حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

يعيد واحة الراهب إلى الإخراج السينمائي

«هوى» يرصد استباحة المجتمع للمرأة المطلقة

دمشق ـ فؤاد مسعد

بعد مضي عشر سنوات على إنجازها فيلمها الروائي الطويل الأول «رؤى حالمة»، انتهت المخرجة واحة الراهب أخيراً من تصوير فيلمها الروائي الطويل الثاني «هوى» المأخوذ عن رواية للكاتبة هيفاء بيطار تحمل الاسم نفسه، كتب السيناريو د. رياض نعسان آغا (وزير الثقافة السوري السابق) وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، ويجسد شخصياته سلاف فواخرجي، عبد الرحمن آل رشي، طلحت حمدي، زهير رمضان، مظهر الحكيم، باسل حيدر، نبال جزائري، إيمان جابر، خالد القيش، آمال سعد الدين، لمى الحكيم، حنان شقير. ومن لبنان نجوى بركات ونعمة بدوي.

ترصد المخرجة في الفيلم معاناة وألم امرأة مطلقة تركها زوجها مع طفل لتواجه مصيرها فتتورط في عملية فساد بدافع الحاجة ولكنها تدفع الثمن غالياً، فقد كان طموحها الحصول على منزل لابنها إلا أنها تجد نفسها تدفع المنزل ثمناً لتورطها في عملية الفساد، وتحاول إيجاد المخرج لأزمتها وفي نهاية المطاف تجد طريقها.

ولإلقاء مزيد من الأضواء الكاشفة على الفيلم، كانت لنا هذه اللقاءات مع مخرجته وعدد من أبطاله.

المخرجة واحة الراهب التي تشارك في الفيلم كممثلة أيضاً من خلال شخصية الأم، أجابت بداية عن سؤال حول الجديد الذي يمكن أن يقدمه فيلم يتناول نظرة المجتمع للمرأة المطلقة وإن كان يغوص إلى عمق المشكلة ويقدم الحلول أو يكتفي بمجرد رصد حالة تقليدية ومُكررة.

تقول: يتحدث الفيلم بجرأة أكثر عن المرأة المطلقة فهي هنا لا تستسلم لواقع الهزيمة التي وضعها فيه زوجها بعد أن تركها ومعها طفل عليها أن تربيه ضمن ظروف اقتصادية قاسية، لدرجة أنها لا تكمل دراستها الفلسفة في الجامعة بسبب وضعها المادي وتذهب لتعمل ممرضة.

وتتابع: الجرأة الأكبر كانت تورطها في الفساد وكيفية إنقاذ نفسها من هذه الورطة، كما أنها حاولت أن تعيش كامرأة لها حق في أن تبني علاقة تطمح الى أن تصل إلى مستوى الزواج والارتباط ولكن تكتشف أنه حتى الشخص الذي ارتبطت به وأملت منه علاقة زوجية لا ينظر إليها أكثر من كونها امرأة محتاجة وهو يلبي احتياجاتها المادية، هذه العلاقة التي أشعرتها برخص نظرة الرجل الى العلاقة خارج إطار شرعية الزواج.

وتضيف: فما تعرضنا له هو موضوع أنها مطلقة وعاشت علاقة خارج إطار الشرعية الزوجية وبالتالي كيف يستبيحها المجتمع والرجل الذي ينظر إليها على أنها سهلة المنال.

أما إن كان الفيلم يقدم الحلول فأرى أنه ليس من مهمة الفن طرح الحلول لأن عليه ألا يصادر وعي الناس ومحاولاتهم الذاتية في إيجاد الحلول، وينبغي أن يكون شاهداً على عصره وعلى هموم الناس، ويضع إصبعه على الجرح محرضاً الوعي ويكفيه ذلك ليقوم بدوره النبيل.

