حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أفكار وملاحظات حول البافتا الجديدة…

محمد رُضا

يوم الأربعاء الماضي حللت لساعتين في ضيافة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما التي توزّع جوائز البافتا السنوية. الزيارة كانت تعريفية والحديث مع رؤساء الأقسام واللجان كان مفيداً من حيث أنه مهما يعرف المرء عن موضوع معيّن إلا أن هناك أكثر مما يعرف إذا ما سنحت له الفرصة.

مثلاً هناك ثلاث دورات يتم فيها ترشيح الأفلام والسينمائيين. الأولى هي الأكبر حيث كل الأفلام المختارة توضع في الملعب الكبير ليتم انتخاب خمسة عشر في كل قسم أو نوع. ثم هناك الدورة الثانية التي يتم اختيار الأفلام والشخصيات المنتخبة ويتم الاختيار على خمس في كل قسم. والدورة الثالثة هي تلك التي تختار من كل خمسة الفائز. هذا يشبه عملنا نحن في الغولدن غلوبس باستثناء أن الاختيار ينتقل من العدد الكبير إلى خمسة مباشرة ثم إلى واحد. كذلك يفعل أعضاء الأوسكار الأميركي.

علمت أيضاً أن هذا العام شهد دخول 285 فيلماً إلى "الإنتخابات" كما يمكن تسميتها. وهو عدد يقل بتسعة وثلاثين فيلماً عن عدد الأفلام الجديدة التي شاهدتها هذا العام والتي توزّعت بين أفلام سبعة مهرجانات ( 140 فيلماً) وأفلام شوهدت على الشاشات الكبيرة في عروض خاصّة أو عامّة (129 فيلماً) وتلك التي شوهدت على أسطوانات على شاشة تلفزيونية عريضة وجلّها في الأشهر الثلاث الماضية بسبب ترشيحات الغولدن غلوبس (55 فيلم). المجموع 324 فيلماً. وإذا كان ذلك يبدو عدداً كبيراً أذكّر بأن الناقد البريطاني ديريك مالكولم يؤكد أنه شاهد أكثر من 500 فيلم، ولابد أن هناك نقاداً كُثر حولنا شاهد كل منهم أكثر من 400 فيلم خصوصاً إذا ما تمتّع بالقدرة على حضور المهرجانات المتتابعة ولم يكن مطلوباً منه، على عكس كل من أعرف، الكتابة اليومية لأكثر من جهة حتى يستطيع إيقاف نزيف التكلفة التي تكبّدها لحضور المهرجان الذي هو فيه.

يوم الأربعاء أيضاً، كان اليوم الأخير للتصويت. أخذ أحد المحدّثين يُشير لي بأصبعه ليعرّف بزملائه الذين انتشروا في المطعم الصغير في الطابق الثاني من مبنى الأكاديمية. وكاد أن يخبرني بملامح الترشيحات حتى تلك الساعة لولا أنه أمسك نفسه، لكن ما قال لم يكن مفاجئاً: "الفنان" و"هيوغو" و"كرة المال" و"الأحفاد" و"حصان حرب" يتقدّمون الترشيحات الفيلمية الإنكليزية. "حرائق" (ذلك الفيلم الكندي الذي تعاطي مع حرب أهلية عربية معتنيا بها لبنان من دون أن يسمّيه)، "بينا" ل?يم ?ندرز، "انفصال" للإيراني أشقر فرهادي و«البشرة التي أعيش فيها" للأسباني بدرو ألمادوفار. محدّثي لم يحدد العناوين دائماً بل أحياناً ما أتي على ذكر المخرج او البلد، فقال مثلاً  فيلم سبيلبرغ (وعنى به "حصان حرب") وفيلم إيراني (والواضح أنه لم يكن هناك سوى "انفصال").

