حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

لميس والفخرانى

طارق الشناوي

December 29th, 2011 9:47 am

سألنى أحد الزملاء: هل يوافق يحيى الفخرانى على آراء زوجته، لميس جابر؟ قلت له اسأل الفخرانى فأجابنى: هل من الممكن أن يعترض رجل على زوجته علنا وعلى رؤوس الأشهاد؟ وأضاف: ولكن ربما يذكر ذلك لأصدقائه المقربين.. قلت له أعرف بالطبع الفخرانى وهو واحد من أكثر الفنانين الذين يتمتعون بقدرة على التجسيد الدرامى فى تاريخ الدراما المصرية، ولكنى لست من أصدقائه الحميمين الذين يبوح لهم بآرائه الشخصية، ولهذا لا أملك إجابة قاطعة عن سؤالك! دفعنى هذا السؤال لكى أفكر فى ما هو أبعد.. إنه الخيط الرفيع بين الفنان وآرائه السياسية. هل نحن نحاسب الفنان على آرائه السياسية هو وعائلته وبناء عليه نحدد موقفنا منه؟ كانت مثلا قوائم العار التى تواكبت مع الثورة تعنى فى جانب منها سقوط هذا الخط الوهمى بين الفنان وموقفه السياسى، وبالطبع لا تستطيع أن تقول مثلا إن الناس كلما تطابقت مواقفها السياسية تجاه الفنانين ازدادت معدلات الإقبال على أعمالهم الفنية، حدث مثلا أن قاطع الجمهور طلعت زكريا ونجحت إرادة الناس ولم يصمد فيلمه «الفيل فى المنديل» رغم أن طلعت تحدى الجمهور الغاضب مؤكدا أنه إذا كان هناك بضعة آلاف يقاطعونه فإنه فى المقابل لديه الملايين الذين ينتظرونه، وعُرض فيلمه ولم يعثر على أثر يُذكر لتلك الملايين. على الجانب الآخر كانت القائمة تضم تامر حسنى وأصدر شريط «اللى جاى أحلى» ولم يشترِهِ أحد وانتظروا اللى جاى، إلا أنه فى مسلسل «آدم» لم تنجح بنفس الدرجة المقاطعة التى تبناها عدد من النشطاء على «فيسبوك». لم نعرف بالطبع ما نسبة الإقبال رغم أن ما حرص عليه تامر هو أن يقدم للجمهور فى المسلسل ما يبرئ ساحته الشخصية، فهو المناضل الشهم الجدع.

لا شك أن مشاعر الناس لا تفصل تماما بين الفنان ومواقفه السياسية، قد يحدث نوع من التسامح وفى لحظات تخفت حدة الغضب، ورغم ذلك فإن العمل الفنى ينبغى أن يملك القدرة على الجذب، والدليل أن خالد الصاوى أحد الفنانين الكبار الذين كان انتماؤهم إلى الثورة وإلى المعارضة سابقا، وشارك فى مظاهرات عديدة ضد فساد مبارك، ولكن كل ذلك لم يشفع له فى فيلمه «الفاجومى» الذى لم يحقق إيرادات تليق باسم الصاوى. لو كان المقياس السياسى هو المؤشر الذى يحدد توجه الناس لحقق الفيلم أعلى أرقام فى شباك التذاكر.

هل تتأثر نجومية الفخرانى بسبب آراء زوجته؟! الفخرانى قبل الثورة لم يكن من الفنانين أصحاب الآراء المعلنة ضد النظام. بالتأكيد لم يكن أحد الأبواق التى تدافع عن التوريث، فهو مثلا يختلف فى هذا المجال عن عادل إمام الذى كنت تراه وهو يتلكك فى أى حوار يجريه من أجل أن يدافع عن مبارك أو يمهد لتوريث الحكم لجمال.. الفخرانى ليس هو الفنان الذى ينافق السلطة، لكنه بطبعه لا يهاجمها، على عكس زوجته التى كانت لها آراؤها المكتوبة التى تهاجم الفساد فى عهد مبارك ولكنها بعد الثورة انقلبت 180 درجة وصارت من الأصوات التى تدافع عن العهد البائد وتتبنى قرارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وكثيرا ما دافعت عن المخلوع بحجة أنها تريد الحفاظ على مقامه كرمز!

الفخرانى طوال الثورة لم أتعرف آراأه سوى مرة واحدة عندما أجرى محادثة تليفونية قبل تنحى مبارك مع منى الشاذلى فى العاشرة مساء، ولم يكن من عاداته أن يتحدث فى السياسة، ولكنه كان يميل بقوة ودون مواربة إلى تأييد الثورة.

لا أعتقد أن الجمهور فى تعامله مع الفخرانى يضع فى المعادلة آراء لميس جابر، ولكن الشريط الفنى هو الذى يحدد مؤشر توجه الناس.

الفخرانى لا يمكن أن ينتقد زوجته على الملأ، ولا أتصور أيضا أنه سوف يعلو صوته فى أجهزة الإعلام مؤيدا لها، خصوصا أنها تحولت من شاهد محايد على الأحداث إلى طرف مشارك فيها.. كلما تعرضت لميس لانتقاد من مؤيدى الثورة ازدادت شراسة فى الهجوم على الثوار وازدادت جرعات تعاطفها مع المجلس العسكرى ومبارك وأسرته.. الفخرانى لن يدفع الثمن، على شرط أن يظل محتفظا على الأقل بصمته.. السكوت فى مثل هذه الأحوال لا يفسر بالضرورة بأنه من علامات الرضا!

 

2011.. نجومه وصعاليكه

طارق الشناوي

December 27th, 2011 9:30 am

أفضل فيلم سينمائى: الطيب والشرس والسياسى «التحرير 2011».

أفضل ممثل: ماجد الكدوانى «أسماء».

أفضل ممثلة: هند صبرى «أسماء».

أفضل مخرج: أحمد عبد الله «ميكروفون».

أفضل فيلم أجنبى: «انفصال نادر وسامين» الإيرانى و«دجاج بالبرقوق» الفرنسى.

أفضل كاتب: أيمن بهجت قمر «إكس لارج».

أفضل ممثل تليفزيونى: خالد الصاوى «خاتم سليمان».

أفضل ممثلة تليفزيونية: ريهام عبد الغفور «الريان».

أفضل كاتب صحفى: وسيم السيسى وجلال أمين.

أفضل كاتب عامود: جلال عامر وفهمى هويدى.

أفضل كاتبة عامود: نجلاء بدير.

أفضل أغنية: إزاى لمحمد منير.

أكثر الأغانى الوطنية إبداعا: «فيها حاجة حلوة»، رغم تقديمها قبل الثورة بعامين.

أفضل ملحن: عمر خيرت.

أفضل مطرب للثورة: حمزة نمرة وعزيز الشافعى.

أفضل مطربة: ريهام عبد الحكيم.

أفضل مقدم برامج: يسرى فودة.

أفضل مقدمة برامج: دينا عبد الرحمن.

أفضل شخصية سياسية: جورج إسحق.

أفضل ناشط سياسى فى الثورة الأولى: وائل غنيم.

أفضل ناشط سياسى فى الثورة الثانية: علاء عبد الفتاح.

أفضل شخصية سياسية مرشحة لأداء دور محورى: عمرو حمزاوى، وعمرو الشوبكى.

أسوأ شخصية تتطلع للرئاسة: عمرو موسى.

أفضل شخصية تصلح للرئاسة: محمد البرادعى.

أكثر شخصية تعرضت للظلم قبل وبعد الثورة: محمد البرادعى.

أكثر شخصية تضاءلت أسهمها فى الرئاسة: محمد البرادعى.

أكثر شخصية لا تصلح للرئاسة: أحمد شفيق.

أشهر بلوفر: الأزرق لصاحبه أحمد شفيق.

أسوأ تبرير: الطرف الثالث.

أكثر الشخصيات خبثا من مرشحى الرئاسة: سليم العوا.

أكثر الشخصيات نقاء من مرشحى الرئاسة: عبد المنعم أبو الفتوح.

أكثر الشخصيات الهزلية من مرشحى الرئاسة: حازم صلاح أبو إسماعيل.

