حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نجاح كبير لبانوراما الفيلم الأوروبى

بقلم   سمير فريد

من المعروف أن العقدين الماضيين شهدا العصر الذهبى الأول للأفلام التسجيلية وأفلام التحريك الطويلة، فقد أصبحت «فى» السوق، ولم تعد على هامش السينما على شكل أفلام قصيرة أو أفلام طويلة قليلة، أصبح هناك فيلم تسجيلى يدر مئات الملايين من الدولارات، مثل أفلام مايكل مور، بل أصبح هناك فيلم عن عالم الفيزياء المعجزة ستيفن هوكنج يدر عشرة ملايين دولار.

ولذلك أصبح للأفلام الطويلة من هذين الجنسين من أجناس الفن السينمائى مكانة متساوية مع الأفلام الروائية الطويلة فى مهرجانات السينما الدولية الكبرى داخل وخارج المسابقة، وربما لأول مرة فى مهرجانات السينما فى مصر تشهد البانوراما الرابعة للفيلم الأوروبى التى تختتم اليوم فى القاهرة مساواة كاملة بين الروائى والتسجيلى، وبقيت المساواة بين الأجناس الثلاثة معاً.

وتشهد البانوراما هذه الدورة، ولأول مرة، حضور عشرة ضيوف من المبدعين والباحثين، هم المخرج الفرنسى رومان جوبيل ويعرض له «الموت فى الثلاثين»، والمخرج البرتغالى سيرجيو تروفو ويعرض له «بلد آخر»، وكاتبة السيناريو الفرنسية سيلفى زوكا، والمخرجة البريطانية مانون لوازو، ويعرض لها «يوميات إيران المحظورة»، والمخرجة الصربية ميلا تورايليتش، ويعرض لها «سينا كوميونيستو»، والباحث المغربى الكبير محمد الدهان، والباحثة وإخصائية ترميم وحفظ الأفلام لبنى رجراجى، وهى من الشخصيات الدولية المرموقة فى هذا المجال.

ومن ضيوف البانوراما أيضاً المخرجة المصرية الفرنسية جيهان الظاهرى، ويعرض لها «كوبا: أوديسة أفريقية»، والثنائى المصرى السويسرى أحمد عبدالمحسن وساندرا جيزى، ويعرض لهما «سيرة: آخر الأبطال».

أخرجت جيهان الظاهرى أكثر من عشرة أفلام تسجيلية منذ عام ١٩٩٠ من أهمها «بيت آل سعود»، و«ثمن المساعدات»، و«وراء قوس قزح»، كما أصدرت كتابين: «الحيوات التسع لياسر عرفات»، و«٥٠ سنة من الحرب بين إسرائيل والعرب».

أما أحمد عبدالمحسن فهو من مواليد أسوان عام ١٩٧٤، وتخرج فى كلية الإعلام جامعة جنوب الوادى، ودرس السينما فى زيورخ، وأخرج عدة أفلام منها «إلى الله» عن الاحتفالات الدينية فى مصر، ويحاضر فى مدرسة زيورخ للسينما، وشريكته فى إخراج الفيلم درست اللغة العربية فى مصر، ولها أبحاث عن الفن الشعبى فى القاهرة، وعن الفن الأفريقى. وبغض النظر عن تسمية «بانوراما»، هذا مهرجان سينمائى حقيقى جدير بأن يلتف حوله كل مبدعى ونقاد السينما فى مصر.

المصري اليوم في

29/11/2011

 

موعد عشاق السينما فى القاهرة مع روائع من ٢٠١١

بقلم   سمير فريد

٢٧/ ١١/ ٢٠١١

بدأت الأربعاء فى القاهرة البانوراما الرابعة للأفلام الأوروبية، التى تستمر حتى الثلاثاء المقبل، وتنظمها شركة مصر العالمية «يوسف شاهين وشركاه»، وتديرها المنتجة والمخرجة ماريان خورى. أصبحت البانوراما موعداً سنوياً لعشاق السينما فى مصر لمشاهدة مجموعة من روائع السينما العالمية، التى عُرضت خلال العام فى أكبر مهرجانات السينما الدولية.

تقام البانوراما فى سينما جالاكسى بالمنيل، وسينما سيتى ستارز فى مدينة نصر، وتعرض ٣٥ فيلماً من ١٢ دولة أوروبية، منها أكبر الصناعات فى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وإسبانيا، وكذلك من هولندا وبلجيكا والدنمارك وصربيا والبرتغال وسلوفينيا وسويسرا، ويتكون البرنامج من ٥ أقسام: البرنامج الرئيسى، وأربعة برامج خاصة (أضواء على السينما الفرنسية - لقاء الفيلم التسجيلى - أفلام الثورات من أوروبا ومصر - تكريم اسم الراحل مصطفى حسناوى).

من أهم الأفلام الروائية الطويلة الدنماركى «مناخوليا»، إخراج لارس فون ترير، والذى عرض لأول مرة فى مهرجان «كان»، ورشح لأكبر عدد من جوائز أكاديمية السينما الأوروبية الأسبوع الماضى لأحسن أفلام ٢٠١١، ومن أفلام مهرجان «كان» أيضاً الفرنسى «الفنان»، إخراج ميشيل هازانا فيكيوس، والبلجيكى «الصبى ذو الدراجة»، إخراج جان بيير ولوك داردينى، والإسبانى «الجلد الذى أعيش فيه»، إخراج بيدرو ألمودوفار، وكل فيلم من هذه الأفلام هو أحسن فيلم أنتج فى بلده هذا العام.

ومن أهم الأفلام التسجيلية الطويلة «بينا»، إخراج فيم فيندرز، الذى عرض لأول مرة فى مهرجان برلين، وهو أيضاً أحسن فيلم ألمانى هذا العام، ويتناول حياة وإبداع أستاذة الرقص الحديث الراحلة بينا باوش، ومصور بأسلوب «٣D»، والفيلم المصرى «تحرير ٢٠١١»، إخراج تامر عزت وأيتن أمين وعمرو سلامة، الذى عرض لأول مرة فى مهرجان فينسيا، وتعرضه البانوراما لأول مرة فى مصر، والفيلم الأمريكى «مشروع قيم»، إخراج جيمس مارش، والفيلم الفرنسى «هواء أحمر»، إخراج كريس ماركر.

المؤسف حقاً، أن برنامج البانوراما يتبع ذلك التقليد الذى ابتكره مهرجان القاهرة، وتبعته مهرجانات مصر الأخرى، وهو أن يقتصر البرنامج على عنوان الفيلم وجنسية الشركة التى أنتجته، كأن يقال مثلاً «غواصة.. بريطانيا»، أو «حرائق.. فرنسا»، وهو أسلوب لا مثيل له فى أى من مهرجانات العالم، التى تزيد على ألف، فليس هناك إنسان عاقل يقرر مشاهدة فيلم بناء على عنوانه وجنسيته، وكأن البرنامج دعوة لعدم الذهاب إلى السينما، وألف باء أى برنامج أن يذكر اسم المخرج ومدة العرض وسنة الإنتاج.

 

يا أنصار الحرية أنقذوا «أدب ونقد»

بقلم   سمير فريد

٢٠/ ١١/ ٢٠١١

خبر إغلاق مجلة «أدب ونقد» الشهرية، التى يصدرها حزب التجمع منذ نحو ثلاثة عقود، هزيمة كبيرة للحرية فى مصر، ويجب على أنصار الحرية إنقاذ المجلة حتى لا يلحق بهم عار لا يمحى.

تكاليف إصدار المجلة حوالى عشرة آلاف جنيه فى الشهر، لأن النشر فيها من دون مقابل، ومشكلتها الفكرية أنها تعبر عن يسار الأدب والنقد، أما مشكلتها العملية فهى التوزيع لأنها لا توزع بالمعنى المهنى للكلمة، أى توصيلها إلى أكبر عدد ممكن من منافذ التوزيع فى كل مدن مصر.

تعلمت من تجربتى عندما كنت رئيساً لتحرير جريدة «السينما والفنون» الأسبوعية، التى أصدرتها دار التحرير «جريدة الجمهورية» من يناير إلى سبتمبر ١٩٧٧، أن القول بعدم وجود قراء يظل من الخرافات حتى توزع المطبوعة وتصل إلى كل المنافذ، فإذا لم يقبل عليها القراء يمكن فى هذه الحالة فقط القول بأنها لا تملك العدد الكافى من القراء لمواصلة الصدور.

