حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نبيلة عبيد:

علاقتي بحبيب العادلي إشاعة أطلقتها مريم فخر الدين

كتب: القاهرة – هيثم عسران

حيكت حولها اتهامات بأنها كانت على علاقة بالنظام السابق، وتردّد أنها تستعدّ لتجسيد شخصية سوزان مبارك في مسلسل تلفزيوني، وغيرهما من الأقاويل التي انتشرت منذ اندلاع ثورة 25 يناير ساهم في تأجيجها صمت الفنانة نبيلة عبيد المطبق حولها وعدم تسجيل أي موقف لها من الثورة سواء خلالها أو بعدها…
حول هذه الإشاعات واحتجابها عن الساحة الفنية وتقييمها لما يحدث في مصر اليوم كانت الدردشة التالية معها.  

·         تردّد أنك تستعدّين لتجسيد شخصية سوزان مبارك، ما صحة ذلك؟

لا أعرف سوى أن ثمة مشروعاً درامياً يتناول شخصيات من النظام السابق وأنني رشحت لدور سوزان مبارك، لا توجد خطوات فعلية لخروج المشروع إلى النور ولا أعرف حتى القيمين عليه. باختصار، لم يتعدَّ الأمر كونه ترشيحات قرأتها في الصحافة.

·         ما موقفك من الدور؟

كممثلة لا مانع لدي من أداء أي دور، سواء سوزان مبارك أو غيرها، لكن الأهم هو المصداقية في العمل ورصد الأحداث بواقعية ووفق الفترة التي سيتناولها، فقد كانت الفترة الأولى من حكم الرئيس السابق حسني مبارك قليلة السلبيات ولم يكن لسوزان مبارك أي دور تقريباً على الساحة السياسية، واقتصر نفوذها على العقد الأخير من حكمه، وهو ما يجب رصده على الشاشة في حال تقديم شخصيات من النظام السابق.

·         ما صحة ما يترددمن أن سوزان مبارك كانت تغار منك بسبب نيلك لقب {نجمة مصر الأولى}؟

انتشر هذا الكلام بعد الثورة ولا أعرف مصدره، فقد التقيت سوزان مبارك مرة واحدة في باريس بشكل غير رسمي، إذ صودف وجودي في الفندق نفسه الذي تقيم فيه، وكان لقاء عابراً ولم يدر بيننا أي حديث.

·         ومن أنك على علاقة بوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ؟

(تضحك)، غير صحيح. صدر هذا الكلام على لسان الفنانة مريم فخر الدين، إذ صرّحت بأنني كنت التقي حبيب العادلي في نادي الجزيرة وأرغب في الزواج منه مع أنني لست عضواً في هذا النادي ولم ألتق به على الإطلاق. لا أنكر أنني تضررت من هذا الكلام لأن الصحافة تعاملت مع هذا التصريح باهتمام وضخمته.

·         لماذا تصرفت مريم فخر الدين بهذا الأسلوب في رأيك؟

لا أدري. كانت علاقتي طيبة معها وأتصل بها دائماً للسؤال عنها، فمعروف عني أنني أحترم زملائي الفنانين، لكن يبدو أن علامات التقدم في العمر التي تعاني منها مريم فخر الدين هي السبب في ذلك، بالإضافة إلى استغلال الإعلاميين لهذه الحالة لاستدراجها في الحديث والتفوّه بكلام غير صحيح.

·         هل تحدثت معها في هذا الأمر؟

لا أرغب في التواصل معها أو مع ابنها حتى لا تقول: «خافت  نبيلة عبيد من أن أقول المزيد» أو ما شابه ذلك. نفيت الموضوع وانتهى الأمر بالنسبة إلي.

·         اختفيت خلال الثورة فيما كانت آراء الفنانين المصريين تتباين إزاء الأحداث، فما سر هذا الاختفاء؟

غادرت مصر إلى الولايات المتحدة في 23 يناير لإجراء جراحة في عيني وبقيت فيها لمدة شهر تقريباً، لكني كنت على اتصال دائم مع أصدقائي في مصر لمتابعة الأحداث، وعندما عدت شاركت في الاستفتاء على تعديل الدستور وما زلت أتابع ما يحدث على الساحة بشكل يومي من خلال الإعلام.

·         ما رأيك في ما يحدث في مصر اليوم؟

أنا خائفة على مستقبل البلاد وأتمنى أن نعبر هذه الفترة بسلام، فالصدامات التي تحدث في ميدان التحرير تثير القلق، وأرعبتني الأحداث أمام السفارة الإسرائيلية نظراً إلى قربها من منزلي، إذ خيّل إليّ أن الفوضى باتت خارج السيطرة، خصوصاً مع تراجع الأمن. أرفض تعليق العمل في المصالح وقطع الطرق وإغلاقها، ما يؤثر سلباً على صورة مصر في الخارج وعلى الاقتصاد أيضاً.

