حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الفيلم العربي ببرلين:

حربٌ أهلية، ثوراتٌ، وفكاهة ( 1 )

صلاح سرميني ـ برلين

"فادي عبد النور"، فلسطينيّ، يعيش في برلين منذ عام 2002، وبالإضافة إلى عمله الأساسيّ في التصميم الغرافيكي، فهو ناشطٌ سينمائيّ شارك في تأسيس، وإدارة "جمعية  أصدقاء الفيلم العربي" التي تُنظم (مهرجان الفيلم العربي في برلين)، وعلى الرغم من محادثاتنا الهاتفية الطويلة، والمُتكررة قبل شهورٍ من انعقاد الدورة الثالثة خلال الفترة من 2 وحتى 10 نوفمبر 2011، ومعرفتي ببعض تفاصيلها، فقد تخيّرت في حواري معه بأن ألعب دور "محامي الشيطان"، وأستفزّه بأسئلةٍ، وتساؤلاتٍ بعضها ساذجٌ، وبسيط، وأخرى خبيثةٌ، ومضمرة، بعد إقناعه بأنني لستُ متخصصاً في إجراء الحوارات، ولا أميل إليها، وأُفضل عليها النقاش المُتبادل، وبدوره، استسلم لهذه اللعبة المكشوفة، وتخلص بمهارةٍ من كلّ الشباك التي نصبتُها حوله، حتى أننا في بعض اللحظات لم نعدّ ندرك من يُحاور من ؟.

هذا الحوار (القراءة)، محاولةٌ للتعرّف أكثر على مهرجانٍ سينمائيّ لا يشبه في طبيعته، توجهاته، وبرمجته المهرجانات الأوروبية الأخرى المُهتمة كلياً، أو جزئياً بالسينما العربية التي يُنظمها عادةً مجموعات من المهاجرين، أو من أصولٍ عربية، بغرض تحقيق أهدافٍ ثقافية، اجتماعية، سياسية، اندماجية، وفي بعض الأحيان، ترفيهية، وإيجاد جسورٍ من التواصل مع الأوطان الأصلية، هم عادةً من الناشطين المُخلصين، أو المُتاجرين بالسينما، وقضايا المهاجرين، حيث تتحول بعض المُبادرات أحياناً عن أهدافها النبيلة، وتصبح وسيلةً سهلةً، و"مُمتعة" للارتزاق مُستغِلين حسن نوايا الجهات الأوروبية الداعمة، والتي تتباين جدية الرقابة الإدارية، والضرائبية فيها من بلدٍ إلى آخر، حيث يبدو، من خلال التجربة، بأنها متساهلة للغاية في هولندة، دقيقةٌ، وصارمةُ  في السويد، وشحيحةُ في بلجيكا.

***

يتكوّن فريق عمل (مهرجان الفيلم العربي في برلين) من مجموعةٍ شبابية متعددة الجنسيات (فلسطين، السعودية، مصر، تونس، لبنان، كندا، هنغاريا، سويسرا، روسيا، وألمانيا،  ..)، جعلني أتساءل عن المُبررات التي دفعت هؤلاء إلى الاهتمام بالسينما العربية .

تعود الأسباب إلى إعجابٍ، وتقديرٍ للثقافة العربية، ومعظم هؤلاء من الجنسيات الأجنبية حاولوا في فترةٍ ما تعلم اللغة العربية، أو هم، بالفعل، يعرفون القليل منها، إنه اهتمامٌ مشتركٌ بالثقافة بشكلٍ عام، والأهمّ، الاستمتاع بالعمل في هذا المجال.

ولكنّ السينما العربية ـ ماعدا المصرية ـ تُعاني في بلدانها الأصلية من ابتعاد الجمهور عنها، فكيف لها أن تحظى بقبول الجمهور الألماني، وفي "برلين" بالتحديد، المدينة المُتخمة بالمهرجانات، والتظاهرات السينمائية من كلّ نوع.

بفضل الزخم السينمائيّ الذي يعيشه، يمتلك الجمهور الألماني، والجاليات المُقيمة في ألمانيا أذواقاً متطوّرة، إنها معادلة معكوسة، الأفلام التي تحظى على نجاحٍ جماهيريّ في البلاد العربية، رُبما لن تجد لها مكاناً في ألمانيا، بينما تستقبل صالاتها السينمائية الأفلام النوعية من كلّ أنحاء العالم .

