حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

« أمن دولت ».. في خدمة النظام والنجوم

بقلم : د.وليد سيف

تقول كلمات أغنية حمادة هلال الشهيرة "شهداء 25 يناير.. ماتوا في احداث يناير.. راحوا وفارقوا الحياة " ونعم البلاغة! بالطبع كانت هذه الكلمات الركيكة المسخرة مسار التندر علي العشرات من صفحات الجرائد وعلي الآلاف من الفيس بوك.. وبالطبع لم تعبر هذه المناحة الغنائية عن إيمان بالثورة أو بهدف تخليد شهدائها بقدر ما بدت كرغبة نجم في ركوب الموجة بأقصي سرعة. وفي هذا النطاق أيضا يأتي فيلم «أمن دولت» كاستمرار لظاهرة أفسدت السينما عبر ثلاثين سنة وبالتحديد منذ مطلع الثمانينات مع صعود مبارك إلي رأس الدولة بما رسخه من مبادئ رجعية ارتدت بالحياة السياسية والفكرية في مصر إلي العصور المظلمة. وليس خافيا أنه في نفس التوقيت ومع مطلع الثمانينات صعد إلي قمة النجومية عادل إمام ولم يسقط إلا بسقوط الدولة التي صعد معها وترعرع في عهدها. ظاهرة النجم الأوحد صنعها عادل إمام تشبها برأس النظام الذي أصبح النجم الأوحد لحرب أكتوبر التي كان مجرد واحد من قادتها ثم أصبح رمزا لكل منجزات عهده من كبار وشبكة مجار وشبكة علاقات وقصور ومنتجعات وكل انواع الشبكات. وكما تشبه بمبارك الكثيرون من أذنابه، تشبه بإمام الكثير من أتباعه من أنصاف النجوم. أصبحت السينما بفضل هؤلاء في خدمة مشروع النجم وسخرت كل إمكانياتها في صالحه ولم تضخ أموالها إلا في جيوبه، فهو يحصل وحده علي نصف ميزانية الفيلم. وعلي جانب آخر أصبح النجوم في خدمة مشروع الدولة وعلي استعداد دائم لخدمة أسيادها. ولم يقدم أي منهم في أي فيلم نقدا جادا للمجتمع إلا ما ندر. وسوف يكشف التاريخ قريبا أن أيا منهم لم يطرح فكرة معارضة في فيلم إلا وكان وراءها غالبا غرض أو تنسيق مع جهات سيادية وربما علي وجه التحديد أمن الدولة وليست دولت. طرافة الاسم وقد يخدعك عنوان فيلم «أمن دولت» فتعتقد أنه يهدف إلي السخرية من هذا الجهاز الذي افسد الدولة وأهدر أمنها وأهان شعبها. ولكن شيئا من هذا لم يحدث وسوف تكتشف في النهاية أن المسألة لا تتجاوز التجارة بطرافة الاسم. وفيما عدا هذا فأنت أمام فيلم لا يسخر إلا منك أنت ومن ذكائك ومن نيتك الطيبة التي تجعلك تتوقع دائما أن هناك أملا في بعض الفنانين. وأن بإمكانهم أن يصلحوا مسارهم وأن روح الثورة قد تخلق فيهم شيئا جديدا. فتجعلهم علي الأقل يمارسون عملهم بحد أدني من الضمير المهني. يمكنك بالكاد أن تميز في فيلم «أمن دولت» وسط وصلات ممتدة من السخف والاستهبال خيط حكاية واهن عن حسام- حمادة هلال- الذي التحق بكلية الشرطة إذعانا لرغبة والده العمدة الساعي لمزيد من النفوذ والجاه من خلال ولده ضابط المستقبل لكن حسام شاب بعيد كل البعد عن طبيعة هذه المهنة ولم يتمنها أو يرجها قط. وطاعة الابن وانصياعه لتدخل الأب في مستقبله إلي هذا الحد أصبح من النوادر. ولكنه أمر وارد ويحدث في أحسن العائلات. أما الشأن الغريب حقا فهو أن هذا الشاب بعد تخرجه