·         هل اخترت مرشحك لانتخابات الرئاسة؟

لم أقرر بعد أيا من المرشحين سأمنحه صوتي، لكن مؤكد أنني سأشارك في اقتراع الانتخابات البرلمانية المقبلة كذلك الرئاسية وسأعلن مرشحي للرئاسة بعد طرح البرامج، خصوصاً أن مرشحين كثراً لديهم قدرة على قيادة البلاد.

·         ما سر غيابك عن الشاشة طوال الفترة الماضية؟

لم أجد نصاً يشجعني على العودة إلى السينما أو التلفزيون، ولا يسمح تاريخي الفني بأن أقدم عملاً متواضعاً لتحقيق حضوري على الشاشة فحسب، لذا اكتفي بأفلامي التي تعرض على الشاشة وتحظى بإشادة من الجمهور، فإما أن أعود بعمل يبقى ويليق بتاريخي أو أنتظر، لذا فضلت الانتظار.

·         هل ثمة مشاريع قيد الدرس؟

بالطبع، سنبدأ في غضون أسابيع التحضير لفيلم سينمائي مع المخرج خالد الحجر، وأمامي أكثر من سيناريو لمسلسل درامي لكني لم أستقر على واحد بعد، بالإضافة إلى مشروع درامي مع السيناريست محمد صفاء عامر تدور أحداثه في الصعيد، إلا أنه لم ينته من كتابته ولا أعرف ما إذا كان سيلحق بشهر رمضان المقبل أم لا.

·         ماذا عن مذكراتك التي أعلنت أنك تعتزمين كتابتها؟

ما زال المشروع قائماً، لكنه ينتظر الوقت المناسب لتنفيذه، إذ اتفقت مع الإعلامي محمود سعد منذ عامين تقريباً على كتابتها إلا أن الظروف لم تسمح بذلك، وأجلت الأحداث السياسية المشروع، لكن الخطوة قائمة وسأنفذها لأن حياتي زاخرة بأحداث مهمة تستحق تسجيلها.

الجريدة الكويتية في

29/11/2011

 

النجوم في البرلمان…

تفاعل حقيقيّ مع المواطنين أم استعراض إعلاميّ؟

كتب: هيثم عسران  

في أول انتخابات برلمانية تشهدها مصر بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، تحتدم المنافسة بين الفنانين على مقاعد البرلمان. كيف يقيّم هؤلاء هذه التجربة، وما السر الذي يدفعهم إلى خوضها؟

ترشحت تيسير فهمي على قائمة «الثورة مستمرة» التي تضمّ أحزاباً ثورية نشأت في قلب ميدان التحرير، فيما ترشحت هند عاكف ضمن قائمة «حزب مصر القومي» التي تضم عشرة مرشحين، وتراجعت سميرة أحمد في اللحظة الأخيرة بسبب «مشقات التجربة وصعوبتها» على حدّ تعبيرها.

خاضت سميرة أحمد الانتخابات السابقة على قائمة «حزب الوفد»، لكنها لم توفق بسبب عمليات التزوير التي شابت تلك الانتخابات لصالح مرشحي الحزب الحاكم آنذاك.

تؤكد تيسير فهمي أن قرارها الترشح للانتخابات جاء لرغبتها في خدمة أبناء دائرتها، لا سيما أنها تهتم منذ فترة طويلة بالمشاكل التي يعانيها المصريون سواء كانوا موجودين في مصر أو في الخارج، وهو ما ظهر في أعمالها الفنية التي طرحت مشاكل المجتمع المصري ومشاكل المصريين في الخارج بشكل صريح.
فور صدور قانون الأحزاب أسست فهمي حزباً نال الموافقة بعد استيفاء الشروط، ويضم اليوم أكثر من سبعة آلاف شخص وبات له حضور في الشارع المصري، وقد أدى انشغالها بالسياسة إلى الترشح للانتخابات وتعليق عملها في الفن.

تعزو تيسير ترشحها على قائمة «الثورة مستمرة» إلى إيمانها بأهمية العمل الجماعي في تطوير البلد ودفعه نحو الأفضل، وبضرورة التحالف بين الأحزاب حتى في تشكيل الحكومة البرلمانية المقبلة.