بعد قليل كنت أجلس مع شخص آخر هو صديق قديم سأشير إليه بحرف ك. الذي أعرفه منذ سنوات ناشطاً وناقداً ولكن… عضو الأكاديمية؟ كيف ذلك؟ أسأله فيعترف: "قبل بضع سنوات توجّهت إلى مهرجان كان، وفي مطار باريس التقيت بمنتج بريطاني وتشاركنا معه في التاكسي من المطار إلى المدينة (لابد أن المنتج هو الذي دفع) وعلى الطريق اكتشفنا أن لدينا أصدقاء مشتركين. بعد العودة من كان بأسابيع اتصل بي وسألني إذا كنت أريد أن أكون عضواً في الأكاديمية. دخلت على أساس أنني ناشط أعمل في حقل نوادي السينما منذ زمن بعيد".

بعد يومين صدرت نتائج الجولة الأولى من الترشيحات، تلك التي تضم خمسة عشر عنواناً واسما في كل فئة من فئات العمل السينمائي: أفضل فيلم، أفضل فيلم أجنبي، أفضل سيناريو أصلي، أفضل سيناريو مقتبس، أفضل تصوير، أفضل تصميم ملابس، أفضل مؤثرات خاصّة، أفضل فيلم تسجيلي، أفضل ممثل رئيسي، أفضل ممثلة رئيسية، أفضل ممثل مساند، أفضل ممثلة مساندة، أفضل فيلم بريطاني، أفضل مخرج، أفضل توليف، أفضل تصميم فني، أفضل تصميم شعر، أفضل صوت، أفضل موسيقى، أفضل فيلم أنيماشن.

الأسماء كثيرة ولا يمكن سبر غورها بتلخيص، كذلك فإن معرفة سبب وجود بعض الأفلام أو الأشخاص في القائمة هي أكثر صعوبة مما يتبدّى. طبعاً معظم المرشّحين يستحقّون، لكن كاري موليغن عن دورها في «عار»؟ او ألان ريكمان عن «هاري بوتر والمقدّسات المميتة؟"؟ وماذا عن «المساعدة» وكيف يدخل فيلم تسجيلي (عنوانه «سينا») مسابقة الفيلم الروائي و… مسابقة الفيلم التسجيلي أيضاً؟

المفاجأة ليست هنا… بل في أن مقص الأزمة الاقتصادية في أوروبا وصل إلى الأكاديمية، هذه السنة ستحمل اسم «أورانج بريتيش أكاديمي فيلم أووردز» أي «جوائز أكاديمية الفيلم البرتقالي الإنكليزي"، وهذا ليس تيمّنا بفيلم ستانلي كوبريك «كلوكوورك أورانج" بل بشركة الاتصالات التي ستدفع فاتورة المناسبة.

ربما هوليوود ترمينا بغالبية الأفلام الرديئة المنتجة على نطاق واسع حول العالم، لكن أكاديميّتها سوف لن تؤجّر أسمها تحت أي ظرف. سوف لن تُعير أسمها إلى أي منتوج تجاري. أقول ذلك لأحد محدثي فيرد: "صحيح. لكن أكاديمية العلوم والفنون السينمائية" تبيع حفلتها للتلفزيون بخمسة ملايين دولار أو أكثر… نحن لا نملك هذه الميزة"، وهذا صحيح ولو أن ذلك يعني أنه لو تقدّمت شركة تويوتا أو شركة آبل للكومبيوتر أو حتى البيبسي كولا لتبنّي المناسبة المقبلة فإن ذلك لا يزال يبدو استهلاكاً تجارياً يضر بالاسم الذي بنته الأكاديمية عبر عقود طويلة.

لكن هذا هو المنتشر أو على مطلع الانتشار. لا ننسى أن مهرجان لندن السينمائي يتناوب عليه الآن مموّل كل عام او اثنين. الأكثر من ذلك، أن "دائرة نقاد لندن"، التي تضم نقاد السينما والموسيقى والمسرح وسواها، تبحث بدورها عمّن يضمنها تمهيداً للاحتفال بمرور مئة سنة على إنشائها.