في كلية الشرطة ينضم لجهاز أمن الدولة أيضا رغما عن إرادته. ثقوب وثغرات وهنا بالتأكيد لنا وقفة، فجهاز مثل هذا لا ينضم له أحد بهذه السهولة والبساطة والعشوائية. وإنما بعد أن تتأكد قياداته من أن الوافد الجديد سيكون سترا وغطاء وبردا وسلاما علي هذا الموقع الحساس لأقصي الدرجات، بل إنه سيكون في غاية الامتنان وعلي استعداد لتقبيل الأقدام قبل الأيدي شكرا وتقديرا علي هذه الثقة الغالية التي منحوه إياها وهذه المكانة التي وضعوه فيها، فضلا عما سيتمتع به من امتيازات ومكانة فريدة بين زملائه العاملين في باقي القطاعات. علاوة علي هذا فإن الكابتن حسام عندما يمارس عمله يستاء من أساليب التعذيب والإرهاب والبطش التي تدور في الكواليس الأمنية وكأنه جاء من بين ثوار التحرير أو منظمات حقوق الإنسان إلي صفوف الضباط، أو أنه لم يكن يتعلم ويتشرب طوال سنوات دراسته مبدأ أن المواطن مدان ومهان حتي يلفظ أنفاسه الأخيرة !! ما علينا لكن ليست هذه آخر مهازل السيناريو الذي لا يمكن حصر ثغراته وثقوبه. وتأتي ذروة الاستخفاف مع المهمة التي يكلف بها الضابط حسام بحماية السيدة دولت «عزة بهاء» سفيرة الامم المتحدة التي تلوح لدولة اسرائيل بفضح ممارساتها الدنيئة علي الملأ بمستندات تملكها وتقارير أعدتها. التقرير المعجزة وطبعا يتوقف خيال المؤلف نادر صلاح الدين عند هذا الحد. فلا توجد أي تفاصيل مقنعة عن هذا التقرير. وعليك أن تصدق سيادته في أن إسرائيل التي لا تخشي تقارير كبري المنظمات الدولية ولا إدانات المجتمع الدولي سوف تخشي من تقرير الست دولت وتقرر تهديدها. لا تهتم كثيرا عزيزي القارئ فالسيد المؤلف لا يهمه تصديقك ولكن يكفيه أن الأستاذ النجم متحمس. والأستاذ النجم بالطبع مستعجل جدا ولا ينشغل بمسألة التصديق لكن همه اللحاق بالسوق في هذه الظروف بفيلم عنوانه« أمن دولت» لرفع أسهمه المنهارة وكسب شعبية مزيفة عبر ادعاء أو أكذوبة أنه يصنع فنه لفضح جهاز يكرهه الشعب.. أكذوبة سيصدقها السذج ومعدومو الوعي وهم يشكلون حزبا كبيرا وهم علي استعداد دائم لتصديق أي شيء . وماذا بعد؟..هل تنتظر عزيزي القارئ أن أكمل لك الحكاية؟.. انس ليس هناك حكاية بعد ذلك فما سبق كان مجرد مقدمة لتبرير الاسم أو الإثم.. سوف يكرر حمادة هلال ما فعله في فيلم سابق بعنوان «الحب كده». فهو يستهلك معظم مساحة الفيلم بمجالسة وترويض أطفال أشقياء في مهمة تأمينهم.. وهم طبعا أولاد الست دولت المهددين بالإبادة. وتجدر الإشارة هنا إلي أنه لو كانت هناك حسنة وحيدة في هذا الشريط الملفق فهي في اختيار الأطفال وأدائهم البارع وقدرة المخرج أكرم فريد علي تحريكهم وتوظيفهم. وفيما عدا هذا تخلي فريد عن طموحاته تماما أو وجوده وترك الكاميرا تسجل تعبيرات النجم المكررة البائسة المبالغ فيها والتي تنم عن محدودية قدراته وفهمه القاصر لفن التمثيل الذي لا تتجاوز حدوده دور مهرج السيرك السلبي الذي يتلقي الضربات والصفعات ويسقط علي رأسه جردل الماء والطلاء وتغرس قدماه في الطين والنفايات فيثير