حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان الأفلام الأوروبية.. نافذة علي سينما لا نعرفها

بقلم : د. رفيق الصبان

فيلمان كبيران كانا مركزا لكثير من الجدل والخلاف في مهرجان «كان» الأخير.. الأول والذي يحمل اسم «بوليس» فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.. بموافقة كثير من النقاد والمختصين، أما الثاني ويحمل اسم «الجلد الذي أحمله» وأخرجه المخرج الإسباني الأكثر إثارة للجدل بدرو المودوفار الذي خرج من المسابقة «الثانية» دون أية جوائز وهذه هي المرة الثالثة التي تصدم لجان التحكيم في هذا المهرجان السينمائي الشهير، أكثر المخرجين الإسبان شهرة وربما أكثرهم موهبة أيضا. «بوليس» هو الفيلم الأول لمخرجة فرنسية شابة تدعي مايدين لوبسكو .. وكما يوحي الاسم، يبدو أن أصول هذه المخرجة ليست فرنسية محضة.. الفيلم الذي شاركت المخرجة في كتابة السيناريو الذي يعتمد كما تقول سطوره في بدايته علي أحداث واقعية يدور في كتيبة للشرطة مهمتها حماية الأحداث الذين يتعرضون للتحرش الجنسي خصوصا من أقرب الناس إليهم.. والفيلم يربط بين هذه الأحداث المروعة الصادمة وبين الحياة الخاصة لهذه الكتيبة المؤلفة من مجموعة من النساء والرجال تأثرت حياتهم وتصرفاتهم بشكل مباشر أو غير مباشر بالأحداث التي يحققون فيها. ليونة شعرية سيناريو مغزول بعناية فائقة وكأنه قطعة من «الكانافاه» ذات ألوان مبهرة وليونة شعرية فائقة. الفيلم يبدأ بتحقيق مع والد في الأربعين متهم بالتحرش بابنته البالغة عشرة أعوام الأسئلة تنهال كالسياط.. جريئة.. مقتحمة لا تترك أي تفصيل أو أي شرح.. والرجل الذي يدعي البراءة ينهار أمام سهام الاتهام ونظرات ابنته وإجاباتها البريئة. أي أن الفيلم قبل أن يدخل في تفاصيله الكثيرة التي ستشمل أكثر من قضية وأكثر من حادثة وأكثر من مراهق ومراهقة يصيبنا بالضربة القاضية منذ مشاهده الأولي ويهيئنا لمواجهة ما نري .. وتفتح أمامنا أبواب الجحيم الذي سنعيش فيه أو الذي نعايشه بالأحري.. مغمضي الأعين متجاهلين ما يجري أمامنا من هول ورعب في هذا المضمار الذي يعتبره البعض «تابوه» محرما لا يجرؤ أحد علي الاقتراب منه أو معالجته بصراحة حقيقية. أحداث واقعية وتتوالي الأحداث .. رهيبة تكاد أن تجنح للخيال لولا تأكيد الفيلم لنا منذ البداية .. إنها أحداث واقعية لكن جانب الخيال تختزنه المخرجة الشابة للحديث عن عواطف ومآسي هذه الكتيبة التي تعيش أهوال حياة عصرية فقدت بوصلتها تماما، حيث نري -جدا- تجاوز الخامسة والسبعين وقد اشتعل رأسه شيبا يعترف بممارسة الشذوذ مع حفيده البالغ من العمر ثمانية أعوام، أو هذه الأم السوداء البشرة التي تأتي بمحض ارادتها لكتيبة الشرطة لكي تسلمهم ابنها البالغ أيضا من العمر تسعة أو عشرة أعوام بعجزها عن إيجاد مأوي دافئ له أو طعام يأكله ومحاولة أحد أعضاء الكتيبة وهو من أصل عربي أن يجد حلاً لها ولابنها لكن الرئيس القاسي القلب يرفض إيواء الأم ويوافق علي قبول الطفل في أحد الملاجئ الرسمية مما توافق عليه الأم مرغمة وتترك ابنها فريسة موجة بكاء عارمة وأنين وحشي .. يختلط فيه الحزن العميق بالخوف من المجهول في واحد من أجمل مشاهد الفيلم وأشدها تأثيرا ورهافة في الإحساس والتعبير. أو هناك هذا الأب المسلم المؤمن الذي قرر تزويج ابنته برجل يكبرها سنا والذي يتلقي درسا في الدين مليئاً بالعصبية والإخلاص من إحدي موظفات هذه الكتيبة والتي تعود أصولها هي أيضا إلي بلاد المغرب العربي. تنجح المخرجة أيضا بشكل بارع جدا في رسم علاقة حب تبدو أول الأمر عابرة ثم ترسخ بقوة بين مصورة ذات أصول عربية قيد التمرين وبين أحد مسئولي هذه الكتيبة الذي يعيش حياة زوجية متأزمة كيف يولد هذا الحب وكيف ينمو وينتصر من خلال الأزمات والمآسي التي تعيشها أو تعايشها هذه الكتيبة الخاصة. مأساة مراهق وأخيرا مأساة إحدي كبار المسئولات في هذه الكتيبة التي تسلل الفساد الذي تعايشه كل يوم إلي حياتها الخاصة والعامة وعلاقاتها بأقرب الزميلات إلي قلبها والتي تكشف لها في لحظة حقيقية مردة التحول الغريب الذي طرأ عليها مما يقودها إلي الانتحار. في الوقت نفسه الذي نري فيه