حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

المخرج الكردي هينر سليم:

أفلامي شعارها الانسان أولاً

دمشق - إبراهيم حاج عبدي

«لكل امرئ من اسمه نصيب»، ويبدو ان المخرج السينمائي الكردي هونر سليم نال من اسمه نصيباً وافراً، ذلك ان كلمة «هونر» بالكردية تعني الفنون والحركات التي تنطوي على السحر والرشاقة، ولأن والدته كانت تناديه «هينر»، بياء مخففة، أراد ان يختار الاسم مثلما كان يرد على لسان الأم: «هينر» بما يحمله من مخزون عاطفي ووجداني، لا كما تقتضي قواعد اللغة.

لا يعرف هينر سليم أن ينظّر كثيراً في السينما، ولا يزعم أنه كان يرتاد، برفقة والديه، دور السينما في بلدة عقرة في كردستان العراق حيث ولد سنة 1964. فما يتذكره صاحب «فودكا بالليمون» من تلك الطفولة البعيدة، هو لباس أمه الأسود وسط بياض الثلج الذي كان يكلل ذرى جبال كردستان، وبندقية والده الذي كان ثائراً (بيشمركه) ضمن صفوف الثورة الكردية التي قادها الزعيم الراحل الملا مصطفى البارزاني، وهو يستعيد تفاصيل تلك السنوات في كتاب له بعنوان «بندقية والدي».

أصدر سليم هذا الكتاب بالفرنسية، وترجم الى لغات عدة ليس بينها، وللمفارقة، لا العربية ولا الكردية، وهو يروي فيه ذكريات عن تلك السنوات القاسية؛ سنوات الحرمان والتنقل والقلق الدائم، ويتحدث عن قصص العشق الأولى، الخائبة، وعن اكتشافه للمرة الأولى جهازاً اسمه التلفزيون كان يخاطبه بلغة عربية يصعب عليه فهمها، فتساءل الفتى آنذاك وحيرة بريئة تلف أعماق الطفولة: لماذا لا يتحدث هذا الجهاز الكردية أيضا؟! كان السؤال، على عفويته، كبيراً على طفل صغير يتلمس دروب الحياة على وقع الثورات والانتفاضات وقصص الشهداء، ووسط بيئة تعاني الفقر والخيبات... بيئة تغفو وتصحو على الأسى.

لهفة الخلاص

غادر سليم باكراً تضاريس تلك الأرض القلقة التي لم تمنحه سوى اللهفة إلى الخلاص، واستقر في باريس التي يعيش فيها منذ أكثر من ثلاثين عاما، ليحصل لاحقاً على الجنسية الفرنسية.

·         ولدى سؤاله عن تلك البدايات الشاقة، وسبب تعلقه بالسينما في منطقة بالكاد تعرف هذا الفن،

يرد سليم: «تعلقت بداية بالرسم، واللوحات الملونة التي كانت تزين صفحات كتاب عن الأشعار والقصائد الكلاسيكية الكردية... لا أعلم أي كتاب كان ذاك، ولا كيف جاء إلى بيتنا الخالي من الكتب باستثناء نسخة من القرآن الكريم، ولكني أتذكر، إلى الآن، كيف كنت أتمعن في تلك اللوحات وخطوطها وألوانها وتشكيلاتها وظلالها... وكان ذلك يصلني عبر أنغام الموسيقى الكردية المفعمة بالشجن، وفي المناسبات البهيجة، القليلة على أي حال، كنت أراقب تلك الرقصات والأزياء الفلكلورية الكردية التي تعج بألوان صاخبة... لعل كل ذلك شكل مزيجاً بصرياً سمعياً في الذاكرة، واكتشفتُ لاحقاً أن السينما هي القادرة على استيعاب كل هذا الثراء».

ورداً على سؤال حول الأفلام التي شاهدها في تلك المرحلة، أو الفيلم الذي ترك تأثيراً قوياً عليه، ينفي سليم أن تكون هناك محطة فاصلة قادته إلى الفن السابع، كما يقول معظم المخرجين لدى الحديث عن البدايات، فعلاقته بالسينما في تلك السنوات «لا تتعدى بضعة أفلام هندية ميلودرامية كنت أشاهدها بالصدفة»، ذلك ان السينما، ليس في منطقة كردستان فحسب، بل في معظم مناطق الشرق الأوسط، كانت مجرد «بدعة غربية» لا تتناسب مع قيم المجتمعات الشرقية وتقاليدها.