عالم الجرأة

• العالم الروائي للكاتبة هيفاء بيطار جريء ومُقتحم، فإلى أي مدى سنلمس هذا الاقتحام وتلك الجرأة في الفيلم؟

- الفيلم حامل جرأته وموضوعه، هناك أمور تم تخفيفها قليلاً، ولكن الفيلم يحمل بصمته وبصمة الجرأة الموجودة عند الكاتبة هيفاء بيطار، وقد حاولت أن أشتغل على السيناريو في مرحلة «الديكوباج» (التقطيع الفني) بما يخدم الفكرة الأساسية في الرواية، والموضوع الذي يطرحه الفيلم هو «همٌّ» قديم وجديد ومستقبلي، فحتى اليوم مازلنا نعاني من مشكلة المرأة والفساد. فهناك مشكلات لم يتم حلها، وبالتالي حتى لو قلنا إن زمن الفيلم أقدم من ذلك فالمشكلة التي يطرحها تبقى معاصرة لأنها مشكلة راهنة ستلامس هموم الناس.

معادلة صعبة

• صدرت تصريحات تقول ان الفيلم ليس فيلم مهرجانات وإنما فيلم قريب من الناس. فكيف تصفين فيلمك؟

- الفيلم فيه جهد حقيقي وكبير على جميع أصعدة العمل الإبداعي، وبالتالي أرغب في تصحيح العبارة التي قيلت، وأقول: لا أعرف إلى أي مدى يمكن أن يندرج الفيلم تحت بند المهرجانات بقدر ما أنه يندرج تحت بند الجماهيرية. والمقصود من هذا القول أنني أحقق المعادلة الصعبة، فبقدر ما يكون الفيلم نخبوياً بقدر ما يكون جماهيرياً، حتى أن هذا ما قاله أيضاً الجمهور والنقاد ولجنة المشاهدة في فيلم «رؤى حالمة».

شخصيات الفيلم

تؤدي الفنانة سلاف فواخرجي دور أمل وهي الشخصية الرئيسية في الفيلم التي تدور حولها الأحداث، عن مفردات الشخصية وأهمية مشاركتها في الفيلم قالت «أؤدي في الفيلم دورا جميلا لامرأة تعيش صراعاتها وتحمل انكساراتها ولديها أحلامها في الحياة، لكنها تتورط في قضية فساد خلال سعيها لإيجاد منزل لها ولابنها بعد أن فقدت الكثير من الأشياء في داخلها، لقد ظلمها المجتمع وكان قاسياً معها لأنها مطلقة».

أما الفنان طلحت حمدي فيجسد شخصية الأب الحنون الذي كثيراً ما يكون أكثر تفهماً لأمل (سلاف فواخرجي) من أمها، لكن هذا التفهم لا يبرر حالة القطيعة الصامتة بين الأبوين وابنتهما خوفاً عليها من المجتمع لأنها مُطلقة، وهناك ألسنة بدأت تتناولها في أحاديثها حتى أن العم اشتكى من علاقة ابنتهما من أحدهم ، لكن يبقى الشغل الشاغل للأب الاستماع للأخبار لمعرفة أحداث غزة والعراق.

علاقة قوية

ويؤدي الفنان عبد الرحمن آل رشي شخصية ماجد الأستاذ الجامعي والمُفكر الذي يلتقي مع أمل مصادفة فيحاول مساعدتها وتنشأ بينهما علاقة قوية، إنه إنسان يعيش حالة تناقض بين الفكر والمبادئ الُمثلى وبين الانغلاق على الذات والبعد عن الواقع باتجاه النظريات الأمر الذي يسبب انتحار زوجته.

أما الفنان زهير رمضان فيلعب دور الوسيط وصلة الوصل بين من ستقوم بعملية السرقة (أمل) وشبكة الفساد، فهو من يطلب منها أن تسرق ولكن عندما تُكشف الأمور ويظهر تورطه في القضية يستطيع من خلال ما يملك من نفوذ وقدرة مادية أن يخرج كالشعرة من العجين ويترك من ورطها تجابه مصيرها لوحدها.