مأساة مراهق في الثانية عشرة يعتدي عليه مدربه في الجمباز وتحاول المسئولة عنه إفهامه نوعية هذا الاعتداء وأخطاره علي مستقبله. الفيلم رغم طول مدته «ساعتان وربع الساعة» يسير بإيقاع مدهش متناغم بين الخيال والحقيقة ويلمس بقوة ورهافة حس مشاكلها جنسية ونفسية لم تعتد السينما علي معالجتها بهذه الصراحة المطلقة وهذا الحوار المدهش. لذلك لم يكن غريبا حقا أن يحظي الفيلم بهذه الجائزة الكبري التي نالها في «كان» وأن يرقي بمخرجته الشابة إلي الصف الأول من المخرجات الفرنسيات الواعدات والقادرات علي التصدي لأكثر الموضوع ديناميكية والتهابا .. بصراحة مذهلة يجعلنا رغما عنا نؤمن بالدور الاجتماعي الكبير الذي يمكن أن تحققه السينما. ورغم إعجابي العميق بسينما المودوفار ونزعتها الطليعية وقوة التحدي التي تطل من أحداثها والتجديد المدهش في سرد وقائعها فإني قد أوافق لجنة التحكيم علي تجاهلها فيلمه الأخير رغم التوقع العالمي له بالفوز بعد إحباطه قبل ذلك مرتين من خلال هذا المهرجان نفسه. فيلمه الجديد الذي يحمل عنوانا مثيرا يتكلم كعادته عن أشياء كثيرة يجمعها خط درامي واحد مثقل بالأحداث والشخصيات .. إنه يروي مغامرة طبيب جراح شهير استطاع بمهارته أن يحقق نجاحا في إدخال جينات خارجية لنطاق الجسم البشري يمكنها أن تغير من طبيعته ومن هويته كما يستطيع أن يضع «جلدا» جديدا للوجه لكي ينتقل الإنسان الذي وقع تحت سيطرته من دنيا إلي دنيا أخري.. إنه يشرع في إتمام تجاربه بعد حادث مأساوي تعرضت له زوجته التي هربت مع أخ غير شرعي له، ولكنهما يقعان صريعي حادث سيارة مروع يحترق في أثرها وجه الزوجة وتتشوه .. ثم تنتحر مسببة لابنتها الشابة صدمة كبيرة تقودها إلي الإدمان وإلي مصحة نفسية .. ما إن تخرج منها حتي تتعرض لحادثة اغتصاب يقوم بها زميل عصفت المخدرات بعقله.. وتموت الابنة في المستشفي بعد هذه الصدمة ويقرر الطبيب الموهوب أن ينتقم من الشاب بأن يحوله عن طريق عملية جراحية معقدة من رجل إلي أنثي وأن تصبح هذه الأنثي عشيقته! أحداث خيالية الفيلم كما نري ينهض علي أحداث خيالية يختلط فيها جنون المودوفار بهلوسته .. وتتوالي فيه التيمات التي برع هذا المخرج الذكي والشديد الموهبة في تقديمها الجنس والجريمة والطب القاتل والثأر والأجواء الغريبة التي تعكس وراء أناقتها وجماليتها المفرطة وحشية إنسانية تصل أحيانا إلي حد اللاحتمال. وكعادته يزين المودوفار فيلمه بموسيقي مدهشة وديكورات خلابة معتمدا علي أداء يصل إلي حدود الإعجاز أحيانا من أبطاله جميعا.. «بانديراس يعود إلي مكتشفه الأصلي بدور شديد التعقيد» البراءة والأمومة وصلة الأرحام تبدو في هذا الفيلم قوية ذات أبعاد درامية مقنعة.. الأم التي تلد أخوين أحدهما من أب أرستقراطي والثاني من خادم عابر ويتقاتل الأخوان علي امرأة واحدة. الجنس والاغتصاب الفكري والجسدي هما الأساس الذي ينهض عليه الفيلم كله من خلال تنويعات درامية تقفز بك من حادثة إلي أخري معتمدة علي تشويق بارع وعلي تكنيك في السرد ربما تعود أصوله إلي ألف ليلة وليلة ، حيث يقودك كل حدث إلي حدث آخر مختلف .. وتتفرع الأزمنة بين ماض وحاضر في تشكيلة مدهشة تجعل المتفرج يقع في متاهة سينمائية عذبة .. يشعر فيها أن المودوفار اللاعب الأكبر يجذب خيوطه كما يشاء ويتلاعب بعواطفه حسب أهوائه ومزاجه. وينجح المودوفار رغم تعقد أحداث سيناريو فيلم بات يجذب المتفرج إليه كما تجذب أفعي الكوبرا فريستها مسحورا لا يملك من أمر نفسه شيئا .. ولكنه بعد أن يخرج من القاعات المظلمة ويبدأ بمراجعة نفسه واستعراض هذه الأحداث التي سحرته وأنسته نفسه .. يحس أنه قد وقع فريسة «ساحر بهلوان» تلاعب به كما يتلاعب بالبيضة والحجر. وأنه آخر الأمر لم يبق في يديه إلا خيط دخان. درس سينمائي بارع ولكنه قد يكون «أجوف» من الداخل تحيط به ألوان سحرية جاذبة ولكنه آخر الأمر لا يصل إلي شيء. فيلمان كبيران في زخم أفلام كثيرة مهمة قدمها لنا المهرجان الأوروبي واشعرتنا كم أننا مازلنا في سينمانا المتعثرة بعيدين حقا عن هذا الفن الذي يتطور بسرعة هائلة.. وكأننا في كوكب آخر لايمت إلي كوكب المريخ السينمائي الجديد بأية صلة.

