حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

بانوراما الفيلم الأوروبي:

ذاكرة الفيلم وغياب البطل القومي

رامي عبد الرازق

ضمن عروض بانوراما الفيلم الأوربي في دورتها الرابعة بالقاهرة عرض الفيلم الصربي الوثائقي "سينما كوميونستو" cinema komunisto  للمخرجة الشابة ميلا تورايليتش. وعنوان الفيلم ترجمة تعريبية لكلمة "السينما الشيوعية" والتي تقصد بها المخرجة السينما التي تم إنتاجها خلال المرحلة الشيوعية أو تحديدا خلال فترة حكم الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروس تيتو من 1954 وحتى 1980 عام وفاته.

من عمر المخرجة الشابة نكاد نجزم أنها لم تشهد أيا من جوانب تلك الفترة التي تحدثت عنها خلال فيلمها الطويل ولكن ثمة لقطة اساسية لا يمكن تجاهلها في بداية الفيلم وهي لقطة لدولة يوغوسلافيا قبل التقسيم في الفترة من 1945 وحتى 1991 حين اندلعت الحرب الاهلية التي ادت إلى تقسيم تلك الدولية إلى خمس دول وتفككها تماما.

كتابة التعليقات

لا تستخدم المخرجة أي تعليق خارجي وإنما تقوم بكتابة التعليقات التي تريد أن تقولها على الشاشة وبحرف اشبه بالأحرف التي تكتب بها عناوين الأفلام اليوغسلافية التي سوف نشاهد منها الكثير خلال رحلة الفيلم عبر ما يقرب من اربعين عاما.

واللقطة التي نعتبرها اساسية في البداية مكتوب عليها أن هذه الخريطة لبلد كان يدعى يوغسلافيا ولكنها لم تعد موجودة الان ثم تتفرق الخريطة من دولة واحدة إلى الدويلات الجديدة ويبدأ الفيلم.

هذه البداية تضعنا امام قراءة الموقف الأيديولوجي للمخرجة وهو ليس موقفا شيوعيا كما قد يتصور مشاهد الفيلم من الوهلة الاولى وليس موقفا مناهضا للشيوعية كذلك، ولكن هذا الجيل الذي تمثله المخرجة الشابة، ومن خلال فيلمها المغزول بعناية فنية وسياسية كبيرة، يضعنا امام حلم الوحدة الذي يراود جيلا عاش الحرب والتقسيم ولم يعرف شيئا عن الدولة الواحدة التي يحكمها رئيس قوي ومحبوب سوى عبر أفلام الجريدة الناطقة وحكايات من عاشوا (زمن الرفاق).

تبني المخرجة فيلمها في البداية بشكل تقليدي حيث تستخدم اسلوب الريبورتاج المصور الذي يعرض مقتطفات من الشهادات الحية للأشخاص الذي عاصروا المرحلة ولازالوا على قيد الحياة. ثم تقدم كلا منهم على أنه بطل فيلمها أو إحدى الشخصيات الرئيسية فيه، من خلال كتابة اسمه ومهنته أوعلاقته بتاريخ السينما اليوغسلافية على التيتر، وأخيرا تضع لقطة لتيتو وتكتب اسمه كأحد الشخصيات الرئيسية في الفيلم.

شريط الصوت

تُفرد المخرجة شريط الصوت بالكامل لشهادات الشخصيات ولأصوات وموسيقى ومؤثرات الأفلام الكثيرة التي تبني من خلالها العلاقات الرئيسية بين موضوع الفيلم وشكله والقائم على الاستعانة بعشرات اللقطات من مئات الافلام التي انتجت خلال حقبة تيتو.

وعندما ترغب في أن تقدم تعليقا فإنها تكتبه على الشاشة في البداية ثم يتطور ذلك إلى استخدام لقطات من الأفلام الوثائقية أو الروائية التي تمثل المادة البصرية الأساسية لفيلمها كتعليقات ساخرة أو حزينة او سياسية او ايديولوجية في بعض الاحيان، وهو ما يجعل من المادة الوثائقية عنصرا جذابا, ويهم من ايقاع الفيلم بالدرجة التي تستغرق المتلقي في هذا الزمن الماضي.

