حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

نبيلة عبيد:

«رابعة العدوية» نجح في السينما وفشل في التليفزيون

بقلم : نسرين السعداوي

نجمة سينمائية تميزت بموهبتها الفنية الفذة تاريخ متنوع ما بين أفلام رومانسية واجتماعية وسياسية ودينية ولذا أطلق عليها «نجمة مصر الأولي» وصاحبة أجمل ضحكة ولذا سألناها:

·         بالفعل قررت بيع ضحكتك «كرنة للموبايل» بمبلغ خمسة ملايين جنيه

- الأستاذ محسن جابر عرض علي هذا العرض وعجبني جدا أن الناس تعجبهم ضحكتي وهذا بالنسبة لي أكثر من خمسة ملايين جنيه وأسعد شعور أن الناس تحبني حتي ضحكتي.

·         أهم الرجال في حياة نبيلة عبيد؟

- إحسان عبدالقدوس من أهم رجال حياتي وكان يختار لي كل موضوعاتي واعتبره العمود الفقاري بالنسبة لي ورغم وجود الكثيرين من الكبار لكن لا يوجد مثله بالنسبة لي.

·         لماذا لا تقدمين أعمالا دينية علي غرار رابعة العدوية؟

- لم يعرض علي موضوعات دينية وأعتقد أنه ليس فيه اتجاه للقصص التاريخية الدينية التي لها أثر كمثل رابعة العدوية. كلاسيكيات

·         لماذا لا تعيدين صياغة «رابعة العدوية» كمسلسل درامي كما يفعل الآخرون الآن؟

- أنا ضد إعادة الأفلام لمسلسل لأنه سوف يتغير وربما سيأخذ شكلاً آخر لا يعجبني وربما لا يعجب الجماهير وخصوصا أن هذا الفيلم من أقوي الأفلام التي تعد من كلاسيكيات السينما التاريخية ومازالت له جماهيرية.

·         لماذا توقفت عن كتابة مسيرتك الفنية؟

- لم أتوقف ولكن الثورة وظروفها هي التي عرقلت المشروع وحاليا يحضر الكاتب مصطفي محرم قصة حياتي التي بها ألم وجهد ونجاح ودموع وآهات وضحكات والناس الذين تعلمت منهم علي مدي مشوار حياتي، لكن لا يوجد بها ما يجرح أو يخص أو يشير إلي أحد.

·         بالفعل أنت التي تختارين الذين يعملون معك؟

- المخرجون هم الذين يتولون اختيار الفنانين المتميزين وأنا مجرد رأي فقط. عمارة يعقوبيان

·         لماذا اعتذرت عن الاشتراك في فيلم «عمارة يعقوبيان»؟

- اعتذرت بسبب حالتي النفسية السيئة وقتئذ وليس بسبب الأجر كما قيل.

·         أهم جائزة كان لها صدي عند نبيلة عبيد؟

- عندما حصلت علي جائزة عن فيلم «كشف المستور» لأنني كنت متوقعة هذه الجائزة وسالت الدموع من عيني في لحظتها لأنهم قدروني لأن جوائز النقاد مهمة جدا كأهمية إقبال الجماهير علي أفلامي ولكن للأسف جرحوا فرحتي بسبب شائعة أنني دفعت نقوداً للحصول علي هذه الجائزة.

·         لقب «نجمة مصر الأولي» حذف من فيلم «الآخر» ليوسف شاهين كوجهة نظره وعاد هذا اللقب في الفيلم الذي بعد ذلك.. «لماذا»؟

- يوسف شاهين مدرسة منفردة خاصة وكان لابد أن يكون لي فيها محطة ولذا لم أمانع في وجهة نظره لأنه ربان السفينة وتعلمت منه الكثير وعملي معه إضافة وأنا بطبيعتي وتلقائيتي تلميذة لدي المخرج، لكن يوجد مخرج آخر يراني بالفعل نجمة مصر الأولي وهذا اللقب منحه لي الجمهور وبعض النقاد ولست أنا.