الجزيرة الوثائقية في

08/01/2012

 

"تابلويد" و " أحلام حياة".. نساء عاديات في الواجهة

محمد موسى  

يعود فيلمان تسجيليان، يعرضان منذ أسابيع في الصالات السينمائية البريطانية، لحادثتين حقيقتين حظيتا، ولأسباب مختلفة، باهتمام كبير من الصحف البريطانية قبل سنوات. ما يميز هذين الفيلمان، عن أفلام مشابهه، انشغلت بتسجيل مسار "الاستقصاء"  لقصص تنطلق  بالعادة من على  برامج الأخبار التلفزيونية والصحافة المكتوبة. إن أحداثهما وقعا وانتهيا في الماضي، وانقطع بالتالي التفاعل الإعلامي الذي توفره استمرارية الحدث الظاهرية، خاصة أن بطلتي الحادثتين انسحبتا من الحياة العامة تماما، بل إن إحداهما، رحلت عن العالم في عام 2003. وإن ظروف ما بعد موتها، هو الذي دفع بها إلى الواجهة الإعلامية وقتها ( ولأيام قليلة فقط). في حين تعيش بطلة الفيلم الآخر، عزلة مختارة في بلدها أمريكا، وبعيدا عن صحفيي الإثارة البريطانيين، الذين افسدوا سنوات طويلة من حياتها، وكما ستكشف في حوارها الطويل مع المخرج الأمريكي إيرول موريس في فيلم "تابلويد".

لم العودة للحادثتين إذن؟ الأسباب ربما تكون خاصة جدا للمخرجة البريطانية كارول مورلي، والتي تذكر في البيان الصحفي الذي وزع قبل العرض الصحفي لفيلمها (أحلام حياة)، بأنها عندما قرأت قصة "جويس فنسيت" في الصحف البريطانية قبل سبعة أعوام، عرفت حينها بأنها ستنجز فيلما عن هذه المراة الغامضة، والتي وجد هيكلها العظمي بعد ثلاثة أعوام من موتها المفاجئ في شقتها اللندنية. المخرجة البريطانية التي كانت وقتها بعمر مقارب لعمر " جويس " هزتها الحادثة بعمق، لكنها فضلت الانتظار سنوات طويلة قبل ان تحقق فيلمها التسجيلي هذا، والذي لا يسير إلى هدف "كشف الحقائق"(غاية الفيلم التسجيلي التحقيقي)، بل يسعى أن يكون مرآة متعددة الأوجه لـ "جويس"، لكن أيضا وبالمقدار نفسه لأصدقاء وعشاق الراحلة السابقين، ليقترب الفيلم من البحث النفسي عن راهن العلاقات الاجتماعية في المدن الكبرى والطبقات المتعددة للشخصيات الإنسانية المعقدة.

لذلك لا يهتم فيلم ( أحلام حياة) كثيرا بجمع قطع الصورة المكسرة لبطلته، ليقربنا من المرأة وقصة حياتها، والتي تهيج ظروف موتها العديد من الأسئلة مثل: لماذا لم تفتقد عائلة جويس وأصدقائها غيابها لثلاثة أعوام، ولم يقوموا بإبلاغ الشرطة مثلا ؟ وكيف يمكن ان يسقط شخص ما من شبكة العلاقات اليومية، ولا يثير غيابه الأسئلة لدى المقربين منه؟ وحتى الذين كانت جويس تغلف هداياهم المعدة لموسم أعياد رأس السنة، قبل أن يهاجمها الموت، لم يلحظوا غيابها، لتترك محنية، ولثلاث سنوات طويلة، على واحدة من  تلك الهدايا، في مقابل التلفزيون في غرفة المعيشة، والذي تنقل الجريدة الانكليزية،التي نقلت خبر موتها، بأنه كان مفتوحا على نفس المحطة التلفزيونية التي كانت تتفرج عليه جويس، وإن عمال البناية الذي تعيش فيها الشابة التي لم تتجاوز الثلاثون، والذين دخلوا الشقة لأول مرة، وبعد تجمعت الرسائل البريدية كجبل صغير في ممر الشقة، هم من أطفأ جهاز التلفزيون، ومصباح غرفة الجلوس المشتعل..

