حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

قسمة شبه عادلة بين سينما المؤلف وسينما الجمهور

الدار البيضاء – نور الدين محقق

أصبح من المعتاد أن يقف النقد السينمائي المغربي عند كل نهاية سنة ليقدم تقويماً عاماً للسينما المغربية من أجل تحديد أهم القضايا التي أثارتها أو أثيرت حولها، متوقفاً عند أهم الأفلام التي أنتجتها والصدى الذي خلفته سواء لدى النقاد والمهتمين بالشأن الفني المغربي أو عند عموم المشاهدين. كما يقف عند أهم الملتقيات والمهرجانات السينمائية التي اقيمت ومدى مساهمتها في دفع السينما المغربية الى المزيد من التواجد والحضور ليس على المستوى الوطني فحسب بل على المستوى العربي كما على مستوى المشاركة في المهرجانات الإفريقية والدولية... مع الوقوف طبعاً عند كل من العناصر المساهمة في المجال السينمائي وفي مقدمها النقد السينمائي.

ولعل أول مهرجان يجب الوقوف عنده وفيه التقويم المعتاد لمستوى الأفلام المغربية لهذه السنة هو المهرجان الوطني للفيلم، حيث نجد حضوراً قوياً للفيلم السينمائي المغربي الوثائقي، وقد تم عكس ذلك في فوز فيلم «أشلاء» للمخرج حكيم بلعباس بالجائزة الكبرى للمهرجان إضافة إلى الأصداء الطيبة التي خلفها في الوسط الثقافي المغربي، وهو فيلم ينحو منحى السيرة الذاتية ويندرج ضمن سينما المؤلف. في حين حصل على جائزة التحكيم الفيلم القوي «النهاية» لهشام العسري. وهو فيلم يمكن إدراجه سواء من حيث التيمة المهيمنة فيه أو من طبيعة الإخراج السينمائي المؤطر له ضمن «سينما ما بعد الحداثة»، لأنه فيلم ذو طابع عالمي، خصوصاً من حيث التقطيع السينمائي الذي اعتمده أو الرؤية السينمائية المتميزة للعالم التي تبناها... في مقابل هذين الفيلمين حتى وإن اختلفا سواء من حيث الطرح الفكري والتقنية الإخراجية، فإن ما يجمع بينهما يتمثل في الرغبة في التجديد وتقديم سينما خاصة ومرتبطة بشخصية المخرج وطريقة تفكيره في الأمور سواء بالنسبة إلى الأمور الذاتية (حكيم بلعباس) أو الأمور العامة (هشام العسري)، وهو أمر مهم يسعى إلى منح السينما الإبداعية المغربية قوة الحضور. وفي إطار التنويع الذي تشهده السينما المغربية، وجدنا في هذه السنة أيضاً حضوراً لكل من سينما الجمهور والذي مثلها هذه السنة بامتياز فيلم «الخطاف» للمخرج سعيد الناصري الذي لا تزال أعماله السينمائية تحظى بإعجاب الجمهور المغربي ويتابعها بكثير من الاهتمام، كما ظهر في فيلم «خمم» للممثل عبد الله فركوس الذي ولج من خلال هذا الفيلم إلى عالم الإخراج. كما عاد كل من المخرجين المعروفين عبدالحق العراقي بفيلم «جناح الهوى»، وهو فيلم مقتبس عن رواية مغربية باللغة الفرنسية «مقاطع مختارة، يوميات متعلمة جزار» للكاتب محمد نيدعلي. وقد أثار الكثير من الجدال حول مسألة العلاقة بين الإبداع الفني والفن الروائي ومدى التكامل بينهما، إضافة إلى مناقشة كيفية التناول الفني التي تناول بها علاقة كل من البطل وعشيقته المتزوجة. ولم تنس السينما المغربية هذه السنة طرح تيمة المرأة، وقد تم ذلك من خلال فيلم «نساء في المرايا» الذي قدمه المخرج سعد الشرايبي متابعاً من خلاله اهتمامه بقضايا المرأة ، كما سبق له أن فعل في فيلمه الشهير «نساء ونساء» ومن خلال فيلم «أكادير بومباي» للمخرجة سلمى بركاش. كما تناولت السينما المغربية تيمة الطفولة من جديد من خلال فيلم «ماجد» للمخرج لنسيم عباسي. من هنا يتبين لنا أن السينما المغربية قد حرصت هذه السنة على تنويع المواضيع سواء من حيث المواضيع المطروحة أو حتى من حيث طرائق التناول. أما في خصوص باقي الملتقيات والمهرجانات السينمائية المغربية الأخرى فقد حرصت على التواجد في هذه السنة في شكل مستمر، كما بدأت خصوصاً الملتقيات السينمائيات على نشر الكتب السينمائية التي تكون في الغالب تجميعاً للندوة الرئيسة فيها. وهي عملية ثقافية مهمة، فقد أصبح الكتاب السينمائي في تزايد مطرد، كما ساهمت هذه الكتب خصوصاً في دفع الشباب الجامعي إلى الاهتمام بالمجال السينمائي والحرص على الاشتغال العلمي فيه.