·         ما الممنوعات الفنية عند نبيلة عبيد؟

- أعترض علي الفنان الذي لا يحترم المواعيد وغير ملتزم أو يكون أداؤه الفني نشازاً فأنا ضد القبح بكل أنواعه.

·         من الذي أطلق عليك لقب بلبلة؟

- كل أصحابي المقربين إلي من الفنانين وليس هو كامل الشناوي، كما قيل لأنني للأسف لم أره وكنت أتمني أن أقابله. جودة العمل

·         بالفعل رفعت أجرك؟

- منذ بداياتي السينمائية وأنا ضد رفع الأجر مقابل العمل الجيد والدعاية الجيدة وارتفاع مستوي الكتابة والموسيقي ودائما أوافق علي تخفيض الأجر في سبيل جودة العمل ولأنني عقلانية أطلب التكلفة إذا كان المنتج سيوفي كل شيء لكن في التليفزيون أنا أول من حصل علي أجر مرتفع ولم يحدث بعد ذلك ارتفاع أجر.

·         فنانك المفضل؟

- الممثل العالمي روبرتو دي نيرو لأن أسلوبه الفني يعجبني جدا.

·         ماذا تفضلين: الشتاء أم الصيف؟

- أفضل فصل الشتاء وأكون في أسعد حالاتي ونشاطي في الشتاء وأكره الحر جدا.

·         الحب في حياة نبيلة عبيد؟

- أحتاج إلي وقت لكي أحب لأنني عندما أحب بضمير واخلاص لأني أخشي تغير مشاعره وأفضل أن يتحدث معي بصراحة تامة وهو الذي يبدأ وشخصية مايسة «سقطت في بحر العسل» الأقرب إلي حقيقتي.

·         بالفعل الرجل خائن بالفطرة؟

- لأن الرجل بطبيعته يحب التغيير.

·         ماذا تحبين في الرجل؟

- أولا أن يحترم عقلية السيدة وثانيا أن يكون ذكيا.

·         معظم أصدقائك نساء أم رجال؟

- معظم أصدقائي من الرجال وصداقاتي مع النساء قليلة جدا.

جريدة القاهرة في

29/11/2011

 