ترشحت فهمي عن دائرة وسط القاهرة كونها تضمّ مناطق شعبية، وهي الفئة التي تدخل حيز اهتمامها نظراً إلى المشاكل الحقيقية التي يعانيها سكان هذه الدائرة وتوافر خطط طموحة لديها لحلها.

فايدة كامل المثال

لم تشارك هند عاكف في أي فعاليات سياسية طوال الفترة الماضية بسبب فساد «الحزب الوطني» الذي حكم في العقود الثلاثة الأخيرة، ولم يكن ثمة مجال لدخول البرلمان، برأيها، إلا بالانضمام إلى هذا الحزب وخوض الانتخابات ضمن مرشحيه.

تضيف عاكف أن الترشح للبرلمان حلم يراودها منذ فترة طويلة وليس وليد الصدفة أو الظروف الحالية، ولطالما طمحت في أن تكون على غرار الفنانة والبرلمانية فايدة كامل التي خاضت الانتخابات البرلمانية وحققت نجاحاً بفضل مصداقيتها وحب أهالي الدائرة لها.

وجدت هند عاكف الوقت مناسباً في مرحلة ما بعد الثورة لتحقيق حلمها بالوصول إلى البرلمان من خلال انتخابات حرة نزيهة، وبعدما شاهدت نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية وإقبال المواطنين على المشاركة فيه، إلا أنها سرعان ما اكتشفت أن الحزب الذي تخوض الانتخابات على قائمته لا يدعمها فعدلت ترشحها ليكون بالنظام الفردي في الدائرة نفسها، لكن المحكمة رفضت طلبها لتجاوز المدة القانونية، مع ذلك أكدت عاكف أنها، في حال نجاحها، ستخدم أهالي دائرتها بعيداً عن الحزب.

وعي سياسي

لا بد من أن يكون للفنانين وعي سياسي لأنهم أولاً وأخيراً جزء من المجتمع المصري، في رأي نبيلة عبيد، إلا أن قلة منهم تتمتع بهذا الوعي لذا لا يترشّح كثر منهم للبرلمان أو يكون لهم دور في الحياة السياسية.
لم تفكر عبيد في الترشح للانتخابات لانشغالها بالأعمال الفنية وعدم قدرتها على التوفيق بين عملها وخدمة المواطنين في البرلمان، مؤكدة أن فكرة ترشح الفنانين للانتخابات ليست للاستعراض الإعلامي كما يعتقد البعض، فثمة نماذج حققت نجاحاً  مثل الفنانة والبرلمانية فايدة كامل.

بدوره، يوضح الفنان عبد العزيز مخيون أن عمل الفنان يفرض عليه الإلمام بما يدور حوله في المجتمع وترجمته في الأعمال التي يقدمها، لذا هو سعيد بالنجوم الذين ترشحوا للانتخابات متمنياً لهم التوفيق في خدمة شعب مصر.

من جهتها، تعرب الكاتبة فتحية العسال (خاضت التجربة قبل سنوات ولم توفق بسبب التزوير) عن سعادتها بانخراط النجوم في السياسة، «وهو ما لمسناه في الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد ومنذ اليوم الأول للثورة، ما يؤكد وعي الفنان بهموم بلده وعدم انفصاله عن مشاكل الناس»، تتمنى العسال أن يوفق الجميع في الانتخابات البرلمانية لما فيه خير البلاد.

الجريدة الكويتية في

29/11/2011

 

بانوراما الفيلم الأوروبي: نقد السلطة الأبوية

رامي عبد الرازق 

يقول احد النقاد الفرنسيين "انه من السهل اسقاط الأراء السياسية على تحليل الافلام ولكن هذا لا يعني اننا قمنا بقرائتها بشكل جيد" أي أن اتخاذ وجهة نظر سياسية اثناء تحليل اي فيلم هو امر هين ولكنه قد لا يكون ذي شأن فيما يخص فنية التحليل وزاوية النقد او القراءة.

ومع كامل احترامنا لهذا الرأي الذي يهدف إلى تعميق الرؤية التحليلية لاي فيلم وتجاوز السياسي/ الظاهري منها إلا أن ثمة أفلام كثيرة تجبرنا لا على اسقاط وجهة نظرنا السياسية فقط ولكن على صعوبة إيجاد مخرج من النظرة السياسية للفيلم والتي عادة ما يصاحبها في البناء الدرامي والفكري الجيد مدلولات اجتماعية وإنسانية تخرج بأفق الفيلم إلى سماء التأويل المفتوح بعيدا عن السقف السياسي القصير او الواضح.

