حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سميحة أيوب :

أطالب بإعدام البلطجية بحامض الكبريتيك

كتب حسام عبد الهادى

المشهد القاسى الفوضوى الذى تصدر الشاشات خلال عام 2011 - رغم روعة الحدث الذى تبعته تلك الفوضى، وهو الإنجاز الذى تحقق بثورة 25 يناير - تتمنى سيدة المسرح العربى «سميحة أيوب» ألا تراه فى ,2012 وأن تتحول الفوضى غير الخلاقة المدمرة التى سادت الساحة إلى هدوء واستقرار وأمن ورخاء ونهضة لمصر الجديدة التى نتمناها جميعا.

«سميحة أيوب» التى أصابها الفزع والاندهاش من اختلاط الحابل بالنابل وسيادة أسلوب التبجح وعدم الاحترام لكل فئات المجتمع دون فرز أو تصنيف من خلال المتبجحين المندسين الذين يفتقدون معايير التعاملات الإنسانية لأن فاقد الشىء لا يعطيه، فسبوا الناس وتبجحوا واعتدوا عليهم وأصبح الكل عندهم سواسية، هؤلاء القلة المنفلتة تطالب «أيوب» بتنفيذ حكم الإعدام فيهم ليس شنقا أو رميا بالرصاص ولكن بوضعهم فى براميل مملوءة بحامض الكبريتيك المركز حتى لا يكون لهم أى أثر فى الحياة ويكونوا عبرة لمن لا يعتبر ولبقية البلطجية الذين روعوا المجتمع وأفسدوا عليه أمنه وأمانه وهو البلد الذى عرف عنه الأمن والأمان «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» وتساءلت «أيوب» : كيف للثورة المحترمة التى رفعت رؤوسنا أن يندس فيها عناصر مخربة قليلة الرباية عديمة المسئولية كارهى أنفسهم، وكيف لنا أن نسمح بوجودها بيننا، وهى التى تفسد الحال كلما هدأ من خلال الوقفات الاحتجاجية غير المنطقية التى تعطل المسيرة الإصلاحية، ولعل الوقفة التى قاموا بها ضد د. كمال الجنزورى فور توليه مسئولية رئاسة الوزراء هى خير دليل على كلامى هذا، فهؤلاء المندسون المنفلتون لا يعرفون تاريخ وقدر هذا الرجل الذى يكفيه شرفا أنه الوحيد الذى قال «لأ» فى عز قوة وجبروت النظام السابق، وفى الوقت الذى كان يقول فيه الجميع «نعم» و«حاضر» و«تمام يا فندم» فما أحوجنا الآن لمثل هذه الخبرة والعقلية والنظافة ولعل بوادر حكمه بدأت تظهر فى تصريحاته المملوءة بالتفاؤل والأمل بأن غداً أفضل بإذن الله، ويكفى أن فى عهده عاد الأمن بقوة وانضبط الشارع المصرى بشكل ملحوظ.

·         رغم أن د. «عصام شرف» كان الميدان والثوار هم الذين أتوا به وهم الذين طالبوا برحيله؟!

نحن إذن نتحدث عن جهل وعدم وعى وعدم دراية بمجريات الأمور، لاينسحب كلامى على كل الذين خرجوا إلى ميدان التحرير، ولكن المنفلتين منهم والمرتزقة هم الذين أخذوا الأمور بعنترية ضلعاها «سياسة» الجهل و«فلسفة» التخلف.

·         هل أنت متفائلة بالقادم ؟

رغم ضبابية المشهد، إلا أننى متفائلة، لأن الوحشية الفظيعة التى تسيدت الساحة آن لها أن يقضى عليها، لأننا لم نعتدها من قبل كشعب واع ومسالم، فكيف تجرأنا على القتل وتجردنا من الإنسانية حتى الحرامية عايزة تسرق ده لو افترضنا وجود ضرورة للسرقة تسرق وإن كنت ضد هذا المبدأ تماما، ولكن لا تقتل، لأننا لم نكن فى يوم من الأيام شعبا دمويا.

·         وما الذى أوصلنا إلى هذه المرحلة ؟!

الجوع وعدم الأمان، فغالبية الشعب المصرى جاعت وسكنت العشوائيات، وبالتالى فمن الطبيعى أن يتوحشوا، وخاصة أطفال الشوارع الذين شاهدناهم فى واقعتى مجلس الوزراء وشارع محمد محمود، هؤلاء لم يجدوا من يوجههم ويمنحهم ثقافة الحياة، فهل هؤلاء الأطفال يعرفون كلمة أو معنى ثورة أو ثوار ؟! هم ساروا كالقطيع خلف كل من لوح لهم بلقمة أو بجنيه، وللأسف «مش هما دول ولاد مصر».

