حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حوار مع مدير المهرجان المغاربي للفيلم الوثائقي

هناك تقليد ثقافي في المغرب الأقصى أكثر من غيره من الأقطار العربية وهو اشتغال المتخصصين في العلوم الإنسانية بالمجال السينمائي بل وقيادتهم لمهرجانات ومؤسسات سينمائية.. ومن هؤلاء د فؤاد بوعلي دكتور اللسانيات وعضو في مجلس إدارة مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية في جامعة وجدة. وقد قرر هذا المركز  البحثي أن يستحدث مهرجانا مغاربيا للأفلام الوثائقية مقره مدينة وجدة الواقعة في شرق المغرب. ويعلق المركز على المهرجان أهدافا تتجاوز السينما إلى غيرها من المجالات التكوينية والمعرفية. أردنا أن نفهم من د. فؤاد توجهات هذا المهرجان وأهدافه وأجرينا معه الحوار التالي.

*******

·     أستاذ فؤاد لو تعرفون الجمهور العربي بهذا المولود الجديد في الساحة السينمائية المغاربية وما جديدكم في خضم ما تشهده المنطقة من مهرجانات وثائقية

لقد انطلقت فكرة المهرجان المغاربي للفيلم الوثائقي من الحاجة التي بدأت تتطور إلى مساحة أكبر لهذا النوع السينمائي. فمن المعلوم أن الساحة السينمائية مغاربيا وعالميا تعج بالمهرجانات السينمائية الروائية التي تتناسل حد التخمة أحيانا، لكن يظل الصنف الوثائقي خارج دائرة الاهتمام بالرغم من قيمته التوثيقية والعلمية والتربوية، مما يحرم المشتغلين بهذا النوع من فضاءات للتلاقح والاحتكاك والعرض والاعتراف. لذا ، واعترافا بدور الفيلم الوثائقي في التثقيف والتوعية واعتماده مصدرا أساسيا في البحث الأكاديمي في العديد من المعاهد والمؤسسات الجامعية الأوربية، عمد مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة إلى تنظيم هذا المهرجان الذي نريده محطة فنية وعلمية تلتقي فيها الطاقات الإبداعية والسينمائية محليا ومغاربيا ودوليا لتحتفي بالانتماء للمغرب العربي الكبير وبالفيلم الوثائقي كوسيلة فريدة لتوثيق الحدث ورسم معالم المستقبل. إضافة إلى أن المهرجان سيكون محطة للتعريف بالمنطقة الشرقية للمغرب باعتبارها منطقة تلاقي دول المغرب العربي الكبير، ومحطة تكوينية من خلال ورشات تكوينية لفائدة الشباب والفنانين بغية تطوير قدراتنا التقنية والرقمية ونشر الثقافة السينمائية

·         لماذا الوثائقي بالذات ولماذا المغاربي فهل ستقصون المشاركات العربية الأخرى ؟

إن اختيار الوثائقي نابع من قيمته العلمية والفنية. ونحن مركز أكاديمي بحثي يراهن على جعل الفيلم الوثائقي أحد مصادر المعرفة العلمية المضبوطة وذلك من خلال تكوين مكتبة توثيقية ملحقة بمكتبة المركز الأساسية، وتشجيع الباحثين والفنانين على إنتاج مشاريع فيلمية توثيقية بتوفير الإمكانات المادية واللوجيستية. فالفيلم الوثائقي لم يعد قصة وحدثا بل غدا مصدرا للمعرفة ووثيقة علمية معتمدة.

كما أننا راهنا على حصر المشاركات في المهرجان في المنتمين للدول المغاربية الخمسة: المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وليبيا، أولا لحاجة المنطقة إلى مثل هذا المهرجان المتخصص والذي هو قليل الوجود عكس الأفلام الروائية الكثيرة. إضافة إلى أننا اخترنا استغلال الدور الحضاري والجيو - استراتيجي لوجدة كبوابة نحو المغرب العربي ليكون مهرجانها السينمائي عنوان هذا الانتماء، إيمانا منا بضرورته الاستراتيجية والوجودية خاصة في زمن الربيع العربي وعودة روح الوحدة إلى شعوب المنطقة. لذا فالمشاركات هي محصورة في المسابقات الرسمية في أبناء المغرب الكبير، لكن سننفتح على الإبداعات العربية والدولية في عروض خارج المسابقة، نكرم من خلالها مجموعة من الأفلام ذات الصيت العربي والعالمي.