يقول الكاتب الفرنسي جورج سونبرون "الفيلم السياسي هو الفيلم الذي تكون السياسة فيه موجودة كعنصر درامي للفيلم, هي الألم والهاجس والحياة ونزعة الشخصيات، الفيلم السياسي ليس فقط أن نجد أنفسنا في إطار سياسي".

اختيار القائمين على تنظيم الدورة الرابعة لبانوراما الفيلم الاوربي هذا العام لمجموعة من الأفلام ذات البعد أو الطابع او النظرة السياسية سواء المباشرة او غير المباشرة يجبرنا بشكل أو بأخر على اتخاذ موقف تحليلي من وجهة نظر سياسية لهذه الأعمال خاصة أنها تتنوع في شكلها السينمائي ما بين الروائي (السياسي الغير مباشر) والتسجيلي (السياسي شكلا ومضمونا)، وبعضها يمثل إنتاجات جديدة والاخر يعرض تجارب "كلاسيكية" لضيوف الدورة الرابعة، ولكنها لا تخرج عن نفس الاطار الفكري بل و"الأيديولوجي" لتجاربهم الحديثة بل تمثل في مستوى من مستويات التلقي الجذور الحقيقية لأفكارهم ووجهات نظرهم في تجاربهم الحالية.

شهد اليوم الأول للدورة عرض فيلم الافتتاح الفرنسي"رافعو الأيدي" للمخرج" رومان جوبيل وهو من إنتاج 2010 وذلك بحضور المخرج نفسه وتدور احداثه حول تخطيط اربعة اطفال للقيام بحركة احتجاج سلمية من خلال اختفائهم عن ذويهم وذلك لأجبار الحكومة والمجتمع على عدم ترحيل زميلتهم "الشيشانية" من فرنسا.

وفي اليوم التالي عُرض للمخرج فيلمه الأول الذي جاء خليط ما بين الروائي والتسجيلي "الموت في الثلاثين" إنتاج عام 1982 والحائز على جائزة الكاميرا الذهبية بمهرجان "كان"عام 83.

ومشاهدة كلا الفيلمين يعكس وجهة النظر التي اسلفناها من حيث تتبع الاطار الفكري وتطور الموقف الأيديولجي او جذوره لدى المخرج ففيلم "الموت في الثلاثين" يحمل الكثير من البذور الفكرية بل والبصرية والدرامية التي تمكننا من قراءة فيلم "رافعي الأيدي" من وجهة نظر سياسية فيما يخص موقف المثقف من السلطة, وتحديدا المثقف اليساري صاحب التاريخ النضالي القوي أمثال"رومان جوبيل" الذي كان احد زعماء ثورة مايو 68 الشهيرة في فرنسا قبل ان يتحول إلى السينما.

اما اليوم الثاني فقد شهد عرض فيلم "المشاغبون" للمخرج البريطاني بيتر مولان إنتاج 2010 وتدور أحداثه خلال ثلاثة سنوات من حياة مراهق بريطاني في السبعينيات وتحوله من البراءة والذكاء والنجاح إلى العنف والضياع نتيجة فشل مختلف المؤسسات الأجتماعية في حمايته أو تنشئته بشكل سليم.

السلطة الأبوية

من خلال نظرة شاملة لكلا الفيلمين"رافعي الأيدي" و"المشاغبون" نكتشف اننا امام محاولة جادة وعميقة لنقد السلطة الأبوية في المجتمعات الحديثة وذلك من عدة منطلقات اولاها: إدانة هذه السلطة في تعاملها مع الأجيال الجديدة التي ترفض وصايتها العتيقة وقوانينها البالية, وثانيها تشريح اسباب الأدانة من خلال الدفع بعناصر درامية تمثل نماذج حية على فشل السلطة الأبوية في احتواء الأجيال الجديدة وارجاع كل اسباب فشل تلك الأجيال في التخلص من عثرات النمو ومشكلات البحث عن هدف وايجاد وعي حقيقي إلى تلك السلطة بكافة عناصرها.

والمقصود بالسلطة الأبوية هنا المؤسسات المجتمعية التي تبدأ من الأسرة التي هي الخلية الاولية لتشكيل المجتمع وتتسع لتشمل المدرسة ثم الأعلام وأخيرا الحكومة ممثلة في جهاز الشرطة والسياسيين.

"أن نضال الأنسان ضد السلطة هو نضال الذاكرة ضد النسيان"

ميلان كونديرا

الحكي عبر الذاكرة

يحتوي كلا الفيلمين على عناصر سردية تكاد تكون قريبة ولا نقول مشتركة ولكنها جزء من ذلك المضمون السياسي المتعلق بنقد السلطة ومحاكمتها عبر الذاكرة لبيان أنها لم تتغير بمرور الوقت.

