حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

إيميلي بلانت لـ«الحياة»:

أنا مدينة لجمالي بالكثير

باريس - نبيل مسعد

لمعت النجمة البريطانية ايميلي بلانت (27 سنة) قبل خمس سنوات بفضل دورها في فيلم «الشيطان يرتدي برادا» الذي تقاسمت بطولته مع ميريل ستريب تحت إدارة السينمائي الأميركي الكبير مايك نيكولز.

ومنذ ذلك الحين، استطاع الجمهور مشاهدة النجمة الشابة في أعمال هوليوودية أبرزها: «حرب تشارلي ويلسون» إلى جوار توم هانكس، و «نادي كتاب جين أوتسن»، و «وولفمان» إلى جانب بنيسيو ديل تورو وأنطوني هوبكينز، وحديثاً جداً «رحلة غاليفر» مع النجم الفكاهي جاك بلاك. وعلى الصعيد البريطاني، أدت بلانت شخصية الملكة فيكتوريا في فيلم «فيكتوريا الشابة» ويعتبر دورها هذا من أقوى ما قدمته على الشاشة حتى الآن.

تتميز بلانت بجمال من النوع الهادئ، إلا أن عينيها الخضراوين قادرتان على التعبير عن إغــراء لا مفر منه. وتسمح لها هذه القدرة بالتــنويع في أدوارها والانتقال من العاشقة الرومانسية إلى الفاتنة الشرسة مروراً بثقيلة الظل المستعدة لفعل كل شيء من أجل نيل مناها.

جاءت بلانت إلى باريس كي تروج لعطر إيف سان لوران الجديد الذي صارت سفيرة رسمية له، إضافة إلى أن فيلمها الهوليوودي الأخيــر «مكتب التعديل» الذي تتقاسم بطولته مع مات ديمون نزل إلى الأسواق الأوروبية في شكل أسطوانة DVD إثر رواجه العريض في صالات السينما. وفي مناســبة هذه الزيارة التقتها «الحياة» وحاورتها. وهي لم تتردد في الضحك بصوت عال مرات عدة في أثناء الحوار مقدمة الدليل على أن البساطة وروح الـــفكاهة من الصفات التي تضيف إلى جاذبيــتها نبرة ساحرة مميزة.

·         أديت أكثر من مرة، لا سيما في فيلم «الشيطان يرتدي برادا» شخصية امرأة ثقيلة الظل، فهل تعجبك هذه الأدوار في شكل خاص؟

- أميل إلى أداء كل دور يتعلق بامرأة تناضل بشتى الوسائل من أجل التقدم في الحياة والحصول على مزيد من الرفاهية لنفسها ولمحيطها العائلي، خصوصاً لأولادها. ويحدث أن تخطئ المرأة وتقع في فخ الأنانية والطمع المادي البحت، الأمر الذي يشوّه صورتها بطبيعة الحال. لكن هذه هي الحياة بإيجابياتها وسلبياتها وليس بيننا من رجال أو نساء من هو معصوم عن الخطأ. وما أهواه شخصياً هو أداء شخصيات تتميز بالصفات البشرية الأساسية من حسنات وسيئات. فأدوار المرأة الجذابة التي لا تفعل سوى الخير لا تهمني بالمرة لأنها ليست واقعية أو مستمدة من صميم الحياة، بل خيالية بحتة وبالتالي لا تثير مخيلتي. ثم لماذا تكون الأدوار الثقيلة الظل حكراً على الرجال؟

·         شاركت مات ديمون بطولة فيلمك الأخير «مكتب التعديل»، فهل وقعت في غرامه في أثناء التصوير نظراً الى وسامته؟

- في غرامه؟ هل تتوقع أنني أقع في غرام كل ممثل أشاركه بطولة أحد الأفلام مع العلم أنني أظهر بمعدل ثلاثة أفلام كل سنة؟ لا يا سيدي، لست كذلك وأشكر السماء على ذلك. في أحد أفلامي وهو «صيف حبي» أديت شخصية فتاة تقع في غرام فتاة ثانية. فتخيل كيف تكون حياتي الشخصية إذا كنت أفعل كل هذه الأشياء خارج الشاشة أيضاً.

·         أنا لم أقل ذلك، فقط أردت أن أعرف رأيك في مات ديمون؟

- إنه ممثل كبير ورجل خلوق وكريم، وأنا أحببت العمل معه أمام الكاميرا فقط لا غير.