أكثر شخصية خسرت فى السياسة: عصام شرف.

أكثر شخصية تنافس شعبولا فى التووك شو: عبد المنعم الشحات.

أسوأ شخصية: المشير حسين طنطاوى.

 

ثورة نساء مصر فى «وهران»!

طارق الشناوي

December 24th, 2011 9:40 am

نادى مذيع الحفل على اسمى باعتبارى رئيسا للجنة التحكيم لكى أصعد على خشبة المسرح معلنا جوائز مسابقة الفيلم التسجيلى فى مهرجان «وهران»، لم أكن فى واقع الأمر همى هو السينما ولا إعلان الجوائز بقدر ما كانت مصر حاضرة فى وجدانى وصورة الفتاة المسحولة فى ميدان التحرير صارت لقطة ثابتة وهى التى تملك علىّ مشاعرى.. مصر بنسائها أبهرن العالم هن حماة الثورة وهن اللائى يقضضن مضاجع المجلس العسكرى. وأعتقد أن أفراد الجيش المكلفين بفض المظاهرات مهما أوتوا من قوة باطشة لن يستطيعوا أن يقهروا المرأة، سيظلون فى حالة خوف وهلع لن يستطيع القائد الأعلى أن يعطى أوامره للجنود لكى تضرب وتقتل، سيبدو رعديدا فى مواجهة هذا الصوت، وإذا ارتكب حماقة فإن ثمن تهوره سيكون أفدح وخطيئته ستصبح أفضح والعالم الآن يتناول باستهجان لجوء العسكر لاستخدام القوة المفرطة.. صورة الفتاة المسحولة أصبحت هى لقطة العام.

كان ينبغى أن أعلن ذلك من الجزائر، وأنا أدرك بالطبع أن العلاقة المصرية الجزائرية بين الشعبين أصيبت قبل عامين بقدر من الفتور، بسبب ما أقدمت عليه عائلة «مبارك»، عندما أشعل «علاء» الفتنة وصدرها للإعلام ولم يتوان قسط وافر من النجوم عن نفاق «مبارك»، وتوجهوا بقوة إلى النَيل من الشعب الجزائرى الذى لا تزال بداخله بقايا مما حدث من انفلات إعلامى.. الكلمات التى خرجت من هذا المذيع الكروى وغيره وهى تستبدل بتعبير بلد المليون ونصف المليون شهيد كلمة لقيط، هذه الكلمة تسببت فى إحداث عدد من الخدوش تركت ندوبا على المشاعر، إلا أنهم وبنفس القدر تفهموا أن مبارك وعائلته ونظامه الفاسد هم الذين شوهوا المشاعر، هم من لعب على هذا الوتر لإلهاء الناس بمتابعة صراع مباراة كرة.. كان نجلا مبارك وزوجته والدائرة القريبة من العائلة يعتقدون أن الفوز فى مباراة للكرة مع وجود «جمال» فى أم درمان، سوف يسهم فى تمرير ملف التوريث وهذا سيؤهله لتحقيق جماهيرية، ولا أستبعد أن الخطة فى بعض تفاصيلها وفصولها التالية كانت تستتبع تقديم أغنيات لعمرو وتامر وفؤاد تشيد بالفريق، ولا بأس فى هذه الحالة من التغنى بنجله، خصوصا أن حسن شحاتة لم يكن سيتوانى كعادته فى إهداء كل شىء للرئيس، ومن الممكن أن يضيف فى ملحمة النفاق إهداء الفوز لابن الرئيس، حيث إن ساعة الصفر بإعلان الولاء للابن كانت قد اقتربت.. النجاح يعود إلى تشجيعه وكلماته الملهمة أما الإخفاق فسوف يتحمل وزره الفريق الذى لم يستطع أن يتماهى مع إلهامه!

كل هذه التداعيات مرت أمامى فى لحظات قبل أن أصل إلى الميكروفون وأعلن للحاضرين وعلى الهواء أن الشعبين المصرى والجزائرى ما بينهما أكبر من أن تؤثر فى بنيانه كلمة هنا أو هناك.. التاريخ المشترك والدماء الجزائرية التى سالت دفاعا عن سيناء والمؤازرة المصرية لثورة الجزائر لا يمكن أن تضيع بسبب مباراة كرة، وأضفت «وإننى من وهران أرسل تحية لكل نساء مصر حماة الثورة المصرية» وضجت القاعة بالتصفيق.. بعدها تابع المصريون الحاصلون على جوائز وهم يعلنون تأييدهم الثورة ونساء مصر، وهم كل من المخرجين عمرو سلامة ومحمد رمضان، وأهدى خالد يوسف جائزة أفضل مخرج إلى الفتاة المصرية التى سحلها عدد من أفراد القوات المسلحة بتعليمات مباشرة من القيادات فى المجلس!

مصر والثورة كانت هى البطل أينما توجهنا، الكل يسأل عن مصر متابعا أخبارها هاتفا لها.. لو ألقيت نظرة طائر على كل المهرجانات التى أقيمت هذا العام بعد الثورة سوف تكتشف أن لمصر مكانة خاصة.. الثورة المصرية حاضرة من «كان» إلى «فينسيا» مرورا بـ«أبو ظبى» و«الدوحة» و«دبى»، حتى تصل فى نهاية الرحلة وقبل أن يودعنا العام إلى «وهران».

لم تعرض فى المهرجان أفلام عن الربيع العربى مثل كل المهرجانات السابقة، ولكن كانت مصر حاضرة على خشبة المسرح.. كانت نساء مصر توجه إليهن التحية بكل اعتزاز ليس فقط من المصريين الذين أتيحت لهم الفرصة لكى يعبروا عن مشاعرهم على الملأ، ولكن شعب الجزائر كان حاضرا هو أيضا فى التحرير وكل ميادين مصر مدافعا عن الثورة.. نعم فى لحظات نسينا تماما السينما ولم يتبق شىء سوى بسالة نساء مصر!

 

ديكتاتورية الفنان وديمقراطية الجمهور

طارق الشناوي

December 23rd, 2011 9:49 am

أكتب هذه السطور قبل ساعات قليلة من إعلان جوائز مهرجان «وهران» السينمائى، حيث أرأس لجنة التحكيم فى مسابقة الفيلم الوثائقى، ووجدتها فرصة لكى نمارس الديمقراطية!!

لا يمكن أن تعثر على مبدع ديمقراطى ينصت للرأى والرأى الآخر.. الإبداع بطبعه لا يعرف سوى الرأى الواحد.. على الجانب الآخر فإن الجمهور الذى يستقبل هذا الإبداع هو أيضا ديكتاتور لا يعرف سوى الرأى الواحد الذى هو رأيه، والرأى الآخر بالنسبة إليه هو رأيه أيضا!!

الإنسان عادة يتنازعه فى استقبال الفنون عاملان، قناعاته الشخصية وأيضا توجهات الأغلبية.. هناك قدر من العدوى، لا شك أنها تلعب دورها فى توجيه الجمهور إلى نوع أو فنان بعينه برغم أن المتلقى لا يعترف عادة بأنه صدى للآخرين.. لا شك أن نظرية الطابور -لاحظ أننى لا أستخدم كلمة القطيع لما تثيره من تداعيات- لا تعبر بدقة عن المعنى الذى أقصده.. الطابور هو انحياز الأغلبية إلى الفن السائد الذى تعارف عليه الناس وصاروا يتذوقونه دون أى قصد، والفن السائد لا يعنى أنه الأقل شأنا أو قيمة ولكن من سماته أنه يستخدم نوعا من المفردات غالبا ما تُشعر المتلقى بأنه يعرف تفاصيلها مسبقا ويملك كل مفاتيحها.. «الإنسان عدو ما يجهل» مقولة صحيحة تماما لأرسطو، ولهذا يتجه لا شعوريا إلى ما يعرفه، إلا أنه فى كل الأحوال ينصت بداية لرأيه، ويتمنى أن يصبح هذا الرأى معبرا عن الأغلبية التى وقفت قبله فى الطابور.