ضحك جمهور من الاطفال والبلهاء. ومغالاة في إدخار الطاقة وتوفيرها لفيلم آخر يتيح له النجم فيه الفرصة لفعل أي شيء، فإن أكرم يقوم بنقل الشاهد بالمسطرة من الفيلم الأمريكي Pacifier مع تغييرات بسيطة يوظف فيها عفوية الأطفال وخفة دمهم. إيقاع قاتل لا يمكن أن تلوم مونتير الفيلم علي هذا الإيقاع المترهل والملل المفرط. فالمشكلة تنبع أساسا من السيناريو التائه الذي سوف ينتقل بعد ذلك إلي قصة حب تربط بين البطل ومدرسة الأطفال الرقيقة- شيرين عادل- بلا أي مناسبة اللهم إلا أن الفيلم لابد أن يكون به خط عاطفي لأن هذا من تراث النجوم لدينا. فهل يجوز أن يظهر النجم دون أن يحب فتاة جميلة؟ وهل يعقل ألا تبادله هي الحب؟ والحقيقة أن هذا الموروث أقدم بكثير من جيل حمادة هلال. بل إنه تقليد متبع وسائد منذ فجر السينما المصرية. ويبدو أن فيلم أمن دولت قد قرر أن يتشبث بكل ماهو قديم وبائد في تراثنا السينمائي نتيجة لفقر الفكرة وهزال الدراما. وهو يضيف أيضا فاصلا مكررا عن الفلاحة الدميمة بنت أحد الأعيان والتي يسعي الأب لإرغام إبنه علي زواجها. وعلي سبيل التنميط أيضا سوف تتابع بعض المواجهات المفتعلة بين حسام ورئيسه الذي يمثل نموذجاً علي النقيض منه في كل شيء. لكن لأن كل هذا لا يصب في جملة مفيدة أو معني أو هدف أو قيمة أو حتي حدوتة مسلية. فإن الملل سوف يعتريك ويدفعك دفعا لمغادرة الصالة، مالم تكن من المعذبين أمثالي بمهنة الكتابة عن الأفلام. أصوات وألوان أما إذا كنت تعتقد أنك بإيزاء فيلم غنائي علي اعتبار أن البطل محسوب علي أرباب مهنة الغناء، فأبشر بأنك سوف تشاهد عددا من الأغنيات لا تخلو كلماتها من نفس مستوي الركاكة والسذاجة المعتادة. بل إن شريط الصوت لن يتوقف عن إزعاجك ولو للحظة واحدة بخليط من الأصوات والمؤثرات، ودون أن يمنح الفيلم أذنيك لحظة واحدة للراحة. وكما تختلط الأصوات في اذنيك تختلط في الصورة كل الألوان وبإخراج فني رديء لا يتناسب مع ما تحقق في فيلم أكرم فريد السابق سامي أكسيد الكربون الذي تميزت الديكورات فيه بوجه خاص . بمشاهدتك لفيلم «أمن دولت» سوف تدرك أن الثورة لم تمس قطاعا كبيرا من السينمائيين. وأن روح مبارك من عشوائية وبلادة وترهل وسيطرة غاشمة مازالت جاثمة. والاخطر من هذا أن هذه النوعية من الافلام مازالت تهادن السلطة أي سلطة. وأنها تتعامل مع النظم بطريقة اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي . وأنه إذا حكم الثوار فهم اول المؤيدين وإذا حكم الفلول سوف يتفانون من أجل بقائهم. إنهم النموذج الصارخ الذي أدانه صلاح جاهين في قصيدته الشهيرة عن المرشح الانتخابي والتي تنطبق تماما مع النموذج التقليدي للنجم السينمائي تبعنا: آلوه...آلوه يا أمم..تعالالي لالي يا محترم..الحمد لله إنكم ما بتعرفونيش كلكم..لو كنتو عايزين اسطوات..انا أسطي سواق الفيات..و إن كنتوا عايزين فلاحين..أنا عندي حبة فدادين..و لا انتوا عايزين يا تري..مرشحاية مغندرة..متبدرة ومتحمرة..إذا كان كده فأنا «.....».