·         وإذا عكسنا السؤال، هل هناك الكثير من الذين شاركوك بطولة أفلامك وقعوا في غرامك؟

- أنصحك بأن تسألهم. أما أنا فلا أعتبر العمل الفني عبارة عن لعبة غرامية بين الذين يؤدونه.

·         أنت بريطانية وتعملين كثيراً في هوليوود، فما نظرتك إلى السينما الأميركية في الفترة الحالية؟

- أراها قد فقدت رومانسيتها تماماً لمصلحة الأفلام المبنية على المؤثرات المرئية والصوتية وعلى الأبعاد الثلاثية. هوليوود تلقن الشباب كيفية الاستغناء عن المشاعر لمصلحة إبهار العين ولا شيء سواها. يا خسارة.

فخ الجمال

·         ما رأيك بالدور الذي يلعبه جمالك في رواجك العالمي؟

- الجمال يفتح بعض الأبواب في البداية، وهذا واقع لا أستطيع تجاهله أو نفيه مثلما تفعل هذه النجمة أو تلك. لكنني أؤكد لك أن الجمال على المدى الطويل ينقلب إلى فخ إذا لم تعرف صاحبته كيف تسخره في خدمة موهبتها وذكائــها وقدرتهـــا على التنويع في الأعمال التي تشارك فيها. وكـــم من ممثلة صارت حبيسة الأدوار المبنية على جاذبيــتها وانتــهى بها المـــطاف في سلة المهملات بعد فتــرة وجيــزة. أنا مدينة لمظهري بالكــثــير، حالي حال أي ممثلة في العالم، لكنني سرعان ما وضعت قدراتي في المقدمة وبدأت أختار الأفضل بين ما هو مطروح علي، وعندما أقول الأفضل أعني الأكثر تنويعاً في أسلوب استخدام هذا المظهر الذي أتصف به مثل الأدوار الثقيلة الظل التي تكلمنا عنها للتو.

·         وخارج ميدان عملك، هل أنت من النوع الحريص جداً على مظهره؟

- نعم، فأنا أعتبر أن المظهر الحسن هو كناية عن احترام الغير، ولا علاقة للجمال الفعلي بالموضوع بل بالعناية التي يعيرها المرء منا للمظهر الذي يتصف به بحيث يبدو في أحسن حلة وفي كل الأوقات والظروف. وأنا أفضل رؤية امرأة ليست آية في الجمال لكن معتنية بنفسها على ثانية جميلة جداً لكنها تهمل مظهرها ولا تعرف كيف تستخلص الأفضل مما أعطتها إياه الطبيعة. والشيء نفسه بالنسبة الى الرجل.

·         وكيف تحافظين إذاً على مظهرك؟

- بوضع الماكياج الملائم لبشرتي وباختيار الثياب التي تليق بتكويني الجسماني، وذلك بصرف النظر عما تمليه قوانين الموضة علينا في كل موسم. فأنا أرفض كلياً مبدأ الـ «فاشيون فيكتيم» (ضحية الموضة) الذي يحاول إرغامنا على ارتداء ما تقدمه دور الأزياء من موديلات ويحرمنا بالتالي من حريتنا الشخصية في التمييز بين ما يليق بنا وما يثير ضحك الغير إذا ارتديناه. وكم من مرة أسأل نفسي عندما أرى امرأة في الطريق العام مرتدية ما لا يناسبها بالمرة، عما إذا كانت قد ألقت نظرة على نفسها في المرآة قبل أن تخرج من بيتها في الصباح. وهي فعلت بلا شك ولكن غسيل المخ الذي تمارسه عليها الموضة سحق قدرتها على التمييز بين الأشياء.

·         هل لديك فئة من مصممي الأزياء تفضلينهم على غيرهم وترتدين أزياءهم؟

- طبعاً، إلا أنني لا أخلص للواحد منهم وكأنه حبيب العمر، بل أخلط بين مبتكراته ومبتكرات غيره.

·         وبسبب أناقتك اختارتك دار إيف سان لوران سفيرة لعطرها الجديد؟

- أعتقد فعلاً أن مدى اهتمامي بمظهري لعب دوره في اختياري من سان لوران سفيرة لعطرها.

·         وهل أنت مرغمة الآن على استـــخدام عــطر إيــف سان لــوران الجديد في كل مناسبة؟

- نعم طبقاً للعقد الذي يربطني بدار سان لوران، ولكن في إطار المناسبات الرسمية فقط، مثل السهرات السينمائية والمهرجانات التي أحضرها من أجل الترويج لأفلامي الجديدة مثلاً، وأي مناسبة فنية كبيرة. أما المناسبات الشخصية فتظل ملكيتي وأستخدم فيها ما أشاء.