«أيام السينما الأوروبية» طريق الألف ميل

بقلم : د. رفيق الصبان 

تري ما هو السر الذي يكمن وراء هذه المرأة ذات الجسد النحيل والعين البراقة النافذة والإرادة الحديدية .. التي استطاعت وحدها .. وبمجهودها الخاص وعنادها وكبريائها وثقافتها السينمائية المرهفة أن تقيم مهرجانا سينمائيا فذا.. يحتل مكانة مميزة بين مهرجانات السينما في الشرق الأوسط .. ويقف متحديا «المهرجانات الخليجية» التي تنفق عليها الأموال الطائلة وتحيطها دعايات رنانة .. وتحتل صفحات كبريات المجلات والجرائد العربية وأن تقف رأسا لرأس أمام المهرجانات السينمائية المصرية التي تدعمها الدولة بنفوذها وأموالها.. وأن تفتح لصفحة المهرجانات السينمائية .. هامشا فنيا شديد الاتساع له أهميته وتأثيره وقدرته علي شق آفاق متسعة سواء لعشاق السينما أو محترفيها. مخرجة واعدة ماريان خوري .. منتجة طموحة تشارك أخيها في إدارة شركة مصر العالمية التي ورثتها عن خالها العبقري يوسف شاهين وقررت مع أخيها الذي يشاركها طموحها وجرأتها متابعة الطريق الصعب الذي عبده لهما يوسف شاهين. وهي مخرجة حساسة أخرجت عددا من الأفلام الوثائقية التي أثارت اهتمام جميع العاملين بالسينما.. منها فيلم عن رائدات السينما في مصر وآخر عن راقصة باليه أجنبية اختارت مصر سكنا وملجأ لها وأخيرا فيلم مدهش رائع عن «الجنون» صورت فيه مئات الساعات في أحد مشافي الأمراض العقلية.. واختارت هذه الساعات التي تجاوزت الثلاثمائة ساعة فيلما يروي رحلة العقل والجنون.. بأسلوب فذ تختلط فيه الواقعية القاسية بشاعرية سوداء مؤثرة ويتدفق فيه الألم مع الابتسامات المسروقة والأعين الذابلة. ولم تكتف ماريان بالإنتاج والإخراج.. وامتدت أصابعها النحيلة لتعانق العالم السينمائي كله من خلال آفاق مهرجان يحمل اسم «أيام السينما الأوروبية».. تعرض فيه أفلاما أوروبية كبيرة نجحت في اختيارها من خلال ذوقها المرهف ونظرتها السينمائية الثاقبة.. ووقفت لتتحدي بها موزعي الأفلام السينمائية في مصر الذين انحصر اهتمامهم بالسينما الأمريكية.. جاعلين منها «الطعام الوحيد» والمفضل لدي عشاق السينما في مصر. المشروع ابتدأ يزهو في عقل ماريان خوري منذ أربع سنوات قدمته علي استحياء بادئ الأمر.. قبل أن ينمو ويتطور ليتحول هذا العام إلي «مهرجان سينمائي حقيقي» يضم أفلاما ذات شهرة عالمية تلألأت في مهرجانات كبري وأفلاما أخري وثائقية وتسجيلية وثالثة عن أفلام الثورة مواكبة لزمن احتلت فيه الثورة مكانا مميزا في ضمير الشعوب العربية. كما نجحت في رسم معالم «درس في السينما» يجمع بين مخرجين كبار وطلاب من معاهد السينما وتطرح فيه إشكاليات فنية واجتماعية حول مفهوم الفن السينمائي وتكنيكه وتأثيره. كل ذلك وماريان خوري تقف وحدها أمام هذه الموجات الهائلة التي قررت أن تروضها كلها وأن تضعها في زجاجة شفافة واحدة وتقدمها عصيرا سكرا لكل من يحب السينما ويحترمها ويقدر دورها في رسم معالم ضمير فني جديد. شجرة وارفة الظلال الزهرة الصغيرة التي زرعتها قبل أربعة أعوام ماريان خوري شبت فجأة لتصبح شجرة كبيرة ذات أوراق حمراء وظل واسع كيف استطاعت هذه المرأة نحيلة الجسد المتقدة العينين أن تحقق هذه المعجزة وما هو اللغز الكبير الذي يقف وراءها ؟! غموض أبو الهول وسريته ودماء الفينيقيين المتفجرة في عروقها وخيوط نابليون التي رماها من وراء البحار.. كل ذلك تجمع في قبضتي ماريان خوري لتنثره علينا لآلئ متوهجة تضيء في العتمة الثقافية السينمائية التي نعيش فيها. فما هذه الأوراق الذهبية الأطراف التي تلقيها علينا ماريان في دورة مهرجانها الرابع .. الذي ألقت راضية عبئه كله علي