وفى تلك المعادلة بين الفن والجمهور تقف مجموعة أخرى، إنهم لجان التحكيم المنوط بهم أن يقيَّموا الإبداع.. إلى من ينحاز القاضى؟ إلى الحق بالطبع، ولكن هل يوجد فى الفن حق وباطل.. هل هناك معايير صارمة وكل القواعد التى حاولت تقييد الفن عبر العصور تم القفز فوقها من خلال مبدعين آخرين ليصنعوا على أنقاضها قواعد جديدة تخلق نمطا مختلفا، وهكذا نرى الفن فى حالة تمرد دائم.

فى لجنة تحكيم الفيلم الوثائقى الذى تم اختيار عنوانه الأبرز «تلمسان» عاصمة الثقافة الإسلامية، حيث إن الأفلام تُقدم وجهات نظر مختلفة حول هذه المدينة وتاريخها فى مقاومة الاستعمار الفرنسى، وكيف أنهم كانوا أهل علم ودين، حيث أنشئت فى تلك المدينة دار اسمها «الحديث» صارت هى منارة العلم والحضارة التى تنطلق بجناحين، الحفاظ على الإسلام ونشر علوم الدنيا، وبدأ الكفاح فى هذه الدار للتخلص من الاستعمار الفرنسى فى عام 1930 عندما أقام الفرنسيون احتفالهم بمئة عام على الاحتلال، وأحال أهالى تلمسان هذا اليوم إلى شرارة لمناهضة الاستعمار الفرنسى وتعددت الرؤية التى قدمتها الأفلام عن هذا الحدث، حيث تعتبر مسابقة «تلمسان» للفيلم الوثائقى حدثا وطنيا أكثر من كونها مسابقة عامة، لأن كل الأفلام فى المسابقة تناولت فقط تلك العاصمة!!

شاهدت الأفلام مع الجمهور وشاهدت جزءا منها بمفردى واخترت الفيلم الفائز ووجدت أن به إبداعا خاصا.. أغلب الأفلام الأخرى شابها عيبان، الأول هو أنها أشبه ببرنامج تليفزيونى الذى أصبح سمة مع الأسف أراها فى أغلب الأفلام التسجيلية يبدو أن التليفزيون أصابها فى مقتل فصارت تحاكى القالب البرامجى.. العيب الثانى هو لجوء أغلب الأفلام إلى تقديم مقاطع درامية بين الحين والآخر، وكأن هذه المشاهد هى الدليل القاطع على أننا بصدد فيلم لا برنامج، وكالعادة فإن الحالة العامة التى أراها هى الافتعال فى الأداء حيث يعتقد صناع هذه الأفلام أن التمثيل هو الإمعان فى التمثيل.

هناك فيلم واحد تميز بين هذه الأفلام هو الوحيد الذى يستحق الجائزة، هل أعلنه مباشرة على أعضاء اللجنة أم أحتفظ بالرأى الذى أقتنع به.. وآثرت أن أستمع إلى آراء الأعضاء، أولا قلت إن الديمقراطية تقتضى أن أنصت قبل أن أدلى برأيى ووجدت أن كل الآراء تتوجه إلى نفس الفيلم، وهكذا فاز المخرج الجزائرى سعيد عولمى بفيلمه «دار الحديث فضاء علم وعبادة».

إجماع الآراء فى لجان التحكيم يمنح قدرا لا ينكر من الارتياح لكل من شارك بفيلمه فى التسابق وأيضا يشعر الجمهور بالصالة فى أثناء إعلان النتائج بأن هذه الاختيارات هى الأفضل.. كسبت الديمقراطية بإجماع الآراء وكسبت ديكتاتورية التذوق هذه المرة وهذه المرة ربما فقط!!

 

فنانون بالريموت كنترول!

طارق الشناوي

December 22nd, 2011 9:29 am

بسبب الخوف من بطش بشار الأسد لم يحضر مخرج وأبطال فيلم «دمشق مع حبى» إلى مهرجان وهران رغم تأكيدهم قبل إقامة بداية الفاعليات تلبية الدعوة.. كانت الجزائر منذ قيام الثورة السورية هى الأقرب رسميا إلى النظام، فهى مع لبنان يتحفظان على قرارات جامعة الدول العربية، ومن الممكن تفهُّم الموقف اللبنانى بالطبع الذى تتغلغل فيه القبضة السورية، ولكن كان الانصياع الجزائرى هو الذى يدعو إلى الدهشة.. الجزائر مؤخرا قللت درجات التحفظ وعلى الفور جاءت التعليمات الشفهية للفنانين بالمقاطعة.. لا يوجد ورق معتمَد من وزارة الثقافة مثلا يشير إلى ذلك ولم يتعود لا الأسد الأب ولا الابن على إصدار قرارات مماثلة، إلا أن وسائل الإعلام السورية تبدأ بعد ذلك فى الترويج على أساس أن الفنان من واقع التزامه الوطنى هو الذى رفض السفر.

سوف تلاحظ أن أغلب المهرجانات الخليجية مثلا لم يحضرها النجوم الذين تعودنا رؤيتهم، حيث إن هناك دائما ضوءا أخضر ينبغى الحصول عليه.. القوة الناعمة السورية لا أتصور أنهم يذوبون عشقا فى بشار الأسد، ولكنه الخوف.. هل من الممكن أن تجد فنانا يعشق الديكتاتور ويهيم حبا بكبت الحريات.. إنه الخوف من قسوة العقاب الذى يهيمن على الجميع!

حضرَت إلى وهران السورية جومانة مراد وتحدثت فى ندوة فيلم «كف القمر» باللهجة المصرية، فهى تريد أن توصل رسالة إلى السلطة هناك بأنها حضرت هذه المرة لأنها إحدى بطلات الفيلم المصرى.. شىء من هذا من الممكن أن تجده فى موقف كندة علوش التى شاركت قبلها فى دبى فى الفيلم المصرى «واحد صحيح» باعتبارها أيضا واحدة من الوفد المصرى.. النظام السورى من الممكن أن يتسامح على مضض ولكنه لا يتحمل مواقف أخرى أكثر مباشرة مثل المخرجين نبيل المالح ومحمد ملص وأسامة محمد الذين يهاجمون مباشرة النظام السورى.. ملص لا تزال إقامته فى سوريا يسافر ويعود ويدلى برأيه ضد النظام والقمع ولكن المالح وأسامة إقامتهما صارت خارج سوريا.. الفنانة مى سكاف تشارك فى مظاهرات الثوار وتتحدى بطش الأسد داخل معقله فى دمشق بينما اختار عدد من الفنانين السوريين الصمت مثل جمال سليمان فهو لم يستطع لا إرضاء النظام ولا الثوار، ورغم ذلك تعرض للتوبيخ عندما سافر إلى مهرجان الدوحة ولم يتحدث إلى أى فضائية خوفا من أن تفلت كلمة هنا أو هناك، وأشاعوا أنه أجرى حوارا لـ«الجزيرة»، العدو رقم واحد للنظام السورى، وأنكر واعتبر أن المقصود بتلك الشائعة هو التعريض به، والمؤكَّد أن جمال يعلم أن الخطأ الذى ارتكبه هو أنه لم يلتزم بقرار المقاطعة الذى تختلط فيه السياسة بالثقافة، تلك هى شريعة الدول العربية حيث تطل دائما السياسة لتهيمن على المشهد الثقافى.. تستطيع مثلا أن تكتشف لو تابعت مهرجان دمشق السينمائى أنه يمنح جوائزه بمؤشر سياسى.. مصر تحصل على جوائز عندما يصبح الخط السياسى فى أحسن حالاته.. مصر تُحرَم منها عندما تتعارض الرؤية أو تتباين المواقف، حتى الدعوات للفنانين تخضع لتلك الرؤية! الفنان السورى تم تدجينه، أتحدث بالطبع عن الأغلبية التى تخشى بطش الأسد وتَربَّت من أيام حافظ الأسد على الولاء والطاعة العمياء خصوصا أن الأسد ونظامه يملكون مفاتيح تشغيل الفنانين أو تجميدهم.. وهكذا من الممكن أن تجد مثلا أن الفنان السورى الذى يعمل بمصر لديه مساحة ما من الحرية غير متوفرة لزميله الذى لا يشارك فى أعمال فنية خارج الحدود!