أقترح على دار ميريت، التى يملكها ويديرها الناشر الأديب محمد هاشم، التى أصبحت بعد عشر سنوات من وجودها دار الكتابة الجديدة فى مصر بامتياز، أن تتولى إصدار «أدب ونقد»، بالاتفاق مع رئيس تحريرها الشاعر والكاتب والمفكر الكبير حلمى سالم وبقية المجموعة التى تصدر معه المجلة، ومن دون أن تتوقف ولا عدداً واحداً، والمؤكد أن حزب التجمع لن يعارض فى نقل ملكية المجلة إلى الدار.

توقف «أدب ونقد» فى الوقت الذى تسرق فيه الثورة بواسطة التكفيريين الذين يتحدثون باسم الله من دون تفويض، انتصار جديد لهم، وقد كان مقر دار ميريت فى شارع قصر النيل على بعد أمتار من ميدان التحرير من مقار إدارة وحماية ثورة ٢٥ يناير، ولو لم يكن لها هذا الدور فى نشر الكتابة الجديدة، وفى إدارة وحماية الثورة، لما كان هذا الاقتراح.

وليس المقصود زيادة الأعباء المالية على دار ميريت، محدودة الموارد، فإنقاذ «أدب ونقد» دورها من الناحية القانونية، ولكنه ليس واجبها، وإنما واجب كل أنصار الحرية، من المثقفين فى مصر، ويمكنهم القيام بهذا الواجب ليس عن طريق الكتابة بالمجان، فهذا أسلوب الهواة، ولست أدرى كيف يعيش الكاتب الذى لا يجيد سوى الكتابة إذا نشر بالمجان، وإنما عن طريق زيادة سعر بيع النسخة إلى عشرة أو عشرين جنيهاً، وتوزيعها بالمفهوم المهنى الصحيح للتوزيع الذى أشرت إليه، وبذلك تمول من القراء أساساً، ومن دون الحاجة إلى الحكومة ولا الأحزاب ولا حتى الإعلانات.

السكوت على إغلاق «أدب ونقد» لنقص الأموال قد يؤدى إلى إغلاق «أخبار الأدب»، للسبب نفسه، وعندها سوف يحل الظلام الشامل.

 

«الأحفاد»: فيلم أوسكار ٢٠١٢

بقلم   سمير فريد

١٩/ ١١/ ٢٠١١

عرض فى افتتاح مهرجان سالونيك الـ٥٢ الفيلم الأمريكى «الأحفاد» إخراج الكسندر باينى، والذى كان قد عرض لأول مرة فى مهرجان تيليرويد بداية سبتمبر الماضى، ثم فى مهرجان تورنتو، وفى ختام مهرجان نيويورك، وتوقع كثيرون أن يرشح لأوسكار العام القادم ويفوز. ويمكن القول بعد مشاهدة الفيلم بأنه فيلم أوسكار ٢٠١٢ وربما من دون منافس، والمؤكد بعيداً عن المهرجانات والجوائز أنه أحسن فيلم أمريكى شاهدته هذا العام، وإذا فاز بالأوسكار يكون مهرجان سالونيك قد كرر ما سبق أن حدث عندما عرض فى الافتتاح «الجمال الأمريكى» فى نوفمبر وفاز بالأوسكار فى فبراير.

هذا هو الفيلم الروائى الطويل الخامس لمخرجه منذ ١٩٩٦، وتحفته الثانية بعد «عن شميد» عام ٢٠٠٢، وفى الفيلمين يعبر الفنان عن المجتمع الأمريكى بعمق يندر فى السينما الأمريكية، خاصة الهوليودية منها. وإذا كان «عن شميد» عن الهوة التى تفصل بين الآباء والأبناء، فإن «الأحفاد» عن الهوة التى فصلت بين الأجداد الذين أسسوا هذا المجتمع منذ مائتى عام ويزيد، وكان حلمهم أن يكون الجنة على الأرض، وما انتهى إليه الحلم الأمريكى اليوم متمثلاً فى حياة أحفادهم. وقد اشترك باينى فى كتابة السيناريو عن رواية كايوى هارت هيمنجز، واستطاع أن يصنع فيلماً نموذجياً من حيث إمكانية قراءته على مستويات عدة مثل أغلب روائع هوليوود، ومن حيث أسلوبه السينمائى رغم الأصل الأدبى، والتكامل بين التصوير والمونتاج وميكساج الصوت والتمثيل.

«الأحفاد» ميلودراما من حيث الشكل، فأحداثه تدور بعد ٢٣ يوماً من استمرار غيبوبة اليزابيث الكاملة إثر حادث قارب بخارى كانت تتنزه فيه فى عرض البحر، وعشية اتخاذ زوجها مات (ماثيو) الاستجابة لقرار الأطباء بنزع الأجهزة المساعدة عنها لتموت، ولكنه ليس ميلودراما من حيث الرؤية التى يعبر عنها، صحيح أن مفتاح تلقى الفيلم يأتى فى حوار «أن ما يحدث يحدث»، وفى آخر لقطة حيث يواصل البشر الحياة، ولكن هذا لا يعنى أنه ينزع عن الإنسان قدرته على أن يعيش حياة أفضل بالتمسك بالقيم الإنسانية الفطرية الكبرى، وهى التى تصنع الجنة على الأرض.

ليست الجنة هى هاواى التى تدور فيها أغلب الأحداث رغم جمال الطبيعة، وليست حياة الرفاهية التى يعيش فيها أصحاب الملايين والبلايين مثل حياة ماثيو رغم حاجة كل فرد إلى المال ليواصل الحياة، وإنما هى المحافظة على القيم الإنسانية فى العلاقات بين البشر. ويطول الحديث عن هذا العمل الفنى الجميل الذى يتألق فيه جورج كلونى فى دور ماثيو، ويكشف عن عبقرية ممثلة جديدة هى شايلين وودلى التى قامت بدور المراهقة (١٧ سنة) إحدى بنتيه (الأخرى فى العاشرة). إنه بداية رائعة لمهرجان حافل.

 

«بورتريه للشفق» ولماذا لا يستحق الفوز بالإسكندر الذهبى

بقلم   سمير فريد

١٥/ ١١/ ٢٠١١

أجمل ما فى هذا الفيلم الروسى «بورتريه للشفق» إخراج أنجيلينا نيكونوفا، الذى فاز بالجائزة الكبرى فى المهرجان، عنوانه، ولكن ليس بالعناوين وحدها تكون الأفلام جميلة، وقد أشرت أمس إلى أن الفيلم لا يستحق الفوز بالإسكندر الذهبى، فلماذا أرى هذا الرأى.

هناك مشروع أسلوب يقوم على حركة الكاميرا الحرة، والتصوير فى مناخ ضبابى يميل إلى الظلمة، واستبعاد الموسيقى من شريط الصوت، لكن يندر وجود مثل هذه الممثلة أوبى ديوفيشنايا التى قامت بالدور الرئيسى «مارينا»، واشتركت فى الإنتاج من حيث موت العيون وجمود الوجه، فهى ذات تعبير واحد فى كل أحوالها، ومهما كانت هذه الأحوال متغيرة إلى حد التناقض التام.