·         هل توافقيننى الرأى ورأى الكثيرين بأن الثورة كانت فقط من يوم25 يناير حتى 25 فبراير ؟

تماما، وبعد ذلك وطوال السنة لم نر إلا «ناس بتطلع فى الروح»، وبعد أن كانت الثورة أعادت لنا سمعتنا وكرامتنا، تراجعنا للأسوأ، وإن كان الأمل مازال موجودا فى إعادتها وبقوة مع عودة الاستقرار والأمن والأمان من جديد.

·         كم من الوقت نحتاج لتحقيق هذا الأمل ؟

«مش كتير» يمكن أقل من سنة، ولكن هذا لن يتم إلا بعد أن يتم فرز البلد من الشوائب والحقارة والمرتزقة والسوقة الذين يشكلون منظومة البلطجية، فإما تحييدهم أو تقويمهم ولو انصلح حالهم أهلا بهم ضمن نسيج المجتمع، ولو لم ينصلح فالمجتمع فى غنى عنهم.

·         بماذا تصفين صعود التيارات الإسلامية وانهيار الأحزاب المختلفة ؟

الحالة السياسية التى نعيشها الآن جزء مما نعانى منه، فهى ترس فى آلة الوطن، ولابد أن ينسحب عليها ما ينسحب على بقية تروس الآلة، وإن كنت مع إتاحة الفرصة أمام كل التيارات سواء الإسلامية أو السياسية للحكم، وبصرف النظر عن النتائج، فإن أجمل ما أفرزته الانتخابات القضاء على التزوير والبلطجة وقياس وعى الناس باختيار من يرونه فى صالحهم والبعد عمن هم ضدهم.. أيا كان الاختيار، وأريد أن أطمئن نفسى وأطمئن الناس بأنه لا خوف من الإخوان تحديدا، لأنهم سواء هم أو أى تيار إسلامى آخر لن يعيد لنا محاكم التفتيش ولن يهاجموا بيوتنا أو يجبروننا على شىء هو ضد إرادتنا، و«مش هايقولولنا ناكل إيه ونشرب إيه» فدورهم لن يخرج عن إطار التنظيم المجتمعى بعيدا عن الحريات الشخصية التى لا تضر، وإن كنت عاتبة على السلفيين الذين لم تشغلهم البطالة ولا سوء التعليم ولا المرض ولا الفقر بقدر ما شغلهم صوت المرأة عورة والمايوه، فهى أشياء عبيطة لا يصح لناس خرجوا لتوهم من عصر الجاهلية أن يصرحوا بها!!

·         والانتخابات الرئاسية ؟

أرى أن الرئيس القادم لم يتم تجهيزه بعد، وإن كانت بعض الأسماء التى ظهرت مؤخرا على الساحة قد يكون واحداً منها، وإن كنت أتمنى أن يكون الرئيس القادم لمصر مثل «عبدالناصر» وللعلم «ناصر» عندما تولى الحكم لم يكن جاهزا، لكنه كان يملك أقوى مقومات الحكم «الوطنية والعروبة والانتماء والقوة والخوف على الناس ورعاية مصالحهم وطهارة اليد» وهو ما أتمنى أن يكون عليه الرئيس القادم.

·         وبماذا تسمين الدفع المادى الذى يحدث فى إعلام الفلول ؟

حلاوة روح لن تستمر طويلا، فحلاوة الروح دائما ما تسبق طلوعها وحدوث الوفاة، فالإعلام المنبطح لن تقوم له قائمة مع قيام الدولة الجديدة التى تسعى إلى الصدق والشفافية والنهوض فى كل أركانها المجتمعية.

