حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مصطفى الحسناوي

بشار إبراهيم

مات المخرج التونسي مصطفى الحسناوي. ربما من سوء حظه أن رحيله جاء في خضم الأحداث العارمة التي كانت بلده؛ تونس، تشهدها بصخب، فما انتبه أحد، إلا أقل القليل. كانت الأعين مشدودة، والأبصار مشدوهة، والأفئدة متلهفة، والعقول منشغلة، بما يجري في تونس الخضراء، هناك حيث الشعب يعلن ثورته العارمة، ويخرج بغضب. وما كان من السهل الانتباه إلى رحيل مخرج سينمائي، اختصّ لنفسه العمل في سياق الأفلام الوثائقية.

كان الضجيج أعلى من أن يسمع أحد حشرجات الموت، وهي تختطف آخر أنفاس هذا المخرج، الذي أقل ما يمكن أن يُوصف به أنه علم بارز في صناعة الفيلم الوثائقي العربي، خلال آخر عقدين، أو ثلاثة عقود، من الزمن. مخرج استطاع أن يرسم، ويحفر عميقاً، مسيرة مميزة لسينمائي باهر، منشغل بهموم وطنه، وشعبه، وأمته، ساعياً لالتقاط أبرز القضايا والهموم التي تشاغل الناس، في واقعهم اليوم، وفي حيواتهم، ومقاديرها، ومصائرها.

مصطفى الحسناوي، رحل. وترك لنا إرثاً من الأفلام الوثائقية التي تتعدد أسماؤها، كما موضوعاتها، ومضامينها، وأمكنتها، مسافراً بأفلامه، عبر الحدود والحكايات والشخصيات، إلى غير بلد. من بلده الأم؛ تونس، وصولاً إلى فرنسا، مروراً بمصر، بل وتوقفاً طويلاً عند سلسلة أفلام اهتمت بمصر. تحديداً. دون أن ننسى انشغاله بموضوعات تبدو فريدة، أو غريبة، على مخرج سينمائي وثائقي عربي (مارغريت جارنر، ماكس دويتش).

وعلى الرغم من أنني رأيته أكثر من مرة، في غير مهرجان سينمائي عربي، هنا وهناك، إلا أنني لم أتعرّف بشكل شخصي إلى هذه المخرج، الذي كنتُ أدرك أهميته وخصوصيته. كانت المرة الأولى التي أدخل فيها عالمه السينمائي، عندما شاهدتُ فيلمه «مارغريت غارنر»، عام 2006، في مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة. منذ الوهلة الأولى، يمكن للمرء الانتباه إلى هذا الصوت الوثائقي المتميز. إنه ينتمي إلى طابق خاص من المخرجين التسجيليين في العالم العربي، وفي العالم. لديه رصانته، وقوته التعبيرية، وانفتاحه على موضوعات أوسع إنسانياً من تلك الحارات الضيقة التي يلوب فيها كثير من صنّاع الفيلم الوثائقي العربي.

وفضلاً عن عدم معرفتي الشخصية، بهذا المخرج، الذي سأعتز يوماً بأنني عاصرته، ينبغي لي أيضاً القول إنني لم أشاهد جميع أعماله، ولا كافة أفلامه. ولا أعتقد أنه سيكون حسبي من مُنجز هذه المخرج، مشاهدة فيلمين أو ثلاثة من أفلامه. إنه مخرج من ذاك الطراز الذي ينبئك فيلم له بضرورة العمل الجاد على مشاهدة أعماله كافة، والتوقف أمامها، وتأملها.

نبحث في المصادر، والمراجع، الورقي منها والإلكتروني، لنقف على مدى بؤس الحالة النقدية العربية، إذ نجدها وقد قصَّرت أيّما تقصير بصدد هذه المخرج القدير. بل لعل من العسير، على المرء، الوقوع على دراسات وافية لأعماله؛ أفلامه، أو ثبتاً بأسمائها، عناوينها، تواريخ إنتاجها، موضوعاتها، والجوائز التي نالتها. إنه تقصير فظيع. قد يتحمّل نقاد تونس السينمائيين، المسؤولية الأولى عن هذا التقصير!.. ولكن هذا لن يبرئ النقاد السينمائيين العرب عموماً، من هكذا مسؤولية.