أفلام قصيرة

تألقت هذه السنة أفلام سينمائية قصيرة استطاعت أن تحقق لها تواجداً قوياً سواء على مستوى المتابعة الإعلامية أو على مستوى مشاركتها في المهرجات الوطنية والقارية والدولية، وقد استطاع فيلم «حياة قصيرة» لعادل الفاضلي الذي فاز بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم في دورته الأخيرة 12 أن يفرض حضوره وأن يؤكد هذا التميز الإبداعي حيث فاز كذلك بمجموعة من الجوائز الأخرى خارج الوطن مثل الجائزة الكبرى لمهرجان مالمو السينمائي للأفلام العربية. كما تميز الفيلم القصير «كليك وديكليك» للمخرج والناقد السينمائي عبد الإله الجواهري بطريقة تناوله الفنية لدور الصورة في الحياة الإنسانية وعلاقة الإنسان بصورته الشخصية. إضافة إلى أفلام سينمائية مغربية قصيرة «القرقوبي» لقيس زينون وفيلم «المنحوتة» «للمخرج مراد الخوضي وفيلم «باسم والدي» للمخرج عبد الإله زيراط.

وفي خصوص النقد السينمائي تزايد عدد النقاد المهتمين بالمجال السينمائي، وتنوع النقد بين النقد السينمائي الأكاديمي الذي يصدر في كتب تكون في الغالب موجهة الى الباحثين وطلاب الجامعات والمعاهد المهتمة بالسينما في شكل خاص أو بمجال السمعي البصري في شكل عام، وبين النقد الصحافي المتابع للأفلام بمثابرة قوية وتنوعه بين النقد الانطباعي وبين النقد التحليلي والنقد الموضوعاتي، على رغم غياب صفحات خاصة بالسينما في الصحف المغربية كما كان في السابق. هذا من دون أن ننسى وجود مجلات سينمائية هامة ساهمت وتساهم في مناقشة المجال السينمائي المغربي والوقوف عند أهم الأفلام السينمائية المغربية. وهي ظاهرة صحية على رغم توقف بعض هذه المجلات عن إصدار أعداد منها.

أحسن فيلم

وقد اختارت الجمعية المغربية لنقاد السينما في الدورة 12 للمهرجان الوطني للفيلم، شريط «أشلاء» للمخرج حكيم بلعباس بوصفه افضل افلام العام نظراً «للقيمة الفنية الكبيرة التي تميز بها». وهو ما تم تأكيده أيضاً وهو يفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان.

وكعادتي كل سنة، أختار هنا عن طيب خاطر فيلماً سينمائياً مغربياً، يكون غير الفيلم الذي تم الاتفاق حوله، حرصاً على التنوع ليس إلا، أجعله فيلم السنة وأكتب عنه، وقد وقع اختياري هذه السنة على فيلم «النهاية» للمخرج الشاب هشام العسري.

في شكل عام مثلت السينما المغربية في السنوات الأخيرة ظاهرة ثقافية مغربية بامتياز وهو ما تم تأكيده هذه السنة أيضاً، فقد استطاعت هذه السينما أن تفرض نفسها على المشهد الثقافي المغربي سواء من حيث التأثير الذي تخلفه الأفلام التي تقدمها مع اختلاف الآراء حولها ككل ظاهرة ثقافية حية وموجودة بقوة، خصوصاً مع تزايد وتيرة الإنتاج فيها وتنوع المواضيع التي تطرحها. وهو أمر صحي ينم على أهمية السينما والدور الذي تستطيع أن تلعبه في مجال الحياة الثقافية والاجتماعية على حد سواء.