النظام السورى صار متوترا لا يستطيع أن يتحمل أى نقد يطوله ولهذا أضاف إلى خطوط دفاعه الفنان المغلوب على أمره الذى يتحرك وفقا لريموت كنترول السلطة، فهو إذا سافر خارج الحدود ولم يلتزم بقرار الأسد الشفهى قد يجد نفسه غير قادر على العودة إلى وطنه تخوفا من المطاردة الأمنية له ولأسرته وكل من يمتّ إليه بصلة قربى أو نَسَب.. هذه هى الأسلحة التى لا تزال بحوزة الأسد، إنها القوة الناعمة التى أصبحت بعد الثورة السورية القوة المدجَّنة.. لست أدرى هل أشفق على الفنان السورى الذى أصبح مهيض الجناح أم أعتب عليه لأنه صار ملتزما بتعليمات الريموت كنترول!

 

«نورمال» ينتظر وهر «وهران»!!

طارق الشناوي

December 21st, 2011 8:38 am

مساء غد تعلن جوائز مهرجان «وهران» وأظن -وبعض الظن إثم وبعضه ليس كذلك، وما أظنه، أظنه يقع تحت طائلة «ليس كذلك»- أن الفيلم الجزائرى «نورمال» للمخرج مرزاق علواش سوف يحصل على جائزة «الوهر» كأفضل فيلم عربى.

ملحوظة «الوهر» هو أحد أسماء الأسد، وسميت المدينة وهران لأنها كانت تاريخيا يحرسها أسدان. أصبح اسم علواش واحدا من علامات السينما العربية فى السنوات الأخيرة. أفلامه أحد العناوين العربية المضيئة فى المهرجانات العالمية. فى فيلمه قبل الأخير «حراقة» الذى عرض فى مهرجان «فينسيا» قبل نحو عامين كان يتناول معاناة الشباب الجزائريين الذين تقطعت بهم سبل الحياة ولم يعد لديهم من حلم سوى الهجرة خارج الحدود. هذه المرة قدم مرزاق فيلمه «طبيعى» normal، الذى يتناول أيضا أحلام وإحباطات الشباب الذين قرروا التشبث بالبقاء على أرض الوطن وتغييره إلى الأفضل حيث يقطع المخرج فى بنائه للفيلم الخط الفاصل بين الرؤيتين التسجيلية والروائية من خلال حبكة درامية تقدم أيضا معاناة الشباب الذى يتمسك بأرضه ويهتف مطالبا بالحرية والعدالة الاجتماعية. الفيلم قائم على أن هناك مخرجا قرر أن يصنع فيلمه عن المشكلات التى تواجهه هو وجيله. عين المخرج توجهت إلى تفاصيل عاشها الشباب، من خلال مشاهدة جماعية لفريق العمل للفيلم التسجيلى الذى قدمه قبل عامين قرر أن يحاول استكماله وإضافة أشياء تتوافق مع الحالة والمزاج النفسى حيث أيقظت مشاعره بأحاسيس متضاربة متابعته المظاهرات التى اندلعت فى الجزائر قبل الثورتين التونسية والمصرية وهى تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية وكذلك نجاح الثورتين التونسية والمصرية التى قادها الشباب وغيرت وجه العالم العربى. المخرج يستعيد الشريط الذى صوره مع الممثلين وكأنه قد قرر استعادة الواقع ليعيد خَلقه مجددا، ونرى مثلا الممثل الذى يرفض أن يُقبِّل الممثلة التى تشاركه أداء أحد المشاهد لأنه يعتقد أن التمثيل يفرض عليه محاذير أخلاقية لا يمكن تجاوزها!

تظل عين المخرج تلتقط الخاص وتمزجه بالعام سياسيا واجتماعيا وتستمر ثورات الربيع العربى حاضرة بقوة فى الفيلم لا تستطيع أن تعزلها عن الحياة الطبيعية التى يعيشها الناس فى ظل واقع متغير وعلى كل المستويات!

أكدت الثورات العربية أن الشباب لم يتوان عن دفع ثمن الحرية. الممثل الذى يؤدى دور المخرج فى الفيلم لا يخشى النزول للشارع ولكنه يفضل أن يقدم رأيه كفنان على شريط سينمائى بينما الآخرون قناعتهم هى أن النزول إلى الشارع هو الحل! هل المخرج هو معادل موضوعى للديكتاتور الذى يملك حياة الناس من خلال تحكمه فى نهاية الأمر بمصائرهم عن طريق المونتاج النهائى للعمل الفنى وهكذا يتم عبور الخط الفاصل بينهما، أقصد تطل علينا الشخصيات التى نراها أمامنا على الشاشة بعد أن تتجاوز حاجز الشاشة وفى نفس الوقت يطل علينا المخرج متخطيا حاجز الشريط السينمائى..؟!

الفيلم يرى أن الثورة فى الشارع العربى هى التى تملك الآن الحسم، الكل صار خاضعا لإرادتها ولهذا يبدأ الفيلم بيافطة العدالة والحرية وينتهى أيضا بنفس اليافطة وهى تملأ الشاشة وتهيمن على كل التفاصيل. الفيلم الذى يجمع بين الرؤيتين التسجيلية والروائية فى العديد من خيوطه يترك مساحة فى نهاية الأمر لكى يقترب من الحالة الواقعية وكأننا بصدد برنامج مما يطلَق عليها تليفزيون الواقع، وتستطيع أن تعتبرها فى هذه الحالة سينما الواقع ولهذا كثيرا ما كانت الكاميرا المحمولة هى أداة التعبير. قليلا ما لجأ المخرج إلى القطع من شخصية إلى أخرى. حركة الكاميرا فى بعدها النفسى تشعرنا أكثر بالإحساس الواقعى. الممثلون فى هذا الفيلم كانت توجيهات المخرج إليهم هى الالتزام بحالة العفوية ونجحوا تماما فى توصيل هذا الإحساس مثل عديلة بن ديمراد ونها مثلوطى ونجيب البسير وكانت موسيقى يحيى بوشعلة تمنح الشريط المرئى وهجا وألقا خاصا!

ثورات الربيع العربى شاهدتها فى العديد من الأفلام، تسجيلية وروائية، ولكنى أراها بزاوية أكثر نضجا. أثبت مرزاق علواش أنه لا يزال محتفظا بنبضه السينمائى شابا بل ومشاغبا وحصل قبل أقل من شهرين على جائزة مهرجان الدوحة لأفضل فيلم عربى، وأظنه وبعض الظن إثم وبعضه أظنه «ليس كذلك» سوف يجدد مساء غد الاحتفاظ باللقب ويحتضن جائزة «الوهر»!

 

«وهران».. ثالث مرة

طارق الشناوي

December 20th, 2011 10:05 am

المحطة الأخيرة فى قطار المهرجانات العربية هى «وهران»، هذه هى الدورة الثالثة التى أتابعها، فلقد كنت شاهدا على ميلاد المهرجان فى 2007، وحضرت الثانية، وفاتتنى دورتان وهذه هى الخامسة.. أكتب الكلمة، وأنا فى طريقى إلى الجزائر العاصمة، ثم أستقل طائرة ثانية إلى وهران.. أغلب الأفلام الروائية شاهدتها من قبل فى عديد من المهرجانات التى شاركت فيها، ورغم ذلك فإن أمامى أكثر من حافز للذهاب إلى الجزائر، وإلى تلك المدينة التى تشغل بداخلى مساحة من الحب.

المهرجان أراه أحد وسائل تضميد الجراح ضد الذين أشعلوا النيران بين مصر والجزائر بعد موقعة مباراة أم درمان، التى تورط فيها الإعلام فى البلدين، ولكن الأهم بالنسبة إلىّ أنها أثبتت أن الفنانين فى مصر (أقصد بالطبع الأغلبية العظمى منهم) هم صدى للأسرة الحاكمة فى مصر، وهو ما تكرر بعد ذلك فى بدايات الثورة، حيث رأينا الفنانين وهم يبايعون حسنى مبارك، ثم يتوجهون إلى الثوار.. وهم يتوجهون الآن إلى المجلس العسكرى باعتباره السلطة الحاكمة الآن للبلاد، هذه هى شريعة الفنانين!!