جريدة القاهرة في

06/12/2011

 

البرلمان المصري في السينما.. ضحك ولعب وجد ومصالح

بقلم : محمود قاسم 

ظهر البرلمان في حياة المصريين لأول مرة عام 1932 أي قبل ظهور أول فيلم سينمائي روائي بأربع سنوات إذا اعتبرنا أن فيلم «ليلي» 1927 هو أول فيلم سينمائي بناء علي التاريخ القديم للسينما. وقد كن المصريون لرجال البرلمان تقديسا خاصا خاصة في الفنون والسينما بشكل محدد، فهؤلاء الأعضاء كانوا يمثلون هيبة الدولة، ومكانتها وأغلبهم من ذوي المهابة والحيثية الاجتماعية وفي أغلب السينما ظهرت في الثلاثينات والأربعينات، فإن احتراما ملحوظا كان يحظي به أبناء الطبقات الاجتماعية الراقية، صحيح كانت هناك أخطاء يقع فيها بعض الشباب النزق من هؤلاء الموسرين لكن النظرة العامة لهم كانت ممزوجة بالوقار. وفي هذين العقدين من تاريخ مصر كانت للسلطة التشريعية والبرلمانية والدستورية وقارها الخاص، ولذا فقد كان أغلبهم وطنيون شرفاء في خضم حيواتهم خاصة أنه في عام 1947 صدر قانون بتوقير ضباط الجيش وعدم توجيه أي انتقاد إليهم مما أكد قدسية هذا الشكل الاجتماعي. ولعل أول فيلم مصري ظهر في مجلس النواب كان بشكل أقرب إلي التسجيلي والتمثيلي معا وهو «إنشودة الفؤاد» لماريو فولبي عام 1932 وبطولة جورج أبيض الذي قام بدور رجل ثري وعضو في مجلس النواب، وفي افتتاح المجلس يظهر الملك فؤاد الأول، وهو يصافح أعضاء المجلس، لكن هذا اللقاء بعيد تماما عن موضوع الفيلم، فإبراهيم عضو المجلس رجل يتصدي لزوج أخته الذي عرف بتصرفاته الشائنة ويحاول مواجهته. الباشوات وبمراجعة الأفلام التي تم إنتاجها قبل ثورة يوليو، فإن الباشوات كانوا ملء البصر والسمع في هذه الأفلام لكنهم أثرياء لا يمارسون السياسة بشكل مباشر، وليست لهم مناصب اجتماعية أو سياسية، وإنما كانوا إقطاعيين يمتلكون الأرض ومن عليها مثلما بدا واضحا في فيلم «سي عمر» لنيازي مصطفي لكن هؤلاء الباشوات لم يتم تسييسهم إلا بعد أن صاروا جزءًا من الماضي، أي بعد قيام الثورة وصار من سياستها أن تعلن أن هؤلاء الإقطاعيين الذين صودرت أرضهم بقانون الإصلاح الزراعي كانوا من الأشرار اجتماعيا وسياسيا، وقد بدت هذه الظاهرة واضحة في الأفلام التي صورت في الفترة من عام 1954، وحتي عام 1970 بشكل خاص، ومنها «بقايا عذراء» لحسام الدين مصطفي، و«نهر الحب» لعزالدين ذوالفقار، «صراع في الوادي» ليوسف شاهين، و«القاهرة 30» لصلاح أبوسيف، فقد كان الباشا في هذه الأفلام يعمل في منصب سياسي حساس وعليه أن يكون عضوا في البرلمان وأن ينجح في دائرته من أجل أن يظل في منصبه. وفي المقابل.. فإن أعضاء الاتحاد القومي ومجلس الأمة وأيضا الاتحاد الاشتراكي كانت لهم حصانة إبان فترة الثورة، إلي أن تم تحطيم هذه الهالة بفيلم «ميرامار» وقد جاءت الموافقة علي عرض الفيلم بمبادرة من مجلس الشعب الذي كان يرأسه أنور السادات ـ آنذاك ـ وذكر كمال الشيخ في حديث صحفي له أن عبدالناصر هو الذي وافق شخصيا علي عرض الفيلم، ومع عصر الانفتاح الاقتصادي بدأت ظاهرة الهجوم علي حكم عبدالناصر، لكن ظلت لعضو مجلس الشعب حصانة مميزة مثل حصانة القاضي، التي تم لمسها بشكل مباشر في فيلم «قاع المدينة» لحسام الدين مصطفي عام 1972 . ونحن لن نقوم بسرد تاريخي لهذه الظاهرة، لكنها في العشرين عاما الماضية برزت ظاهرة أن يتم مس أعضاء مجلس الشعب، خاصة في قضايا الفساد، وتطورت هذه الظاهرة بشكل حاد، فصار العضو المهيب بؤرة للسخرية في أفلام الكوميديا وأفلام الحركة. وهناك ملحوظة غاية في الأهمية فيما يتعلق بصورة البرلماني في السينما، الصورة الأولي مشرقة، والغريب أنها صورة نسائية، أي أن المرأة عندما تصير عضوا في مجلس الشعب، سينمائيا فإنها تبدو شخصا ملتزما تدافع عن حقوق النواب، وتقف بحزم ضد قضايا الفساد، أما الصورة الثانية خاصة في العقدين الأخيرين فإنها عجفاء تعكس صورة عضو المجلس كانتهازي يدخل البرلمان من أجل اللعب في السياسة وتوسيع دائرة فساده واستغلال حصانته. ولعل ما يحدث في الواقع المصري هو الذي أغري السينمائيون بفتح الضوء الأخضر