كيف يمكن لمخرج على هذا القدر من الجودة والتميز والاستثناء أن يمرّ دون توقف متأن، متأمل، باحث، مجادل، أو معانق، لتجربته السينمائية؟.. كيف تتخلَّف الأقلام عن توثيق تجربته فيلماً فيلماً، مرحلة بعد أخرى، ومحطة تلو غيرها؟..

لا أتنصل من المسؤولية أبداً. هذا إذا صحّ إنتمائي إلى فريق نقاد السينما العرب!.. وإن كنتُ أجد العذر لنفسي في أنني قد عزمتُ، منذ عقد ونصف من الزمن، الاشتغال على السينما الفلسطينية، تاركاً لغيري الاشتغال على حقول سينمائية «قُطْرية»، موازية، مما يتم إنتاجه في في هذا البلد أو ذاك. إلا أنني اكتشفُ اليوم، ومع رحيل المخرج مصطفى الحسناوي، أن ثمة ظلماً ما وقع، وربما سيقع، مع انغلاق دائرة كتاباتي على السينما الفلسطينية، أو تكاد.

لم أنتبه أبداً إلى أن المخرج مصطفى الحسناوي قارب الشأن الفلسطيني، في أي من أفلامه، من قريب أو بعيد. ولعله لم يفعل ذلك، إلا مرة واحدة، ربما. ولكنني أنتبه تماماً إلى أن خروجي من دائرة الكتابة عن السينما الفلسطينية، مرات قليلة، إنما كان لتماس جغرافي، واحتكاك مباشر. كأن أكتب عن السينما السورية، وأنا من وُلد وعاش ودرس، في سوريا. أو أن أكتب أشياء عن السينما الإماراتية، والخليجية، وأنا من يقيم الآن ويعمل في دبي؛ جوهرة الخليج العربي.

دائماً بقيتْ ثمة مسافة منظورة، وملحوظة بالنسبة لي على الأقل، تفصلني عن عالم المخرج التونسي مصطفى الحسناوي. مسافة لم تطوِها حقيقة إدراكي أهمية هذا المخرج، وعلو كعبه، وتميزه الإبداعي عن الكثير من أقرانه، سواء من مجايليه، أو ممن سبقوه، أو ممن لحقوه. مسافة لم تمحها حقيقة أنه ذاك المخرج السينمائي العربي الذي اختصّ السينما التسجيلية، وصناعة الأفلام الوثائقية، وبقي وفياً مخلصاً لها، طيلة تجربته. وهذا وحده ما كان كافياً عندي للاقتراب منه، ومن عالمه السينمائي، والدخول في أعماقه، والتورّط فيها متابعة وكتابة وتوثيقاً وأرشفةً!.. خاصة، وأن جلّ همّي واهتمامي إنما يتجه دائماً ناحية السينما التسجيلية، والأفلام الوثائقية، وينفر من الأفلام الروائية، خاصة الطويلة منها. بإيمان عميق مني أن السينما الحقيقية إنما هي السينما التسجيلية، والأفلام الوثائقية.

يرحل المخرج مصطفى الحسناوي، وأبحث عما يمكن لي أن أجده من مصادر ومراجع، فلا أجد إلا القليل، وكان لمقالة جيدة ويتيمة (كتبتها أمال فلاح)، وبعض الكتابات القليلة جداً الأخرى، والمتفرقة، أن تعينني في رسم الخطوط العامة، غير الكاملة، للفيلموغرافيا التي خلفها لنا، والتي أوردها هنا، على الرغم من أنني أعلم بعدم باكتمالها، وأنني لا أثق بصحتها: فيلم «الكتابة بدون مجاملة»، عام.. «أحمد الصياد»، عام 1993. «الكتابة تحت الرقابة»، عام 1994. «الآداب الأجنبية، حالة فلسطين»، عام 1997. «ماكس دويتش»، عام 1998. «فؤاد بلامين»، عام.. «أطفال شوارع»، عام.. «السمسمية»، عام.. «القاهرة الأم والإبن», عام 2000. «زمان رمضان», عام 2001. «عندما تغنّي المرأة», عام 2004. «مارغريت غارنر», عام 2006. «ظلال»، عام 2010.