غادر الفتى هذا الشرق الأوسط الذي يسمّيه «الشرق الأسود»، إلى فرنسا، حيث «وجدتُ عالماً إنسانياً متسامحاً، يسمح لك أن تعبر عما تريد بمنتهى الحرية». في هذا المناخ الجديد تمكن سليم من أن يثبت نفسه، وأن يحقق نجاحات عبر أفلام عدة، مثل «فودكا بالليمون»، «الكيلومتر صفر»، «دول» وسوـــاها، وصولاً الى فيلمه الأخير «إن متَّ سأقـــتلك» الــذي يجمع فيه، بلغة سينمـــائية ســاخرة، حكايات عن الحب والحنين والانتقام والرحــيل، وعن الفروقات الثقافية بين الشرق والغرب.

يتابع المخرج السينمائي: «لا بد للمرء من أن يستثمر وقته في أمور هامة، وحين أقارن بين التجارة -مثلاً- والسينما، أصل سريعاً، إلى استنتاج أن السينما أفضل بكثير من أي نشاط آخر، فهي تمنحنا الأمل والجمال».

ولا يزعم هينر أن ثمة «رسالة سامية» يسعى إلى تجسيدها عبر أفلامه، كما يقول بعض المخرجين، فأنا «لا أعلم ما هو الشرّ وما هو الخير في أفلامي، ولا أعرف ما هي السينما التي تغيّر وجه العالم. كل ما أعرفه هو أنني أعبّر عن نفسي أولاً، وأخاطب البشر أينما كانوا من دون أن أكون وصياً أو واعظاً أو موجهاً... وقد تستغرب إن قلت لك بأنني أتحدث عن التراجيديا الكردية وفصولها الدامية بالاحساس نفسه الذي أتحدث فيه عن طقس أفريقي منسي أو أكلة تايلندية... بهذا المعنى، يمكن القول إنني أبحث عن هموم الإنسان وأحلامه وتطلعاته بعيداً من أي أيديولوجيا. أيديولوجيتي هي الانسان، إن شئت، وبالتالي فإن سينماي هي سينما الانسان».

حرية للبشر جميعاً

·         ولكن قصص الأكراد الخائبة تطغى على أفلامك؟

«نعم، وذلك لا يتناقض مع ما قلت. فأنا حين أطرح القضية الكردية بهذا الشكل أو ذاك، فذلك نابع من مبدأ إنساني في أن يتحرر البشر جميعاً على هذه الأرض، ولأن الأكراد قد اضطهدوا طويلاً، فهم في أفلامي نموذج للشعب الذي يبحث عن حريته، بمعنى ان القضية بالنسبة إليّ هي قضية إنسانية، أخلاقية من دون أن تشغلني السياسة وألاعيبها. أرى كردستان بعين جمالية أخلاقية، بينما يراها التاجر مثلاً، كسوق للربح، ويراها السياسي صندوقاً للانتخاب، وأنا مدرك بأن ما أفعله لا يهم السياسي والتاجر، وكذلك ما يفـعلانه ليس مهماً بالنسبة لي».

·         ولدى سؤاله عن الأفلام التي يشاهدها الآن، وتجارب المخرجين التي تلفت انتباهه؟

يرد سليم: «لا أحب مشاهدة الأفلام! هناك أفلام قليلة أراها وأعشقها، ولكني لا أحب متابعة السينما، ولئن سألتني كيف أصنع أفلامي، إذاً أقول لا علاقة لهذا بمتابعة الأفلام، والدليل أن ناقداً سينمائياً شاهد مئات الأفلام لا يستطيع أن ينجز لقطة سينمائية، وثمة كتّاب كبار لم يتجاوزوا مراحل الدراسة الاولى، وربما لو بحثت في السيرة الذاتية لمخرجين كبار لوجدت بأنهم كانوا يغسلون الصحون في الحانات... أنا لا أعترف بالأكاديميات، وكان جورج برنارد شو يقول: «المدرسة قبر تُدفن فيه العبقرية»، والسينما في النهاية، هي مزيج من السحر والعبقرية واللغز والأسئلة...».