ولكن مشكلة هذا الفيلم الكبرى أنه بلا موضوع، الأمر الذى يجعله دون معنى، مع العناوين ترى سيارة شرطة على طريق خارج المدينة وسط غابات، وبداخلها ثلاثة من رجال الشرطة أحدهم فى المقعد الخلفى، والثانى يقود السيارة، والثالث قائد المجموعة بجواره، وتتوازى لقطات هذه المجموعة مع أخرى لامرأة تندفع داخل الغابة، ويراها قائد المجموعة فيأمر بملاحقتها، تصرخ المرأة عندما يمسك بها السائق وشرطى المقعد الخلفى. ونرى «مارينا» فى فراشها تسمع الصرخة، ونعود إلى الغابة لنرى الشرطى يغتصب المرأة بوحشية وسائق السيارة يسرق محتويات حقيبتها، ونعود إلى «مارينا» تسأل زوجها فالير «سيرجى جوليدوف»: هل سمعت الصرخة؟

هنا يبدو موضوع الفيلم فساد الشرطة من خلال هذه البداية شديدة الفجاجة والمباشرة، ودعك من أننا لا نعرف هذه المرأة ولماذا تلجأ إلى الغابة، ومن يطاردها، وفى المشهد التالى ندرك أن «فالير» يعانى من العجز الجنسى رغم أنه شاب ورجل أعمال ناجح من أسرة ثرية، وهنا يبدو الموضوع العلاقة بين زوجين أحدهما عاجز جنسياً، وفى المشاهد التالية يعتذر «فالير» عن عدم توصيل «مارينا» إلى عملها بسيارته لارتباطه بموعد، وبينما تبحث عن تاكسى يتحطم كعب حذائها، فتذهب إلى مطعم ومقهى لإحضار تاكسى، ولكن نادلة المطعم ترفض، وتعود «مارينا» إلى الطريق وتشير بحثاً عن سيارة تساعدها، فيتم خطف حقيبتها من سيارة عابرة، تطلب من شابين استعارة تليفون محمول من أحدهما، فيرفض، تعرض قرطها الذهبى مقابل مكالمة، لكن دون جدوى، وهنا يبدو الموضوع كافكاوياً مثل «بعد ساعات» سكورسيزى، أو «البحث عن سيد مرزوق» داود عبدالسيد.

لكن، وعلى نفس الطريق، نجد مجموعة الشرطة نفسها، ويتم اغتصاب «مارينا» فى المقعد الخلفى، وهذا موضوع جديد عن الاغتصاب أياً كان من يقوم به، ورغم أن عمل «مارينا» إخصائية اجتماعية إلا أن رد فعلها الوحيد تجاه اغتصابها أن تستحم بمياه ساخنة، وترى «مارينا» قائد مجموعة الشرطة أندريه «سيرجى بوريسوف» فتلاحقه حتى منزله الفقير، وتكسر زجاجة فارغة لتقتله فى المصعد، لكن بدلاً من قتله تغتصبه جنسياً، بل تعيش معه وتتحول إلى خادمة تنظف منزله وطباخة تصنع له الطعام،

ورغم أنه كلما قالت له أحبك يقوم بضربها بعنف بالغ، إلا أنها ترضى مقابل ممارسة الجنس وهذه العلاقة موضوع جديد سيكولوجى عن امرأة معقدة، فضلاً عن وجهة نظر المخرجة التى اشتركت فى كتابة السيناريو العاصفة، وهى أن الإنسان مجرد حيوان جنسى، وفى آخر لقطة يترك «أندريه» مسدسه فى سيارة الشرطة ويخلع ملابسه الرسمية، ويسير وراء «مارينا» فى طريق عام مزدحم هذه المرة!

 

ثلاث جوائز لأسباب فنية و٤ لأسباب أخرى

بقلم   سمير فريد

١٤/ ١١/ ٢٠١١

أعلنت أمس جوائز مهرجان سالونيك، الذى يخصص مسابقته للأفلام الطويلة (الأولى أو الثانية) لمخرجيها. فاز الفيلم الروسى «بورتريه للشفق» إخراج أنجيلينا نيكونوفا بجائزة الإسكندر الذهبى «٢٠ ألف يورو»، والفيلم التشيكى «٨٠ حرفاً» إخراج فاكلاف كادرنكا بجائزة الإسكندر الفضى «١٠ آلاف يورو»، والفيلم المكسيكى «بروفيرو» إخراج أليخاندرو لانديس بجائزة لجنة التحكيم «٥ آلاف يورو».

جوائز المهرجان الأخرى من دون قيمة مالية، وفاز بها مارك جاكسون كأحسن مخرج عن الفيلم الأمريكى «من دون عنوان»، وجون ماكلدوف كأحسن كاتب سيناريو عن الفيلم البريطانى «انظر إلى الحمل» من إخراجه، وستيفانيا جوليوتى كأحسن ممثلة عن دورها فى الفيلم اليونانى «جيسى» إخراج مينيلاوس كراما جوليس، وويلكى مورنج كأحسن ممثل عن دوره فى الفيلم الألمانى «النار»، إخراج برجيت ماريا بيرتلى.

جائزتان فقط من الجوائز السبع من الصعب الخلاف حولهما، وهما أحسن مخرج وأحسن ممثلة، ويمكن قبول جائزة الإسكندر الفضى التى فاز بها الفيلم التشيكى، الذى فاز أيضاً بجائزة «فيبرسى» «الاتحاد الدولى للصحافة السينمائية»، لكن من الصعب القدر نفسه الاتفاق على أحقية من فازوا بالجوائز الأخرى الأربع، وسامح الله الأمريكى الذى فصل بين أحسن فيلم وأحسن مخرج وضع قواعد الأوسكار عام ١٩٢٦، واتبعه العالم كله حتى الآن مثل القطيع.

ويبدو أن لجنة التحكيم استهدفت إرضاء أكبر عدد ممكن من صناعات السينما المشتركة فى المسابقة «٩ - ١٣»، وظلمت الفيلم اليونانى «جيسى» فى مهرجان اليونان حتى تعرف بالعدل وعدم المجاملة، أو اعتبرته من الأفلام «البوليسية» عن المطاردات بين العسكر والحرامية، وظلمت الفيلم الأمريكى «من دون عنوان»، لأنه أمريكى، ولأن رئيس اللجنة أمريكى وأحد الأعضاء الأربعة أمريكى. ويبدو أيضاً أن اللجنة اعتبرت أن الأفلام المستقلة هى كذلك كلما كانت تكاليف إنتاجها قليلة، ولذلك منحت الجائزة الذهبية لفيلم قالت منتجته وهى تتسلم الجائزة مع المخرجة إن ميزانيته أقل من قيمة الجائزة المالية، ومنحت الجائزة الفضية لفيلم قال مخرجه وهو يتسلم الجائزة إنه اقترض من أسرته ومن أصدقائه لإنتاجه.

الخلاصة، أن هذه اللجنة لم تراع الأسباب الفنية فقط فى قراراتها، وهذا ما يجب على كل لجنة، وإنما اهتمت كذلك بمراعاة جنسيات وميزانيات الأفلام وغير ذلك من الأمور «الخارجية» التى لا علاقة لها بالأعمال الفنية كنتائج لا يفترض أن يعرف المتلقى كيف صنعته، وماذا وراء صناعتها بصفة عامة، وكل لجنة تحكم على نفسها بقراراتها، ويظل الزمن هو الحاكم الحقيقى على الأفلام التى تبقى أو لا تبقى.

 

السينما اليونانية هى الأحق بجائزة «سالونيك»

بقلم   سمير فريد

١٣/ ١١/ ٢٠١١

تعلن اليوم جوائز مهرجان سالونيك الـ٥٢ أكبر مهرجانات السينما فى اليونان، ومن أكبرها فى أوروبا. بعد غياب طويل عن الفوز بالجائزة الكبرى «الإسكندر الذهبى» قد تفوز السينما اليونانية عن فيلم «جيس» إخراج منيلاوس كراماجيوليس، وفى تقديرى أنه الأحق، ولا ينافسه غير الفيلم الأمريكى «من دون عنوان» إخراج مارك جاكسون، الذى يستحق الإسكندر الفضى، أما جائزة لجنة التحكيم فيبدو أنها صنعت خصيصاً ليفوز بها فيلم التحريك التشيكى «ألويس نيبل» إخراج توماس لوناك.

هناك أكثر من ممثلة جديرة بالفوز مثل الأمريكية جوسلين جينسين عن دورها فى «من دون عنوان»، والألمانية مايا شوينى عن دورها فى «النار» إخراج برجيت ماريا بارتيلى، والإسرائيلية رونيت إيلكاتيز عن دورها فى «الطوفان» إخراج جى ناتيف، وعدد أقل من الممثلين خاصة اليونانى ألبان يوكاج عن دوره فى «جيس»، والتركى سيركان إيركان عن دوره فى «محطة عبور» إخراج توبى كاراسيلك، وهذا بالطبع رأيى، والذى قد يختلف مع ما تنتهى إليه لجنة التحكيم.