·     كنت فى وقت من الأوقات على رأس أهم كيان مسرحى فى مصر.. مدير المسرح القومى، فما نظرتك للفساد الفنى والثقافى الذى كان سائدا فى تلك الفترة ؟

كان الفساد سائدا فى كل كيانات الدولة وليس الفن والثقافة فقط، ورغم هذا الفساد قدمت فى المسرح القومى أقوى العروض التى وصلت بها إلى العالمية، وهو ما لم يحدث من قبل أن يتم تقديم عروضنا المسرحية تجاريا فى الخارج وتحديدا فى أوروبا مثلما حدث فى باريس عندما عرضنا «فيدرا» صحيح أنه عن نص فرنسى من السهل أن يفهمه الفرنسيون، ولكن كان لنا عروض أخرى عرضناها حبا منهم فى المسرح المصرى مثل «إيزيس» من إخراج «سمير العصفورى» و«رابعة العدوية» لـ «يسرى الجندى» وكلها عروض كانت تحمل المغزى السياسى بين طياتها فقوبلت باستحسان من الجميع، وكنت أتمنى أن يستمر حلمى بتوصيل مسرحنا إلى العالم حتى اصطدمت بأصحاب النفوس الضعيفة الذين أقصونى عن إدارة المسرح مرتين، مرة بالإقالة ومرة بالاستقالة.

·         كيف حدث ذلك؟

فى المرة الأولى التى أقلت فيها عام 1985 كانت بسبب وشاية من هذه العناصر لوزير الثقافة آنذاك «عبدالحميد رضوان» بأننى أتآمر ضده، رغم أن ثمة علاقة قوية نشأت بينى وبينه من أول يوم تولى فيه الوزارة، فبمجرد أن حلف اليمين فوجئت به يدخل على مكتبى بالمسرح القومى بصحبة «حسين مهران» رئيس هيئة قصور الثقافة - آنذاك - الذى عرفنى به ولم أكن أعرفه من قبل لا اسما ولا شكلا، ووجدته شاب أسمر بشوشاً عاشقاً للمسرح يبدى إعجابه بتاريخى وبما أفعله فى المسرح القومى، وهو ما جعله يقرر أن تكون أول زيارة له قبل أن يمارس مهام منصبه للمسرح القومى وللحق يقال إنه - أى عبدالحميد رضوان - يعد من أفضل وزراء الثقافة فى مصر، لكنه للأسف لم يأخذ فرصته ودمروه !!

«رضوان» بمجرد أن دخل علىَّ المسرح سألنى: ما الذى ينقصك فى المسرح القومى ؟!

وبدلا من أطلب لنفسى أشياء تخص مكتبى من الناحية الترفيهية كالمكيفات أو غيرها، فضلت أن أتحمل حرارة الجو فى سبيل أن يتم ترميم وإعادة تطوير المسرح القومى، وهو ما قام بتنفيذه على الفور.

·         إذن أين كانت الوشاية التى أطاحت بك ؟

بعد أن تعب بعض رجال المسرح من نجاحى، ومن حجم العلاقة الطيبة بينى وبين الوزير، راحوا يبحثون عن الأشواك التى يلقونها فى طريقنا لإفساد العلاقة، وتصادف أن دعى «رضوان» وزراء الثقافة العرب الذين كانوا مجتمعين فى القاهرة لمشاهدة مسرحية «مجنون ليلى» التى كانت تعرض على المسرح القومى ويشارك فى بطولتها «على الحجار»: الستار كان المفترض أن ترفع فى السابعة مساء - أيام الماتينيه - وكانت المفاجأة الصادمة أن «الحجار» لم يحضر حتى السابعة - أى موعد رفع الستار - تصورت أن لديه ارتباطاً وفى الطريق إلى المسرح، لكنه لم يأت حتى الثامنة، أخرت العرض حتى التاسعة، لكنه - أيضا - لم يأت، ولم يرد على هاتف البيت - لم يكن وقتها الموبايل قد ظهر - المهم رفعت الستار فى التاسعة تحسبا لحضوره فى أى وقت، خاصة وأنه كان يدخل إلى المسرح بعد رفع الستار بثلث ساعة، لكنه - أيضا - لم يأت واضطررت لإغلاق الستار والاعتذار للضيوف، هنا تدخل أصحاب السوء ووشوا إلى «رضوان» بأن ما حدث ما هو إلا مؤامرة منى ضده لإحراجه أمام ضيوفه ولرغبتى فى الإتيان بزوجى «سعدالدين وهبة» إلى كرسى الوزارة فما كان من «رضوان» إلا أن اتخذ قرارا بإقالتى وتعيين «سمير العصفورى» بدلا منى.