لهذه الموضوعات، خاصة بعد قضايا عديدة ضد عضو مجلس شعب سكندري، حدثه السادات يوما أن المدينة أمانة في عنقه، وكشفت الصحف أنه بلا أمانة والتحقيقات قد كشفت عن مساره، وفي الثمانينات بدأ كتّاب السيناريو يستلهمون من قصص الواقع موضوعات أساسية في أفلامهم، مع إحداث الكثير من الإضافات والتغييرات في التفصيلات والواقع وكان فيلم «حتي لا يطير الدخان» لأحمد يحيي عام 1983 من أبرز هذه الحالات فهو عن صعود نجم رجل مجتمع جاء من القاع واستطاع أن يحقق مكانة اجتماعية عالية وصار عضوا في مجلس الشعب. يونية 1967 الرواية التي كتبها إحسان عبدالقدوس لا تروي تاريخ رجل تولي منصبا سياسيا إنما هو محام اقترب من رجال السياسة الذين أثروا في تاريخ مصر خاصة في فترة عدوان يونية 1967 ورأي القرارات السياسية المهمة في تلك الفترة تخرج من جلسة المخدرات التي تدور في الشقة التي أسسها فهمي عبدالهادي. وفي الفيلم لا يمكنك أن تحب فهمي عبدالهادي الوصولي الذي يسعي إلي تحقيق مآربه بأي ثمن كي يحصل علي المنصب الذي وصل إليه، عضو مجلس الشعب، إنه أمير مكيافيللي بكل ما وضعه الكاتب الإيطالي من صفات لأميره، وإذا كان إحسان يتحدث عن بطله فهمي كنموذج لرجل عاش قبل الثورة حتي يحدث العدوان فإن الفيلم اختلف مثلما أشرنا. وفهمي.. وصولي منذ اللحظة الأولي يتطلع إلي ركوب طبقة اجتماعية أعلي بالتفوق عليها، فهو يتطلع إلي خيرية شقيقة زميله رؤوف، بينما يتجاهل تماما سنية الفقيرة التي سكنت معه في بيت فقير متواضع. وليس صحيحا أن وفاة أمه بعد معاناة مع المرض والفقر هي السبب في تغيير معالم فهمي، فهو يحمل بذرة الوصولية داخله، وهو غير مجبر علي أن يرتبط بأولاد الأثرياء إلا رغبة منه في الصعود إليهم، لذا فما أن يطلب من رؤوف الإقامة في شقة فاخرة في الزمالك حتي يعلن موافقته، يترك مكانه القديم ويندمج بسرعة في عالم المخدرات، يتحول إلي الرأس المدبر لما يدور في المكان، يأتي للأصدقاء بالحشيش ويسيطر علي المكان. وهذه الشقة تتحول في الفيلم إلي مكان لإدارة مصر ففي الرواية تدار دفة الحرب من هناك، وفي الفيلم يحضر رجال السياسة والانفتاح وتجار المخدرات والطلبة الذين يتخرجون ويستولون علي المناصب الحساسة في البلاد، وفهمي يقوم بتسليم سنية إلي رصيده المادي، ويدفعه هذا إلي النجاح الاجتماعي، ولأن فهمي صاحب ذكاء خاص فإنه لا يبالي بما يدفعه من شرف مقابل أن يحقق مآربه، وهو يتحالف مع أي شرير من حوله، ويبادر إلي الوشاية ببعض زملائه الذين يتعاطون المخدرات. ويهتم الفيلم بالدرجة الأولي بصعود فهمي إلي عضوية مجلس الشعب، وكأنه يخبرنا أن المجلس عرف بعض أعضائه هذه البداية ويتعمد الفيلم أن يذّكر المشاهد أن حصول فهمي علي مقعد نيابي أشبه بما حدث في الحياة السياسية في أوائل الثمانينات.. وأواخر التسعينات ففهمي يأتي بإحدي القرويين كي يصبح مديرا لأعماله ويتحول فهمي عبدالهادي إلي ذلك الشبح الذي نعتاد رؤيته كلما هلت الانتخابات. فهو يأتي بمجموعة من المرتزقة للهتاف باسمه، وجهاز علاقات عامة جيد يزور المآتم ويرتاد الأفراح ويشتري خصومه من المعارضة ويشتري نفوس البشر. وفي رواية إحسان تلعب خيرية دورا مختلفا قياسا إلي دورها في الفيلم، ويعطينا الكاتب الإيحاء بأنها إحدي نجمات المجتمع الذين عرفوا في الستينات وقد تزوجت رجلا في أعلي السلطة في لحظة هزل وسميت باسمه. رجال السلطة في الفيلم يتزوج فهمي بحسنية ويموت موتا مفاجئًا قدريا أثناء حفل الزفاف، كأنما الفيلم يعاقب بطله، وكأنه أيضا ينظف المجلس من هذا النوع الذي دخل إليه في فترة زمنية بعينها، وفي العديد من الأفلام، فإن هذا النوع من النواب يصيرون بمثابة أشرار، سرعان ما نري نهاياتهم وقد تمت بشكل مأساوي. والغريب أن عادل إمام قد قام المخرجون وكتّاب السيناريو بتسييس أفلامه خاصة فيما يتعلق بعضوية مجلس الشعب، وإذا كانت الشخصية التي جسدها عادل إمام قد صارت عضوا في البرلمان في أفلام من طراز «بخيت وعديلة» و«الواد محروس بتاع الوزير» فإن عضو مجلس الشعب في فيلم «اللعب مع الكبار» لشريف عرفة، قد قام بتهريب