·         وماذا عن علامة برادا بما أنك مثلت في فيلم «الشيطان يرتدي برادا»؟

- إنها أحلى علامة موضة بما أن عملي في فيلم يحمل إسمها أطلقني إلى القمة.

·         هل احتـــفظت بعلاقة مع النجــمة الكــبيرة ميريل ستريب بعد عملك معها في هذا الفيلم؟

- لا أعتقد أن ميريل ستريب من النوع الذي يحبذ الارتباط بعلاقة ما مع زميلاتها الممثلات خارج إطار العمل. فهي امرأة كتومة تفصل بين حياتها المهنية والشخصية بطريقة حازمة، وبالتالي كل ما أستطيع قوله هو أننا تمتعنا بعلاقة سيطرت عليها قواعد الذوق، لا أكثر من ذلك. كما أنني أعتقد أنها غيورة على عملها وتخاف إلى حد ما من أن تسعى الزميلات إلى إرغامها على البوح بأسرار قدراتها الفذة أمام الكاميرا.

·         هل تنفــقين الكثير من المال على مظهرك؟

- نعم لأنني لا أتردد في اقتناء ما يليق بي وما يناسب ذوقي، ولا أعير الثمن أدنى أهمية طالما أنني على دراية بأن هناك فيلماً جديداً ينتظرني وأن وكيل أعمالي أحسن التصرف وحصل من أجلي على أجر مرتفع جداً.

·         هل تحبين السيارات الجميلة؟

- أرجوك إرشدني إلى المرأة التي لا تحب ركوب سيارة جميلة مثلما تقول.

·         ما هي هواياتك؟

- غير السيارات الجميلة، أنا رياضية جداً أمارس السباحة وركوب الخيل والملاكمة والألعاب الرياضية الآسيوية. وغير ذلك أمارس الرقص الكلاسيكي والحديث وأدرب صوتي على الغناء، إلا أن كل هواياتي هذه أعتبرها أيضاً بمثابة قدرات ألجأ إليها في عملي التمثيلي وفق الأدوار التي تعرض علي.

الحياة اللندنية في

16/12/2011

 

 

طيّب وشرس وسياسي وتساؤلات شائكة حول الثورة

القاهرة – فريال كامل 

تدافع الشباب إلى داخل القاعة حتى امتلأت مقاعدها، جاؤوا من الميدان وسيعودون إليه، جاؤوا لمشاهدة فيلم وثائقي عن أحداث الثورة، فيلم من دون نجوم وخالٍ من الهزل والرقص والمشاهد الساخنة، لثلاثة من المخرجين الشبان، تظاهروا معهم واعتصموا معهم وتلقوا معهم ضربات قوات الأمن ومع الضوء الساقط من شباك العرض رأيتهم متراصين إلى جانب الحائط وغيرهم يجلسون متلاصقين على الدرج وهناك نتساءل بالمناسبة: أين تكمن أزمة السينما؟

تم اختيار فيلم «التحرير 2011» من بين عدد كبير من الأفلام الوثائقية التي أفزرتها الثورة للعرض ضمن برنامج خاص عن ثورات الشعوب شمل 9 أفلام من فرنسا وألمانيا وأيضاً البرتغال ذلك في إطار بانوراما الفيلم الأوروبي في القاهرة، والتي تنظمها شركة مصر العالمية للسنة الرابعة، بإشراف ماريان خوري ورعاية عدد من السفارات الأوروبية والمراكز الثقافية.

الطيب

يتكون فيلم «التحرير 2011» (90 ق) من ثلاثة أجزاء بعنوان «الطيب والشرس والسياسي» وهي من إخراج تامر عزت وأيتن أمين وعمرو سلامة ومن إنتاج محمد حفظي. عن الفيلم التجربة والمغامرة تحدث المخرجون قبل العرض. كان الواقع زاخراً بالأحداث المتلاحقة وكان على كل منهم أن يتخيّر فكرة تحدد اتجاهاً وعلى كل منهم أن يكشف ما حدث بالتفصيل. أما عن تنسيق العمل فقد كانوا يلتقون في اجتماعات دورية لتبادل الأفكار وكان على المنتج المايسترو التنسيق بين وجهات النظر المتباينة، أولها عن المتظاهرين وثانيها عن الذراع الأمنية القومية، وآخرها عن الرئيس المخلوع، لتتضافر كلها في وحدة متوازنة وفي اعتقادي أنه بقي لكل جزء مذاقه واستقلاليته تربط بينهم وحدة الموقع ووحدة الحدث والظرف التاريخي وأيضاً حماسة المخرجين الشبان.