بعد تجربة الوسط السينمائي مع مهرجانٍ آخر للسينما العربية في دولةٍ أوروبية مجاورة، بدأنا نشكّ في نوايا أيّ شخصٍّ يقدم على مبادراتٍ مُشابهة، وأصبحنا نعتقد بأنه سوف يتاجر بالسينما (كما الحال في مهرجاناتٍ عربية أيضاً)، وفي إحدى محادثاتنا الهاتفية خلال التحضير للدورة الثالثة،  قلتَ لي، بأنك تعمل في التصميم الغرافيكي، ومن وقتٍ إلى آخر في مطعم، ما الذي يشدّك إذاً إلى أوجاع السينما العربية، وتنظيم مهرجانٍ عنها .

 وهل تشكّ في نوايانا، من بين أعضاء الفريق هناك مثلاً "ويلترود هيمبوس" المسئولة عن العلاقات العامة، والأمور التنظيمية، درست السينما دراسةً أكاديمية، "ليفيا روتيشوسير" التي رافقتكَ من المطار إلى الفندق، جمعت بين دراسة الرقص، والدراسات الثقافية، "كلوديا رمضان" التي برمجت الأفلام التجريبية (Fluid Spaces)، والأفلام الصادمة (Shocking Arabs) درست بدورها السينما.

عندما كتبتُ خبراً صحفياً مطوّلاً، ومن ثمّ قراءةً أوليةً عن المهرجان، طلبتُ منك تحديد صفتك المهنية، وشرحتَ لي بأنكم تعملون بطريقةٍ جماعية، هل تعرف بأنّ هذه الصفات أصبحت متداولة في الوسط السينمائي العربي، والبعض يقاتل من أجل الحصول عليها، كي يسجلها في سيرته المهنية، أو يعلنها بزهوٍّ في أيّ مناسبة يتواجد فيها حتى ولو كانت مزيفة، ولا تعكس فعلياً حقيقة الخدمات التي يقدمها إلى هذا المهرجان، أو ذاك، ولم يقتنع هؤلاء بعد بأنهم، وفي أحسن الأحوال، ليسوا أكثر من "جامعي أفلام"، ولكنهم لا يرضون بصفاتٍ أقلّ من (مراسل، مندوب، منسّق، مبرمج، ومستشار،..)، وتصل جرأة البعض بأنهم يقدمون أنفسهم نقاد سينما، والأكثر خطورةً، تنطلي هذه الأكاذيب على بعض المهرجانات العربية الأخرى، إن لم نقلّ معظمها، ويبدو بأنّ هناك علاقة تواطئ ضمنيّة، أو مُعلنة مع المهرجانات التي يتعاملون معها، بمعنى، خدمات مجانية بسيطة جداً في مقابل دعوة، وصفاتٍ مهنية ضخمة تسمح لهم بالمُتاجرة بها، والقفز من مهرجانٍ إلى آخر عن طريقها، حتى ينكشف أمر الطرفين، ويتضح بأنّ مديري هذه المهرجانات يستخدمون نوعية معينة من المُتعاونين من أجل التمويه على ممارساتٍ احترافية فاسدة، واختلاساتٍ مالية مباشرة، أو مُقنعة.

سمعنا عن هذه السلوكيات، ونعرف بأنها موجودة، من طرفنا، نحاول اعتماد نموذجاً آخر من العمل، باعتقادي، واحدة من التغييّرات التي سوف تحدث في العالم العربي، هي التوّجه نحو المشاريع المؤسّساتية، وليس الأفراد.

من جهةٍ أخرى، لا يشكلّ المهرجان "قطعة حلوى دسمة" يلتفّ حولها أحد، لأنهم لن يجدوا ما يبحثون عنه : توسيع علاقاتهم الانتهازية مع الوسط الفني، مكافآت مادية، أو فوائد معنوية،...

ورُبما يتجنبونا، لأننا نمتلك القدرة على فرز الحقيقي من المزيف، ببساطة، لم نتعرّض لهذه الاختراقات، وأعتقد بأنّ تعاونكَ "الأخطبوطيّ" مع كلّ المهرجانات الأوروبية المهتمّة بالسينما العربية سوف يُبعد هؤلاء عنها .

كنتُ متحمساً للتعرّف على المهرجان عن قرب، ومحاولة رصد الدورة الثالثة، وخلال الأيام الأربعة التي قضيتها معكم، وأنتم لم تبخلوا عليّ بدعوةٍ لفترة المهرجان كلها، لاحظتُ الروح الجماعية التي تسيطر على فريق العمل، كلّ واحدٍ يمتلك مهمةً خاصة، وعامة، ولم أشعر بأنّ هناك رئيساً "بالمعنى العربي للصفة"، يتحرك بكبرياءٍ، وعظمة، ويغضب من هذا، ويتذمرّ من ذاك، أو حتى يختال بين الضيوف، والجمهور في ملابس رسمية تميّزه عن الآخرين.