تستخدم المخرجة اسلوب الحكي عبر الذاكرة من خلال عدة عناصر اولها ذاكرة الشخصيات التي شهدت العصر، واهمها عامل العرض الذي وقف خلف تيتو لمدة 32 سنة على ماكينة العرض الخاصة به ليعرض له الأفلام التي كان يحرص تيتو رغم كل مشاغله ومشاكله أن يشاهد واحدا منها على الأقل كل يوم, حتى ان مجموع الأفلام من خلال الوثيقة المصورة والتي يحتفظ بها عامل العرض وصل إلى 8800 فيلم في ثلاثين عاما وهو رقم ضخم بالنسبة لشخص غير متخصص في السينما بل ويعمل رئيسا لدولة تقع في محور الصراع بين الكتلتين الشرقية والغربية في اوج زمن الحرب الباردة.

ذاكرة الكاميرا

العنصر الثاني هو ذاكرة الكاميرا أو ذاكرة الأفلام نفسها سواء تلك التي كانت توثق كل حركة ورحلة ولقاء وخطاب لتيتو أو تلك الأفلام التي صنعت خلال فترة المد الشيوعي، أو خلال فترة مغازلة الكتلة الغربية الممثلة في امريكا، ومن هنا تتحول الكاميرا أو الفيلم تحديدا إلى شخص داخل الحكي أو شخصية رئيسية تروي من خلال عشرات الشرائط المحفوظة تاريخ هذا البلد الذي كان موحدا وتمزق، وبالتالي تصبح تلك التعليقات التي تقتبسها المخرجة من الأفلام نوع من التعليق الساخر من قبل أحد الشخصيات الرئيسية.

أنها عملية أنسنه درامية ووثائقية للمادة الفيلمية وتحويل الفيلم لشخصية تحكي وتروي عبر ذاكرتها التي تمتد لآف الكيلومترات من السليولويد المحفوظ.

المخلص الغائب

اتخاذ المخرجة تيتو كواحد من شخصيات فيلمها ليس مجرد شكل اعتباري للفيلم ولكنه في الحقيقة موقف سياسي واضح جدا يدل على اهمية هذا الرجل ليس فقط على المستوى التاريخي بالنسبة لصناعة السينما في يوغوسلافيا او للوضع السياسي العام بل على حالة من الحنين أو النوستالجيا الشديدة لوجود مثل هذا الشخص الذي يشبه، في عشرات الأفلام المصورة له واللقطات المختارة منها شخصية البطل الملحمي الدرامي الذي يجمع ما بين القوة والجسارة والشجاعة إلى جانب الرقة والوداعة والثقافة والفن، إنه القائد/ الفنان وهي صوره درامية معروفة تتبلور عبر البناء التوثيقي الذي يتخذ شكل التصاعد الزمني حتى اللحظة التي يموت فيها وتنهار بعده بعقد واحد الدولة التي حارب وجاهد لتأسيسها وأختير رئيسا لها مدى الحياة.

هنا يبدو الحديث عن الشيوعية جزءا من ايديولوجية الدولة وقتها مجرد مدخل للتندر على هذا الفكر خاصة من خلال عشرات الأفلام التي انتجت في تلك الفترة ولم يكن فيها على حد شهادة احدى الشخصيات سوى عشرات الألمان النازيين الذين يسقطون قتلى أمام جندي يوغسلافي واحد.

ان المخرجة في سياق بلورتها لصورة البطل القومي الغائب تقوم بتحليل تاريخ الحقبة بأكلمها عبر الأفلام التي انتجت خلالها، وبالتالي تتوقف أمام بعض المواقف السياسية التي كانت السبب الرئيسي وراء تطور السينما اليوغسلافية أو كانت السينما انعكاسا صادقا وحقيقيا لها عبر تلك السنوات.

فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تطالعنا فترة الأفلام الموجهة التي لم تكن تحتوي سوى عشرات المشاهد الحربية حول مقاومة اليوغسلاف بقيادة تيتو وقتلهم للنازيين بالعشرات وأخيرا الانتصار والانضمام لروسيا الأم تحت اللواء الأحمر الشيوعي.

هذه المرحلة تختار منها المخرجة عشرات المشاهد المعبرة عن الفكر الموجه والسينما الأيديولوجية الجافة والسطحية التي تصبح مادة للسخرية من قبل الشهادات التي يطلقها الاشخاص الذي عاشوا الفترة وتترك المخرجة للمتفرج مساحة التلقي التي تسمح له بأن يحكم هو نفسه من خلال المشاهد على هذا النوع من السينما وبالتالي على طبيعة التفكير السياسي الذي كان يسيطر على عقول من صنعوها.