استهل مخرج هذا الجزء فيلمه بفقرة تقول: «بعد سنوات من القهر والخوف والفساد عاشها الشعب المصري في ظل حكم مبارك». وبذلك يحدد المخرج دوافع الثورة ثم ينقلنا صوت المعلّق إلى الأحداث الملتهبة في الميدان بمقولة نصها: «إن الشعب اتخذ قراراً بكسر حاجز الخوف والظلم والقهر» وذلك هو موضوع الفيلم.

على مدار الـ18 يوماً من قيام الثورة إلى يوم خلع الرئيس جالت كاميرا تامر عزت في الميدان من دون هوادة، توثّق لقطات نادرة لحشود المتظاهرين يرفعون الرايات ويحملون اللافتات. يسجل المخرج هتافاتهم «عيش، حرية، عدالة اجتماعية – سلمية سلمية الشعب يريد إسقاط النظام – الشعب والجيش إيد واحدة». خلال السياق عُني المخرج بتوثيق نقاط مهمة أُولاها الإجماع الشعبي، ثانيتها تطور الصدام بين المتظاهرين وقوات الأمن بداية من التصدي لهم بمدافع المياه، ثم مؤامرة انسحاب الأمن ومهاجمة أذناب النظام المتظاهرين العزل على ظهور الخيل والجمال تلاه إطلاق الغازات المسيلة للدموع ثم المواجهة بالهراوات والرصاص الحي وسقوط الشهداء. أما النقطة الثالثة فهي الاقتراب من شخصيات فاعلة في تأسيس دولة الميدان منها الطبيبة المحجبة التي تعرض لها المستشفى الميداني والذي أدى دوره بإمكانات فقيرة وكان المصابون بمجرد إسعافهم يسرعون لأخذ مواقعهم في الميدان. كما عُني المخرج برصد مشاركة النشاط الفني في العمل الثوري فسجل ملامح من معرض صور الثورة وسجل مسامع من الفرق الغنائية في الميدان. لم يخلُ السياق من لقطات باسمة منها الاحتفال بعقد قران عروسين من المعتصمين إضافة للحلّاق البسيط الذي أبى ألا أن يشارك في الثورة بالتطوع للحلاقة بالمجان للمتظاهرين.

وتتلاحق المشاهد في نسق حيوي بفضل خبرة المخرج بعين المونتاج لتنتهي بمشهد الفرحة الكبرى بخلع الرئيس. إلا أن المخرج يبقى يقظاً والفيلم يبقى حذراً، ويختتم الفصل الأول، وهو في تقديري أكثر الفصول نضجاً واكتمالاً بفقرة تقول: «بعد 6 أشهر بدأت محاكمة الرئيس المخلوع! وما زالت الثورة مستمرة طالما أن أهدافها لم تتحقق بعد».

الشرس

رأت المخرجة الشابة أيتن أمين أن تتحدى التيار بالتركيز على فئة قد يكون من غير المرغوب قبول خطابها لدى غالبية فئات الشعب. رأت المخرجة أن تتيح الفرصة للذراع الأمنية «حامية حمى النظام» أن تواجه الكاميرا وتتحدث إلى المشاهدين، ولكنها واجهت رفضاً من الضباط للإدلاء بتصريحات فانتهى الأمر بأنها حصلت على شهادات لأربع ضباط فقط أحدهم ذو رتبة كبيرة طلب التعتيم على ملامحه وآخر خرج من الخدمة مبكراً بعدما لاقاه من زيف وتناقض بين الإجراءات والتصريحات في الجهاز.

عُنيت المخرجة بصوغ الفيلم عبر التنقّل بين شهادات الضباط ورد الفعل على المتظاهرين في الميدان. فتحدث الضابط الشاب قائلاً إنه تلقى الأوامر للخروج في مهمة ذات هدف محدد قد تكون مواجهة احتجاجات أو اعتصامات على رأس قوة من ألف عسكري لمواجهة حشد من مئة ألف مواطن. وكان واضحاً أن المهمة قد تمتدّ لعشر ساعات. وأكد الضابط «بالطبع لا يشعر الإنسان في داخله بالرضى». ثم يقول الضابط الكبير إنه تلقى الأوامر بتغيير التسليح إلى الغاز المسيل للدموع في 24/ 2 وتنسج المخرجة الفيلم بمشهد غمر المصلين برشاش المياه ثم انتشار الغاز في الجو ليحجب الرؤية ويصيب المواطنين بالاختناق. وفي يوم 28/ 2 تدافعت أمواج كبيرة من الثوار إلى الميدان تهتف «الشعب يريد إسقاط النظام».