كتفيها. أفلام اختارتها من مهرجان «كان» أولها «كآبة» فون تراير المخرج الدنماركي الذي حاربته إدارة المهرجان الفرنسي هذا العام واعتبرته شخصا غير مرغوب فيه وعلي ذلك أصرت لجنة التحكيم علي منح فيلمه جائزة التمثيل .. وحرمانه هو من أية جائزة يستحقها بسبب تعاطفه مع العرب وهزئه الساخر من العنصرية ضد اليهود!! ماريان تكرم علي طريقتها «فون تراير» وتعطي لعرض فيلمه أهمية خاصة إلي جانب تشجيعها الدائم لسينما البلاد الواطئة «هولندا وبلجيكا» بتقديم نماذج شديدة القوة من انتاجهما خصوصا فيلم «الإخوة دروين» «الفتي ذو الدراجة» الذي يتكلم عن الحنان في زمن بات فيه الحنان بين الناس حلما بعيد المنال. كما تعرض مجموعة من الأفلام الفرنسية المنتقاة والتي أشعت في مهرجان «كان» الأخير واستحقت جوائز كبري ورشحت لجوائز الاتحاد الأوروبي كفيلم «الفنان» الذي يعود بنا إلي أيام السينما الصامتة أيام مجد الصورة وتألق الممثل، وفيلم «بوليس» الذي يتكلم ببراعة عن أطفال المهاجرين والأحياء العشوائية، والعنف والقسوة، بلد يرفع راية الثقافة والحرية والكرامة، كما أضاف النسخة السينمائية للفيلم الفرنسي «اساباس» عن الإرهابي «كارلوس» ومسيرته الغامضة والمثيرة للتساؤلات إلي جانب عرض آخر أفلام بدرو المودونار «الجلد الذي أحمله» وهو فيلم يعتمد علي سيناريو مشوق مليء برموز المخرج الأسباني وتهويماته وجنونه والذي أثار انقساما حادا لدي جمهوره. وبالمناسبة لابد أن نذكر أن ماريان خوري كانت أول من تجرأ علي عرض أفلام هذا المخرج الأسباني في مصر منذ الطبعة الأولي لمهرجانها السينمائي واستطاعت أن تعرف به جمهور مصر العريض! الذي يختلف اختلافا جذريا عن جمهور النقاد والمختصين. راهنت عليه بقوة وفازت برهانها لأن المودونار أصبح الآن ورقة رابحة في دفاتر عشاق السينما ومريديها في مصر.. إلي جانب إلقائها الضوء علي أفلام من البوسنة ورومانيا وألمانيا .. لم يكن ليتسن لنا رؤيتها لولا عناد ماريان خوري وإصرارها. دورة راقية الثورات .. احتلت جانبا كبيرا في عروض هذه الدورة الراقية من مهرجان ماريان خوري هناك فيلم عن مسيرة «شاوشيسكو» الروماني صعوده وسقوطه، وهناك فيلم آخر عن حرب البوسنة وهناك ثالث عن ثورة البرتغال «ثورة القرنفل» وعن ثورة إيران الخضراء وهناك فيلم «كريس ماركر» الذي تعيد ماريان اكتشافه والذي يروي صفحات مدهشة من ثورة طلاب 1968 بأسلوب وثائقي وشعري يميز أعمال هذا المخرج الكبير الذي تحاول ماريان خوري إعادة الضوء إلي عالمه. وهناك الفيلم المصري «الطيب والشرس والسياسي» .. الذي يضم رؤية ثلاثة مخرجين شبان شديدي الموهبة عن ثورة يناير الأخيرة والذي حقق نجاحا خاصا عند عرضه في مهرجان «فينسيا» الأخير. وهناك أيضا وعلي الخصوص فيلم الألماني الكبير فيم فاندرز الذي خصصه للحديث عن نبغة الرقص المسرحي الحديث «بينابوش» في فيلم مدهش يجمع بين خصوصية المخرج الألماني ورهافة فن الراقصة والمصممة العالمية في مزيج فني صعب وساحر لا يقدر عليه إلا مخرج استثنائي كفيم فاندرز. ماريان خوري أمسكت بقبعة الساحر ووقفت أمامنا متحدية لتخرج لنا ونحن فاغري الفاه مناديلها السحرية الملونة وتقذفها في وجوهنا سحابة من العطر والسحر والجمال. انها أشبه ما تكون بـ«سالومي» والتي تخلع أرديتها السبعة أمام أنظارنا الملهوفة طالبة رأس يوحنا المعمدان لكن الرأس المقطوع الذي تقدمه لنا ماريان خوري هذه المرة هو رأس الإنتاج المبتذل الرخيص الذي قررت أن تحاربه بكل ماتملكه من سلاح وقوة وذكاء وجرأة. ولتقف منتصرة رافعة يديها نحو شمس جديدة تنتظرها بشغف.. ويقف وراءها متحمسين كل عشاق السينما في مصر.