هيروين داخل حقيبته، معتمدا علي حصانته البرلمانية ورفض أن يتم تفتيشه في المطار. والحكاية أن حسن يعرف عن طريق زميل له يعمل في سنترال رمسيس بأمور عديدة ضد القانون، يمارسها رجال في مناصب القمة من السلطة، منهم وزراء، ورجال أعمال ويقوم الشاب بإبلاغ ضابط من مباحث أمن الدولة بما يعرفه علي أساس أنها أحلام يراها في المنام. ومن بين تلك الأحداث التي يبلغ عنها أن عضوا في البرلمان يجب تفتيشه في المطار، وبالفعل يتم إيقاف العضو المبجل ـ جسد الدور أحمد عقل ـ الذي يرفض فتح حقيبة يده لكن الضابط «معتصم» يصر علي التفتيش، ويفتح الحقيبة ويعثر علي كيس به بودرة، فيسأل الضابط: ما هذا؟ وبكل ثقة وكبرياء يردد البرلماني: سحلب.. ثم تنكشف الحقيقة. إذن.. فحسب الفيلم فإن عضو البرلمان قد استجلبه معه من الخارج أكثر من مرة في شكل هزلي، فالثنائي «بخيت وعديلة» يقرران أن يرشحا نفسيهما لعضوية مجلس الشعب، وذلك في الجزء الثاني من الثالوث السينمائي «بخيت وعديلة» الذي عرض تحت اسم «الجردل والكنكة» وهما اسمان لرمزين انتخابيين يتخذهما كل من الشاب، وفتاته حين يرشحان نفسيهما لعضوية مجلس الشعب، والرمزان كما هو واضح اختيرا كأداة للسخرية. فبخيت حنيدق المهيطل، وهذا اسمه مجرد عامل بسيط في أحد المصانع، أما عديلة صندوق فهي مدرسة وعندما تسمع عديلة من زميلاتها أن عضو مجلس الشعب يتمتع بامتيازات كثيرة منها استطاعته الحصول علي شقة تقوم بترشيح نفسها فئات، تساعدها زميلاتها بعمل الدعاية. أما بخيت فإنه يرشح نفسه عن العمال، ورغم أنه لا يفهم في السياسة ولا في الانتخابات، لكنه يجد مبررا لقوله للعمال وهو: لماذا لا يمثل العمال واحدا منهم يحس بمشاكلهم وليس شخصا من طراز رسمي بك رئيس مجلس الإدارة الذي يكتشف بخيت أنه اختلس لنفسه الكثير من الأموال. وفي الأحياء العشوائية ووسط أناس يعيشون علي هامش المجتمع من الخارجين علي القانون والحياة، يقرر بخيت أن تبدأ حملته وأيضا عديلة وهؤلاء الأشخاص ليسوا ناخبين لا يحملون أي بطاقات انتخابية ولم يروا مرشحا منذ ثلاثين عاما، وما إن تبدأ المعركة الانتخابية حتي تتخذ عديلة رمز «الكنكة» أما هو فيأخذ رمز «الجردل» ويستغل الاثنان اللذان طالما بحثا عن شقة دون أن يتحقق حلمهما من أجل الزواج، ما يقام من سرادقات أقامها المنافسون الكبار من الوزراء ومرشحي الجماعات الدينية والمعارضة للدعاية لنفسيهما ويتعرضان لمافيا الانتخابات ولكنهم يمثلون الفساد في المجتمع من لصوص وتجار مخدرات الذين يشترون الأصوات والذين يعقدون الصفقات للوصول إلي مقاعد مجلس الشعب. إذن.. فحسب السينما وربما أيضا بعض الواقع من خلال ما نقرأه في الصحف عن قضايا فساد وتحقيقات ورفع حصانة فإن ما قدمته السينما ليس من وحي الخيال كله، لكن ما يدور هنا ليس له علاقة بالمجلس النيابي نفسه قدر ما يحدث في ساحة يتنافس فيها الشرفاء وغيرهم من أجل الوصول إلي مقاعد البرلمان. والفيلم مصنوع أساسا للتركيز علي ما يدور في الانتخابات، علما بأن هناك جهات أمنية لا تسمح للمنحرفين أو ذوي التيارات المحظورة أو السلوك غير القانوني بالترشيح، ولكن حسب الفيلم فإن الحداثة تكشف العمليات القذرة التي تتعلق بالانتخابات السياسية والبرلمانية، حيث يقوم البعض بعمل صفقات للتنازل عن الترشيح، وتأتي الأموال من كل مكان بالآلاف إلي كل من بخيت وعديلة من أجل أن يتنازلا عن الترشيح، لكن الاثنين يصران علي السير حتي نهاية الرحلة، ويتعاطف معهما الفقراء والبسطاء. وبالفعل فإن بخيت وعديلة ينجحان في أن يجدا لنفسيهما مكانا شرعيا تحت قبة البرلمان، ويلقي بخيت خطبة عصماء علي الناس الذين انتخبوه، ويبدو كأنه لبس الدور، فيهتف أن الهدف الذي رشح نفسه من أجله كان الحصول علي شقة للزواج، لكنه بعد أن خاض المعركة الانتخابية اكتشف السلبيات والمتناقضات، وصار همه هو الدفاع عن المساكين، الذين ليس لهم ظل في المجتمع المعاصر. تحت القبة عندما يدخل الفيلم إلي ما تحت القبة، فإنه بجرأة شديدة يصور لنا أن بعض أعضاء المجلس الذين دخلوا المجلس هم من الخارجين عن القانون، ورجال