يتخذ فيلم"رافعي الأيدي" من شكل الشهادة الحية اطارا سرديا له فالمشهد الأول يخبرنا أننا في عام 2067 وفيه تقف سيدة عجوز لتحكي قصتها التي تدور عام 2009 عندما كانت في العاشرة من عمرها, وهو اسلوب اقرب للريبورتاج المصور او الشهادة التوثيقية التي تتخذ من ذاكرة الشاهد او السارد افقا لحركاتها.

وهنا يطالعنا تساؤل حول اسباب اختيار المخرج لهذا الشكل! بمعنى لماذا فكر في ممارسة السرد عبر ذاكرة امراة عجوز في مشهد يدور في المستقبل؟ ولم يقم بسرد القصة بشكل مباشر! خاصة أنها تقع في السنوات الحاضرة!

والاجابة المفترضة نجدها اولا في الشكل الذي اتخذه"جوبيل"في فيلمه الأول "الموت في الثلاثين" والذي تعامل مع الشهادات الحية لزملاء المرحلة التي يتحدث عنها– مايو68-عبر جلوسهم امام الكاميرا وانسياب الكلمات والصور من ذاكرتهم الخصبة والحية في نفس الوقت.

ولكن لو سلمنا بهذا الشكل من الناحية التسجيلية فلماذا علينا ان نتقبله من الناحية الروائية بعد عشرين عاما في"رافعي الأيدي"؟ إذن المسألة تتجاوز فكرة الولع بالشكل التسجيلي إلى محاولة بث الحياة بهذا الاطار التوثيقي على اعتبار أن الازمة التي يتناولها الفيلم حقيقية وحية مأخوذة من واقع الشخصيات وليس مؤلفة عليه او متخيلة, كما أن ثمة احساس باستمرارية الوضع على مدار سنوات طالما لا تزال الذاكرة تحفظه وتعيد إنتاجه امام الكاميرا.

اما في "المشاغبون" فإن الاحداث لا تروي من خلال ذاكرة شخص معين ولكنها تدور في سبعينيات القرن الماضي وكأنها ذاكرة الراوي العليم أو السارد الدرامي العام الذي يقص حكاية جون المراهق الصغير الذي يجد نفسه ضائعا وسط اجواء مجتمعية تشبه الغابة لا مكان فيها سوى للعنف والدم والندوب والطعنات الطائشة.

وبالرجوع إلى بيوجرافيا المخرج وكاتب السيناريو بيتر مولان نكتشف انه حاول تقديم جزء من ذاكرته الحياتية والمجتمعية عن فترة السبعينيات التي عاش فيها مراهقته وأحتك من خلالها بمختلف مؤسسات السلطة الأبوية وعانى منها تمام مثل جون بطل فيلمه.

كما ان الوقوف- سينمائيا-على لحظة زمنية سابقة تجعل الاحداث اقرب لقراءة الجذور الاجتماعية والسياسية لمجتمع ما, فهؤلاء الشباب والفتية الذين رأيناهم في الفيلم يمثلون طبقات وشرائح المجتمع الحالية بعد أن كبروا وصاروا رجالا ونساءا, اي أن الرجوع بالذكرة السردية إلى مرحلة السبعينيات السابقة يجعلنا امام قراءة حالية وغير مباشرة للواقع الاجتماعي في بريطانيا الأن من خلال التعرف على خلفيات وجذور التنشئة التي خاضها هذا الجيل من الشباب والمراهقين.

العالم الأبوي والنظرة للكبار

تدور أحداث فيلم رافعي الأيدي من خلال ذاكرة العجوز التي كانت عام 2009 فتاة شيشانية تنتمي لعائلة مهاجرة بشكل غير شرعي تحاول أن تكيف أوضاعها الادارية مع حكومة متعسفة وقاسية متمثلة في جهاز الشرطة الذي يبدو هنا قمعيا ونازيا بشكل فاضح يعكس النظرة"الفاشية" التي يكنها صانع الفيلم لجهاز الشرطة منذ أن كان ثوريا عام 68.

يقدم الفيلم وضع الفتاة دراسيا وأجتماعيا بشكل شديد الاتساق مع المجتمع الذي يحتويها إلى درجة عالية على المستوى الأنساني حيث أن لها عصابتها الخاصة التي تسمى نفسها بأسم شيشاني دلالة على أن اللغة وهي وسيلة التواصل الأنساني لا تمثل عائقا كما تحاول الانظمة الأبوية الحاكمة دائما تصويره وكأن من يتحدث لغة أخرى هو غريب.