يرحل المخرج مصطفى الحسناوي بعيداً عن وطنه، وفي خضم الضجيج الذي يلف بلده. علمتُ بذلك عن طريق المخرجة السورية الأنيقة هالة العبدالله، التي كان لها أن تنعيه على صفحتها في الشبكة الاجتماعية (فيس بوك)، في لفتة وفاء نبيلة منها، على الرغم من انشغالاتها الملحوظة بمتابعة ثورة الشعب التونسي.

يأتي خبر رحيل هذا المخرج الصموت، مفاجئاً، ومفجعاً. لم نسمع من قبل عن مرضه. ربما شاء كتمان ذلك، ومصارعة مقاديره على الطريقة التي يشاء. ولن نسمع عن تشييعه، ولا العزاء، ولا تكريمه، ولا الاحتفاء به. ليس هو من طائفة النجوم، على الرغم من أهمية كل ما قدمه، وبذله، وفكّر به، وأرساه، وأنجزه، وتركه لنا، تراثاً سينمائياً. ربما هو قدر السينما التسجيلية، والأفلام الوثائقية، أنها قلّما تصنع نجوماً، وتشهرهم.

كأنني الآن أراه. ماراً أمامي، مسرعاً في الممرّ الوثير. كانت المحطة الأخيرة، ما قبل الرحيل الموجع، ليس أبعد من شهر. كان ذلك في مهرجان دبي السينمائي الدولي، حيث أتى المخرج التونسي مصطفى الحسناوي، شريكاً للمخرجة المصرية ماريان خوري، في فيلمهما الوثائقي «ظلال»، الذي شارك في مسابقة «المهر العربي للأفلام الوثائقية»، وكان له أن فاز بجائزة «الاتحاد الدولي لنقّاد السينما» للأفلام الوثائقية.

ربما كانت تلك آخر الجوائز السينمائية التي ينالها المخرج مصطفى الحسناوي في حياته!.. ولكن يقيني أن الجوائز الأهم التي ينبغي أن نمنحها لهذا المخرج المبدع، هو الوفاء له، على الأقل من خلال المبادرة إلى جمع تراثه؛ أفلامه، وتوثيقها، ونقدها، والكتابة عنها، وتأملها.. وكذلك توفيرها للمشاهد، سواء أكان هذا عبر مهرجان ما، أو عبر مؤسسة ما، حكومية كانت أو مستقلة، أو عبر شبكة ما، سينمائية أو تلفزيونية. دون أن نغفل عن حقيقة أنه يستحق تماماً إطلاق جائزة سينمائية تحمل اسمه.

مصطفى الحسناوي.. في حياتك، لم أبادلك الكلام.. ولكن في رحيلك، اسمح لي أن أقول لك: وداعاً.. مع المحبة والتقدير.

الجزيرة الوثائقية في

22/12/2011

 

الأفلام المرشّحة لجوائز الغولدن غلوب هذا العام

محمد رضا 

ترشيحات جوائز “غولدن غلوبس” التي أعلنتها جمعية مراسلي هوليوود الأجانب قبل أيام قليلة تلتزم بتقاليد الجمعية الصحافية المعروفة وهي منح جوائزها القيّمة إلى عدد كبير من مواهب السينما والتلفزيون والأعمال المختلفة في الحقلين المذكورين. هذه الجمعية التي تم إنشاؤها في الثلاثينات ولا تزال تشكّل بنشاطاتها المختلفة جزءاً مهمّاً من الحياة السينمائية في هوليوود، تتألّف من نحو 96 صحافيا وناقدا يكتبون في الجوانب السينمائية والتلفزيونية المختلفة ويقضون أوقاتهم ما بين العروض الخاصّة والمقابلات التي يحصدونها عنوة، في بعض الأحيان، عن صحافيين أميركيين يعملون للمطبوعات المحلّية.