·         ولكن كيف ينظر سليم الى هذا الجدل حول شرعية تعبير «السينما الكردية»؟

«أعتقد ان النقاش حول وجود «سينما كردية» من عدمه هو نقاش عقيم، والسبب ببساطة، أنه بما أن هناك سينما يصنعها مخرجون وتقنيون وممثلون أكراد، ويُنتج بعضها بأموال كردية، فهناك اذاً «سينما كردية» بالمعنى المباشر للعبارة، لا كما ينظّر لها النقاد. وأنا متفائل بهذا الجيل الشاب الجديد الذي يعمل في مجال السينما، ومؤمن بقدراته ومواهبه، وعلينا الاعتراف أن كردستان الغائبة من الخرائط، بالمفهوم السياسي، فرضت وجودها بفضل عدد من الافلام التي صنعها الشباب الأكراد، فهذه الأفلام التي عرضت في مهرجانات عالمية أوصلت الصوت الكردي الى مختلف بقاع الأرض، فالفيلم أهم من السوبرماركت ومن البيانات السياسية، لأن ما يبقى في الذاكرة الجمعية للشعوب هو الأفلام والموسيقى والروايات والقصائد، أي الفنون بصورة عامة، ولو سألت أحداً عما يعرفه عن فنلندا مثلاً، فربما يذكر لك اسم شاعر أو سينمائي أو مسرحي فنلندي، ولكنه بالتأكيد لن يعرف اسم وزير الاقتصاد أو الصحة الفنلندي...».

·         الآن، بعدما نالت كردستان العراق بعض الاستقلالية في إدارة شؤونها، هل هينر سليم راضٍ عن دعمها للسينما؟

يجيب: «بالطبع لا، ومشكلة كردستان العراق تكمن، باعتقادي، في غياب التخطيط والبرامج، ليس فقط في مجال الثقافة والفنون، بل في مختلف المجالات، من التعليم الى الصحة الى الاقتصاد الى الرياضة. الأكراد، شأن العرب، شعب بلا برامج، رغم وجود المال، لكن هذا المال لا نفع له من دون تخطيط. ما يثري الأوطان هو العقول والكوادر البشرية والتخطيط. سويسرا مثلاً لا يوجد فيها لا نفط ولا غاز، لكنها من أغنى دول العالم، بينما ليبيا تعوم على بحر من النفط ومع ذلك هي بلد فقير... إذاً الثروة هي في العقول، وهذه الثروة هي العقل الذي لا ينضب.

وهذه هي المشكلة في كردستان. كل شيء ينجز بمزاجية وارتجال، ومن الطبيعي ألا تدعم هذه الذهنية السينما والفنون، وإذا ذهبت الى أربيل أو السليمانية أو دهوك، ستجد ان الأكراد هناك بارعون في شيء واحد، وهو إقامة «المولات التجارية»، أما السينما فتأتي في آخر الاهتمامات. وهنا أتذكر ما قاله الزعيم الهندي جواهر لال نهرو حين بدّل الزعيم التركي مصطفى كمال اتاتورك العمامة التركية بالقبعة الأوروبية، إذ علق بما معناه: كان على أتاتورك أن يهتم بما تحت القبعة

الحياة اللندنية في

20/01/2012

 

«مدينة الشمس» تتأهب لمهرجان السينما الإفريقية

القاهرة - أمل الجمل 

قبل ســنوات قــليلة طُرح مــشروع إقامة مهرجان سينمائي دولي فــي مدينة شرم الشيخ. وقــتها استقبلت الفــكرة بمزيج من الترحاب والاستــهجان على رغم تباري عدد من رجال الأعمــال لمساندة المهرجان ودعمه مالياً ولوجستياً. جاء الاستهجان خصوصاً من النقاد والسينمائيين على اعتبار أن جمهور السينما يتركز أساساً في مدينة القاهرة فلِمَنْ تُعرض الأفلام في مدينة سياحية لا يزورها سوى الأجانب وميسوري الحال. وسرعان ما وُئدت الفكرة من دون الإفصاح عن الأسباب.

على صعيد مُغاير وفي ظروف اقتصادية أقل ما تُوصف به أنها صعبة ومتردية، تتأهب مدينة «طيبة» - الأقصر- لاحتضان ضيوف الدورة الأولى من مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية والذي ستُصمم جوائزه على هيئة قناع «توت عنخ آمون» أحد أشهر ملوك الفراعنة. ويعمل فريق المهرجان بدأب لإطلاق دورته الأولى في الفترة من 21 حتى 28 شباط (فبراير) 2012.