القبس الكويتية في

03/12/2011

 

السينما الإيرانية:

مشاهد حب ممنوعة وأفلام بطعم الشريعة

أمير حسن تشهلتن

ترجمة: عماد غانم  ـ  مراجعة: هشام العدم 

بين الفينة والأخرى تصدر أحكام قاسية على مخرجين وممثلين إيرانيين، منها تلك التي صدرت بحق جعفر باناهي ومحمد راسولوف، ما يحطم آمال الأخرين في الإبداع. إن تاريخ السينما الإيرانية على الرغم من غناه فهو مترع بالتناقضات. أمير حسن تشهلتن يستعرض هذه الإشكالية في زمن الشاه وفي ظل الثورة الإسلامية.

قبل فترة غير بعيدة صدر حكم قطعي بالسجن على مخرجين إيرانيين، وهما جعفر باناهي ومحمد راسولوف، فقد أدانتهما محكمة الاستئناف بممارسة أعمال ضد أمن الدولة والقيام بنشاطات دعائية ضد النظام العام. وقبل سنوات من ذلك تم أيضاً إلقاء القبض وإساءة معاملة ممثلة شابة، ظهرت في أحد أفلام هوليود بدور شريكة ليوناردو ديكابريو. فوجدت نفسها مضطرة إلى مغادرة البلاد.

"تعلم الجميع في إيران إخفاء اشمئزازهم، بل وحتى غضبهم وسخطهم، لأنهم جميعاً يخشون من البوح بأفكارهم" في قضية أخرى، حدثت مؤخراً، تتعلق بممثلة أخرى، شاركت في فيلم، لم ترخصه السلطات المسؤولة عن القطاع الثقافي في إيران، فحُكم عليها بالسجن وتسعين جلدة. الأمر الذي دفع زملائها إلى الاحتجاج برسالة مفتوحة، لأن السينما الإيرانية في وضع لا يمكنها من احتمال مثل هذه العقوبات. في هذا الفيلم تقوم الممثلة الإيرانية مرضية وفامهر بأداء دور امرأة شابة ترتبط بعلاقة بأحد الشباب خارج إطار العلاقة الزوجية، ويقصد الاثنان سوية الحفلات الليلية، التي تقام خارج المدينة. ومن الطبيعي ألا نشاهد في الفيلم مشاهد يتبادل فيها الاثنان الغرام، وحتى الحفلات الليلية تُجرى في أماكن معتمة، مترعة بدخان السجائر، لدرجة أنه لا يمكن مشاهدة أي شيء بشكل واضح. لكن على الرغم من ذلك توجد ثمة نقطة أخرى في الموضوع: الممثلة الشابة تظهر من دون ارتداء حجاب أمام الكاميرا، لأن رأسها محلوق تماماً. وبحسب الشريعة الإسلامية يجب أن يُغطى شعر الرأس. وعلى عكس ذلك لا يوجد من داع لتغطية الرأس المحلوق شعره.

وأثار مخرج هذا الفيلم في إحدى المقابلات الصحافية سؤالاً فيما إذا كان الممثل يُعتبر مذنباً إن قام بجناية في أحد الأفلام. ويشير زملاء وفامهر الآخرون إلى أن عالم الأفلام السينمائية عالم افتراضي وليس حقيقياً. بطريقة ما يتصور الجميع كما لو أنهم لم يسمعوا أو يروا أو يعلموا شيئاً. فقد تعلم الجميع في إيران إخفاء اشمئزازهم، بل وحتى غضبهم وسخطهم، لأنهم جميعاً يخشون من البوح بأفكارهم. وتعلم الجميع أيضاً أن يعبروا عن أفكارهم بلغة حكامهم. ويتساءل الجميع بدهشة بريئة ومتشككة: "لماذا ذلك؟ ماذا حدث؟".