·         عادة ما تلصق تهمة الفرنكفونية ببعض المهرجانات المغاربية فما أثر هذا على مهرجانكم ؟

يمكن أن نجد الجواب عن هذا في رسالة المركز الذي ينظم المهرجان. فالانفتاح على الثقافات المختلفة لا يعني الانسلاخ عن جذور هويتنا وانتمائنا الحضاري. لذا، فالحضور الفرنسي أو غيره لن يكون موجها للمهرجان ثقافة وقيما بل إن رهاننا هو حضور مختلف الفعاليات المنتمية للمنطقة المغاربية كيفما كانت قناعاتها الفكرية ، لكن من خلال ضوابط الهوية والانتماء والمسؤولية التي تحدد عمل لجان التحكيم والانتقاء. وإيماننا بأننا من خلال هذا المهرجان سنقدم صورة أخرى عن السينما المغاربية الملتزمة بقضايا واقعها ومجتمعاتها السائرة نحو الانعتاق من التبعية والأدلجة الفارغة.

·         يبدو أن مهمتكم ليست مجرد مهرجان لعرض الأفلام وإنما وظيفتكم تكوينية تأسيسية لثقافة سينمائية وثائقية

صحيح، ما نحاول تقديمه ليس مهرجانا ينضم إلى قائمة المهرجانات المتناسلة في الوطن وخارجه، لكن نريده أن يكون "مَشتلا" للفنانين والمبدعين الذين يودون صقل مواهبهم السينمائية، وفي نفس الوقت محطة تأسيسية لمسار تكويني يبدأ من ورشات تدريبية في أيام المهرجان سيعلن عنها خلال أيام، مرورا بتأسيس نادي سينمائي ووصولا إلى فتح برنامج للتكوين السينمائي في مقر المركز"منار المعرفة". وبالطبع فكل هذا الطموح ينطلق من خلفية نشر وتطوير وترسيخ ثقافة سينمائية عند الجمهور المحلي والمغاربي على السواء. وينطلق هذا التصور من الرسالة العلمية والإشعاعية لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية المؤسسة على الوعي بدور الفن في التنمية الاجتماعية والمعرفية للإنسان المغربي.

·         الآن المهرجانات ليست مفصولة عن الحراك السياسي والاجتماعي العربي والعالمي فهل هذه الفكرة حاضرة لديكم

لعل أهم وأبرز حدث يمكن أن يتنافس المخرجون والسينمائيون في التعبير عنه وقراءته هو الربيع العربي وتداعياته. ومهرجاننا ليس استثناء. إذ هناك العديد من  الأفلام الوثائقية المعبرة عن الحدث أو تقدم قراءة لدلالاته وآثاره على المجتمع والدولة. صحيح أننا لم نجعله موضوعا محوريا حيث اخترنا محور" الفيلم الوثائقي وسؤال المجتمع المغاربي"، لكن وجود الربيع العربي يبدو في المشاركات المتعددة والمواضيع المقترحة للندوة المركزية والحلقات العلمية.

·         التمويل وما أدراك ما التمويل فهو بعد أساسي لنجاح أي مهرجان فكيف رتبتم أموركم

بالطبع المسألة المالية مطروحة وبحدة في كل الأنشطة الإشعاعية والفنية بالخصوص. لكن من حسن حظنا أن المهرجان من تنظيم مؤسسة أكاديمية وهو جزء من أنشطتها البحثية والإشعاعية. ومن المعلوم أن الوضع الاعتباري لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية جهويا ووطنيا يسهل التعامل مع المؤسسات الممولة وتوطد الثقة في النشاط. لأننا نعلم أساس التعامل مع الشركاء والممولين هو الثقة في النشاط وفي الجهة المنظمة له. وهذا هو رصيدنا الذي ننطلق منه ومتيقنون من نجاحه.