العصابات، سبق لهم الظهور كمجرمين في الجزء الأول من الثلاثية - أدي الدور مصطفي متولي - مما يعني أنه إذا كان الكثير من الفاسدين قد رشحوا أنفسهم للعضوية، ولم يفوزوا بها، فإن البعض منهم قد تسلل إلي البرلمان. وفي فيلم «الواد محروس بتاع الوزير» لنادر جلال 1999، فإن محروس الذي يعمل حارسا خاصا لأحد الوزراء، وشهد علي فساده، وعلاقاته النسائية المتعددة يتعرض للتنكيل، بعد أن يكشف لزوجة الوزير أمر زوجته الشابة، التي يقابلها في أحد الفنادق الكبري، ويتم نقل محروس إلي وحدته القديمة، وهو عسكري أمن مركزي، حيث يقوم ضابطه بمضايقته.. مما يدفع بمحروس إلي أن يقدم استقالته من الأمن المركزي، ثم يقوم بترشيح نفسه في دائرة قريته، وينجح في الانتخابات. والتركيز هنا ليس علي آلية الانتخابات، ولكن علي تصفية الحسابات بين محروس والوزير في المجلس، فالعضو محروس، يرتدي جلبابا أبيض ويقدم للوزير العديد من الاستجوابات أشبه بضرب حقيقي في بناء منيع أنشأه الوزير حول نفسه ووزارته، وينجح محروس في إسقاط الوزير، ثم يتفشي الفساد في محروس الذي يضم إلي حوزته العديد من النساء منهن المرأة التي تزوج بها الوزير من قبل عرفيا. وهناك سخرية واضحة من المنصب الوزاري، وأيضا من أعضاء البرلمان، ويبدو ذلك واضحا في الشكل البالغ السخرية لمناقشات داخل أروقة المجلس. ومثلما حدث للأفلام التي تمس من هيبة الشرطة، فإن كل الأفلام التي تسخر من عضوية البرلمان، قد مرت إلي الناس، رغم اعتراض بعض الأعضاء علي الصورة التي يتم تقديمهم بها من فيلم لآخر، فحسب مجلة «فن» في 7 ابريل عام 1997 أن عضوا بمجلس الشعب، تقدم بطلب، وقع عليه أيضا عدد من أعضاء المجلس، يناشدون فيه رئيس لجنة الثقافة والإعلام فتح باب المناقشة حول صورة عضو مجلس الشعب التي ظهرت في فيلم «الجردل والكنكة»، وهي الصورة التي وصفها الطلب بأنها «لاتليق بأعضاء المجلس»، وقد وضعت المجلة علامة! بعد العبارة الأخيرة، وأشارت إلي أن الأمر لم يقف عند حد تقديم هذا الطلب، بل أكد العضو أنه سيتقدم بطلب مماثل لرئيس مجلس الشعب د.فتحي سرور لمناقشة القضية نفسها! ومن الواضح أن المجلة قد شنت حملتها ضد الحملة التي بدت باهتة، وأن هذه الطلبات كانت بمثابة فقاعات في الهواء، أي أن الصورة السلبية التي تم بها تصوير أعضاء مجلس النواب في السينما، قد صارت بمثابة ظاهرة سينمائية، تعكس جرأة السينما من ناحية، وتكشف عن عدم قدرة المجلس علي مواجهة هذه الصورة التي اهتزت بصورة واضحة. وكانت السينما قد قدمت صورة الوزير البرلماني في فيلم «طيور الظلام» لشريف عرفة، باعتبار أن الكثير من الوزراء يسعون لتثبيت مقاعدهم الوزارية من خلال وجودهم في البرلمان، فالوزير هنا يسعي لكسب مقعد في المجلس، وهو يوافق أن يقايض نجاحه في إحدي المناطق الريفية، بأن يترك للجماعات الدينية فرصة أن يكسبوا انتخابات العديد من النقابات، وينجح المحامي فتحي نوفل في أن يدير الحملة بنجاح ويذهب الوزير إلي الدائرة ومعه معاونوه، وفي أحد المشاهد نري الوزير يحمل طفلا صغيرا يتبول علي يديه، فلا يعترض، ومن بعد نعرف أن هذا الوزير، البرلماني فاسد يستغل موقعه أبشع استغلال، وعن طريق الشركة التي ينشئها باسم فتاة ليل يخفي ثرواته، وهو يتزوج من هذه الفتاة زواجا عرفيا، كما أن هذا الوزير يفتقد الذكاء واتساع الحيلة، ولذا فإنه يترك لفتحي نوفل فرصة أن يلعب بمقدرات الوزارة. الفرقة 12 هناك فيلم يكشف العملية الانتخابية بوجهها القذر، حيث دخل مصطفي محرم ككاتب سيناريو في دائرة نواب الكيف، وهو الذي سبق أن كتب سيناريو فيلم «حتي لا يطير الدخان»، ومن الواقع المنشور في الصحف استند الكاتب إلي قوة الواقع، وهو يكتب سيناريو فيلمه «الفرقة 12» لعبد اللطيف زكي، ورغم أن الفيلم قد صيغ ضمن أفلام الحركة والمطاردات، فإن نهايته كانت أبلغ ما فيه، حيث توارثت عائلة أبوالوفا تجارة المخدرات التي مارسها منذ زمن بعيد، ويتخذ الابن سامي من إدارته لشركة تصدير واستيراد ستارا لتهريب المخدرات، بينما تتجه شقيقته للاتجار في الهيروين لتحقيق أرباح