تابعت قبل سفرى كيف استقبل أهالى وهران هالة صدقى، التى تشارك فى المهرجان كعضو لجنة تحكيم، اتهموها بأنها كانت واحدة من الذين هاجموا الجزائر، وأنها أيضا أحد فلول مبارك.. هالة أنكرت ذلك، واتهمت الإعلام بأنه هو الذى شوّه الحقائق، ولم تخف تعاطفها مع مبارك، ولكنه التعاطف مع الضعيف، وليس التعاطف مع زعيم تقدره، فهى حتى الآن لم تدافع عن مبارك، ولكنها بررت مواقفها.

لا أدرى هل اقتنع الصحفيون فى الجزائر بما قالته هالة؟ وهل خفتت حدة الغضب أم لا؟ ما أعرفه هو أن هالة أصرت على المشاركة فى المهرجان، رغم حملات المقاطعة التى طالتها على الـ«فيسبوك» لكنها لم تتراجع.. الأهم أن يصل الدرس إلى الفنانين، وهو أن الرهان ينبغى أن يتوجه إلى الشعب لا إلى الحاكم.. جريدة «الأهرام» نشرت قبل يومين صورة لعادل إمام، وهو يهتف للجيش.. هل كان يقصد الجيش أم أنه يقصد الهتاف للمجلس العسكرى؟ هل لا يزال عادل يرى أن الأقوى هو الحاكم وعليه أن يبايعه ظالما كان أم مظلوما؟

أشارك هذا العام فى وهران عضو لجنة تحكيم لمسابقة الأفلام الوثائقية، قبل ذلك كنت فى لجنة الفيلم القصير.. أغلب الأفلام الروائية تقريبا شاهدتها أتصور أن نتيجة لجنة التحكيم، التى تعلن يوم الجمعة سوف تشهد الصراع بين «نورمال» الجزائرى الأقرب للفوز بجائزة أفضل فيلم عربى، و«هلأ لوين» اللبنانى، و«حبيبى رأسك خربان» الفلسطينى، ومن حق هند صبرى أن تتطلع بفيلم «أسماء» لجائزة أفضل ممثلة، بعد أن فاتتها الجائزة فى مهرجان «أبو ظبى»، ومن حق ماجد الكدوانى أن يحصل عليها للمرة الثانية بعد «أبو ظبى».

المهرجان الذى يأتى فى نهاية العام، يجد نفسه محاصرا بعدد قليل من الاختيارات.. لم يتبق الكثير الذى يعرضه المهرجان، خصوصا فى مجال الفيلم الروائى، ولكن هناك قرار ينبغى أن تملك إدارة المهرجان، الذى تقيمه وزارة الثقافة الجزائرية، اتخاذه وهو تغيير الموعد، كان المهرجان فى دورته الأولى هو الذى يقص شريط افتتاح المهرجانات العربية التى تتكدس فقط بداية من شهر أكتوبر، اختار «وهران» شهر يونيو، وكان موفقا، إلا أنه منذ دورته الثالثة لم يحافظ على هذا التاريخ، وهو بموقعه فى نهاية العام لا يحظى بما يستحقه من مساحة إعلامية، حيث إن كل أجهزة الإعلام تعودت فى هذه الأيام أن تمنح مساحات فقط لتقييم السنة مما يخصم بالتأكيد من مساحة الحفاوة الإعلامية بالمهرجان.. لا أعرف على وجه الدقة كيف تراكمت المهرجانات العربية فى عدد محدود من أشهر العام، الحقيقة هى أن مهرجان «قرطاج» وهو أقدم مهرجان سينمائى عربى عقد أول دورة له فى شهر أكتوبر عام 66، ثم مهرجان «القاهرة» فى 76، و«دمشق» 79، و«مراكش» 2001، ومهرجانات الخليج «دبى» 2004 و«أبو ظبى» 2007 و«الدوحة» 2009، وكلها تتراكم فى أكتوبر وحتى مطلع ديسمبر.. أين باقى شهور العام؟ هل أصبح محرما فيها إقامة المهرجانات السينمائية؟

شعب الجزائر، ومهرجان «وهران» لهما مكانة فى قلبى.. لم ألحق بالمهرجان منذ بدايته، ولكن أن تأتى متأخرا خير من أن لا تأتى على الإطلاق.

 

عضّ قلبى واترك رغيفى!

طارق الشناوي

December 19th, 2011 9:49 am

التقيت فى مهرجان دبى المخرج محمد ملص أحد أكبر الأسماء التى أعلنت موقفها المعارض للنظام السورى ليس فقط فى أثناء الثورة ولكنه صوت معارض منذ كان طالبا فى الجامعة. ملص يحرص على أن يعود إلى دمشق مهما كانت المخاطر التى تلاحق المعارضين. قال لى ملص: الفارق بين ما حدث فى مصر وما جرى ويجرى فى سوريا هو أن الجنود فى سوريا يضربون مباشرة فى القلب أما فى مصر فإنهم يوجهون الطلقات إلى العيون. قلت له: الشرطة العسكرية صارت مؤخرا توجه الطلقات مباشرة إلى القلب والجيش يمارس العنف مستغلا أن هناك إحساسا عند المواطن العادى بضرورة أن تعود الحياة إلى طبيعتها، والرأى العام يمارس ضغطا من خلال زرع هذه المعلومة بأن الحياة توقفت بسبب هؤلاء الشرفاء.

الجيش يوجه عنفا إلى المواطن الذى يطالب بحقه فى استكمال ثورته فهو يرفض حكومة يقودها الجنزورى ومجلسا عسكريا يتشبث بالحكم ويدافع عن مبارك، مجلسا عسكريا يماطل للبقاء، ومجلسا استشاريا حتى الآن لم يفعل شيئا سوى أنه يبارك كل ما يصدر عن السلطة العسكرية التى تسعد بتوجه الانتخابات التى أتت بمن يردد «الشعب والجيش إيد واحدة» وهو نداء يرضى السلطة العسكرية رغم أننا على أرض الواقع نرى مشاعر الناس قد ذهبت إلى طريق آخر بعيدا عن المجلس العسكرى!

مصر غير سوريا، الجيش المصرى ليس هو الجيش السورى المرتبط عقائديا ببشار، ولكن ما يجرى الآن على أرض المحروسة ينذر بخطر. ما الذى يعوق عودة الحياة الطبيعية لمصر، هل هم هؤلاء الذين يريدون للبلد أن يسير على خطى العسكرة فى كل شىء؟ وزير إعلام عسكرى ينفذ التعليمات ويقدم صورة سلبية للمتظاهرين تبث أغنيات ضد شباب الثورة، ومجلس عسكرى يريد فقط أن يبرّئ ساحته أمام الرأى العام وهو يرى هذه الجنازات التى يشيعها شباب أصبح بعضهم يشيع بعضا، جنود يمسكون بفتيات ضربا بالعصىّ وسحلا على الأرض.. مصر غير سوريا لأن سوريا لم يكن بها جيش يدافع عن حدود الوطن بدليل أنه لم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل لتحرير الجولان بعد حرب 6 أكتوبر بينما الجيش المصرى كلنا نثق بقدرته على الذود عن حياض الوطن وهو لا يمثل طائفة وليس له ولاء سوى لمصر ولكن هناك من يدفعه إلى أن يثير فجوة مع الشعب.

الجيش حمى ثورة الشعب، حقيقة سنظل نذكرها ولكنها كانت وستظل ثورة الشعب.. لماذا لا نتذكر التجربة التونسية عندما قال الجيش بعد أيام من نجاح الثورة إنه لا يطمع فى السلطة وغادر موقعه وسلمها للشعب فلم يكن الجيش جزءا من نظام بن على، ولكنه خيّره بين الهرب والاعتقال. الجيش المصرى انفصل عن إرادة مبارك فى أحداث الثورة ولم يمتثل لأوامره بإجهاض الثورة، كان معارضا لتوريث الحكم ولهذا أيد الثورة ولكنه لم يتصد لفساد مبارك. الثورة لا تزال مستمرة فى كشف كل أوجه الفساد، وفى عودة الحياة الطبيعية إلى ربوع الوطن ولكن المجلس الذى ذاق طعم السلطة يعلم أن القطار قد وصل إلى محطة النهاية ولكنهم يرفضون المغادرة!