لا يغيب تيتو عن المتلقي سوى لدقائق معدودة.. انه البطل الرئيسي الذي عاش في وجدان صانعي الافلام اليوغسلافية خلال هذه الفترة الغريبة من عمر وطن يتخبط ما بين الكتل، ورغم أنه كان محرما عليهم أن يجسدوا شخصيته وكأنه مسيح أو إله، إلا أن افلامهم لم تكن تخلو من الحديث عنه وعن بطولاته في مقاومة النازية، هذا الحديث تترك له المخرجة مساحة طويلة وكأنها تعبر عن دواخل افكارها الخاصة من خلال ساتر وثائقي منفذ وكاشف لما خلفه.

في المرحلة التي تلت ذلك نشاهد كيف كان تأثير الازمة التي حدثت ما بين السوفيت واليوغسلاف على السينما حيث قرر تيتو أن يمنح تصريحا بعرض الأفلام الامريكية التجارية "ماركة هوليوود" في السينمات اليوغسلافية بعد أن كانت لا تعرض سوى الافلام الدعائية السوفيتية الموجهة، وتفرد المخرجة مساحة من الوقت لكي نتعرف على تأثير هذا القرار السياسي على تاريخ السينما اليوغسلافية من ناحية وتأثير الأفلام التي انتجت في تلك الفترة على السياسية اليوغسلافية من ناحية أخرى، أي انه كان قرار ذو حدين.

ربما كان أبرز هذه التأثيرات هو اقامة مهرجان بلغراد الذي كان احد وسائل الداعية الايديولوجية للنظام اليوغسلافي كما أنه تحول بالتدريج إلى احد اهم المهرجانات التي تنظمها الكتلة الشرقية.

ثانيا اقامة شركة استديوهات "افالا /AVALA" الشهيرة التي انتجت خلال عقود طويلة عدد من أهم الأفلام التي قدمت في تاريخ السينما اليوغسلافية والعالمية على حد سواء خاصة مع الامكانيات البشرية والتقنية والمادية التي وفرها تيتو بالامر المباشر لكل المنتجين اللذين ارادوا تقديم افلامهم او تصويرها في المناطق اليوغسلافية المترامية المفتوحة او في الأستديوهات الضخمة.

ان تيتو من وجهة نظر المخرجة لم يكن بطلا سياسيا فقط ومخلص غيبه الموت وإنما هو نموذج للحاكم الذي يعرف كيف يوظف الفن والسينما من اجل اغراضه "الوطنية" وهو جزء من عملية الرثاء/ البحث الطويلة التي تمارسها المخرجة خلال الفيلم.

نوستالجيا الحداد 

لا تكتمل صورة المخلص الغائب إلا إذا علمنا لماذا يفتقده هذا الجيل الذي لم يره ولم يعش ايامه وتقدم لنا المخرجة تلك الأسباب من خلال لقطات متناثرة ولكن من السهل جمعها عبر مقاطع الفيلم.. فنحن نرى مشهدا هاما لعامل العرض وهو يستعيد ذكرياته في منزل تيتو عبر تداخل مونتاجي بطريقة المزج بين ما كان وبين الحاضر الذي ما هو سوى اطلال عقب قصف الناتو للمنزل عام 1995 في عز فترة حرب البلقان.

وفي مشهد أخر ونحن نتابع كر السنوات منذ عام 80 حتى عام 91 واليوغسلاف يقفون في نفس الدقيقة التي توفي فيها تيتو لمدة دقيقة كاملة في كل مكان من الاراضي اليوغسلافية حدادا على روح القائد الغائب وينتهي هذا المزج الزمني المكثف الذي تجسده المخرجه عبر كتابة عداد السنوات على طرف الشاشة الأسفل ينتهي المشهد باندلاع الحرب وبداية الأنهيار القومي للدولة.

في هذا المقطع المتداخل زمنيا نكتشف أن الفيلم تقريبا ما هو إلا مرثية طويلة أو لحظة حداد سينمائية على حقبة كانت الدولة فيها واحدة وقوية تحت قيادة زعيم محبوب من وجهة نظر المخرجة.