تُبهجني ملاحظتكَ، نحن نجتمع بشكلٍ دوريّ، ولا يحكم عملنا هيكلية عمودية، كلّ واحد من أعضاء الفريق يتساوى في الأهمية مع الآخر، ونعرف بعضنا قبل تأسيس المهرجان، وتوسّعت دائرة معارفنا عن طريق المهرجان نفسه، علاقاتنا الشخصية جيدة، وتجمعنا مودّة خاصة.

يمكن القول، بأنّ أحد أسباب نجاح المهرجان اعتماده على العمل الجماعيّ، وبرأينا، عندما يسيطر شخصٌ واحدٌ على مشروعٍ ما، أو يرتبط به، فإنّ احتمالات فشله كبيرة جداً.

هل تعتقد بأنّ هذه الروح الجماعية الحالية سوف تستمرّ في المستقبل ؟

سوف نبذل جهدنا كي تستمرّ، ونفضل أيضاً بأن تستمرّ، وفي النهاية، هذا الأمر يعود لنا.

كيف بدأت فكرة تأسيس المهرجان ؟

انطلقت المُبادرة من غياب السينما العربية عن المشهد السينمائي الألماني .

وماذا يهمّك أن تكون السينما العربية غائبة، أو حاضرة في المشهد السينمائي الألماني ؟

يعود السبب، رُبما، إلى علاقتي بالنشاط السياسيّ، والثقافيّ، كنت دائماً من الناشطين، وهذا الأمر يجعلني أشعر دائماً باحتياجاتٍ مُفتقدة في البلد الذي أعيش فيه، ينطوي ذلك على رغبةٍ بتغيير الواقع.

أقصد السينما ليست واحدةً من مشاغلكَ الاحترافية ؟

أعمل في التصميم الغرافيكي، ولديّ اهتمام خاصّ بالصورة، والسينما بشكلٍّ عام.

في الدورة الأولى لم تتوفر لديكم ميزانية كافية، فأنفقتم من جيوبكم.

نعم، وفي الدورة الثانية أيضاً حصلنا على بعض الدعم، وأكملنا الباقي من جيوبنا، وحتى الآن نُعاني من الديون السابقة.

وما هي أسباب هذه التضحيات المازوخية، أقصد لماذا تنفقون على المهرجان من جيوبكم ؟ من حقّ كلّ واحدٍ منكم الحصول على أجرٍ وُفق العمل الذي يؤديه .

المهرجان، بالنسبة لنا، مشروعٌ ثقافيّ للفائدة العامة، وكلّ واحدٍ من أعضاء الفريق لديه عمله الخاصّ، وهو ناجحٌ فيه، ولم يكن المهرجان وسيلةً لإيجاد فرص عملٍ لنا.

... يتبع

الجزيرة الوثائقية في

22/11/2011

 

الفيلم العربي ببرلين:

حربٌ أهلية، ثوراتٌ، وفكاهة ( 2 )

صلاح سرميني ـ برلين 

"فادي عبد النور"، فلسطينيّ، يعيش في برلين منذ عام 2002، وبالإضافة إلى عمله الأساسيّ في التصميم الغرافيكي، فهو ناشطٌ سينمائيّ شارك في تأسيس، وإدارة "جمعية  أصدقاء الفيلم العربي" التي تُنظم (مهرجان الفيلم العربي في برلين)

هذا الحوار (القراءة)، محاولةٌ للتعرّف أكثر على مهرجانٍ سينمائيّ لا يشبه في طبيعته، توجهاته، وبرمجته المهرجانات الأوروبية الأخرى المُهتمة كلياً، أو جزئياً بالسينما العربية التي يُنظمها عادةً مجموعات من المهاجرين، أو من أصولٍ عربية، بغرض تحقيق أهدافٍ ثقافية، اجتماعية، سياسية، اندماجية، وفي بعض الأحيان، ترفيهية، وإيجاد جسورٍ من التواصل مع الأوطان الأصلية، هم عادةً من الناشطين المُخلصين، أو المُتاجرين بالسينما، وقضايا المهاجرين، حيث تتحول بعض المُبادرات أحياناً عن أهدافها النبيلة، وتصبح وسيلةً سهلةً، و"مُمتعة" للارتزاق.

