى مخرجة الفيلم نحو رحلة شاقة لاعادة اكتشاف هذا الفن الذي تعيش في داخل وينتقل اليها الولع به، عن السعي للوصول الى أعضاء الفرقة ومنشدي الغناء الشعبي الذين تفرقت بهم السبل بين الجزائر وفرنسا، ولم يجتعوا معا منذ 50 عاما، أي منذ استقلال البلاد.

هذه الرحلة التي تسعى خلالها المخرجة إلى لم شمل أعضاء الفرقة الأسطورية، تأخذنا إلى رحلة أكثر عمقا، إلى الجزائر كما كانت بالأمس، قبل الاستقلال، وبعده مباشرة، وما شهدته من متغيرات عميقة تركت ندوبها على ذاكرة أجيال من الجزائريين الذين كانوا يعيشون معا في وئام وسلام وحب يجمعهم ذلك العشق للغناء الشعبي، أو ذلك الفن الرفيع الذي يقوم على "المزاج" الرائق.

هذا ليس فيلما بسيطا من الأفلام ذات المستوى الأحادي، يهدف فقط الى تقديم هذا اللون الغنائي الذي يستمد خصوصيته من خصوصية المكان الذي نشأ فيه أي من حي القصبة في الجزائر، ذلك الحي الذي كانت تعيش فيه الأغلبية من السكان العرب في زمن الاستعمار الفرنسي، بينما كان محظورا دخول الحي الفرنسي الذي يتمتع بكل الخدمات على الجزائريين. وبعد الاستقلال فقدت القصبة الكثير من رونقها وسحرها كما نرى من خلال الفيلم.

تاريخ فن الغناء الشعبي يتدفق من خلال الذكريات الحميمية التي نستمع اليها على لسان الشخصيات التي تلتقي بها المخرجة عبر بحثها عن أفراد الفرقة. لكننا نتابع من خلال الصور واللقطات الذكية كل ما يتعلق بالقصبة بل وبالجزائر العاصمة أيضا: ساحاتها الشهيرة، وحوانيتها، أزقة القصبة الضيقة ومنعرجاتها المرتفعة فوق الجبال، فتحات النوافذ، الحفر المنتشرة في الطرقات، البيوت المتلاصقة، الدكاكين الصغيرة.

الحنين

إنه فيلم "نوستالجي" بلاشك، يبرز فيه الماضي بقوة على حساب الحاضر. ففي ذلك الماضي، كما نستمع ونرى من خلال بعض الوثائق المصورة، كانت الموسيقى توحد بين افراد الفرقة من عشاق الشعبي، من المسلمين واليهود الجزائريين.

الكاميرا تتسلل وتمضي في حركة لا تتوقف طوال الفيلم، تنتقل من الساحات الى المنازل الى المباني التاريخية، الى الأماكن القديمة لبيوت لم تعد قائمة، الى حيث كان يوجد المعبد اليهودي (الذي يطلق عليه الجميع في أحاديثهم في الفيلم "جامع اليهود") .. الى لقطات الأرشيف بالأبيض والأسود، التي تعيد رواية قصة الجزائر الحديثة: كيف بدأ النضال المسلح بقيادة جبهة التحرير، وكيف أعلنت الجبهة منع تناول الخمور واغلاق الحانات وبيوت الدعارة وحظر تناول المخدرات.. وكيف انعكست أعمال العنف على نشاط الفرقة، وكيف كان طبيعيا أن يتعاون أفراد الفرقة مع الجبهة ويلتزموا يتعليماتها بعدم الغناء للفرنسيين والكف عن الغناء في الأعراس، بل وكيف نقل محمد العنقا الثورة الى أغانيه وألحانه من "الشعبي" بحيث أصبحت هناك كلمات "شيفرية" تستخدم بشكل رمزي يعرفه الجزائريون في الاشارة الى الثورة التي يتم تمجيدها في تلك الأغاني.