جريدة القاهرة في

27/12/2011

 

نجيب محفوظ بين زقاق المدق.. وزقاق المعجزات

بقلم : ياقوت الديب 

الأديب العالمي "نجيب محفوظ" أكبر من أية مقدمة انشائية نستهل بها مقالا حوله كأديب وانسان وفنان من طراز رفيع ومكانة عالية ونوعية من البشر لن يجود بمثله الزمان إلا بعد عشرات السنين أو مئاتها.. وقد جاء تتويجه عام 1988 بجائزة "نوبل" التي استحقها عن جدارة واقتدار اعترافا بعطاء هذا الرجل الذي حفر لاسمه موضعا متفردا في العديد من مجالات الأدب والسينمافي الأدب قدم للإنسانية الرواية الطويلة والقصة القصيرة والمقالات التي تؤكد أصالته وارتباطه بالحضارتين: الفرعونية والإسلامية بلا مزايدة أو أدني شك أو تطاول علي مقامه وقدره أو افتراء علي من أعطي بلا حدود للأدب والفن العالمي . وتأكيدا علي عالمية "نجيب محفوظ" نجد تهافت الألسنة واللغات غير العربية لترجمة أعماله الأدبية، لتصل لكل مهتم بالحضارة الإنسانية ولكل مهموم بقضايا البسطاء من البشر ولكل ساع لتحقيق العدل والمساواة ولكل متشوق للاقتراب من عالم الحارة الشعبية المصرية وعبقها التاريخي الممتد لأكثر من ألف عام ولامتدادها الجغرافي الرحيب صاحبة الألف مئذنة والأحياء المترامية الأطراف حيث الحسين والجمالية، وقصر الشوق والسكرية، وسوق السلاح والحلمية، وسبيل أم عباس والخرنفش وباب الشعرية... هذه المدينة العريقة الغنية بتراث عريق قلما يتوافر لغيرها من مدن العالم، ركز صاحب "نوبل" في ابداعاته علي أحوال أهلها و مظاهرالحياة في حواريها ودروبها وتأمل سلوكيات الناس في عطوفها، فقدم لنا أدبا موغلا في المحلية فرض نفسه علي العالمية، بنقاء صورته وصدق تعبيره وقوة نسيجه وارتباطه بالحياة الشعبية في القاهرة الفاطمية. فضل السينما وإذا كانت السينما صاحبة فضل في انتشار وشيوع أعمال "نجيب محفوظ" الروائية والقصصية، فان "محفوظ" صاحب فضل أكبر في امداد هذه السينما برواياته الطويلة وقصصه القصيرة ومؤلفاته المباشرة للسينما... هذه الأعمال التي تميزت علي المستويين: الموضوعي والكمي، مقارنة بما قدمه أدباؤنا الآخرون، الي جانب تميز بعض الأعمال وإغراء ترجمتها الي لغات أخري وعلي وجه الخصوص نذكر الروايات الأدبية التي حولت الي أفلام روائية في مصر ومنها: "بداية ونهاية"، و "زقاق المدق" المترجمتان للغة الإسبانية الناطق بها شعوب أمريكا اللاتينية اضافة الي إسبانيا ذاتها... الأمر الذي يعكس القيمة الأدبية والإنسانية لهاتين الروايتين، كما يعكس مدي قوة الجذب لتحويلهما الي سينما بأيد وأدوات غير مصرية، بعد سنوات طوال من ظهورهما في السينما المصرية بنفس اسميهما: فيلم "بداية ونهاية" اخراج "صلاح أبو سيف" عام 1960، وفيلم "زقاق المدق" اخراج "حسن الإمام" عام 1963 . والمتأمل للسمات العامة التي تميز الأفلام التي شارك في صنعها أديب "نوبل" يجدها من عناصر الجذب القوية للمخرج السينمائي الذي ينشد الارتقاء بفنه وسيرته كمبدع، ولعل أبرز هذه السمات هي "واقعية" الأحداث وأسلوب معاجتها وتناولها وطريقة سردها، واتخاذ منهج "النقد الاجتماعي" للظواهر السلبية مع تحليلها للوصول الي تحقيق مجتمع العدل والمساواة، والبيئة التي تدور فيها الأحداث المتمثلة في: الحارة والدرب والزقاق، والشخصيات التي ينسجها "محفوظ" بخيوط الواقع المعاش بأبعادها: النفسية والاجتماعية والفيزيقية، الي جانب عنصر "الميلودراما" الذي يجذب المشاهد العربي للفيلم السينمائي، نظرا لطبيعته العاطفية وأخلاقياته الشرقية وعاداته وتقاليده وموروثاته الشعبية. وبطبيعة الحال جاءت روايات: "اللص والكلاب" التي حولت الي فيلم أذربيجاني بعنوان "اعتراف"، "بداية ونهاية"، و"زقاق المدق" التي لايقاوم إغراء أي منها لمخرجي السينما في تقديمها علي الشاشة... وهذه المرة جاءت هذه الرغبة من قبل بعض مخرجي السينما المكسيكية في أمريكا اللاتينية، ففي عام 1993 قدم المخرج "أرتور ريبستين" فيلم "بداية ونهاية" وفي العام التالي قدم المخرج "خورخي فونس" فيلم "زقاق المعجزات" بطولة "سلمي حايك" نقلا عن رواية "زقاق المدق" التي ترجمتها للإسبانية "هيلينا فالينتي" وكتب له السيناريو والحوار الروائي