جريدة القاهرة في

29/11/2011

 

خيرية أحمد خوخة «ساعة لقلبك»

بقلم : ياقوت الديب 

«محمود ياحبيبي أسخن لك السلاطة ياحودة؟»، عبارة كوميدية صنعت خصيصا لترددهاعلي أسماعنا نجمة الكوميديا "خيرية أحمد" في البرنامج الإذاعي الفكاهي الأشهر "ساعة لقلبك" منذ خمسينات القرن الماضي أمام استاذ الكوميديا "فؤاد المهندس" ومعه كوكبة من نجوم الكوميديا الراقية التي نشأ جيلي عليها و عرفناها واستمتعنا بها، فعن طريق هذا البرنامج عرفنا: "عبدالمنعم مدبولي" صاحب مدرسة خاصة يجب أن تدرس لكل من يريد أن يصنع لنفسه تاريخا وقيمة في عالم الكوميديا عندنا. هذه المدرسة التي أطلق عليها "المدبوليزم" نسبة الي هذا العملاق والمسرحي الكبير أداء وإخراجا، عرفنا محمد فرحات عمر أو "الدكتور شديد" وهو موهبة رفيعة المستوي ومثقف لايعرفه أحد والتي خلدته جملته المشهورة "ومالو ياخويا.. يارب ياخويا يارب" أو شخصية "أمشير أفندي" في مسرحية "30 يوم في السجن" لفرقة الريحاني، كذلك من نجوم "ساعة لقلبك" الفنان محمد يوسف أو "المعلم شكل" تلك الشخصية التي لم تتكرر في تاريخ المسرح أو السينما في مصر لخصوصية أدائها أو لملامح مؤديها أو صوته الذي يدل عليها باقتدار، كذلك النجمان المميزان: محمد أحمد المصري "أبو لمعة" و فؤاد راتب أو "الخواجة بيجو" ونوادرهما المفجرة للضحك المحترم والاستمتاع بأداء أخاذ. كوميديا راقية قائمة كبيرة من نجوم كبار شكلوا فيما بينهم مدرسة للكوميديا في مصر يدين كل كومبدياناتنا لقواعدها وأصولها ومناهجها، مع الفارق في تلك الكوميديا المسفة التي دخلت دون استئذان من الأبواب الخلفية كلصوص الليل، ومن منا ينسي نجوم "ساعة لقلبك": "عقيلة راتب"، "محمد عوض"، "أمين الهنيدي"، الرغاية أو خالتي بمبه "ملك الجمل"، وبالطبع القديرة الأشهر "خيرية أحمد" آخر كوميديانات "ساعة لقلبك". وعبارة "محمود ياحبيبي أسخن لك السلاطة ياحودة؟".. تصورت للحظة أن تؤديها أي من ممثلاتنا سواء الراحلات منهن أو الباقيات، كبيرات السن أو الصغيرات، نجمات التراجيديا أو الكوميديانات ... وكانت المفاجأة أنها عبارة لاتستطيع غير "خيرية أحمد" أن تؤديها كما أدتها هي بعفويتها وذكائها الفطري وملامح شخصيتها الغاية في البساطة والتلقائية، ومن منا لا يشعر أنها أمه أو شقيقته أو جارة له في حي شعبي أو بنت بلد بجد، تتحدث بلغتنا وتعبر عن مشاعرنا وتتفاعل مع همومنا ومشاكلنا بلا مبالغة أو تعال علي أدوار الشخصيات الشعبية التي تصادفنا في الحي أو الديرة أو الناحية ... لقد جاءت شخصيتها من حارات مصر ودروبها وشوارعها وعطوفها، وبكل ما تحمل هذه الشخصية من عادات وتقاليد أصيلة ترسخت في الوجدان الشعبي وشكلت معالم الشخصية المصرية، في زمن انقلبت فيه الموازين وضاعت فيه فضيلة الحفاظ علي أخلاقيات الزمن الجميل، وتاهت