من الخمسينيات الى الستينيات وإلى اعمال التفجيرات التي كانت تشنها الجبهة ضد تجمعات الفرنسيين في الجزائر العاصمة، وما نتج عن هذا من تعقب بعض أفراد الفرقة بل واصابة بعضهم اصابات بالغة أيضا لاتزال آثارها قائمة حتى يومنا هذا.

تنتقل صافيناز بوصبايا أيضا الى فرنسا، والى باريس، تتسلل داخل المعبد اليهودي، تلتقي بأعضاء الفرقة من اليهود الجزائريين هنا وهنا، يروون لها كيف وحدت الموسيقى بينهم وبين اخوانهم المسلمين، وكيف كان الجميع يشعرون بالألفة في "الوطن" قبل أن تبدأ عمليات التهجير القسري أو الهجرة الاختيارية بعد أن تغيرت الأمور والأحوال، ونشأ مجتمع جديد بعد الاستقلال.

فيلم "المزاج" ليس فيلما عن الانتصار والاستقلال فقط بل هو أيضا عما فقدته الجزائر بعد الاستقلال، عن التشتت الذي نتج، عن خروج الكثير ممن يحبون الجزائر، والذين لعبوا دورا بارزا في اقتصادها ونموها من قبل، وكان يمكن استيعابهم والاستفادة من تلك التعددية الثقافية في بناء الجزائر الحديثة.

روح الموسيقى

إنه فيلم عن روح الموسيقى التي توحد القلوب والعقول في حب الوطن، والتي لا تزال تعيش في ذاكرة الجميع من أبناء ذلك الجيل الذي تجاوز السبعين والثمانين من عمره.

ولا يتوقف الفيلم عند تلك الأحاديث الممتدة في الزمان والمكان (هناك شخصية مصطفى تهمي أحد أعضاء الفرقة الذي يجوب بسيارته شوارع العاصمة يروي كيف التحق هو وباقي اعضاء الفرقة بمعهد الموسيقى (الكونسرفاتوار) الى جانب ذكريات أخرة عديدة عن رفاقه وعن ماضي العاصم.

المخرجة تسعى الى جمع أفراد الفرقة وتنجح في النهاية في تنظيم حفل موسيقي كبير يشاركون فيه جميعا مع مجموعة من الشباب الذين ورثوا حب هذا الفن الشعبي الجميل.

افراد الفرقة من الكهول الجزائريين يأتون من الجزائر عبر البحر الى مارسيليا، وهناك يكون في استقبالهم أصدقاؤهم الذين لم يلتقوا بهم منذ خروجهم قبل خمسين عاما، حيث يلتئم شمل الجميع، ثم يستعيدون تألقهم في العزف والغناء في ذلك الحفل الكبير في مارسيليا الذي يؤمه آلاف الجزائريين في المهجر، يرقصون ويتمايلون على أنغام الشعبي.

إن من يعرف هذا اللون من الموسيقى الجزائرية الخاصة سيسعده كثيرا أن يستمع الى مجموعة من أجمل ما في تراث "الشعبي" من أغاني الشيخ العنقا، ومن لا يعرفه سيكتشف كيف أن هذه الموسيقى هي عن حق "موسيقى الروح".. روح القصبة، عاصمة الشعب التي كانت وأظن أنها لاتزال، تلهم أجيالا من الشعراء والفنانين في الجزائر رغم كل شيء.

عمل كبير

إن فيلم "المزاج"El Gusto  الذي يقع في 88 دقيقة، عمل كبير، يمزج بين الحركة والموسيقى، وبين الغناء والذكريات، بين الماضي والحاضر، وبين زمن الأبيض والأسود وعصر الألوان، رسالته الحب والتفاهم بين البشر، بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية والعرقية، فالرسالة التي تصل الينا من هذا الفيلم البديع، هي رسالة حب وتفاهم. نعم هناك الكثير من الحنين إلى الماضي، ولكن الماضي هنا ليس مقصودا لذاته بل لقيمه وايجابياته التي ذهبت مع كل ما هب على الجزائر من رياح خلال الخمسين عاما الأخيرة.