لا نشعر طوال الاحداث ان الفتاة الشيشانية الصغيرة غريبة عن الوسط الذي تتعامل معه خاصة عندما تقترح أحد امهات اصدقائها أن تنضم إلى اسرتها الصغيرة كنوع من المساعدة بعد أن تم القبض على أثنين من زملائهم- السود- المهاجرين بشكل غير شرعي وادت مطاردة الشرطة لأحد المدرسات المهاجرات إلى القائها لنفسها من طابق عال بالمدرسة خوفا من القبض عليها.

يجسد لنا المخرج عالم الأطفال من خلال الكادرات المنخفضة التي تأتي في قامة الأطفال الصغار وليس في قامة الكبار ويقترب منهم كثيرا مستغرقا في تفاصيلهم البصرية سواء العابهم أو اشيائهم الصغيرة التي تمثل محور عالمهم الواسع ذو الخيال المفتوح.

هذه الكادرات المنخفضة والقريبة في كثير من الأحيان تقصي عالم الكبار تماما من الكادر وتجعله دائما خارج الصورة عند الحواف او الهامش وتجعل من الأطفال المركز البصري لأغلب مشاهد الفيلم وهو ما يفيد الايقاع العام بشكل كبير فالكادر يحتوي على عشرات التفاصيل التي تخص هذا العالم الطفولي الرائع خصوصا عندما يقرر الأطفال أن يهربوا من ذويهم بصحبة الفتاة الشيشانية الصغيرة ليختبئوا في أحد الأقبية الملحقة بالمدرسة.

وتبدو هامشية العالم الأبوي او محاولة التمرد عليه من خلال اقصائه في تلك الكادرات التي تحوي الأطفال الثلاثة, الشيشانية اللاجئة وصديقيها من المدرسة بلاز واخته الصغيرة, حيث نراهم دائما في الطريق للمدرسة وقد امسك ثلاثتهم بأيدي بعضهم البعض بينما الأبوين(والدا بلاز واخته) خارج الكادر تماما.

اما الشرطة فيبرزها المخرج بشكل"فاشي"جدا على حد تعبيره في فيلمه التسجيلي"الموت في الثلاثين" حيث يتضح لنا من خلال مشاهدة كلا الفيلمين بالتتابع الزمني لأخراجهم أن"جوبيل" أستقى الكثير في"رافعي الأيدي"من ملامح طفولته في باريس وذهابه إلى الريف في بريتاني والذي وثقه لنا في"الموت في الثلاثين".

كذلك يتضح من فيلمه التسجيلي تلك النظرة التي توسم الشرطة بالعنصرية و"الفاشية" حيث نراهم في مشهد استجواب "علي" صديق الأطفال الاربعة المختفين وهم يضربونه ويعنفونه بقسوة وذلك من خلال الكادر المنخفض المتوسط للطفل على طاولة التحقيقات بلونها الأزرق البارد, بينما الطفل مثل أي مناضل ثوري يحتمل هذا العنف"السلطوي الابوي" في صلابة واصرار على كتمان سر اصدقائه.

وفي المقابل نجد في فيلم المشاغبون تلك النظرة التي تحاكم هذه السلطة الأبوية الفاشية والمريضة في نفس الوقت من خلال عينا جون الفتي الصغير الذي يتعرض يوم تخرجه من المدرسة الأبتدائية لحالة ارهاب من فتى يكبره في السن حين يقول له أنه سوف يقتله بمجرد دخوله المدرسة الثانوية.

أن جون نموذج شديد التعقيد من ناحية أنه ذكي متفوق وطيب وقنوع ومنعزل لكنه في نفس الوقت ينشأ داخل اسرة مفككة, فالأب(أولى عناصر السلطة الأبوية)سكير ونصف مجنون, لا نراه في البداية داخل الكادر عندما يظهر لاول مرة بل نرى جون في كادر منخفض ومتوسط ونشاهد الأب وهو يدخل الغرفة في مستوى قامة جون الصغير وهو جالس بينما زجاجة الخمر تطل من جيبه ويزيح جون بحركة عصبية ليفتح أحد الأدرج مستخرجا منها مفتاح زجاجة الخمر.

هذه التقديمة لشخصية الأب يليها ظهوره الكامل بشكل منفر وهو ينادي الام في منتصف الليل بعد عودته مخمورا كي يتشاجر معها بلا سبب محدد, حيث نشاهد جون وهو يحاول أن يستغرق في قراءة كتاب بينما صوت الأب من خارج الكادر يعكر عليه صفو ساعات القراءة الليلة التي تجعله أحد الطلبة المتفوقين.