قد يبدو الفيلم منحازا لفترة تيتو بشكل كبير ولكن المشاهدة المتأنية تكشف لنا أن المخرجة تنحاز في الأساس لصورة البطل القومي المفقد الذي يمكن أن يجمع من حوله الشعب الذي تفرق في دويلات مرة اخرى ولكن دون حرب.

المخرجة تكره الحرب وتسخر منها في كل المشاهد التي تقدم من خلالها الافلام الموجهة التي تناولت الحرب حتى فرغتها من مضمونها الوطني والقومي، وهي تحاكم هذا العصر بأكمله عبر افكاره التي تنطوي عليها افلامه الكثيرة حتى تلك التي لم تجد منها نسخا.

تقول احدى شخصيات الفيلم: "لقد صنعوا في تلك الفترة افلاما تنتقد بعض الاوضاع السياسية في الدولة ولكن للاسف لم يعد موجود منها اي نسخة" وهي جملة لا تعني إلا شيئا واحدا هو أن تلك الأفلام تم اعدامها او التخلص منها ضمن الحقبة التي استمرت لاربعين سنة او اكثر، وهو نقد سياسي للفترة لكنه يمر على استحياء خلف الظل العظيم الذي تصنعه المخرجه لتيتو من خلال افلامه التي تبدو موازية في كثرتها وتعددها وتنوع موضوعتها مع كل ما انتجته السينما اليوغسلافية تقريبا في تاريخها كله.

التجسيد

في مرحلة شهر العسل ما بين أمريكا ويوغسلافيا وتحديدا في بداية السبعينيات يقرر تيتو أخيرا بعد سنوات ان يختار ممثلا كي يمنحه شرف "تجسيده" ويقع اختياره على الممثل الامريكي ريتشارد بيرتون زوج اليزابيث تايلور في واحدة من افلام الملاحم العسكرية الكبيرة التي انتجت عن فترة المقاومة اليوغسلافية للنازيين، وهنا تعود المخرجة بمكر شديد لنقد الجانب الدكتاتوري في شخصية بطلها من خلال اللقطات التي تعرضها لكواليس عملية تصوير الفيلم خاصة مشهد جرح تيتو في احدى غارات الألمان حيث يصر تيتو على أن يبدو "سينمائيا" اقوى من ان يمد احد يده لكي يساعده على النهوض بل ينهض بمفرده ويصر انه وقتها نهض بمفرده.

ذكرتنا هذه اللقطة بما رواه توفيق صالح عن صدام حسين عندما اصر على حذف مشهد تألم الممثل صدام كامل الذي كان يجسد شخصيته في فيلم "الأيام الطويلة" المأخوذ عن رواية سيرته الذاتية. ان اغلب الحكام اصحاب الجانب الدكتاتوري والمتألهين لا يرغبون ابدا في الظهور بشكل يحتوي على اي نوع من الضعف الإنساني المباح والمشروع بل انهم يتجاهلون فكرة أن هذا الضعف نفسه قد يكون شرطا لاثبات الإنسانية وليس العكس.

كذلك نجد تلك الشهادة التي يرويها عامل العرض الخاص بتيتو عندما فكر في التقاعد وابلغ رؤساءه الذين رفعوا الامر للرئيس الذي قال بهدوء "فليتقاعد ولكن لا مانع من أن يظل يعمل عندي" وهي جملة ساخرة لأن التقاعد معناه ان يتوقف عن العرض لتيتو ولكن تيتو "المستبد - العادل" من وجهة نظره لا يرى مانع من تقاعد الرجل على أن يظل في خدمته!

لكن تلك اللمحات لا تلبث ان تتوه في زحام ما حشدته المخرجة لفكرتها عن غياب المخلص والحاجة إليه وانتظاره، وهي الفكرة التي تمثل البطانة الداخلية الرقيقة التي تفصل ما بين السطح النقدي للأيديولجيا الشيوعية والجانب الفني الخاص بعرض تاريخ السينما السيوغسلافية عبر تاريخها السياسي والعكس.