سبب معروف لا يُذكر

لكن أكثر الأخبار إثارة في هذا المجال هو أن مخرجاً يعمل بتكليف من الحكومة في إنتاج مسلسلات تلفزيونية عن حياة الأنبياء والأولياء، وصف قبل فترة وجيزة قطاع السينما الإيرانية بماخور دعارة. وفي مثل هذه الأجواء فإن من الممكن أن تحصل أفلام إيرانية، حتى وإن كانت متوسطة المستوى، أن تحصل على جوائز عالمية مهمة. إنهم يرون إذن أن الوضع ليس ميئوساً منه تماماً. وهذا السلوك يتوافق تماماً أيضاً مع توزيع عالمي عادل. ماذا يحدث خلف كواليس السينما الإيرانية؟ هل تنعكس فيها فضائح أكبر، يشمل إيران بأكملها؟

منذ أكثر من سبعة عقود تقريباً تشهد صناعة السينما الإيرانية ازدهاراً، كان نصفها في فترة حكم الشاه، والسينما الإيرانية تعد الأكبر في قارة آسيا بعد السينما الهندية. وقبل اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979 كانت هذه الأفلام التسلية الوحيدة لشرائح واسعة من الشعب الإيراني. وتظهر الإحصائيات في هذا المجال أن الجمهور تلقى بعضها بشكل كبير أن كل ساكني المدن، التي كانت فيها دور سينما آنذاك، شاهدوها.

قبل اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979 كانت هذه الأفلام التسلية الوحيدة لشرائح واسعة من الشعب الإيراني ولم يكن عدد هذه المدن أو ساكنيها بالقليل. والشخصيات الرئيسية لأغلب هذه الأفلام كان شخصاً مارقاً، وراقصة تعمل في إحدى المقاهي، ويعيش الاثنان في حي سيء من أحياء المدينة. الراقصة اعتادت أن تغري مارقنا هذا، الذي يقضي جل وقته بالدجل وشرب الخمر في أحد المقاهي وأن تهدد حياته العائلية. ولأن المارق يحمل تقاليد، تعود جذورها إلى الدين، يجد في النهاية طريق العودة إلى جذوره، ويكف عن ارتكاب المعاصي، فينفصل عن الراقصة ويعود إلى حضن عائلته. وفي الغالب ينتهي الفيلم بمشهد في أحد الأماكن المقدسة أو في قبر أحد الأولياء أو في مسجد، حيث يذهب المارق لإشعال شمعة والتكفير عن أفعاله المشينة، ويضع قدره مجدداً في رحمة خالقه الواسعة.

الجمهور الإيراني يعشق هذه الأفلام

إن سياسة شاه إيران كانت بشكل عام ضد تناول المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الفن والسينما والأدب. ففي تلك الحقبة تم تصوير فيلم، يلجأ فيه أحد مقاتلي المقاومة إلى بيت صديق قديم، هرباً من الملاحقة. ولأن أحدهم يخبر الشرطة عن ذلك، يقوم أحد رجالها بنفس البيت. ومن أجل أن يحصل المخرج على رخصة لعرض الفيلم وجد نفسه مضطراً إلى تحول المقاتل الملاحق إلى لص هارب. ومن الطبيعي ألا يكون الشرطي مضطراً إلى نسف البيت، لأن المقاوم الملاحق، الذي أصبح الآن إلى محتال هارب، يستلم نادماً.

ومن الطبيعي أن تكون هناك تفاصيل في الفيلم، تبدو من خلالها هذه التغييرات القسرية واضحة، منها على سبيل المثال أن الشخصية الرئيسية شخصية قوية متفكرة، وليس بينها وبين اللص الهارب أي شبه من بعيد أو قريب. وفي الوقت ذاته عُرض فيلم آخر في ور السينما الإيرانية، يكتشف فيها أحد الفلاحين الأغبياء كنزاً في قريته. واعتماداً على الثروة التي يجنيها من ذلك يقوم هذا الفلاح بارتكاب الحماقات. ولا يحتاج الحال إلى أي توضيح، فكل الذين شاهدوا الفيلم، عرفوا أن الفلاح الغبي والكنز الذي عثر عليه، ما هما إلا تشبيهاً للشاه والثروة النفطية الإيرانية. واختفى هذا الفيلم بعد خمسة أيام من عرضه الأول في دور السينما، بينما لم يتعرض نظام الشاه إلى فيلم المارق والراقصة بسوء، وقلل من تأثيره في الحفاظ على التقاليد والدعوة لها وتشجيعها.