المكسيكي "فيسينتي لينبرو"... ومايهمنا في هذا المقام هو الفيلم الأخير المكسيكي الصنعة والفيلم المصري "زقاق المدق" المصري الصنعة، لنتبين في كل منهما مدي التعبير عن فكر "نجيب محفوظ" في كل من الزقاقين. الزقاق المكسيكي في فيلم "زقاق المعجزات" Midaq Alley قدم مخرجه المكسيكي حكاية في أربعة أجزاء تدور وسط العاصمة "مكسيكو سيتي"، يعكس خلالها الواقع المكسيكي المعاصر والصراعات داخله... الأولي حكاية رب أسرة يدعي "دون روتيليو" صاحب حانة يدافع بقوة عن علاقته الشاذة مع أحد الرجال مما يدفع ابنه للهجرة الي أمريكا، الحكاية الثانية حول "ألما" الذي أدته باقتدار الفنانة "سلمي حايك" في دور الفتاة المراهقة الفقيرة التي تعيش صراعا بين طموحها المادي وفضولها الجنسي، وقد أظهرت "حايك" الأعماق النفسية للشخصية بحركات إيحائية بعيدا عن المبالغة وشكلية الغواية، أما الحكاية الثالثة فتدور حول العجوز "سوسانا" صاحبة البيت الذي يقطنه شخصيات الفيلم والتي تتعرض لاستغلال أحد الشباب للحصول علي المال، والجزء الرابع جاء تحت عنوان "العودة" المتمثلة في عودة المهاجرين، ليصل الفيلم الي حل عقدته بتصالح الابن مع والده. وفي الأجزاء الأربعة قدم مخرجه "خورخي فونس" تحليلا علي المستويين: الثقافي والاجتماعي لقاع المجتمع المكسيكي خلال عقد السبعينات والتحولات التي طرأت عليه نتيجة ما أصابه من انحراف أخلاقي وجهل ثقافي وفقراجتماعي. زقاق الإمام في فيلم "زقاق المدق" اخراج "حسن الإمام" عام 1963، سيناريو وحوار الكاتب المسرحي الكبير"سعد الدين وهبة" نجد مساهمة كبار فنانينا كانت أبرز علاماته، فقد كان "علي حسن" مديرا لتصويره ومصمما لإضاءته، و "رشيدة عبد السلام" مبدعة لمونتاجه، والموسيقار "علي اسماعيل" واضعا لموسيقاه التصويرية، و "حلمي عزب" مصمما لديكوراته... كلها أسماء كبيرة في مجال صناعة السينما عندنا، أما فنانونا فقد جاءت الفنانة "شادية" في مقدمتهم في دور "حميدة" بنت الزقاق، و"يوسف شعبان" في دور "فرج" الذي أوقع "حميدة" في شرك الغواية وفتيات الليل و الكباريهات، و"صلاح قابيل" في دور "عباس الحلو" صاحب صالون الحلاقة الذي يأمل الزواج بـ"حميدة"، و"حسن يوسف" ابن المعلم "كرشة" أداء الفنان "محمد رضا"، الذي يغوي "الحلو" للعمل في "الأورنس" الإنجليزي، و عبد الوارث عسر" عم "كامل" بائع البسبوسة في الزقاق، و حسين رياض" في دور "الشيخ درويش" معلم الأنجليزية السابق، و"عبدالمنعم ابراهيم" في دور "سنقر" عامل قهوة المعلم كرشة... كل تلك الشخصيات التي قدمها المخرج "حسن الإمام" علي المكان الذي كان محور اهتمام صاحب الرواية "نجيب محفوظ"، فقد ركز المخرج علي قصة "حميدة" وصراع "عباس الحلو" للفوز بها زوجة له، كما تجاهل المخرج تحليل شخصيات الفيلم الأخري إلا فيما ندر في لقطات شابها السطحية وضحالة التناول وأداء كوميدي ضعيف. طابع تجاري وقد غلب علي فيلم "حسن الامام" الطابع التجاري الذي يميز غالبية أفلامه، والتركيز علي مغريات الجذب الجماهيري الضحل القيمة والبعيد كلية عن فكر الرواية وقيمتها الانسانية كما وضعها أديب "نوبل" الذي كان المكان يمثل البطل الحقيقي في روايته، التي بدأها بالفعل بوصف المكان لا بتناول الشخصيات، جاء هنا اسم الرواية "زقاق المدق"، مما يعني أن الكاتب قصد تحليل المكان بما يعج به من قضايا اجتماعية وسياسية كانت هي الأولي بالبحث والتناول، لا أن الفيلم اختزل فكر "نجيب محفوظ" في مجرد قصة عاطفية منقوصة بين "حميدة" و "عباس الحلو"... والصحيح أن "محفوظ" من فرط تواضعه وأدبه لم يشر الي الفيلم بأيه سلبية ارتكبها مخرجه، إلا أنه قال تلميحا لاتصريحا إن الفيلم المكسيكي كان الأقرب الي فكره من باب التواضع والأدب أيضا. هكذا كان الأديب العالمي ينظر الي كل الأفلام السينمائية المصرية التي بنيت علي رواياته، وربما ترك للمخرجين حرية الرؤية وطريقة التناول، ايمانا منه بأن الفيلم فيلم والرواية رواية ولكل منهما مقوماته وقواعده ولغته وأدوات تنفيذه، حتي أنه لم يقم بكتابة أي سيناريو لهذه الأفلام... هذا هو "نجيب محفوظ" الذي يعلمنا درسا في الفن وعلينا أن نستوعبه، فهل نفعل؟