وبصفة عامة يمكن القول إن دورة ٢٠١١ من سالونيك كانت ناجحة إلى أبعد الحدود، رغم كل الظروف السياسية الصعبة، بل العسيرة التى تمر بها اليونان، ومنطقة اليورو «الاتحاد الأوروبى» نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية التى بدأت فى أكتوبر ٢٠٠٨، وعندما يكون رأيك فى ١٥ فيلماً عرضت فى المسابقة وجود تحفتين وخمسة أفلام جيدة، فهذه نسبة لا يطمح أى ناقد للحصول على أكثر منها، أما بالنسبة لأفلام خارج المسابقة والبرامج الخاصة، فهناك عشرة على الأقل من روائع سينما ٢٠١١، ومن أحسن ما عرض فى المهرجانات الدولية الثلاثة الكبرى فى العالم: كان وفينسيا وبرلين، وماذا يريد أى عاشق للسينما أفضل من أن يرى لمدة عشرة أيام فيلماً رائعاً كل يوم على الأقل.

وأنت لا تعود من سالونيك بحصيلة وافرة من الأفلام فقط وإنما من الكتب والمطبوعات أيضاً، والتى تضيف إلى مكتبتك إضافة حقيقية، كما تستمتع بمشاهدة ثلاثة معارض متميزة للفوتوغرافيا، وتشترك فى مناقشات على مستوى رفيع فى المائدة المستديرة وورشة العمل والمؤتمرات الصحفية، ومع الأصدقاء من مختلف الدول قبل وبعد مشاهدة الأفلام. وقد أصبح من الضرورى أن يتضمن أى مهرجان أفلاماً ومطبوعات ومعارض ومناقشات ومؤتمرات، وألا يقتصر على عروض الأفلام فقط رغم أنها تظل جوهر المهرجان، فهى الأساس، لكنها وحدها لا تكفى، خاصة مع توفر أشكال وطرق أخرى لمشاهدة الأفلام، قانونية أو غير قانونية، وبعد فترة وجيزة من عرضها الأول، ولا مستقبل لمهرجانات السينما إلا أن تتحول إلى أحداث ثقافية شاملة.

 

«جيسى» ملحمة سينمائية رائعة من اليونان عن عالمنا المعاصر

بقلم   سمير فريد

١٢/ ١١/ ٢٠١١

شهدت مسابقة المهرجان تحفة أخرى بعد الفيلم الأمريكى «من دون عنوان»، إخراج مارك جاكسون، وهى الفيلم اليونانى «جيسى» أو «جيه. إيه سى. آى»، إخراج مينيلاوس كراما جيوليوس، الذى يعيد السينما اليونانية إلى عصر روائع كاكويانس وأنجلو بولوس وغيرهما من كبار فنانى هذه السينما.

«جيسى» الفيلم الروائى الطويل الثانى لمخرجه بعد عشر سنوات من فيلمه الأول «إحكام الظلمة» عام ١٩٩٩، وبعد ٢٥ سنة من إخراج فيلمه الأول التسجيلى القصير عام ١٩٨٥، وله من الأفلام التسجيلية ثلاثة قصيرة واثنان طويلان أخرجها قبل أن يبدأ إخراج الأفلام الروائية، وخبرة ربع القرن فى السينما والحياة واضحة تماماً فى فيلمه الجديد، كما يفسر الفيلم لماذا لم يصنع أى أفلام خلال السنوات العشر الماضية، فهو عمل يحتاج إلى عشر سنوات من التأمل والتفكير والكتابة قبل تصويره.

عنوان الفيلم الحروف الأولى بالإنجليزية من عبارة «مجرد فيل آخر حائر» والمقصود أن الفيل عندما يفقد والديه يصبح حائراً ومضطرباً، وهذا حال الشخصية الرئيسية فى الفيلم، والاسم الذى يختاره لنفسه عندما يعرف هذه المعلومة من مدرب الأفيال فى السيرك، فبطلنا من دون اسم حقيقى، ويطلق عليه كل من يريد اسماً مختلفاً، وهو صامت طوال الفيلم (ثلاث ساعات إلا سبع دقائق) من سن السابعة إلى سن السابعة والعشرين، عبر ثلاث مراحل يؤدى كلاً منها ممثل مختلف.

مدة عرض الفيلم ترتبط درامياً بالشكل الملحمى، الذى اختاره مبدعه، والذى يرتبط بالمساحة الزمنية الطويلة والأماكن المتعددة، فلا توجد دقيقة زائدة أو ناقصة، ومن المعروف أن أشهر وأعظم الملاحم فى تاريخ الأدب العالمى الملاحم اليونانية القديمة، خاصة «الإلياذة» و«الأوديسة» لشاعر اليونان الأكبر هوميروس، ولعل «جيسى» أول فيلم فى تاريخ السينما اليونانية يأخذ شكل الملحمة، وقد درس كراما جيوليوس الأدب قبل أن يدرس السينما، وأثبت أنه حفيد هوميروس حقاً.

هذه ملحمة جديدة من اليونان فى عصرنا منذ سقوط جدار برلين عام ١٩٨٩، ورؤية ثاقبة ومدهشة عما جرى ويجرى فى العالم منذ ذلك الحين فى العقدين الماضيين تجمع بعبقرية بين الواقع التاريخى والمطلق الميتافيزيقى على حد تعبير سارتر دون التطرق إلى الأحداث السياسية من قريب أو بعيد، وإنما بالتعبير عن إطلاق العنان للجانب الآخر من الإنسان فى أسفل سافلين، كما تمثل فى حرب البلقان من خلال حياة طفل ألبانى من أصل يونانى تقتل والدته وهى ترضعه على يد أخيها، لأنها حملت من زوج شقيقتها سفاحاً، ويشاهد والده لأول مرة وهو فى السابعة، وفى اليوم نفسه يلقى الوالد مصرعه أمام عينى ابنه على أيدى عصابة من عصابات الاتجار بالبشر، حيث أصبح كل شىء للبيع.

وقبل أن يموت الأب يوصى ابنه بألا يتكلم، فيصمت طوال حياته، ويحاول الهرب من العصابة، لكن دون جدوى حتى يلقى مصرعه بدوره، إنه «أوليس» معاصر ولكن من دون بطولة، ومن دون حبيبة تنتظره، ويأخذ أسلوب الإخراج كل عناصر الملحمة بالمعنى الذهبى، ويجعل الفيلم علامة من علامات ما بعد الحداثة فى السينما بكل معنى العبارة.

 

تحفة المهرجان من دون عنوان

بقلم   سمير فريد

١٠/ ١١/ ٢٠١١

شهدت مسابقة سالونيك عرض الفيلم الأمريكى «من دون» with out إخراج مارك جاكسون، وجاء الفيلم من روائع فن السينما رغم أنه أول أفلام مخرجه، فلم يخرج من قبل أى أفلام قصيرة أو طويلة، هذا هو اكتشاف دوره هذا العام من المهرجان الذى يخصص مسابقته للأفلام الطويلة الأولى أو الثانية لمخرجيها، ورغم أنه يعرض فى منتصف المهرجان الذى تعلن جوائزه، بعد غد السبت، إلا أنه من الصعب وجود فيلم آخر يصل إلى نفس المستوى من الاكتمال الذى يفرض وجوده فى عالم الإبداع الفنى.

العنوان يعنى بالعربية حرفياً «من دون» لكن الكلمة بالإنجليزية لها ظلال كثيرة، وبعد مشاهدة الفيلم يمكن أن تصبح من دون عنوان، أو من دون معنى، أو حتى خواء. مارك جاكسون مؤلف سينمائى بكل معنى هذه العبارة، ليس فقط لأنه كاتب السيناريو والمونتير والمخرج فى آن واحد، ولكن لأسلوبه السينمائى الخالص والخاص، الذى لا شبيه له، ولرؤيته الإنسانية العميقة التى يعبر عنها على نحو يذكرنا بمسرحيات بيكيت وروايات سارتر.