قال لى ملص إن جزءا كبيرا من المثقفين والفنانين فى مصر لعبوا دورا إيجابيا لتعضيد الثورة فى وقت مبكر بينما فى سوريا لا يزال الخوف مسيطرا على الأغلبية والشعب يدفع من دمائه.

قلت أذهب إلى سوريا منذ عشرين عاما وأعرف أنهم يسيطرون بقبضة من حديد على الفنان والمثقف عن طريق إنتاج الدولة لكل الأعمال الفنية والدرامية حتى القطاع الخاص ملتزم بما تريده الدولة. شركات الإنتاج الخاصة تعمل من الباطن لصالح النظام ولا يمكن أن تسمح لفنان علا صوته ضد النظام بالعمل. كل ما يصدر عن الفنان فى سوريا محسوب عليه وسوف يتكفل النظام بأى خسارة مادية لو لم يتم تسويق الأعمال الدرامية لأن عددا من نجومها تصدروا القوائم السوداء. فى سوريا يطبقون المثل الشائع «عضّ قلبى ولا تعضّ رغيفى» ولهذا يضمنون الأرغفة لمن يقف معهم ويأكلون أرغفة كل من يعارضهم.

فى مصر أيضا يعضّون على رغيف المواطن عندما يصدّرون له أن الشباب المعتصمين هم المسؤولون عن التردى المعيشى والأمنى الذى يعانى منه ولهذا عليه أن يترك من يعض قلبه لإنقاذ رغيفه!

 

«بوليوود» فاكهة المهرجانات السينمائية

طارق الشناوي

December 18th, 2011 10:01 am

لها من السحر نصيب ولها من الحب نصيب.. أحدثكم عن فاكهة المهرجانات فى العالم الآن، السينما الهندية التى صارت تحمل اسم «بوليوود» التى لا تصدر فقط الأفلام للعالم ولكنها ترسل إليهم النجوم، وحاليا أصبح النجم الهندى شاروه خان أيقونة السينما الهندية الحديثة، حيث عرض له فى مهرجان «دبى» أحدث أفلامه «دون 2»، كما تضمنت قائمة الأفلام الهندية الأكثر تأثيرا فى العالم خلال العامين الأخيرين فيلمه «اسمى خان» الذى يقدم بأسلوب سينمائى وإبداع فكرى حقيقة الإسلام باعتباره لا يعادى أبدا الآخر.

شاروه خان هو الأكثر شعبية وأصبح طبقا لعديد من الاستفتاءات هو واحد من النجوم الأكثر جاذبية وتأثيرا فى العالم. ويحظى شاروه بقدر من التقدير تعلنه أغلب نجمات هوليوود مثل أنجلينا جولى وكيت ونسيلت.

الأفلام الهندية سواء عرضت فى المهرجانات داخل المسابقة الرسمية أو كان موقعها على هامش المسابقة، فإن لهذه السينما سحرها وأيضا سرها الخاص، إنها تركيبة تبدو للوهلة الأولى بسيطة ومباشرة حيث تلعب على التناقضات بين الدموع والابتسامات، الحب والحقد، الغنى الفاحش والفقر المدقع، إلا أن كل ذلك يظل أقرب للغطاء الخارجى وتحت اللون الصارخ تعثر على سر الجاذبية!

لا أنسى أننى شاهدت على هامش المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» فى الدورة الأخيرة مثلا الفيلم الهندى «بوليوود أعظم قصة حب» يروى الفيلم بالسينما حكاية السينما، تكتشف أن السينما الهندية عمقها الحقيقى يبدأ من الهند وحالة العشق التى نراها فى العالم انطلقت من عشق مجنون يعيشه الشعب الهندى، حتى إنهم يطلقون على النجوم الهنود لقب آلهة بل يحجون إليهم، وعرفت مثلا لأول مرة أن أميتاب باتشان فى كل يوم أحد يهرع إليه الآلاف من المعجبين، وذلك على مدى تجاوز 25 عاما وهم يحرصون على هذا الطقس.. بالتأكيد أن نجومية باتشان قد تأثرت مع مرور الزمن، بعد أن صعد نجوم شباب صار لديهم حضورهم ومساحتهم لدى الجمهور وعلى رأسهم الآن شاروه خان، إلا أن باتشان لا تزال له فى قلوب الجمهور مكانة خاصة.. أتذكر أن إذاعة «بى بى سى» البريطانية أرادت فى مطلع الألفية الثالثة أن تختار نجم القرن العشرين، وبينما انقسم الأمريكيون والأوروبيون فى اختيار نجم القرن فإن الهنود جميعا تجمعوا حول اختيار باتشان فنان القرن العشرين على مستوى العالم، متجاوزا فى عدد الأصوات نجوما عالميين بحجم شارلى شابلن وأورسون ويلز وجريجورى بيك وجاك نيكلسون وغيرهم من أساطير فن التمثيل.. كان تعقيب باتشان وقتها أن الهنود هم السبب فى تلك المكانة.. لا شك أن باتشان له أيضا جمهوره فى العالم كله، إلا أن الهنود يشكلون القسط الأكبر وأتذكر تلك المظاهرات التى كانت تصحبه فى مهرجان القاهرة منذ هبوطه. السينما فى «بوليوود».. وتلك الكلمة مستوحاة من مدينة بومباى مصنع السينما الهندية. بومباى تساوى هوليوود فى أمريكا، بينما تنتج الهند فى العام الواحد ثلاثة أضعاف ما تنتجه أمريكا فى العام حيث يتجاوز الرقم ألف فيلم.. تستطيع أن ترى فى تلك السينما حالة الموسيقى الصاخبة والرقص والإيقاع والنساء الجميلات والقصص الميلودرامية.. الفيلم الهندى -أتحدث بالطبع عن الوجه المألوف لنا- يحيل خيال الناس إلى واقع يعيشونه أو يأملون أن يعيشوه، هم يصدقون المبالغات لأنها تصنع من هزائمهم فى الحياة انتصارات على الشاشة.. الميلودراما من الناحية العلمية تعنى مزجا بين الموسيقى والدراما، وتعيش دائما هذا التوافق فى الفيلم الهندى وتعيش أيضا تلك المبالغات، لأن الحياة نفسها لا تخلو منها.. فى الهند تجد الفقراء يمثلون واحدة من أكبر الشرائح فى العالم وتجد أيضا الأثرياء يمثلون شريحة من أكثر النسب فى العالم إنها بلد التناقضات.. الهند بلد التسامح الدينى، الأغلبية الهندوسية لا تقهر الأقلية المسلمة التى تصل إلى 12% من عدد السكان. الناس تختار نجومها بعيدا عن الديانة.. شاروه خان مسلم ورئيس الهند مسلم رغم أن الرئيس فى النظام الهندى ليست له صلاحيات حيث إن رئيس الوزراء «الهندوسى» هو الحاكم للبلاد!

وتظل السينما الهندية بأفلامها المتعددة والمتباينة قادرة على إثارة شعوب العالم بالغناء والرقص والبكاء والضحك!

 

غزل غير عفيف!

طارق الشناوي

December 6th, 2011 9:03 am

يراهن أغلب النجوم دائما على من يملك السلطة، مرددين «اللى يتجوز أمى أقوله يا عمى»، كان جوز أمهم هو مبارك والعائلة والدائرة القريبة منه الذين استباحوا الوطن.. كانت بوصلة النجوم تتجه إلى من يوفر لهم الحماية ويضمن مكاسبهم، ومن الواضح أن البوصلة الآن تشير نحو التوجه الإسلامى، فلا بأس أن يرددوا وا إسلاماه، ومن الممكن أن تجد بين النجوم كنموذج صارخ لمحاولة القفز والرقص على كل الأحبال تامر حسنى.