عين على السينما في

30/11/2011

 

فيلم "الموجة الخضراء" الإيراني:

لون الحرية ولون الدم

ماجدة القاضي 

يأتى فيلم "الموجة الخضراء" للمخرج الايراني احمدي فرهادي ليكشف الكثير من الحقائق عن فترة حاسمة ومعقدة من التاريخ فى صناعة مستقبل السياسات فى الشرق الاوسط حيث يتعرض لكشف احداث تلك الفترة من ربيع وصيف عام 2009 فى ايران خلال سباق الرئاسة المحتدم بين الرئيس الايرانى احمدى نجاد ومنافسه على مقعد الرئاسة مير حسين موسوى، وقيام الثورة الاصلاحية التى عرفت باسم الثورة الخضراء لرفعها اللون الاخضر كعلامة مميزة لناشطيها الهادفين لدعم صعود موسوى لكرسى الرئاسة فى ايران بعد اربع سنوات شاقة من حكم احمدى نجاد المخيب للآمال بالنسبه للشباب الايرانى الذى كان يعقد الآمال عليه فى بداية توليه الحكم.

ثوره الامال

صورة مجسمة كرتونية من أعلى لطهران ليلا نرى فيها حلم هؤلاء الذين انطلقوا بالآلاف فى شوارع وميادين المدينة للتعبير عن مساندتهم للاصلاح والتغيير، يعبر عن هذا الحلم صوت المعلق وأحد رواة الأحداث واصحاب الشهادات الوثائقية فى الفيلم عندما يقول ان ايران ظلت لعقود تحلم بالاصلاح والتغيير والنور القادم لتطوي عقودا من الظلام السياسى.

آلاف الشباب فى الشوارع بالعلامات الخضراء في مشاهد مهيبة ويذكرك هتافهم على الفور بالشباب المصرى فى ميدان التحرير فى الخامس والعشرين من يناير، فالصورة تقريبا واحدة والاختلاف في المكان فقط.

تلاحقك الصوره بالأحداث وتوثقها بشهادات الناشطين من المدونين على الشبكة العنكبوتية من خلال موقع التواصل الشهير تويتر لما حدث فى الانتخابات، ومفاجأة فوز نجاد بفترة رئاسية جديدة.

وينسج المخرج الاحداث من خلال دمج الصورالكرتونية بالمواد التسجيلية المأخوذة من وسائل الاعلام وشبكة الانترنت، ومواد الفيديو المسجلة عن طريق كاميرا الموبيل، واللقاءات التحليلية للناشطين والمشاركين فى الثورة الخضراء نفسها مع محللين سياسين منهم المحامية الايرانية الحائزة جائزة نوبل للسلام شيرين عبادى. هذا الدمج يستدعى المقارنة منهج الفيلم وأفلام رسوم اخرى كانت تدمج بين المواد المختلفة مثل "الرقص مع بشير" لايلى فولمان، والفيلم الفرنسى "برسيبوليس" لمارجان ساترابي وفينسنت بارنو، وان كان فيلمنا يختلف عنهما فى استخدام مواد المدونين على الانترنت لحظة بلحظة فى التوثيق للأحداث.

ملحمة العنف والدموع

ومن ثورة امال وتطلعات شعب وجيل نحو الديمقراطية الى الاحتجاجات الواسعه التى تغزو ايران احتجاجا على تزوير الانتخابات لصالح نجاد بل وتحالف القوى الاسلامية ضد المحتجين مع نجاد ووصفهم بالخارجين على الدين.

ويستعرض الفيلم كل صور العنف من جانب قوات الجيش الايرانى التى انتشرت فى كل مكان للقضاء على الاحتجاجات وقمعها، وصور البطش المختلفة التى تعرض لها المحتجون بصورة عشوائية لا تفرق بين المحتج والمواطن العادى الذى تصادف وجوده فى الشارع، وان كان من اهم الاشياء فى هذا الجزء توثيق مشاهد العنف بصورة كبيرة من خلال المشاهد المأخوذه عبر كاميرات الموبيل لرجال الجيش اثناء بطشهم بالجميع ليصنع المخرج حالة من العنف والدموع على الشاشه لا تنتهى الا مع نهاية احداث الفيلم ذاته لتصل الأحداث لذروتها اكثر من مرهة مع اعتقال النشطاء والمحتجين وتجربة احد المحتجين التى يرويها من داخل سجن الكاتزبك منذ لحظة اعتقاله وحتى عودته للحياة مرة اخرى وكذلك تجربة إحدى الناشطات فى الثورة الخضراء وهي امينة الاعلام فى حملة موسوى في طهران، التى تعرضت لللاعتقال هى الأخرى وما تعرض له المعتقلون من تعذيب فى سجن افين، وهو الجزء الذى يلجأ المخرج إلى توثيقه كاملا من خلال الرسوم وبأصوات اصحاب التجربة انفسهم لحظة بلحظة، مما يضاعف من التأثير لدى المشاهد الذى يشعر أنه امام امتداد للتوثيق الحى الذى يقدمه المخرج للقضية وليس صورا متحركة خاصة مع تناول تجربة السجن والاعتقال ومراحل التعذيب كاملة، وكلمة الناشطة عن لحظة خروجها من السجن ولقائها بعشرات الآباء والامهات يسألونها وهم يحملون صور ذويهم ان كانت قد رأت أحدا منهم، وهى بدورها تصف شعورها بأنها خرجت من سجن مظلم صغير الى سجن اوسع اكثر اظلاما ورهبة.