الفيلم كلاسيكى من حيث محافظته على الوحدات الأرسطية الثلاث (الزمان والمكان والموضوع)، ومن حيث تكوينات كادراته التى تراعى الاتساق والاتزان ومصادر الصفوة الطبيعية، وتبدو مثل لوحات عظماء الرسامين الكلاسيكيين، وقد برع فى تصويره مبدعان حقيقيان هما جيسكا ديموك وديجو جارسيا، اللذان سيكون لهما شأن كبير فى مستقبل السينما مع المخرج المؤلف وممثلة الدور الرئيسى جوسلين جينسين.

تدور أغلب «أحداث» الفيلم، والكلمة بين قوسين عن عمد لأنه لا توجد أحداث بالمعنى الدرامى التقليدى، داخل منزل أنيق فى واشنطن اليوم تتوفر فيه كل الاحتياجات المادية العصرية، فالموضوع ليس البؤس المادى، وإنما البؤس الروحى وبؤس الوجود الإنسانى، ودعوة للتأمل الفلسفى والاستمتاع بجمال فن السينما من دون أحكام مسبقة من أى نوع، وذلك من خلال العلاقة بين «جوسلين»، وهى طالبة لم تبلغ العشرين، و«فرانك» الذى تجاوز الثمانين ويعيش على كرسى متحرك ولا يستطيع الكلام، وربما لا يسمع أيضاً. تأتى «جوسلين» فى الإجازة من الدراسة لترعى الرجل مقابل أجر فى غياب ابنته الوحيدة وزوجها وطفليها عندما يقومون برحلة لعدة أيام، وفى هذه الأيام تبدو «جوسلين» الشابة وحيدة مثل فرانك الهرم، بل وعاجزة مثله، فهما لا يتحاوران وإنما يعيش كل منهما فى مونولوجه الذاتى، وفى عالم منفصل تماماً، والاتصال الوحيد بينهما يتم عبر اللمس عندما تنظف جسده، وأنت لا تحب أياً منهما ولا تكرهه، وإنما تتأمل هذه الحالة وتلك فى لقطات متوسطة عقلية باردة، واجتماع الحالتين معاً، وتسأل عن معنى الشباب والكهولة، والقوة والضعف.

وكل شخصيات الفيلم الثانوية تخدم درامياً شخصيتى «جوسلين» و«فرانك»، ويبدو نقاء أسلوب الفنان فى التعبير عن شبحية هذه الشخصيات، وتفاهتها المطلقة، فى زوايا تصويرها حيث لا نكاد نراها، وإنما نسمع حوارها، وندرك مدى شخصيتها فى رد فعل «جوسلين»، من حوار لاعب كرة القدم، ضخم الجثة محدود التفكير، إلى حوار الابنة وزوجها عندما يعودان من الإجازة فى نهاية الفيلم ويلومان «جوسلين» على طريقة استخدام التليفزيون وأدوات المطبخ. إنه حقاً فيلم - تحفة.

 

المنزل - النار – الطوفان

بقلم   سمير فريد

٩/ ١١/ ٢٠١١

فى أوروبا أكبر ثلاثة مهرجانات دولية للسينما (برلين ألمانيا فى فبراير، وكان فرنسا فى مايو، وفينسيا إيطاليا فى سبتمبر) وفى أوروبا أيضاً أكبر ثلاثة مهرجانات تخصص مسابقاتها للأفلام الطويلة الأولى أو الثانية لمخرجيها (روتردام هولندا فى يناير، ولوكارنو سويسرا فى أغسطس، وسالونيك اليونان فى نوفمبر)، وبالطبع فالارتباط وثيق بين حجم صناعات السينما وحجم المهرجانات فى كل من الدول الست.

وتتميز مسابقات المخرجين الجدد بأنك تذهب إلى دار العرض لتتعرف على مخرج جديد، وتقدر إلى أى مدى هو جديد حقاً، وموهوب حقاً، بينما تذهب لمشاهدة فيلم من لارس فون ترير لترى صورة جديدة من عالمه، وليس لمعرفة موهبته وقدرته على التجديد. ويتوقف نجاح أى دورة من دورات مهرجانات مسابقات المخرجين الجدد على كمية ونوعية اكتشافاته فى حالة عرضه لأول مرة أو فوزه بإحدى الجوائز.

وقد اكتشف «سالونيك» عبر تاريخه الطويل، خاصة فى فترة إدارة الناقد اليونانى الكبير ميشيل ديموبولوس الذى وضعه على خريطة المهرجانات الأوروبية المهمة، العديد من المخرجين الذين أصبحوا من كبار مخرجى العالم مثل الأمريكى جارموش والتايلاندى وايرا ستاكول وغيرهما. والآن يتولى إدارة المهرجان ناقد يونانى كبير آخر هو ديمترى إيبديس الذى أسس البرنامج الموازى «آفاق مفتوحة» فى المهرجان وأداره نحو عقدين من الزمان، ومن بين أفلام مسابقة ٢٠١١ الـ١٥ هناك ١٢ فيلماً أُول، وثلاثة أفلام هى الثانية لمخرجيها «اليونانيان بانايوتيس ومينيلوس والسلوفاكية سوزانا ليوخا».

فى أيامه الأولى لم يقدم المهرجان الفيلم الذى يكشف عن مولد فنان كبير. الفيلم السلوفاكى «المنزل» إخراج سوزانا ليوخا فيلم تليفزيونى صغير وميلودراما من الدرجة الثالثة وبلا أسلوب عن الحياة فى قرية جبلية فقيرة وأب لبنتين، لا يمكن تصديقه درامياً حتى لو وجد فى الواقع من شدة قسوته، والفيلم الإسرائيلى «الطوفان» إخراج جى ناتيف محاولة فاشلة للتعبير عن طوفان نوح من خلال دراما عصرية عن أن فاشلاً وزوجة خائنة لهما ولدان الأول عبقرى فى الثالثة عشرة من عمره والثانى متخلف عقلياً فى السابعة عشرة، ويفتقر بدوره إلى الأسلوب حتى بدا وكأن لكل مشهد مخرجاً مختلفاً ومصوراً مختلفاً، ولم ينقذ الفيلم الأداء المتميز للممثلة روتيت الكابيتز، فالأداء لشخصية درامية، وليس فى المطلق.

أما الفيلم الألمانى «النار» إخراج بيرجيت ماريا بيرتيلى ففيه أسلوب سينمائى متماسك وأداء مدهش للشخصية المحورية جوديت من الممثلة مايا شوينى، ولكنه فيلم نسائى فج عن النساء كضحايا والرجال كجلادين يبدأ باغتصاب جوديت على نحو وحشى يدمرها تدميراً شاملاً، خاصة عندما تفشل حتى فى إثبات أنها اغتصبت ويطبق عليها قانون من العصور الوسطى يسمى «لوم الضحية»، ولا تملك جوديت فى النهاية إلا دفع المجرم إلى قتلها حتى يحاكم ويعاقب، ولكنها تنجو من الموت، ويخبرها محاميها بأنه سوف يبلغ النائب العام.

 

«على الحافة» أحسن فيلم عربى ٢٠١١

بقلم   سمير فريد

٨/ ١١/ ٢٠١١

بعد مشاهدة أغلب الأفلام العربية هذا العام، يمكننى القول إن أحسن فيلم فى رأيى طبعاً هو الفيلم المغربى «على الحافة»، إخراج ليلى كيلانى، الذى عرض لأول مرة فى برنامج «نصف شهر المخرجين» فى مهرجان «كان»، وفى مهرجان أبوظبى، والآن فى مهرجان سالونيك، ولا أدرى لماذا يعرض خارج المسابقة فى مهرجان اليونان الدولى، خاصة أن فى مسابقته العديد من الأفلام التى سبق عرضها فى مهرجانات أخرى.

وقد فاتنى عرض الفيلم فى مهرجان «كان» حيث غادرت قاعة «أركادى» بعد دقائق من بداية العرض لعدم وجود ترجمة إنجليزية، ولصعوبة فهم اللهجة المغربية الدارجة، وشاهدته لأول مرة فى مهرجان أبوظبى، واستمتعت بمشاهدته للمرة الثانية فى سالونيك. إنه فيلم كبير لمخرجة سينمائية موهوبة تساهم بقوة فى نهضة السينما المغربية التى تعتبر ظاهرة العام فى السينما العربية، بل وأهم ظاهرة سينمائية عربية فى السنوات العشر الماضية، وكان لى شرف رئاسة لجنة تحكيم المهرجان الوطنى المغربى عام ٢٠٠٩، حيث فازت ليلى كيلانى بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن فيلمها التسجيلى الطويل «أماكن ممنوعة» و«على الحافة» أول أفلامها الروائية الطويلة.