ترفض عائلة جويس الحديث للمخرجة، فيتجه الفيلم إلى أصدقائها، وللذين ربطتهم علاقات عاطفية سابقة مع الراحلة، للحديث عن "جويس" التي عرفوها. دون أن تهمين النهاية المأساوية للشابة على تلك الحوارات، فاتجه الحديث عن سنوات صداقتهم معها، الأشياء التي كانت تحبها. تكشف تلك اللقاءات عن صور مختلفة ل "جويس"، كأن كل من عرفها، اطلع على وجه مختلف لها. ليس لأنها تقصدت ذلك أثناء حياتها، لكنه يعود أيضا إلى الأصدقاء ذاتهم، والذين كانوا أحيانا يصفون ذواتهم عند الحديث عن صديقتهم الراحلة. تغيب صور  "جويس" الحقيقية عن الفيلم، وكأن تلك الصور ستعكر سلاسة البوتريت الحزين الذي انشغل عليه الفيلم، بل ان المخرجة استعانت بممثلة محترفة، لتعيد ترتيب أحداث الليلة الأخيرة من حياة "جويس". والذي يصل الى ذورته، عندما تقف جويس وحيدة تحدق بغموض بليل مدينة لندن، وموسيقى أعياد الميلاد الشعبية  تصدح في الخلفية.

تابلويد

صادف عرض فيلم " تابلويد" للمخرج الأمريكي المعروف إيرول موريس، والذي بدأ قبل نهاية العام الماضي، مع نهاية سنة عصيبة لصحافة الإثارة البريطانية، حيث أغلقت فيه واحدة من أشهر الصحف البريطانية ( إخبار العالم)، بعد فضيحة التجسس على فنانين وناس عاديين، والتي قام بها عاملون خاصون في تلك الجريدة. فيلم (تابلويد) يعود بدوره إلى فصل من سيرة الصحافة الصفراء البريطانية، وقعت أحداثه قبل حوالي 33 عاما، والتي وجدت في حادثة من  حياة "جويس ماكيني"، المرآة الأمريكية القادمة من جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، مادة مثيرة تملأ بها صفحاتها لأسابيع، بل إنها لم تكتف بذلك، لتقوم بعد أشهر من الحادثة بنبش تاريخ المرأة، وتكشفه لقراء متعطشين للفضائح، بخاصة تلك التي تتضمن الجنس.

لا يمكن إنكار غرابة قصة " جويس ماكيني "، فالشابة الأمريكية تسافر الى بريطانيا في عام 1977، للبحث عن خطيبها الامريكي، الذي تركها لينضم الى طائفة دينية غريبة. جويس الأمريكية لن تكون وحدها، فهي ستستعين بتحري خاص، لمساعدتها في إيجاد الخطيب. جنون الحكاية يبدأ بعد أن يلتقي الخطيبان في عطلة نهاية أسبوع طويلة، ليعود الشاب بعدها إلى طائفته، يحمل خطة لتركهم والعودة بفتاته إلى بلدهم (وحسب رواية جويس ماكيني). عوضا عن ذلك، يقوم الشاب بالتوجه إلى البوليس البريطاني، متهما خطيبته السابقة بخطفه وإرغامه على ممارسة الجنس معها. تطلق القصة خيال صحافة التابلويد البريطانية، وتتحول أيضا إلى حديث الشارع البريطاني. يقوم القضاء البريطاني بإرسال جويس الأمريكية الى السجن، الذي تقضي فيه أسابيع قليلة، قبل أن تعود إلى بلدها. ما يحدث بعد ذلك سيكون أكثر سوداوية من ليالي السجن البريطانية، فالصحف الصفراء البريطانية ستتبع الشابة الشقراء إلى بلدها، تبحث في سيرتها، تغري أصدقاءها لكشف أسرارها، لتحصل بالنهاية على ملف كامل يتضمن فضائح تتعلق بعمل جويس ماكيني في تجارة الجنس . الأمر الذي تنفيه الأخيرة بالمطلق، متهمة الصحف البريطانية بتلفيق الصور الفضائحية التي نشرتها لها.