لحين ليس بالبعيد، كانت الجمعية لا تزال محط تهكم بعض السينمائيين الذين كانوا يعتبرون أعضاءها ذوي الغالبية غير الأميركية متطفّلين على المهنة، ومجرّد صحافيين يركضون وراء الخبر والدعوة على العشاء. لكن في السنوات العشرين الأخيرة على الأخص، تغيّر الوضع تماما بعدما أدركت هوليوود أنها في الحقيقة تتعامل مع مهنيين حريصين على سمعة مؤسستهم ودورها في الحياة السينمائية المتعددة. لكن هذا الإدراك ليس الوحيد الذي جعل هوليوود تغيّر رأيها: جوائز الغولدن غلوبس مؤشر لكيف سيفكّر أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية ولمن سيمنحون أصواتهم وذلك على اعتبار أن سبعين بالمائة من الأفلام والشخصيات الفائزة بالغولدن غلوب كانت تفوز بالأوسكارات التي تلي حفلته حفلة الغولدن غلوبس بنحو شهر.

هوليوود وجدت نفسها تطلب ودّ الجمعية بسبب التأثير الكبير للجائزة ونجاح البث الحي في استقطاب الملايين من المشاهدين الأميركيين وحول العالم ما يساعد شؤون التسويق والدعاية ويمنح الفيلم الفائز حياة تجارية وإعلامية إضافية.

وكل ذلك لم يتغيّر هذا العام. زملاء هذا الناقد الذين انشغلوا خلال الأشهر الثلاث الماضية في معمعة من الأفلام المعروضة (نحو 200 فيلم) ?  ?والمقابلات (أكثر من سبعين) صوّتوا على ما يرونه أهلاً للترشيح وربما الفوز. رأيي الخاص، وقد شاركت، كوني أحد الأعضاء، في متابعة نشاطات الجمعية كالعادة، أن بعض الزملاء حبّذ الأفلام التي تضم نجوماً كباراً نظراً لقدرة هؤلاء النجوم على جذب الاهتمام والجمهور خلال حفلة توزيع الجوائز في السابع عشر من الشهر المقبل. لكن على الرغم من أن الغاية لا تخلو من مبرراتها، إلا أن عدداً ملحوظاً من الأفلام الجيّدة تزحلقت بعيداً عن درب الترشيحات بسبب ذلك التحبيذ. لكن مهما يكن، فإن الماثل في السباقات المختلفة التي تم الإعلان عنها جدير بالاهتمام والتقدير خصوصاً وأن هذه السباقات تحتوي على فرص يتضاعف فيها حظ المرشّحين من السينمائيين كما حظوظ الأفلام المختلفة

هذا واضح بالنسبة لمسابقة أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي حيث الفيلمان الوحيدان الذين من الممكن الدفاع عن ترشيحهما هنا هما «الفنان» و”منتصف الليل في باريس”. الأفلام الثلاثة الأخرى تتراوح بين الجيد نسبيا، مثل«أسبوعي مع مارلين» والعادي للغاية مثل«50?/?50» و«خادمات العروس”.

من جهة أخرى تعتبر مسابقة الأفلام الدرامية أفضل حالاً بكثير وعددها ستّة وهي «الأحفاد» و«منتصف أشهر مارس« (الأول من بطولة جورج كلوني وإخراج ألكسندر باين، والثاني من إخراجه وتمثيله لدور مساند)، وفيلم «هوغو» لمارتن سكورسيزي، و«المساعدة» لتايت تايلور، و«مونيبول» لبانيت ميلر، و«حصان الحرب» لستيفن سبيلبرغ (وقد نال علامات متوسّطة بين النقاد الأميركيين)

خمسة من مخرجي هذه الأفلام الإحدى عشر يتسابقون على غولدن غلوب أفضل إخراج وهم وودي ألن عن «منتصف الليل في باريس»، جورج كلوني عن «منتصف شهر مارس»، مايكل هازانافيزيوس عن «الفنان»، ألكسندر باين عن «الأحفاد» ومارتن سكورسيزي عن "هوغو

على صعيد أفلام الأنيماشن، وهي مسابقة حديثة نسبياً، فإن الأفلام المرشّحة تحتوي على فيلم ستيفن سبيلبرغ «مغامرات تن تن» بالإضافة إلى “آرثر كريسماس« و»قطّة في الحذاء»، «رانغو» و- أفضل هذه الأفلام- «سيارات 2«.

بالنسبة لأفضل فيلم أجنبي، نجد الأفلام التالية التي نتوسّع قليلاً في تصنيفها نظراً لأهمية هذه المسابقة بالنسبة لنا كمتابعين للأعمال غير الأميركية.