صرخة احتجاج: لا توجد أي حاجة لحضور النساء في الأفلام، يمكن تصوير أفلام من دون ممثلات. كان النظام راضياً بعصريته الزائفة والجمهور الإيراني بفيلمه. لكن كما يؤمن اليساريون الإيرانيون خرج الشعب منتصراً في نهاية المطاف، واستطاع الشعب الإيراني في النهاية، أن يخرج نهايات هذه الأفلام التي تأخذ القلب، من قاعات العرض المظلمة، من أجل نشرها في الحياة اليومية بالمدن الإيرانية، معتنقاً هذا العالم الجميل تماماً.

ومن البديهي ألا يتم الاستمرار في إنتاج هذه الأفلام الطافحة بمشاهد جنس ورقص موسيقى، والتي يُشرب فيها الخمر (ومن الطبيعي أن يكون هذا هو ما اجتذبهم)، بعد الثورة الإسلامية في إيران، لأن تعاليم الشريعة الإسلامية تمنع كل ذلك. والنساء، اللواتي كن يكشفن عن أجزاء من إجسادهن في هذه الأفلام، أُجبرن على البقاء في المنزل أو الهجرة إلى خارج إيران.

وعلى حين غرة وجدت صناعة السينما الإيرانية نفسها – مثل بداية المسرح الجديدة- أمام نقص في عدد الممثلات. وبشكل مفاجئ وجد أحد المخرجين الشباب من أنصار الثورة الإسلامية حلاً لهذه المشكلة، وأعلن عنه بصوت عال: لا توجد أي حاجة لحضور النساء في الأفلام، يمكن تصوير أفلام من دون ممثلات. هذا المخرج الثوري لم يعد يعيش في إيران، ومن الطبيعي أن يستمر في إنتاج أفلامه المذهلة. وكل أفراد عائلته ينتجون الأفلام، ويحصلون لقائها على جوائز عالمية ويهدونها جميعاً بمنتهى الكرم إلى الفنانين الإيرانيين المعتقلين وإلى السجناء السياسيين في إيران.

حقوق الطبع: صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ/ موقع قنطرة 2011

صدرت لأمير حسن تشهلتن مؤخراً رواية "الأمريكيون يقتلون في طهران".

موقع "قنطرة" في

03/12/2011

 

الاكتئاب في أفلام نهاية العالم الفرد .. الأرض .. وغزو الكواكب

تقدمها: خيرية البشلاوي 

في نهاية الفيلم وجدت الدكتور رفيق الصبان جامداً في مكانه يمسح دموعه. وقد بدت عليه علامات الانفعال والتأثر الشديد.ويبدو انني لم أتأثر بنفس القدر رغم الاعجاب الكبير بالمخرج الدانمركي لارس فون تريير.. وفيلمه هذا الذي شاهده جمهور من المثقفين والمهنيين بالسينما من خلال أسبوع بانوراما السينما الأوروبية. هو آخر أفلامه "ملانكوليا" ومعناها الاكتئاب أو الحزن المرضي المقيم داخل الإنسان وقد يعوق قدراته الذهنية والفيزيقية..ربما احتاج الفيلم إلي تأمل أعمق لكي نصل إلي هذا التأثير وإلي جوهر الترجمة السينمائية لعنوانه "ميلانكوليا" "Milancholia" وذلك عبر المعالجة الفذة والمركبة التي قدمها المخرج- المؤلف لحالة الاكتئاب علي مستوي الذات وعلي مستوي الرمز.