لماذا الأقصر دون غيرها مقر للمهرجان؟ ألا يكفي أنها أحدى أهم محافظات مصر من الناحية الاقتصادية، كما أنها تحتوي على ما يقرب من ثلث آثار العالم، وهي المدينة التي وصفها الشاعر الإغريقي هوميروس في إلياذته بمدينة «المئة باب»، مثلما لُقبت باسم «مدينة الشمس»، و»مدينة النور»، و»مدينة الصولجان»، ثم أطلق عليها العرب اسم «الأقصر» وهو جمع الجمع لكلمة قصر لأن المدينة كانت تحتوي على كثير من قصور الفراعنة. إذن اختيار مدينة طيبة اختيار موفق، لكن لماذا سينما اللؤلؤة السوداء تحديداً؟ صحيح أن السينما الإفريقية - جنوب الصحراء - ولدت بعد ستين سنة من ظهور السينما في العالم لكن وعلى رغم بدايتها المتأخرة نجح مبدعوها في خلق طابع خاص لسينما بلادهم، وإفساح مكانة مهمة لها على الساحة العالمية. كذلك كانت مصر منذ القدم ومنذ عهد الفراعنة ترتبط بإفريقيا ارتباطاً وثيقاً، حضارياً وتاريخياً وجغرافياً. وظهرت أهمية تلك العلاقات بقوة في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي اعتبر أن الدائرة الإفريقية تمثل عمقاً استراتيجياً لمصر وأحدى الدوائر الثلاث للسياسة الخارجية المصرية بعد الدائرة العربية والإسلامية.

أما لماذا الآن؟ يعترف كاتب السيناريو والمخرج المسرحي سيد فؤاد رئيس المهرجان أن الفكرة وُلدت لديه عندما قرأ في الصحف خبراً عن مهرجان للسينما الإفريقية في الصين. عندها انتبه إلى الوجود والنفوذ الاقتصادي اللذين تتمتع بهما تلك الجوهرة السوداء. وقرر إعادة التجربة في مصر، فـ «العلاقات والمصالح المشتركة بيننا وبين إفريقيا قوية. ووجود علاقات وشراكات على المستوى السينمائي سيترك أثراً مهماً، وسيساهم في إثراء الحركة السينمائية في بلدان القارة من خلال تسليط الضوء على أحدث إبداعاتها والوجه المعاصر لها بتنوعه ونجاحاته، وفي تبادل المعارف والخبرات، وتمهيد الطريق أمام مزيد من التعاون والشراكة السينمائية، ما سيدعم جوانب أخرى على المستوى الاقتصادي».

المهرجان الذي تشترك فيه 30 دولة إفريقية، تتوزع جوائزه على فئتين روائية وتسجيلية. ويتضمن نحو 18 فيلماً طويلاً و26 قصيراً داخل المسابقة الرسمية من نتاجات عامي 2010 و2011. في حين تتضمن بانوراما «على طريق السينما الإفريقية» 15 فيلماً من كلاسيكيات السينما الإفريقية. كذلك تُقام ورشة للسيناريو يشرف عليها هاني فوزي، وأخرى للإخراج يقدمها أحمد عبدالله السيد ورضا الباهي، وثالثة للتصوير. أيضاً يُقام على هامش المهرجان ملتقى دارسي السينما في القارة الإفريقية الذي يعرض أفلام الطلاب من 19 دولة ويعقبه مؤتمر يديره المخرج سمير سيف.

في المقابل سيعرض المهرجان الفيلم الإفريقي الأول «سائق الكارو» لعثمان سمبين، وستناقش الندوة الرئيسية تاريخ هذا المخرج رائد السينما الإفريقية. كما وجه المهرجان الدعوة إلى عدد من النجوم مثل أوبرا وينفري، ورؤساء أفارقة بارزين مثل زعيم جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا ورئيسة ليبيريا يلين جونسون سيراليف الحاصلة على جائزة نوبل للسلام.

واختيرت الممثلة هند صبري لرئاسة لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية، كما يرأس لجنة تحكيم الأفلام القصيرة الممثل عمرو واكد، وسيهدي المهرجان هذه الدورة إلى روح المخرج الراحل رضوان الكاشف. وسيكرم المهرجان اثنين من كبار المخرجين في القارة الإفريقية هما المخرج المصري داود عبد السيد والمخرج الإثيوبي هايلي جريما.

وقطعاً يرضخ مهرجان الأقصر الدولي للسينما الإفريقية لتحديات صعبة، ليس فقــط لأن مولده يأتي في ظل وجود مهرجانات سينمائية عربية تنفق ببذخ، ما يجعلها قــادرة على استـــقطاب كبار النجوم وصناع الأفلام. لكن أيضاً لأن مخاضه يجيء وسط مرحلة تاريخية عصيبة تمر بها مصر، وأحدث هذه التحديات أن الجوائز التي كان مقرراً لها سلفاً أن تُمنح بالدولار ستُقدم بالجنيه المصري خصوصاً بعد تدهور حال الاقتصاد المصري. مع ذلك فإن رئيس المهرجان لا يزال متفائلاً بردود الفعل، ويطمح إلى أن تشهد الدورات التالية استضافة مزيد من الضيوف وأن يتمكن من غرس الثقافة السينمائية في صعيد مصر، ومن تحقيق التكامل مع بلدان القارة الإفريقية، والوصول إلى شراكة سينمائية معهم.