·         كلمة أخيرة حول آفاق المهرجان وآماله

أحلامنا وآمالنا من المهرجان كثيرة ومتنوعة. فأملنا أن يكون المهرجان محطة دائمة ومحضنا لكل مبدعي المنطقة المغاربية إحياء، عبر الفن ما عجزت عنه السياسة، لفكرة الوطن المغربي الكبير، وفي نفس الوقت وضع الأسس الأولى لثقافة سينمائية راقية وهادفة بعيدة عن الإثارة والإغراء، وتقديم نموذج لمصالحة بين المجتمع وقاعات السينما. هي أحلام عديدة ونتمنى ألا نخلف الموعد مع الحدث.

الجزيرة الوثائقية في

22/01/2012

 

سندانس يبدأ بشاشته داكنة

محمد رُضا  

ما شوهد في عروض مسبقة أو على أسطوانات من أفلام تدخل هذا الأسبوع مهرجان سندانس السينمائي، ثم ما يتناقله الحاضرون ويتابعونه، يفي بدورة محمّلة بكل أسباب الغضب الكامن في الصدور: الوضع الاقتصادي الأميركي الرازح على الغالبية من الناس بفعل الأقلية منهم.

إنه غضب أطلقه في الواقع المخرج المقل مايكل مور في سلسلة أفلامه من العام 1989 حين أنجز «روجر وأنا» وحتى فيلمه الأخير «رأسمالية: قصّة حب» (2009). جميع أفلامه، كما يعلم معظمنا تسجيلية باستثناء واحد منها أقدم عليه ثم هرب من الروائي ولم يعد: "الباكون على كندي» (1995)، لكن حتى ذلك الروائي الذي لم يحظ بإعجاب أحد، كان انتقادياً لمجتمع بنى نفسه على غير ما انتهى عليه. من مجتمع محمي بصناعاته الخاصة وبقدرته على التصدير وامتلاك زمام الأمور اقتصادياً، الى آخر يصنع قبّعاته التكساسية (رمز أميركي) في الصين ويبعث بتصاميمه الهندسية إلى تايوان والمكسيك والهند لكي ينجزها هناك بأسعار بخسة متسبباً في المزيد من الاندثار الاقتصادي لملايين الأميركيين القابعين بلا عمل.

مهرجان سندانس، الذي بدأ يوم الخميس في التاسع عشر من هذا الشهر وينتهي في التاسع والعشرين منه، سيشهد، حسب كل الدلائل ساحات مماثلة في غضبها وانتقادها: البطالة والوضع الاقتصادي والفساد الإداري. وسواء إذا التفت إلى مسابقة الفيلم التسجيلي، أو التزمت بالأفلام الروائية، فإن النتيجة واحدة: العديد من الأفلام (وكلها مستقل ومعظمها لمخرجين جدد) تتحدّث عن هذا الوضع المعيشي الصعب.

طبعاً الوضع ليس جديداً على الشاشات ومايكل مور لم يكن وحده. أحد أهم أفلام العام الماضي كان «نداء جانبي» أو Marginal Call لمخرج لم يسمع به أحد من قبل اسمه س. ج. شاندور استجاب لدعوته عدد جيّد من الممثلين المشهود لهم بالجودة ومنهم: كَ?ن سبايسي، بول بيتاني، جيريمي آيرونز، سايمون بايكر. والقصّة تتمحور حول ?سام روجرز (كَ?ن سبايسي) الذي يعمل مدير مبيعات هذه المؤسسة  منذ أربع وثلاثين سنة ويتمتّع بثقة رئيس مجلس إدارتها (جيريمي آيرونز) الذي يعقد اجتماعاً طارئاً لكبار الموظّفين (وبعض الصغار منهم أيضاً) للوقوف على حجم الأزمة الناتجة عن اكتشاف أن موجودات الشركة بولغ في تقديرها بحيث أنه إذا ما انتشر الخبر تهاوت وفقدت مصداقيّتها. طريقة الخروج من الأزمة هو بيع العقارات والأسهم والممتلكات بأسرع وقت ممكن. بين مطلع دوام العمل وموعد الغداء، كما يوصي الرئيس مدركاً أنه مع حلول الساعة الثانية بعد الظهر تكون مشاكل الشركة انتشرت وبات البيع مستحيلاً.?