بالإضافة إلى الأفلام التي شاركت في البرنامج العام، روائية طويلة، وقصيرة، وتسجيلية، كانت هناك أيضاً برامج تكريمية خُصصت للمخرجيّن اللبنانييّن "برهان علوية"، و"مارون بغدادي"، لماذا لم يركز المهرجان على سينمائيٍّ واحد، وإذا كان الهدف تكريم السينما اللبنانية، أنت تعرف بأنه لا يمكن اختصارها باثنين فقط.

هناك أمران مهمّان، فقد رغبنا بإعادة الاعتبار لأشخاصٍ كانوا من الروّاد، وفي نفس الوقت التركيز على أفلام المؤلف.

·         ولكن، لماذا هما بالذات، وليس غيرهما ؟

يتعلق الأمر بآليات البرمجة نفسها، إذا أخذنا كلّ أفلام الحرب اللبنانية، سوف تصبح "محطة"، وكانت الفكاهة في السينما العربية "محطة" الدورة الثالثة، وهما اثنان من أهمّ مخرجي جيلهما، ويغطيان جانبيّن، "مارون بغدادي" في الروائي، و"برهان علوية" في التسجيلي.

·         كانت العروض الاستثنائية للمخرج السوري "عمر أميرلاي" بسبب رحيله ؟.

نعم، ولكن فكرنا بتكريمه عندما كان على قيد الحياة، ولم نتوقع وفاته بدون مقدمات، وبهذه السرعة، كانت إشارة أيضاً، بأنه مهما حاولت الأنظمة منع هذه الأفلام، أو غيرها من العرض في بلدها، فإنها لن تستطع منعها في أماكن أخرى.

·         وصل إلى إدارة المهرجان حوالي 400 فيلم كانت عملياً مُوجهة للبرنامج العام، كيف تمّت الاختيارات ؟

وزعنا الأفلام على أعضاء الفريق، وبدأ كلّ واحدٍ يغربل وُفق اختصاصاته، ومن ثمّ عمدنا إلى تصفيةٍ أخرى، وعندما وصلنا إلى مرحلة الاختيارات النهائية، حددنا عدد الأفلام التي نحتاجها بالعلاقة مع المساحة الزمنية المُخصصة لها، واخترنا المجموعة التي عُرضت في البرنامج العام.

·         وعن البرامج الأخرى، التكريمات، العروض الخاصة، والمحطة، ...

كانت برامج مُنسّقة مسبقاً، كنا نتملك تصوراً أوليّاً، وبمُشاهدتنا للأفلام التي وصلتنا، اخترنا منها ما هو مناسبٌ للبرامج الأخرى.

·         كيف خطرت لكم فكرة تنظيم محطة "الفكاهة في السينما العربية".

بدأت الفكرة في شهر أكتوبر من العام الماضي 2010.

·         هل تعتقد بأنّ هذه الفترة مناسبة للفكاهة، لماذا لم تتوّجه البرمجة، كحال الكثير من المهرجانات، نحو الثورات العربية.

نشعر بأنّ هذه المهرجانات تتاجر بالثورة.

·         وما أدراكم بنوايا الآخرين ؟

ـ من خلال بعض المُؤشرات، عندما يعرض مهرجانٌ ما في دورةٍ من دوراته السابقة، وفي أحسن الأحوال، فيلماً عربياً واحداً، وفجأةً، نجده، في هذه السنة، يعرض عدداً كبيراً من الأفلام عن الثورة بنوعياتٍ مختلفة، المهمّ أن تتضمن برامجه أفلاماً عن الثورات العربية، هل استيقظت المهرجانات الآن فقط، وعرفت بأنّ هناك شعباً عربياً، وسينما عربية ؟.

الأمر الفنيّ الأهمّ، لا يوجد حتى تاريخ انعقاد المهرجان عدداً كبيراً من الأفلام ذي قيمة تُصلح لاحتفاليةٍ كبيرة عن الثورات العربية، ما يزال الوقت مبكراً، يحتاج الفيلم إلى وقتٍ طويل لإنجازه، وبالذات، الأفلام الجيدة، وقد تخيرنا منهجاً في الاختيار يعتمد على النوعية، والقيمة الفنية، ولهذا، لن نعرض فيلماً لم يصل إلى المستوى النوعيّ الذي نرتضيه لأنه فقط عن الثورة، وسوف يجلب جمهوراً.