وجاءت التعليمات بالتصدي لهم وتتطلب الأمر إطلاق الرصاص ما نتج عنه جفوة بين الشرطة والشعب. وتختتم المخرجة فيلمها بسؤالين لتفوز بإجابات طالما بحث عنها الثوار من دون جدوى، سؤال عن الإدارة التي يتبعها القناصة، وآخر عمن أصدر الأوامر بانسحاب الأمن من المواقع والسجون والأقسام يوم 28/ 1، فكانت إجابة الضابط الكبير أن القناصة يتبعون الأمن المركزي وإدارة مكافحة الإرهاب.

أما عن أمر الانسحاب فقد تم بأوامر من جهات عليا ومن الغريب أن وزراء الداخلية قد أنكروا تماماً وجود القناصة في جهاز الشرطة، وفي الختام يؤكد الضابط أن جهاز الشرطة يعيش من أجل أسمى رسالة وهي حماية الشعب! في هذا السياق هناك سؤال يراودني عن مدى اقتناع المخرجة بتلك التصريحات. وفي اختتام العرض طلبت المخرجة أن توجه كلمة للمشاهدين مفادها أنها بدأت التصوير في أواخر شباط (فبراير) وكانت في حالة من الفرحة والانتشاء بالنصر ولديها إحساس بالتسامح فكل ثورة لها ضحاياها ولكنها حالياً ومع تتابع الأحداث نرى الواقع بعين أخرى فالنظام باقٍ وهم أيضاً باقون في الميدان.

السياسي

تحدث المخرج عمرو سلامة إلى جمهور المشاهدين قبل العرض، فقال إنه كان لديه هاجس أن يأتي إلى الرئاسة ديكتاتور آخر ليحل محل الديكتاتور المخلوع. فرأى أن يعرف الشعب من هو الديكتاتور ويطلعه على الممارسات التي تحول الشخص الطبيعي إلى طاغية، وذلك في معالجة كوميدية تفجر الضحك من التناقض في ما أعلنه الرئيس المخلوع قولاً وبين ما آلت إليه الأمور فعلاً، إضافة إلى توضيح الدور الذي لعبه رموز النظام في تثبيت صورة الديكتاتور. في مستهل الفيلم يعرض المخرج مقطعاً من أقوال الرئيس الدالة على نزاهته وإخلاصه لوطنه كما مقولته «الكفن ملوش جيوب». وفي موضع آخر من الفيلم يعرض مقولته ضد التوريث وهي «جمال ملوش في السياسة» وهي التي تطورت في موضع آخـر إلـى «ابني بيساعدني زي أي ابن يساعد أبوه».

يلتقي المخرج خلال الفيلم 14 شخصية عامة اقتربت من الرئيس المخلوع وعاصرت حكمه فأشاروا إلى أساليب تكثيف الدعاية حول الرئيس بتعليق صوره في كل مكان وإطلاق اسمه على المنشآت من طرق ومدارس ومستشفيات. والعمل بالوسائل كافة على تخريب إرادة الشعب وهدم كرامة الإنسان وإفساد ذوق الجماهير بتشجيع تيار الأغاني السوقية والأفلام الهابطة، إلى جانب توظيف كل من الصحافة والإعلام للترويج لرأي السلطة الحاكمة ونفاقها. إضافة إلى فكرة خلق العدو الوهمي كما الإرهاب والأصابع الخارجية، الصهيونية والعدو الإيراني كل ذلك يمثل الفزاعة التي تبقي الشعب في حالة خوف واحتياج دائم إلى حماية الديكتاتور. ويجب ألا نغفل هنا عن سياسة الخداع وإنكار الحقائق وتزوير إرادة الشعب وأيضاً تزوير الصور وتزييف التاريخ أما هيمنة أمن الدولة فحدّث ولا حرج. وفي الختام يفجر الفيلم الضحكات في الصالة خلال مقولة للرئيس المخلوع هي: «كنت شاباً تعلمت شرف العسكرية عشت الانكسار والعبور والنصر ولم أسع للسلطة». وهنا تعلو أغنية الشيخ إمام «الجدع جدع والجبان جبان» على حشود المتظاهرين تهلل وتكبر بعد إعلان خلع الرئيس.