وفي المشاهد التالية يستكمل المخرج عملية نقد السلطة الأبوية من خلال شخصية المدرس العنيف الذي يعاقب الطلبة بالضرب الشديد على ايديهم حيث يكتشف جون أن عليه أن يكدح في المذاكرة حتى يتمكن من مغادرة فصل هذا المدرس إلى فصل المتفوقين حيث ينتمي وحيث يقوم أحد المدرسين الواعين بالتدريس للطلبة دون عنف أو ضرب.

وتتدرج عملية نقد السلطة الأبوية من الأب للمدرس للناظر حتى تشمل اغلب شخصيات الكبار في الفيلم والتي تدريجيا يتحول جون بسبب معاملتهم القاسية والعنيفة سواء في العقاب أو التوجيه إلى مراهق منحرف ينضم إلى أحد عصابات الشوارع من الشباب انصاف المتعلمين أو المتسربين من التعليم.

يقدم المخرج رؤيته البصرية للفيلم من خلال اسلوب واقعي خشن مقتصدا ايما أقتصاد في حركة الكاميرا ومعتمدا على الكادرات الثابتة التي لا تتغير فيها الأحجام ولا تتحرك الكاميرا بل ينتقل من حجم لحجم عبر الانتقال من لقطة للقطة وليس داخل اللقطة الواحدة وذلك في محاولة للتركيز الشديد على تفاصيل العالم الخشن والعنيف الذي يعيشه بطله الصغير كذلك فإن اغلب المشاهد الخارجية يصورها في الطبيعية الخضراء للمنطقة التي يسكنها جون والتي سوف تحاكي بشكل واضح مدلول الغابة الدموية التي يكرس له المخرج في نهاية الفيلم فاغلب معارك العصابات الشابة أغلب انحرافاتهم تدور بين الأشجار وفي جو كثيف من الخضرة التي تتناقض مع دموية الاحتكاكات بينهم.

طعن المسيح

لا يشطح المخرج اسلوبيا سوى في مشهد واحد فقط هو اهم مشهد في الفيلم تقريبا والذي يعتبر بلورة حقيقية لشعور المخرج تجاه السلطة الأبوية التي ينقدها ويرفضها لكنه يشعر بمدى احتياجه لها في نفس الوقت.

فجون عقب سلسلة من الأنحرافات السلوكية التي تبدأ بتدخين السجائر وتنتهي بالسرقة والبلطجة حتى تصل إلى ضربه لوالده بعنف شديد انتقاما من كونه سكير مخمور افسد عليه طفولته, يذهب  للنوم أسفل تمثال المسيح المصلوب ساخرا منه في كفر واضح بكل القيم التي تربى عليه، فبعد أن كان يعاون القسيس وهو صغير في طقس المناولة الكنسي أصبح الان يشتم اباه الذي فوق الصليب متسائلا " من الذي علقك فوق الصليب اياها الأبلة".

وفي مشهد فانتازي يصور لنا المخرج هلوسة جون القادمة من الاوعي حين ينزل المسيح من فوق الصليب ويفتح له يديه فيحتضنه جون وكأنه ينتظر لحظة الحنان تلك من الأب منذ وقت طويل, والمسيح/ الأب هنا هو رمز الأب المادي والمعنوي الذي طالما افتقده جون سواء في الأسرة أو المدرسة او الشارع، وفجأة وسط استغراق جون بين احضان المسيح يضربه المسيح ويتعارك معه في عنف وقسوة مما يضطر جون في النهاية إلى طعنه في الجنب،هذه الطعنة لا تدين جون بقدر ما تدين الأب نفسه أو السلطة الأبوية سماوية كانت أو أرضية في معاملتها العنيفة والقاسية لجون الصغير.

ويحاول جون بعد ذلك الكابوس أن يعود إلى المدرسة ليلحق ما فاته لكنه يفاجأ بالناظر- أحد ممثلي السلطة الأبوية القاسية- والذي نراه في مشهد ساخر يقوم بضرب الطلاب على ايديهم كعقاب لهم على الحديث في حصة الموسيقى، يفاجأ جون بأن الناظر يصطحبه لفصل الكسالي أو منخفضي الذكاء حيث لا تعليم ولا اعتناء وانما مجرد مدرس اخرق يجلس ليحل الكلمات المتقاطعة تاركا الطلبة كل في ملكوته. 