من الواضح أن تامر خسر أكثر من مرة.. مرة قبل الثورة عندما راهن على الجواد الخاسر وأعد له أغنية فى عز الثورة تطالبه بالبقاء.. كان تامر يعتقد أن المخلوع سوف يقهر الثوار، وأنه يراهن على الأقوى، لكنه اكتشف أن الجبل قد تهاوى، فذهب إلى التحرير، فى محاولة لكى يستند إلى الأقوى، إلا أن الرفض كان صارخا، والنت لم يرحم عزيز قوم فل -من الفلول- فصارت فضيحته بجلاجل.. بعد هذه الطردة التى لا يزال يعانى من آثارها، حيث إنك فى كل تصريحاته ومواقفه تستطيع أن ترى بقايا تلك الطردة، فهو لم ينتظر طويلا ما الذى سيسفر عنه الموقف الحالى بعد ظهور النتائج الأولية لانتخابات مجلس الشعب، ووجد أن التيار الإسلامى قد كسب، فقرر أن يبادر مشجعا ومؤازرا، بل ومتهكما على كل من يهاجم صعود هذا التيار، ووجه اتهامه إلى كل من ينتقد أو يحلل أسباب صعود التيار بأنه يحمل أجندات أجنبية للنيل من الإخوان!

هل كان تامر مثلا يقدم فنا من هذا النوع الذى أطلقوا عليه نظيفا؟ أرجو أن لا ننسى أغنيته التى رددها مع زينة، وهو يقول «أحلى حاجة فيكى هى طى.. طى» وكانت نظرة عينيه وحركة الكاميرا فى كليب الأغنية تكمل الحروف الناقصة فى «طى..»، إلا أنه فى اللحظة الأخيرة يكمل الحرفين ويقول «طيبة قلبك».. لم يكن تامر أبدا هو المطرب الملتزم الذى تنطبق عليه شروط «الكتالوج»، ولكن ما نراه هو سرعة الرهان على جوز أمه القادم.. بالتأكيد إن تحليل المشهد الحالى سياسيا ينبغى أن نرصده، لأن تيار الإسلاميين الحاصل على الأغلبية لم يحقق هذه النسبة لقوته، ولكن لغياب القوى الأخرى، ولأن الناس لا تعرف الكثير عن الآخرين.. لاقت الأحزاب التقليدية الكرتونية مثل «الوفد» و«التجمع» التى كانت جزءا من ديكور الديمقراطية فى عهد مبارك الهزيمة التى تستحقها، كما أن الأحزاب الوليدة التى تجمعت تحت مظلة الكتلة المصرية لم تحصل على الفرصة الكافية التى تؤهلها لكى تصل إلى الناس، ورغم ذلك، فإن الرهان على أن القادم هو التيار الإسلامى بصورته التقليدية، أظنها نظرة متعجلة جدا لن تصمد طويلا أمام الحقيقة، وهى أن هذا التيار سوف يتلقى ضربات من داخله.. إنها أشد الضربات قسوة، لأنها تفضح التناقض بينهما، هناك من يرى أن أدب نجيب محفوظ داعر، وهناك من يحرم الغناء والتمثيل، حتى لو كان غناء دينيا، فهو مكروه حتى لو لم يصل إلى درجة التحريم.. لو سألت الشيخ يوسف البدرى عن رأيه فى تقديم مسلسل «الحسن والحسين»، الذى نرى فيه لأول مرة على الشاشة تجسيدا لشخصيتى حفيدى الرسول عليه الصلاة والسلام، لن يقول لك إنه حرام شرعا مثلما أعلن ذلك مجمع البحوث الإسلامية، ولكنه سوف يعلنها صريحة مجلجلة وهى أن التمثيل كله حرام، وما بُنى على باطل فهو باطل.. كانت هذه قناعاته قبل الثورة، وسوف تستمر أيضا بعدها، بل سيعلو صوته أكثر وأكثر، وسوف تجد هناك سلفيين يؤازرونه، ولكن لو سألت الشيخ يوسف القرضاوى عن رأيه الفقهى فى تجسيد الحسن والحسين، سوف تكتشف أنه يراه حلالا، بل كان هو على رأس قائمة الذين وافقوا شرعيا على عرض هذا المسلسل.. هذا هو التناقض الذى ستراه معلنا عن نفسه فى مجلس الشعب عندما تصبح كل أمور الحياة تنتظر فتوى شرعية.

النجوم الذين سارعوا بالارتماء فى أحضان التيار الإسلامى لن يستمر بهم الأمر طويلا، سوف يجدون أنفسهم مطالبين بتحديد أى فصيل يؤيدونه، وسوف يغالى بعضهم فى الرهان على الأكثر تطرفا، ولهذا لا أستبعد أن نستمع إلى تامر قريبا فى أغنية يقول مطلعها «أحلى حاجة فيكى هى نى.. نى.. نقابك»!

 

بحبّ السيما وبحب جورج إسحق!

طارق الشناوي

December 4th, 2011 9:54 am

بمجرد إلقاء القبض على جورج إسحق والتحقيق معه أمام نيابة أمن الدولة العليا وجدت نفسى أتذكر فيلم «بحب السيما»!

ما العلاقة بين فيلم «بحب السيما» وجورج إسحق؟ إنها التفرد والشجاعة.. لأول مرة فى السنوات الأخيرة نرى شخصية قبطية تتزعم حركة سياسية، فهو أول منسق عام لجماعة «كفاية»، ورغم أن المنسق الحالى هو د.عبد الوهاب المسيرى فإن جورج لم يبتعد عن الصورة، فهو مسيحى مصرى يرد على تلك المقولة التى باتت شائعة وهى أن المسيحى المصرى مسيحى أولا مصرى ثانيا، أى أن الولاء للكنيسة يسبق الولاء للوطن.. ربما أسهمت العديد من ممارسات الدولة منذ نصف قرن حتى الآن فى تنامى هذا الشعور عند بعض الأقباط، ليس الآن مجال الحديث عن تلك الأسباب لأننا بصدد الحديث عن مصرى يضع أمامه قضية حرية الوطن هدفا لا يحيد عنه.. نعم هو حالة استثنائية، ولا أقول بالطبع وحيدة، فهناك أسماء قبطية أخرى تنهج نفس الطريق، إلا أن أوضح صورة هى جورج إسحق مثلما كان فيلم «بحب السيما» للكاتب هانى فوزى والمخرج أسامة فوزى، فهو ليس الوحيد لكنه الأكثر صراحة وصدقا وإبداعا فى تقديم شخصيات قبطية، حيث نرى كل التفاصيل الإنسانية: الزواج، الحب، الحلال، الحرام، الخيانة… لأول مرة نتابع الأقباط على الشاشة وهم يحتلون كل المساحة.. نعم هناك محاولات سابقة مثل أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ فى «ليالى الحلمية»، ووحيد حامد وسمير سيف فى «أوان الورد»، لكن المسلسل الأول وضع على الشخصية المسيحية أوراق سوليفان لا تلمسها كبشر، والثانى تعامل معها فى إطار هندسى صارم، واضطُر المسلسل إلى تغيير موقفه الدرامى فى نهاية الأمر حتى لا يغضب الأقباط الذين تظاهروا فى الكنيسة احتجاجا على البطلة المسيحية التى تزوجت مسلما واحتفظت بدينها، واضطُر وحيد أن يعلن على لسانها رفضها هذا السلوك الذى ترفضه الكنيسة. «بحب السيما» واجه بالفعل مجتمعا بمسلميه وأقباطه لم يستسيغوا ذلك الروح ولا هذا النبض الجديد، بل إن أول لجنة من النقاد شكلتها وزارة الثقافة للتصريح بالفيلم وأغلب أعضائها من الأقباط رفضت الفيلم وطالبت بعرضه أولا على الكنيسة، وتنبهت الوزارة وشكّلت لجنة أخرى بها عدد كبير من الأقباط ولكنها حرصت على أن من تختاره لعضوية اللجنة لديه رؤية إبداعية وليس ممن يقيّمون العمل الفنى بمنظار طائفى، وصرحت اللجنة بالفيلم، وبالتأكيد فإن هذه الموافقة أغضبت عددا من المتزمتين.. أخطأت بالفعل وزارة الثقافة عندما تعاملت مع العمل الفنى باعتباره مصنفا قبطيا ينبغى أن يوافق عليه عدد من النقاد والكتاب الأقباط، وهكذا منحت مشروعية للكنيسة لأن تعلن غضبها لتواجه به هذا الفيلم الذى قدم لأول مرة الأقباط من دم ولحم ومشاعر باعتبارهم مصريين أولا وأقباطا ثانيا، تماما مثل جورج إسحق المصرى أولا القبطى ثانيا. أحببت «بحب السيما» لتفرده وجرأته ووطنيته ولأنه يطبق مبدأ المواطنة الإبداعية.. أحببت جورج إسحق لتفرده وجرأته ووطنيته ولأنه يطبق مبدأ المواطنة السياسية!