·         وكيف كان رد فعلك ؟

لم أحرك ساكنا بداخلى ولم أدافع عن نفسى لأننى أكبر من تلك الوشايات لدرجة أننى و«رضوان» تقابلنا فى كثير من المناسبات ومنها حفل زفاف «أمانى» ابنة زوجى «سعدالدين وهبة» ولم أفاتحه فى الموضوع إلى أن تصادف بعد أقل من ستة أشهر من إقالتى بقيامى ببطولة مسرحية «الوزير العاشق» على المسرح الحديث من إخراج «فهمى الخولى» مدير المسرح - آنذاك - ومع «عبدالله غيث» والتى أحدثت ضجة كبيرة حينها فى الوقت الذى امتلأت فيه المسارح بالإسفاف، وفوجئت به يحضر العرض بصحبة 10 وزراء ثقافة عرب ومعهم النائب العام، وكانت آخر ليلة عرض ورغم ما حدث استقبلته ومن معه بترحاب وحرارة شديدين وكان فى العرض مونولوج يحمل إسقاطا سياسيا على كل من يتولى المناصب وقلتله بخبث شديد.

المونولوج يقول : «المنصب قد يصنع بطلا بين الأقزام، فيضيع المنصب فى يوم وتدوس عليه الأقدام». ومع نهاية المونولوج ضجت القاعة بالتصفيق والضحك معا. عقب العرض وجدت «رضوان» وضيوفه يدخلون علىَّ الغرفة لتحيتى وفوجئت به يسألنى : عندك حاجة بكره ؟! فقلت : أنا على سفر، فقال لى : ألغى سفرك فقلت له: ماينفعش لأن السفر مرتبط بعمل، فهددنى ضاحكا : ها أمنعك من السفر ؟! فقلت له : «محدش يقدر» فضحك وقال هاتسافرى الساعة كام ؟! فقلت له بعد الظهر، فقال : طب أنا عندى بكرة مجلس شعب، لو خلصت بدرى ها أكلمك وتعدى علىَّ قبل ما تسافرى علشان حاجة ضرورية، المهم ما تسافريش قبل ما أشوفك ؟ لكن الجلسة طالت فى اليوم التالى فهاتفنى فى المنزل قبل نزولى إلى المطار، وقال لى : أنا مش قادر أسيب المجلس لأن الجلسة طولت، وأنا باعتذر لك وبأقولك زى ما شلتك من إدارة المسرح أنا بأرجوكى ترجعيله تانى، وكفاية الهجوم إللى أنا خدته من الصحافة لما شلتك ؟! وأنا باعترفلك أنه كان هناك سوء تفاهم وطعم للأسف بلعته وأنا بأعتذر لك مرة ثانية.

وختم المكالمة : سأعلن عن ذلك فى الصحف وبمجرد عودتك من السفر تتسلمين عملك فرددت عليه وأنا موافقة، فأكد على متسائلا : خلاص أنا هاأدى كلمة للصحافة والإعلام ؟! فأكدت عليه : قلتلك خلاص موافقة وأنا كلمتى أقوى من إمضتى، وعادت العلاقة بيننا أفضل مما كانت عليه، إلا أنه يا فرحة ما تمت فلم يمضى على هذه الواقعة إلا شهور قليلة ليغدر به ويُقال «رضوان» من منصبه قبل أن يكتمل ترميم وتطوير المسرح القومى الذى افتتحه «أحمد هيكل» الوزير التالى له، وكانت لفتة طيبة من «هيكل» أن دعاه لحضور حفل الإفتتاح وقوبل بترحاب شديد اكثر مما قوبل «هيكل» نفسه.

·         رد فعلك مما وصل إليه المسرح القومى الآن ؟

أنا حزينة، وقد بكيت بكاء حارا لمدة ثلاثة أيام عندما أبلغتنى صديقتى «نادية لطفى» بخبر حريقه وكنت وقتها فى الغردقة، فالمسرح القومى أعتبره أحد الأعزاء الذين أفتقدهم فى حياتى وآخرهم ابنى الذى افتقدته من عام ونصف.

·         هل ما حدث على مدار 30 سنة هو تعمد لدمار الفنون ؟

تعمد لدمار كل كلمة شريفة، ولكل عمل جاد، ولكل بناء جديد يضاف للحضارة العظيمة إللى بناها أجدادنا. تعمد لقتل الإبداع، فالنظام السابق كان يريد الفن ككل منظومات المجتمع يتعامل بالفهلوة ، والحلنجية والعرى والهلس والإسفاف، كانوا يريدون أن تفكر مصر «بنصها التحتانى مش الفوقانى»!!