يركز الفيلم على شهادة جويس نفسها، والتي تتحدث للإعلام وبعد سنوات طويلة من العزلة. كذلك يقدم الفيلم لقاء مطولا مع احد مصوري التابلويد البريطانيين، من الذين تعقبوا الأمريكية إلى بلدها، وجمع بعض المادة التي ستنشر بعدها في الصحف البريطانية. رغم أن الصورة التي يقدمها الفيلم التسجيلي لجويس ماكيني تثير بعض التساؤلات، بعضها يتعلق بالنضوج العقلي والنفسي للسيدة ، إلا أن تلك الصورة نفسها وعندما توضع مقابل شراسة ولا أخلاقية صحفي التابلويد في الفيلم، تكسب المرأة الأمريكية كل التعاطف.

يثير الفيلمان اشكالية "الهدف" للأفلام التسجيلية، والملازم  للتركيبة  الأكثر شيوعا للفيلم التسجيلي (التحقيقي). لتعيق تقبل أشكال مختلفة من المقاربات الفيلمية، لا تتبع الطريق الشائع بالتوصل إلى خلاصات أو كشف ما يمكن الكشف عنه. كما تضيف الحقائق من خارج الأفلام، المزيد من الصعوبات لهذه الأعمال، لجهة تقبلها كوثيقة يعتدّ  بها. فبعد عرض الفيلمين، قامت إحدى أخوات جويس البريطانية بالتوجه إلى الإعلام البريطاني، لتكشف له، بأنها قامت بتعيين تحري خاص للبحث عن أختها، ومنذ العام الأول لاختفائها، وأن المخرجة البريطانية أهملت هذه الحقيقة في بحثها الخاص بفيلمها. كذلك تثير غياب شهادة خطيب جويس الأمريكية (رفض الحديث للمخرج)، وتعثر على أصدقاء قدماء لها، أو إيجاد التحري الذي رافقها إلى بريطانيا، أسئلة عن جدوى إنجاز الفيلم الآن. وحتى الشخصية الرئيسية في الفيلم، والتي منحت الوقت الكافي تماما للدفاع عن نفسها، لم ترق لها صورتها المقدمة، لتقوم برفع دعوى قضائية على المخرج، تتهمه فيه بتشويه الحقائق.

الجزيرة الوثائقية في

08/01/2012

 

السينما المستقلّة بحاجة إلى ثورة ثقافية

محمّد خان 

فى منتصف الخمسينات هلَّ علينا جيمس دين متمردا عبر ثلاثة أفلام، قبل أن يُقتل في حادث سيارة بسبب تهوره، وفي نفس الوقت هلَّ على السينما الأمريكية مجموعة من مخرجي التليفزيون متمردين بلغة سينمائية طموحة، ربما اليوم غاب بريقها تحت وطأة تكنولوجيا العصر.

من ضمن المجموعة ظهر كل من جون فرانكينهيمر وسيدني لوميت ليقدما أفلاما بروح الهاوي وثقة المحترف. كلاهما عاصر بث الدراما التليفزيونية الحية مما ساهم فيما بعد بديناميكية وحيوية كل منهما والتنوع العريض في مواضيع وأساليب أفلامهما إلى جانب غزارة إنتاجهما.

في سنة 1963 أثناء دراستي في لندن، ألتحقت بإحدى جمعيات الفيلم وأتيحت لي فرصة حضور ندوة لفراكينهيمر الذي تفضل بالحضور خصيصاً من باريس أثناء عطلة نهاية الأسبوع حيث كان يخرج فيلم «القطار»، وأذهلنا بحديثه عن التجربة، وعدد الكاميرات التي دمرت أثناء تصوير القطار في الفيلم. أما تجارب سيدني لوميت التي وضعها في كتابه "صنع الأفلام"، فيعترف أنه يقرر اختيار الفيلم الذي سيخرجه من منطلق غريزي بحت، وغالبا بعد قراءة أولى، ونتج عن ذلك أفلام جيدة جدا، وأخرى سيئة للغاية.