تعليق المخرج على الوضع الاقتصادي الأميركي يتم من دون إعلانات، وبلا عناوين كبيرة الأحرف، ولا حتى ذلك القدر من الاستعراض الذي نراه عادة في أفلام كثيرة أخرى تستنجد بالمؤثرات الدرامية المجانية كلما شعرت بأن المطروح لا يكفي. المؤكد أن شاندور واثق من نفسه ووسيلته أنه استمد المزيد من هذه الثقة حال التفاف ممثلين مشهود لهم بالموهبة المتقنة والمتأنية حوله فيما يشبه التأييد لما يريد طرحه وللكيفية التي يريد إيصال هذا الطرح.

السينما التسجيلية حاضرة بقوّة في مهرجان ساندانس وهذا واقعها الدائم في هذا المهرجان فائق الأهمية.  فقد تم إرسال 750 فيلم تسجيلي للجنة اختياره انتقت هذه منها 14 فيلماً للمسابقة مع عدد آخر (نحو خمس وعشرين) في أقسام وأركان أخرى.

نصف الأفلام التسجيلية في المسابقة تتعامل ومواضيع سياسية وعلى نحو أكثر تعاملاً مع مقتضيات وقضايا العصر أكثر من أي وقت مضى. ففيلم «نحن لسنا مفلسين» للمخرجتين كارين هايز وفكتوريا بروس، يتعامل مع تهرّب المؤسسات المالية الضخمة وبالغة الثراء من دفع الضرائب عبر غسل الأموال في مشاريع خارجية بينما ملايين الأميركيين يعانون الفقر الشديد.  

وأحد أكثر الأفلام إثارة للاهتمام «الولايات المتحدة النووية» الذي يفحص فيه مخرجه دون أرغوت الترسانة النووية للولايات المتحدة من خلال متابعة بلدة تعيش على حافة أحد محطّاتها.

ويقدّم كريس موكاربل وفاليري فيتش صورة من الرفض الفردي للنظام في فيلميهما «أنا في حديقة الحيوانات». ويتساءل فيلم «إيجاد الشمال» للوري سيلفربوش وكرستي جاكوبسون عن المجاعة التي تهدد الأميركيين مع استمرار طغيان التباعد بين الأثرياء والفقراء ووجود ذلك الفاصل الاجتماعي الذي احتلّه اليوم القطاع الأكبر من الأميركيين كطبقة وسطى. أما «البيت الذي أعيش فيه» ليوجين جاريكي فيتساءل لماذا، بعد 40 سنة على اندلاع الحرب ضد المخدّرات والقيام بنحو 45 عملية قبض على تجار الآفة، لا زالت التجارة نشطة بل ربما أكثر نشاطاً مما كانت عليه.

هذه الأفلام وسواها تبحث عن إجابات في نطاق ما تطرحه، لكنها تجد على شاشات مهرجان سندانس المنصّة الصحيحة لطرح اسئلتها.

وفي الأسبوع المقبل نتابع الحديث عن الأفلام الروائية التي تتناول الوضع السائد والأخرى التي تبتعد عنه قليلاً.

الجزيرة الوثائقية في

22/01/2012

 

حكايات أطفال مدينة لينينغراد

محمد موسى - أمستردام  

بين تاريخ عرضه العالمي الاول في مهرجان آدفا للسينما التسجيلية في العاصمة الهولندية امستردام في شهر نوفمبر الماضي، وبدء انطلاق العروضه التجارية في الصالات السينمائية الهولندية الذي بدأ الاسبوع الماضي، مر الفيلم التسجيلي (900 يوم) بمحطة مليئة بدلالاتها، اذ عرض وفاز بجائزة تقديرية في مهرجان (آرت دوك فيست) للفيلم التسجيلي في العاصمة الروسية موسكو  في شهر ديسمبر من العام الماضي، رغم اشكالية الموضوعة التي يقدمها، والتي، وكما سنرى في الفيلم، تصنف تحت قائمة المحظورات الروسية الطويلة. بل إن الفيلم يخوض في أكثر تلك المحظورات حساسية: التاريخ والكبرياء الروسيان!