سريعة بمساعدة لواء متقاعد فصل من الخدمة لسوء سلوكه، وتتزوج من رجل ضعيف الشخصية يستسلم لنزواتها دون مقاومة تذكر، ويحاول المقدم فؤاد كشف عصابة أبوالوفا مع فرقته الانتحارية، وتستعين فيفي بوالدتها، وشقيقها سامي في تنفيذ عملية ضخمة لتهريب الهيروين، ورغم تردد أمها فإنها توافق علي قبول المهمة، بينما يتربص لها الضابط، في الوقت الذي يرشح فيه سامي نفسه لمجلس الشعب، وفي اللحظة التي يتمكن فيها الضابط من كشف أمر المهربين، يكون سامي قد نجح في الانتخابات ويتمكن من الحصول علي الحصانة. وكما نري فإن السينمائيين استمدوا موضوعاتهم مما تنشره الصحف، ولذا فإن هذا الفساد قد يكون حالات متناثرة، لكنه موجود.. وسوف نري أن صورة الرجل هنا مشرفة، مهما كان الزمن الذي ينتمي إليه، ويبدو ذلك من عنوان إحدي قصص فيلم «حكاية وراء كل باب»، لسعيد مرزوق عام 1979، بعنوان «النائبة المحترمة»، فهناك نائبة في مجلس الشعب، متزوجة من موظف درجة خامسة، يعاني من رسوب وظيفي والزوجة هي امرأة عادية في البيت، تقوم بأعمالها الأنثوية وتعود من المجلس منهكة، وذات مساء ترجع إلي البيت لتفاجأ بزيارة من الوزير الذي قدمت ضده استجوابا في المجلس، ولأن موقف الوزير حرج للغاية فإنه يلوح لها أن زوجها منسي في الترقية، وأنه من الممكن أن يرقي، خاصة أن الوزير هو المسئول الأكبر في نفس الوزارة التي يعمل فيها الزوج، لكن رغم كل الإغراءات ووسط أمل الزوج في أن يتم تذكره ولو مرة وظيفيا، فإن النائبة تتصرف بشكل محترم ولا تمتثل للوزير، وتصر علي أن يأخذ الاستجواب مجراه مهما كان إحباط الزوج الوظيفي. أما المرة الثانية التي ظهرت فيه نائبة في مجلس الشعب فقد كان في فيلم «موعد مع الرئيس» لمحمد راضي، فالنائبة هنا تم انتخابها عن حي القلعة، وما حوله، يزورها أهالي الحي، وتعرف منهم أن منازلهم سوف تتهدم وتتحول إلي مشروع سياحي مشبوه، يؤدي إلي طرد السكان، وأن وراء ذلك إحدي شركات الانفتاح، وتأخذ النائبة من السكان جميع ما لديها من وثائق تثبت ملكيتهم للأرض وتقرر أن تعرضها علي مجلس الشعب والوزراء المختصين. ولا يخلو الفيلم من إشارة إلي فساد العضو الرجل في المجلس، فزملاؤها في المجلس يشيرون إليها بعبارات تهديد لو لم تتراجع عن طرح الموضوع علي المجلس، وتعرف أن زملاءها مساهمون في الشركة الاستثمارية التي تسعي للاستيلاء علي الأرض وتعرف أن حكما قد صدر لمصلحة الشركة. لذا.. فإن النائبة تسعي بكل ما تملك للوصول إلي رئيس المجلس، ويصوره الفيلم شخصا نزيها، مستقيما، يتفهم قضيتها، وعندما يسمع الأمرعلي لسانها، يقوم بإجراء اتصالات سريعة مع وزير الداخلية كي يوقف عملية اقتحام الأراضي وتنفيذ الحكم للشركة الاستثمارية. وأمام متاعب عديدة تواجه النائبة المحترمة، فإنها تسعي لمقابلة الرئيس- رئيس الدولة - وفي الوقت الذي يتحدث فيه رئيس المجلس عن أهمية حقوق المواطنين وعن مصالح الجماهير، فإن النائبة تقرر السفر إلي أسوان حيث حدد لها الرئيس موعدا. بخيت وعديلة عضوة مجلس الشعب هنا لا تحيد عن رسالتها، وذلك عكس زملائها يعني الرجال الذين يتسمون بالاستغلال والانتهازية، ولا شك أن وجودهم في المجلس يعني انتهاز الفرصة من أجل حماية ممتلكاتهم، وزيادة نفوذهم في عمليات الاستغلال. وعضوة مجلس الشعب هنا سوف تصل في موعدها لمقابلة الرئيس مهما كانت العقبات التي اعترضتها وسوف يتم كشف جميع أساليب الخروج عن القانون في السنوات العشر الأخيرة، تم النظر إلي مجلس الشعب وأعضائه، بمنظور سلبي، وباعتباره أنه المكان الذي يتجه إليه الفاسدون، من أجل الحصول علي الحصانة البرلمانية ومن خلال هذه الحصانة يمكن أن يمارس جميع ألوان الفساد، ابتداء من المال والجنس واستغلال السلطة، والتقرب إليها، ولا نكاد أن نري في هذه الأفلام نموذجا واحدا شريفا، وإذا كان الجزء الأول من فيلم «بخيت وعديلة» قد كشف أن أعضاء مجلس الشعب الذين رأيناهم في المشهد الأخير، هم في الأساس رجال عصابات، ومهربون في المقام الأول، أما الجزءالثاني من الفيلم، الذي حمل عنوان الرمزين الانتخابيين «الجردل