الحياة اللندنية في

30/12/2011

 

5 أفلام معاً للمرة الأولى!

دمشق - إبراهيم حاج عبدي 

في مراجعة سريعة لحصاد السينما السورية خلال السنة المنقضية، يعثر المتابع على مفارقة تدعو للتساؤل والحيرة، ففي حين أعلن مدير المؤسسة العامة للسينما السورية محمد الأحمد عن تعليق الدورة التاسعة عشرة من مهرجان دمشق السينمائي الذي كان من المفترض أن يعقد في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وهو حدث تفاخر به مؤسسة السينما كثيراً، فإن المؤسسة، ذاتها أعلنت عن إنتاج إربعة أفلام روائية طويلة وفيلم وثائقي طويل خلال هذه السنة، وهو ما يعد سابقة في تاريخ المؤسسة التي لم تحقق مثل هذا الرقم من قبل.

ومع أن انتاج خمسة أفلام خلال سنة واحدة لا يشكل «فتحاً سينمائياً»، وهو ليس كبيراً بالقياس إلى دولة كالمغرب، مثلاً، التي أنـتـجت خـلال هذه الـسنة المنـتـهـيـة نـحـو 25 فيلماً روائياً، فإن الرقم ينطوي على بعض المواربة، إذ يجب ألاّ نـنسى ان حـصـيلة المؤسـسة في الـسـنة الـسـابقة 2010 كـان فـيـلـماً يتـيماً وهو «حراس الصمت» لسمير ذكرى، فضلاً عن أن ثمة أفلاماً يجري الحديث عنها خلال سنوات عدة، وهي تضاف إلى إحصائية كل سنة إلى أن تنجز، كما هو الحال مع فيلم «الشراع والعاصفة» لغـسـان شميط الذي انتهى من تصويره أخيراً، علاوة على أن هذا الرقم السخي بالنسبة «للروائي الطويل»، حال دون إنتاج أي فيلم روائي أو تسجيلي قصير، كما أفاد مصدر مقرب للمؤسسة، مع الإشارة كذلك إلى ان الوثائقي الطويل «نوافذ الروح» للمخرج الليث حجو لم تنتجه المؤسسة بمفردها، بل شاركت في إنتاجه شركات إنتاج خاصة.

موازنة كريمة

وحين تتباهى فصلية «الحياة السينمائية» على غلاف عددها الأخير بالإنجاز الاستثنائي الذي حققته المؤسسة عبر تاريخها، فإنها تنسى الإشارة إلى أن هذا الكمّ، على قلته، جاء كنتيجة طبيعية لرفع الموازنة «الرسمية» المخصصة للإنتاج السينمائي في البلاد في السنة الماضية إلى نحو ثلاثة أضعاف ما كانت عليه لتصل إلى نحو 135 مليون ليرة سورية (الدولار الأميركي يعادل نحو 50 ليرة سورية)، ولا يمكن لأحد أن يجادل في حقيقة أنه لو توافر التمويل المطلوب، فإن هناك العشرات من المشاريع السينمائية المؤجلة التي تنتظر الإنجاز، ومثلما تسنى، خلال هذه السنة، لعبد اللطيف عبد الحميد أن يحقق فيلمه الجديد «العاشق»، ولواحة الراهب أن تنجز فيلمها «هوى»، ولجود سعيد أن ينطلق في تصوير فيلمه «صديقي الأخير»، فضلاً عن شميط وحجو، فإن هناك أعداداً مماثلة وأكثر من السينمائيين السوريين انتظروا طويلاً بينما مشاريعهم وسيناريواتهم غافية في الأدراج، لأن أدراج «العملة» مقفلة في وجهها!

ولئن كان من الطبيعي ان يؤجل مهرجان دمشق السينمائي نتيجة الأزمة الراهنة، وبسبب الظروف الأمنية المضطربة، فإن ما هو مستغرب ألاّ تسجل سوريا أي حضور في المهرجانات العربية والدولية، فقد غابت أفلام المؤسسة عن المهرجانات، ناهيك عن الحصول على جوائز. وثمة من يعزو مثل هذا الغياب الى المقاطعة غير المعلنة من قبل تلك المهرجانات للإنتاج السينمائي السوري الرسمي، وحتى عندما يتم اختيار بعض السينمائيين السوريين للجان التحكيم، فإن الاختيار يقع على أولئك الرافضين لسياسة المؤسسة الرسمية، فقد اختير، مثلاً، المخرج نبيل المالح كرئيس للجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان أبو ظبي السينمائي الأخير، وكذلك اختير المخرج محمد ملص كرئيس للجنة تحكيم مسابقة المهر الاماراتي في مهرجان دبي السينمائي الأخير.