في المقدّمة، ومن دون ترتيب،  «انفصال» لأشقر فرهادي هو دراما تبدأ مع قرار الزوجين الطلاق. لكن ما يجمع بينهما معضلة يقع فيها الزوج حين تدّعي عليه خادمة بأنها دفعها بعنف فوق السلّم ما نتج عنه خسارتها لجنينها. أمر أثار زوجها الذي أخذ يتوّعد الجميع. المحقق يسعي لمعرفة الحقيقة التي يعرفها المشاهدون كونهم تابعوا كيف أنها سقطت من جراء ذاتها وأنها لفّقت المشكلة لكي لا يحمل عليها زوجها العنيف.

الفيلم في مداخله ومخارجه الدرامية مثير للاهتمام وجاد والمخرج أشقر فرهادي سبق له وأن تعامل والموضوع الاجتماعي في فيلم لافت سابق هو «حول إيلي» لكن الهالة التي رُسمت من حوله على أساس أنه عمل فني جيّد، وهي هالة نتج عنها نيله جائزة مهرجان برلين الأولى هذا العام، ليست صحيحة تماماً. المعالجة قد تكون مثيرة على صعيد الموضوع، لكن معالجتها لا تخرج كثيراً عن النمط التلفزيوني.

الرؤية الفنية تعاني من مستوى محدود أيضاً في فيلم زانغ ييمو الجديد «زهور الحرب»، معظم أحداث هذا الفيلم تقع في كنيسة راعيها هو الأب الكاثوليكي كرشتيان بايل الذي يصبح همّه الدفاع عن العاهرات اللواتي لجأن إلى الكنيسة هرباً من الجيش الياباني الذي غزا البلاد خلال ثلاثينات العقد الماضي. وهناك الكثير مما يود الفيلم ضمّه إلى هذه الحكاية التي يوفّر لها المعارك والعناصر الملحمية والعاطفية ويحوّلها جميعاً إلى أجزاء من ميلودراما مفككة الأواصر مفادها التضاد المفترض بين رجل الدين ومهنة العاهرات الذي يتحوّل إلى تقدير كبير وتعاطف واسع. ما يكشف عنه الفيلم هو كيف ينتقل ييمو من فيلم سابق حول ضرورة الاندماج بين الثقافتين اليابانية والصينية في «السفر وحيداً لألوف الأميال» (2005) وبين هذا الفيلم المنضم لمجموعة متزايدة من الأفلام التي تنتقد اليابانيين.

ويلتقي كل ذلك مع فيلم آخر هو «في بلد الدم والعسل» للمخرجة (الجديدة) أنجلينا جولي. هي الممثلة التي قررت تقديم فيلم مأخوذ عن وقائع تتعلّق بكيف وقعت نساء البوسنيا تحت وحشية الجيش الصربي وعصابات السُلطة خلال تلك الحرب الدموية التي دارت إثر تفكك يوغوسلافيا. في فيلمها تنصرف جولي إلى تحديد المسؤوليات بلا مواربة وتقديم الحكايات الإنسانية حول ما وقع بلا محاولة تقع فيها بعض الأفلام حين تساوي بين الجلاد والضحية. ليس الفيلم الأفضل الخارج من عباءة العام المقترب من نهايته، لكنه من بين الأكثر جرأة خصوصاً وأن الممثلة- المخرجة كان لديها الكثير من المواضيع الأقل خطورة لكي تختار من بينها.

الفيلم الرابع في هذه الترشيحات هو أفضلها فعلاً. «الفتى صاحب الدراجة» هو العمل الجديد للأخوين لوك وجان- بيير داردين. هما من شغل بلجيكا كما فيلمهما وعملهما تلخيصاً لأسلوبهما الراصد على نحو متأثر بالسينما التسجيلية ولو أنه روائي بحت.

حكاية ولد خسر والدته ووالده غير مهتم به فيأوي إلى مشرفة اجتماعية التي تأخذ على عاتقها تجنيبه مخاطر الإنزلاق في هذا السن الحسّاس، إلى الجريمة أو سواها، وهو ما كاد يفعله لولا تدخّلها في آخر لحظة. إنها دراما شغوفة بموضوعها وعلى عكس أفلام سابقة للأخوين المذكورين وعلى الرغم من جدّية موضوعه، الا أنه لا يسبب الشعور بالأسى والإحباط في نهاية مطافه. ربما الفارق الأهم هو أن الممثل الصغير توماس دوريه متشرّب ومتفهّم للدور كما لو أن خبرته تعود لعصر كامل.