·         ولكن، الجمهور الألماني يحتاج إلى معرفة ماذا يحدث بغضّ النظر عن نوعية الأفلام ؟

ـ الأفلام الأخرى لا تقلّ أهميةً عن أفلام الثورات، هل يُفترض بأن نعرض فيلماً يُوثق تظاهراتٍ، ويجمع مقابلاتٍ كي نحصل على شهادة حسن سلوك ثوريّ ؟

بالنسبة لنا، المهرجان ليس مكاناً مناسباً لعرض الريبورتاجات، والتقارير الإخبارية.

ألم يخطر في بالكم الانتقادات القاسية التي سوف تتعرّضون لها، وحتى اتهامكم بأنكم تعيشون في عصر آخر.

طبعاً فكرنا بالموضوع، وقررنا الاحتفاظ بتيمة الفكاهة، ونحن سعداء بذاك القرار، لأنّ أشكال الكوميديا، وموضوعاتها في السينما العربية مختلفة، ومتباينة المستوى، وليست دائماً رخيصة، ومبتذلة.

·         في هذه الفترة العصيبة من تاريخنا هل نحتاج إلى الضحك ؟

لِمَ لا، في ميدان التحرير، وفي عزّ أحداث الثورة المصرية، كانت هناك مجموعاتٍ تقدم مقطوعاتٍ مسرحية فكاهية على نفس الأهمية من الخطابات السياسية، حتى أنّ الكثير من الشعارات التي رفعها المتظاهرون تضمّنت حساً كوميدياً، وفي تونس أيضاً.

·     سلامة في خير"(نيازي مصطفى، 1938)، "غزل البنات"(أنور وجدي، 1949)، و"اعترافات زوج" (فطين عبد الوهاب، 1964)،... شبعت عرضاً في القنوات التلفزيونية العربية.

جمهور المهرجان لا يشاهد هذه القنوات، وبرأينا، ما يزال الفيلم، أيّ فيلم، يحتفظ برونقه عندما يعرض في صالة بنسخته الأصلية 35 مللي، بينما يفقد الكثير من جمالياته عند مشاهدته في المنزل على شاشة التلفزيون، والدليل، بأنكَ جئتَ من باريس إلى برلين لمُشاهدة هذه الأفلام الكوميدية، وشاهدتكَ تتابعها بشغف.

صحيح، السبب الذي يجعلني أشاهد هذه الأفلام من جديد متعددة، ومنها الحنين إلى سينما أكثر براءةً، المُشاهدة في صالة عرضٍ تذكرني ببداية علاقتي مع السينما، رصد ردود أفعال المتفرجين من العرب، والأجانب، كنتُ بصحبة الناقد السينمائي المصري "كمال رمزي"، واستمتعنا جداً بمُشاهدة هذه الأفلام، وكنا نخرج من الصالة في حالة انتشاءٍ غريبة.

ـ لقد تعوّدنا على نمطٍ معين من الأفلام التي تصل إلى المهرجانات، وهي في غالبها تتطرّق إلى مواضيع إشكالية : الاضطهاد السياسيّ، حرية المرأة، الختان، عمالة الأطفال، الفولكلور،..

·         تقصد الجوانب الاستشراقية بشكلٍ عام.

نعم، هناك أفلامٌ كثيرة بعيدة عن هذه المواضيع، ولا يفكر صُناعها بعرضها خارج جغرافيا العالم العربي، أو إرسالها إلى مهرجاناتٍ، اعتقاداً منهم بأن أحداً لن يهتمّ بها.

 حتى المهرجانات العربية لا تهتمّ بهذه النوعية، وهي تركض دائماً خلف الأفلام التي يُقال عنها "جادةّ"، لقد وجدتُ في "سلامة في خير"، و"غزل البنات"،... صدقاً لم أجده في "18 يوم في مصر"، وشعرت بالكآبة بعد مشاهدتي الفيلم اللبناني "طيب، خلاص، يلا"(رانيا عطية، دانييل غارسيا، 2010).

هامش : الحوار التالي تمّ عن طريق الهاتف.

·     فادي، لقد غادرتُ برلين قبل يومين من ختام المهرجان، كيف كانت حصيلة الدورة الثالثة، هل أنتم راضون عن نتائجها، ما هي الإيجابيات، والسلبيات ؟.

نحن راضون عنها طبعاً، فقد تميّزت بعدة إيجابياتٍ، فقد كانت أول دورة استقبلنا خلالها ضيوفاً، مخرجين، نقاد، منتجين، وصحفيين، ومن ثمّ، كان إقبال الجمهور مُرضياً، وتركنا انطباعاً إيجابياً لدى الصحافة المحلية.

·         ما هي أعداد الجمهور في الدورات السابقة ؟.