كان تواجدي في لندن هو المدرسة السينمائية الحقيقية بالنسبة لي، حيث كانت تكمن في قلب ثورة فنون السينما والموسيقى والفن التشكيلي والمسرح والرواية والأزياء، فقد كان هناك وهج إبداعي بكل المجالات والأصناف تشعر به في الشارع وعبر الإعلام. فاكتشفت جودار وتروفو وأنطونيوني وفيليني وفيسكونتي وبرجمان وساتياجيت راي، وبالطبع تعرفت على سينما فرانكينهيمر ولوميت وملك السينما المستقلة جون كازافيتس، وقائمة طويلة لمخرجين وكتاب جعلوا جميعاً من لندن نقطة انطلاق لإبداعاتهم، فارتجت السينما السائدة بتسونامي ينعش العقول ويغازل الخيال.

ولذا لم أندهش كثيرا أن أجد فى مرة المخرج الفرنسي جان رنوار وهو في السبعين من عمره يقف أمامنا في الحفلة الصباحية في سينما أكاديمي بأوكسفورد ستريت، ليقدم أحدث أفلامه، أو أكاد أصطدم بهيتشكوك على سلالم إحدى شركات التوزيع، أو أفاجأ بأنطونيوني بجواري أمام جناح كتب السينما بإحدى المكتبات. ولم يكن غريبا بالمرة أن أشاهد أليك غينيس أو بيتر أوتول أو ريتشارد هاريس أو لورنس أوليفييه وألبرت فيني على خشبة المسرح.

تلك كانت لندن ملتقى للمبدعين، ونافذة للفنون، تستقطب الجدير منها، وتنمي الجديد فيها، محدثة زوبعة من التغيير والغربلة تحولها إلى كرنفال صاخب يسحر العقول ويهفهف الأرواح. ومرت الأيام وطلت العولمة في الأفق ببريق زائف من الأمل، وسواء اتفقنا أو اختلفنا فالعولمة أصبحت واقعا ملموسا غزت الثقافة بتكتلاتها الاقتصادية ونفوذها القوى لاستخدام كافة الوسائل للتأثير على الملايين ليقرأوا ويشاهدوا ويسمعوا ويستخدموا منتجاتها الثقافية.

فما بالك ما يحدث للسينما التي في يوم ليس ببعيد كانت سوقاً ناشطة لأفلام فيليني وأنطونيوني وغيرهما من عباقرة السينما الأوروبية، أصبحنا اليوم نادرا ما نجد فيلما أوروبيا يجول أوروبا، وحتى توزيعه في الدولة التي صنع فيها لم يعد سهلاً، ونفس الحال أصاب السينما الآسيوية، وبالطبع مستحيل استثناء السينما المصرية من المصير ذاته. فعولمة السينما أزاحت من على الساحة بخبث شديد أغلب أفلام صغار المنتجين والموزعين وفتحت الأبواب على مصراعيها لشركات الإنتاج والتوزيع الكبرى (الهوليوودية بالذات) التي تقدم أفلاماً تجدها بقية الشعوب بعيدة عن مجتمعاتهم ولا علاقة لها بحياتهم أو همومهم. لقد أصبح العالم بالتدريج أكثر تقبلا لفكرة قبول ثقافة واحدة مسيطرة بعد نزع الخصوصية عن الثقافات المحلية والمحاولات المستميتة للقضاء على التنوع.