·         تعاملت مع ثلاثة رؤساء خلال مشوارك الفنى أهم علاماتك معهم ؟

جمال عبدالناصر» كان راعياً للفنون، ويكفينا شرفا أنا وجيلى أنه منحنا الأوسمة ونحن شباب وهو اعتراف بقدراتنا الفنية مما جعلنا نتحمل المسئولية طوال مشوارنا الفنى، فـ «ناصر» كان مؤمناً جدا برسالة الفن والإبداع، ومازلت أذكر لقائى به عندما منحنى الوسام. كانت نظرة عينيه قوية وثاقبة وبعيدة المدى وكلمة مبروك التى قالها لى هزت كل كيانى.

«السادات» كان محبا لـ «هيصة الفن» وأضوائه أما «مبارك» فلم يكن محبا للفن، لم يهتم بنا كفنانين ولا بالفن الذى وصل لأسوأ حالاته فى عهده، ولم يمنح أوسمة إلا عن أدوار ومجاملة مثلما حدث لأبطال فيلم «السادات» فهل يعقل أن يمنح وسام عن دور وليس عن تاريخ ؟! هذا ما كان يفعله «مبارك»!!

·         «سميحة أيوب» لو أصبحت وزيرا للثقافة ماذا ستفعل ؟

أولا لا أحب أن أتولى أى منصب، لأن المناصب فى بلدنا لا تمنح لها فرصة التنفيذ أو الإبداع ولا الصلاحيات الكاملة، ولكن إذا افترضنا هذا أول ما أنظر إليه هى الثقافة الجماهيرية التى أعتبرها الجهاز الضخم الذى أعتبره دولة فى حد ذاته، وهو يحتاج إلى تخطيط على أعلى مستوى ليعيد الوعى والذوق للجمهور المصرى الذى افتقده طيلة 30 عاما، هذا الجهاز كان مركزا للرواد أيام نهضته على يد «سعد الدين وهبة» الذى لو قدر لى أن أكون وزيرا للثقافة سأنفذ وصاياه فى هذا الشأن والمحبوسة عندى فى أدراج مكتبى

·         حسك أم احتياجك هو الذى يحركك لقبول أعمالك ؟

حسى طبعا، وليس أى حس، بل حسى السياسى والوطنى، فكثير من الأوقات قد لا يكون فى جيبى جنيه واحد وأرفض أعمالا كثيرة لا تناسبنى ولا تناسب تاريخى، فحسى الوطنى هو الذى دفعنى لأن يكون فى قائمة أعمالى ما يلامس الواقع الذى نعيشه ويحاكى الوضع السياسى للبلد بداية من «الإنسان الطيب» لـ «بريخت» و«دائرة الطباشير القوقازية» و«كوبرى الناموس» و«السبنسة» و«فى عز الضهر» و«رابعة العدوية» و«الملك لله» و«سكة السلامة» و«يا سلام سلم الحيطة بتتكلم» وصولا إلى «الخديوى»

·         ألم يكن التليفزيون المصرى أحق بعرض «الخديوى» ؟

كعادته التليفزيون المصرى يضيع عليه الفرص لأنه لم يتخلص بعد من آثار النظام البائد، فيبدو أنه خشى من عرضها حتى لا تقلب أوجاع الناس وهى - أى المسرحية - التى استشرفت بإحساس وقلم «فاروق جويدة» المستقبل عندما نقلت صورة غزو واحتلال العراق فى جملة كتبها «جويدة» تقول : «مآذن العراق تبكى» كذلك ما حدث فى مصر من بيع وفساد وظلم. هذه المسرحية عندما قدمت عام 1993 كانت جرأة منا جميعا، للدرجة التى جعلت المسئولين يرفضون تقديمها على المسرح القومى الذى كان يتولى إدارته آنذاك «محمود الحدينى» بحجة عدم توفر ميزانية، فتحمس لها «عبدالغفار عودة» رحمة الله عليه الذى كان يتولى منصب رئيس قطاع الفنون الشعبية، والذى كان معارضا شرسا فقدمناها على مسرح البالون.

مجلة روز اليوسف في

07/01/2012

 

لجان التحكيم اختلافهم رحمة وعذاب!

كتب طارق الشناوي 

من يملك الحقيقة لا أحد. العديد من النظريات العلمية التى استقرت نتائجها أطلت علينا بعد عدة سنوات نظريات أخرى تتناقض معها وإذا كان الحال كذلك فى العلم الذى يستند إلى معايير راسخة فما بالكم بالفن الذى تتعدد فيه زوايا الرؤية وأوجه التقييم.