2000 متفرج في الدورة الأولى، 4000 في الثانية، ومن هذا التضاعف توقعنا 7000 للدورة الثالثة، ولكن كان العدد 5000 فقط ؟

·         والسلبيات ؟

تنحصر في الأمور التنظيميّة، علينا أن نتوخى الدقة، ونعمل بشكلٍ أفضل، مثلاً الانتهاء من البرمجة قبل وقتٍ مناسب، بشكلٍ عام هي سلبيات مرتبطة بالتنظيم، ...

بالنسبة لي، كانت الندوة عن السينما اللبنانية بدون فائدة، لأنه لم يكن هناك جمهور، وكان المُشاركون (ثريا بغدادي، نجا الأشقر، إبراهيم العريس، شارلوت بانك) يتحاورون فيما بينهم بحضور بعض أفراد فريق العمل.

 كان اهتمام المتفرجين منصباً على أفلام الثورة، حتى في الندوة الأخرى عن الفكاهة (زكية طاهري، أحمد بوشعلة، شريف البنداري، كمال رمزي، فيولا شفيق) كان العدد قليلاً بالمُقارنة مع السنة الماضية.

ـيعود السبب، رُبما، إلى توقيت الندوات نفسها، بعد ظهر يوميّ السبت، والأحد.

 لم ندرس بعد حصيلة المهرجان كي نُحدد الأمور السلبية، والإيجابية، سؤالكَ سابقٌ لأوانه.

·         هل أنشر ما ذكرتَه عن السلبيات ؟

طبعاً، ما في مشكلة، لا يوجد عملٌ بدون سلبيات، إدراك الجوانب السلبية يساعدنا على تفاديها مستقبلاً.

الجزيرة الوثائقية في

27/11/2011

 

"شقاء" الشرق الاوسط في مهرجان (أدفا) السينمائي

محمد موسى 

لعشرة ايام، ستهيمن السينما التسجيلية على كل النشاطات الثقافة والفنية الاخرى في مدينة أمستردام الهولندية. فتفسح عديد من صالات السينما العريقة في المدينة، المجال لعروض سينما تسجيلية، لا تطل كثيرا من على شاشات تلك الصالات. وتمتليء شوارع مركز المدينة بملصقات المهرجان، واحيانا بتلك التي تخص افلام معينة من المهرجان. وخاصة من تلك التي تحمل تسميات (افلام القضايا)، وكما يحلو للمهرجان نفسه ووسائل الاعلام ان تصف هذا النوع من السينما التسجيلية، اي تلك التي يهمين الموضوع على الشكل السينمائي.. فالتسجيل مازال يعني للكثيرين "القضايا" التي يقدمها، ويتراجع الاسلوب والمقاربة السينمائية امام فداحة "القضية" وآنيتها.

لن يكون مهرجان امستردام الدولي للسينما التسجيلية ( أدفا)، والذي بدأت دورته الرابعة والعشرين في السادس عشر ويستمر الى السابع والعشرين من شهر نوفمبر الجاري، مهرجان افلام "القضايا" السياسية والاجتماعية فقط. هو يمنح مساحة دائمة لسينما تسجيلية تجريبية مختلفة، تتميز دائما بمحاولاتها ايجاد حلول بصرية واسلوبية مبتكرة. فاحدى تظاهرات المهرجان الدائمة، مخصصة للسينما التسجيلية التجريبية، اذ سيعرض في برنامج (Paradocs) ثلاثة وعشرين فيلما. كذلك يسعى المهرجان الى ملاحقة حركة "الميديا" المتسارعة، والشكل الفيلمي المستوحى من تفاعل الميديا "القديمة" مع ذلك الذي شرعته شبكة الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي والتصوير عبر الهواتف النقالة وكاميرات الكمبيوتر. هذه الافلام ستجد مكانها في المهرجان ضمن مسابقة (DocLab) لافضل فيلم يستعين بوسائل الاعلام الحديثة، لسرد قصته التقليدية احيانا.