هل هناك أي نوع من الحنين الى زمن الاستعمار يكمن بين طيات هذا الفيلم؟ أستطيع الاجابة بكل وضوح بالقول إن مخرجة الفيلم التي تتمتع بنضج سياسي واضح، لم تقع في هذا المطب بل استطاعت أن تجعل فيلمها متوازنا من حيث رؤيته، كما هو متوازن في بنائه الفني، وأن تربط بين مفاصله وأجزائه الموسيقى والأغاني.

إنه الشعر الكامن تحت جلد الصور واللقطات، هو ما يرتفع بالفيلم الى مستوى الأعمال الإنسانية الكبيرة. إنه باختصار "متعة خالصة" للعين وللأذن.

عين على السينما في

23/01/2012

 

انتقادات للمراهنة على الكم وطغيان أفلام الهواة والمدارس في الفيلم القصير

تتويج السينما النسائية المغربية بجائزتي مهرجان طنجة

موفد 'المغربية' إلى طنجة: خالد لمنوري | المغربية  

انتزعت السينما النسائية المغربية جائزتي الدورة 13 للمهرجان الوطني للفيلم، الذي اختتمت فعاليات دورته 13 أول أمس السبت، بقاعة سينما "روكسي"، في طنجة.

وفاز فيلم "على الحافة" للمخرجة المغربية ليلى كيلاني، بالجائزة الكبرى للمهرجان في فئة الفيلم الطويل، بعد مشاركته في مهرجان "كان" الدولي، وتتويجه بـ11 جائزة من مختلف التظاهرات السينمائية الدولية، فيما نال فيلم "الطريق إلى الجنة"، للمخرجة هدى بنيامنة بالجائزة الكبرى للفيلم القصير.

وعكس هذا التتويج، الذي اعتبره العديد من المهتمين بالسينما المغربية مستحقا، وشكل نقطة قوة السينما النسائية المغربية، التي مثلتها 10 مخرجات في هذه الدورة، المنظمة تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، من 12 إلى 21 يناير الجاري.

من جهة أخرى، أعلنت لجنة تحكيم الفيلم الطويل، التي ترأسها الفاعل الحقوقي، والباحث الاجتماعي المغربي، أحمد حرزني، بعد اعتذار الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، عن تتويج شريط "موت للبيع"، لفوزي بنسعيدي، بجائزة لجنة التحكيم، وفيلم "المغضوب عليهم"، لمحسن البصري بجائزة العمل الأول، وفيلم "الموشومة"، للحسن زينون، بجائزة أحسن سيناريو، وعادت لكاتبيه لحسن زينون ومحمد سكري، وجائزة أحسن صوت، فاز بها كل من نجيب الشليح، وحميد مطهر، وروبيرطو كاروتشيللي.

وتمكن فيلم "أندرومان" للمخرج عز العرب العلوي لمحارزي، من الفوز بثلاث جوائز رسمية، إضافة إلى جائزة النقد، التي تمنحها الجمعية المغربية لنقاد السينما.

ويتعلق الأمر بجائزة الموسيقى، لمحمد أسامة، وجائزة أحسن دور نسائي، لجليلة التلمسي، وجائزة ثاني أحسن دور رجالي، لأمين الناجي، فيما عادت جائزة أفضل دور رجالي إلى محمد بسطاوي، عن دوره في فيلم "أياد خشنة"، لمحمد العسلي، وجائزة ثاني أحسن دور نسائي لنادية النيازي، عن دورها في فيلم "عاشقة من الريف"، لنرجس النجار.

كما توجت اللجنة فيلم "سيناريست"، لعزيز سعد الله، بجائزة المونتاج، وفازت بها غزلان أسيف، وجائزة أحسن صورة لفيلم "الطفل الشيخ"، لحميد بناني، وفاز بها كمال الدرقاوي، الذي أهداها إلى المخرج مصطفى الدرقاوي. ونوهت اللجنة بفيلم "الطريق إلى كابول"، للمخرج إبراهيم الشكيري.