في تقديري أن فيلم «التحرير 2011» وغيره من أفلام الثورة يتطلب نظاماً تسويقياً مختلفاً يضمن عرضها على جـموع الشـعب والشباب في المدارس والجامعات والمـراكز الثــقافية في الداخل والخارج.

الحياة اللندنية في

16/12/2011

 

سرد متعدد المراجع بنكهة جديدة

دمشق – فجر يعقوب 

يجيء فيلم المخرجة ايفا داوود «في غيابات من أحب» (حاز الجائزة الثانية أخيراً في مهرجان للأفلام القصيرة في كاليفورنيا) ليدلل على مستويات ثلاثة في طريقة السرد وفي تداخل الأزمنة والشخوص، وربما اختارت هي ذلك متعمدة من باب اضفاء الأهمية على القصة، بغية «إجبار» المشاهد على اعادة تفتيتها في عقله، أو اعادة مشاهدتها مركبة، وليس مجرد التنكيل بها، بعد الانتهاء من العرض، كما يحدث أحياناً مع بعض الأفلام أو القصص التي تروى لنا.

وليس فيلم المخرجة السورية داوود إلا حكاية تعود في ملكيتها الدرامية إلى روز (لمى ابراهيم) التي تصاب بورم في الدماغ يضغط عليها في فترة عاطفية مهمة في حياتها، فتعيش حالات السرد بمستوياتها الآنفة الذكر، حتى تقرر المخرجة داوود تقديم قصتها بهذه الطريقة اللافتة، على صعيد تركيب المشهد والصورة واللون. واذا عرفنا ان ايفا داوود نفسها انهت دراسة السينما في نيويورك، ندرك أننا نقف منذ البداية أمام مخرجة متطلبة تعرف ما الذي ترمي إليه حين تقرر صناعة فيلمها القصير الأول بعيد الانتهاء من الدراسة الأكاديمية، وبعد أن تفرغت في حياتها العملية لدراسة الاقتصاد والعمل فيه كمستشارة في مملكة البحرين.

يقدم الفيلم إذاً، حكاية روز من بوابات ثلاث كما أسلفنا، فالمخرجة تخلق الوهم لدينا منذ اللحظات الأولى، بأن الغائب الأول عن حياتها هو (كريم) الابن الصغير حين تغادر المستشفى التخصصي وراءه حيث تعالج من الورم الذي يضغط على دماغها ويستدعي بتأثير غريب حبيبها الميت قبل خمسة عشر عاماً. ونحن الذين نمضي وراء القصة تماماً كما تدور وقائعها في الحياة اليومية، وفي السوق، والكافتيريا، وأمام الكنيسة، يدور أمامنا وهم أن الغائب الأول في هذه الحكاية ليس إلا كريم الذي يتعرض في ذاكرتها الواقعية المريضة لحادث سيارة، فتتعزز في الذهن فكرة غيابه قبل أن تتفتح الحكاية على مستوى ثان من السرد، بدخول ضياء (باسم مغنية) على الأحداث حين يدلّها على مفتاح الباب الذي فقدته بتأثير المرض، وقد أضاعت المفتاح الأول للحكاية، ربما. نحن هنا نقف اذاً على الغائب الثاني، الذي لا نتأكد منه إلا حين يقوم الدكتور أحمد بإقناعها بالدخول لإجراء عملية جراحية في دماغها لاستئصال الورم، وكأنه يشي لنا بأن ما سيجرى لروز ليس إلا عملية استئصال للوهم المتجلي بحضور ضياء الدائم في حياة زوجته حين نكتشف في النهاية أنه هو الطبيب والزوج في آن. وما يحدث في المستوى الثالث من السرد الذي تلجأ إليه داود هو أننا نكتشف، أن أحمد نفسه ليس له سوى أن يصبر على روز أكثر من عقد من الزمن، وأن شفاء زوجته من الورم، يعني شفاءها من عاصفة هبت على بيت الزوجية وكادت تهدمه منذ أن أوغلت في تذكر حبيبها الراحل.

«في غيابات من أحب» فيلم يكتسب أهميته من طريقة السرد وتركيب المشهد نفسه، حين يفرض على المشاهد إشغال عقله بالقصة من باب اعادة تركيبها بمستوياتها الثلاثة ليصل إلى نهايتها بنفسه قبل أن تدله المخرجة عليها، وليس من باب المبالغة القول إن البعد العاطفي في الفيلم ينشأ من هذه النهاية، حين تقرر روز منذ المشهد الأول خلق الوهم فيه بكتابة رسالة إلى زوجها أحمد من دون أن تجيء على ذكر اسمه إلا في النهاية، بحيث تــبدو فيها وكأنــها تــناجي حبيبها.