جريدة القاهرة في

27/12/2011

 

اعتذار لمحمد خان .. «في شقة مصر الجديدة»

بقلم : سامية حبيب 

شاهدت فيلم «في شقة مصر الجديدة» إخراج محمد خان لأول مرة خارج مصر، حين كان يعرض في أحد الأسابيع الثقافية المصرية في دولة الكويت . وكان المخرج الكبير وبطلا الفيلم غادة عادل وخالد أبوالنجا حاضرين وسط احتفاء كبير من الجمهور المصري والكويتي والفنانين والصحفيين هناك..وفي قاعة العرض التي شهدت ازدحاماً كبيراً. جلست أمني نفسي بمتعة بصرية وفكرية كبيرة عهدتها من أفلام خان، منذ أن شاهدت فيلم «سواق الأتوبيس» الذي كتب له السيناريو وأخرجه الراحل عاطف الطيب، وقد شاهدته مع زملائي حين كنا طلاب دراسة في إحدي قاعات مدينة السينما القريبة من أكاديمية الفنون حينها، وكان موضوع امتحان لنا، ثم كان فيلمه «زوجة رجل مهم» أيضا أحد موضوعات امتحان في مرحلة الدراسات العليا أو فيلم «أحلام هند وكاميليا» الذي عاصرت مرحلة الإعداد له . ومن حينها وأفلام خان تحفز عندي الذائقة الجمالية والنقدية وتثير الجدل والحوار بيني وبين زملائي، ذلك الجدل الذي قد يصل لخصومة مثلما حدث بعد فيلمه «أيام السادات» فقد كنت من المعجبين بالفيلم مثل كثيرين، في مقابل هجوم كثيرين علي الفيلم خالطين - في تقديري - بين الموقف السياسي والفني. انطباع أولي ولكنني بعد مشاهدتي لفيلم «في شقة مصر الجديدة» خرجت مسرعة من قاعة العرض غير راضية عن الفيلم فلم يحز علي اعجابي حينها، وجدت أمامي محمد خان واقفا في بهو القاعة، يطالع الفيلم في شاشة كبيرة بالبهو وكان مشغول الفكر وبدا في حالة حوار داخلي مع نفسه أو هكذا بدا لي، ورغم ذلك اقتربت منه وصافحته وقلت له «انني لم أستمتع بالفيلم تماما وهذا فيلم أقل من أفلامك التي أعرفها، هذا فيلم لايليق باسم محمد خان» ونظر لي وتمتم ببعض كلمات لم استوضحها ولكنه بدا عازفا عن الحوار وكنت أنا كذلك ولسان حالي يقول كيف يقدم مخرجي المفضل علي تقديم هذا الفيلم بعد روائعه . فما قصة الفيلم بنت تبحث عن مدرسة احبتها منذ صغرها وتظل تبحث، إلي أن تعود لمدينتها بعد معرفة بعض أخبار المدرسة وبعد أن درنا نحن معها في مصر الجديدة ومحطة مصر لحد ماتعبنا. لياقة فكرية هكذا كان انطباعي الاول عن الفيلم وعن خان وكان أكثر ماأرقني سؤال هل فقد خان لياقته الفكرية والفنية بعد رحلة إبداع عامرة بديعة بسينما نظرت لهموم مصر بعين النقد والحب ؟ زعلت وظللت كلما ذكر أحد الفيلم أمامي أهاجمه جدا بنفس الجملة القاسية التي قلتها لخان في وجه «هذا فيلم لايليق بخان» . بعد ذلك بسنوات شاهدت الفيلم علي شاشة التليفزيون في بيتي في القاهرة وفي رأسي كل الافكار السابقة، فوجدت متعة كبيرة في متابعته لم استطع تفسيرها وبحثت في ذاكرتي عن اسباب عدم حدوث هذه المتعة حين شاهدته للمرة الاولي .