وبخصوص جوائز الفيلم القصير، أعلنت لجنة التحكيم، التي ترأسها المخرج الإيفواري فاديكا كامولانسيني، عن فوز فيلم"إرث"، لرضا مصطفى بجائزة لجنة التحكيم، و"الليلة الأخيرة"، لمريم التوزاني، بجائزة السيناريو، و"اليد اليسرى"، لفاضل شويكة، بتنويه خاص.

وبخصوص جائزتي الإبداع، اللتين تمنحهما الجمعية المغربية للدراسات السينمائية، فاز فيلم "على الحافة"، لليلى الكيلاني، بجائزة الفيلم الطويل، و"أندرويد"، لهشام العسري، بجائزة الفيلم القصير.

أما جائزتا النقد اللتان تمنحهما الجمعية المغربية لنقاد السينما، فعادتا إلى فيلمي "أندرومان من فحم ودم"، لعز العرب العلوي المحارزي، و"مختار"، لحليمة ورديغي. ونوهت اللجنة بفيلمي "على الحافة"، لليلى الكيلاني، و"اليد اليسرى"، لفاضل اشويكة.

وسجلت اللجنة، المشكلة من خليل الدمون، ومحمد اشويكة، وعادل السمار، وبوشتى فرقزايد، خلال حفل توزيع الجوائز، العديد من الملاحظات بخصوص الدورة 13 للمهرجان، مثل انعدام أي فرز أولي للأفلام الروائية المشاركة في المسابقة، ما أثر سلبا على معايير الجودة والاحترافية، والبروز اللافت لأفلام تعالج تيمتي الإرهاب والهجرة السرية، والتفاوت الفني والتقني الكبير بين الأفلام، والمراهنة على الكم عوض الكيف، وطغيان أفلام الهواة والمدارس في مسابقة الفيلم القصير.

وتشكلت لجنة تحكيم الفيلم الطويل، بالإضافة إلى رئيسها، أحمد حرزني، من الصحافي والناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس، والسويسري مارسيال نايبل، المدير الفني السابق للمهرجان الدولي للفيلم بفريبورك، والباحث الجامعي والناقد السينمائي، أحمد أبو الفتوح (المغرب)، وتييري لونوفيل، عضو لجنة صندوق الدعم لسينما الجنوب (فرنسا)، والصحافية والكاتبة سناء العاجي (المغرب).

أما لجنة تحكيم الفيلم القصير، فضمت، بالإضافة إلى رئيسها، المخرج الإيفواري فاديكا كامولانسيني، كلا من ديفانديني، مديرة السينما بالصندوق المركزي للأنشطة الاجتماعية وعضو دائم للجنة دعم وتطوير السيناريو (فرنسا)، والممثلة المغربية هدى الريحاني، والصحافي والناقد السينمائي المصري رامي عبد الرزاق، والمخرج السينمائي المغربي، عادل الفاضلي.

الصحراء المغربية في

23/01/2012

 

مشاهدون عبّروا عن إعجابهم بحكاية حنين ترويها امرأة ثمانينية

«تيتا ألف مـرة».. فيـلم وثائقـي يعيد الاعتبار للجدّات

علا الشيخ - دبي 

من لديه جدّة مازالت على قيد الحياة سيدعو لها بطول العمر، ومن توفيت جدته سيترحم عليها، فـ«تيتا»، وهو اللفظ العامي المستخدم لوصف الجدة، الذي يستخدمه الأحفاد تقرباً منها. وفي الفيلم الوثائقي للمخرج اللبناني محمود قعبور «تيتا ألف مرة» الذي عرض أخيراً في غاليري ترافيك في دبي، اعادة اعتبار الى الجدات، عبر حكاية يريد أن يرويها على شكل وثائقي حول عائلته الفنية من خلال جدته التي تبلغ من العمر 85 عاماً، التي تروي تفاصيل من ذاكرة زمن.

جدة قعبور بطلة الفيلم، ونرجيلتها المرافقة لها على الدوام، هما الحكاية.. شرفتها التي تطل منها على شارع حمل ما حمل من ذكريات، شاهد أيضا على كلامها. هي الجدة الظريفة، ومحمود هو الحفيد الأول الذي يحمل ملامح جده، زوجها، الذي مازالت ألحانه تصدح في دقات قلبها قبل أن تسمعها عبر آلة التسجيل.