معالم الطريق لبناء إنسان جديد. عطاء متواصل الفنانة "خيرية أحمد" فاض عطاؤها في ساحة الفن المصري وتنوعت أدوارها، وان كانت في كل منها لم تبتعد عن دور أولاد البلد الطيبين أصحاب الهمة ممن يعتمد عليهم في اسداء الرأي وأخذ المشورة، وممن يعدون مرجعا للحكمة الشعبية وملجأ للرأي السليم. وعلي مدي مايزيد علي نصف القرن من الزمان، وهبت حياتها للفن علي اختلاف وسائله وأدوات تعبيره، وكرست له كل جهدها وأخلصت العطاء دون تحيز أو تفضيل لهذه الوسيلة عن تلك، فقد قدمت للإذاعة والمسرح والسينما والتليفزيون مع كبار المخرجين والمؤلفين، أعمالا تعد من علامات الفن في مصر، علي الرغم من أنها لم تكن البطلة الأولي، وعلي الرغم من أنها لم تحظ بدور بطولة واحد باستثناء دورها في برنامج "ساعة لقلبك" أمام "فؤاد المهندس"، ولم تسع يوما ما لفرض نفسها لتلعب دور البطولة أو تأخذه عنوة كما تفعل بعض ممثلات اليوم المغرورات بجمالهن واللائي يعتمدن أدوار الإثارة والمشاهد الساخنة والعري جوازا للمرور الي عالم الفن، وللأسف يجدن من يروج لهن وينفق الملايين لعمل أفلام تافهة بقدر تفاهتهن في الحياة. الشخصية المصرية وجد المخرجون في الإذاعة والمسرح والسينما والتليفزيون الفنانة الراحلة "خيرية أحمد" الشخصية المصرية الأصيلة التي تضفي علي أعمالهم مصداقية الواقعية الاجتماعية المهمومة بطرح قضايا الناس ومشكلاتهم الحياتية في شكل كوميديا نقدية هادفة راقية المستوي بعيدة عن الابتذال والاستظراف وسوقية الحوار وتفاهة الكلمة. في الإذاعة كانت شهرتها تملأ الأثير من خلال برنامج "ساعة لقلبك" والتي كانت بطلته بلا منازع علي هيئة "دويتو" غاية في الرقة مع العملاق "فؤاد المهندس"، علي الرغم من وجود أسماء كبيرة من فنانات جيلها أمثال: "نبيلة السيد" و "عقيلة راتب" و"ملك الجمل" وغيرهن، الا أنها استحقت أن تنتزع دور البطولة منهن بما حباها الله من خفة ظل وحضور وتلقائية وبساطة في الأداء، وبروح كوميدية تمتع السامعين. ومن فرط نجاح هذا البرنامج الخفيف الذي كانت مدة عرضه لاتزيد علي خمس دقائق والذي احتل مكان الصدارة في الترفيه والترويح عن الناس في خمسينات القرن الماضي، جاءت فرقة "ساعة لقلبك" المسرحية وبنفس أبطال البرنامج الإذاعي لنري علي خشبة المسرح مانسمعه في الإذاعة حتي تصل درجة التفاعل مع المشاهدين لأقصي مداها من خلال العرض الجماهيري الحي. علامات بارزة ولمكانة "خيرية أحمد" وقدرها في عالم الكوميديا، كان مخرجو المسرح لايجدون مفرا من الاستعانة بها في أعمالهم الكوميدية أو مسرحياتهم ذات الصبغة الواقعية لتضفي عليها روح الدعابة والفكاهة الراقية، أمام زملائها فناني "ساعة لقلبك". لقد قدمت العديد من المسرحيات لمؤلفين كبار وكتّاب مسرح من الطراز الأول، منها مسرحيات: "المغماطيس"، "الناس