تكشف الدقائق الاولى لفيلم (900 يوم)، بأن مخرجته الهولندية جيسيكا غورتر، لن تكتفي بتقديم حكايات شخصية لروس كانوا هناك، في الثلاث سنوات الطويلة، من حصار مدينة لينينغراد العسكري الشهير، في بداية الحرب العالمية الثانية. فرغم أهمية تلك الحكايات والتجارب الشخصية المؤثرة، الا ان الفيلم بدا مهموما اكثر، بالاسباب التي منعت تلك الحكايات، بصفائها ووحشيتها من أن تصل العالم، وعن تعقيد الشخصية الروسية نفسها وعلاقتها بتاريخها الحديث. لكن المخرجة لن تطرح اسئلة  شائكة، هي تمنح شخصيات فيلمها الزمن الكافي، لرواية ما يرغبون البوح عنه  من (900 يوما) من زمن الحصار النازي، وتبحث ايضا في المشهد المعاصر والخاص للمدينة، والتفاصيل اليومية العادية، والتي ستكشف عن تناقضات صادمة.

تتنقل المخرجة في المشاهد الافتتاحية لفيلمها، بين شاشات تعرض الصور ذاتها، مشاهد لاستعراض سنوي للجيش الروسي، يحتفل بنصره على النازية الألمانية، وبين لقطات مقربة لوجوه شخصيات الفيلم، وهي تجلس امام تلك الشاشات. تتفرج بلا مبالاة احيانا على خطاب الرئيس الروسي دميتري مدفيديف، الذي يشيد بتضحيات الجيل الذي منح روسيا (الاتحاد السوفيتي وقتها) النصر. تتسع المشاهد بعد ذلك، فمن اللقطات المقربة للوجوه، تبتعد الكاميرا لتتفحص غرف الجلوس، باثاثها الذي لم يتغير منذ خمسينات القرن الماضي، الجدران المهترئة. القدم الذي اصاب الروح والمكان. لم يحارب جيل شخصيات الفيلم، الحرب العالمية الثانية، لكن سنوات طفولتهم فيها، كفيلة بمنحهم شيخوخات كريمة. او على الاقل "حياة" تليق بذلك الاستعراض العسكري المغالي في تمجديه للقوة، والذي كانت تنقله الشاشات التلفزيونية الروسية مباشرة الى مشاهديها.

من تلك المشاهد التي تسخر من التناقض بين مفهوم "التكريم"، الذي تدعي الدولة الروسية  انها منحته  لجيل الحرب العالمية الثانية، وواقع حياة أبناء الجيل الفعلي، يبدأ الفيلم مجموعة من الحوارات الطويلة مع شخصيات الفيلم. تلك الحوارات لن تبتعد بمجملها كثيرا عن إبراز  التناقض السابق، لكنها ستركز أيضا على ذكرى حصار مدينة لينينغراد. وكيف دخلت تلك الذكرى "سجن" الفكر الشيوعي الشمولي، لتتحول إلى احدى محرمات التاريخ هناك. فتم التلاعب بأرشيف وذكريات تلك السنوات الثلاث (بدأ الحصار في شهر سبتمبر من عام 1941 وانتهى في شهر يناير من عام 1944)، والذي بدأ سريعا جدا بعد توقف المعارك، واندحار الجيش النازي على أعتاب المدينة، وانتصار الشيوعية في الحرب، اذ تم  تغييب عديد من الامور المروعة التي حدثت بتلك السنوات لتبقى على "رواية" رسمية واحدة، هيمنت لعقود طويلة على الاعلام الرسمي. هذه الرواية ستحتفل بالنصر العسكري، غافلة تماما الثمن البشري الذي دفعته المدينة.

نفوذ الرواية الشيوعية الرسمية لما حدث في "لينينغراد"، عرقلت بعض لقاءات الفيلم نفسه. فبعض الذين حاورهم الفيلم وجد صعوبة كبيرة بالحديث عن الجوع الذي قتل ما يقارب مليون روسي في المدينة خلال 3 سنوات فقط، والذي دفع مجموعة من سكان المدينة الى أكل اللحم البشري، بعد أن نفذت كل حيوانات المدينة. وكأن  رواية قصص من هذا النوع لا يصلح أبدا للتلفزيون والاعلام، فهي، أي القصص، غابت لاكثر من ستين عاما، عن اي وسيلة اعلامية روسية رسمية. وتم تصنيف وثائق تلك السنوات، بالسري للغاية. وحفظت بعناية بعيدا عن العالم.