قعبور الحفيد استطاع أن يوجز حكاية عائلته الفنية من خلال تلك الجدة الظريفة التي تقف أمام الكاميرا معتزة، تحاكي الكاميرا وتنسى الميكروفون المعلق في صدرها، وتفشي بما تيسر من الأسرار والعبارات.

يؤخذ على الفيلم غياب عم المخرج، وهو الفنان أحمد قعبور، شاهداً على هذه الحياة، مع أنه الاسم اللامع في العائلة كون أغانيه حملت طابعاً وطنياً انتشرت بين أرجاء عربية عديدة، وأشهر أغانيه «أناديكم أشد على اياديكم» من كلمات الشاعر الفلسطيني توفيق زياد.

الفيلم الذي سكن قلوب من شاهده عاطفياً لارتباطهم بالجدات، حاز اعجابهم وثناءهم، واصفين إياه بأنه من الأفلام الوثائقية التي تشاهد بمتعة.

بيروت القديمة

في منزل قديم في حي من أحياء بيروت القديمة، تعيش الجدة فاطمة وحيدة مع خادمة تعاونها، فهي التي تجاوزت من العمر 85 عاماً، لكن هذه السنين لم تؤثر في عقلها المشبع بهواء بيروت النقي الذي تستنشقه من على شرفتها المطلة على الحي. تمشي وتقصد المطبخ وتحضر قهوتها ونرجيلتها التي لا تتركها وكأنها حاسة من حواسها، ومازالت ايضا تعد الطعام، وهي فوق كل ذلك الحنونة والعاقلة والظريفة.

تفاصيل دقيقة لها علاقة برصد حياة يومية بروتينها الذي تحاول الجدة الحفاظ عليه، والذي قد تخربه زيارات مفاجئة من الأبناء أو الأحفاد.

يرى مدير معرض غاليري ترافيك، رامي فاروق، الذي يحرص على عرض أفلام لها صلة بالواقع العام، وحصدت الجوائز، مثل فيلم «ثقافات المقاومة» للمخرجة البرازيلية الكورية ايارا لي، ان «المخرج يريد الحفاظ على كل هذا الحنين من خلال شاهد عيان على تاريخ عائلته، ويريد أن يوثق الحكاية كي تظل». وأضاف «الفيلم الذي حاز جوائز كثيرة يعرض لنا شكلاً جديداً من الأفلام الوثائقية التي من الممكن عرضها سينمائياً وتستقطب جمهوراً»، مؤكداً «حكاياتنا كلها موجودة في ذاكرة أجدادنا، وما أجمل أن نعطيهم الفرصة، ونعطي أنفسنا ايضا فرصة الإنصات لهم وسماع حكاياتهم». في المقابل قالت ايانا مانديريان ان «الفيلم مدهش ومؤلم في الوقت نفسه»، مضيفة «يشعر الشخص بأن لديه فرصة أخيرة ليسمع حكاية، ويزيد من خوفه أنه يريد تسجيل هذه الفرصة عبر كاميرا، هو شعور له علاقة بالفهم الكامل لاقتراب وداع عزيز، فما بالكم اذا كان هذا العزيز هو الجدة!». وقالت «الفيلم حميمي لدرجة أنه جعلني أتصل بجدتي فور انتهائه والسؤال عنها، وقلت لها كم أشتاق اليها»، مؤكدة «هو فيلم لغد ابناء المخرج وغيرهم من الأجيال».

عازف كمان

باتت الجدة متيقنة تماماً ما حولها، فهي تتعامل مع كل ما له علاقة بحفيدها وبكرم الضيافة، حتى أنها تخاطب الكاميرا وتلف وجهها عليها بشكل فطري. ومع كل هذا الضجيج غير المعتادة عليه، تحاول أن تسترخي فتعود الى ذكرى الحبيب والزوج (محمود الأكبر) عازف الكمان وألحانه التي لم تخلُ لياليها منها. الجد الذي رحل منذ 20 عاماً ترك لها كمانه وألحانه، لا تستسلم الجدة للحزن، فتظل محتفظة بوقارها وبخفة ظلها ايضاً وطبيعتها التي لمسها المشاهد بسرعة.