الحقيقة أن هذا السراب المحبط لن يزول إلا بثورة ثقافية تغزو العقول قادرة على التضحيات اقتصاديا ومستعدة على المقاومة سياسيا من أجل أن تعيد خصوصية الروح إلى أصحابها. فقد رحل الكثيرون من رواد السينما وأصاب العجز موجة الستينات إلى أن وافتها المنية. وسعت هوليود المحتكرة إلى وسائل الخداع من أجل حفنة من الدولارات فاخترعت سينما ثلاثية الأبعاد لتخفي إفلاسها الثقافي، وأصبحت غالبية الأفلام شبه فيديو كليبات كرتونية الشكل والمضمون. وهروبا من أى اكتئاب أو يأس سينمائي قد يصيبني ألجأ مراراً إلى قراءة مشهد لفيلم كتبته منذ عشرين عاماً ولم أنجزه حتى الآن، وأشبع نفسي وأنا أتابع وصفي للبطلة نسمة وهى تعد وليمة الغذاء: صوت استعداد عدة آلات موسيقية لعزف سيمفونية التي تتصاعد نغماتها مع لقطات المشهد حتى ختامه بينما ترافق اللقطات عناوين الفيلم ونسمة تتحرك مثل الفراشة في المطبخ العتيق، ذراعاها يشقان البخار المتصاعد وكأنها تقود الأوركسترا. الماء يغلي في الوعاء فوق البوتاجاز. صفار البيض يتفتت مع إيقاع ملعقة خشبية في يدها. قطع اللحم "البتلو" تسترخي تحت طرقاتها قبل أن تغوص فى صفار البيض مثل راقص باليه ثم تستقر في لحظة على كل جانب فوق رمال من البقسماط حتى ترتمي في أحضان الزيت الساخن لتتحول إلى قطع من الذهب الطري، السكين في يد نسمة بمثابة آلة موسيقية تعزف بها بينما تقطع البصل والثوم والطماطم والخس والبقدونس، نسمة تسيطر على الأشياء بمتعة واضحة ترافقها فقاقيع الصلصة على النار بغناء أوبرالي.

فارييتي العربية في

08/01/2012

 

فاريتي أرابيا تختار نادين لبكي كشخصية العام 2011  

قامت مجلة فاريتي أرابيا بإختيار المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي كشخصية العام 2011. وقامت المجلة بإختيار لبكي نظرا لقدرة هذه المخرجة الشابة في إثبات ذاتها من خلال طرح العديد من القضايا التي تهم المواطن العربي العادي.

لبكي التي ولدت عشية اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، التي امتدت 15 عاما من (1957-1990) قالت إنها أصبحت مهتمة بالأفلام لتهرب من شبح الملل.

"كفتاة صغيرة، كان التلفزيون مجالا للهروب من واقع الحرب" كما أشارت، وأضافت "ذهبت إلى المدرسة بالطبع، لكن قضيت الكثير من الوقت في المنزل عندما لم يكن هناك مدرسة، وعندما تم إغلاق كل شيء. وكانت وسيلة الهروب الوحيدة مشاهدة التلفزيون. عند هذه النقطة، قررت أن هذا هو ما أريد القيام به. كنت أريد أن أصبح مخرجة سينمائية، أريد أن أكون قادرة على خلق عالم مختلف عن الواقع حولي".

بعد حصولها على شهادة في الإعلام من جامعة القديس جوزيف ببيروت عام 1997، بدأت لبكي بإخراج مقاطع فيديو موسيقية وتجارية لبعض المطربين العرب من بينهم المغنية اللبنانية نانسي عجرم، قبل أن تقرر إتخاذ الخطوة الأولى في صناعة الأفلام.

إنطلاقة لبكي الكبرى كانت بإطلاق فيلم "كراميل" (2007) حول حياة خمسة نسوة لبنانيات، يعملن في صالون للتجميل في بيروت. الفيلم منح لبكي شهادة كبيرة من الآخرين كمخرجة وممثلة على حد سواء، ووضعها على قائمة مجلة "فاريتي" ضمن 10 مخرجين واعدين، كما تم تصنيفها بالمرتية الخامسة ضمن قائمة مجلة "أريبيان بيزنس" لأكثر 100 شخصية عربية مؤثرة.