والكنكة» كنوع من السخرية من مثل هذه الانتخابات قد كشف أن مجلس الشعب هو بؤرة الفاسدين علي جميع المستويات، وقد صور الفيلم، كواليس الوصول إلي عضوية مجلس الشعب واللجوء إلي جميع الأساليب المشروعة، مثل محاولة دفع عدة ملايين إلي المرشحين، فتكاد أن تري أن رجال العصابات هم الذين وجدوا أنفسهم إلي مقاعد البرلمان، وأيضا الفاسدون من أصحاب المناصب الكبري، خاصة رؤساء مجلس إدارة الشركة التي طرد منها «بخيت»، وكان طرده سببا لأن يقدم الشاب اسمه في قائمة المرشحين، وتنضم إليه «عديلة». كما أن الفيلم صور الحالة المتردية للمواطنين الذين يمتلكون الأصوات والكثيرون منهم يعيشون في مناطق عشوائية بالإسكندرية، فتقدم إليهم الرشاوي الانتخابية حتي إذا ما أعلنت النتائج بأسماء الفائزين، دخلوا إلي دائرة النسيان. ورغم أن «بخيت وعديلة» قد حققا في هذا الفيلم نجاحا ملحوظا في الانتخابات وأن نجاحهما عبر عن حصول أبناء الفقراء علي امتياز أن يكونوا من بين أعضاء المجلس، فإن هذين الشخصين يمثلان بؤرة الفساد، وذلك قياسا إلي سلوك كل منهما علي جميع المستويات، فهما وصوليان، ارتضيا بالرشوة، وتنافسا مع كبار الفاسدين ومن المتوقع أن يكون البرلمان في فترة وجودهما في أسوأ حالاته. ولا شك أن السينما التي رفعت المهابة عن رجال سلطة في الواقع قد استندبت إهانة أعضاء البرلمان في أفلام أخري عديدة، كتبت خصيصا من أجل عادل إمام، أيا كان الكاتب أو أيا كان اسم المخرج، مثل فيلم «الواد محروس بتاع الوزير» من تأليف يوسف معاطي، وإخراج نادر جلال، فالواد محروس، الغلباوي، قد صار مدير مكتب الوزير الفاسد، الذي يتم اهدائه بالشقق الفاخرة، والعقارات الحديثة، بأسعار بخسة، وهذا الفساد، يشجع محروس أن يرشح نفسه لمجلس الشعب، في مقابل الوزير، في الدائرة نفسها، فيحقق بشعبيته الفوز، ويتخذ من مكانه كعضو في المجلس ذريعة لمهاجمة الوزير ومحاولة إسقاطه، وقد كشف الفيلم عن صور السلبيات التي نعرفها عما يدور في المجلس في تلك السنوات من مشاجرات بالأيدي بين أعضاء المجلس أو فيما بينهم وبين الوزراء وقد كشف الفيلم من خلال أسلوب الهزل أن الذين زحفوا إلي عضوية المجلس جاءوا من قاع المجتمع ماليا وثقافيا وتعليميا وهو أمر تكرر من جديد بعد «بخيت وعديلة 2» كما أن ذلك تكشف من جديد في فيلم «مرجان أحمد مرجان» حيث يمكن لرجل الأعمال الجاهل أن يحقق المكاسب وأن يشتري ذمم الآخرين في كل قطاعات المجتمع بالمال وأساتذة بمن فيهم أستاذة الجامعة الذين لا يلبثوا أن يمتثلوا لهذه الإغراءات فتوافق علي الزواج به. وهناك ظهور لأعضاء مجلس الشعب في أفلام أخري دون أن نراهم في البرلمان مثل المحامي الكبير في فيلم «محامي خلع» إخراج محمد ياسين عام 2002 فهو لا يمكن أن يفصل المحامي بدر النوساني لأن والده عمدة القرية في إمكانه أن يدبر له آلاف الأصوات من خلال أبناء قريته. محراب التحرير كانت الانتخابات هي المحور الرئيسي في فيلم «شبر ونص» إخراج عادل يحيي عام 2004 حيث يرشح شاكر وهبة نفسه في انتخابات إحدي المناطق الشعبية في حارة العزة ويحاول أن يقدم رشوة للأهالي، من خلال الاعتناء بإحدي المدارس الآيلة للسقوط، أي أن عضو مجلس الشعب القادم هو فاسد وكاذب، لذا فإن مجموعة من الأطفال ومعهم الصحفية نوسة يقومون بكشف أعمال شاكر لأهالي الدائرة ويقترح أحد مساعدي شاكر إحضار الأطفال المشاغبين من المدرسة وإلحاقهم بمدرسة لغات خاصة بالغة الرقي، من أجل أن يكسب أصوات الدائرة. يبدأ الأطفال في التغيير بعد أن سببوا العديد من المتاعب، تعترض مديرة المدرسة علي المستوي الاجتماعي المتدني للتلاميذ الجدد والنتيجة أن شاكر يسقط في الانتخابات. من الصعب أن نرصد في هذه المدرسة كل الحالات التي صورت البرلمان وأعضاءه في تاريخ السينما المصرية لكن لا شك أن ما حدث يعكس إلي أي حد انهيار هذا المجلس وصار منخورا من خلال سلوك أعضائه كأنهم بذلك يقدمون للثورة أنفسهم في محراب ميدان التحرير لينهار كل شيء بسهولة ملحوظة.

جريدة القاهرة في

06/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)