واستمرت المؤسسة في إقامة بعض الاسابيع السينمائية كان آخرها بعنوان «أفلام لم نشاهدها»، وهي الأفلام التي وصلت الى المؤسسة للمشاركة في مهرجان دمشق السينمائي، وإذ تعذر ذلك جرى عرضها في تظاهرة خاصة، كما استمرت المؤسسة في إصدار سلسلة «الفن السابع» التي يشرف عليها الناقد السينمائي بندر عبد الحميد، الذي قال ان «نحو خمسة وعشرين عنواناً صدرت في هذه السنة، ليصل مجموع عناوين هذه السلسلة الى نحو 210 كتاب».

ولا يمكن بالطبع ان نستعرض المشهد السينمائي السوري من دون ان نتذكر صاحب «الحياة اليومية في قرية سورية»، المخرج السينمائي عمر أميرلاي الذي رحل في شباط (فبراير) الماضي تاركاً فيلموغرافيا نوعية جعلته أحد أبرز رموز السينما التسجيلية الوثائقية في العالم العربي.

إنه مشهد سينمائي متقشف وبسيط لا يختلف في مفرداته وتفاصيله عن السنوات السابقة، لا سيما وأن القطاع الخاص الذي نشط نسبياً خلال السنوات القليلة الماضية لم يغامر، خلال السنة المنصرمة، بتقديم الجديد لإثراء هذا المشهد الذي يسعى بعض الشباب العاشق للسينما إلى تنشيطه، كما يفعل عروة النيربية وشريكته في السينما والحياة ديانا الجيرودي، اللذان استمرا في إقامة الدورة الرابعة لمهرجان أيام سينما الواقع (دوكس بوكس) في الثلث الأول من شهر آذار (مارس) الماضي، وهو مهرجان يحتفي بالسينما التسجيلية ويبتعد عن أي مظهر احتفالي باذخ، ويحظى برعاية العديد من الجهات والمؤسسات، لكنه يعاني من بعض العقبات والعراقيل «الرسمية»، كما يقول منظموه، وهو يمنح جائزة يقررها الجمهور، وقد ذهبت في دورته الأخيرة الى فيلم «تيتة ألف مرة» للبناني محمود قعبور.

الحياة اللندنية في

30/12/2011

 

بين ربيع السينما العربية وخريفها

باريس - ندى الأزهري 

طغت أفلام الثورات العربية على الحضور السينمائي العربي في باريس هذا العام، وكانت المكون الأول والحافز الرئيس لكثير من التظاهرات التي نظمتها الجمعيات الخاصة بالتعاون مع بعض صالات «فن وتجريب». وجاءت أبرز العروض في «ربيع السينما العربية» الذي نظمته جمعية السينما العربية الأوربية، وفي «ثورة الياسمين والربيع العربي» من تنظيم جمعية «مغرب الأفلام»، وفي «الشرق الأوسط: ما تستطيعه السينما»... وكانت استعادة مجمل أعمال نوري بو زيد في السينماتك الفرنسية مناسبة للحديث عن الثورة التونسية بين العلمانيين والإسلاميين. ويضاف إلى هذا وذاك تخصيص أيام وعروض وندوات في معهد العالم العربي وبعض الجامعات الفرنسية للسينما العربية، وخصوصاً لسينما الثورات.

ومن جهة أخرى تتابعت العروض «العادية» في دور السينما لأفلام فرنسية أو «أجنبية» تنتمي على نحو أو آخر إلى العالم العربي، سواء عبر مخرجيها أو مواضيعها أو ممثليها.

من الأفلام الأجنبية، الفيلم اللبناني «وهلأ لوين» لنادين لبكي، والذي جاء مخيباً حتى على صعيد «التسلية». هذا الشعور بالملل أمام فيلم ينتمي لسينما الترفيه، كل ما يفعله هو الضرب على أوتار حساسة (الحرب الأهلية اللبنانية وملحقاتها...) بأسلوب سطحي ومعالجة باهتة، هو أمر خطير. فماذا يبقى له والحال هذه؟! إعجاب الجماهير؟ حسناً، ليكن. لكن مغازلة الإجماع العام عمل يناسب الدعاية والكليب وليس الفن السينمائي.