كانت لقطة جميلة حسب سهير يونس «حين توجهت الجدة الى الكاميرا، وهي تخاطب على ما يبدو المصور وتعبر له عن عدم رضاها عن خطيبة حفيدها، وكأنها لا تعي أن الجميع سيسمع هذا الرأي». واضافت «الفيلم مدهش بكل تفاصيله». وفي المقابل قال ايهاب محمد «هذا فيلم يحكي أحلى علاقة حب تشهد عليها الجدران والشارع والزرع والألحان». واضاف «عندما يباغتها محمود الحفيد ويسألها عن جده تعود هذه الثمانينية وكأنها مراهقة تنظر نظرة وابتسامة من على شرفتها، تعود طفلة وتعود عاشقة»، «وعلى ألحان موسيقى الجد تدمع عيناها، وتسترسل في الحديث عنه وتقول ان محمود الحفيد كم يشبه زوجها وأن حمله اسمه زاد من مكانته عندها». لن ينسى طارق ديوب هذا المشهد، اذ قال «الحفيد يشبهني والجدة تشبه جدتي تماماً، الفيلم رائع بكل المقاييس».

استعادة

قعبور الحفيد يستعيد الزمن الماضي، اذ يرتدي طربوش جده، ويمسك بيد جدته ويمشيان في الحارة. وهيتستمر بالقول إنه يشبه زوجها الغائب الحاضر في وجدانها. مشهد جميل ومفرح ينتهي عندما اعترف الحفيد لجدته بأنه كان يخاف على فقدانها وهو في اقامته في كندا التي طالت سبع سنين، واعترف لها كم سيكون حزيناً على فراقها. تلمس الجدة وجه حفيدها المدلل وتقبل في هذه اللحظة فقط أن تؤدي دوراً تمثيلياً، فالعائلة مجتمعة حولها على سرير الموت. حزن يخيم على المكان وكأنه حقيقة، لتفاجئ الجدة الحضور وتقول «هيك منيح» كناية عن الاعتراف بتأدية دورها على أكمل وجه.

قال حمزة علي «ما أجمل هذا الحفيد المحب الذي أراد أن يشكر جديه على طريقته». واضاف «أشعر بزخم الفرح الذي ادخله الى قلبها المليء بالحكايات والتفاصيل والأوجاع، كم هي فرحة به».

في المقابل، قالت هبة داوود «الفيلم مليء بالتفاصيل التي تشبه بيوتنا القديمة، تشبه وجوه جداتنا وتشبه حكاياتهن، الفيلم مؤثر، وشكراً للمخرج على هذه الإضاءة الإنسانية الجميلة».

حول الفيلم

تم تصوير الفيلم في بيروت، وكان يسافر المخرج من الإمارات الى بيروت، وتم التصوير خلال سبع مراحل.

حصد الفيلم ست جوائز عالمية، أهمها جائزة أفضل فيلم في مهرجان لندن للأفلام الوثائقية، وأفضل فيلم في مهرجان مومباي العالمي للسينما، وجائزة الجمهور الأولى في مهرجان الدوحة ترايبكا، والجائزة الثانية من مهرجان دوكس بوكس (مهرجان الأفلام الوثائقية بدمشق)، وحصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم (الدوحة ترايبكا) ومهرجان الأفلام الوثائقية في مكسيكو سيتي. مدته 48 دقيقة وهو إنتاج مشترك إماراتي وقطري ولبناني، وتم إخراجه بتمويل من مؤسسة الدوحة للأفلام ومؤسسة الشاشة في بيروت. يعد أول فيلم تخرجه شركة «فيريتا فيلم» التي يديرها قعبور.

مخرج الفيلم محمود قعبور

مخرج لبناني ومؤسس شركة فيريتاس فيلمز، وهي شركة إماراتية تختص بإنتاج الأفلام الوثائقية.