هذا المقال نشرته فى شهر أبريل 2008 على صفحات جريدة «الدستور» الورقية التى أصبحت تحمل اليوم اسم «الدستور الأصلى» ويتابعها القراء إلكترونيا.. أعيد نشر المقال الآن بعد أن خسر جورج إسحق الانتخابات فى بورسعيد أمام مرشح حزب الحرية والعدالة أكرم الشاعر.

أشعر أن هذا المناضل المصرى لم تنصفه الأغلبية المسلمة، لا أقول إن كل من صوّت فى الانتخابات ومنح صوته لمرشح الإخوان هو بالضرورة نظر أولا إلى خانة الديانة، ومع اسم جورج لا يحتاج الناخب إلى السؤال عن الديانة، ورغم ذلك فمن حق المسلم أن يختار المسلم والمسيحى أن يختار المسيحى، ولكن ليس بزاوية طائفية. لم نصل بعد كمجتمع إلى تلك النظرة التى تتجاوز خانة الديانة، بل أعتقد أن جورج بانتمائه المصرى أولا لا يرضى بعض الأقباط الذين يريدون مرشحا قبطيا يضع الطائفة قبل الوطن. دفع جورج ثمن حب مصر مرتين، ولكن تظل مكانته فى قلوبنا، فهذا الرجل كان فى طليعة من قال «لا لمبارك» و«لا للتوريث» فى 2005، ولهذا أستأذنكم فى تغيير العنوان إلى «(بحب جورج إسحق) و(بحب السيما)» لأن حبى لهذا الرجل أصبح يسبق حبى للسيما!

 

امرأة ترفع الهرم بيدها!

طارق الشناوي

December 2nd, 2011 10:07 am

قال لى هل فكرت فى ملامح شعار مهرجان القاهرة السينمائى الدولى؟ أجبت: اشمعنى؟ قال لى: المرأة التى ترفع الهرم بيدها اليسرى لا يمكن أن يوافق عليها تيار الأغلبية القادم فى مجلس الشعب، سوف يطالبون بارتدائها نقابا، وربما وجد بعضهم فى ملامح الهرم ما لا يليق أن ترفعه امرأة وسوف يبحثون عن شعار شرعى تستخدم فيه يدها اليمنى.

الشارع المصرى لا يخلو من تلك التعليقات التى تؤكد أن التيار القادم سوف ينقب ليس فقط الفن ولكن الحياة كلها ونقرأ كثيرا أن مسلمين وأقباطاً يؤكدون: أعد حقيبتى، الهجرة هى الحل.

التيار الإسلامى سوف يحتل الأغلبية فى مجلس الشعب بديمقراطية التصويت، مهما كان لنا من اعتراضات موضوعية فإن علينا إسقاطه بالديمقراطية.

كسب الإخوان والسلفيون الجولة الأولى واستطاعوا أن يكتسبوا ثقة المجلس العسكرى ولا أتصور أنه سوف يستمر بينهم شهر العسل حتى نهاية المرحلة الانتقالية.. الوضع المصرى الدستورى الغامض لا نعرف هل هو رئاسى أم برلمانى هل مجلس الشعب القادم هو الذى يشكل الحكومة أم أن رئيس الجمهورية الذى يمثله اعتباريا المجلس العسكرى هو المنوط به ذلك.. الأمر لا يزال ضبابيا إلا أن المؤكد، سواء شكل البرلمان الوزارة الجديدة أو ظلت فى يد المجلس الأعلى، أن هناك تغييرا نوعيا سنراه فى الحالة المصرية، لن نصل إلى «الطالبانية» ولن يحرَّم الفن ولا الموسيقى، إلا أن هذه الأصوات التى تطالب بكل ذلك يجب أن نتعود على التعامل معها ونترك التيار الإسلامى هو الذى يتصدى لها، فلن يقاوم هذا الجنوح فى المنع الذى سيسيطر على المتزمتين إلا أصوات أخرى من داخل الإخوان تواجهه ولا تنسى أنهم استخدموا الأغانى فى الدعاية الانتخابية لهم.

من يرى أن مصر من الممكن أن تصبح إيران عليه مراعاة فروق التوقيت.. الثورة الإيرانية انطلقت بقيادة الخمينى مدعمة بثقافة شريط الكاسيت الذى يعنى رسالة من قائد إلى شعب خاضع، بينما عصر الفضاء والإنترنت ألغى رسالة الإذعان وفرض التفاعل. ما كان من الممكن حدوثه قبل 32 عاما صار الآن هو المستحيل.

دعوات تحجيب الفن ليست وليدة هذه الأيام، ومطالبة الرقابة بضرورة التشدد كثيرا ما رأيناها فى السنوات الأخيرة، بل هناك من يدعو إلى تقديم أعمال فنية طبقا للشريعة العديد منها ظل مجرد مشروعات مثل «حياة حسن البنا» الذى أعده الإخوان فى العام الماضى وعقدوا مؤتمرا صحفيا وقالوا إنه فيلم أولا ومسلسل ثانيا بطولة رشيد عساف ردا على مسلسل وحيد حامد الذى لعب بطولته إياد نصار، ورُصدت الأموال ثم لم يقدم المسلسل حتى الآن، وأظنه لن يقدم.. العمل الفنى ليس فقط إرادة فكرية ولكنه معادلة اقتصادية، لن ينتج أحد عملا فنيا دون انتظار عائد.

ما موقف الفنانين؟ سوف يرحب بعضهم بالعمل فى هذه الشركات التى سترفع شعار الفن الإسلامى ولكن الأمر سيظل فى النهاية مرتبطا بإرادة الجمهور، هل يُقبِل الناس على عمل فنى لمجرد أن البطلات محجبات؟ فى الأعمال الدرامية التى نجحت لم يكن الحجاب هو السبب.. الأغنية الدينية لا تنجح لمجرد كونها دينية، والدليل أن عشرات من الأغانى الدينية حققت فشلا ذريعا.. العمل الفنى يردده الناس بما يحمله من جمال، هذا هو الفيصل، والفنان من الممكن أن يقدم أعمالا دينية ووطنية وعاطفية ويظل الأمر مرتهنا بالإبداع، فأنت من الممكن أن تغنى مع شادية «ادخلوها آمنين» و«يا حبيبتى يا مصر» و«إن راح منك يا عين حيروح من قلبى فين؟»، الفن هنا هو الذى يكسب.

التيار الإسلامى المتزمت خارج شرعية الدولة كان أشد قوة.. العلنية تفرض عليه كثيرا من القيود السياسية سوف تجعله يلجأ إلى الارتكان إلى قسط وافر من المواءمات، ثم إن العمل بمبادئ الإسلام الذى يدعو إليه عبد المنعم أبو الفتوح غير الذى يدعونا إليه سليم العوا غير إسلام حازم صلاح أبو إسماعيل… إنها وجهات نظر فى فهم الإسلام، ومن حقك أن تقتنع بوجهة نظر رابعة كلها تخضع للاجتهادات، قد يرى أبو الفتوح أن المرأة التى ترفع الهرم لا تسىء فى شىء إلى الإسلام، بينما يرى أبو إسماعيل أن عليه أولا أن ينقبها ثم يقطع يديها من خلاف، فلماذا نترك المعركة ونجرى؟!

التحرير المصرية في

02/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)