أما الفيلم الخامس فهو الأسباني «البشرة التي أعيش فيها» وهو دراما أخرى تعاني من اختلالها على يدي مخرجها بدرو ألمودو?ار الذي عادة ما ينجز ما هو أكثر أهمية من هذا الموضوع الذي يدور حول طبيب غير محبوب يستطيع منح المرضى بشرة جديدة لا تحترق ولا تتأثر لكن كل ما في عالمه الخاص يتهاوى. المشكلة في تلك الدكانة التي تؤدي إلى رصانة أكثر من المطلوب ومن شخصيات تخفق في أن تنتمي إلى مبدعها ألمودو?ار على الرغم أنه دائم البحث في الغلاف الخارجي لشخصياته ودواخلها.

الجزيرة الوثائقية في

22/12/2011

 

فى فيلم «أسماء».. قسوة الأصحاء ولامبالاتهم تكشف الأمراض المزمنة فى المجتمع

إيهاب التركى  

الظاهر من فيلم «أسماء» أنه عن مرض الإيدز، والحقيقة أن هذا عنوان لأمور أخرى، البطلة حاملة للفيروس وليست مريضة به، وكل مشكلتها رفض الأطباء إجراء جراحة لمرارتها المعتلة، لكن سيناريو كاتب ومخرج الفيلم عمرو سلامة، تجاوز فكرة الإشفاق على البطلة إلى الإشفاق على مجتمع الأصحاء حولها، فهم مرضى أيضا، لكن مرضهم أشد قسوة، هى مرضها لم يفقدها إنسانيتها وكرامتها، أما هم ففقدوا إنسانيتهم رغم أنهم فى كامل صحتهم الجسدية، تفتح مشكلة البطلة أبوابا كثيرة لحجرات كثيرة، فى كل حجرة شخص لديه مشكلة، ونكتشف من خلال حدوتة أسماء أن كل المشكلات مرتبطة، وأبواب الحجرات تنفذ إلى بعضها البعض.

عادة يكتب خبر نعى المريض: «مات فلان الفلانى بعد صراع مع المرض»، ولكن أسماء تصارع المرض والبشر، تصارع قسوة الأطباء الذين يرفضون التعامل معها خشية مرضها، وتصارع الأحكام الأخلاقية حول سلوكها وسبب إصابتها بالفيروس، وتصارع استغلال الإعلام معاناتها من أجل سبق إعلامى، تصارع نظرة شك ابنتها المراهقة التى لم تر لها أبا أو عائلة.

أداء هند صبرى كان فى أفضل حالاته فى المشاهد الصامتة، حيث تعبيرات عيونها عن الخوف والقلق من الناس وتحدى منطقهم فى نفس الوقت.

تتشابك قصة معاناة أسماء فى حاضرها مع بعض مشاهد الماضى التى تأتى بين الحين والآخر فتبدد برودة صورة الحاضر بصور مشرقة للريف المصرى، حيث نرى أسماء الفتاة الريفية الجريئة المليئة بالحيوية والتحدى وحب الحياة، نراها فتاة نضرة تسعى للحب الذى وصل بها دون قصد إلى مأساتها. تتمسك «أسماء» بحقها فى العلاج دون تفتيش فى سلوكها وأخلاقها، ورغم إعلاء الفيلم قيمة حق الإنسان المريض فى العلاج،

مهما كان سلوكه، فإنه يخون هذا المبدأ حينما يحرص على تبرئة البطلة من سوء السلوك، وكان الأفضل أن يحجب هذه التفاصيل لصالح مبدأ أهم، وهو أن حقوق الإنسان غير مشروطة بأى أحكام أخلاقية على سلوك الفرد الشخصى.

قدم ماجد الكدوانى شخصية مقدم التوك شو بتألق شديد، فعلى الرغم من أنه قدمه بالأساس فى صورة سلبية، فإنه لم يسقط فى فخ الشرير النمطى.

التحرير المصرية في

23/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)