نحن أمام عروس جميلة وناجحة في مجال الاعلانات. تهرب يوم عرسها من وسط المدعوين في حفل أنيق تكلف مبلغا طائلا. وتتسلل إلي الحمام وتضع نفسها في "البانيو" وتستسلم لحالة لم تكن قد تكشفت بالوضوح ولا العمق الذي سوف نراه لاحقا.

ولكن علينا قبل العُرس الذي يجمع أفراد الأسرة. أن نتأمل بداية هذا الفيلم التي تضعك أمام تحدي: ما معني هذه التفاصيل التي نشاهدها في إطار تصميمات بصرية دون كلمات. ومنها هذه العروس نفسها وهي تقف وسط منظر طبيعي مفتوح. تتساقط في خلفيته طيور ميتة. ويظهر طفل لا تتضح علاقته بها. وفي داخل نفس التكوين يقترب كوكب يكاد يلمس الأرض.

لم أفهم خيوط الدخان الصاعدة من أصابع اليد المفرودة لهذه الشابة "جوسفين" وإن كنا سنعرف حالاً علاقتها بالطفل. إنه ابن شقيقتها المفتون بها والذي يلقبها ب"محطمة الصلب" والحقيقة انها مسكونة بالاكتئاب والحزن.

تتوالي مشاهد هذه المقدمة برفقة أجزاء من موسيقي فاجنر "أوبرا تريستاند وايزولد" قبل أن تنزل العناوين.. ما نراه إذن يحتاج إلي قراءة لن نصل إلي مغزاها إلا بعد اسدال ستار النهاية.

جوستين وكارين

الفيلم مقسم إلي جزءين.. الأول بعنوان "جوستين" والثاني "كارين".. امرأتان شقيقتان. العلاقة بينهما دافئة رغم التوتر النابع من اختلاف التكوين النفسي ومستوي الوعي لدي كل شخصية.. كارين متزوجة من ثري وتسكن في قصر فاخر. وهو عالم فلك ولديه غرام بالنجوم والكواكب وهو الذي قام بتغطية نفقات الحفل الفاخر احتفالا بزواج أخت زوجته كارين.. أما الطفل ابنهما. فاسمه "ليو" وهو مثل أبيه مغرم بالكواكب ولديه أدوات "تليسكوب" ولديه أيضا علاقته الحميمة بخالته جوستين.

والعنوان يشير أيضا إلي اسم كوكب يقترب من كوكب الأرض بسرعة منذرة قد تكون نهاية الأرض.. الزوج جون يدرك من خلال علمه وبالنظر إلي الكوكب الذي ظهر قبل نزول العناوين أن النهاية محتومة. وأن ثمة كوكباً علي وشك الانقضاض فيقرر الانتحار سرا. حتي تجده زوجته وقد فارق الحياة ملقي وسط جياده في الاسطبل فتغطية وتخفي نبأ رحيله.

اليأس من النجاة يقربها أكثر وأكثر من شقيقتها ومن ابنها وقد بدأت ترتعد من النهاية ومن العجز في وجود مخرج حتي تبدد جوستين مخاوفهما بوهم الخيمة السحرية. وهي مجرد مجموعة عصيان دون غطاء. يجلس تحتها الاختان و"ليو" بينما "ملانكوليا" يهبط فعلاً ويغطي الثلاثة.

نهاية العالم

الكآبة تسري في ثنايا العمل رغم دفعات شحيحة من الفكاهة السوداء أثناء الحفل. وكذلك الحزن. والنهاية حسب معطيات الفيلم لا ريب فيها. والأرض إلي زوال. وليس هناك حياة بعدها. انها نهاية العالم إذن.

والكآبة في فيلم فون تريير ليست مجرد حالة عقلية ولكنها اسم الكوكب الذي يندفع لالتهام الأرض. والحزن حالة مزاجية تبدأ من العُرس وينتشر كالفيروس مع الوعي بحركة الكوكب ويصيب الأخت كارين رغم تفاؤلها عموما. وزوجها. كما يطول أمها "شارلوت رامبلنج". أما الوالد "جون هيرت" فهو مصاب بمرض السرقة "كلبتومانيا". يسرق أدوات المائدة أثناء الحفل..