الحياة اللندنية في

20/01/2012

 

أولاد آرنا

بشار إبراهيم 

عرضت قناة «العربية» أخيراً الفيلم الوثائقي «أولاد آرنا» للمخرج جوليانو مير خميس. لا نعرف إن كانت هذه هي المرة الأولى التي تعرض قناة عربية هذا الفيلم، إذ يعود بإنتاجه إلى العام 2004، الأمر الذي يؤكد مجدداً أن الفيلم الحقيقي لا يبهت بمرور الأيام، ولا يخفت وهجه، بل ربما يكون عند استعاداته المتكررة أكثر قدرة على النفاذ إلى حيز التعبير، وملاءمة الوقت الحاضر؛ زمن عرضه، كما كان ملائماً في الوقت الماضي؛ زمن إنتاجه.

تُحقِّق قناة «العربية» مجموعة من الضربات الذكية باختيارها لعرض هذا الفيلم الوثائقي الذي يمكن اعتباره أحد أهم الأفلام الوثائقية المُنجزة بصدد القضية الفلسطينية، إن لم نقل أحد أكثرها إثارة للجدل. فالفيلم يتناول فصلاً من سيرة آرنا مير؛ المرأة التي تحوّلت من صهيونية مُتعصِّبة، حيث كانت في شبابها، في العام 1948، تنتمي إلى قوات «البالماخ»، فأصبحت مناصرةً قويةً للفلسطينيين ونضالهم من أجل الحرية. كما أن الفيلم من إخراج جوليانو مير خميس؛ ثمرة زواج آرنا مير من المناضل الفلسطيني صليبا خميس، لتتداخل في هوية هذا المخرج معطيات فريدة من نوعها، فالأب عربي فلسطيني مسيحي، والأم يهودية نفضت عنها صهيونيتها، وحاول كثيرون نزع إسرائيليتها عنها، بسبب تضامنها مع الفلسطينيين!

في الواقع، كما في الفيلم، تنتقل آرنا إلى ضفة الفلسطينيين، وتنتمي إليهم، وتسعى بكل ما لديها لمساعدة أطفال مخيم جنين، للسير على طريق العِلم والحرية. كانت البداية في العام 1989، إبان الانتفاضة الفلسطينية، عندما بدأت مشروعها من خلال «بيت الطفولة»، حيث سنراها توجه حديثها لأطفال المخيم قائلة: «الانتفاضة بالنسبة إلنا هي قيم أوّلية... عِلم، وحرية»، وترفع شعارها الصريح «لا سلام من دون حرية».

ستموت آرنا عام 1995، بعد صراع مع السرطان. لن تعيش حتى العام 2002، لترى الاجتياح الإسرائيلي للمخيم. وإذ كانت وصيتها الأخيرة لابنها جوليانو: «دير بالك على أخوتك»، فإنه سيستمر بتصوير هذا الفيلم على مدى 15 عاماً ليرصد مصائر «أولاد آرنا» من أبناء المخيم، أولئك الذين نتعرَّف إليهم في البداية أطفالاً يتعلمون ويحلمون، ومن ثم سنرى نهاياتهم الدامية، مأخوذين إليها بفعل ممارسات الاحتلال.

من العملية التفجيرية التي نفّذها «يوسف السويطات»، في مدينة الخضيرة، عام 2001، إلى استشهاد «أشرف أبوالهيجا»، ودفنه في مقبرة جماعية، إثر اجتياح المخيم، عام 2002، ينتهي الفيلم للوقوف مطولاً أمام حكاية الشاب علاء الصباغ، الذي يصر على عدم الاستسلام، ولو كـان ثمن ذلك أن يـقـتله جـيـش الاحتلال، وهو ما سـيُـقدِّمه الفـيلم في مشاهد مؤثرة جداً.

حاز فيلم «أولاد آرنا» على الجائزة الأولى في مهرجان «عالم واحد» للأفلام الوثائقية التي تُعنى بقضايا حقوق الإنسان، خلال دورته السادسة في العاصمة التشيخية، إضافة إلى جائزة وزير الثقافة التشيخي لأفضل فيلم. كما حاز جائزة الفيلم التوثيقي في مهرجان «هوت دوكس» الكندي، وجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان «ترايبيكا» الثالث في نيويورك، وعلى التصنيف الرابع في مهرجان «إدفا» في أمستردام... أما في بلداننا، فيكفي أن تتنبه إليه قنوات ذكية مثل «العربية»، لينال جائزته الكبرى من الجمهور العربي.

الحياة اللندنية في

20/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)