وحين تكتمل القصة، وتغلق الأبواب الثلاثة عليها، يمكن ادراك أن الغياب أصلا لا يكمن إلا في حكاية حبيبها الأول، وأن كل ما فعلته لا يتعدى اعادة سرد القصة علينا، والــتذكير بأهمية تلك اللحظات العاطفية الـــفاقدة التي تمنح في بعض احالات السرد طمأنينة للروح المتشظية في عالم واقعي صعب، أهم ما يميزه هو انغلاقه، وتمحوره على غيابات تكون أحياناً مهمة، ومقلقة وصادمة للمشاهد، حين تبلغ المخرجة مستوى أنيقاً ولافتاً في سرد القصة من بوابة خاصة بها، يمكن القول إنها مرحلة متقدمة في طريقة صناعة الأفلام القصيرة، ليس لأن المخرجة داوود تجيء من مدرسة نيويوركية سينمائية، بل لأن السرد على حاله يقترح علينا طريقة مختلفة في قراءة فيلم قصير بنكهة جديدة.

الحياة اللندنية في

16/12/2011

 

وجهة نظر

نجيب محفوظ والسينما... تشويه غير مقصود

عمار علي حسن * 

أعطت السينما نجيب محفوظ وأخذت منه. ألهمته وأفادته وجارت عليه في آن. لفتت انتباه القاعدة الشعبية العريضة إلى أدبه لكنها لم تعرض لأبناء هذه القاعدة كل ما فيه من أفكار عميقة وقيم إنسانية راسخة وصور جمالية ساحرة، بل شوَّهته أحياناً. خلقت في أفلام عدة نصاً مختلفاً في بعض جوانبه، وفي أخرى سعت إلى الحفاظ على روح النص المحفوظي وشكله، بمقدار المستطاع.

قبل السينما كان محفوظ نصاً متاحاً لنخبة من القراء، يطالعونه ويعرفون مقداره ويتيمنون به. وبعد السينما صارت أعماله مطروحة للنقاش على طاولات المقاهي وفي الأسواق والمصانع والحقول وعلى المصاطب في ساعات السمر، وبات فتواته وحرافيشه وأبطاله الراسخون والإشكاليون، مثاراً للجدل والثرثرة. كل رجل يبحث عن نفسه في السيد أحمد عبدالجواد، وكل امرأة تضاهي نفسها بأمينة، وكل شاب يفتش في روحه ومساره في حياة كمال عبدالجواد الحافلة بالأوجاع والمسرات، وكل موظف يحاول أن يقنع نفسه بأنه ليس «حضرة المحترم»، وكل متعالم أو متثاقف يضع نفسه في مرأة أحمد عاكف، وكل حالم بالعدل يستدعي «عاشور الناجي»، وكل متصوف يسعى وراء عبد ربه التائه، باحثاً عن أصداء جديدة لسيرته الروحانية، وكل ثائر يجري وراء علي طه بطل «القاهرة الجديدة».

فرض محفوظ على نفسه قاعدة صارمة في التعامل مع السينما فاستراح وأراح. كان يقول دوماً: «أنا في كتبي ولست في الأفلام المأخوذة عنها فمن أراد أن يعرفني جيداً فليطالعها ولا يكتفي بالفرجة عليها مبثوثة على الشاشات البيضاء». وبهذا أعطى فرصة لكتّاب السيناريو أن يتعاملوا مع سرده الجميل وحواره العميق العامر بالحمولات الفلسفية والدينية والسياسية والاجتماعية، كيفما شاؤوا. وحافظ بعضهم على محفوظ من دون جراحة شاملة أو غائرة مثلما رأينا في «اللص والكلاب» التي أضيفت إليها أجواء صوفية كفضاء أوسع لمشهد سينمائي مفعمة بالحركة أو خلفية لا بد منها لربط المعاني والتفاعلات الإنسانية بسياقها العام، والذي لا يمكنها الانفصال عنه. وكم كان جميلاً، أن يحوي الفيلم شيئاً من شعر ابن الفارض، ينشده صوت رائع رائق يفضي إلى البكاء. فبينما يتقدم سعيد مهران إلى الشيخ علي الجنيدي بحثاً عن حل لأزمته، تتهادى إلى مسامعه ومسامعنا: «يا حسرتي ضاع الزمان ولم أفز/ منكم أهيل مودتي بلقاء/ وكفى غراماً أن أعيش متيماً/ شوقي أمامي والقضاء ورائي».