فى كلا الفيلمين يبدو بوضوح وببراعة فنية فى الوقت نفسه أن هموم الوطن الاجتماعية والسياسية هى الشغل الشاغل للفنانة مؤلفة السينما بامتياز، وبينما عبرت فى «أماكن ممنوعة» عن قضية الاعتقال السياسى، التى طوى الملك محمد السادس صفحتها، تعبر فى «على الحافة» فى الصفحة التى لم تطو بعد، وهى بؤس الغالبية من الشباب حتى من ينتمون إلى الطبقة العاملة، فما بالك بالعاطلين. وتعبر «كيلانى» عن هذا الموضوع من خلال بديعة «صوفيا عصامى» العاملة فى مصنع لإعداد الجمبرى فى طنجة، التى تمارس الدعارة والسرقة مع زميلتها إيمان «منى باحامد» فى الليل، وتنضم إليها أسماء «نزهة عقل» ونوال «سارة يتيونى» من فتيات الطبقة الوسطى اللواتى يعملن فى المنطقة الحرة.

يبدأ الفيلم بالقبض على «العصابة» قبل العناوين، وبعدها نرى الظروف التى دفعت بأعضائها إلى الإجرام، والعالم السفلى لمدينة طنجة فى الليل، التى لا نراها فى منظر عام إلا فى منتصف الفيلم. أكاديمياً يصنف «أماكن ممنوعة» تسجيلياً، ويصنف «على الحافة» روائياً، ولكن كلاهما يستخدم ما اعتدنا اعتباره تسجيلياً أو روائياً، على طريقة الأخوين داردينى، وبأصالة مغربية خالصة، ولذلك تختار «كيلانى» أربع ممثلات غير محترفات تبرز بينهن بقوة صوفيا عصامى المدهشة إلى حد الإبهار بفضل إدارة المخرجة، خاصة وهى تفرك جسدها فى الحمام لتزيل آثار رائحة الجمبرى، أو آثار البؤس الذى تعيش فيه.

ومثل أسلوب الأخوين «داردينى» أيضاً يقوم أسلوب «كيلانى» على اللقطات الطويلة جداً، التى توحى بالتلقائية والتدفق، والأحجام الكبيرة جداً للوجوه التى تتوغل داخل الشخصيات. والحجم الكبير «الكلوز أب» هو عبقرية اللغة السينمائية، وربما يأخذ البعض على «كيلانى» أن الرجال فى الفيلم أشباح فى الخلفية، ولا دور لهم فى حياة شخصياتها النسائية، سواء بالسلب أم الإيجاب، مما يضع الفيلم فى زاوية نسائية ضيقة، غير أننى أرى هذا تأكيداً على مدى أصالة الفنانة، فهى بنفس القدر امرأة، ومغربية، وسينمائية، وحداثية، ومناضلة شجاعة من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية.

 

الاحتفال باليوبيل الذهبى لفيلم «الكترا» كاكويانس

بقلم   سمير فريد

٦/ ١١/ ٢٠١١

لا يصبح أى مهرجان للسينما حدثاً ثقافياً بالأفلام الجديدة داخل وخارج المسابقة فقط، وإنما بالبرامج الخاصة والمطبوعات والمعارض وحلقات البحث وورش العمل، والبرامج الخاصة فى الدورة الـ٥٢ لمهرجان سالونيك الذى افتتح، أمس الأول، أولها عن السينما اليونانية، ويتضمن ٩ أفلام من إنتاج هذا العام (٥ إنتاج يونانى و٢ إنتاج مشترك و٢ عرض خاص) إلى جانب نسخة جديدة مرممة من فيلم «الكترا» إخراج فنان السينما اليونانى العالمى الكبير مايكل كاكويانس بمناسبة اليوبيل الذهبى للفيلم العام القادم.

وتحت عنوان «سينما الشباب» برنامجان للأفلام القصيرة، وتحت عنوان «المكتب التجريبى» فيلمان، وبحكم موقع اليونان ينظم المهرجان كل سنة «بانوراما البلقان» (٩ أفلام طويلة وبرنامج أفلام قصيرة) تضيف إلى الدول المشاركة ثلاث (بلغاريا ورومانيا وصربيا)، وبها يصبح مجموع الدول المشاركة فى كل الأقسام ٣٨ دولة.

وهناك ٦ برامج تاريخية تكريماً لـ٦ مخرجين هم اليونانى جياناريس (٥ أفلام طويلة و١٠ متوسطة الطول وبرنامجان للأفلام القصيرة)، والإيطالى سورينتينو (٥ أفلام طويلة و٤ قصيرة)، والتركى أردين كيرال (٩ أفلام طويلة)، والدنماركى أولى كرستيان مادسين (٧ أفلام طويلة)، والأمريكية سارة دريفر (٦ أفلام طويلة)، والنمساوى أولريش سيدل (٩ أفلام طويلة).

إلى جانب البرنامج والكتالوج يصدر المهرجان ٦ كتب عن المكرمين الـ٦ باليونانية والإنجليزية حسب تقاليده الراسخة، وينظم ثلاثة معارض للفوتوغرافيا: معرض المصور اليونانى سبيروس ستافيريس، ومعرض المصور الألمانى رايز سيمون فى معهد جوته، والثالث لطلبة الفنون فى سالونيك مع المركز الثقافى الفرنسى.

وينظم المهرجان مائدة مستديرة عن صناعات سينما صغيرة فرضت وجودها على الساحة الدولية فى السنوات الأخيرة، وهى رومانيا التى فازت بالسعفة الذهبية فى مهرجان كان، وإسرائيل التى فازت بالأسد الذهبى فى مهرجان فينسيا، واليونان التى عادت للاشتراك بقوة فى المهرجانين المذكورين، وهناك ندوات خاصة موسعة مع المكرمين ماعدا سورينتينون الذى اعتذر عن عدم الحضور لأسباب خاصة، وندوة خاصة موسعة مع إلكسندر باينى مخرج فيلم الافتتاح الأمريكى «الأحفاد».

وندوة النمساوى المكرم سيدل تقام على شكل ورشة عمل مع طلاب السينما والفنون فى المدينة.

 

افتتاح سالونيك الـ٥٢ فيلمان عربيان خارج المسابقة

بقلم   سمير فريد

٥/ ١١/ ٢٠١١

رغم الأزمة الاقتصادية السياسية الخانقة فى اليونان، افتتح أمس، أكبر مهرجاناتها السينمائية وأعرقها، الذى يقام فى سالونيك، أو العاصمة الثقافية، كما كانت الإسكندرية فى الزمان الغابر، الذى يعرض حوالى ١٥٠ فيلماً طويلاً، و٥٠ فيلماً قصيراً فى أيامه العشرة التى تنتهى فى ١٣ نوفمبر.

يصنف «سالونيك» ضمن أهم عشرة مهرجانات دولية للسينما فى أوروبا، وهى القائمة التى تبدأ بمهرجان كان فى فرنسا، وفينسيا فى إيطاليا، وبرلين فى ألمانيا، ويخصص سالونيك مسابقته للأفلام الطويلة الأولى أو الثانية لمخرجيها، ومن المؤسف حقاً عدم عرض فيلم من مصر فى الدورة الـ٥٢ للمهرجان هذا العام، رغم أن اليونان أقرب بلدان أوروبا إلى مصر على مختلف المستويات، وأتمنى، ويشاركنى كثر فى ذلك، أن يعتبر المركز القومى للسينما المشاركة فى سالونيك من أهدافه السنوية الثابتة.