الحرب اللبنانية حضرت أيضاً، إنما من دون تسميتها، في «حرائق» للكندي دينس فيلنوف المأخوذ عن مسرحية لوجدي معوض. فيلم لم يهدف إلى شرح نوعية الصراع في تلك الحرب، إذ فضَل الخروج من أسر المكان والزمان ليغوص، ربما بحرية، في العنف الإنساني ومشاعر الانتقام، فخاض في تداعيات الحروب، الأهلية منها خاصة، وفي صراع الانتماءات، الدينية منها تحديداً.

وقدم المخرج الكردي العراقي المقيم في باريس، هنر سليم، طرافة مميزة في «إذا مت سأقتلك»، لكنها لم تسعف فيلماً ذا قصة مركَبة وحوار سخيف، عن فتاة كردية تهبط فجأة في باريس وتتحدى كل تقاليد الجالية التي تحاول أسرها لتحقق الحلم بالحرية.

وفي نوع من العروض قد لا نجده سوى في باريس نظمت صالة تنتمي لفئة «فن وتجارب» المخصصة، في معظم الحالات، لسينما المؤلف عروض فيلم «مفروزة» للفرنسية إيمانويل ديموري بأجزائه الخمسة التي تجاوزت العشر ساعات. المخرجة زارت «مدينة الأموات» الأثرية اليونانية في الإسكندرية لتبحث علاقة السكان الأحياء المقيمين فيها مع الموت. بيد أنها سرعان ما انحازت لهؤلاء الأحياء المدهشين بخطابهم وباتت واحدة منهم، والتقطت أحلى ما فيهم وأثمن ما يمتلكون: الحرية والفرحة ورغبة العيش.

ولكن ماذا عن السينما «العربية الأصل والفرنسية الأسلوب» على حد تعبير الناقد الفرنسي جان ميشال فرودون؟ وماذا عن هؤلاء السينمائيين ذوي الأصول العربية الذين أمسوا «مكوّناً» من مكوّنات السينما الفرنسية و «جزءاً منها»؟

السينما الفرنسية بدأت تمتلئ شيئاً فشيئاً بوجوه جديدة من المخرجين والممثلين ذوي الأصول المغاربية وإن كان عام 2011 قد شهد عدداً قليلاً من أفلام تنتمي لهذه الفئة. ويمكن القول إن «عمر قتلني» للمخرج رشدي زم كان أكثرها صدى. زم ممثل فرنسي من أصول مغاربية أراد من خلال فيلمه الأول كمخرج إثارة قضية عمر الرداد الجنائني المغربي الذي اتهم بجريمة قتل شغلت فرنسا وقت وقوعها مطلع التسعينات ولم تنتهِ تداعياتها إلى اليوم. فقد تقرر فتح الملف قضائياً من جديد وإجراء تحقيقات إضافية. عمر الرداد اتهم بقتل مخدومته لرفضها إقراضه مبلغاً من المال وحكم عليه بالسجن ثمانية عشر عاماً، ثم أفرج عنه بعفو رئاسي بعد سبع سنوات. لكنه ظل مذنباً بنظر القضاء، وهو لا يزال يطالب بإعادة المحاكمة وتبرئته لرد الاعتبار له. الفيلم ذهب في هذا الاتجاه، ووقف في صف المتهم بإبرازه ثغرات في التحقيق سبق وجرى تناولها في مقالات وكتب.

وكشف الوثائقي «هنا نغرق الجزائريين» لياسمينة عدي عن صفحة أخرى في التاريخ الدموي والمعقد الذي يربط بين الجزائر وفرنسا، حين توجه جزائريون، في أجواء متوترة محيطة بمفاوضات استقلال الجزائر، للتظاهر احتجاجاً على فرض منع التجول عليهم، فواجهتهم قوى الأمن واعتقلت أعداداً منهم، ورمي بعضهم في نهر السين وهو ما حاول الفيلم إثباته عبر التقارير الرسمية والصور ومقالات الصحف الصادرة في تلك الفترة وفي أرشيف إذعات فرنسية عدة، وكذلك من خلال شاهدين على الحدث.