يلجأ المخرج اكثر من مرة إلى استخدام الرمز نفسه، ففى اللحظة التى يقبض فيها على الناشطه تسقط زجاجة الحليب الذي يختلط بأثار دماء من جراء الاعتداء عليها بالضرب المبرح. وفى مشهد اخر لشاب صغير يعبر الطريق متجها للسوبر ماركت لشراء الزبادى تصفه الراوية بأنه يبدو كما لو كان لا يعلم اى شىء مما يحدث فى البلاد، وفجأه ينقض عليه رجال الجيش بالهروات حتى الموت فيمتزج اللون الابيض بالدماء مره أخرى.

العنف والدم

يصبح العنف والدم هو المتسيد على الشاشة بحوادث قتل وعنف شديدة القسوة ومتكررة يرتكبها النظام بل وبتحالف النظام مع الجماعات الاسلامية المسلحة، واعتراف احد اعضاء الميليشات المسلحة لابنة عمه الطبيبة بأن الجماعة أقنعتهم بالقتل من اجل الدين وبمشروعية هذا القتل من اجل الجمهورية الاسلامية.

الدماء تلوث كل شىء حتى مجرى الماء الصغير.. وتسقط ورقه الشجر الخضراء لتزول معالم لونها بجوار لون الدم الذى يفرض نفسه فى الواقع وعلى الشاشة.

الشباب الذى كان يبحث عن مستقبل للديمقراطية وعن مرادف لكلمة الحرية، يقبل الصمت خوفا وهو يشاهد تعذيب وقتل آلاف على يد النظام ويكثف المخرج صناعة الحزن على الشاشة بالاستعمال المؤثر للموسيقى التى اختار لها صوت آلة التشيلو العميق والحزين فى الوقت ذاته ولا يكتفى بهول ماتسجله اللقطات الوثائقية.

خلق الفيلم جوا من التعاطف مع أصحاب الموجة الخضراء من قبل المشاهدين فى قاعه العرض لكنه لم يقدم وجهة نظر تحليلية تشرح افكار واهداف الموجة الخضراء كحركة سياسية اصلاحية تهدف للتغيير ولا استعرض وجهتى النظر بين مؤيدى احمدى نجاد ومعارضيه بل اكتفى  بسرد الأحداث من وجهة نظر الناشطين ومدونى الانترنت واعضاء الموج’ الخضراء أنسفهم، الذين تم تصوير اللقاءات الخاصة معهم خارج إيران، وهو نفس وضع مخرج الفيلم نفسه احمدى فرهادى الذى يقيم في ألمانيا وانتج فيلمه من خلالها وبدعم قناه arte  الفرنسية.

تأتى اللحظات الاخيرة فى الفيلم لتحمل بعض الأمل على الرغم من كل شىء حينما يشير احد المراقبين السابقين في الأمم المتحدة فى حديثه إلى أن ما حدث فى ايران هو زلزال سياسى بكل المقاييس وعلى الرغم من كل القمع والعنف الذى تعرض له اصحاب الموجة الخضراء الا ان التاريخ يشهد بأنه سيأتى يوم يحاكم فيه الشعب جلاديه ومغتصبيه على افعالهم فى حق شعوبهم.

ويستكمل الراوى الحديث ليلتقط الخيط المتفائل برغم كل شيء لتعود الى الشاشة تلك الصورة الكارتونية لطهران ليلا من أعلى، والراوية تقول انها لو ماتت واصبحت عظاما فعظامها ستصبح عمودا ترتفع فوقه سماء الحرية فوق ايران.

عين على السينما في

30/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)