لكن معظم الانتباه والتغطيات الاعلامية، ستتجه الى تلك الافلام التي تتعرض الى انشغالات العالم ومآسيه. والتي تتوزع على مسابقات المهرجان وتظاهراته المختلفة. فتحضر "فلسطين" في مسابقة الافلام التسجيلية الطويلة للافلام التي يتجاوز طولها الستين دقيقة، بفيلمين هما: (خمس كاميرات مكسورة) والذي يحمل توقيع مخرجي فلسطيني عماد برناد وزميله الاسرائيلي غاي دافيدي. والفيلم يسجل يوميات قرية صغيرة قطعها الجدار الاسرائيلي العازل الى قسمين، والوضع الجديد الذي خلقه هذا التقطيع على حياة ابناء القرية، الذين ينظمون انتفاضة طويلة احتجاجا على الاثار المدمرة للجدار. ويعرض في المسابقة نفسها فيلم ( سينما جنين) للمخرج الالماني ماركوس فيتير والذي يسجل جهود المخرج وابناء مدينة جنين الفسطينية لاعادة تشغيل سينما المدينة المهجورة من ايام الانتفاضة الفلسطينية الاولى في نهاية عقد الثمانيات. الفيلم لا يخلو طبعا من التعرض لتاريخ المدينة الفلسطينية الحديث وخاصة السنوات الدامية الاخيرة. فمشروع فيلم (سينما جنين) لم يكن في حسبان المخرج الالماني والذي حضر الى المدينة لتسجيل قصة آخرى، عن الاب الفلسطيني الذي تبرع باعضاء ولده المقتول برصاص قناص اسرائيلي الى اطفال اسرائليين مرضى. ويعرض ايضا وضمن برنامج ( صور منعكسة: افضل ما في المهرجانات) فيلم (سوسيا)،للمخرجين الاسرائيلين داني روزنبيرغ و يافو كروس عن عودة فلسطيني مهجر الى قريته الفلسطينية لاول مرة وبعد مرور حوالي 50 عاما على تركها.

وستحضر ايران بفيلمان في مسابقة الافلام التسجيلية الطويلة ايضا هما: (غوزاران: مرور الوقت) من آخراج فرانك سخيفير والذي يقدم قصة الموسيقي الايراني الذي كان يعيش العاصمة النمساوية فيينا، والذي يتلقى عرضا بادارة فرقة المويسيقى الكلاسيكية الايرانية الرسمية. لكن بعد سنتين من العمل هناك، يعود الى "فيينا" ليروي ما حدث له في طهران. وفيلم (رسائل من ايران) للمخرجة الفرنسية مانون لويزه والتي نجحت رغم الحضر الاعلامي الرسمي على وسائل الاعلام الاجنبية من البقاء في ايران في العامين الماضين، لتسجل يوميات الانتفاضة الشعبية الايرانية التي اعقبت الانتخابات الرئاسية الايرانية في صيف عام 2009. وفي تظاهرة (الماسترز) سيعرض فيلم (هذا ليس فيلما) للمخرجين الايرانيين جعفر بناهي ومجتبى مرتاهامسب. ويكشف الفيلم، الذي كان قد عرض لاول مرة في الدورة الماضية من مهرجان كان السينمائي، المحنة الشديدة التي يعيشها المخرج الايراني بناهي، والذي صدرت بحقه الاحكام الايرانية الرسمية المعروفة، بالحبس ست سنوات ومنع مزاولة المهنة لعشرين عاما.

واذا بقينا مع الافلام التي تهتم بتسجيل اثار الاحداث السياسية والحروب في منطقة الشرق الاوسط. يعرض وضمن تظاهرة (بانوراما) فيلم (في أحضان امي) للاخوين العراقيين محمد وعطية الدراجي.

ويسجل الفيلم الذي عرض الشهر الماضي في الدورة الخامسة لمهرجان ابو ظبي السينمائي، محاولات مدير دار خاصة للايتام في بغداد، الابقاء على الدار والاطفال فيها رغم الظروف المالية الصعبة. في حين يقدم فيلم ( سلام دانك) للمخرج الامريكي ديفيد فان، فريق طلابي لكرة السلة النسائية، يتالف معظمه من عراقيات تركن العاصمة العراقية ومدن عراقية اخرى، واستقررن في مدينة السليمانية في منطقة كردستان العراق. وتحت ثيمة الرياضة النسوية ودلالاتها المتعددة في بلدان مثل العراق، يعرض وضمن تظاهرة (بانوراما) فيلم ( بنات الملاكمة في كابول) للمخرج الافغاني اريل ناصر، الذي يظهر التحديات التي تواجها فتيات افغانيات اخترن الملاكمة كرياضة، في وقت تعجز فتيات آخريات في امكنة اخرى من البلد الاسيوي من الذهاب الى المدارس، بسبب النفوذ الذي لازلت تملكة حركة طالبان الافغانية.