هذا التصرف يستكمل حلقات الأدانة التي يضيقها المخرج حول كل رموز الأبوة في الفيلم،ولا يستثنى منها بالطبع الشرطة التي تبدو الوجة الأخر لعملة الشرطة الفرنسية الفاشية في فيلم"رافعي الأيدي"، حيث نراهم يتعاملون بمنتهي العنف والقسوة التي تصل لحد التعذيب مع الشباب الذي يتم القبض عليهم في المشاجرات، ويجد جون نفسه عندما تطرده أمه من البيت بعد ضربه لأبيه راغبا في التحرش بالشرطة وضرب افرادها كجزء من حالة التمرد ورد الفعل العكسي التي انتابته بعد أن ظل طويلا في موضع الخانع المستسلم الراغب في السلام الأجتماعي المستحيل.

الغابة

يبني المخرج فيلمه بشكل شديد الدقة لا يترك مجالا للثرثرة الفارغة أو المزايدات السياسية والنقدية الأجتماعية, بل يوظف لقطاته ومشاهده بشكل يتلاحم فكريا وسينمائيا ودون تعالي على المتفرج  وبمنتهى السلاسة والقوة, حيث يكتمل مشهد طعن المسيح بمشهد أخر يطلب فيه الاب من جون بعد عودته للمنزل أن يقتله وهو نائم! فيقوم جون بلف السكاكين حول يديه بشريط لاصق والدخول على الأب لقتله.

وتتجلى قوة الرمز في مسألة لف السكاكين بالشريط الاصق حول اليدين وكأنهما نبتا لجون بدلا من يديه, تماما مثل أي كائن حي تضطره ظروف الطبيعية إلى ظهور مخالب له كي يتمكن من التعايش مع البيئة الجديدة التي يعيش فيها, ونحن هنا أمام مجتمع تحول نتيجة غياب الدور الحقيقي للسلطة الأبوية إلى غابة, فكان من الطبيعي أن ينمو لجون مخالب/سكاكين في يديه بدلا من أن تلك الأقلام التي لم تكن تفارق يده اثناء استذكاره كأي طالب متفوق.

ويأتي الأكتمال الذي تحدثنا عنه من خلال مشهد عدم قدرة جون على طعن ابيه وهو نائم كما طلب منه بل نراه يلقي نفسه عليه محتضنا اياه تماما مثلما رأى نفسه في الحلم يحتضن المسيح ويبكى على صدره.

اما المشهد الأخير في كلا الفيلمين فيمثل ذورة النقد السياسي الذي يوجهه صناع الأفلام إلى السلطة بمختلف اشكالها وأحوالها ففي"رافعي الأيدي"يخرج الأطفال من مخبئهم بعد أن حققت حركتم الأحتجاجية أو ثورتهم السلمية غايتها بمنح صديقتهم الشيشانية حق اللجوء, يخروجون وهم رافعي الأيدي كأنهم يدينون كل السلطات التي تبحث عنهم والتي تمارس قوتها وعنفها وارهابها على مجموعة من الصغار, يخرجون رافعي الأيدي وكأنهم أسرى حرب يستسلمون أو مجرمون يسلمون أنفسهم, وهو سخرية لاذعة وشديدة التهكم على السلطة التي تحارب المستقبل المتمثل في مجموعة الأطفال لمجرد أنهم اصحاب قضية ارادوا أن يجدوا لها حلا بعد أن فشل الكبار بكل صراخهم ودخان سجائرهم وقوتهم البوليسية في حلها بالشكل الأنساني المطلوب.

أما في المشاغبون فنجد تلك الدلالة البصرية الواضحة التي تستكمل رمز المخالبظ السكاكين التي نبتت لجون في يديه من خلال زيارة فصل الدراسي لحديقة حيوان مفتوحة/ غابة ثم ترك المجموعة بما فيها المدرس والحارس لجون وصديقه المصاب بتربنه-بعد ضرب جون له- وسط الغابة المفتوحة بعد تعطل سيارة الرحلات الخاصة بالفصل, حيث نرى جون يجر زميله المعوق ذهنيا وسط الحديقة/ الغابة تحوطهم الأسود من كل جانب بينما هم لا يكترثون لها ولا تكترث لهم الأسود،وكأنهم حيوانات مثلهم في تلك الغابة الخضراء الشاسعة التي ما هي إلا دلالة حرفية للمجتمع الذي ينشأ فيه جون وأمثاله نتيجة غياب/ تخلي السلطة الأبوية فيه عن دورها الحقيقي, واستغراقها في مشاكلها الخاصة أو سوء وعيها بحقيقة دورها تجاه النشئ والأجيال الجديدة.

عين على السينما في

29/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)