والحقيقة التي اود الاعتراف بها ان أسوأ شيء في مهنتنا هذه النقد الانطباعي الذي يتولد في لحظة سريعة بعد مشاهدة العمل الفني، والأسوأ ايضا هو الثبات علي فكرة واحدة حول عمل فني أو شخص أو هدف دون إعادة النظر ومسألة الذات أو العودة لقواعد التذوق الفني والاكتفاء بالذائقة الشخصية رغم أهميتها كما علمنا اساتذتنا . مرة فاصلة و نويت الكتابة عن الفيلم لكن بعد مشاهدته لمرة فاصلة خوفا من أن يكون انطباع الاعجاب أيضا وقتي وخاضع لمزاجي الشخصي - رغم ان ذلك ليس أحد مناهجي النقدية - ولكنني أثرت الصدق وتحول الأمر لقضية ذاتية بيني وبين نفسي . وتحقق مانويت عليه مؤخرا شاهدت الفيلم وحصلت علي متعة المشاهدة والفكر، إذ كانت غادة عادل في دور جديد واداء مميز لم نعهده كثيرا منها،في دور البنت الطيبة «نجوي» قليلة الخبرة التي احاطها المجتمع وأمها بسياج حديدي بدعوي الحفاظ عليها من مغامرات الحب المعيبة من وجه نظرهم،وهو مايبرر تعلقها بمدرستها أبلة تهاني منذ طفولتها. وكذلك كان خالد ابوالنجا «يحيي» الشاب ابن المدينة اللاهث وراء العمل بإحدي شركات البورصة الذي يتسم بالدقة في المغامرة بأموال العملاء .الحب عنده لايعني سوي الجنس الذي يمارسه مع إحدي زميلاته في لقاءات عابرة، وحين تسأله مذيعة البرنامج الإذاعي عن الحب يرتبك ويحتار في الإجابة. الجهل بالحب ولايقتصر الجهل بالحب - ربما كان التعبير قاسياً لكنه مضمون الفيلم- علي نجوي ويحيي فقط بل ربما جيلهما كله، فتاة البنسيون التي تقدم علي الانتحار لخلاف مع حبيبها، الفتاة يمني صديقة نجوي التي تخطف منها خاطبها لمجرد الحصول علي عريس، الجميع يلف ويدور حول الحب، تلك الفكرة الغامضة دون أن يعرفها أو يفهمها . في حين بدا الجيل الأكبر منهم اكثر وعيا بمعني ومفهوم الحب رغم معاناة الحرمان منه، فشكل وجودهم في الاحداث تيمة الحب المستحيل لكنه موجود ومحترم منهم ومن المجتمع حولهم . العجوز «شفيق» الفنان يوسف داوود صاحب المنزل الذي سكنته تهاني قديما،أحبها وتمني الزواج بها، لكنها لم تبادله نفس المشاعر ورغم ذلك أخلص لها وانتظرها عشر سنوات لتحبه وحين لم يحدث، تزوج سيدة أخري وهو يعي أنه زواج بلا حب . صاحبة سكن الطالبات الدور الذي أدته ببراعة عايدة رياض، امرأة خبرت الحياة وتزوجت أكثر من مرة، تتعايش مع مشكلات الشابات الساكنات عندها بحب وحرص عليهن . وهي في حالة حب محبط مع جارها سائق التاكسي الأرمل «عيد ميلاد» الذي اكتفي بحب بناته الصغار اليتيمات،أداه ببراعة السهل الممتنع الفنان أحمد راتب . ففي تلك العلاقة كثير من المسكوت عنه في الحوار ولكنه واضح في دلالات الصورة والاداء التمثيلي اللذين يعتمد عليهما خان كثيرا في أفلامه، تلك علاقة حب مستحيلة بين امرأة ورجل بسبب الدين أو العرف الاجتماعي ورغم ذلك نجدها عامرة بالود الانساني السامي البعيد عن التبذل فشكل هذا الثنائي الإنساني أحد أهم صور الحب التي طرحها الفيلم. مشهد الولادة صورة اخري للحب جاءت في مشهد الولادة داخل محطة القطار ذلك الموقف الذي تورطت فيه نجوي وهي مرتبكة متوترة وانتهي وهي تحتضن طفل لاتعرفه ولاتعرف أهله فقط جمع الحب