اكثر الشهادات تأثيرا، لم تكن منقولة عن وثائق لأعضاء الحزب الشيوعي في المدينة وقتها، والتي نقل الفيلم جزءا منها، أو شهادات لشهود عيان عن الجثث مرمية في الشوارع، وكما صورتها ايضا افلام سينمائية ارشيفية نادرة، بل كانت لسيدة روسية على اعتاب عقد الثمانين من عمرها ( يخبرنا الفيلم بعد نهايته بانها فارقت الحياة بعد اشهر من نهاية التصوير ). تنقل السيدة الروسية قصة اختها المتفوقة في مدرستها، والتي اهلكها الجوع، وامها التي عادت من دفن الاخت، لتختبي تحت غطاء السرير، هربا من برد قارص، لكنها لن تصحو ابدا، لتنتقل الابنة الوحيدة المتبقة الى منزل الجارة. لكن القصة التي ستخط جروحا عميقة بروح الفتاة، والتي لم يتجاوز عمرها العاشرة وقتها، لم تكن تخص فقدان بشر، بل عن قطتها الصغيرة والتي ذبحتها الجارة لكي تأكلها العائلة. تتذكر الروسية المسنة قطتها والدموع تتساقط من وجهها. هي الآن وحيدة هناك بالمنزل المعتم المتهالك الممتليء بالقطط الصغيرة، والتي تتقافز بكل الاتجاهات، وتحيط احيانا بالسيدة العجوز احيانا في مشاهد تقترب من السريالية.

مع الحوارات التي يقدمها لشخصياته الاساسية، يركز الفيلم على نشاط جمعية نسوية تعتني بما تبقى من جيل الحرب في المدينة. استدعاء الذكريات التي تطلبه المخرجة من نساء الجمعية، يقسمها ايضا، ليس من العسير العثور على اسباب تفسر الانزعاج، الذي تثيره ذكريات سنوات الحصار الشديدة القسوة، أغلبها يتعلق بحال "روسيا "العليلة اليوم، والتي لا يتسابق  ابنائها للبحث في التاريخ عن سنوات سوداء اخرى. رغم ان حدث وقتها في المدينة الروسية  ، يمكن ان يصيب بالقدر نفسه سكان اي مدينة اخرى تعرضت لحصار وحشي، كالذي تعرضت له مدينة لينينغراد.

مجددا تعود المخرجة الهولندية جيسيكا غورتر الى سان بطرسبرغ (اسم المدينة القديم والذي استعادته في عام 1991 وبعد عامين فقط من نهاية الحكم الشيوعي لما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي). فهي تنشغل منذ سنوات طويلة بروسيا ما بعد الشيوعية، فهذا هو فيلمها الثاني عن سكان المدينة، اذ تتبعت في فيلمها السابق (بيتير ، عام 2004) حياة سبع شخصيات من المدينة في حياتهم اليومية. كما انها قدمت عرضا مسرحيا في هولندا عن حصار لينينغراد ، مستندة فيه على شهادات عدد من ابناء المدينة الذي مروا بتلك التجربة.

الجزيرة الوثائقية في

22/01/2012

 

لم يتسامح حتى مع ابنته

هيتشكوك تعامل مع الممثلين كقطيع

حسن عز الدين 

لا شك في أن عشاق أفلام المخرج هيتشكوك يعرفون فيلميه الشهيرين «الطيور» و«السايكو»، لكن قليلا منهم يعرف أن هذا المخرج العبقري كان يعشق السخرية من الممثلين المشهورين، حتى أن ابنته لم تسلم منها أيضا. وعندما صور فيلم «الأجنبي في القطار»، وقع اختياره على ابنته باتريسيا تحديدا. هذا الأمر شرحه الناقد والمؤرخ السينمائي فيروسلاف هابا: «وضعها هيتشكوك على دولاب روسي ورفعها إلى أعلى مكان موجود في الاستديو. بعد ذلك طلب إطفاء الأضواء وغادر ليصور لقطات ثانية في مكان آخر في هوليوود. ترك ابنته باتريسيا في ذلك الموقع لنصف يوم تقريبا، حتى بدأت تعاني من الذعر اليائس».