على الرغم من حقيقة أن فيلم "كراميل" كان مليئا بالمشاهد الحية والملونة والمضحكة، إلا أنه تطرق أيضا لبعض المحظورات الخطيرة في المجتمعات العربية، من ضمنها الشذوذ الجنسي والخيانة الزوجية والعذرية. ما يظهره الفيلم أيضا، هو مدى قوة المرأة العربية، الامر الذي أثار بعض الانتقادات والاشادات بالفيلم على حد سواء. فالمرأة في فيلم لبكي، يمكن أن تُحب، تُحارب، وأن تثور كذلك، لكنهن يعلمن في قرارة أنفسهن أنهن يمكنهن التعامل مع أي شيء قد تلقيه الحياة عليهن. ولجعل الفيلم فني وواقعي أكثر، قررت لبكي أن تتخذ منحاَ مختلفا من خلال إختيار العمل مع ممثلين هواة.

وتقول: "أحب أن أصنع أفلاما تلامس هموم الناس"، وتضيف لبكي: "أريد من القصة والممثلين أن يلمسوا قلوب أكبر عدد ممكن من الناس. أريد لجمهوري معرفة أوجه الشبه بينهم وبين الشخصيات في أفلامي، كيف يتكلمون، كيف يتصرفون، هذا هو السبب في أنني أفضل إستخدام مجموعة من الهواة. هناك الكثير من الجمال في الناس العاديين، وبالتالي، فإنني أفضل أن أختار ممثلي من واقع الحياة".

وعند الحديث عن ممثلين هواة، لبكي ترى نفسها واحدة من هؤلاء. وأضافت "أنا لم أفكر أن أكون يوما أمام الكاميرا. لكنني عندما بدأت إدارة الممثلين، فكرت بالتمثيل، أن أقوم بإداء واحد من الأدوار التي أبدعتها."

وقد تركت الحروب والصراعات الدينية تأثيرها على لبكي وأفلامها، فبعيدا عن الحب والرغبة والزواج ومشاكل الاهل، يحتوي فيلم "كراميل" على رسالة هي أن التعايش بين مختلف الجماعات الدينية في لبنان أمر طبيعي.

فيلم لبكي الثاني "وهلأ لوين"، قصة مشغولة بعناية لتلامس الجمهور، لكنه يبرز أيضا رسالة هامة. ويحكي الفيلم قصة مجموعة من النساء عقدن العزم على منع الرجال في قريتهن من التورط في حرب دينية. وإتحدن جميعا لتنفيذ الحيل الذكية لصرف رجالهم، من خلال تزييف معجزة وإستئجار عدد من المتعريات الأوكرانيات.

وتضيف: "أنا أؤمن بقوة السينما، إنه يمكنها تغيير الأشياء من حولنا. في وقت ما، خط أو مشهد في الفيلم يجعلك تفكر في نفسك، وفي قراراتك. وعبر ملامسة قلبك، يمكن للأفلام أن تقدم الأمل أكثر من السياسة، " تقول لبكي.

"وهلأ لوين" إنتاج فيلمي لبناني كبير، بميزانية 5.5 مليون دولار أمريكي، فاز بجائزة أفضل فيلم في تصويت الجمهور بمهرجان تورونتو. وقد بدأ الحديث عن جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي بالفعل. وتعترف لبكي أنها تريد أن تدخل الترشيح إلى أبعد حد، حيث تشير: أنّ جوائز السينما مهمة جدا بالنسبة لي. عندما تأتي من مكان تنعدم فيه صناعة السينما، عليك أن تتعلم كل شيء بنفسك لهذا أحتاج الى التقدير من الآخرين لأعرف أني أقوم بالأمور في الشكل الصحيح، لأن ليس لدي أي مرجع. كل فيلم هو مغامرة بحد ذاته، حيث أن صناعة الأفلام في المنطقة ليس أمرا هينا."

أما بالنسبة لجوائز الأوسكار، تعترف لبكي: "لا أعرف ما إذا كنت سأفوز أم لا. أنا قادمة من بلد صغير تنعدم فيه صناعة السينما، ولكن إذا حصلنا على الترشيح، حينها، سيعني ذلك الكثير ليس بالنسبة لي فحسب، بل لبلدي كذلك."

فارييتي العربية في

08/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)