بين الجميع , الزوج الجالس في مقهي المحطة قلق علي زوجته الحامل لتأخرها داخل حمام السيدات، ونجوي التي تدخل بحثا عنها فتجدها متعبة ومشفقة علي زوجها من صعوبات الولادة وحدها لذا عزمت السفر لمنزل والدتها لتساعدها أثناء الوضع، فإذا بها تجد مساعدات من مريدات المحطة لتضع مولدها، وايضا الزوج بالخارج لم يعد وحيدا بل شاركه كل رواد المقهي في فرحة استقبال مولده البكر بالتهاني والاحضان، في واحد من أجمل مشاهد الفيلم لانه ببساطة وضع يده علي أحد جواهر الشخصية المصرية أي التلاحم الانساني في أصعب المواقف حتي لو لم يسبقه معرفة شخصية وهذا هو الحب التلقائي الذي خلقه الله في النفس الإنسانية. التوظيف الدلالي ومن جماليات الفيلم التوظيف الدلالي للأغنيات بدءاً من أغنية ليلي مراد «انا قلبي دليلي» خاصة مقطع «حبوبي معايا من قبل ماأشوفه» التي تذاع من مذياع راديو سيارة الأجرة بينما وقف بجوارها البطل يحيي في إشارة المرور، لينتقل كادر الكاميرا إليه في لقطة تنبؤية للأحداث، حيث تهدي ابلة تهاني تلميذتها نجوي الأغنية . والحقيقة أن تعامل الحدث الدرامي طوال الفيلم مع برنامج «مايطلبه المستمعون» الذي كان أحد أهم برامج الإذاعة المصرية- واتصور مازال - بالنسبة لكثيرين حيث هو مجال لتبادل التهاني والتحيات علي البعد بين الناس، يعد ملمحا ذكيا جدا . لخصوصية البرنامج ومعناه الذي تاه أيضا بين وسائل الاتصال الحديث خاصة الموبيل، ولاذاعته قديم الطرب الذي يحيل لزمن الحب الكلاسيكي المفقود في وقت الحدث الحاضر، حيث يلهث الجميع خلف كل شيء ويفتقدون الحب . ورغم ذلك يهتم الفيلم بالأغنية الحديثة التي يتابعها الشباب الان ربما دون أن يتوقفوا عند معانيها مثل أغنية نانسي عجرم ونوال الزغبي التي ترقص علي أنغامها نجوي باستحياء فتاة تعودت الخجل من جسدها وانوثتها، في حين تبرع صاحبة المنزل في الرقص، وهي السيدة التي انضجتها تجربة الحياة بكل ماحملت من معاناه فيها وكان أحد أجمل مشاهد الفيلم أيضا. فكرة وجودية لقد حول سيناريو الفيلم لكاتبته الموهوبة الحب من فكرة درامية تناولها كثير من الافلام بالطبع، إلي فكرة وجودية يحياها البشر وهم غافلون عنها أحيانا كثيرة، منهم من يبحث عنها مثل أبلة تهاني ونجوي وهم لا يدرون جوهرها، لكنهم يجدونها بدأب البحث. ومنهم من لايفهمها مثل يحيي وصديقته داليا، ومنهم من هو مطمئن لوجودها رغم حرمانه منها مثل السائق عيد ميلاد وحياة صاحبة المنزل . بكل الحب اتمني أن يقبل محمد خان اعتذاري عن خطأ عفوي، فقد علمتني المهنة أن الفنان يتعب من اجل كلمة صدق من جمهوره، وربما احبطه الجمهور أحيانا، لكن مما تعلمته أيضا ان الفن الحقيقي مثل الجواهر تزداد قيمته مع الزمن . ومحمد خان أحد جواهر السينما المصرية التي علينا المحافظة عليها بكل الحب ونجدد مطلب كل عشاق فنه في منحه جنسيتها التي يحملها ادبيا ولاشك .

جريدة القاهرة في

27/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)