اللي تحت" للكاتب المسرحي الكبير "نعمان عاشور"، "الطرطور"، "مهرجان الحرامية"، "كلام رجالة"، "نمرة 2 يكسب"، "ممنوع الستات".. وغيرها من المسرحيات التي شكلت علامات بارزة في المسرح الكوميدي المصري. كذلك انتبه مخرجو السينما الي هذه الموهبة التي زاعت شهرتها في الإذاعة وعلي خشبة المسرح الكوميدي، فأسندوا اليها العديد من الأدوار السنيدة التي تكون في الغالب المرآة التي تعكس لبطل الفيلم أو بطلته صورته الحقيقية أمام الناس، ولعب دور الناصح أو المستشار أو المرشد الذي يشير الي الطريق الصحيح للبعد عن الانحراف والشطط ... هكذا عرفنا "خيرية أحمد" في مجمل أدوارها السينمائية التي غلفها الطابع الكوميدي، فقدمت للسينما عشرات الأفلام وتعامل معها فطاحل المخرجين في مصر بدءا من العملاق الكبير "يوسف شاهين" في فيلم "ابن النيل"، والرواد: "صلاح أبو سيف" في "الطريق المسدود"، "محمود ذو الفقار" في "الرباط المقدس"، "فطين عبد الوهاب" في "الفانوس السحري"، "حسن الإمام" في "بمبة كشر" و"أميرة حبي أنا"، "هنري بركات" في "أخواته البنات"، "عاطف سالم" في "السيرك". ومن جيل مخرجي الوسط تعاملت مع "علي عبدالخالق" في فيلم "ظاظا"، ومن المخرجين الشباب استعان بها "علي رجب" في فيلم "صايع بحر"، وكان فيلم "علي جنب ياأسطي" إخراج "سعيد حامد" آخر أفلامها. الشاشة الصغيرة وكان للتليفزيون نصيب وافر من عطاء "خيرية أحمد" خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث شكلت الدراما فيه محور نشاطها الفني فقدمت مايزيد علي الخمسة عشر عملا تليفزيونيا تعد من أشهر إنجازاتها والتي قدمها مخرجون ومؤلفون كبار لهم ثقلهم واحترام أعمالهم أمثال: "ابراهيم الشقنقيري" في "ساكن قصادي"، "مجدي أبو عميرة" في "أين قلبي"، "اسماعيل عبد الحافظ" في "عفاريت السيالة" و"حدائق الشيطان".. وغيرها من المسلسلات الزائعة الصيت ومنها: "مشوار أمرأة"، "قلب ميت"، "في أيد أمينة"، "رمانة الميزان"، "ملك روحي"، "الحقيقة والسراب"، "سوق الخضار"، وكان آخر مسلسل "فرح العمدة" الذي لم يعرض بعد، إلي جانب مسلسل "ابن موت" تأليف "مجدي صابر" وإخراج "سمير سيف" المقرر عرضه في رمضان المقبل. هذه هي باختصار مسيرة الفنانة الراحلة "خيرية أحمد" التي لحقت بطابور الراحلين هذا العام 2011 بعد: نادية عزت، كمال الشناوي، حسن الأسمر، هند رستم، طلعت زين، وعمر الحريري.. إنها رحلة عطاء بلا حدود، لم تحظ خلالها بجائزة مهرجان أو شهادة تقدير من الدولة.. رحلت في صمت بعد رحلة كفاح امتدت لأكثر من نصف قرن من الزمان، وبعد أن تركت ميراثا من الكوميديا تميزت هي به، رحلت ومعها تقدير واحترام الملايين من جمهورها في مصر والعالم العربي، وهذا يكفيها.

جريدة القاهرة في

29/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)