فيلما الافتتاح والختام خارج المسابقة من الولايات المتحدة الأمريكية، ففى الافتتاح «الأحفاد»، إخراج إلكسندر باينى، الذى عرض لأول مرة فى مهرجان تورونتو، والمرشح بقوة للأوسكار، وفى الختام «مارتا مارلى ماى مارلين»، إخراج شون دوركين، الذى عرض لأول مرة فى مهرجان صاندانس، وفاز بجائزة أحسن إخراج، وفى المسابقة ١٥ فيلماً من ١٣ دولة، حيث يعرض فيلمان من اليونان والجمهورية التشيكية، وفيلم واحد من كل من الولايات المتحدة وكندا من أمريكا الشمالية، والمكسيك وكولومبيا من أمريكا اللاتينية، وتركيا وإسرائيل من آسيا، وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا وسلوفاكيا من أوروبا، مع غياب لافت للسينما الإيطالية.

وتتكون لجنة التحكيم برئاسة الباحث الأمريكى لورانس كارديش، وعضوية المنتج الأمريكى هيسامى كورويا، والخبيرين ستوريا أليفا من روسيا وفردريك بوير من فرنسا، والمخرج اليونانى الكبير كونستنتين جياناريس، وتتنافس الأفلام المتسابقة للفوز بثلاث جوائز: الإسكندر الذهبى لأحسن فيلم «٢٠ ألف يورو مناصفة بين المنتج والمخرج»، والإسكندر الفضى لأحسن فيلم «١٠ آلاف يورو مناصفة بين المنتج والمخرج»، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة «٥ آلاف يورو للمخرج».

وفى برنامج «آفاق مفتوحة» خارج المسابقة ٥٣ فيلماً تضيف إلى مصادر الأفلام ٢٢ دولة من كل قارات العالم، ومنها فيلمان من العالم العربى، اللبنانى «طيب، خلص، ياللا» إخراج رانيا عطية ودانييل جارسيا، والمغربى «على الحافة» إخراج نادية كيلانى، الذى عرض لأول مرة فى برنامج «نصف شهر المخرجين» فى مهرجان كان، ومن روائع ٢٠١١ البلجيكى «الصبى ذو الدراجة» إخراج الأخوين داردينى، والروسى «إيلينا» إخراج أندريه زفياجينتسين، والفرنسى «دجاج بالبرقوق» إخراج ساترابى وبارونو.

 

عن الدين والسياسة والعدو

بقلم   سمير فريد

٣/ ١١/ ٢٠١١

إذا صح ما نشر عن أن هناك مسجداً لكل ١٩ ألف مسلم فى مصر، وكنيسة لكل ١٦ ألف مسيحى، فهذا يعنى أننا أكبر بلد متدين فى العالم، وخاصة إذا أضفنا أن هناك معبداً يهودياً لكل يهودى.

ومعنى هذا أيضاً أننا لسنا فى حاجة إلى بناء المزيد من المساجد والكنائس، وغنى عن القول أننا فى حاجة إلى بناء المزيد من المساكن والمدارس والجامعات والمستشفيات والمحاكم وأقسام الشرطة والطرق وغيرها من مؤسسات المجتمع التى توفر لأفراده حياة أفضل.

ومعنى هذا ثالثاً أن حلقة الذكر التى دعى إليها الشعب المصرى منذ ثلاثين سنة لا ضرورة لها لأننا نذكر الله منذ خمسة آلاف سنة قبل الأديان الثلاثة وبعدها، ونعتبر بناء الحضارة والبحث عن حياة أفضل أعظم أسلوب لذكر الخالق عز وجل.

وثورة ٢٥ يناير مثل كل الثورات الشعبية هدفها حياة أفضل، والطريق إلى تحقيق هذا الهدف فى عصرنا محدد وواضح ولا يقبل الجدل، وهو أن يكون الدين لله والوطن للجميع، وكل ما تقوم به الثورة المضادة منذ ١٢ فبراير لوضع مصر على طريق آخر يبعدها عن ذلك الهدف بوضع هدف آخر غير حقيقى، وهو - على حد تعبير طارق البشرى - «استكمال إسلام مصر» الذى نعترض على أنه إسلام ناقص، وما هو بناقص، وإنما ينقصنا كل شىء ماعدا الدين.

ومن الافتراضات الخاطئة كذلك، والتى أصبحت من المسلمات عند عامة الناس أن ما يحول دون تقدمنا إسرائيل وأمريكا والغرب عموماً، وأن هذا الغرب هو عدو المصريين والعرب بل كل المسلمين، وقد أذهلتنى ذات يوم إجابة أحد ساكنى القبور فى القاهرة عن سؤال: ما الذى جعلك تسكن المقابر؟ فقال أمريكا وإسرائيل، فهو لا يدرك أنه فى مصر الجديدة وليس فى فلسطين المحتلة أو على بعد عشر ساعات بالطائرة، لقد قام النظام الذى قامت الثورة ضده بدعوة الشعب إلى حلقة الذكر إياها لتكون له الحياة الآخرة، ويكون للطبقة صاحبة ذلك النظام الحياة الدنيا، والحياة الآخرة فى علم الله وحده، والحياة الدنيا فى علمنا وحدنا بأمره.

المصريون والعرب والمسلمون لا يشغلون الغرب ولا الشرق، وإنما ينشغل الجميع بمصالحه، ولا تستطيع أى قوة فى العالم أن تمنع أى شعب فى العالم - حتى لو أرادت - من التقدم والحياة فى ظل قوانين تحقق العدل.. وحتى لو كان من مصلحة هذا الطرف أو ذاك أن تظل فى تخلفك، فإنه لا يحقق غرضه إلا عندما تتاح له الفرصة بواسطة العدو الحقيقى فى الداخل.. مصر قوية بشعبها ومواردها الوفيرة، وما تحتاج إليه هو استكمال قوتها بدستور عصرى يحترمه الجميع لتعود إلى صنع الحضارة كما فعلت طوال تاريخها.

 

تحطيم الجندى المجهول فى «غزة حماس».. لأن التماثيل حرام!

بقلم   سمير فريد

٢/ ١١/ ٢٠١١

شاهدت فى مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة فى مهرجان أبوظبى الشهر الماضى الفيلم النرويجى «يوميات»، إخراج مى عودة، والذى يعلن مولد مخرجة فلسطينية جديدة تنضم بجدارة إلى مجموعة المخرجات العربيات المتميزات اللواتى ظهرن فى السنوات العشر الماضية، ويساهمن بقوة فى تطور السينما العربية، بل فى وضعها على خريطة السينما فى العالم.

الفيلم عن رحلة قامت بها المخرجة إلى غزة فى ظل حكم حماس، وعن معاناة النساء فى ظل هذا الحكم الدينى البغيض، من خلال ثلاث شخصيات نسائية مختلفة، ومن بين أهم لقطات هذا الفيلم لقطة تروع كل من يهمه مستقبل الشعب الفلسطينى وكل الشعوب فى هذه المنطقة من العالم، تصور تحطيم نصب الجندى المجهول على أساس الخرافة القائلة بتحريم التماثيل فى الديانة الإسلامية.

وأثناء مهرجان أبوظبى جاء من مصر الخبر الفاجع عن تحطيم تمثال من الآثار المصرية القديمة فى مدينة المنصورة، وذلك بعد أسابيع من مطالبة أحد قادة الجماعات المسماة سلفية، والسلف الصالح منها براء، بضرورة إخفاء هذه التماثيل بطبقة من الشمع، وهى فكرة حمقاء أخرى من شأنها أن تجعل مصر مثار سخرية الدنيا كلها، مصر التى شهدت بداية فن النحت، ويرى البعض أنها شهدت نهاية ذلك الفن أيضاً، بمعنى أنه وصل إلى ذروة ودرجة من الاكتمال لم يتجاوزها أحد حتى الآن.

أطالب المجلس العسكرى الحاكم بإصدار مرسوم بقانون يقضى بعقوبة السجن المؤبد على كل من يحطم تمثالاً فى مصر، أو يحطم جزءاً منه، عامداً، وذلك كإجراء للدفاع عن الثقافة المصرية باعتبار التماثيل جزءاً من هذه الثقافة، فقد كان الناس فى شبه الجزيرة العربية يعبدون التماثيل ويسجدون لها، فنزل القرآن الكريم يحرم عبادتها فى هذا المكان وفى كل مكان، ولم يعبد المصريون التماثيل فى كل وقت من تاريخهم الطويل، وقال مفتى مصر الشيخ محمد عبده عام ١٩٠٤ إن المحرم هو عبادة التماثيل وليس التماثيل ذاتها، وبناء على فتواه أنشئت كلية الفنون الجميلة للرسم والنحت والعمارة والتصميم. فما ذنب مصر إذا كان جيرانها فى شبه الجزيرة العربية يعبدون التماثيل، ولا يزالون يحرمونها، ولماذا لا يزالون يحرمونها بعد ألف وأربعمائة سنة من نزول القرآن الكريم إلا إذا كانوا يخشون الفتنة والعودة إلى عبادتها؟!