درس قعبور السينما في كندا ثم أخرج فيلمه التسجيلي الأول «أن تكون أسامة» الذي يتحدث عن الشتات العربي بعد تفجيرات 11 سبتمبر. حاز أربع جوائز عالمية، وعرضت الفيلم 12 قناة تلفزيونية.

منذ انتقاله إلى الإمارات عام 2005 عمل في إخراج وإنتاج مجموعة أفلام وأعمال ثقافية لشركات دول مجلس التعاون الخليجي والمؤسسات الحكومية الرئيسة، وحَاضَر في عدد من المعاهد والمنظمات.

كليك

عرض الفيلم في 40 مدينة حول العالم، وفي مهرجانات سينمائية عالمية، ويصدر على أقراص «دي في دي»، ويوزع في الوطن العربي من دبي، مكان إقامة المخرج، وصولاً إلى كل أنحاء العالم قبل نهاية شهر يناير الجاري.

أين أحمد قعبور؟

استغرب مشاهدون غياب الفنان أحمد قعبور بوصفه شاهداً وفناناً، وهو عم المخرج، عن أحداث الفيلم، تفاصيل اغفل عنها الحفيد حسب تعبيرهم. وقال مخرج الفيلم محمود قعبور لـ«الإمارات اليوم» حول ذلك «من الممكن أن يكون الاستغراب لأنني لم أُظهر عمي فناناً، واكتفيت بمشهده في المطبخ مع جدتي، وهما يحكيان عن جدي»، مؤكداً «أحمد قعبور الإنسان هو كما ظهر في الفيلم، لأن قيمته الفنية الكبيرة الضخمة التي يحبه الجمهور من خلالها، تقف بسيطة وهو بين يدي والدته، إذ يعود طفلاً».

قالو عن الفيلم

«لابد من ملاحظة ان بعض السينمائيين اللبنانيين الطامحين اليوم الى تحقيق ما يمكن اعتباره أفلامهم الأولى، ينحون الى البدء بالتحدث عن العائلة، أو عن أفراد معينين منها، وربما أحياناً عن فرد واحد. وهذا الرصد الجديد من نوعه نسبياً، يبدو متعارضاً مع نوع آخر كان يهيمن في السبعينات والثمانينات من القرن الـ20 على اعمال أولى لسينمائيين محليين أو في الخارج، كان الواحد منهم يفضل ان يجعل فيلمه متحدثاً عنه شخصياً. وأحياناً يصوره وهو ينظر الى العالم من حوله بغضب، انطلاقاً من منظومة الغضب من كل شيء وعلى أي شيء. (تيتا ألف مرة): ألبوم عائلي من الزمن الجميل».

الناقد نديم جرجورة

«فخورون بأن فيلمنا الأول من مكتبنا الجديد في (توفور 54) في أبوظبي، يتماشى مع رؤية تأسيس الشركة، حيث يجمع هذا الفيلم بين البراعة الفنية مع القدرة على إنتاجها من قصة واقعية، نظن أنها سيكون لها صدى بين الجمهورين العربي والعالمي».

المنتجة المنفذة للفيلم إيفا ساير

«في الأعوام القليلة الفائتة، بات التوجّه أكثر إلحاحاً على مقاربة الحكاية الفردية، لتوثيقها في قالب سينمائي قادر على حمايتها من الاندثار الكلّي. ليس هذا فحسب، بل إن التوجّه إلى الفرديّ تأكيد على أن التجربة الشخصية البحتة تكاد تكون أهمّ وأجمل وأقوى تعبيراً من التعلّق بقضايا عامّة، لأنها تعاطت مع الأفراد أناساً مكوّنين من لحم ودم وأفكار وانفعالات».

فيكي حبيب من جريدة «النهار»

بطاقة الفيلم

بالألوان: 47 دقيقة ــ الإخراج: محمود قعبور ــ السيناريو: محمود قعبور ــ التصوير: موريال أبولروس ــ الصوت: كارين باشا ــ الموسيقى: نبيل عمرشي ــ التركيب: باتريسيا هنين.

الإمارات اليوم في

23/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)