استقبال صاخب لرجال أحرار

وصفحة أخرى من التاريخ مجهولة كشفها «رجال أحرار» لإسماعيل فروخي الفرنسي ذي الأصول المغربية. استقبل فيلمه استقبالاً حسناً في فرنسا بسبب قصته الجديدة. رسم فروخي في فيلمه الثاني هذا لوحة لتعايش الأديان الثلاثة في باريس تحت ظل الاحتلال النازي، وبيَن الدور الذي لعبه مدير جامع باريس خلال تلك الفترة في إنقاذ الكثير من اليهود في فرنسا عبر توزيعه شهادات على يهود مغاربة وفرنسيين تثبت انتماءهم للديانة الإسلامية.

الحياة اللندنية في

30/12/2011

 

السينما اللبنانية الخاسر الأكبر رغم الأرقام القياسية

بيروت - فيكي حبيب 

هو عام الأرقام القياسية في السينما اللبنانية. 10 أفلام روائية طويلة في سنة واحدة، سابقة لم يعرفها القطاع السينمائي منذ زمن طويل، وتحديداً، منذ ستينات القرن العشرين، إبان التأميم الشهير الذي أصدره الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، ما انعكس يومها انتعاشاً في السوق السينمائية اللبنانية نتيجة هجرة رؤوس الاموال المصرية والفنانين والفنيين... فكانت حركة إنتاجية لم يشهد لبنان مثيلاً لها، قبل ان تأتي الحرب وتأخذ في طريقها كل شيء.

وإذا كانت تلك المرحلة عُرفت بفورة إنتاجية كبيرة، أفرزت أفلاماً من طينة «سينما المقاولات»، فإنّ الأمر يكاد ان يكون مطابقاً في العام 2011 الذي نودعه غداً. ذلك أن السينما اللبنانية، وعلى رغم غزارة إنتاجها خلال هذا الموسم، لم تحقق اي انتصارات حقيقية، خلافاً للسنوات الماضية حين كانت تكتفي بإنتاج فيلم او اثنين، تدور بهما من مهرجان الى مهرجان، حاصدة الجوائز والإشادات أينما حلّت. ومع هذا لا يمكن ان يغيب عن بالنا الخرق الذي حققته نادين لبكي بفيلمها «وهلأ لوين؟» الذي افتتح عرضه العالمي الأول في مهرجان «كان» قبل ان يدور في المهرجانات، ويصل الى الصالات التجارية، حتى تلك التي تبدو عصية على السينمات العربية بسبب انغلاقها على سينما بلادها، ونقصد بها، طبعاً الصالات المصرية.

خرق، يبدو في ظاهره، كفيلاً بتعويض اي خسارة. وإذا أضفنا ان الفيلم حطّم الأرقام القياسية من حيث إقبال الجمهور اللبناني عليه في الصالات، يُصبح اي حديث آخر، من باب الافتراء. لكنّ لا افتراء في القول ان «وهلأ لوين؟»، وإن نجح في امتحان الجمهور، فشل في امتحان النقد، خصوصاً في «كان»، حيث لم تتوافر له التغطية الإعلامية الكبيرة التي كان حظي بها «سكر بنات» (كاراميل)، باكورة أفلام لبكي إبان عرضه في المهرجان الفرنسي قبل سنوات. كما لم يحظ بالتسويق الكبير الذي حظي به سلفه... من دون إغفال ان اهم مجلة سينمائية فرنسية («كراسات السينما») لم يتردد ناقدها فنسان مالوزا في الإجابة بقسوة عن سؤال الفيلم قائلاً: «وهلأ لوين؟»... الى الحائط».

سينما القبضات المرفوعة

وإذا كان هذا ما يُقال عن فيلم نادين لبكي الذي استقطب الجمهور اللبناني، فما بالكم بأفلام سينمائيين جدد من عالم الفيديو كليب، يقودهم طموح ان تتكرر معهم قصة نجاح لبكي التي بعدما ذاع صيتها في إخراج كليبات نانسي عجرم، نجحت في اقتحام عالم الفن السابع؟

وفي هذا السياق، سجل العام 2011 السينمائي، حضور ثلاثة مخرجين اتوا من عالم الفيديو كليب، هم: جو بوعيد («تنورة ماكسي»)، سليم الترك (My last valentine in Beirut)، وعادل سرحان («خلة وردة»). يُضاف إليهم فيلم Sorry Mom الذي على رغم ان مخرجه هو السوري عماد الرفاعي كان من انتاج اللبناني باسم كريستو وإشراف المغني المعروف يوري مرقدي، ما طبعه ببصمة تلفزيونية خالصة.