المصريون المسلمون مسلمون منذ بداية الدعوة الإسلامية، وقد أصبح الإسلام المكون الرئيسى لثقافتهم، واللغة العربية لغتهم، ولكن الإسلام لم يحضهم على إنكار ثقافتهم الخاصة، أو استبدالها بثقافة عرب شبه الجزيرة، وإلا يكون فى هذه الحالة ديناً للعرب وحدهم، وليس لكل الناس.

 

آخر موسوعى فى القرن العشرين

بقلم   سمير فريد

١/ ١١/ ٢٠١١

تألمت لوجودى خارج مصر وعدم تمكنى من المشاركة فى وداع أنيس منصور، لقد فقدت مصر فى أكتوبر الفنان الممثل عمر الحريرى، والفنانة المغنية فايدة كامل، ودعك من السياسية نائبة البرلمان، وفنان الكاريكاتير المبدع حجازى، والشاعر والمترجم الكبير يسرى خميس، الذى عرفته عن قرب وشقيقه شوقى خميس، وكلاهما من نبلاء الأدب فى مصر، كما فقدت مصر أنيس منصور، وهو آخر مفكر موسوعى مصرى فى القرن العشرين، ومن أواخرهم فى كل العالم.

قل فى الدنيا الآن ذلك النمط من الكتاب المفكرين الموسوعيين، أى الذين يتنقلون بسهولة بين الأدب والفلسفة، والفنون والسياسة، وأدب الرحلات والترجمة من عدة لغات، وبين الثقافة بأشمل وأصعب معانيها وبين الصحافة التى تخاطب الملايين من مختلف المستويات. لقد جعل أنيس منصور الفلسفة فى متناول عموم القراء، وجعلهم يعرفون معنى الفلسفة، وكان ليبرالياً فى السياسة، وضد الديكتاتورية بكل أشكالها، ولا يؤمن بالحرب كوسيلة لحل المنازعات، وكان من المنطقى ـ وهذا موقفه ـ أن يكون عدواً لمن يؤمنون بالحرب كوسيلة وحيدة، والديكتاتورية كنظام وحيد. والعلاقة بينه وبين الرئيس السادات كانت نتيجة إعجاب السادات بكتاباته وتعلمه منها، والمؤكد يقيناً أنه لم يستغل هذه العلاقة فى طلب مال أو منصب، وكان يعتبر كونه كاتباً أكبر من كل المناصب وأغلى من كل الأموال.

لم تربطنى به صداقة ولا علاقة عمل، ولكنى مدين له على الصعيد الشخصى بمقال نشره فى «الأخبار» عن أول كتاب أصدرته عام ١٩٦٦، وكانت كلماته تشجيعاً لى على السير فى الطريق الذى وضعته لنفسى. وأجيال عديدة فى مصر تعلمت من أنيس منصور، الذى كان الأول على قسم الفلسفة بامتياز، وتعلم على يد عمالقة مثل عبدالرحمن بدوى، وربما كان الوحيد الذى جمع بين سلالة العقاد وسلاسة طه حسين.

قال لى الصديق نور الدين صايل، الذى يرأس المركز القومى للسينما فى المغرب، إنه مدين لى لأننى أهديته عند أولى زياراته للقاهرة منذ ثلاثين سنة كتاب أنيس منصور «فى صالون العقاد»، قال صايل إنه عرف من هذا الكتاب عن مصر والثقافة المصرية أكثر من أى كتاب آخر. والحوار بين طه حسين وأنيس منصور فى برنامج ليلى رستم الشهير يبرز بوضوح كم كان عميد الأدب العربى يحب أنيس منصور وقد ورث أنيس عن العقاد أمرين عظيمين هما: الإيمان بالحرية، وعشق القراءة.

كان الراحل الكبير يقرأ كتاباً كل يوم، وأحياناً كتابين وبخمس لغات مختلفة. ولاشك أن مكتبته ثروة قومية يجب أن تحفظ للأجيال القادمة. إنه، بتعبير كامل زهيرى، قارئ محترف وكاتب هاوٍ رحمهما الله بقدر ما قدما لبلادهما والإنسانية

تألمت لوجودى خارج مصر وعدم تمكنى من المشاركة فى وداع أنيس منصور، لقد فقدت مصر فى أكتوبر الفنان الممثل عمر الحريرى، والفنانة المغنية فايدة كامل، ودعك من السياسية نائبة البرلمان، وفنان الكاريكاتير المبدع حجازى، والشاعر والمترجم الكبير يسرى خميس، الذى عرفته عن قرب وشقيقه شوقى خميس، وكلاهما من نبلاء الأدب فى مصر، كما فقدت مصر أنيس منصور، وهو آخر مفكر موسوعى مصرى فى القرن العشرين، ومن أواخرهم فى كل العالم.

قل فى الدنيا الآن ذلك النمط من الكتاب المفكرين الموسوعيين، أى الذين يتنقلون بسهولة بين الأدب والفلسفة، والفنون والسياسة، وأدب الرحلات والترجمة من عدة لغات، وبين الثقافة بأشمل وأصعب معانيها وبين الصحافة التى تخاطب الملايين من مختلف المستويات. لقد جعل أنيس منصور الفلسفة فى متناول عموم القراء، وجعلهم يعرفون معنى الفلسفة، وكان ليبرالياً فى السياسة، وضد الديكتاتورية بكل أشكالها، ولا يؤمن بالحرب كوسيلة لحل المنازعات، وكان من المنطقى ـ وهذا موقفه ـ أن يكون عدواً لمن يؤمنون بالحرب كوسيلة وحيدة، والديكتاتورية كنظام وحيد. والعلاقة بينه وبين الرئيس السادات كانت نتيجة إعجاب السادات بكتاباته وتعلمه منها، والمؤكد يقيناً أنه لم يستغل هذه العلاقة فى طلب مال أو منصب، وكان يعتبر كونه كاتباً أكبر من كل المناصب وأغلى من كل الأموال.

لم تربطنى به صداقة ولا علاقة عمل، ولكنى مدين له على الصعيد الشخصى بمقال نشره فى «الأخبار» عن أول كتاب أصدرته عام ١٩٦٦، وكانت كلماته تشجيعاً لى على السير فى الطريق الذى وضعته لنفسى. وأجيال عديدة فى مصر تعلمت من أنيس منصور، الذى كان الأول على قسم الفلسفة بامتياز، وتعلم على يد عمالقة مثل عبدالرحمن بدوى، وربما كان الوحيد الذى جمع بين سلالة العقاد وسلاسة طه حسين.

قال لى الصديق نور الدين صايل، الذى يرأس المركز القومى للسينما فى المغرب، إنه مدين لى لأننى أهديته عند أولى زياراته للقاهرة منذ ثلاثين سنة كتاب أنيس منصور «فى صالون العقاد»، قال صايل إنه عرف من هذا الكتاب عن مصر والثقافة المصرية أكثر من أى كتاب آخر. والحوار بين طه حسين وأنيس منصور فى برنامج ليلى رستم الشهير يبرز بوضوح كم كان عميد الأدب العربى يحب أنيس منصور وقد ورث أنيس عن العقاد أمرين عظيمين هما: الإيمان بالحرية، وعشق القراءة. كان الراحل الكبير يقرأ كتاباً كل يوم، وأحياناً كتابين وبخمس لغات مختلفة. ولاشك أن مكتبته ثروة قومية يجب أن تحفظ للأجيال القادمة. إنه، بتعبير كامل زهيرى، قارئ محترف وكاتب هاوٍ رحمهما الله بقدر ما قدما لبلادهما والإنسانية

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

01/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)