لو ألقيت نظرة عين الطائر على العديد من نتائج لجان تحكيم المهرجانات السينمائية العربية خلال 2011 لرصدت العديد منها .. مثلاً مؤخراً فى مهرجان «وهران» شارك فى التسابق على جائزة «الوهر» لأفضل فيلم عربى فيلما «نورمال» الجزائرى و «هلأ لوين» اللبنانى وحصل «هلأ لوين» على جائزة أفضل فيلم، بينما خرج فيلم «نورمال» من مولد الجوائز بلا حتى حمص! قبل أقل من شهرين كان نفس الفيلمين يتصارعان فى مهرجان الدوحة ترابيكا على نفس الجائزة أفضل فيلم عربى وحصل «نورمال» للمخرج «مرزاق علواش» على الجائزة بينما لم يكن نصيب «هلأ لوين» لنادين لبكى سوى جائزة الجمهور!

لا توجد قواعد مطلقة فى الإبداع الفنى، كما أنه لا توجد أيضاً قواعد مطلقة فى التقييم وهكذا مع تغير أسماء لجنة التحكيم تغير مؤشر اتجاه الجائزة.

لا يمكن أن تعثر على مبدع ديمقراطى ينصت للرأى والرأى الآخر.. الإبداع بطبعه لا يعرف سوى الرأى الواحد.. على الجانب الآخر فإن الجمهور الذى يستقبل هذا الإبداع هو أيضاً ديكتاتور لا يعرف سوى الرأى الواحد الذى هو رأيه والرأى الآخر بالنسبة له هو رأيه أيضاً! الإنسان عادة يتنازعه فى استقبال الفنون عاملان قناعاته الشخصية وأيضاً توجهات الأغلبية.. هناك قدر من العدوى لاشك أنها تلعب دورها فى توجه الجمهور إلى نوع فنى أو فنان بعينه برغم أن المتلقى لا يعترف عادة بأنه صدى للآخرين.

لاشك أن نظرية «الطابور» - لاحظ أننى لا أستخدم كلمة القطيع لما تثيره من تداعيات لا تعبر بدقة عن المعنى الذى أقصده - الطابور هو انحياز الأغلبية إلى الفن السائد الذى تعارف عليه الناس وصاروا يتذوقونه بدون قصد والفن السائد لا يعنى أنه الأقل شأناً أو قيمة، ولكن من سماته أنه يستخدم نوعاً من المفردات غالباً ما تُشعر المتلقى بالألفة فهو يعرف تفاصيلها مسبقاً ويملك كل مفاتيحها.. الإنسان عدو ما يجهل مقولة صحيحة تماماً لأرسطو، ولهذا يتجه الإنسان لاشعورياً لما يعرفه إلا أنه فى كل الأحوال ينصت بداية إلى رأيه، ويتمنى أن يصبح هذا الرأى معبراً عن الأغلبية التى وقفت قبله فى الطابور!

وفى تلك المعادلة بين الفن والجمهور تقف مجموعة أخرى إنهم لجان التحكيم المنوط بهم أن يقيموا الإبداع.

إلى من ينحاز القاضى؟ إلى الحق بالطبع، ولكن هل يوجد فى الفن حق وباطل.. هل هناك معايير صارمة وكل القواعد التى حاولت تقييد الفن عبر العصور تم القفز فوقها من خلال مبدعين آخرين ليصنعوا على أنقاضها قواعد جديدة تخلق نمطاً مختلفاً وهكذا نرى الفن فى حالة تمرد دائم.

أن يحصل فيلم ما على جائزة من خلال لجنة تحكيم لديها قناعات ينبغى ألا تجعلنا نعتقد أنه دائماً سوف يظل يحظى بتلك المكانة من مهرجان إلى آخر، بل إنه أحياناً عندما يحصل فيلم على جائزة ويشارك فى مهرجان آخر تلاحقه فى هذه الحالة العيون بدرجة أعلى من الترقب تتساءل: ما هو المختلف بل ما هو الاستثنائى فى هذا الفيلم الذى دفع لجنة التحكيم إلى منحه تلك الجائزة؟ تماماً مثلما يتم اختيار ملكة جمال العالم فإن أول ما يواجهها هو عيون الناس التى تتساءل عن أسباب استحقاقها للقب؟!

فاز «نورمال» الجزائرى على «هلأ لوين» اللبنانى فى الدوحة بينما فى عقر دار «نورمال» مدينة «وهران» الجزائرية أطاح به تماما «هلأ لوين» اللبنانى وتلك هى شريعة لجان التحكيم اختلافهم أحيانا رحمة وأيضا عذاب!

مجلة روز اليوسف في

07/01/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)