تغيير جوهري

في حقيقة الأمر، هناك مخرجون جاروا على النص المحفوظي وغيروا في بعض الشخصيات تغييراً جوهرياً مثلما رأينا في «خان الخليلي» حيث بدا عاكف أكثر إلفة وإنسانية وتواضعاً مما ورد في الرواية. أما التغييرات الكبرى والجارحة التي وقعت على روايات محفوظ وقصصه فحوتها أفلام «الأكشن» لا سيما تلك التي أخرجها حسام الدين مصطفى، وكان يغازل فيها مباشرة جمهور «الترسو» المولع بالنزال المستمر بين الفتوات، والمنتظر في لهفة حارقة الحضور الأخير الحاشد للحرافيش الذي يغير معادلات القوة لمصلحة مقاومة الظلم والانتصار للحق وإقامة العدل. كما بالغ بعض المخرجين، ولأسباب تجارية بحتة، في تكثيف حالات الجنس والغواية الواردة في أدب محفوظ، وبينما وظَّفها هو فنياً باقتدار في ثنايا العمل، عرضها بعض الأفلام تجارة رخيصة، أو لقطات ساخنة تلهب الغرائز. ويعد فيلم «شهد الملكة» المأخوذ عن جزء من ملحمة الحرافيش، مثالاً صارخاً على هذا.

في كل الأحوال، فإن السينما نص جديد، يعتمد عناصر إضافية على ما يهديه إليها السرد الروائي، وعلى رغم أن نجيب محفوظ، لا سيما في أعماله الأولى، كان حريصاً على وضع القواعد الشافية الكافية للسياق الذي يحيط بأبطال الرواية وكذلك على رسم تفاصيل دقيقة لملامح هؤلاء الأبطال، فإن هذا لا يمنع ما تفرضه الضرورات الفنية المرتبطة بالسينما من تعديلات على عالم محفوظ ونصه، بالإضافة والحذف، سواء للشخصيات أو المضمون الذي ينطوي عليه هذا النص. فإذا كانت الترجمة من لغة إلى لغة في الشكل الفني الواحد، لا يمكنها، مهما كانت احترافية المترجم وأمانته، أن تحافظ على النص كما ورد في لغته الأصلية، لا سيما من الناحية الجمالية، فإن من باب أولى أن يخلق الانتقال من شكل فني إلى آخر، تغييراً بدرجات متفاوتة على النص الأصلي.

وكما أفادت السينما نجيب محفوظ أفادها، ليس فقط من خلال قصصه ورواياته التي تحولت إلى أفلام مهمة، بل أيضاً من زاوية انتقال أديبنا العربي الكبير نفسه إلى عالم الفن السابع مباشرة، كاتباً للسيناريو ورئيساً لجهاز الرقابة على السينما. وهذه المرحلة أفادت محفوظ مادياً ومعنوياً. فالأدب لم يجلب له ما يجعله يعيش حياة كريمة، وهو مجرد موظف في وزارة الأوقاف، فاضطر إلى أن يصبح «سيناريست»، وأخذته المهنة الجديدة وبرع فيها فكاد أن يترك الأدب إلى غير رجعة، وفق اعترافه في المذكرات التي نقلها عنه رجاء النقاش.

لغة العيش

لكن هذه الإفادة امتدت أيضاً إلى ما هو أبعد من النقود، فمهارة كتابة السيناريو سطعت فنياً على روايات محفوظ اللاحقة، فأصبح الحوار فيها أكثر إلفة واقتراباً من اللغة المعيشة، من دون أن يتخلى عن الفصحى السهلة أو «اللغة الثالثة» وفق اصطلاح النقاد. صار حواراً بين شخصيات من لحم ودم، يجري سخياً رخياً من دون عنت ولا عناء ولا افتعال. ولم يقتصر تأثير السينما الإيجابي في اللغة الحوارية عند محفوظ بل امتد أيضاً إلى الصورة. ويحتاج هذا إلى دراسات نقدية مستفيضة، يضاهي خلالها أدب محفوظ قبل اشتباكه المباشر مع السينما وبعده، لنكتشف تلك العلاقة المتبادلة، ظــاهرة وخفــية، معلنة ومضمرة، بين محفوظ والسينما.

* كاتب مصري

الحياة اللندنية في

16/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)