طريقة خاصة

كان هيتشكوك يعامل الممثلين بطريقة خاصة. كان يعلم بأنه لن يتمكن من فعل أي شيء من دونهم لكنه لم يكن يحترمهم كثيرا. حتى أنه قال ذات يوم إنهم مثل الدواب، وبالتالي يجب التعامل معهم على هذا الأساس.

وأضاف أيضا «إنه من المذل أن يضع الرجل على وجهه كل تلك الزينة»، كما كشف المؤرخ الذي أضاف: «لكن يجب أن لا نأخذ تلك التصريحات على محمل الجد تماما، لأنه كان يعتبر الممثل كيري غرانت على سبيل المثال بمنزلة التوأم له».

كذلك فإن علاقة هيتشكوك بالنساء كانت معقدة، وقد ساهمت بذلك العلاقة المتوترة التي لم تحل بشكل نهائي بينه وبين والدته المسيطرة. زوجته ألما كانت تعاني معه كثيرا. كانا يظهران في العلن كشريكين كاملي المواصفات، لكنهما كانا يعانيان من مشاكل حادة في حياتهما الشخصية. وكما اعترف هيتشكوك نفسه، فإن علاقتهما كانت تتم على مستوى أفلاطوني. لكنه كان يعتمد على ألما وكان يحب التعاون معها على الصعيد العملي، لكنه كان يرى الجمال المثالي في مكان آخر – في النساء الشقراوات الجميلات في أفلامه.

إعجاب بالشقراوات

كانت تجذبه الشقراوات من أمثال غرايس كيلي أو كيم نوفاك، لكنهن كن يرعبنه أيضا. وفي الواقع، فإنه لم يسمح لنفسه أبدا من الاقتراب منهن.

«كان يريد تطويعهن وفق تصوره الخاص لكن في الوقت نفسه الانتقام منهن أيضا. وكان يعتبر الموت خنقا أكثر عقاب ملائم، على الأقل في رواياته المصورة. لكن بعد ذلك صور فيلم «فيرتيغو» الذي اعترف فيه بأنه يمكن أن يكون وراء صورة المرأة المثالية مجرد فراغ» كما كشف المؤرخ. هيتشكوك أراد من خلال ذلك التحرر من مثال الجمال الذي يحلم به. واعترف، بأنه ليس ممكنا إنجاز علاقة مع امرأة كهذه.

خوف خجول

فيلم «فيرتيغو» حظي بردة فعل فاترة من قبل النقاد بالرغم من أنه فيلم مثير في كثير من الاتجاهات. فقد تمكن هيتشكوك بمساعدة حيلة فريدة من التقاط الخوف الخجول من أعلى وبشكل جدير بالثقة، خلال مشهد يتوازن فيه البطل الرئيسي على زاوية السقف ومن ثم ينظر عبر كتفه إلى أسفل.

ويصف هابا ما جرى في ذلك المشهد: «تذهب الكاميرا من خلال فتحة الدرج إلى الأعلى باتجاه الممثل، بينما تقترب العدسة بوتيرة سريعة نحو الأسفل. الأمر يتعلق بتحركين متناقضين في الوقت نفسه والنتيجة هي مؤثرة جدا».

ألفريد هيتشكوك (1899 – 1980)

مخرج وكاتب بريطاني اشتهر بكونه «بطل أفلام الرعب»، لكن الوصف الذي قد ينطبق عليه في الواقع هو بطل أفلام الإثارة. صوّر خلال حياته العملية التي دامت ستين عاما أكثر من خمسين فيلما ابتداء من الصامت، والأسود والأبيض، وانتهاء بالملون. أشهر أفلامه هي «السايكو، الطيور، نافذة إلى الفناء أو فيرتيغو». حصل على جائزة أوسكار عن فيلم «ريبيكا». تزوج مرة واحدة من كاتبة السيناريو ألما ريفيل وله منها ابنته باتريسيا التي تعيش حاليا في كاليفورنيا وقد أنجبت ثلاث بنات.

القبس الكويتية في

23/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)