لكنّ أياً من هؤلاء المخرجين الأربعة لم يعثر على وصفة نادين لبكي السحرية للنجاح، وإن تفاوت مستوى الشرائط ومضامينها. وهكذا تراوحت هذه الاعمال بين «تريللر» دون المستوى حول قاتلة متسلسلة في Sorry Mom، مروراً بقصة حب شبه مستحيلة في «تنورة ماكسي» الذي وقع في فخ طموح مخرجه الكبير، وصولاً الى عودة سينما «القبضات المرفوعة» مع «خلّة وردة».

واللافت ان السينما اللبنانية لم تشهد منذ زمن مثل هذا التنوع الذي يتراوح بين اعمال بوليسية أو رومانسية او نضالية.

وما يُقال عن هذه الأفلام يُطاول الأفلام الأخرى المنتجة هذا العام، وكأن «تيمة» الحرب التي شغلت السينما اللبنانية الروائية لسنوات طويلة، لم تعد تحتكر وحدها حبكات الأفلام. وبهذا، اذا استثنينا فيلم لبكي الذي يصوّر بطريقة فانتازية الاقـتتال الـطـائفي في قرية لبنانية افتراضية، يمكن القول ان الأفلام الأخرى لعام 2011 ابتعدت عن سينما الحرب. حتى فيلما «خلة وردة» و «شارع أوفلين» اللذان يبدوان للوهلة الأولى منتميين الى هذه السينما، سرعان ما يتضح انحيازهما الى السينما النضالية، خصوصاً ان الفيلم الأول اختار فيه سرحان قضية الاحتلال الاسرائيلي للجنوب محوّراً الأحداث، فيما اتجه الثاني (من إخراج المسرحي منير معاصري) الى صراع طلاب كلية القديس يوسف في لبنان مع الجيش السوري إبان فترة التسعينات من القرن الماضي. وفي حين وقع الأول في فخ الإيديولوجيا، وقع الثاني في فخ الاستسهال، ما أساء الى القضيتين معاً، ما ذكّر بمرحلة سالفة أُنتجت فيها، وفي لبنان خاصة، أفلام فلسطينية كثيرة مؤدلجة، أساءت الى القضية بدلاً من ان تخدمها.

وإذا كانت الأفلام هذه، اختارت بيروت مسرحاً للأحداث، مثلها مثل «تاكسي البلد» (للمخرج دانيال جوزيف) و «بيروت أوتيل» (دانيال عربيد)، فإن المخرج اللبناني المخضرم جون كلود قدسي اختار «تيمة» أردنية ملحّة في فيلمه الثاني «إنسان شريف»، وهي جرائم الشرف. اما فيلم سوني قدوح «هذا المكان الضيق» فمسرحه ديترويت حيث نسجت حكايا قصة صداقة تنشأ بين شاب عربي ناقم على اسرائيل وشاب اميركي مدمن على المخدرات.

تنوع... ولكن

لكنّ، هذا التنوع في المضامين والمسارح لم يشفع لهذه الأفلام التي مرّت كلها، مرور الكرام في المهرجانات - باستثناء فيلم نادين لبكي - من دون ان تنتزع اي جائزة.

بعد هذا كله، هل تكون السينما اللبنانية الخاسر الأكبر هذا العام بين السينمات العربية، على رغم الفورة الإنتاجية؟ إذا كان المقياس نجاحات السنوات الماضية والإعجاب الذي حصدته في المهرجانات، فإن الجواب سيكون بالإيجاب. وإذا كان المقياس تجربة السينما المغربية التي يمكن القول انها عاشت أزهى أيامها هذا العام، بعد الرهان لسنوات على أهمية التراكم، فإن الجواب سيكون بالنفي. وهنا على سبيل العزاء على الأقل، يطل المثل الشعبي: في الحركة بركة. وواضح ان حركة السينما اللبنانية لن تتوقف، ومنذ الآن يراهن عام 2012 على أسماء مخرجين شكلوا أوراقاً رابحة في الماضي، مثل مي مصري وميشال كمون. فهل ستستعيد السينما اللبنانية مركز الصدارة من المغرب او تشاركه فيه في شكل او في آخر؟

الحياة اللندنية في

30/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)