يرسم تريير العلاقة المدمرة بين الزوجين "والده ووالد" الشقيقتين. اللتين انفصلتا بالطلاق. واجتمعتا مؤقتاً في الحفل الذي سرعان ما سوف ينفض دون اتمام الزفاف.

وكذلك يرسم العلاقة الجديدة التي ولدت ميتة بين العروسين "جوستين ومايكل".. فالعريس يغادر الحفل قبل نهايته لاستحالة التواصل.. هكذا!

النهايات السعيدة مستحيلة بما فيها نهاية الكوكب الذي نعيش عليه.. وكل نفس ذائقة الحزن والإحباط والموت "حسب المخرج" ليس بداية لحياة أخري. وإنما نهاية مطلقة.

المعاني والأفكار. ليست جديدة ربما في السينما الاوروبية التي تشاهدها. وإنما اللافت المعالجات المبتكرة هي التي تملأنا بالدهشة. والصياغات الفنية الراقية تسمو بهذا الوسيط إلي مرتبة الفنون الرفيعة كالأوبرا.. والفيلم نفسه مزيج أوبرالي جميل وممتع بصريا. ربما كان أفضل وأعقد ما جادت به موهبة المخرج وأقوي تجاربه السينمائية وإن كنت شخصيا أحب فيلمه "راقصة في الظلام" بسبب زخمه العاطفي والإنساني والفني البديع.

ورأيي أن مشهد البداية في هذا الفيلم بإيقاعه وتشكيلاته والموسيقي المصاحبة. وكذلك مشهد النهاية حين لا يتبقي سوي الأبطال الثلاثة تحت الخيمة السحرية والكوكب "كآبة" يهبط معلنا النهاية.. إنه بالفعل مشهد مؤثر جدا إلي حد البكاء بالنسبة للبعض.

المشهدان البداية والنهاية دروس في ماهية الابداع البصري. والتصميم الدرامي التعبيري للمشهد. وكذلك فن الأداء التمثيلي.. الذي لم يقتصر تميزه لممثلي الأدوار الرئيسية وفي مقدمتهم الممثلة كرستن دانست التي حصلت علي جائزة أحسن ممثلة في مهرجان "كان" 2011. وهي جائزة تم انتزاعها رغم موقف المهرجان من المخرج الذي اتهم بمعاداة السامية. هذه التهمة القميئة التي تطارد كل من له وجهة نظر سلبية في الممارسات الصهيونية لليهود. وحتي الأدوار الصغيرة مثل دور ليو الذي لعبه الممثل كاميرون سير.

الأداء في هذا الفيلم مدرسة متنوعة الوجوه والأساليب.. أداء شارلوت رامبلنج الأم المحبطة المتغطرسة والأب الساخر "جون هيرت" سارق الملاعق والممثلة الرائعة شارلوت جينبورج التي أبدعت في تشخيص دور كلير.

اكتئاب المخرج

ربما من المفيد أن يعرف القاريء أن المخرج نفسه يصارع مرض الاكتئاب منذ سنوات وانه تعامل مع هذه الحالة سينمائيا وإن لم يكن بنفس الدرجة من التأثير في فيلم "الفوضوي" "The Anarchist" عام .2009

إن الاكتئاب سمة عالمية فيما يبدو وليست فردية فقط. وباتت سمة حاضرة بشكل أو بآخر في أفلام نهاية العالم التي يندرج تحتها من انتاج هذه السنة فيلم "الجلد الذي أسكن فيه" للمخرج الاسباني بيدرو المودوفار وقد عرض ضمن أفلام البانوراما. وفيلم "آخر يوم علي الأرض" للمخرج آيل فيرارا وفيلم "أرض أخري" للمخرج مايك كاهيل.

المساء المصرية في

04/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)