عربيا ايضا، يعرض ضمن تظاهرة (افضل افلام المهرجانات) فيلم (التحرير 2011، الطيب والشرس والسياسي) للمخرجين تامر عزت، أيتن أمين وعمرو سلامة ويتناول الفيلم والذي سبق ان عرض مسبقا في مهرجانات فينسيا وابو ظبي السينمائيين. الثورة المصرية التي اسقطت نظام الرئيس المصري حسني مبارك. والفيلم التسجيلي الجزائري (ال غاستو) للمخرجة صافيناز بو صبايا والتي فازت عن فيلمها هذا بجائزة افضل مخرجة في الدورة الاخيرة لمهرجان ابو ظبي السينمائي.

مسابقات وتظاهرات

يعرض مهرجان "أدفا" وضمن مسابقاته، برامجه، تظاهراته الاستعادية حوالي 350 فيلم، الامر الذي يجعله واحدا من اكبر مهرجانات السينما التسجيلية في العالم، وايضا واحد من اكثرها رصانة وانفتاحا على تيارات واتجاهات سينمائية متنوعة، وجذبا للمخرجين السينمائيين ذو السمعة الكبيرة، او اولئك الذين يشاركون بافلامهم الاولى.

ينظم المهرجان والى جانب جانب مسابقة الافلام الطويلة والتي تضم 17 فيلما المسابقات التالية: مسابقة الافلام المتوسطة الطول (45- 60 دقيقة) والتي سيعرض فيها 16 فيلما. مسابقة افضل فيلم تسجيلي اول، والتي ستم اختيار جائزتها الاول من ستة عشر فيلما لهذا العام. مسابقة افلام الطلبة. مسابقة افضل تسجيلي هولندي. مسابقة الافلام الخضراء، لافلام موضوعات البيئة، الارض، الغذاء. مسابقة الافلام الموسيقية، للافلام التسجيلية بموضوعات تتناول فرق او حركات موسيقية. جائزة (البلاك بيري) لافضل فيلم يتم اختياره عن طريق لجنة تحكيم يترواح اعمار اعضائها بين 15 و 21 عاما.

ومن تظاهرات هذا العام السينمائية يخصص المهرجان تظاهرة للسينما التسجيلية البرازيلية من العقدين الاخريين. اذ سيعرض 19 فيلما لمخرجين معروفين مثل جوس بايدها وجو مورييا واسماء شابة اقل شهرة في اوربا ايدواردو كاونتهو والذي سيعرض له اربعة افلام في تظاهرة موازية.

ويكرم المهرجان لهذا العام المخرج الامريكي ستيف جيمس بتنظيم برنامج استعادي لسبعة من افلامه التسجيلية، اضافة الى ذلك، سيفسح المهرجان للمخرج، وفي تقليد سنوي، باختيار عشرة من افلامه التسجيلية المفضلة لتعرض في برنامج خاص على هامش ايام المهرجان.

وسيعرض وضمن تظاهرة (Kids & Docs) 18 فيلما مخصصة للاطفال من اعمار 9 الى 11 عاما. اما في تظاهرات المهرجان الرئيسية الاخرى والتي توازي اهميتها مسابقات المهرجان الرسمية فهي:برنامج ( افضل ما في المهرجانات) والذي سيعرض فيه 32 فيلما، حققت اصداء واسعة عند عروضها في مهرجانات حول العالم لهذا العام. برنامج ( بانوراما) والذي سيعرض 68 فيلما، تسجل اغلبها الثمن البشري الباهض للصراعات السياسية والتحولات الاجتماعية المستجيبة لها. برنامج (الماستر) والتي تعرض 29 فيلما لابرز "أساتذة" السينما التسجيلية في العالم.

وبالاضافة الى عروض الافلام التسجيلية، ينظم المهرجان تجمع (FORUM) والذي يعد الاكبر في اوربا، ويجمع فيه مخرجين ومنتجين باحثين عن تمويل لمشاريعهم التسجيلية مع قنوات تلفزيونية ومؤسسات ثقافية وفنية. كذلك ينظم المهرجان ومنذ سنوات سوق بيع الافلام التسجيلية، حيث يوفر صالة خاصة للموزعين والقنوات التلفزيونية لمشاهدة افلام المهرجان المعروضة للبيع.

مما يذكر ان ادارة المهرجان كانت قد بدأت قبل اشهر بعرض مجموعة من الافلام تحت موضوعة (الربيع العربي) وعلى موقعها الالكتروني على شبكة الانترنيت. اذ عرضت افلام للمخرج السوري الراحل عمر اميرلاي، اضافة الى افلام تسجيلية اخرى، كشف بعضها عن الانهيار الكبير الذي يضرب مجتمعات عربية عدة، والتي مهدت لثورات الربيع العربي التي انطلقت في بداية هذا العام.

الجزيرة الوثائقية في

27/11/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)